المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌نجاسة دم الحيض: - أحكام النساء - مستخلصا من كتب الألباني

[أبو مالك بن عبد الوهاب]

فهرس الكتاب

- ‌كِتَابُ الطَّهَارَة

- ‌نجاسة دم الحيض:

- ‌باب الحيض والنفاس والاستحاضة

- ‌حكم مكث الجنب في المسجد

- ‌متى تبلغ الجارية مبلغ النساء

- ‌النفاس

- ‌غسل المستحاضة لكل صلاة

- ‌نقض المرأة شعرها في الغسل

- ‌كِتَابُ اَلصَّلَاةِ

- ‌عورة المرأة

- ‌حكم الصلاة بدون خمار

- ‌حكم الثياب الشفافة في الصلاة

- ‌في كم تطيل ثيابها

- ‌من شروط الصلاةطهارة البدن والثوب والمكان

- ‌حكم من علم بنجاسة وهو في الصلاة:

- ‌أحوال تجوز الصلاة فيها:

- ‌ذهاب المرأة إلى المسجد وشروطه

- ‌دخول الحائض المسجد:

- ‌إمامة المرأة

- ‌أين تقف المرأة في الصف

- ‌كِتَابُ اَلْجَنَائِزِ

- ‌صفة كفن المرأة

- ‌زيارة القبور

- ‌كِتَابُ اَلصِّيَامِ

- ‌حكم الحامل والمرضع

- ‌اعتكاف المرأة

- ‌كِتَابُ اَلزَّكَاةُ

- ‌هل في الحلي زكاة

- ‌عدم عطية المرأة إلا بإذن زوجها

- ‌كِتَابُ اَلْحَجِّ

- ‌ما يجوز فعله للمحرمة وما لا يجوز

- ‌عمرة الحائض

- ‌التلبية

- ‌حكم تغطية الوجه

- ‌بحث قيم في هذه المسألة:

- ‌كِتَابُ اَللِّبَاسِ وَالزِينَة

- ‌الحرير مباح للنساء

- ‌أحكام الشعر

- ‌صفة لباس المرأة

- ‌مشروعية ستر الوجه:

- ‌كِتَابُ اَلنِّكَاحِ

- ‌تحريم مصافحة الأجنبية

- ‌جواز كلام النساء مع الرجال

- ‌تحريم نكاح المتعة

- ‌تحريم نكاح الرجل ابنته من الزنى

- ‌الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها

- ‌النظر إلى المخطوبة

- ‌لا تنكح المرأة إلا بإذن وليها

- ‌الكفاءة في الزواج

- ‌صداق المرأة

- ‌هل لولي المرأة أن يشترط لنفسه شيئا من المال

- ‌الصداق إذا لم يدخل بها

- ‌آداب الجماع

- ‌كِتَابُ اَلطَّلَاقِ

- ‌حكم الطلاق

- ‌جواز تطليق الرجل لزوجته ولو كانت صوّامة قوّامة:

- ‌الطلاق بلفظ ثلاثًا

- ‌طلاق الحائض

- ‌حكم طلاق الهازل

- ‌أحكام الخلع

- ‌فرق اللعان إنما هي فسخ

- ‌أحكام العدة والإحداد

- ‌معتدة الوفاة تحدُّ بالسواد ثلاثًا فقط:

- ‌لا زينة للمحدة:

- ‌باب الحضانة

- ‌باب العتق

الفصل: ‌نجاسة دم الحيض:

‌كِتَابُ الطَّهَارَة

‌نجاسة دم الحيض:

298 -

" يكفيك الماء ولا يضرك أثره ".

[الصحيحة]

قال رحمه الله:

أخرجه أبو داود (1/ 141 - 142 - بشرح العون) وأحمد (2/ 380) قالا:

حدثنا قتيبة بن سعيد أنبأنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عيسى ابن طلحة عن أبي هريرة:

" أن خولة بنت يسار أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله! إنه ليس لي إلا ثوب واحد، وأنا أحيض فيه، فكيف أصنع؟ قال: إذا طهرت فاغسليه، ثم صلي فيه، فقالت: فإن لم يخرج الدم؟ قال ". فذكره.

ورواه البيهقي في " السنن "(2/ 408) من طريق عثمان بن صالح حدثنا ابن لهيعة: حدثني يزيد ابن أبي حبيب به.

وتابعهما عبد الله بن وهب فقال: أخبرنا ابن لهيعة به.

أخرجه البيهقي وكذا أبو الحسن القصار في " حديثه عن ابن أبي حاتم"(2/ 2) وابن الحمصي الصوفي في " منتخب من مسموعاته "(33/ 1) وابن منده في" المعرفة "(2/ 321 / 2).

ص: 7

وقال البيهقي: إسناده ضعيف. " تفرد به ابن لهيعة ".

قلت: وقال ابن الملقن في " خلاصة الإبريز للنبيه، حافظ أدلة التنبيه "(ق 89/ 2): " وقد ضعفوه، ووثقه بعضهم ".

وقال الحافظ في " فتح الباري "(1/ 266):

" رواه أبو داود وغيره، وفي إسناده ضعف، وله شاهد مرسل ".

ونقله عنه صاحب " عون المعبود "(1/ 141 - 142) وأقره!

وقال الحافظ أيضا في " بلوغ المرام ":

" أخرجه الترمذي، وسنده ضعيف ".

قال شارحه الصنعاني (1/ 55) تبعا لأصله " بدر التمام "(1/ 29 / 1): " وكذلك أخرجه البيهقي، وفيه ابن لهيعة ".

واغتر بقول الحافظ هذا جماعة فعزوه تبعا له إلى الترمذي، منهم صديق حسن خان في " الروضة الندية "(1/ 17)، ومن قبله الشوكاني في " نيل الأوطار " فقال (1/ 35):

" أخرجه الترمذي وأحمد وأبو داود، والبيهقي من طريقين عن خولة بنت يسار، وفيه ابن لهيعة ".

وكذا قال الحافظ في " التلخيص "(13) لكنه لم يذكر الترمذي وأحمد.

أقول: وفي كلمات هؤلاء الأفاضل من الأوهام ما لا يجوز السكوت عليه فأقول:

ص: 8

أولا: عزوه الترمذي وهم محض، فإنه لم يخرجه البتة، وإنما أشار إليه عقب حديث أسماء الآتي بقوله:

" وفي الباب عن أبي هريرة، وأم قيس بنت محصن ".

ولذلك لما شرع ابن سيد الناس في تخريج الحديث كعادته في تخريج أحاديث الترمذي المعلقة لم يزد على قوله:

" رواه أحمد "، فلم يعزه لأي موضع من " سننه "، بل ولا لأي كتاب من كتبه الأخرى. وكذلك صنع المباركفوري في شرحه عليه. إلا أنه جاء بوهم آخر! فقال (1/ 128).

" أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه "!

ثانيا: إطلاق الضعف على ابن لهيعة وإسناد حديثه هذا، ليس بصواب فإن المتقرر من مجموع كلام الأئمة فيه أنه ثقة في نفسه، ولكنه سيىء الحفظ، وقد كان يحدث من كتبه فلما احترقت حدث من حفظه فأخطأ، وقد نص بعضهم على أن حديثه صحيح إذا جاء من طريق أحد العبادلة الثلاثة: عبد الله بن وهب، وعبد الله بن المبارك، وعبد الله بن يزيد المقرىء، فقال الحافظ عبد الغني ابن سعيد الأزدي:

إذا روى العبادلة عن ابن لهيعة فهو صحيح، ابن المبارك وابن وهب والمقرىء. وذكر الساجي وغيره مثله. ونحوه قول نعيم بن حماد: سمعت ابن مهدي يقول:" لا أعتد بشيء سمعته من حديث ابن لهيعة إلا سماع ابن المبارك ونحوه ".

وقد أشار الحافظ ابن حجر إلى هذا بقوله في " التقريب ":

ص: 9

" صدوق، خلط بعد احتراق كتبه، ورواية ابن المبارك وابن وهب عنه أعدل من غيرهما ".

فإذا عرفت هذا تبين لك أن الحديث صحيح؛ لأنه قد رواه عنه أحد العبادلة وهوعبد الله بن وهب عند البيهقي وغيره، كما سبق، فينبغي التفريق بين طريق أبي داود وغيره عن ابن لهيعة، فيقال: إنها ضعيفة، وبين طريق البيهقي، فتصحح لما ذكرنا. وهذا تحقيق دقيق استفدناه من تدقيقات الأئمة في بيان أحوال الرواة تجريحا وتعديلا. والتوفيق من الله تعالى.

ثالثا: قول الشوكاني: " إن الحديث أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقي من طريقين:

عن خولة بنت يسار، وفيه ابن لهيعة ". وهم أيضا، فإنه ليس للحديث عندهم إلا الطريق المتقدم عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عيسى ابن طلحة عن أبي هريرة أن خولة بنت يسار.

فالطريق ينتهي إلى أبي هريرة لا خولة، وعنه عيسى بن طلحة، ليس إلا.

نعم قد رواه ابن لهيعة مرة على وجه آخر في شيخه فقال في رواية موسى بن داود الضبي عنه قال: حدثنا ابن لهيعة عن عبيد الله بن أبي جعفر عن عيسى بن طلحة به.

أخرجه أحمد (2/ 344)، فهذا إن كان ابن لهيعة قد حفظه من طريق أخرى له عن عيسى بن طلحة، وإلا فهو من أوهامه لأنها ليست من رواية

ص: 10

أحد العبادلة عنه بل هي مخالفة لها كما سبق، وسواء كان هذا أو ذاك فلا يصح أن يقال في هذه الطريق أنها طريق أخرى وعن خولة أيضا!!

ولعل الشوكاني أراد بالطريق الأخرى ما أخرجه البيهقي عقب حديث أبي هريرة، من طريق مهدي بن حفص حدثنا علي بن ثابت عن الوازع بن نافع عن أبي سلمة ابن عبد الرحمن عن خولة بنت يمان قالت:

" قلت: يا رسول الله، إني أحيض، وليس لي إلا ثوب واحد، فيصيبه الدم. قال: اغسليه وصلي فيه. قلت: يا رسول الله، يبقى أثره. قال: لا يضر ".

وقال: " قال إبراهيم الحربي: الوازع بن نافع غيره أوثق منه، ولم يسمع خولة بنت يمان أو يسار إلا في هذين الحديثين ".

وأخرجه ابن منده في " المعرفه "(2/ 321 / 2) وابن سيد الناس في " شرح الترمذي "(1/ 48 / 2) من طريق عثمان بن أبي شيبة، أنبأنا علي ابن ثابت الجزري به، إلا أن الأول منهما قال " خولة " ولم ينسبها، وقال الآخر:" خولة بنت حكيم " وهو عنده من طريق الطبراني عن ابن أبي شيبة، وكذلك ذكره الهيثمي في " المجمع " (1/ 282) من رواية الطبراني في الكبير وقال:" وفيه الوازع بن نافع وهو ضعيف ".

قلت: بل هو متروك شديد الضعف، أورده الذهبي في " الضعفاء " وقال:" قال أحمد ويحيى: ليس بثقة ". ولذلك تعقب ابن التركماني البيهقي في تركه مثل هذا التجريح واختصاره على كلام إبراهيم الحربي الموهم بظاهره أنه ثقة لكن غيره أوثق منه! مع أنه ليس بثقة.

ص: 11

ولعل قوله في رواية البيهقي " بنت يمان "،وقوله " بنت حكيم " في رواية الطبراني وغيره، إنما هو من الوازع هذا، ومن العجائب قول ابن عبد البر في " الاستيعاب " في ترجمة خولة بنت يسار بعد أن ذكرحديثها المتقدم:

" روى عنها أبو سلمة، وأخشى أن تكون خولة بنت اليمان، لأن إسناد حديثهما واحد، إنما هو علي بن ثابت عن الوازع بن نافع عن أبي سلمة بالحديث الذي ذكرنا في اسم خولة بنت اليمان (يعني حديث: " لا خير في جماعة النساء

")

وبالذي ذكرنا ههنا، إلا أن من دون علي بن ثابت يختلف في الحديثين، وفي ذلك نظر ".

ووجه العجب أن الحديث الذي أشار إليها بقوله " وبالذي ذكرنا هنا " إنما هو هذا الحديث الذي نحن في صدد الكلام عليه " ولا يضرك أثره " وهو الذي ذكره ابن عبد البر في ترجمة بنت يسار هذه كما أشرت إليه آنفا، وهو ليس من رواية أبي سلمة هذا عنها ولا عن غيرها، وإنما هو من رواية عيسى بن طلحة عن أبي هريرة كما سبق، فهذا طريق آخر للحديث، وفيه وقع اسمها منسوبا إلى يسار، والسند بذلك صحيح، فكيف نخشى أن يكون ذلك خطأ والصواب بنت يمان مع أن راويه علي بن ثابت ضعيف كما أشار إليه ابن عبد البر بل هو متروك كما سبق.

وأعجب من ذلك أن الحافظ ابن حجر لما نقل كلام ابن عبد البر إلى قوله " لأن إسناد حديثهما واحد " رد عليه بقوله: " قلت: لا يلزم من كون الإسناد إليهما واحدا مع اختلاف المتن أن تكون واحدة " فسلم بقوله إن

ص: 12

الإسناد واحد، مع أنه ليس كذلك، وهو الإمام الحافظ، فجل من لا يسهو ولا ينسى تبارك وتعالى.

رابعا: قول الحافظ فيما سبق: " وله شاهد مرسل "، وهم أيضا، فإننا لا نعلم له شاهدا مرسلا، ولا ذكره الحافظ في " التلخيص " وإنما ذكر له شاهدا موقوفا عن عائشة قالت:

" إذا غسلت المرأة الدم فلم يذهب فلتغيره بصفرة ورس أو زعفران " أخرجه الدارمي (1/ 238) وسكت عليه الحافظ (13) وسنده صحيح على شرط الشيخين.

ورواه أبو داود بنحوه.

انظر " صحيح أبي داود "(ج 3 رقم 383)

والحديث دليل على نجاسة دم الحيض لأمره صلى الله عليه وسلم بغسله، وظاهره أنه يكفي فيه الغسل، ولا يجب فيه استعمال شيء من الحواد والمواد القاطعة لأثر الدم، ويؤيده الحديث الآتي:

299 -

" إذا أصاب ثوب إحداكن الدم من الحيضة فلتقرصه ثم لتنضحه بالماء (وفي رواية: ثم اقرصيه بماء ثم انضحي في سائره) ثم لتصلي فيه ". [الصحيحة]

قال رحمه الله:

أخرجه مالك (1/ 79) وعنه البخاري (1/ 325) ومسلم (1/ 166) وأبو داود (ج 3 رقم 386 - صحيحه) والبيهقي (1/ 13) كلهم عن مالك عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر بن الزبير عن أسماء بنت أبي بكر الصديق أنها قالت:

ص: 13

" سألت امرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: أرأيت إحدانا إذا أصاب ثوبها الدم من الحيضة كيف تصنع فيه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم

"

فذكره.

وتابعه يحيى بن سعيد عن هشام به.

أخرجه البخاري (1/ 264) ومسلم والبيهقي (2/ 406)

وأحمد (6/ 346، 353).

وتابعه حماد بن سلمة عنه به، وزاد:" وانضحي ما حوله ".

أخرجه أبو داود (رقم 387) والنسائي (1/ 69) وأبو داود الطيالسي (1638) والزيادة له، ولأبي داود معناها.

قلت: وسنده على شرط مسلم. وتابعه وكيع عنه.

أخرجه مسلم. ويحيى بن عبد الله بن سالم وعمرو بن الحارث.

أخرجه مسلم والبيهقي. وتابعه عيسى بن يونس عنه.

أخرجه أبو داود. وتابعه أبو خالد الأحمر عن هشام به.

أخرجه ابن ماجه (1/ 217): حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو خالد الأحمر به. ولفظه: " اقرصيه، واغسليه وصلي فيه ".

وتابعه أبو معاوية قال: حدثنا هشام به.

أخرجه أحمد (6/ 345 و 353).

ص: 14

وتابعه سفيان بن عيينة عن هشام به إلا أنه قال: " اقرصيه بالماء ثم رشيه ".

أخرجه الترمذي (1/ 254 - 255) والدارمي (1/ 239) والشافعي في " الأم "(1/ 58) والبيهقي (1/ 13، 2/ 406).

وقال الترمذي: " وفي الباب عن أبي هريرة، وأم قيس بنت محصن " قال:

" حديث أسماء حديث حسن صحيح ".

(تنبيه) اتفق جميع هؤلاء الرواة عن هشام بن عروة على تنكير المرأة السائلة وعدم تسميتها، إلا سفيان بن عيينة في رواية الشافعي وعمرو بن عون عند الدارمي فإنهما قالا عنه:

" عن أسماء قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فجعلا الراوية هي السائلة، وخالفهما الحميدي عند البيهقي وابن أبي عمر عند الترمذي فقالا عن سفيان بن عيينة مثل رواية الجماعة ولا شك أنها هي المحفوظة ورواية الشافعي وابن عون شاذة لمخالفتها لرواية الجماعة عن هشام، ورواية الحميدي وابن أبي عمر عن سفيان، ولذلك ضعفها النووي فأصاب، ولكنه لم يفصح عن العلة، فأوهم ما لا يريد، ولذلك تعقبه الحافظ في " الفتح " فقال:(1/ 264) بعد أن ذكر رواية الشافعي هذه:

" وأغرب النووي فضعف هذه الرواية بلا دليل، وهي صحيحة الإسناد لا علة لها، ولا بعد في أن يهم الراوي اسم نفسه كما سيأتي في حديث أبي سعيد في قصة الرقية بفاتحة الكتاب ".

ص: 15

وقال في " التلخيص "(13):

" (تنبيه): زعم النووي في " شرح المهذب " أن الشافعي روى في " الأم أن أسماء هي السائلة بإسناد ضعيف. وهذا خطأ، بل إسناده في غاية الصحة، وكأن النووي قلد في ذلك ابن الصلاح، وزعم جماعة ممن تكلم على " المهذب " أنه غلط في قوله إن أسماء هي السائلة، وهم الغالطون ".

قلت: كلا، بل هم المصيبون، والحافظ هو الغالط، والسبب ثقته البالغة بحفظ الشافعي وهو حري بذلك، لكن رواية الجماعة أضبط وأحفظ، ويمكن أن يقال: إن الغلط ليس من الشافعي، بل من ابن عيينة نفسه، بدليل أنه صح عنه الروايتان، الموافقة لرواية الجماعة، والمخالفة لها، فروى الشافعي والذي معه هذه، وروى الحميدي والذي معه رواية الجماعة، فكانت أولى وأصح، وخلافها معلولة بالشذوذ، ولو أن الحافظ رحمه الله جمع الروايات عن هشام كما فعلنا، لم يعترض على النووي ومن معه، بل لوافقهم على تغليطهم لهذه الرواية.

والعصمة لله وحده.

وأما قوله " ولا بعد في أن يبهم الراوي

" فمسلم، ولكن ذلك عندما لا تكون الرواية التي وقع فيها التسمية شاذة كما هنا.

ومما يؤيد ما تقدم أن محمد بن إسحاق قد تابع هشاما على روايته فقال:

حدثتني فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر قالت:

ص: 16

" سمعت امرأة تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثوبها إذا طهرت من محيضها كيف تصنع به؟ قال: إن رأيت فيه دما فحكيه، ثم اقرصيه بماء، ثم انضحي في سائره فصلي فيه ".

أخرجه أبو داود (385) والدارمي (1/ 239) والسياق له والبيهقي (2/ 406) وسنده حسن.

فقولها " سمعت امرأة " مما يبعد أن تكون هي السامعة كما هو ظاهر.

(تنبيه) في هذه الرواية زيادة " ثم انضحي في سائره "، وهي زيادة هامة لأنهاتبين أن قوله في رواية هشام " ثم لتنضحه " ليس المراد نضح مكان الدم، بل الثوب كله. ويشهد لها حديث عائشة قالت:

" كانت إحدانا تحيض ثم تقرص الدم من ثوبها عند طهرها فتغسله وتنضح على سائره، ثم تصلي فيه ".

أخرجه البخاري (1/ 326) وابن ماجه (1/ 217) والبيهقي (2/ 406 - 407).

وظاهر الحديث يدل كالحديث الذي قبله على أن الماء يكفي في غسل دم الحيض وأنه لا يجب فيه استعمال شيء من الحوادِّ كالسدر والصابون ونحوه، لكن قد جاء ما يدل على وجوب ذلك وهو الحديث الآتي.

ص: 17

300 -

" حكيه بضلع واغسليه بماء وسدر ".

[الصحيحة]

قال رحمه الله:

أخرجه أبو داود (1/ 41 - بشرح عون المعبود) والنسائي (1/ 69) والدارمي (1/ 239) وابن ماجه (1/ 217) وابن حبان في " صحيحه"(235) والبيهقي (2/ 407) وأحمد (6/ 355، 356) من طرق عن سفيان: حدثني ثابت الحداد حدثني عدي بن دينار قال: سمعت أم قيس بنت محصن تقول:

" سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض يكون في الثوب؟ قال

" فذكره

قلت: وهذا سند صحيح ورجاله كلهم ثقات، وفي ثابت الحداد وهو ابن هرمز الكوفي مولى بكر بن وائل خلاف يسير، وثقه أحمد وابن معين وابن المديني وغيرهم، وتكلم فيه بعضهم بدون حجة، وفي " التقريب ":" صدوق يهم"

وكأنه لهذا لم يصحح الحافظ في " الفتح "(1/ 266) إسناده، بل قال:

" إسناده حسن ".

وقال في " التهذيب ":

" وأخرج ابن خزيمة وابن حبان حديثه في الحيض في " صحيحيهما "، وصححه ابن القطان، وقال عقبه: لا أعلم له علة، وثابت ثقة ولا أعلم أحدا ضعفه غير الدارقطني ".

ص: 18

ونقل في " التلخيص "(ص 12 - 13) تصحيح ابن القطان هذا وأقره، وهو الصواب.

(تنبيه): قوله " بضلع " كذا وقع عند جميع من أخرج الحديث بالضاد المعجمة، وهو بالكسر وفتح اللام ويكسر، وهو العود.

لكن قال الحافظ في " التلخيص "(13):

" ضبطه ابن دقيق العيد بفتح الصاد المهملة وإسكان اللام ثم عين مهملة وهوالحجر. قال: ووقع في بعض المواضع بكسر الضاد المعجمة وفتح اللام، ولعله تصحيف لأنه لا معنى يقضي تخصيص الضلع بذلك. كذا قال.

لكن قال الصغاني في " العباب " في مادة " ضلع " بالمعجمة:

" وفي الحديث حتيه بضلع ".

قال ابن الأعرابي: الضلع ههنا العود الذي فيه اعوجاج.

وكذا ذكره الأزهري في المادة المذكورة وزاد عن الليث:

قال: " الأصل فيه ضلع الحيوان فسمي به العود الذي يشبهه ".

فقه الحديث:

يستفاد من هذه الأحاديث أحكام كثيرة أذكر أهمها:

الأول: أن النجاسات إنما تزال بالماء دون غيره من المائعات، لأن جميع النجاسات بمثابة دم الحيض، ولا فرق بينه وبينها اتفاقا. وهو مذهب الجمهور وذهب أبو حنيفة إلى أنه يجوز تطهير النجاسة بكل مائع طاهر.

ص: 19

قال الشوكاني (1/ 35):

" والحق أن الماء أصل في التطهير لوصفه بذلك كتابا وسنة وصفا مطلقا غير مقيد لكن القول بتعينه وعدم إجزاء غيره يرده حديث مسح النعل وفرك المني، وإماطته بإذخرة، وأمثال ذلك كثير، فالإنصاف أن يقال أنه يطهر كل فرد من أفراد النجاسات المنصوص على تطهيرها بما اشتمل عليه النص، لكنه إن كان ذلك الفرد المحال عليه هو الماء فلا يجوز لعدول إلى غيره للمزية التي اختص بها وعدم مساواة غيره له فيها، وإن كان ذلك الفرد غير الماء جاز العدول عنه إلى الماء لذلك، وإن وجد فرد من أفراد النجاسة لم يقع من الشارع الإحالة في تطهيره على فرد من أفراد المطهرات بل مجرد الأمر بمطلق التطهير فالاقتصار على الماء هو اللازم لحصول الامتثال به بالقطع، وغيره مشكوك فيه. وهذه طريقة متوسطة بين القولين لا محيص عن سلوكها ".

قلت: وهذا هو التحقيق فشد عليه بالنواجذ.

ومما يدل على أن غير الماء لا يجزىء في دم الحيض قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الثاني: " يكفيك الماء " فإن مفهومه أن غير الماء لا يكفي. فتأمل.

ص: 20