الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع: من أحكام الأسماء الحسنى
المبحث الأول: السؤال بأسماء الله والاستعاذة بها
السؤال هو الطلب بذلٍ وخضوع وافتقار.
والاستعاذة: هي العوذ والاحتماء بمن يدفع المكروه ويرفع البلاء بعد نزوله. (1)
وهذا في حق الأسماء الحسنى ارتبط بقوله تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} الأعراف 180.
(فالدعاء هو العبادة) ولعظم أمر الدعاء عند الله فقد أمر عباده به كثيراً في كتابه فقال: {وقال ربك ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين} غافر 60، فجعل الاستكبار عن الدعاء استكبار عن العبادة وقال:{وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون} البقرة 186.
ولذلك لما قال عليه الصلاة السلام (الدعاء هو العبادة)(2) قرأ بعدها قوله: {وقال ربكم ادعوني استجب لكم} غافر 60.
وقد قرر أهل العلم أن الدعاء نوعان:
1 -
دعاء ثناء على الله.
(1) لسان العرب 2/ 923.
(2)
رواه أبوداود ح (1329) وهو صحيح.
2 -
دعاء مسألة لله.
وكلاهما عبادة لله تبارك وتعالى.
فدعاء مسألة وطلب ودعاء ثناء وهذا بيّن باستقراء النصوص، فدعاء الثناء هو: التعبد لله سبحانه والثناء عليه بأسمائه الحسنى.
ودعاء العبادة يقتضي أن يتعبد العبد لله سبحانه وتعالى بمقتضى الأسماء، فلابد أن تؤثر عليه ظاهراً وباطناً فإذا علم العبد سَمْعَ الله، وعلمه، وبصره، وأنه السميع العليم البصير لا يخفى عليه شيء وأنه يعلم السر وأخفى يثمر له حفظ لسانه وجوارحه وخطرات قلبه عن كل ما لا يرضي الله. (1)
وأما دعاء المسألة بالنسبة للأسماء الحسنى فهو سؤال الله في كل مطلوب بما يناسب ذلك المطلوب والتوسل إلى الله بالأسماء في الدعاء، فيقول الداعي اللهم اغفر لي وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم وتب عليَّ يا تواب وارزقني يا رزاق ونحو ذلك.
وبيان ذلك في قوله تعالى: {ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب} آل عمران 8.
وفي تمثل الرسول صلى الله عليه وسلم حيث علم عائشة رضي الله عنها ما تدعو ربها به في تحريها لليلة القدر أن تقول: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني. (2)
وهنا لابد من التنبيه على أن ما يدخل في باب الإخبار عن الله تعالى أوسع مما يدخل في باب أسمائه وصفاته كالشيء والموجود والقائم بنفسه والشارع فإن هذا يخبر عنه ولا يدخل في أسمائه الحسنى وصفاته العلى.
(1) مفتاح دار السعادة لابن القيم 2/ 90 بتصرف.
(2)
الترمذي باب 89 ح 358 وقال حسن صحيح 5/ 195، وانظر أسماء الله للغصن صـ 126.
قال أبو إسحاق الزجاج: لا يجوز لأحد أن يدعو الله بما لم يصف به نفسه. (1)
وقال الخطابي: ومن علم هذا الباب أعني: الأسماء والصفات ومما يدخل في أحكامه ويتعلق به من شرائط أنه لا يتجاوز فيها التوقف ولا يستعمل فيها القياس فيلحق بالشيء نظيره في ظاهر وضع اللغة ومتعارض الكلام. (2)
وقال شيخ الإسلام: ثم أنت تسميه قديماً وواجب الوجود وذاتاً ونحو ذلك مما لم يرد به الشرع، والشارع يفرق بين ما يدعى به من الأسماء، فلا يدعى إلا بالأسماء الحسنى وبين ما يخبر بمضمونه عنه من الأسماء لإثبات معنى يستحقه نفاه عنه نافٍ مما يستحق من الصفات، كما أن من نازعك في قدمه أو وجوب وجوده قلت مخبراً عنه بما يستحقه: أنه قديم وواجب الوجود. (3)
وقال في موضع آخر: " فالفرق بين مقام المخاطبة ومقام الإخبار فرق ثابت في الشرع والعقل وبه يظهر الفرق بين ما يدعى الله به من الأسماء الحسنى وبما يخبر به عنه عز وجل مما هو حق ثابت لإثبات ما يستحقه سبحانه من صفات الكمال ونفي ما تنزه عنه عز وجل من العيوب والنقائض، فإنه الملك القدوس السلام سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علواً كثيراً، قال تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه} الأعراف 180، مع قوله {قل إي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم} الأنعام 19، ولا يقال في الدعاء: يا شيء (4) ".
(1) الفتح (11/ 223).
(2)
شأن الدعاء صـ 811.
(3)
درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية 4/ 140.
(4)
المصدر السابق 1/ 298.
ونذكر هنا مخالفة المعتزلة -[معتزلة البصرة، أما البغداديون فيرون أنها توقيفية]- زعموا أن العقل إذا دل على اسم لله ثبت له، وبالغ أبو علي الجبائي في ذلك حتى سمى الله بأسماء ينزه الرب عنها كالمطيع ومحبل النساء وغير ذلك، وله مناظرات مشهورة مع أبي الحسن الأشعري في ذلك كانت سبباً في مفارقته له. (1)
والاستعاذة كذلك بالأسماء الحسنى مثل الدعاء بها كقول الله تعالى {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله} النحل 68.
وقوله {إني عذت بربي وربكم} الدخان 20، وقوله {قالت إني أعوذ بالرحمن منك} مريم 18.
ويلاحظ أن الأسماء تشارك الصفات في جواز السؤال بها والاستعاذة بها، ولكن المخالفة بينهما بالدعاء، فدعاء الأسماء الحسنى توحيد وعبادة، تقول: يا الله يا رحمن يا رحيم، وأما دعاء الصفات فهو من الشرك، كقولك يا رحمة الله اغفري يا قدرة الله انقذيني.
قال شيخ الإسلام: " إن مسألة الله بأسمائه وصفاته وكلماته جائز مشروع كما جاءت به الأحاديث، وأما دعاء صفاته وكلماته فكفر باتفاق المسلمين، فهل يقول مسلم يا كلام الله اغفر لي وارحمني وأغنني وأعني، أو يا علم الله أو يا قدرة الله أو يا عزة الله أو يا عظمة الله ونحو ذلك.
(1) مقالات الإسلاميين 2/ 207.
أو سمع من مسلم أو كافر أنه دعى بذلك أو يطلب من الصفة جلب المنفعة، أو دفع مضرة أو إعانة أو نصر أو إغاثة أو غير ذلك. (1) ويضاف أن الأسماء يصح التعبيد بها كعبدالله، بينما الصفات لا يجوز ذلك فلا يقال عبدالرحمة ولا عبد القوة وهكذا.
وفي هذا الباب بوب البخاري رحمه الله بقوله " باب السؤال بأسماء الله والاستعاذة بها" وأورد رحمه الله أحاديث تدل على السؤال والتوسل والاستعاذة بالأسماء الحسنى لورود الأحاديث، والتي ساق منها:
" باسمك ربي وضعت جنبي،
- (باسمك أحيا وأموت) وحديث (باسمك نموت ونحيا)
- باسم الله اللهم جنبنا الشيطان"
- إذا أرسلت كلابك المعلَّمة وذكرت اسم الله فامسكن فكل"
- اذكروا اسم الله وكلوا. .
- ضحى بكبشين يسمي ويكبر.
- ومن لم يذبح فيذبح باسم الله
فهذه الأحاديث في الاستعاذة بالله وسؤاله عند النوم وبعده وعند الجماع ولحل الأكل ولحل الصيد وعند النسك تجعل المسلم في كل أحواله مع الله سائلاً ومستعيناً به فهذا بيان من فعله صلى الله عليه وسلم وأمره.
(1) تلخيص الاستغاثة - الرد على البكري - لابن تيمية صـ 79.
ونقل الحافظ عن الإمام نعيم بن حماد قوله في كتاب الرد على الجهمية " دلت هذه الأحاديث على أن القرآن غير مخلوق إذ لو كان القرآن مخلوقاً لم يستعذ بها، إذ لا يستعاذ بمخلوق، قال تعالى {فاستعذ بالله} الأعراف 200، وقال عليه الصلاة والسلام (فإذا استعذت فاستعذ بالله). (1)
وفيه الرد على من قال إن أسماء الله مخلوقه وكلامه مخلوق، كما نقل عن الجهمية. ووجه الرد أنها لو كانت غيره لما جازت الاستعاذة بها، والسؤال واضح في أحاديث الباب والاستعاذة تفهم من حديث جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا.
وقد نبه على هذه المسائل البخاري في - خلق أفعال العباد- خاصة أن الاستعاذة بها فيه أن كلام الله غير مخلوق وأن سواه خلق (2) وقال فيه: باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بكلمات الله لا بكلام غيره.
(1) فتح الباري 13/ 393. وبهذا قال صاحب الأبواب والتراجم للبخاري 6/ 336.
(2)
خلق أفعال العباد 96.