الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والشراح للبخاري يرون في الغالب أنه يرى أن إحصاءها حفظ ألفاظها. وهذا هو المتبادر وحجتهم رواية البخاري الأخرى في كتاب الدعوات وفيها [لا يحفظها أحد إلا دخل الجنة]. (1)
ولكن هناك رأي معاصر للدكتور عبد الله الغنيمان الذي قال: إن عادة البخاري رحمه الله التي سار عليها في كتابه أنه إذا جاء لفظ في الحديث، وفي القرآن لفظ يوافقه في اللفظ والاشتقاق أنه يذكره، وإن كان لا يوافقه في المعنى، وأمثلة ذلك كثيرة، كما قال.
وعلل أن قوله: (أحصيناه) حفظناه، يشير إلى قوله تعالى:{وكل شيء أحصيناه في إمام مبين} يس 12، وقد فسره البخاري رحمه الله في كتاب التفسير عند سورة (يس) بنفس التفسير. (2)
ثم ذكر التعليل لذلك من قول الأصيلي (3) رحمه الله إن الحفظ قد يقع للكافر والمنافق كما في حديث الخوارج " يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم". (4)
فبان أن البخاري يرى حفظها ولم يصرح بغيره إلاّ ما علّله الدكتور الغنيمان والجمهور على أن الإحصاء هو الإحاطة والفهم والدعاء بها وهو الذي يوافق الأدلة والله أعلم.
المبحث الرابع: الأسماء التي ذكرها البخاري
رحمه الله:
أورد البخاري رحمه الله بعض الأسماء الحسنى على سبيل الذكر تارة، وعلى سبيل بيان عدم مطابقتها ومشابهتها لأسماء المخلوقين، ويتضح ذلك من الأحاديث التي يوردها تحت الباب:
ومن الأسماء التي ذكرها:
1: الله جل جلاله
فبوب رحمه الله بقوله: قال تعالى: {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن} الإسراء 110، والاسم (الله) الذي ورد كثيرا في القرآن مأخوذ من إله وتقديرها " فُعلانية" بالضم، فتقول: إله بين الالهية والأُلهانية، وأصله من يأله إذا تحير، يريد إذا وقع العبد في عظمة الله جل جلاله، وغير ذلك من صفات الربوبية، وصرف همه إليها. أبغض الناس حتى لا يميل قلبه إلى أحد. (5)
واختلف العلماء في اسم الله هل هو مشتق أم جامد؟ وقد ناقش الإمام ابن القيم الذين يرون عدم اشتقاقه، وذكر أن حجتهم أن الاشتقاق يستلزم مادة يشتق منها، واسمه تعالى قديم، والقديم لا مادة له، فيستحيل الاشتقاق.
(1) صحيح البخاري. الدعوات باب 68.
(2)
الفتح 4/ 1806.
(3)
عبد الله بن إبراهيم الأموي الأصيلي، عالم بالحديث والفقه له باع في الخلافيات، (ت 392 هـ) الأعلام (4/ 63).
(4)
شرح كتاب التوحيد الغنيمان 1/ 221.
(5)
النهاية لابن الأثير 1/ 62.
ورد ابن القيم أن القائلين بالاشتقاق ليس هذا مقصودهم، وإنما أرادوا أنه دال على صفة له تعالى وهي الإلهية كسائر أسمائه الحسنى كالعليم والقدير وغيرها، فإن هذه الأسماء مشتقة من مصادرها بلا ريب، وهي قديمة والقديم لا مادة له. (1)
وقال: القول الصحيح أن الله أصله من الإله كما قال سيبويه وجمهور أصحابه إلا من شذ (2)، وهو علم على الله تبارك وتعالى لا يسمى به غيره.
ورحم الله سيبويه حين سئل عنه، فقال: الله: أعرف المعارف.
2: الرحمن
ورد هذا الاسم في القرآن الكريم نحوا من (75) مرة.
والرحمة هي الرقة والتعطف، ورحمن أشد مبالغة من رحيم، وإن كانا مشتقين من الرحمة؛ لأن بناء فعلان أشد مبالغة من فعيل ونظيرهما نديم وندمان، وقوله الرحمن يجمع كل معاني الرحمة من الرأفة والشفقة والحنان واللطف والعطف. (3)
ويروى عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {هل تعلم له سمياً} مريم 65، قال ليس أحدٌ يسمى الرحمن غيره. (4)
وقال صلى الله عليه وسلم: قال الله عز وجل: " أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسماً من اسمي (5) ".
(1) بدائع الفوائد 1/ 22 - 23.
(2)
المصدر السابق.
(3)
تفسير الطبري 1/ 57، التوحيد لابن منده 2/ 47.
(4)
تفسير الطبري 16/ 106.
(5)
الإمام أحمد 1/ 191 من حديث عبد الرحمن بن عوف، أبو داود 1695 وهو صحيح بطرقه.
وهناك من أدعى عدم معرفة العرب لهذا الاسم واستشهدوا بقوله تعالى: {وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن} الفرقان 60، واستدل أيضاً بإنكار قريش عند توقيع معاهدة الحديبية لما قال الرسول صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال سهيل بن عمرو: أما الرحمن فو الله، ما أدري ما هي، ولكن اكتب بسمك اللهم كما كنت تكتب. (1)
ويرد عليهم كما قال ابن جرير رحمه الله: " وقد زعم بعض أهل الغباء أن العرب كانت لا تعرف الرحمن (2) ".
وبين أن ذلك جحوداً منهم بدليل قوله تعالى: {وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم} الزخرف 20، وبأشعار العرب كقول سلامة بن جندل الطهوي (3):
عجلتم علينا إذ عجلنا عليكم وما يشاء الرحمن يعقد ويطلق
وهذا الاسم من الأسماء الخاصة بالله غير المشتركة مع خلقه، كما قال ابن كثير - رحمه الله تعالى.
والحاصل أن من أسمائه تعالى ما يسمى به غيره، ومنها مالا يسمى به غيره كاسم الله والرحمن والخالق والرازق ونحو ذلك. (4)
(1) البخاري ح 2731.
(2)
تفسير ابن جرير 1/ 44.
(3)
سلامة بن جندل ت 23 ق. هـ، شاعر جاهلي من أهل الحجاز، له ديوان مطبوع رواه الأصمعي - الأعلام 3/ 106.
(4)
ابن كثير 1/ 21.
3: (الرزاق)
ورد اسم الرزاق في آية واحدة وهي التي بوب بها البخاري رحمه الله بقوله: باب "إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين"؛ وورد بصيغة الجمع خمس مرات منها قوله تعالى: {والله خير الرازقين} الجمعة 11.
والرزق ما ينتفع به، يقال رزق الخلق رَزقاً ورِزقاً، فالرزق بفتح الراء هو المصدر الحقيقي، والرزق بكسرها الاسم، ويجوز أن يوضع موضع المصدر، والجمع أرزاق، والرزاق من أبنية المبالغة (1)، وفي معناه قال ابن جرير رحمه الله: الرزاقُ خلقَه المتكفل بأقواتهم.
وقال الخطابي: هو المتكفل بالرزق والقائم على كل نفس بما يقيمها من قوتها وسع الخلق كلهم رزقه ورحمته، فلم يختص بذلك مؤمناً دون كافر، ولا ولياً دون عدو يسوقه إلى الضعيف الذي لا حيل له، ولا متكسب فيه، كما يسوقه إلى الجلد القوي ذي المرة السوي، قال سبحانه:{وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم} العنكبوت 60، وقال جل شأنه:{وما من دآبة في الأرض إلا على الله رزقها} (2) هود 6.
(1) لسان العرب 3/ 1636.
(2)
شأن الدعاء صـ 54.
وقال السعدي -رحمه الله تعالى-: (الرزاق) لجميع عباده فما من دآبة إلاّ على الله زرقها، ورزقه لعباده نوعان:
1 -
رزق عام شمل البر، والفاجر، والأولين والآخرين، وهو رزق الأبدان.
2 -
الرزق الحلال: وهو رزق القلوب وتغذيتها بالعلم والإيمان والرزق الحلال الذي يعين على صلاح الدين، وهذا خاص بالمؤمنين على مراتبهم منه بحسب ما تقتضيه حكمته ورحمته. (1)
وقد أنكر الله تعالى على المشركين عبادتهم للأوثان والأصنام مع إنها لا تملك لهم رزقاً فقال: {ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقاً من السموات والأرض شيئاً ولا يستطيعون} النحل 73، ومثله قوله تعالى:{الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركاءكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون} الروم 40، أي لا يقدر شركاؤكم على شيء من ذلك، بل لو أمسك الله سبحانه الرزق عن الناس، فلا يملك أحدٌ أن يفتحه عليهم من دون الله، كقوله {أمن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه} (2) الملك 21، ورزقه تبارك وتعالى بلا مشقة ولا كلفة ولا تخصيص لأحد دون أحد، بل {الله لطيف بعباده يرزق من يشاء وهو القوي العزيز} الشورى 19، ومنه حديث الباب عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما أحد أصبر على أذىً سمعه من الله يدّعون له الولد ثم يعافيهم ويرزقهم) ومعناه أن الله واسع الحلم حتى مع الكافر الذي ينسب له الولد فهو يعافيه ويرزقه.
(1) تفسير السعدي 5/ 302.
(2)
انظر نحوه في تفسير الطبري 29/ 6.
وهنا تنبيه: أن كثرة الرزق لا تدل على محبة الله للعبد وهذا الظن هو الذي اعتقده الكفار {وقالوا نحن أكثر أموالاً وأولاداً وما نحن بمعذَبين قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ولكن أكثر الناس لا يعلمون وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحاً فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون} سبأ 35 - 37، وهذا من الاستدراج {أيحسبون إنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون} المؤمنون 55 - 56.
ولا يعارض هذا أن التقوى وطاعة الله سبب عظيم للرزق والبركة {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض} الأعراف 96، وقال:{ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب} الطلاق 2 - 3، وقال {لئن شكرتم لأزيدنكم} إبراهيم 7.
بقي أن نقول أن أعظم رزق يرزقه الله لعباده هو الجنة، قال تعالى:{والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقاً حسنا وإن الله لهو خير الرازقين} الحج 58، وقال {ومن يؤمن بالله ويعمل صالحاً يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً قد أحسن الله له رزقاً} الطلاق 11، فهذا الرزق الذي لا ينقطع وليس بدٌ منه ولا استدراج ولا نهاية {إن هذا لرزقنا ما له من نفاد} ص 54، جعلنا الله ممن كتب له هذا الرزق.
4 -
السلام
ورد هذا الاسم مرة واحدة في قوله تعالى: {الملك القدوس السلام المؤمن} الحشر 23.
والسلام والسلامة البراءة، وتسلم منه تبرأ منه، والسلامة العافية. يقال سلم يسلم سلامة، ومنه قيل للجنة دار السلام؛ لأنها دار السلامة من الآفات، ومنه قوله:{والسلام على من اتبع الهدى} طه 47، أي من اتبع هدى الله سلم من عذابه وسخطه. (1)
وقال ابو حاتم الرازي (2): فالله عز وجل وضع هذا الاسم يريد السلام بين عباده ليكون أماناً لهم فيما بينهم، فإذا سلّم أحدهم على الآخر، فقد أعطاه الأمان، كأنه يقول قد سلمت من قبلي. (3)
وقال ابن كثير رحمه الله: " السلام أي من جميع العيوب والنقائص لكماله في ذاته وصفاته وأفعاله (4) ".
وقال الإمام ابن مندة (5) رحمه الله: [سورة ومعنى السلام أن ذات الله عز وجل خلصت بانفراد الوحدانية عن كل شي، وبانت عن كل شيء، وأخلصت به القلوب إلى توحيد الله وسلمت، قال تعالى، {إلا من أتى الله بقلب سليم} (6) الشعراء 89.
(1) لسان العرب 3/ 2078، والنهاية 2/ 392، شرح الأسماء الحسنى للزجاج صـ 30.
(2)
محمد بن إدريس الرازي من أقران البخاري ومسلم له تفسير مشهور، (ت 277 هـ) الأعلام (6/ 27).
(3)
أصول الكلمات صـ 293 د. محمد يعقوب تركستاني.
(4)
تفسير ابن كثير 4/ 343.
(5)
محمد بن إسحاق بن مندة من كبار حفاظ الحديث المكثرين من التصنيف، (ت 395 هـ) الأعلام (6/ 29).
(6)
التوحيد 2/ 68.
والله هو السلام، ومنه السلام، وإليه السلام، فيسلم على عباده {سلامٌ قولاً من رب رحيم} يس 58، ويستقبل عباده بدار السلام، ويدعو إليها {والله يدعو إلى دار السلام} يونس 25، وقد صرح النبي صلى الله عليه وسلم في تسمية الله بالسلام، وبوب به البخاري رحمه الله في كتاب الاستئذان [باب (السلام اسم من أسماء الله تعالى)].
وهذا جزء من حديث رواه البخاري في الأدب المفرد فقال: "إن السلام اسم من أسماء الله تعالى وضعه الله في الأرض فأفشوا السلام بينكم". (1)
وأورد البخاري حديث " كنّا نصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم فنقول السلام على الله" فأرشدهم النبي عليه الصلاة والسلام إلى المشروع في السلام.
وحديث الباب نهيٌ عن إلقاء السلام على الله؛ لأنه هو السلام، وأرشدهم عليه الصلاة والسلام لقول التحيات لله والصلوات والطيبات) الحديث.
قال الخطابي: المراد أن الله هو ذو السلام فلا تقولوا السلام على الله فإن السلام منه بدأ وإليه يعود، وهنا نشير إلى فقه أم المؤمنين خديجة -عليها رضوان الله- ففي حديث أنس قال: قال: جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم: إن الله يقريء خديجة السلام، يعني فأخبرها. فقالت: إن الله هو السلام، وعلى جبريل السلام وعليك يا رسول الله السلام ورحمة الله وبركاته. (2)
ففهمت أن الله لا يرد عليه السلام مثل المخلوقين؛ لأن السلام اسم من أسماء الله. ويرى الحافظ رحمه الله أن إيراد البخاري لهذا الاسم الإشارة إلى ذكر الأسماء التي تسمى الله
(1) الأدب المفرد صـ 437 وحسنه ابن حجر.
(2)
النسائي في فضائل الصحابة ح 254 وإسناده حسن.
بها وأطلقت مع ذلك على المخلوقين (1) ففي الحديث "السلام عليك أيها النبي" وتحية المؤمنين يوم يلقونه "سلام".
(1) الفتح 13/ 378.
5 – المؤمن
قال الزجاج: أصل الإيمان التصديق والثقة: وقال الله عز وجل: {وما أنت بمؤمن لنا} يوسف 17، أي لفرط محبتك ليوسف لا تصدقنا. فهذا بمعنى التصديق، والمعنى الآخر هو الأمان الذي ضده الإخافة قال تعالى:{وآمنهم من خوف} (1) قريش 4، وقد وردت في آية واحدة {السلام المؤمن المهيمن} الحشر 23. قال ابن جرير: المؤمن الذي يؤمن خلقه من ظلمه، ويروى عن ابن عباس رضي الله عنه المؤمن الذي أمن خلقه أن يظلمهم (2) وقال الغزالي: المؤمن، الذي يعزى إليه الأمن والأمان بإفادته أسبابه وسده طرق المخاوف ولا يتصور أمن وأمان إلا في محل الخوف والمؤمن المطلق: هو الذي لا يتصور أمن وأمان إلاّ ويكون مستفاداً من جهته، وهو الله سبحانه وتعالى. (3)
وقال السعدي (4) رحمه الله المؤمن الذي أثنى على نفسه بصفات الكمال وبكمال الجلال والجمال الذي أرسل رسله وأنزل كتبه بالآيات والبراهين، وصدق رسله بكل آية وبرهان، ويدل على صدقهم وصحة ما جاءوا به. (5)
ويقال أيضاً ما قيل في السلام من أنه سمى نفسه وسمى بعض خلقه فلا منافاة، فالمؤمن من اتصف بالإيمان فلا حرج في تسمي غير الله بهذا الاسم.
(1) شرح الأسماء الحسنى - للزجاج صـ 31
(2)
تفسير الطبري 28/ 36.
(3)
المقصد الأسنى ص 70.
(4)
عبدالرحمن بن ناصر السعدي، مفسر من علماء الحنابلة، مولده ووفاته في القصيم، له [التفسير المشهور: تيسير الكريم المنان في تفسير كلام الرحمن] (ت 1376 هـ) الأعلام (3/ 340).
(5)
تفسير السعدي 5/ 301. وانظر التوحيد لابن منده 2/ 68.
6 -
الملك
بوب له البخاري بقوله تعالى: {ملك الناس} الناس 2، وأورد فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه:" يقبض الله الأرض يوم القيامة ويطوي السماء بيمينه ثم يقول: أنا الملك اين ملوك الأرض".
وقد ورد في القرآن خمس مرات منها {فتعالى الله الملك الحق} طه 114، وقد ورد باسم (المالك) كقوله {مالك يوم الدين} ، ومرة باسم المليك {عند مليك مقتدر} القمر 55، والملك هو المتصرف بالأشياء حسب إرادته ومشيئته، لا راد لأمره ولا معقب لحكمه، قال الطبري رحمه الله أخبر أنه ملك الناس وهو ملك جميع الخلق انسهم وجنهم وغير ذلك، إعلاماً منه بذلك من كان يعظم بعض الناس تعظيم المؤمنين ربهم: أنه مُلك من يعظمه وأن ذلك في ملكه وسلطانه، تجري عليه قدرته، وأنه أولى بالتعظيم وأحق بالتعبد له ممن يعظمه ويتعبد له من غيره من الناس. (1) وقال الراغب: الملك هو المتصرف بالأمر والنهي. (2) قال الزجاج: قال أصحاب المعاني: الملك النافذ الأمر في ملكه، إذ ليس كل مالك ينفذ أمره وتصرفه فيما يملكه، فالملك أعم من المالك، والله تعالى مالك المالكين كلهم، والملاّك إنما استندوا التصرف في أملاكهم من جهته تعالى. (3) وقال: أما الناس فقد تملك مع العجز عن التصرف، كأن يكون المالك صبياً أو مجنوناً ووليهما لا ملك له مع أن التصرف ثابت له. (4)
(1) تفسير الطبري 30/ 354.
(2)
مفردات الراغب صـ 472.
(3)
شرح الاسماء الحسنى - الزجاج ص 3.
(4)
المصدر السابق.
فإذا كان الملك المطلق إنما هو لله وحده لا شريك له فالطاعة المطلقة إنما هي له وحده لا شريك له، فملك الملوك هو الله، ولذلك ورد النهي عن التسمّي ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم:"إن اخنع اسم عند الله رجل تسمى بملك الأملاك". (1)
والتوفيق بين الترجمة وحديث الباب ظاهر وهو أن الناس الذين يوجد منهم الملوك والجبابرة، والذين يذل لهم ويخضع لهم بعض العباد قد يصرفون لهم ما هو خالص حق الله من العبادة هؤلاء ملك له تحت قهره، آخذ بنواصيهم، ويظهر ذلك جلياً بقبض الأرض. يقول:(أنا الملك أين ملوك الأرض)، فيعرف قدرهم وقدر ملكهم الذي أورثهم الذل والصغار. (2)
(1) البخاري ح (5853).
(2)
شرح كتاب التوحيد للغنيمان بتصرف 1/ 143 - 144.
7 -
العزيز
ورد هذا الاسم في القرآن اثنتان وتسعون مرة.
والعز في اللغة: القوة والشدة والغلبة، فرجل عزيز: منيع لا يغلب ولا يقهر، وعزني فلان على الأمر، أي غلبني ومنه {وعزني في الخطاب} سورة ص 23، وعز يعز فهو عزيز، قل حتى ما كاد يوجد فأصبح نادراً. (1) قال قتادة العزيز، أي في نقمته إذا انتقم. (2) قال السعدي رحمه الله العزيز الذي له العزة كلها، عزة القوة والغلبة والامتناع، فامتنع أن يناله أحد من المخلوقات. وقهر جميع الموجودات واتت له الخليقة وخضعت لعظمته. (3)
وعلى هذا يكون معنى الاسم على أربعة أوجه:
1 -
العزيز هو: المنيع الذي لا يرام جانبه.
2 -
العزيز هو: القاهرة الذي لا يغلب ولا يقهر.
3 -
العزيز هو: القوي الشديد.
4 -
العزيز بمعنى: نفاسة القدر وأنه سبحانه لا يعادله شيء ولا مثيل ولا نظير.
(1) النهاية لابن الأثير 3/ 28.
(2)
تفسير الطبري 28/ 36.
(3)
تفسير السعدي 5/ 300 - 301.
وهذا الذي نظمه ابن القيم رحمه الله بقوله في الكافية الشافية:
وهو العزيز فلن يرام جنابه أنى يرام جناب ذي السلطان
وهو العزيز القاهر الغلاب لم يغلبه شيءهذه صفتان
وهو العزيز بقوة هي وصفه فالعز حينئذ ثلاث معان
وهي التي كملت له سبحانه من كل وجه عادم النقصان (1)
(1) الكافية الشافية 2/ 218.