الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث: عدّ الأسماء الحسنى وإحصاؤها
بوب البخاري - رحمه الله تعالى- بقوله، باب (إن لله مائة اسم إلا واحداً)، ثم أورد حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال عليه الصلاة والسلام، أن لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة.
وهنا اختلفت عبارات العلماء وآراهم في عد الأسماء الحسنى وفي إحصاءها، أما عن عددها فالجمهور على أنها أكثر من ذلك كما حكاه الإمام النووي - رحمه الله تعالى- وقال، ليس في الحديث حصر أسماء الله تعالى، وليس معناه أنه ليس له اسم غير هذه التسعة والتسعين، وإنما مقصود الحديث، أن هذه الأسماء من أحصاها دخل الجنة، فالمراد الإخبار عن دخول الجنة بإحصاءها لا الإخبار بحصر الأسماء. (1)
وقال الخطابي رحمه الله، إنما هو بمنزلة قولك أن لزيد ألف درهم أعدها للصدقة، وكقولك، أن لعمرو مائة ثوب من زاره خلعها عليه، وهذا لا يدل على أنه ليس عنده من الدراهم أكثر من ألف درهم ولا من الثياب أكثر من مائة ثوب، وإنما دلالته أن الذي أعده زيد من الدراهم للصدقة ألف درهم، وأن الذي أعده عمرو من الثياب للخلع مائة ثوب. (2)
قال شيخ الإسلام رحمه الله، وهو الذي عليه جمهور العلماء. (3) ويستدل لذلك بحديث ابن مسعود -رضي الله تعالى عنه- فيمن أصابه هم وحزن، أن يقول، [سورة اللهم أنّي
(1) الأذكار صـ 55. شرح مسلم 17/ 5.
(2)
شأن الدعاء صـ 24.
(3)
درء تعارض العقل والنقل 3/ 332 - 333.
عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك، ماضٍ في حكمك، عدلٌ في قضائك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي. إلا أذهب الله حزنه وهمه وأبدله مكانه فرحاً. (1)
فمن يعلم الأسماء التي استأثر الله بها في علم الغيب عنده، فهذا جازم بأنها غير محصورة، وكذلك يقال أنه لم يثبت حديث صحيح صريح في تعيين هذه الأسماء التسعة والتسعين، والروايات التي تحددها هذه الأسماء قد تكلم فيها العلماء بتضعيف طرقها، وأن الراجح أن سرد الأسماء مدرج من بعض الرواة اجتهاداً، ويتضح ذلك بعد دراسة الروايات، والطرق التي سردت الأسماء الحسنى، وسأوجز نتيجة بعض الدراسات التي قام بها بعض الباحثين. (2)
فأصل الحديث في الصحيحين دون سرد الأسماء، وإما سرد الأسماء المشهور فله عدة طرق،
الأولى، من طريق الوليد بن مسلم، -
رواه عنه الترمذي (3574) وابن حبان (2384)، والحاكم (1/ 16)، والبيهقي في السنن والأسماء والصفات (صـ 155)، والبغوي في شرح السنة (5/ 33032)، جميعهم من هذا الطريق. (3)
الثانية، من طريق عبد الملك بن محمد الصنعاني، رواه ابن ماجة (3861) مع اختلاف في سرد الأسماء ونقص وتقديم وتأخير. (4)
الثالثة، من طريق عبد العزيز بن الحصين. (5)
والأسانيد الثلاثة تكلم عنها منفردة ومجموعة علماء الحديث ونقدوها سنداً ومتناً.
قال الحافظ رحمه الله، " واختلف العلماء في سرد الأسماء، هل هو مرفوع أم مدرج في الخبر من بعض الرواة؟ فمشى كثير منهم على الأول واستدلوا به على جواز تسمية الله تعالى بما لم يرد في القرآن بصيغة الاسم، لأن كثير من هذه الأسماء كذلك، وذهب آخرون إلى أن التعيين مدرج لخلو أكثر الروايات عنه، ونقله عبد العزيز النخشبي (6) عن كثير من العلماء (7) ".
ثم توسع رحمه الله في الرد على أصح الروايات في الباب، وهي رواية الوليد بن مسلم، وقال، " وليست العلة عند الشيخين تفرد الوليد فقط، بل الاختلاف فيه، والاضطراب وتدليسه، واحتمال الإدراج (8) ".
(1) أحمد في المسند 1/ 391، ابن حبان 2372 والصحيحة للألباني 1/ 336 حديث 199.
(2)
النهج الأسمى - محمد الحمود 1/ 50 - 54، أسماء الله الحسنى - عبد الله الغصن 155 - 173.
(3)
الوليد بن مسلم القرشي، مولى بني أمية أبو العباس الدمشقي، عالم الشام وهو ثقة، ولكنه كان كثير التسوية ت 96 هـ. تهذيب التهذيب 11/ 151.
(4)
أبو الزرقاء، قال عنه ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به، وقال ابن حجر: لين الحديث. تهذيب التهذيب 6/ 424، التقريب 1/ 522.
(5)
أبو سهل المروزي، قال عنه البخاري: ليس بالقوي عندهم، وقال ابن معين: ضعيف، وقال مسلم: ذاهب الحديث. لسان الميزان 4/ 29.
(6)
عبدالعزيز بن محمد النخشبي، كان من الحفَّاظ، (ت 456 هـ) سير أعلام النبلاء (18/ 267).
(7)
الفتح 11/ 215.
(8)
الفتح 11/ 219.
وقال البيهقي رحمه الله (في الأسماء والصفات)، ويحتمل أن يكون التفسير وقع من بعض الرواة، وكذلك في حديث الوليد بن مسلم، ولهذا الاحتمال ترك البخاري، ومسلم إخراج حديث الوليد في الصحيح. (1)
وأما من جهة المتن ففيه عدة تحفظات للأئمة على بعض الأسماء التي لا تصلح أن تكون من الأسماء الحسنى لعدم كمالها وحسنها، أو لعدم ورودها بصيغة الاسم. قال ابن عطية الغرناطي رحمه الله، " حديث الترمذي ليس بالمتواتر، وفي بعض الأسماء التي فيه شذوذ (2) ".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، " اسم المنتقم ليس من أسماء الله الحسنى الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ". (3)
وهذا بيّن لأن صفة الانتقام لا تحمل معنى الكمال المطلق.
قال ابن حجر - رحمه الله تعالى (4) -، "والتحقيق إن سردها إدراج من بعض الرواة". وقال الصنعاني رحمه الله، " اتفق الحفاظ من أئمة الحديث، إن سردها إدراج من بعض الرواة (5) ".
وأما ما ورد في الترغيب في إحصاءها وأن ثوابها الجنة، فاختلفت عبارات العلماء -رحمهم الله تعالى- في تحديد معنى الإحصاء على عدة أقوال منها،
(1) الأسماء والصفات صـ 19.
(2)
تلخيص الحبير 4/ 190.
(3)
الفتاوى 8/ 96.
(4)
بلوغ المرام 254.
(5)
سبل السلام 4/ 108.
1 -
العدّ حتى تستوفى حفظاً ثم يدعى بها، ودليل أصحاب هذا القول الرواية الثانية للبخاري في كتاب الدعوات (من حفظها دخل الجنة) فيستوفيها العبد حفظاً ويدعو بها ويثني عليه بجميعها كقوله تعالى، {وأحصى كل شيء عدداً} الجن 28، وعلى هذا القول الإمام الخطابي والنووي. (1)
2 -
المراد بالإحصاء الإطاقة كقوله تعالى، {علم أن لن تحصوه} المزمل 20. أي لن تطيقوه، ولقوله عليه الصلاة والسلام، (استقيموا ولن تحصوا) (2)، فيكون المعنى أن يطيق الأسماء الحسنى ويحسن المراعاة لها وأن يعمل بمقتضاها، وأن يعتبرها فيلزم نفسه بواجبها، فإذا قال يا رحمن يا رحيم تذكر صفة الرحمن واعتقد أنها من صفات الله سبحانه فيرجو رحمته ولا ييأس من مغفرته. (3)
3 -
أن يكون الإحصاء بمعنى العقل والمعرفة من قول العرب، فلان ذو حصاة، أي ذو عقل، كقول طرفة،
وأن لسان المرء ما لم تكن له
حصاة على عوراته لدليل (4)
فالمعنى من عرفها وعقل معانيها وآمن بها دخل الجنة، وعلى هذا ترجم به لهذا الحديث الحافظ محمد بن إسحاق بن مندة (5). (6)
(1) شأن الدعاء صـ 26، الأذكار صـ 94.
(2)
رواه أحمد 5/ 776، ابن ماجة 277، وغيره قال الأرناؤوط صحيح لطرقه. جامع الأصول 9/ 392.
(3)
شأن الدعاء صـ 27 - 28. الفتح 11/ 225.
(4)
ديوان طرفة بن العبد صـ 112.
(5)
أبوعبدالله العبدي من كبار حفاظ الحديث الراحلين في طلبه المكثرين من التصنيف فيه، (ت 395 هـ) الأعلام (6/ 29).
(6)
كتاب التوحيد لابن مندة 2/ 14.
4 -
المراد بالإحصاء قراءة القرآن كاملاً، فإذا ختمه كان كمن أحصى الأسماء في أثناء الآيات أو فكأنه قال، من حفظ القرآن، قراءة فقد استحق دخول الجنة. (1)
5 -
قال الإمام ابن القيم رحمه الله مبيناً معنى الإحصاء وأنه شامل لثلاثة أمور،
الأول: إحصاء ألفاظها وعدها أو الإحاطة بها لفظاً.
الثاني: فهم معانيها ومدلولها.
الثالث: دعاء الله سبحانه وتعالى بها والتعبد بمقتضاها. (2)
وقال ابن بطال رحمه الله، " والإحصاء يقع بالقول وبالعمل، فالذي بالعمل أن لله أسماء يختص بها كالأحد والقدير، فيجب الإقرار بها والخضوع عندها، وله أسماء يستحب الإقتداء بها في معانيها كالكريم والعفو فيستحب للعبد أن يتحلى بمعانيها ليؤدي حق العمل بها، فبهذا يحصل الإحصاء العملي، وأمّا الإحصاء القولي فيحصل بجمعها وحفظها والسؤال بها ولو شارك المؤمن غيره في العدد والحفظ فإن المؤمن يمتاز عنه بالإيمان والعمل بها. (3)
والإمام البخاري رحمه الله بوب بقوله، " باب (إن لله مائة اسم إلا واحدة) ثم أورد الحديث (إن لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة)، ثم أورد الآية (أحصيناه) يس 12، وقال إن معناها حفظناه ".
(1) شأن الدعاء صـ 29، تفسير الأسماء الحسنى للزجاج صـ 22 - 24.
(2)
بدائع الفوائد 1/ 64.
(3)
الفتح 13/ 390.