الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
21 - (فَضْلُ الْعَبَّاس بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رضي الله عنه
-)
هو: العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القُرَشيُّ الهاشميّ، عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبو الفضل، أمه نُتَيْلَةُ بنت جَنَاب بن كلب، وُلِد قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنتين، وضَاعَ وهو صغير، فنَذَرَت أمه إن وجدته أن تكسو البيت الحرير، فوجدته فكست البيت الحرير، فهي أول من كساه ذلك، وكان إليه في الجاهلية السِّقَاية والعِمَارة، وحضر بيعة العقبة مع الأنصار قبل أن يُسلِم، وشهد بدرًا مع المشركين مكرهًا، فأُسِر، فافتدى نفسه، وافتدى ابن أخيه عقيل بن أبي طالب، ورجع إلى مكّة، فيقال: إنّه أسلم وكتم قومه ذلك، وصار يكتب إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم بالأخبار، ثم هاجر قبل الفتح بقليل، وشَهِد الفتح، وثبت يوم حنين، وقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم:"من آذى العباس فقد آذاني، فإنّما عَمُّ الرَّجل صِنْوُ أبيه"، أخرجه التّرمذيّ في قصة (1).
وقد حَدَّث عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم بأحاديث، رَوَى عنه أولاده، وعامر بن سعد، والأحنف بن قيس، وعبد الله بن الحارث، وغيرهم.
وقال ابن المسيَّب عن سعد: كنا مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فأقبل العباس، فقال:"هذا العباس أجود قريش كَفّا، وأوصلها"، أخرجه النَّسائيُّ (2)، وأخرج البغوي في ترجمة أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب بسند له إلى الشّعبيّ، عن أبي هَيّاج عن أبي سفيان بن الحارث، عن أبيه، قال: كان العباس أعظم النَّاس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم لا، والصحابة يعترفون للعباس بفضله، ويشاورونه، ويأخذون رأيه، ومات بالمدينة في رجب، أو رمضان سنة اثنتين وثلاثين، وكان طويلًا جميلًا أبيض (3)، والله تعالى أعلم.
(1) حديث ضعيف في سنده يزيد بن أبي زياد متكلّم فيه.
(2)
حديث صحيح.
(3)
راجع "الإصابة" 3/ 511 - 512.
وبالسند المُتَّصل إلى الإمام ابن مَاجَه رحمه الله في أول الكتاب قال:
140 -
(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَرِيفٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي سَبْرَةَ النَّخَعِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْب الْقُرَظِيِّ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المطَّلِبِ، قَالَ: كُنَّا نَلْقَى النّفرَ مِنْ قُرَيْشٍ، وَهُمْ يَتَحَدَّثُونَ، فَيَقْطَعُونَ حَدِيثَهُمْ، فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ، فَقَالَ: "مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَتَحَدَّثُونَ، فَإذَا رَأَوُا الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي قَطَعُوا حَدِيثَهُمْ، وَالله لَا يَدْخُلُ قَلْبَ رَجُلٍ الْإِيمَانُ حَتَّى يُحِبَّهُمْ للهِ، وَلقَرَابَتِهِمْ مِنِّي").
رجال هذا الإسناد: ستة:
1 -
(محمّد بن طريف) بن خَلِيفة البجليّ، أبو جعفر الكوفيّ، صدوقٌ، من صغار [10].
رَوَى عن أبيه، وعبد الله بن إدريس، وأبي بكر بن عياش، وعمران، وإبراهيم ابني عيينة، وأبي أُسامة، وأبي معاوية، ووكيع، ومحمد بن فضيل، وغيرهم.
ورَوَى عنه مسلم، وأبو داود، والترمذيّ، وابن ماجة، وابنه، وأبو زيد، أحمد بن محمّد ابن طَريف، وأبو حاتم، وموسى بن هارون، وغيرهم.
قال أبو زرعة: محله الصدق، وقال في موضع آخر: لا بأس به، صاحب حديث، كان ابن نُمَير يُثْنِي عليه. وذكره ابن حبّان في "الثِّقات". وقال الخطيب: كان ثقة.
وقال الحضرمي: مات سنة اثنتين وأربعين ومائتين، زاد غيره في صفر، وهو قول القراب في "تاريخه"، وأما ابن قانع، فأرخه سنة (37)، وفي "الزهرة"، رَوَى عنه مسلم ستة أحاديث.
أخرجه له مسلم، وأبو داود، والترمذيّ، والمصنّف، وله في هذا الكتاب (12) حديثًا.
2 -
(محمّد بن فُضيل) بن غَزْوان الضبيّ مولاهم، أبو عبد الرّحمن الكوفيّ، صدوق، رُمي بالتشيّع [9] 2/ 21.
3 -
(الأعمش) سليمان بن مِهْران الإمام الحجة الثبت المشهور [5] 1/ 1.
4 -
(أبو سَبْرة -بسكون الموحّدة- النخعيّ) الكوفيّ، يقال: اسمه عبد الله بن عابس، مقبول [3].
رَوَى عن عمر بن الخطّاب، يقال: مرسل، وفَرْوَة بن مُسَيك، ومحمد بن كعب الْقُرَظيّ.
وعنه الأعمش والحسن بن الحكم النخعي والحسن بن مسافر قال ابن معين لا أعرفه وذكره بن حبّان في الثقات وقد قيل إن الراوي عن فروة بن الراوي عن محمّد بن كعب القرظي فالله تعالى أعلم.
أخرج له أبو داود، والترمذي، والمصنّف، وله في هذا الكتاب هذا الحديث فقط.
5 -
(محمّد بن كعب) بن سُليم بن أسد الْقُرَظيّ، أبو حمزة، وقيل: أبو عبد الله المدنيّ، من حُلَفَاء الأوس، وكان أبوه من سَبْي قُرَيظة، سَكَن الكوفة مدّة، ثمّ المدينة، ثقة عالم [3].
رَوَى عن العباس بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب، وابن مسعود، وعمرو بن العاص، وأبي ذّر، وأبي الدرداء، يقال: إن الجميع مرسل، وعن فضالة بن عبيد، والمغيرة ابْن شعبة، ومعاوية، وكعب بن عُجْرة، وأبي هريرة، وغيرهم.
ورَوَى عنه أخوه عثمان، والحكم بن عتيبة، ويزيد بن أبي زياد، وابن عجلان، وموسى بن عبيدة، وأبو معشر، وأبو جعفر الْخَطْميّ، ويزيد بن الهاد، وغيرهم.
قال ابن سعد: كان ثقة عالمًا كثير الحديث، ورعًا. وقال العجلي: مدني تابعي ثقة، رجل صالح عالم بالقرآن. وقال ابن المديني، وأبو زرعة: ثقة. وقال البخاريّ: إن أباه كان ممّن لم يُنْبِت يوم قريظة، فَتُرِك (1)، ثمّ ساق بإسناده عن محمّد بن كعب قال: سمعت ابن مسعود، فذكر حديثًا، وقال: لا أدري أحفظه أم لا؟. وقال أبو داود: سمع من علي، ومعاوية، وابن مسعود.
(1) فما ذكره بعضهم من أن محمّد بن كعب وُلد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم غلط، فإن الّذي وُلد في حياته صلى الله عليه وسلم هو أبوه، كما ذكره البخاريّ هنا، فتنبّه. راجع "تهذيب التهذيب" 3/ 685.
وقال يعقوب بن شيبة: وُلِد في آخر خلافة علي سنة أربعين، ولم يسمع من العباس. وقال عون بن عبد الله: ما رأيت أحدًا أعلم بتأويل القرآن منه. وقال ابن حبّان: كان من أفاضل أهل المدينة علمًا وفقهًا، وكان يَقُصّ في المسجد فسقط عليه وعلى أصحابه سَقْفٌ فمات هو وجماعة معه تحت الهدم سنة ثماني عشرة، وأرخه أبو بكر بن أبي شيبة وغير واحد سنة ثمان ومائة. وقال يعقوب بن شيبة وغيره: مات سنة سبع عشرة، وهو ابن ثمان وسبعين سنة. وقال ابن نمير: مات سنة تسع عشرة. وقال ابن سعد وغيره: مات سنة عشرين، وقيل: غير ذلك.
أخرج له الجماعة، وله في هذا الكتاب سبعة أحاديث 140 و 959 و1181 و 2575 و 3080 و 3866 و 4182.
6 -
(العبّاس بن عبد المطّلب) رضي الله عنه المذكور آنفًا.
شرح الحديث:
(عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المطَّلِبِ) رضي الله عنه، أنه (قَالَ: كنَّا نَلْقَى) بفتح أوله وثالثه، مضارع لَقِي بكسر القاف، من باب تَعِب (النَّفَرَ) بفتحتين: أي الجماعة (مِنْ قُرَيْشٍ، وَهُمْ يَتَحَدَّثُونَ) جملة في محلّ نصب على الحال من المفعول (فَيَقْطَعُونَ) بفتح أوله وثالثه (حَدِيثَهُمْ) أي عند لقائنا لهم غضبًا وعداوةً لنا، لا إخفاءً للحديث عنّا لكونه سرًّا، وإلا فلا لوم على إخفاء الأسرار. قاله السنديّ (1)(فَذَكَرْنَا ذَلِكَ) أي صنيعهم هذا (لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ) صلى الله عليه وسلم ("مَا) أي استفهاميّة (بَالُ) أي حال (أَقْوَامٍ يَتَحَدَّثُونَ) جملة في محلّ جرّ صفة لـ "أقوام"(فَإِذَا رَأَوُا الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي قَطَعُوا حَدِيثَهُمْ) أي خوفًا من سماعه (وَالله) جملة قسميّة، أي أُقسم بالله (لَا يَدْخُلُ قَلْبَ رَجُلٍ الْإِيمَانُ) بنصب "قلب" على المفعوليّة، ورفع الإيمان على الفاعليّة (حَتَّى يُحِبَّهُمْ) أي أهل بيته صلى الله عليه وسلم (لله) أي لأجله، لا
(1)"شرح السنديّ" 1/ 94 - 95.
لأمر دنيويّ، كما قال تعالى:{لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ في الْقُرْبَى} الآية [الشورى: 23]، (وَلقَرَابَتِهِمْ مِنِّي) أي ولأجل قرابتهم من النبيّ صلى الله عليه وسلم؛ لأن محبتهم ناشئة من محبته، ومحبته من أعظم شعب الإيمان، كما قال رضي الله عنه فيما أخرجه الشيخان في "صحيحيهما":"لا يؤمن أحدكم حتّى أكون أحبّ إليه من والده وولده والناس أجمعين".
والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى) في درجته:
حديث العبّاس بن عبد المطلب رضي الله عنه هذا صحيح.
[فإن قلت]: كيف يصحّ، وهو مرسلٌ، فإن محمّد بن كعب لم يلقَ العبّاس رضي الله عنه؟.
[قلت]: إنّما صحّ بشواهده، فقد أخرج ابن أبي شيبة في "مصنّفه" رقم (32203) قال:
حَدَّثَنَا ابن نُمير، عن سفيان، عن أبيه، عن أبي الضّحى مسلم بن صُبَيح، قال: قال العبّاس يا رسول الله إنا لنرى وجوه قوم من وقائع أوقعتها فيهم، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "لن يصيبوا خيرًا حتّى يُحبّوكم لله، ولقرابتي
…
" الحديث (1).
وهذا مرسل صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين، يشهد لحديث الباب.
وأخرج الترمذيّ (3691) من طريق أبي عوانة، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الله بن الحارث، حدثني عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، أن العباس ابن عبد المطلب دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم مُغْضَبًا، وأنا عنده، فقال:"ما أغضبك؟ "، قال: يا رسول الله ما لنا ولقريش، إذا تلاقَوْا بينهم تلاقوا بوجوه مُبْشَرَةٍ، وإذا لَقُونا لَقُونا بغير ذلك؟ قال: فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتّى احمر وجهه، ثمّ قال:"والذي نفسي بيده لا يدخل قلبَ رجلٍ الإيمانُ حتّى يُحِبَّكم لله، ولرسوله"، ثمّ قال: "يا أيها النَّاس من
(1) راجع "مصنّف عبد الرزّاق" 6/ 385 رقم (32203).
آذى عمي فقد آذاني، فإنّما عَمُّ الرَّجل صنو أبيه"، قال: هذا حديث حسن صحيح.
هذا الحديث في سنده يزيد بن أبي زياد الهاشميّ ضعيف، إِلَّا أنه لا بأس به في المتابعة، والشواهد، ولذا أخرج له مسلم متابعةً، فحديثه يشهد لحديث الباب، والظاهر أن التّرمذيّ صححه لهذا، وليس ممّا تساهل فيه، كما قاله بعضهم.
والحاصل أن الحديث صحيح؛ لما ذُكر، والله تعالى أعلم.
(المسألة الثّانية): في تخريجه:
أخرجه (المصنّف) هنا (21/ 140) فقط، وقد تفرّد به، فلم يُخرجه أحد من أصحاب الأصول، وأخرجه (أحمد) في "مسنده"(1677) وأخرجه (الترمذيّ) برقم (3691) و (أحمد) برقم (16860 و 16861) من حديث عبد المطلب بن ربيعة، والله تعالى أعلم.
(المسألة الثّالثة): من أغرب ما وقع للمصنّف أنه عقد بابًا في فضل العبّاس رضي الله عنه، ثمّ أرود حديثين: أحدهما هذا، وهو وإن صححناه لشواهده إِلَّا أنه مرسل في نفسه، والثّاني موضوع، وهو التالي، كأنه لم يثبت للعباس رضي الله عنه شيء من الفضائل، مع أنه وردت أحاديث صحيحة في فضائله، ولعلّها ما وصلت إليه، فلذا أحببت أن أذكر بعض تلك الأحاديث لئلا يخلو الباب عن الأحاديث الصحيحة.
(فمن ذلك): ما أخرجه البخاريّ في "صحيحه"(3710) من طريق ثُمامة بن عبد الله بن أنس، عن أنس رضي الله عنه أن عمر بن الخطّاب كان إذا قَحَطُوا استسقى بالعباس ابن عبد المطلب، فقال: اللَّهُمَّ إنا كنا نتوسل إليك بنبينا صلى الله عليه وسلم، فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبيّنا، فاسقنا، قال: فيسقون.
(ومنها): ما أخرجه مسلم في "صحيحه"(983).
من طريق الأعرج، عن أبي هريرة قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر على الصَّدقة، فقيل: مَنَعَ ابنُ جميل، وخالد بن الوليد، والعباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما يَنقِم ابنُ جَمِيل إِلَّا أنه كان فقيرًا، فأغناه الله، وأما خالد فإنكم تظلمون خالدًا،
قد احتبَسَ أدراعه وأعتاده في سبيل الله، وأما العباس فهي عليّ ومثلُها معها"، ثمّ قال: "يا عمر أما شَعَرتَ أن عَمَّ الرَّجل صِنْوُ أبيه".
(ومنها): ما أخرجه الإمام أحمد في "مسنده" 1/ 293 رقم (1524) بإسناد صحيح من طريق سعيد بن المسيَّب، عن سعد بن أبي وقّاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس: "هذا العباس بن عبد المطلب أجودُ قريشٍ كفًّا، وأوصلها". وغير ذلك ممّا ثبت له من المناقب، وقد جمعت في ذلك أم شعيب زوجة المحدّث الحافظ المحقق الكبير الشّيخ مقبل بن هادي رحمه الله حيث كتبت الصّحيح السند من فضائل أهل بيت النبوّة، فأجادت وأفادت، وفي ضمنه باب عقد لفضائل العبّاس رضي الله عنه، وقد قدّم لها الشّيخ رحمه الله والكتاب مطبوع، فراجعه تستفد، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وبالسند المُتّصل إلى الإمام ابن مَاجَه رحمه الله في أول الكتاب قال:
141 -
(حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الضَّحَّاكِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ الحَضْرَمِيِّ، عَنْ عَبْدِ الله ابْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الله اتَّخَذَنِي خَلِيلًا كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا، فَمَنْزِلِي وَمَنْزِلُ إِبْرَاهِيمَ في الجنَّةِ يّوْمَ الْقِيَامَةِ تُجَاهَيْنِ، وَالْعَبَّاسُ بَيْنَنَا مُؤْمِنٌ بَيْنَ خَلِيلَيْنِ").
رجال هذا الإسناد: ستة:
1 -
(عبد الوهّاب بن الضّحّاك) بن أبان الْعُرْضيّ -بضم المهملة، وسكون الراء، بعدها معجمة- أبو الحارث الحمصيّ، نزيل سَلَمْيَةَ، متروك، كذّبه أبو حاتم [10].
روى عن إسماعيل بن عياش، وبقية بن الوليد، وعيسى بن يونس، وغيرهم.
وروى عنه ابن ماجة، وعبد الوهّاب بن نَجْدة، وهو من أقرانه، وابن أبي عاصم، وبَقِيّ بن مَخْلَد، وغيرهم.
قال البخاريّ: عنده عجائب. وقال أبو داود: كان يضع الحديث قد رأيته. وقال
النَّسائيُّ: ليس بثقة متروك. وقال العقيليّ، والدارقطنيّ، والبيهقيّ: متروك. وقال صالح ابن محمّد الحافظ: منكر الحديث، عامة حديثه كَذِبٌ. وقال ابن أبي حاتم: سمع منه أبي بسَلَمْيَةَ، وترك حديثه والرواية عنه هذا قاص.
وقال محمّد بن عوف: قيل له: إنّه كان يأخذ فوائد أبي اليمان فيحدث بها، عن إسماعيل بن عياش، وحدث بأحاديث كثيرة موضوعة. قال: فخرجتُ إليه، فقلت: ألا تخاف الله، فضمن لي أن لا يُحَدِّث بها بعد ذلك. وقال ابن عدي: وأظن قال عبدان: كان البغداديون يلقّنونه فمنعتهم. وقال الجوزجاني: أَقدَم وجَسَرَ فأراح النَّاس. وقال ابن عدي: وبعضُ حديثه لا يتابع عليه.
وقال الدارقطني في موضع آخر: له عن إسماعيل بن عياش وغيره مقلوباتٌ وبواطيلُ. وقال الآجري عن أبي داود: غير ثقة ولا مأمون. وقال ابن حبّان: كان يسرق الحديث، لا يحل الاحتجاج به. وقال الحاكم وأبو نعيم: روى أحاديث موضوعة.
قال ابن أبي عاصم: مات سنة خمس وأربعين ومائتين.
تفرّد به المصنّف، وله في هذا الكتاب سبعة أحاديث فقط برقم 141 و 772 و 1165 و 1317 و 2014 و 2247 و 3340.
[تنبيه]: قوله: "الْعُرْضيّ": نسبة إلى عُرْض قال ابن السمعاني: ناحية بدمشق، وتعقّبه ابن الأثير، فقال: بل هي مدينة صغيرة بين الفرات ودمشق، وهي من أعمال حلب.
وسَلَمْيَةُ مُسكّنة الميم، مخفّفة الياء: اسم بلد. قاله في "القاموس". والله تعالى أعلم.
2 -
(إسماعيل بن عيّاش) الْعَنسيّ، أبو عُتبة الحمصيّ، صدوق في روايته عن أهل بلده، مخلّط في غيرهم [8] 9/ 74.
3 -
(صفوان بن عمرو) بن هَرِم السَّكْسَكيّ، أبو عمرو الحِمْصيّ، ثقة [5].
رَوَى عن عبد الله بن بُسْر المازني الصحابي، وعبد الرّحمن جُبير بن نُفَير، وشُرَيح
ابن عبيد الحضرمي، وراشد بن سعد، وجماعة.
ورَوى عنه ابن المبارك، وأبو إسحاق الفزاري، وبقية، وإسماعيل بن عياش، ومعاوية بن صالح الحضرمي، وغيرهم.
قال العجلي، ودُحيم، وأبو حاتم، والنَّسائيّ: ثقة، زاد أبو حاتم: لا بأس به.
وقال ابن سعد: كان ثقة مأمونًا. وقال أبو زرعة الدمشقي: قلت لدُحيم: مَنْ أَثْبَتُ بِحِمْصَ؟ قال: صفوانُ، وسَمَّى جماعةً. وقال أبو حاتم: سمعت دُحيمًا يقول: صفوان أكبر من حَرِيز وقَدَّمَهُ. وقال ابن خِرَاش: كان ابن المبارك وغيره يوثقه. وذكره ابن حبّان في "الثِّقات". وقال النَّسائيُّ في "التمييز": له حديث منكر في عمار بن ياسر.
وقال أبو اليمان عن صفوان: أدركت من خلافة عبد الملك، وخَرَجْنا في بعث سنة (94). وقال يزيد بن عبد ربه مات سنة (155). وقال سليمان بن سَلَمَة: مات سنة (8).
وعلّق له البخاريّ أثرًا، وأخرج له في "الأدب المفرد"، ومسلم، والأربعة، وله في هذا الكتاب أربعة أحاديث فقط برقم 141 و 1317 و 3568 و 3992.
4 -
(عبد الرّحمن بن جُبير -بجيم، فموحّدة، مصغّرًا- ابن نُفير) -بنون، ففاء، مصغّرًا أيضًا- أبو حميد، ويقال أبو حِمْيَر الحضرميّ الحمصيّ، ثقة [4].
روى عن أبيه، وأنس بن مالك، وخالد بن معدان، وكثير بن مرّة، وغيرهم.
ورَوَى عنه يحيى بن جابر الطائي، ومعاوية بن صالح، وثور بن يزيد، وزهير بن سالم، وصفوان بن عمرو، وغيرهم.
قال أبو زرعة، النَّسائيُّ: ثقة. وقال أبو حاتم: صالح الحديث. وذكره ابن حبّان في "الثِّقات". وقال ابن سعد: كان ثقة، وبعض النَّاس يستنكر حديثه، ومات سنة ثماني عشرة ومائة في خلافة هشام.
أخرج له البخاريّ في "الأدب المفرد"، والباقون، وله في هذا الكتاب أربعة أحاديث فقط برقم 141 و 1219 و 4075 و 4076.
5 -
(كثير بن مرّة الحضرميّ) الحمصيّ، ثقة [2] ووهِمَ من عدّه في الصّحابة 1/ 7.
6 -
(عبد الله بن عمرو) بن العاص رضي الله عنهما تقدّم في 8/ 52، والله تعالى أعلم.
شرح الحديث:
(عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو) رضي الله عنهما، أنه (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ الله اتَّخَذَنِي خَلِيلًا) "الخليل": الصديق، فَعِيلٌ بمعنى مُفاعل، وقد يكون بمعنى مفعول، والْخُلّة بالضم: الصداقة والمحبّة الّتي تخلّلت القلب، فصارت خلاله، أي في باطنه. قاله ابن الأثير (1) (كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ) عليه السلام (خَلِيلًا) حيث قال عز وجل:{وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [النساء: 125]، (فَمَنْزِلِي وَمَنْزِلُ إِبْرَاهِيمَ في الجنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُجَاهَيْنِ) أي متقابلين، والتاء فيه بدلٌ من واو وجاه، قال في "القاموس": تجاهك، ووجاهك مثلّثين: تلقاء وجهك. انتهى (وَالْعَبَّاسُ بَيْنَنَا) مبتدأ وخبره (مُؤْمِنٌ) خبر لمحذوف، أي هو مؤمن، حال كونه كائنًا (بَيْنَ خَلِيلَيْنِ).
مسألة: هذا الحديث موضوع، وآفته عبد الوهّاب شيخ المصنّف، فقد سبق أنه من الوضاعين، وهو من أفراد المصنّف، فلم يُخرجه أحد غيره، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(1)"النهاية" 2/ 305.