الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأنه لو كان مصدرا لحذفت واوه وهو الجهة وكان يقال ولكل جهة أو وجه وإنما الفعلة هنا بمعنى المفعول كالقبلة والبدعة والذبحة ونحو ذلك فالقبلة ما استقبل والوجهة ما توجه اليه والبدعة ما ابتدع والذبحة ما ذبح ولهذا صح ولم تحذف فاؤه لأن الحذف إنما هو من المصدر
…
00. الخ كلامه. (1)
وقال رحمه الله:
فإنه كثيرا ما يغلط الناس في هذا الموضع إذا تنازع النفاة والمثبتة في صفة ودلالة نص عليها يريد المريد أن يجعل ذلك اللفظ - حيث ورد - دالا على الصفة وظاهرا فيها. ثم يقول النافي: وهناك لم تدل على الصفة فلا تدل هنا. وقد يقول بعض المثبتة: دلت هنا على الصفة فتكون دالة هناك؛ بل لما رأوا بعض النصوص تدل على الصفة جعلوا كل آية فيها ما يتوهمون أنه يضاف إلى الله تعالى - إضافة صفة - من آيات الصفات. كقوله تعالى: {على ما فرطت في جنب الله} . وهذا يقع فيه طوائف من المثبتة والنفاة وهذا من أكبر الغلط فإن الدلالة في كل موضع بحسب سياقه. وما يحف به من القرائن اللفظية والحالية
وهذا موجود في أمر المخلوقين يراد بألفاظ الصفات منهم في مواضع كثيرة غير الصفات. وأنا أذكر لهذا مثالين نافعين (أحدهما صفة الوجه فإنه لما كان إثبات هذه الصفة مذهب أهل الحديث والمتكلمة الصفاتية: من الكلابية والأشعرية والكرامية وكان نفيها مذهب الجهمية: من المعتزلة وغيرهم ومذهب بعض الصفاتية من الأشعرية وغيرهم صار بعض الناس من الطائفتين كلما قرأ آية فيها ذكر الوجه جعلها من موارد النزاع فالمثبت يجعلها من الصفات التي لا تتأول بالصرف والنافي يرى أنه إذا قام الدليل على أنها ليست صفة فكذلك غيرها. (مثال ذلك قوله تعالى {ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله}. أدخلها في آيات الصفات طوائف من المثبتة والنفاة حتى عدها " أولئك " كابن خزيمة مما يقرر إثبات الصفة وجعل " النافية " تفسيرها بغير الصفة حجة لهم في موارد النزاع. (2)
المطلب الثاني: ما ورد في العين
ذكر الله تبارك وتعالى صفة العين فقال {ولتصنع على عيني} طه 39 وقال {فانك باعيننا} الطور 48 وقال {واصنع الفلك باعيننا} هود 37 وكذلك جاء إ ثبات هذه الصفة في السنة النبوية. ففي حديث ابن عمر قال: ذكر الدجال عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (ان الله لايخفى عليكم ان الله ليس بأعور - واشار بيده إلى عينه - وان المسيح الدجال أعور عين اليمنى كأن عينه عنبة طافية) ويقال في هذه الصفة ما يقال في الصفات الخبرية التي ثبتت بالسمع من الايمان بها على الوجه اللائق به تعالى فهذا الذي فهمه سلف الامة.
فقد فسر ابن عباس قوله (باعيننا) أنه اشار إلى عينيه وقد مرّ معنا حديث ابي هريرة حين تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله تعالى {وكان الله سميعاً بصيراً} النساء 124، فوضع ابهامه على اذنه واصبعه التي تليها على عينه قال ابو هريرة رضى الله عنه: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك. (3) وقد ذكر ذلك غير واحد من السلف وتصريحهم بهذا (4) وبوب الامام الاشعري في الابانة فقال: باب الكلام في الوجه والعينين والبصر واليدين، ثم ذكر الادلة على ذلك. وصرح رحمه الله حين ذكر جملة من أقوال اصحاب الحديث والسنة وان من عقيدتهم اثبات ان لله عينين بلا كيف (5) وهذا هو فعل البخاري رحمه الله فقد أورد الآيات الدالة على اثبات هذه الصفة فقد جاءت في القرآن مفردة مضافة إلى الضمير وجاءت مجموعة مضافة إلى ضمير الجمع، قال ابن القيم " ذكر العين مفردة لا يدل على انها عين واحدة ليس إلا قولك افعل هذا على عيني لا يريد ان له عيناً واحدة ولما اضيفت العين إلى اسم الجمع ظاهراً أو مضمراً
(1) الفتاوى 2/ 427 ومابعدها.
(2)
الفتاوى 6/ 14 - 15
(3)
رواه ابو داود في باب الرد على الجهمية من سننه 5/ 96
(4)
التوحيد لابن خزيمة 1/ 96
(5)
مقالات الاسلاميين للاشعري 1/ 345
حسن جمعها مشاكلة للفظ كقوله تعالى {تجري باعيننا} القمر 14 وقوله {واصنع الفلك باعيننا} هود 37 (1) ومايذكره المفسرون من تفسير لمعاني الآيات التي يستشهد بها على اثبات صفة العين لا يلزم منه انكار هذه الصفة فقوله {واصنع الفلك باعيننا} بان معناها: بمراى منا وحراستنا وحفظنا لك وقوله {ولتصنع على عيني} بمعنى لتربى بمراى ومنظر مني، وقوله:{فانك باعيننا} أي بمراى منا وتحت كلاءتنا (2) فهذه المعاني معانٍ صحيحة وهي بماذكر دالة على اثبات العين اذا انها تصح نسبة العين إلى ما ليس من شأنه ان يكون له عين والسياق بيّن ذلك بمن اضيفت اليه، كما قال ابن جرير تجري باعيننا (تجري السفينة التي حملنا نوحاً فيها بمراى منا ومنظر (3) هذا الذي فهمه السلف ومنهم البخاري رحمه الله، ثم استشهد رحمه الله باحاديث الدجال وفيه (ان ربكم ليس باعور) و (ان الله ليس باعور). قال الدارمي في رده على بشر المريسي " ففي تأويل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " ان الله ليس باعور " بيان انه بصير ذو عينين خلاف الاعور ". (4)
قال ابن المنير " وجه دلالة الحديث على اثبات العين لله من جهة ان العور عرفاً عدم العين وضد العور ثبوت العين فلما نزعت هذه النقيصة لزم ثبوت الكمال بضدها وهو وجود العين (5)، وعلى هذا نثبت العينين لله تبارك وتعالى كما قال ابن خزيمة " بين النبي صلى الله عليه وسلم ان لله
(1) مختصر الصواعق ص 24
(2)
تفسير البغوي 2/ 382 و 3/ 217 و 6/ 438
(3)
تفسير الطبري 27/ 64
(4)
الرد على بشر المريسى ص 406
(5)
الفتح 13/ 401