الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وغرضه حتى لا تستقر في قلوب الضعفاء، وقد استعمل هذا في عدة مواضع من كتاب التوحيد فقال: " باب قوله {كل يوم هو في شأن} الرحمن 29، وقوله {وما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث} الأنبياء 2، وقوله {لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً} الطلاق 1، وأن حدثه لا يشبه حدث المخلوقين لقوله {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} الشورى 11، فقد بيّن بأوجز عبارة وأوضح دليل مسألة قيام الحوادث وأنه يكفي في دفعها رفع تصور المشابهة بين الخالق والمخلوق.
وما كان رحمه الله يذكر الشبهة بل ربما حذر منها ومن عدم حكايتها تهويلاً لها واشفاقاً من سماعها، فكان ينقل قول ابن المبارك: إنا لنحكي كلام اليهود والنصارى، ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهمية.
وقال البخاري محذراً منهم: ما أبالي صليت خلف الجهمي والرافضي أم صليت خلف اليهود والنصارى، ولا يسلم عليهم، ولا يعادون، ولا يناكحون، ولا يشهدون، ولا تؤكل ذبائحهم.
خامساً: الاحتجاج بموافقة العقل الصريح للنص الصحيح
ولم يغفل البخاري الاستنباط العقلي والحوار الجدلي الواقف على أرضية الكتاب والسنة، فالبخاري كثيراً ما يعرض بقياس الشاهد على الغائب، ويؤكد على قياس الأولى فيقول:
- وإن حدثه لا يشبه حدث المخلوقين.
- ويقول قال تعالى {فلا تجعلوا لله أنداداً} البقرة 22، وما ذكر في خلق أفعال العباد واكسابهم.
- ويقول ذكر الله غير ذكر العباد، ذكر الله بالأمر، وذكر العباد بالدعاء.
ويستنبط البخاري من النصوص أدلة عقلية على مقصوده، فيقول [ماذا قال ربكم قالوا الحق] قال البخاري: ولم يقل ماذا خلق ربكم؟
وتراه في إثبات صفة العلو يورد آيات عروج الملائكة، وصعود الكلم الطيب ونزول الملائكة.
وقال: {قل أي شيء أكبر شهادة قل الله} الأنعام 19.
قال البخاري فسمى نفسه شيئاً وسمى النبي صلى الله عليه وسلم القرآن شيئاً وهو صفة من صفاته.
وكذلك في إثبات صفة العزة لله، أورد أحاديث الحلف بالعزة، كقول أيوب (وعزتك) أراد البخاري أن الحلف بالعزة والصفات، وأن ذلك من أحكام الصفات؛ لأن لها أحكام الذات.
وهكذا فالبخاري رحمه الله من مجتهدي سلف الأمة أثبت لله صفاته من غير تأويل ولا تحريف وآمن باسمائه وأحكامها، ونفى عن الله النقص، وأثبت خلق الله لافعال عباده وأن العباد لهم تصرف في أفعالهم مع عدم خروجهم عن قدر الله، كل ذلك باسلوب عميق وفهم دقيق ومنهج غير متباين من أول الكتاب إلى آخره.
يقول د. علي سامي النشار: وللبخاري منهج في الاستدلال في غاية الدقة، وذلك أن يورد النصوص من القرآن والسنة. وما هذا المنهج إلاّ منهج استقرائي شديد التتبع للنصوص وفحصها والاستنتاج منها بكل حذر ودقة واحتياط، ولم نر لأحد من المؤلفين هذه الدقة المنهجية التي سار عليها البخاري. (1)
(1) مقدمة عقائد السلف.