الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الطلاق بلفظ ثلاثًا
3776 -
(أيما رجل طلق امراته ثلاثاً عند الأقراء أو ثلاثاً مبهمةً، لم تحل له حتي تنكح زوجاً غيره).
[الضعيفة]
قال رحمه الله:
ضعيف جداً: أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير "(1/ 133/1)، والبيهقي في "سننه " (7/ 336) عن محمد بن حميد الرازي: نا سلمة بن الفضل، عن عمرو بن أبي قيس، عن إبراهيم بن عبد الأعلي، عن سويد ابن غفلة قال:
كانت عائشة الخثعمية عند الحسن بن علي رضي الله عنه فلما قتل علي رضي الله عنه قالت: لتهنئك الخلافة! قال: بقتل علي تظهرين الشماتة؟!
اذهبي فأنت طالق، يعني ثلاثاً، قال: فتلفعت بثيابها، وقعدت حتي قضت عدتها، فبعث إليها ببقية بقيت لها من صداقها، وعشرة آلاف صدقة، فلما جاءها الرسول قالت:(متاع قليل من حبيب مفارق)، فلما بلغه قولها، بكي، ثم قال: لولا أني سمعت جدي، أو حدثني أبي، أنه سمع جدي يقول:(فذكره) لراجعتها. وقال البيهقي:
" وكذلك روي عن عمرو بن شمر، عن عمران بن مسلم وإبراهيم بن عبد الأعلي، عن سويد بن غفلة ".
قلت: وقال الكوثري في رسالته " الإشفاق "(ص 28) - بعد ماعزاه للطبراني والبيهقي - عقبه:
" وإسناده صحيح، قله ابن رجب الحنبلي الحافظ بعد أن ساق الحديث في كتابه:(بيان مشكل الأحاديث الواردة في أن الطلاق الثلاث واحدة)(1).
ولم يتعقبه بشيء، مما يدل علي أنه موافق له علي التصحيح، وهذا أمر عجيب، لاسيما من ابن رجب، فإن الإسناد لا يحتمل التحسين، فضلاً عن التصحيح! فإن سلمة بن الفضل صدوق كثير الخطأ. ومحمد بن حميد الرازي ضعيف كما في " التقريب" بل الرازي قد اتهمه غير واحد بالكذب، وتساهل البعض في إعطائه حقه من الجرح، فقد قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (4/ 339):
رواه الطبراني وفي رجاله ضعف، وقد وثقوا.
فإن قال قائل: أفلا يتقوي الحديث بطريق عمرو بن شمر التي علقها البيهقي؟
فأقول: كلا، فإن عمرا هذا كذب يروي الموضوعات عن الثقات، فلا يستشهد به ولا كرامة.
واعلم أنه لا يوجد حديث صحيح في إيقاع الطلاق بلفظ ثلاثاً ثلاثاً فلا نغتر بكلام الكوثري في كتابه " الإشفاق " فإنه غير مشفق علي نفسه، فإنا يصحح فيه ما ليس يصح كهذا الحديث، ويتأول النصوص الصحيحة
(1) 1 - ونقله عنه أيضاً ابن عبد الهادي في " سير الحاث إلي علم الطلاق الثلاث "(ق206/ 2).
الصريحة بما يتفق مع انحرافه عن السنة، كتأويله حديث ابن عباس في " صحيح مسلم " علي أنه في غير الدخول بها! ومن أراد مفرق الحق في هذه المسألة فليراجع كتب شيخ الإسلام ابن تيمية والإمام ابن القيم وغيرهما من أئمة السنة والذابين عنها.
ما روي عن ابن عباس في الطلاق بلفظ ثلاث:
2055 -
(عن مجاهد قال: (جلست عند ابن عباس فجاءه رجل فقال: إنه طلق امرأته ثلاثا فسكت حتى ظننت أنه رادها إليه ثم قال: ينطلق أحدكم فيركب الأحموقة ثم يقول: يا ابن عباس. وان الله قال: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا) وانك لم تتق الله فلم أجد لك مخرجا عصيت ربك فبانت منك امرأتك) رواه أبو داود) 2/ 235 - 236. صحيح.
أخرجه أبو داود (2197) ومن طريقه البيهقي (7/ 331): حدثنا حميد بن مسعدة ثنا إسماعيل أخبرنا أيوب عن عبد الله بن كثير عن مجاهد به وزاد في آخره: (وإن الله قال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ} في قبل عدتهن).
قلت: وهذا إسناد صحيح كما قال الحافظ في (الفتح)(9/ 316) وهو على شرط مسلم وقال أبو داود عقبه: (روى هذا الحديث حميد الأعرج وغيره عن مجاهد عن ابن عباس. ورواه شعبة عن عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وأبوب وابن جريج جميعا عن عكرمة بن خالد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس. وابن جريج عن عبد الحميد بن رافع عن عطاء عن ابن عباس.
ورواه الأعمش عن مالك ابن الحارث عن ابن عباس. وابن جريج عن عمرو بن دينار عن ابن عباس كلهم قالوا في الطلاق الثلاث إنه أجازها قال: وبانت منك. نحو حديث إسماعيل عن أيوب عن عبد الله بن كثير).
قال أبو داود: (وروى حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس: (إذا قال (أنت طالق ثلاثا) بفم واحد فهى واحدة).
ورواه إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب عن عكرمة هذا قوله لم يذكر ابن عباس وجعله قول عكرمة).
ثم قال أبو داود: (وقول ابن عباس هو أن الطلاق الثلاث تبين من زوجها مدخولا بها وغير مدخول بها لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره هذا مثل خبر الصرف قال فيه ثم إنه رجع عنه. يعنى ابن عباس).
ثم ساق أبو داود بإسناده الصحيح عن طاوس:: (أن أبا الصهباء قال لأبن عباس: أتعلم إنما كانت الثلاث تجعل واحدة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبن بكر وثلاثا من إمارة عمر؟ قال ابن عباس: نعم). وأخرجه مسلم في (صحيحه) والنسائي وأحمد وغيرهم.
وخلاصة كلام أبي داود أن ابن عباس رضي الله عنه كان له في هذه المسألة وهي الطلاق بلفظ ثلاث قولان كما كان له في مسألة الصرف قولان فكان يقول في أول الأمر بجواز صرف الدرهم بالدرهمن والدينار بالدينارين نقدا ثم بلغه نهيه صلى الله عليه وسلم عنه فترك قوله وأخذ بالنهي فكذلك كان له في هذه المسألة قولان:
أحدهما: وقوع الطلاق بلفظ ثلاث. وعليه أكثر الروايات عنه. والآخر: عدم وقوعه كما في رواية عكرمة عنه. وهي صحيحة.
وهي وإن كان أكثر الطرق عنه بخلافها؛ فإن حديث طاوس عنه المرفوع يشهد لها. فالأخذ بها هو الواجب عندنا لهذا الحديث الصحيح الثابت عنه من غير طريق وإن خالفه الجماهير فقد انتصر له شيخ الأسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وغيرهما فمن شاء تفصيل القول في ذلك فليرجع إلى كتبهما ففيها الشفاء والكفاية إن شاء الله تعالى.
[الإرواء]
تنبيه: على حديث:-
1134 -
" كان الرجل إذا طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وصدرا من إمارة عمر، فلما رأى الناس قد تتابعوا فيها، قال (يعني عمر): أجيزهن عليهم ".
[الضعيفة]
قال رحمه الله:
منكر بهذا السياق.
أخرجه أبو داود (2199) وعنه البيهقي (7/ 338 - 339): حدثنا محمد بن عبد الملك بن مروان: حدثنا أبو النعمان: حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن غير واحد عن طاووس:
" أن رجلا يقال له: أبو الصهباء كان كثير السؤال لابن عباس قال: أما علمت أن الرجل كان إذا طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة
على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدرا من إمارة عمر؟ وقال ابن عباس: بلى كان الرجل .. ".
قلت: وهذا إسناد معلول عندي بأبي النعمان واسمه محمد بن الفضل السدوسي ولقبه عارم، وهو وإن كان ثقة فقد كان اختلط، وصفه بذلك جماعة من الأئمة منهم أبو داود والنسائي والدارقطني وغيرهم، وقال ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (4/ 1/59):
" سمعت أبي يقول: اختلط في آخر عمره، وزال عقله فمن سمع منه قبل الاختلاط فسماعه صحيح ".
قلت: وهذا الحديث من رواية ابن مروان وهو أبو جعفر الدقيقي الثقة، ولا ندري أسمع منه قبل الاختلاط أم بعده؟ وهذا عندي أرجح، فقد خولف عارم في إسناده ومتنه. فرواه سليمان بن حرب عن حماد بن زيد فقال: عن أيوب عن إبراهيم ابن ميسرة عن طاووس به، إلا أنه لم يذكر فيه:
" قبل أن يدخل بها ".
أخرجه مسلم (4/ 182) والبيهقي (7/ 336).
وقال ابن أبي شيبة (5/ 26): نا عفان بن مسلم قال: نا حماد بن زيد به.
ورواه محمد بن أبي نعيم: نا حماد بن زيد به.
أخرجه الدارقطني (443)، وابن أبي نعيم صدوق.
فهي زيادة شاذة إن لم نقل منكرة، تفرد بها عارم.
ويؤكد ذلك أن عبد الله بن طاووس قد روى الحديث عن أبيه كما رواه سليمان بن حرب بإسناده عنه بدون الزيادة.
أخرجه مسلم والنسائي (2/ 96) والطحاوي (2/ 31) والدارقطني
(444)
والبيهقي وأحمد (1/ 314) والحاكم أيضا (2/ 196) وقال:
" صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه "، ووافقه الذهبي.
قلت: وهو كما قالا، إلا أنهما وهما في استدراكهما على مسلم.
قلت: فهذه الروايات الصحيحة تدل على أن عارما إنما حدث بالحديث بعد الاختلاط، ولذلك لم يضبطه، فلم يحفظ اسم شيخ أيوب فيه، وزاد تلك الزيادة فهي لذلك شاذة غير محفوظة لمخالفته الثقات فيها، وقد خفيت هذه العلة على العلامة ابن القيم ; فصحح إسناد الحديث في " زاد المعاد "(4/ 55)، وانطلى ذلك على المعلق عليه (5/ 249 و 251)، وأعله المنذري في " مختصر السنن " (3/ 124) بقوله:
" الرواة عن طاووس مجاهيل ".
وإذا عرفت ذلك فلا يجوز تقييد لفظ الحديث الصحيح بها، كما فعل البيهقي، بل ينبغي تركه على إطلاقه فهو يشمل المدخول بها وغير المدخول بها، وإليك لفظ الحديث في " صحيح مسلم ":
" كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر بن الخطاب: إن الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم ".
قلت: وهو نص لا يقبل الجدل على أن هذا الطلاق حكم محكم ثابت غير منسوخ لجريان العمل عليه بعد وفاته صلى الله عليه وسلم في خلافة أبي بكر، وأول خلافة عمر، ولأن عمر رضي الله لم يخالفه بنص آخر عنده بل باجتهاد منه ولذلك تردد قليلا أول الأمر في مخالفته كما يشعر بذلك قوله:" إن الناس قد استعجلوا .. فلو أمضيناه عليهم .. "، فهل يجوز للحاكم مثل هذا التساؤل والتردد لو كان عنده نص بذلك؟!
وأيضا، فإن قوله:" قد استعجلوا " يدل على أن الاستعجال حدث بعد أن لم يكن، فرأى الخليفة الراشد، أن يمضيه عليهم ثلاثا من باب التعزيز لهم والتأديب، فهل يجوز مع هذا كله أن يترك الحكم المحكم الذي أجمع عليه المسلمون في خلافة أبي بكر وأول خلافة عمر، من أجل رأي بدا لعمر واجتهد فيه، فيؤخذ باجتهاده، ويترك حكمه الذي حكم هو به أول خلافته تبعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر؟! اللهم إن هذا لمن عجائب ما وقع في الفقه الإسلامي، فرجوعا إلى السنة المحكمة أيها العلماء، لا سيما وقد كثرت حوادث الطلاق في هذا الزمن
كثرة مدهشة تنذر بشر مستطير تصاب به مئات العائلات.
وأنا حين أكتب هذا أعلم أن بعض البلاد الإسلامية كمصر وسوريا قد أدخلت هذا الحكم في محاكمها الشرعية، ولكن من المؤسف أن أقول: إن الذين أدخلوا ذلك من الفقهاء القانونيين لم يكن ذلك منهم بدافع إحياء السنة، وإنما تقليدا منهم لرأي ابن تيمية الموافق لهذا الحديث، أي إنهم أخذوا برأيه لا لأنه مدعم بالحديث، بل لأن المصلحة اقتضت الأخذ به زعموا، ولذلك فإن جل هؤلاء الفقهاء لا يدعمون أقوالهم واختياراتهم التي يختارونها اليوم بالسنة، لأنهم لا علم لهم بها، بل قد استغنوا عن ذلك