الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
14 - (فَضْلُ عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ رضي الله عنه
-)
هو: علي بن أبي طالب بن عبد المطلب القرشي الهاشميّ أَبو الحسن، وهو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، شقيق أبيه، واسمه عبدُ مناف على الصحيح، وُلِد قبل البعثة بعشر سنين على الراجح، وكان قد ربّاه النبي صلى الله عليه وسلم من صغره؛ لقصة مذكورة في السيرة النبوية، فلازمه من صِغَره، فلم يفارقه إلى أن مات.
وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم، وكانت ابن: عمة أبيه، وهي أول هاشمية ولدت لهاشميّ، وقد أسلمت، وصَحِبَت وماتت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.
قال أحمد، وإسماعيل القاضي، والنسائي، وأبو علي النيسابوريّ: لم يَرِد في حق أحد من الصحابة بالأسانيد الجياد أكثر مما جاء في علي رضي الله عنه، وكأنّ السبب في ذلك أنه تأخر، ووقع الاختلاف في زمانه، وخروج مَنْ خرج عليه، فكان ذلك سببًا لانتشار مناقبه من كثرة من كان بَيَّنَهَا من الصحابة ردّا على من خالفه، فكان الناس طائفتين، لكن المبتدعة قليلة جدّا، ثم كان من أمر عليّ ما كان، فنجمت طائفة أخرى حاربوه، ثم اشتد الْخَطْب، فتنقصوه، واتخذوا لعنه على المنابر سنةً، ووافقهم الخوارج على بغضه، وزادوا حتى كفروه مضمومًا ذلك منهم إلى عثمان، فصار الناس في حق عليّ ثلاثة: أهلَ السنة، والمبتدعةَ من الخوارج والمحاربين له من بني أُمية وأتباعهم، فاحتاج أهل السنة إلى بَثّ فضائله، فكثر الناقل لذلك؛ لكثرة من يخالف ذلك، وإلا فالذي في نفس الأمر أن لكل من الأربعة سنة من الفضائل إذا حُرّر بميزان العدل، لا يخرج عن قول أهل السنة والجماعة أصلًا.
وروى يعقوب بن سفيان بإسناد صحيح، عن عروة، قال: أسلم عليّ، وهو ابن ثمان سنين، وقال ابن إسحاق عشر سنين، وهذا أرجحها، وقيل: غير ذلك. ذكره في "الفتح"(1).
(1) راجع "الفتح" 7/ 91 - 92.
[تنبيه]: كانت مبايعة عليّ رضي الله عنه بالخلافة سنة خمس وثلاثين من الهجرة، فبايعه المهاجرون والأنصار، وكلُّ من حضر، وكُتب ببيعته إلى الآفاق، فأذعنوا كلهم إلا معاوية في أهل الشام، فكان بينهم بعدُ ما كان (1). وقد تقدّمت ترجمته في 2/ 20، فراجعها تستفد، والله تعالى وليّ التوفيق.
وبالسند المتّصل إلى الإمام ابن ماجه رحمه الله في أول الكتاب قال:
114 -
(حَدَّثَنَا عَليُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا وَكيعٌ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، وعَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْر، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ عِليٍّ رضي الله عنه قَالَ: "عَهِدَ إِليَّ النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ لَا يُحِبُّني إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَلَا يُبْغِضُنِي إِلَّا مُنَافِقٌ").
رجال هذا الإسناد: ثمانية:
1 -
(عَبْدُ اللهَ بْنُ نُمَيْر) -بنون، مصغّرًا- الْهَمْدانيّ، أَبو هشام الكوفيّ، ثقة، صاحب حديث، من أهل السنّة، من كبار [9] تقدّم في 8/ 52.
2 -
(الْأَعْمَشُ) سليمان بن مِهْرَان الكوفيّ الحافظ الحجة القارىء [5] تقدّم في 1/ 1.
3 -
(عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ) الأنصاريّ الكوفيّ، ثقة رُمي بالتشيّع [4].
رَوَى عن أبيه، وجده لأمه عبد الله بن يزيد الخطميّ، والبراء بن عازب، وسليمان ابن صُرَد، وعبد الله بن أبي أوفى، وزيد بن وهب، وزيد بن حبيش، وغيرهم.
وروى عنه أَبو إسحاق السبيعي، وأبو إسحاق الشيباني، ويحيى بن سعيد الأنصاري، والأعمش، وزيد بن أبي أُنيسة، وحجاج بن أَرْطاة، وغيرهم.
قال عبد الله بن أحمد عن أبيه: ثقة. وقال أَبو حاتم: صدوق، وكان إمام مسجد الشيعة وقاصَّهُم. وقال العجليّ، والنسائيّ: ثقة. قال ابن عبد البر: عُبيد بن عازب هو جد عديّ بن ثابت، وقال غيره: هو عدي بن أبان بن ثابت بن قيس بن الْخَطِيم
(1) راجع "الفتح" 7/ 92.
الأنصاري الظَّفَريّ، وثابت صحابيّ معروف.
قال الْبَرْقانيّ: قلت للدارقطنيّ: فعديّ بن ثابت عن أبيه، عن جده؟ قال: لا يثبت، ولا يعرف أبوه ولا جده، وعدي ثقة. وقال الطبريّ: عدي بن ثابت ممن يجب التثبت في نقله. وقال ابن معين: شيعيٌّ مُفْرِط. وقال الجُوزجاني: مائل عن القصد. وقال عفان: قال شعبة: كان من الرَّفَّاعين. وقال ابن أبي داود: حديث عدي بن ثابت عن أبيه، عن جده معلول. وقال السلمي: قلت للدارقطني: فعدي بن ثابت؟ قال: ثقة، إلا أنه كان غاليًا -يعني في التشيع-. وقال ابن شاهين في "الثقات": قال أحمد: ثقة، إلا أنه كان يتشيع.
وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: مات في ولاية خالد على العراق. وقال ابن قانع: مات سنة ست عشرة ومائة.
أخرج له الجماعة، وله في هذا الكتاب (14) حديثًا.
4 -
(زِرِّ -بكسر الزاي، وتشديد الراء- ابْنِ حُبَيْشٍ) بمهملة، فموحّدة، فمعجمة، مصغّرًا- ابن حُباشة -بضم المهملة، بعدها موحّدة، ثم معجمة- ابن أَوْس ابن بلال، وقيل: هلال الأسديّ، أَبو مريم، ويقال: أَبو مُطَرِّف الكوفيّ، ثقة جليلٌ مخضرمٌ، أدرك الجاهلية [2].
روى عن عمر، وعثمان، وعلي، وأبي ذر، وابن مسعود، وعبد الرحمن بن عوف، والعباس، وسعيد بن زيد، وحذيفة، وأبي بن كعب، وصفوان بن عَسّال، وعائشة رضي الله عنهم، وغيرهم.
وروى عنه إبراهيم النخعي، وعاصم بن بَهْدَلة، والنهال بن عمرو، وعدي بن ثابت، والشعبي، وزبيد اليامي، وغيرهم.
قال ابن معين: ثقة. وقال ابن سعد: كان ثقةً كثير الحديث. وقال عاصم، عن زِرّ: خرجت في وفد من أهل الكوفة، وايم الله إِنْ حَرَّضَني على الوفادة إلا لقاء أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فلقيت عبدَ الرحمن بن عوف، وأُبَيّ بن كعب، فكانا جَلِيسيَّ. قال
عاصم: وكان زر من أعرب الناس، وكان عبد الله يسأله عن العربية. وقال العجليّ: كان من أصحاب عليّ، وعبد الله، ثقة. وقال أَبو جعفر البغداديّ: قلت لأحمد: فزِرٌّ، وعلقمة، والأسود؟ قال: هؤلاء أصحاب ابن مسعود، وهم الثبت فيه. وقال عاصم: كان أَبو وائل عثمانيا، وكان زِرّ عَلَوِيّا، وكان مصلاهما في مسجد واحد، وكان أَبو وائل معظمًا لزِرّ. وقال ابن عيينة عن إسماعيل: قلت لزر: كم أتى عليك؟ قال: أنا ابن عشرين ومائة. قال أَبو عمر الضرير: مات قبل الجماجم. وقال أَبو عبيد القاسم بن سلام: مات سنة (81). وقال عمرو بن علي: سنة (82). وقال ابن زَبْر: سنة (83). وقال أَبو نعيم: مات وهو ابن (127) سنةً. وصحح ابن عبد البر في "الاستيعاب" سنة (3)، وقال: كان عالمًا بالقرآن، قارئًا فاضلًا.
أخرج له الجماعة، وله في هذا الكتاب (16) حديثًا.
5 -
(عَلِيّ) بن أبي طالب رضي الله عنه، تقدّم في 2/ 20 والباقون تقدّموا قبل حديث، والله تعالى أعلم.
لطائف هذا الإسناد:
1 -
(منها): أنه من سداسيّات المصنّف رحمه الله.
2 -
(ومنها): أن رجاله رجال الصحيح، غير شيخه، فتفرّد هو به.
3 -
(ومنها): أنه مسلسلٌ بثقات الكوفيين.
4 -
(ومنها): أنه فيه ثلاثة من ثقات التابعين، يروي بعضهم عن بعض: الأعمش، عن عديّ، عن زِرّ.
5 -
(ومنها): أن عديّا وزِرّا هذا أول محل ذكرهما في الكتاب، وجملة ما رواه المصنّف فيه لعديّ (14) حديثًا، ولزِرّ (16) حديثًا.
6 -
(ومنها): أن زِرّا من المعمّرين أدرك الجاهليّة، ومات سنة (82) وهو ابن (120) سنة، وقيل:(122)، وقيل:(127).
7 -
(ومنها): أن صحابيّه أحد الخلفاء الراشدين الأربعة، وأحد العشرة المبشّرين
بالجنة، وابن عم المصطفى صلى الله عليه وسلم، وزوج ابنته فاطمة، وأبو الحسنين، جم الناقب رضي الله عنهم أجمعين، والله تعالى أعلم.
شرح الحديث:
(عَنْ عَليٍّ رضي الله عنه) أنه (قَالَ: "عَهِدَ إِلَيَّ) أي أوصاني بذلك، وأخبرني به، والعهد: الوصيّة، والميثاق (النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ صلى الله عليه وسلم) قال أَبو العبّاس القرطبيّ رحمه الله:"الأميّ": هو الذي لا يَكتُبُ، كما قال صلى الله عليه وسلم:"إنا أُمة أُميّة لا نكتب ولا نحسُبُ"، متّفق عليه (1). وهو منسوب إلى الأمّ؛ لأنه باق على أصل ولادتها؛ إذ لم يتعلّم كتابةً ولا حسابًا. وقيل: يُنسب إلى معظم أمّة العرب؛ إذ الكتابة كانت فيهم نادرةً، وهذا الوصف من الأوصاف التي جعلها الله تعالى من أوصاف كمال النبيّ صلى الله عليه وسلم، ومدحه بها، وإنما كانت صفة نقص في غيره؛ لأن الكتابة والدراسة والدُّرْبَة (2) على ذلك هي الطرق الموصلة إلى العلوم التي بها تشرف نفس الإنسان، ويعظُم قدرها عادةً، فلمّا خصّ الله تعالى نبيّنا محمدًا صلى الله عليه وسلم بعلوم الأولين والآخرين من غير كتابة ولا مُدارسة، كان ذلك خارقًا للعادة في حقّه، ومن أوصافه الخاصّة به الدالّة على صدقه التي نُعِت بها في الكتب القديمة، وعُرف بها في الأمم السابقة، كما قال تعالى:{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ} الآية [الأعراف:157]، فقد صارت الأمّيّة في حقّه من أعظم معجزاته، وأجلّ كراماته، وهي في حقّ غيره نقصٌ ظاهرٌ، وعجزٌ حاضرٌ، فسبحان الذي صيّر نقصنا في حقّه كمالًا، وزاده تشريفًا وجلالًا صلى الله عليه وسلم. انتهى (3).
(أَنَّهُ) الضمير للشأن تُفسّره الجملة بعده (لَا) نافية، ولذا رفع الفعل بعده (يُحِبُّنِي) بضم أوله، من أحبّه رباعيّا، ويجوز فتح أوله، وكسر ثالثه، من حبّه ثلاثيّا، قال
(1) أخرجه أحمد في "مسنده" 2/ 43 و 52 و 129 والبخاريّ (1913) ومسلم 1080 وأبو داود 2319 و 2320 و 2321 والنسائيّ 4/ 139 و 140 من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(2)
الدُّرْبة بالضم: العادة والجرأة على الأمر والحرب اهـ "ق" جـ 1 / ص 66.
(3)
"المفهم" 1/ 267 "كتاب الإيمان".
الفيّومي: أحببت الشيءَ بالألف، فهو مُحَبّ، وحَبَبتُه أَحِبّه، من باب ضرب، والقياس أَحُبُّه بالضمّ، لكنه غير مستعمل (1)، وحَبِبْتُهُ أَحَبُّهُ، من باب تَعِب لغة. انتهى (2). (إِلَّا مُؤْمِنٌ) أي خالص الإيمان من النفاق.
والمراد بحبه الحبّ اللائق به، لا على وجه الإفراط، فإن الخروج عن الحدّ غير مطلوب، وليس من علات الإيمان، بل قد يؤدّي إلى الكفر والطغيان، فإن قومًا قد خرجوا عن الإيمان بالإفراط في حبّ عيسى عليه السلام. قاله السنديّ (3).
وقال القاري: المعنى: لا يُحبّني حبّا مشروعًا مُطابقًا للواقع من غير زيادة ونقصان؛ ليخرُج النصيريّ (4) والخارجيّ. انتهى (5).
(1) هكذا قال، ومثله قول ابن مالك في "لاميّته" حينما يذكر ما خرج عن القياس:
فَذُو التَّعَدِّي بِكَسْر حَبَّهُ وَعِ
…
ذَا وَجْهَيْنِ هَرَّ وَشَدَّ عَلّهُ عَلَلَا
يعني أن يحبه بالكسر شاذّ، والقياس الضم؛ لأنه مضاعف معدّى. لكن ذكر شراح "اللامية" المذكورة، أنه سمع "يَحُبّه" بالضم أيضًا، فيكون مما فيه الوجهان، فليُتأمّل.
والله تعالى أعلم.
(2)
"المصباح المنير" 1/ 117.
(3)
"شرح السنديّ" 1/ 81.
(4)
"النصيريّ" بالتصغير نسبة إلى نُصير اسم رجل، والنصيريّة طائفة من غلاة الشيعة، ينتسبون إلى رجل اسمه نُصير، وكان من جماعة قريبًا من سبعة عشر نفسًا، كانوا يزعمون أن عليّا هو الله، وهؤلاء شرّ الشيعة، وكان ذلك في زمن عليّ، فحذّرهم، وقال: إن لم ترجعوا عن هذا القول، وتجدّدوا إسلامكم، وإلا عاقبتكم عقوبة ما سمعوا مثلها في الإسلام، ثم أمر بأخدود، وحفر في رحبة جامع الكوفة، فأشعل فيه النار، وأمرهم بالرجوع فما رجعوا، فأمر غلامه قنبر حي ألقاهم في النار، فهرب واحد من الجماعة، اسمه نُصير، واشتهر هذا الكفر منه، وأن عليّا لما ألقاهم في النار التفت واحد، وقال: الآن تحقّقت أنه هو الله؛ لأنه بلغنا عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "لا يعذّب بالنار إلا ربها". انتهى "الأنساب" 5/ 498 - 500.
(5)
"المرقاة" 10/ 457.
(وَلَا يُبْغِضُنِي) بضم أوله، وكسر ثالثه رباعيّا من أبغضه بالألف، لا غيرُ، قال الفيّوميّ: وأبغضته إبغاضًا، فهو مُبغَضٌ، قالوا: ولا يُقال: بَغَضته بغير ألف (1). انتهى (2). (إِلَّا مُنَافِقٌ) أي إلا من ليس مؤمنًا باطنًا، وإن تظاهر بمظهر الإسلام.
والمنافق اسم فاعل من النفاق، وهو -كما قال ابن الأثير- اسم إسلاميّ، لم تعرفه العرب بالمعنى المخصوص به، وهو الذي يستُر كفره، ويُظهر إيمانه، وإن كان أصله في اللغة معروفًا، يقال: نافق ينافق منافقةً ونِفاقًا، وهو مأخوذ من النافقاء، أحد جِحَر اليربوع، إذا طُلب من واحد هرب إلى الآخر، وخرج منه. وقيل: من النَّفَق، وهو السِّرَب الذي يُستَتر فيه؛ لستره كفره (3).
والمراد بالبغض هو البغض لأجل مزاياه الدينيّة، وأما البغض الناشىء بسبب أمر دنيويّ يفضي إليه بالطبع، كما يجري في التعامل، فليس نفاقًا أصلًا، وقد سبّ العبّاس عليّا رضي الله عنهما بسبب ما جرى بينهما من التعامل كمجلس عمر رضي الله عنه أشدّ سبّ (4)، وهو مشهور في "الصحيحين"، وغيرهما، فلم ينقص ذلك من إيمانه رضي الله عنه (5).
وقال القرطبي: من أحبّ عليّا رضي الله عنه لسابقته في الإسلام، وقِدَمه في الإيمان، وغَنَائه فيه، وذَوْده عنه، وعن النبيّ صلى الله عليه وسلم، ولمكانته من النبيّ صلى الله عليه وسلم، وقرابته، ومصاهرته، وعلمه، وفضائله، كان ذلك منه دليلًا قاطعًا على صحّة إيمانه ويقينه، ومحبّته للنبيّ صلى الله عليه وسلم، ومن أبغضه لشيء من ذلك كان على العكس. انتهى (6)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه
(1) وقال في "القاموس" و"شرحه" جـ 5 / ص 9: قال أَبو حاتم: وقولهم: أنا أبغُضُه، ويَبْغُضُني بالضمّ لغة رديئة. انتهى.
(2)
"المصباح" 1/ 56.
(3)
راجع "النهاية" 5/ 98.
(4)
ولفظه عند مسلم (1757): فقال عبّاس: "يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا الكاذب الآثم الغادر الخائن
…
" الحديث.
(5)
راجع "شرح السنديّ" 1/ 81.
(6)
"المفهم" 1/ 264 "كتاب الإيمان".
المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسألتان تتعلّقان بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): في درجته:
حديث عليّ رضي الله عنه هذا أخرجه مسلم.
(المسألة الثانية): في تخريجه:
أخرجه (المصنّف) هنا (14/ 114) بهذا السند فقط، وأخرجه (مسلم) في "الإيمان"(1/ 60)(237) و (الترمذيّ) في "المناقب"(3736) و"النسائيّ" في "الإيمان"(5033) و (5037) و"الكبرى" في "فضائل الصحابة"(8097) وفي "الخصائص"(8431 و 8432 و 8433) و (الحميديّ) في "مسنده"(58) و (ابن أبي شيبة) في "مصنّفه"(12/ 56 و 57) و (أحمد) في "مسنده"(1/ 84 و 95 و 128) وفي "فضائل الصحابة"(948) و (961) و (ابن أبي عاصم) في "السنة"(1325) و (أَبو يعلى) في "مسنده"(291) و (ابن حبان) في "صحيحه"(6924) و (البغويّ) في "شرح السنة"(3908) و (3909).
ودلالة الحديث على ما ترجم له واضحة، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وبالسند المتصل إلى الإمام ابن ماجه رحمه الله في أول الكتاب قال:
115 -
(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْن إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ لِعَلِيٍّ: "أَلا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى").
رجال هذا الإسناد: ستة:
1 -
(مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ) العبديّ، أَبو بكر البصريّ المعروف ببندار، ثقة حافظ [10] تقدّم في 1/ 6.
2 -
(مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ) الْهُذَليّ، أَبو عبد الله البصريّ المعروف بغندر، ثقة، صحيح
الكتاب [9] تقدّم في 1/ 6.
3 -
(شُعْبَةُ) بن الحجاج الْعَتكيّ مولاهم، أَبو بِسطام الواسطيّ، ثم البصريّ الإمام الحجة الناقد، أمير المؤمنين في الحديث [7] تقدّم في 1/ 6.
4 -
(سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) بن عبد الرحمن بن عوف الزهريّ المدنيّ القاضي، ثقة فاضلٌ عابدٌ [5] تقدّم في 2/ 14.
5 -
(إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ) الزهري المدني، ثقة [3].
روى عن أبيه، وأسامة بن زيد، وخزيمة بن ثابت. وروى عنه ابن أخته سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وحبيب بن أبي ثابت، وأبو جعفر الباقر.
قال ابن سعد: كان ثقة، كثير الحديث. وقال العجليّ: مدني تابعي ثقة. وقال يعقوب بن شيبة: معدود في الطبقة الثانية من فقهاء أهل المدينة، بعد الصحابة. وذكره ابن حبان في "الثقات".
أخرج له البخاريّ، ومسلم، والنسائيّ، والمصنّف، وله في هذا الكتاب هذا الحديث فقط.
6 -
(أبوه) سعد بن أبي وقّاص مالك بن وُهيب الزهريّ، أَبو إسحاق الصحابيّ الشهير رضي الله عنه تقدّم 3/ 29، والله تعالى أعلم.
لطائف هذا الإسناد:
1 -
(منها): أنه من سداسيّات المصنّف رحمه الله.
2 -
(ومنها): أن رجاله كلهم رجال الصحيح.
3 -
(ومنها): أن نصفه الأول مسلسل بثقات البصريين، ونصفه الثاني بثقات المدنيين.
4 -
(ومنها): أن فيه رواية تابعيّ عن تابعيّ، والابن عن أبيه.
5 -
(ومنها): أن صحابيّه أحد العشرة المبشّرين بالجنّة، وآخر من مات منهم بالمدينة، مات سنة (55) على الصحيح، وأول من رمى بسهم في سبيل الله، وكان مجاب
الدعوة، ومناقبه جمّة، والله تعالى أعلم.
شرح الحديث:
(عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ) الزهريّ، أنه (قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ) سعد رضي الله عنه (عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ لِعِليٍّ) بن أبي طالب رضي الله عنه، وهذا القول قاله النبيّ صلى الله عليه وسلم مخرجه إلى غزوة تبوك، فقد أخرج البخاريّ رحمه الله في "صحيحه" من طريق الحكم، عن مصعب بن سعد، عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى تبوك، واستخلف عليا، فقال: أتُخَلِّفُني في الصبيان والنساء، قال:"ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه ليس نبي بعدي". وأخرج الحاكم في "الإكليل" من مرسل عطاء بن أبي رباح: فقال: "يا عليّ اخلُفني في أهلي، واضرب، وخذ، وعِظْ"، ثم دعا نساءه، فقال:"اسمعن لعليّ، وأطعن"(1).
وأخرج النسائيّ في "السنن الكبرى" بسند صحيح، من طريق سعيد بن المسيب، عن سعد بن أبي وقاص قال: لمّا غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك خَلّف عليا بالمدينة، فقالوا فيه: مَلَّه، وكره صحبته، فتبع عليّ النبي صلى الله عليه وسلم حتى لَحِقه بالطريق، فقال: يا رسول الله خَلّفتني بالمدينة مع الذراري والنساء، حتى قالوا: مَلّه، وكَرِه صحبته، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"يا علي إنما خَلّفتك على أهلي، أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، غير أنه لا نبي بعدي"(2).
وقال التوربشتيّ: كان هذا القول من النبيّ صلى الله عليه وسلم مخرجه إلى غزوة تبوك، وقد خلّف عليّا رضي الله عنه على أهله، وأمره بالإقامة فيه، فأرجف به المنافقون، وقالوا: ما خلّفه إلا استثقالًا له، وتخففًا منه، فلما سمع به عليّ رضي الله عنه أخذ سلاحه، ثم خرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو نازلٌ بالْجُرُف، فقال: يا رسول الله زعم المنافقون كذا، فقال: "كذبوا إنما
(1) راجع "الفتح" 8/ 716.
(2)
"السنن الكبرى" جـ 7/ 307 رقم الحديث (8082).
خلّفتك لما تركت ورائي، فارجع، فاخلُفني في أهلي وأهلك، أما ترضى يا عليّ أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى"، تأوّل قول الله سبحانه وتعالى:{وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي في قَوْمِي} [الأعراف: 142](1).
(أَلَا) بفتح الهمزة، وتخفيف اللام: أداة استفتاح وتنبيه، وفي نسخة:"أما"، وهي بمعناها (تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى) قال في "الفتح": أي نازلًا مني منزلة هارون من موسى، والباء زائدة. وفي رواية سعيد بن المسيّب، عن سعد:"فقال عليّ: رضيت، رضيتُ"، أخرجه أحمد، ولابن سعد من حديث البراء، وزيد بن أرقم في نحو هذه القصة، قال:"بلى يا رسول الله، قال: فإنه كذلك"، وفي أول حديثهما أنه عليه الصلاة والسلام قال لعلي: "لابد أن أُقيم أو تقيم، فأقام علي، فسمع ناسا يقولون: إنما خلّفه لشيء كرهه منه، فاتبعه، فذكر له ذلك، فقال له
…
" الحديث، وإسناده قوي.
وقال السنديّ: قوله صلى الله عليه وسلم: "ألا ترضى أن تكون منّي إلخ" قاله صلى الله عليه وسلم حين استخلفه على المدينة في غزوة تبوك، فقال: علي: تُخلّفني في النساء والصبيان؟ كأنه استنقص تركه وراءه، فقال:"ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى"، يعني حين استخلفه عند توجّهه إلى الطور، إذ قال له:{اخْلُفْنِي في قَوْمِي وَأَصْلِحْ} الآية، أي ألا ترضى بأني أنزلتك مني في منزل كان ذلك المنزل لهارون من موسى، وليس في هذا الحديث تعرّض لكونه خليفة له صلى الله عليه وسلم بعده، وكيف وهارون عليه السلام ما كان خليفة لموسى بعد موت موسى عليه السلام (2).
[تنبيه]: زاد في الرواية الآتية برقم (121) من طريق عبد الرحمن بن سابط، عن سعد بن أبي وقّاص رضي الله عنه، وهي أيضًا رواية للشيخين قوله:"إلا أنه لا نبيّ بعدي".
قال القرطبيّ رحمه الله: إنما قاله النبيّ صلى الله عليه وسلم تحذيرًا مما وقعت فيه طائفة من غُلاة
(1) راجع "المرقاة" 10/ 454.
(2)
راجع "شرح السنديّ" 1/ 82.
الرافضة، فإنهم قالوا: إن عليّا نبيّ يوحَى إليه، وقد تناهى بعضهم في الغلوّ إلى أن صار في عليّ إلى ما صارت إليه النصارى في المسيح، فقالوا: إنه الإله، وقد حرّق عليّ رضي الله عنه من قال ذلك، فافتتن بذلك جماعة منهم، وزادهم ضلالًا، وقالوا: الآن تحقّقنا أنه الله؛ لأنه لا يعذّب بالنار إلا الله، وهذه كلها أقوال عوامَّ جُهّال، سُخفاء العقول، لا يُبالي أحدهم بما يقول، فلا ينفع معهم البرهان، لكن السيف والسنان. انتهى (1).
وقال النوويّ رحمه الله: قال العلماء: في قوله: "إلا أنه لا نبيّ بعدي" دليل على أن عيسى عليه السلام إذا نزل ينزل حكمًا من حُكّام هذه الأمة، يدعو بشريعة نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم، ولا ينزل نبيّا. انتهى (2).
وقال القاري بعد ذكر كلام النوويّ هذا: أقول: لا منافاة بين أن يكون نبيّا ويكون متابعًا لنبينا صلى الله عليه وسلم في بيان أحكام شريعته، وإتقان طريقته، ولو بالوحي إليه، كما يُشير إليه قوله صلى الله عليه وسلم:"لو كان موسى حيّا لمَا وسعه إلا اتّباعي"(3)، أي مع وصف النبوة والرسالة، وإلا فمع سلبهما لا يفيد زيادة المزيّة، فالمعنى أنه لا يحدُثُ بعده نبيّ؛ لأنه خاتم النبيين السابقين، وفيه إيماء إلى أنه لو كان بعد نبيّ لكان عليّا، وهو لا ينافي ما ورد في حقّ عمر رضي الله عنه صريحًا (4)؛ لأن الحكم فَرْضيّ وتقديريّ، فكأنه قال: لو تُصُوّر بعدي نبيّ
(1)"المفهم" 6/ 274.
(2)
"شرح مسلم" 15/ 174.
(3)
أخرجه الإمام أحمد في "مسنده"، ولفظه من طريق مُجَالد، عن الشعبي، عن جابر ابن عبد الله: أن عمر بن الخطاب أَتَى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتب، فقرأه النبي صلى الله عليه وسلم، فغضب، فقال:"أَمُتَهَوِّكون فيها يا ابن الخطاب، والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوهم عن شيء، فيخبروكم بحق، فتُكَذِّبوا به، أو بباطل فتصدقوا به، والذي نفسى بيده لو أن موسى صلى الله عليه وسلم كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعني". وفي سنده مجالد بن سعيد، والأكثرون على تضعيفه.
(4)
هو ما أخرجه أحمد، والترمذيّ بسند حسن من طريق مِشْرَح بن هَاعَان، عن عقبة ابن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب"، =
لكان جماعة من أصحابي أنبياء، ولكن لا نبيّ بعدي، وهذا معنى حديث:"لو عاش إبراهيم لكان صدّيقًا نبيّا"(1).
وأما حديث: "علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل"، فقد صرّح الحفّاظ كالزركشيّ، والعسقلانيّ، والدميريّ، والسيوطيّ أنه لا أصل له. قاله القاريّ رحمه الله (2).
وقال الشيخ الألبانيّ رحمه الله: لا أصل له باتفاق العلماء، وهو مما يَستدلّ به القاديانية الضالّة على بقاء النبوّة بعده صلى الله عليه وسلم، ولو صحّ لكان حجة عليهم، كما يظهر بقليل من التأمّل. انتهى (3)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): في درجته:
حديث سعد بن أبي وقّاص رضي الله عنه هذا متّفقٌ عليه.
(المسألة الثانية): في تخريجه:
أخرجه (المصنّف) هنا (14/ 115) بهذا السند، وسيعيده مطوّلًا برقم (121)، وأخرجه (البخاريّ) في "فضائل الصحابة"(3706) وفي "المغازي"(4416)، و (مسلم) في "الفضائل"(6168) و (الترمذيّ) في "المناقب"(3731) و (النسائيّ) في "فضائل الصحابة" من "الكبرى"(8085) و (8086) و (أحمد) في "مسنده"(1/ 173 و 175 و 177 و 179) و (ابن حبّان) في "صحيحه"(6926) و (عبد الرزاق) في
= قال الترمذيّ: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث مشرح بن هاعان.
(1)
هذا أثر أنس رضي الله عنه أخرجه أحمد بسند حسن، وأخرجه البخاريّ، وأحمد، وابن ماجه، من طريق إسماعيل بن أبي خالد، عن عبد الله بن أبي أوفى، قال: رأيت إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: مات صغيرًا، ولو قُضي أن يكون بعد محمد صلى الله عليه وسلم نبي عاش ابنه، ولكن لا نبي بعده".
(2)
"المرقاة" 10/ 455 - 456.
(3)
راجع "السلسلة الضعيفة" 1/ 480 رقم الحديث (466).
"مصنّفه"(9745) و (الحميديّ) في "مسنده"(71) و (ابن أبي عاصم) في "السنة"(1335) و (الطيالسيّ) في "مسنده"(209) و (البيهقيّ) في "السنن"(9/ 40) وفي "دلائل النبوة"(5/ 220)، والله تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): في دَحْضِ استدلال الفرق الضالّة بهذا الحديث على زعمهم الباطل:
قال القاضي عياض رحمه الله: هذا الحديث مما تعلقت به الروافض، والإمامية، وسائر فرق الشيعة، في أن الخلافة كانت حقا لعلي، وأنه وصيّ له بها، قال: ثم اختلف هؤلاء، فكفرت الروافض سائر الصحابة في تقديمهم غيره، وزاد بعضهم، فكفر عليا؛ لأنه لم يقم في طلب حقه بزعمهم، وهؤلاء أسخف مذهبًا، وأفسد عقلًا من أن يُرَدّ قولهم، أو يُناظَر. وقال القاضي: ولا شك في كفر من قال هذا؛ لأن من كفر الأمة كلها، والصدر الأول خصوصًا، فقد أبطل نقل الشريعة، وهَدَم الإسلام، وأما من عدا هؤلاء الغُلاة فإنهم لا يسلكون هذا المسلك الشنيع القبيح، ومن ارتكبه منهم ألحقناه بمن تقدّم في التكفير، ومأواه جهنّم، وبئس المصير.
وأما الإمامية، وبعض المعتزلة، فيقولون: هم مخطئون في تقديم غيره لا كُفّار، وبعض المعتزلة لا يقول بالتخطئة؛ لجواز تقديم المفضول عندهم.
وهذا الحديث لا حجة فيه لأحد منهم، بل فيه إثبات فضيلة لعليّ، ولا تعرض فيه لكونه أفضل من غيره أو مثله، وليس فيه دلالة لاستخلافه بعده؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قال هذا لعليّ حين استخلفه في المدينة في غزوة تبوك، ويؤيد هذا أن هارون المشبه به لم يكن خليفةً بعد موسى، بل تُوفي في حياة موسى، وقبل وفاة موسى بنحو أربعين سنة، على ما هو مشهور عند أهل الأخبار والقصص، قالوا: وإنما استخلفه حين ذهب لميقات ربه للمناجاة، فلما رجع موسى عليه السلام من مناجاته عاد هارون إلى أول حالاته، على أنه قد كان هارون شُرِّك مع موسى في أصل الرسالة، فلا تكون لهم فيما راموه دلالة.
وغاية هذا الحديث أن يدلّ على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما استخلف عليّا رضي الله عنه على المدينة
فقط، فلما رجع النبيّ صلى الله عليه وسلم من تبوك قعد مقعده، وعاد عليّ رضي الله عنه إلى ما كان عليه قبل، وهذا كما استَخلَف رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة ابنَ أُمّ مكتوم وغيرَه، ولا يلزم من ذلك استخلافه دائمًا بالاتفاق (1).
وقال الطيبيّ بعد ما ذكر نحو ما تقدّم: ما نصّه:
أقول: وتحريره من جهة علم المعاني أن قوله: "منّي" خبر للمبتدإ، و"من" اتّصاليّة، ومتعلّق الخبر خاصّ، والباء زائدة، كما في قوله تعالى:{فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ} الآية [البقرة:137]: أي فإن آمنوا إيمانًا مثل إيمانكم، يعني أنت متصل بي، ونازل منّي منزلة هارون من موسى، ثم بيّن بقوله:"إلا أنه لا نبي بعدي"، أن اتّصاله به ليس من جهة النبوّة، فبقي الاتّصال من جهة الخلافة؛ لأنها تلي النبوّة في المرتبة، ثم إما أن يكون حال حياته، أو بعد مماته، فخرج من أن يكون بعد مماته؛ لأن هارون عليه السلام مات قبل موسى، فتعيّن أن يكون في حياته عند مسيره إلى غزوة تبوك. انتهى كلام الطيبيّ ببعض تصرف (2).
وخلاصته أن الخلافة الجزئيّة في حياته لا تدلّ على الخلافة الكلية بعد مماته، لا سيّما وقد عُزل عن تلك الخلافة برجوعه صلى الله عليه وسلم إلى المدينة. قاله القاري (3).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبين بما سبق بطلان استدلال الشيعة والرافضة بهذا الحديث على أن الخلافة بعد النبيّ صلى الله عليه وسلم لعليّ رضي الله عنه، نسأل الله تعالى أن يهدينا إلى الصراط المستقيم، اللهم أرنا الحقّ حقّا، وارزقنا اتّباعه، وأرنا الباطل باطلًا، وارزقنا اجتنابه، إنك سميع قريب مجيب الدعوات، آمين آمين آمين. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
(1)"شرح مسلم" للنوويّ 15/ 174 و"المفهم" للقرطبيّ 6/ 273.
(2)
"الكاشف عن حقائق السنن" 12/ 3882.
(3)
"المرقاة" 10/ 455.
وبالسند المتّصل إلى الإمام ابن ماجه رحمه الله في أول الكتاب قال:
116 -
(حَدَّثَنَا عَليُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ، أَخْبَرَنِي حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ ابْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم في حَجَّتِهِ الَّتِي حَجَّ، فَنَزَلَ في بَعْضِ الطَّرِيقِ، فَأَمَرَ الصَّلَاةَ جَامِعَةً، فَأَخَذَ بيَدِ عَليٍّ رضي الله عنه، فَقَالَ: "أَلَسْتُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ؟ " قَالُوا: بَلَى، قَالَ: "أَلَسْتُ أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ؟ " قَالُوا: بَلَى، قَالَ: "فَهَذَا وَلِيُّ مَنْ أَنَا مَوْلَاهُ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ، اللَّهُمَّ عَادِ مَنْ عَادَاهُ").
رجال هذا الإسناد: ستة:
1 -
(عَليُّ بْنُ مُحَمَّدٍ) الطنافسيّ المذكور قبل حديث.
2 -
(أَبُو الْحُسَيْنِ) هو: زيد بن الحباب الْعُكْليّ، الكوفيّ، خراسانيّ الأصل، صدوقٌ يُخطىء في حديث الثوريّ [9] تقدّم في 2/ 12.
3 -
(حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ) بن دينار، أَبو سلمة، مولى تميم، ويقال: مولى قريش، وقيل: غير ذلك، ثقة عابدٌ، أثبت الناس في ثابت، وتغيّر حفظه بآخره، من كبار [8] روى عن ثابت البناني، وقتادة، وخاله حميد الطويل، وخلق كثير. وروى عنه ابن جريج، والثوري، وشعبة، وهم أكبر منه، وابن المبارك، وابن مهدي، والقطان، وعفّان بن مسلم، وغيرهم. قال أحمد: حماد بن سلمة أثبت في ثابت من معمر. وقال أيضًا في الحمادين: ما منهما إلا ثقة. وقال حنبل عن أحمد: أسند حماد بن سلمة عن أيوب أحاديث، لا يسندها الناس عنه. وقال أَبو طالب عنه: حماد بن سلمة أعلم الناس بحديث حميد، وأصح حديثا. وقال في موضع آخر: هو أثبت الناس في حميد الطويل، سمع منه قديمًا، يخالف الناس في حديثه. وقال إسحاق بن منصور عن ابن معين: ثقة. وقال الدوري عن ابن معين: من خالف حماد بن سلمة في ثابت، فالقول قول حماد. وقال جعفر الطيالسي عنه: من سمع من حماد بن سلمة الأصناف، ففيها اختلاف، ومن سمع منه نسخا فهو صحيح. وقال ابن المديني: لم يكن في أصحاب ثابت أثبت من حماد
ابن سلمة. وقال الأصمعي عن عبد الرحمن بن مهدي: حماد بن سلمة صحيح السماع، حسن اللُّقيّ، أدرك الناس، لم يُتَّهَم بلون من الألوان، ولم يتلبس بشيء، أحسن مَلَكَةَ نفسِهِ ولسانه، ولم يطلقه على أحد، فسَلِمَ حتى مات. وقال ابن المبارك: دخلت البصرة، فما رأيت أحدا أشبه بمسالك الأُوَلِ من حماد بن سلمة. وقال أَبو عمر الجرمي: ما رأيت فقيها أفصح من عبد الوارث، وكان حماد بن سلمة أفصح منه. وقال عفان: قد رأيت من هو أعبد من حماد بن سلمة، ولكن ما رأيت أشد مواظبة على الخير، وقراءة القرآن، والعمل لله من حماد بن سلمة. وقال ابن مهدي: لو قيل لحماد بن سلمة: إنك تموت غدا، ما قدر أن يزيد في العمل شيئًا. وقال ابن حبان: كان من العباد المجابين الدعوة في الأوقات، ولم يُنصِف من جانب حديثه، واحتج في كتابه بأبي بكر بن عياش، فإن كان تَرْكُهُ إياه لِمَا كان يخطىء، فغيره من أقرانه، مثل الثوري وشعبة، كانوا يخطئون، فإن زعم أن خطأه قد كثر حتى تغير، فقد كان ذلك في أبي بكر بن عياش موجودًا، ولم يكن من أقران حماد بن سلمة بالبصرة مثله في الفضل، والدين، والنُّسُك، والعلم، والْكَتْب، والجمع، والصلابة في السنة، والقمع لأهل البدع.
قال الحافظ: وقد عَرَّض ابن حبان بالبخاري؛ لمجانبته حديث حماد بن سلمة، حيث يقول: لم يُنصف من عَدَل عن الاحتجاج به إلى الاحتجاج بفُلَيح، وعبد الرحمن ابن عبد الله بن دينار. واعتذر أَبو الفضل بن طاهر عن ذلك، لمَّا ذَكَرَ أن مسلما أخرج أحاديث أقوام، ترك البخاري حديثهم، قال: وكذلك حماد بن سلمة إمام كبير، مدحه الأئمة وأطنبوا، لمّا تكلم بعض منتحلي العرفة، أن بعض الْكَذَبة أدخل في حديثه ما ليس منه، لم يخرج عنه البخاري، مُعْتَمِدًا عليه، بل استشهد به في مواضع؛ لِيُبَيِّن أنه ثقة. وأخرج أحاديثه التي يرويها من حديث أقرانه، كشعبة، وحماد بن زيد، وأبي عوانة، وغيرهم، ومسلم اعتمد عليه؛ لأنه رأى جماعة من أصحابه القدماء والمتأخرين لم يختلفوا، وشاهد مسلم منهم جماعة، وأخذ عنهم، ثم عدالة الرجل في نفسه، وإجماع أئمة أهل النقل على ثقته وأمانته. انتهى. وقال الحاكم: لم يخرج مسلم لحماد بن سلمة في
الأصول، إلا من حديثه عن ثابت، وقد خرج له في الشواهد عن طائفة. وقال البيهقي: هو أحد أئمة المسلمين، إلا أنه لمّا كَبِرَ ساء حفظه، فلذا تركه البخاري، وأما مسلم فاجتهد، وأخرج من حديثه عن ثابت ما سُمِعَ منه قبل تغيره، وما سوى حديثه عن ثابت لا يبلغ اثني عشر حديثًا، أخرجها في الشواهد. وأورد له ابن عدي في "الكامل" عدة أحاديث مما ينفرد به متنا أو إسنادا، قال: وحماد من أجلة المسلمين، وهو مفتي البصرة، وقد حدث عنه من هو أكبر منه سنا، وله أحاديث كثيرة، وأصناف كثيرة، ومشايخ، وهو كما قال ابن المديني: من تكلم في حماد بن سلمة، فاتهموه في الدين. وقال الساجي: كان حافظا ثقة مأمونا.
وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، وربما حدث بالحديث المنكر. وقال العجلي: ثقة، رجل صالح، حسن الحديث، وقال: إن عنده ألفَ حديث حسن ليس عند غيره. قال سليمان بن حرب وغيره: مات سنة (167)، زاد ابن حبان: في ذي الحجة. استشهد به البخاري، وقيل: إنه روى له حديثا واحدا عن أبي الوليد عنه، عن ثابت (1)، وأخرج له الباقون، وله في هذا الكتاب (85) حديثًا.
4 -
(عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ) هو: علي بن زيد بن عبد الله بن أبي مليكةَ زُهير بن عبد الله بن جُدْعان بن عمرو بن كعب بن سَعْد بن تَيم بن مُرّة التيميّ، أَبو الحسن البصري، أصله من مكة، نُسب أبوه إلى جدّ جده، ضعيف [4].
رَوَى عن أنس بن مالك، وسعيد بن المسيب، وأبي عثمان النَّهْديّ، وأبي نَضْرة العبديّ، وأبي رافع الصائغ، والحسن البصري، وعديّ بن ثابت، وغيرهم.
وروى عنه قتادة، ومات قبله، والحمادان، وزائدة، وزهير بن مرزوق، والسفيانان، وسفيان بن حسين، وشعبة، وابن عون، وهشيم، وابن علية، وآخرون.
(1) الحديث المذكور هو حديث أبي بن كعب رضي الله عنه من رواية ثابت، عن أنس، عنه، في "كتاب الرقاق" من "صحيح البخاريّ"، ولفظه: "قال لنا أَبو الوليد،
…
فذكره.
قال ابن سعد: وُلد وهو أعمى، وكان كثير الحديث، وفيه ضعف، ولا يحتج به.
وقال صالح بن أحمد عن أبيه: ليس بالقوي، وقد رَوَى عنه الناس. وقال عبد الله بن أحمد: سئل أبي سمع الحسن من سراقة، فقال: لا هذا علي بن زيد -يعني يرويه- كأنه لم يَقْنَع به. وقال أحمد: ليس بشيء. وقال حنبل عن أحمد: ضعيف الحديث. وقال معاوية ابن صالح عن يحيى: ضعيف. وقال عثمان الدارمي عن يحيى: ليس بذاك القوي. وقال ابن أبي خيثمة عن يحيى: ضعيف في كل شيء، وفي رواية عنه: ليس بذاك، وفي رواية الدُّوري: ليس بحجة، وقال مرة: ليس بشيء، وقال مرة: هو أحب إلي من ابن عَقِيل، ومن عاصم بن عُبيد الله. وقال العجلي: كان يتشيع، لا بأس به. وقال مرة: يكتب حديثه، وليس بالقوي.
وقال يعقوب بن شيبة: ثقة صالح الحديث، وإلى اللين ما هو. وقال الجوزجاني: واهي الحديث، ضعيف، وفيه مَيْل عن القصد، لا يُحتَجّ بحديثه. وقال أَبو زرعة: ليس بقوي. وقال أَبو حاتم: ليس بقوي، يُكتب حديثه، ولا يحتج به، وهو أحب إلي من يزيد ابن أبي زياد، وكان ضريرًا، وكان يتشيع. وقال الترمذي: صدوق، إلا أنه ربما رفع الشيء الذي يوقفه غيره. وقال النسائي: ضعيف. وقال ابن خزيمة: لا أحتج به لسوء حفظه. وقال ابن عدي: لم أر أحدًا من البصريين وغيرهم امتنع من الرواية عنه، وكان يغلو في التشيع، ومع ضعفه يُكتَب حديثه. وقال الحاكم أَبو أحمد: ليس بالمتين عندهم. وقال الدارقطني: أنا أتوقّف فيه، لا يزال عندي فيه لين. وقال معاذ بن معاذ عن شعبة: حدثنا علي بن زيد قبل أن يختلط.
وقال أَبو الوليد وغيره عن شعبة: ثنا علي بن زيد، وكان رَفّاعًا. وقال سليمان بن حرب عن حماد بن زيد: ثنا علي بن زيد، وكان يَقْلِب الأحاديث، وفي رواية: كان يحدثنا اليوم بالحديث، ثم يحدثنا غدًا فكأنه ليس ذلك. وقال عمرو بن علي: كان يحيى بن سعيد يتقي الحديث عن علي بن زيد، حدثنا عنه مرة، ثم تركه، وقال: دَعْهُ. وكان عبد الرحمن يحدث عن شيوخه عنه. وقال أَبو معمر القَطِيعيّ، عن ابن عيينة: كَتبت عن علي
ابن زيد كتابًا كثيرًا، فتركته زهدا فيه. وقال يزيد بن زريع: رأيته، ولم أَحْمِل عنه؛ لأنه كان رافضيا. وقال أَبو سلمة: كان وهيب يضعف علي بن زيد. قال أَبو سلمة: فذكرت ذلك لحماد بن سلمة، فقال: ومن أين كان يقدر وهيب على مجالسة علي، إنما كان يجالس عليٌّ وجوهَ الناس.
وقال ابن الجنيد: قلت لابن معين: علي بن زيد اختلط؟ قال: ما اختلط قط.
وقال موسى بن إسماعيل عن حماد: قال علي بن زيد ربما حدثت الحسن بالحديث، ثم أسمعه منه، فأقول: يا أبا سعيد أتدري من حدثك؟ فيقول: لا أدري إلا أني سمعته من ثقة، فأقول: أنا حدثتك. وقال خالد بن خِدَاش عن حماد بن زيد: سمعت سعيدًا الْجُريري يقول: أصبح فقهاء البصرة عميان: قتادة، وعلي بن زيد، وأشعث الْحُدّاني. وقال ابن قانع: خلط في آخر عمره، وتُرك حديثه. وقال الساجيّ: كان من أهل الصدق، ويُحتَمل لرواية الْجِلّة عنه، وليس يجري مَجْرَى من أُجمِع على ثَبْته. وقال ابن حبان: يَهِم ويخطىء، فكثر ذلك منه، فاستحق الترك.
قال الحضرميّ: مات سنة (129). وقال خليفة: مات سنة (31).
أخرج له البخاري في "الأدب المفرد"، ومسلم مقرونًا بغيره، والأربعة، وله في هذا الكتاب (23) حديثًا.
5 -
(عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ) الأنصاريّ الكوفيّ المذكور قبل حديث.
6 -
(الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ) بن الحارث بن عَدِيّ بن مَجْدَعة بن حارثة بن الحارث بن عمرو بن مالك بن الأوس الأنصاريّ الأوسيّ، يُكنى أبا عُمارة، ويقال: أَبو عمرو، ويقال: أَبو الطُّفيل المدني الصحابي ابن الصحابي، نزل الكوفة، ومات بها زَمَنَ مصعب بن الزبير.
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أبي بكر، وعمر، وعلي، وأبي أيوب، وبلال، وغيرهم.
وروى عنه عبد الله بن زيد الْخَطْميّ، وأبو جُحَيفة، ولهما صحبة، وعُبيد، والربيع، ويزيد، ولوط، أولاد البراء، وابن أبي ليلى، وعديّ بن ثابت، وأبو إسحاق، ومعاوية بن
سُويد بن مُقَرّن، وأبو بُرْدة، وأبو بكر ابنا أبي موسى، وخلق كثير.
قال أحمد: حدّثنا يزيد، عن شريك، عن أبي إسحاق، عن البراء، قال: استصغرني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بَدْر أنا وابن عمر، فردّنا، فلم يشهدها (1).
وقال أَبو داود الطيالسيّ في "مسنده": حدّثنا شعبة، عن أبي إسحاق، سمع البراء يقول: استُصغرتُ أنا وابن عمر يوم بدر. ورواه عبد الرحمن بن عَوْسَجة عن البراء نحوه، وزاد:"وشهدت أحدًا" أخرجه السّرّاج. ورُوي عنه أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عشرة غزوة، وفي رواية خمس عشرة. وإسناده صحيح. وعنه قال: سافرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية عشر سفرًا. أخرجه أَبو ذرّ الْهَرَويّ. وروى أحمد بإسناد صحيح، من طريق الثوريّ، عن أبي إسحاق، عن البراء رضي الله عنه قال: ما كلّ ما نُحّدّثكموه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعناه منه، حدّثناه أصحابنا، وكان يشغلنا رَعِيّةُ الإبل.
وهو الذي افتتح الريّ سنة (24) في قول أبي عمرو الشَّيْبَانيّ، وخالفه غيره.
وشهد غزوة تُسْتَر مع أبي موسى، وقيل: هو الذي أرسل النبي صلى الله عليه وسلم معه السهم إلى قليب الحديبية، فجاش بالريّ، والمشهور أن ذلك ناجية بن جُندب، قال ابن عبد البر: وأول مشاهده أُحُد. وقال العسكري: أول مشاهده الخندق، وشَهِد مع علي الجَمَل وصِفِّين والنَّهْرَوان، ونزل الكوفة، وابتنى بها دارًا، وكان يُلَقَّب ذا الْغُرّة، قال الحافظ: كذا قيل، وعندي أن ذا الغرة آخر. انتهى.
وقال ابن حبان: استصغره النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر، وكان هو وابن عمر لِدَةَ، مات سنة (72). (2).
أخرج له الجماعة، وروى (305) حديث، اتّفق الشيخان على (22) وانفرد البخاريّ بـ (15) ومسلم بـ (6)، وله في هذا الكتاب (35) حديثًا، والله تعالى أعلم.
(1) قال الحافظ الهيثميّ في "الزوائد" 6/ 111: رواه الطبرانيّ، ورجاله رجال الصحيح.
(2)
راجع "الإصابة" 1/ 411 - 412. و"تهذيب التهذيب" 1/ 215 - 216.
شرح الحديث:
(عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ) رضي الله عنهما، أنه (قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم في حَجَّتِهِ الَّتِي حَجَّ) هي حجة الوداع بفتح الواو، سُمّيت بذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وَدّع فيها أصحابه بالوصيّة التي أوصاهم بها أن لا يرجعوا بعده كفّارًا وغير ذلك من الوصايا التي ذُكرت في خطبته صلى الله عليه وسلم يوم عرفة، وستأتي في "كتاب الحج" إن شاء الله تعالى، وأكّد التوديع بإشهاد الله سبحانه وتعالى عليهم بأنهم شَهِدوا أنه قد بلّغ ما أُرسل إليهم به (فَنَزَلَ في بَعْضِ الطَّرِيقِ) أي بمكان يُسمّى غَدِير خُمّ بضم الخاء المعجمة، وتشديد الميم: اسم غَيضة على ثلاثة أميال من الْجُحفة، عندها غَدير مشهور، يُضاف إلى الغيضة (فَأَمَرَ الصَّلَاةَ جَامِعَةً) أي أمر مناديًا ينادي بقوله:"الصلاة جامعة". وتلك الصلاة هي الظهر، كما ذكره البوصيريّ في الزوائد، وعزاه إلى ابن أبي شيبة في "مسنده"(1).
[تنبيه]: يجوز في قوله: "الصلاة جامعة" أربعة أوجه: [الأول]: رفعهما على الابتداء والخبر. [والثاني]: نصبهما، الأول على أنه مفعول لفعل مقدّر: أي احضروا الصلاة، والثاني: على الحال. [والثالث]: رفع الأول على أنه مبتدأ حُذف خبره: أي الصلاة محضورة، ونصب الثاني على الحال. [والرابع]: العكس، أي نصب الأول على المفعولية لمقدّر، ورفع الثاني على أنه خبر لمحذوف: أي هي جامعة. والله تعالى أعلم.
(فَأَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ رضي الله عنه، فَقَالَ: أَلَسْتُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ) أي بجنسهم (مِنْ أَنْفُسِهِمْ؟)
وفي رواية أحمد: "ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم"، وفيه إيماء إلى قوله عز وجل:{النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب:6](قَالُوا) أي الصحابة الحاضرون (بَلَى) أي أنت أولى بهم من أنفسهم، فـ "بلى" حرف إيجاب، فإذا قيل: ما قام زيد، وقلت في الجواب: بلى، فمعناه إثبات القيام، وإذا قيل: أليس كان كذا، وقلت: بلى، فمعناه التقرير والإثبات، ولا تكون إلا بعد نفي، إما في أول الكلام كما تقدّم، وإما
(1) انظر ما كتبه الشيخ علي حسن في تحقيقه لهذا الكتاب 1/ 73.
في أثنائه كقوله عز وجل: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3) بَلَى} [القيامة:3 - 4] والتقدير: بلى نجمعها، وقد يكون مع النفي استفهام، وقد لا يكون، كما تقدّم، فهو أبدًا يرفع حكم النفي، ويوجب نقيضه، وهو الإثبات. قاله الفيّوميّ (1).
(قَالَ) صلى الله عليه وسلم (أَلَسْتُ أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ) أي بخصوصه (مِنْ نَفْسِهِ؟) أي فضلًا عن بقيّة أهله (قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَهَذَا) إشارة إلى عليّ رضي الله عنه (وَلِيُّ مَنْ أَنَا مَوْلَاهُ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ، اللَّهُمَّ عَادِ مَنْ عَادَاهُ) وزاد في رواية لأحمد: "وانصر من نصره، واخذُل من خذله". وزاد في رواية أخرى: "فلقيه عمر بعد ذلك، فقال: هنيئًا يا ابن أبي طالب، أصبحتَ وأمسيتَ مولى كل مؤمن ومؤمنة".
وقال السنديّ رحمه الله: معناه ألست أحقّ بالمحبّة والتوقير والإخلاص بمنزلة الأب للأولاد؟ يُنبّه على ذلك قوله تعالى: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: 6]، وقوله:"فهذا وليّ من أنا مولاه" معناه: محبوب من أنا محبوبه، قال: ويدلّ على هذا المعنى قوله: "اللهم وال من والاه": أي أحبّ من أحبّه بقرينة "اللهم عاد من عاداه"، وعلى هذا فهذا الحديث ليس له تعلّقٌ بالخلافة أصلًا كما زعمت الرافضة، ويدلّ عليه أن العبّاس وعليّا ما فَهِمَا منه ذلك، كيف وقد أَمَر العبّاس عليّا أن يسأل النبيّ صلى الله عليه وسلم أن هذا الأمر فينا أو في غيرنا؟ فقال علي: إن منعنا فلا يُعطينا أحدٌ، أو كما قال. انتهى كلام السنديّ رحمه الله (2).
وقال القاري رحمه الله: تمسّكت الشيعة بأن هذا الحديث نصّ صريحٌ بخلافة عليّ رضي الله عنه حيث قالوا: معنى المولى الأولى بالإمامة، وإلا لما احتاج إلى جمعهم كذلك، وهذه من أقوى شُبَههم، ودَفَعها أهل السنّة بأن المولى بمعنى المحبوب، وعليّ رضي الله عنه سيّدنا وحبيبنا، وله معان أُخر، ومنه الناصر، وأمثاله، فخرج عن كونه نصّا، فضلًا عن أن يكون
(1)"المصباح المنير" 1/ 62.
(2)
"شرح السنديّ" 1/ 83.
صريحًا، ولو سُلّم أنه بمعنى الأولى بالإمامة، فالمراد به المآل، وإلا لزم أن يكون هو الإمام مع وجوده صلى الله عليه وسلم، فتعيّن أن يكون المقصود منه حين يوجد عقد البيعة له، فلا ينافيه تقديم الأئمة الثلاثة عليه؛ لانعقاد إجماع من يُعتدّ به، حتّى من عليّ، ثم سكوته عن الاحتجاج به إلى أيام خلافته قاض على من له أدنى مُسكة بأنه علم منه أنه لا نصّ فيه على خلافته، مع أن عليّا رضي الله عنه نفسه صرّح بأنه صلى الله عليه وسلم لم ينُصّ عليه ولا على غيره.
قال: ثم هذا الحديث مع كونه آحادًا مختلفٌ في صحّته، فكيف ساغ للشيعة أن يخالفوا ما اتّفقوا عليه من اشتراط التواتر في أحاديث الإمامة؟ ما هذا إلا تناقضٌ صريحٌ، وتعارض قبيح. انتهى كلام القاري رحمه الله (1)، وهو بحث نفيسٌ. والله تعالى أعلم.
[تنبيه]: قيل: إن لهذا الحديث سببًا، وذلك ما أخرجه الإمام الترمذيّ رحمه الله في "جامعه" بإسناد حسن، من طريق الأحوص بن الجوّاب، عن يونس بن أبي إسحق، عن أبي إسحق، عن البراء: أن النبي صلى الله عليه وسلم بَعَثَ جيشين، وأمّر على أحدهما علي بن أبي طالب، وعلى الآخر خالد بن الوليد، فقال:"إذا كان القتال فعليّ"، قال: فافتتح علي حصنًا، فأخذ منه جاريةً، فكتب معي خالد بن الوليد إلى النبي صلى الله عليه وسلم يَشِي به، فقدمت على النبي صلى الله عليه وسلم، فقرأ الكتاب، فتغير لونه، ثم قال:"ما ترى في رجل يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله؟ " قال: قلت: أعوذ بالله من غضب الله، وغضب رسوله، وإنما أنا رسول، فسكت. وقال: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث الأحوص بن جوّاب. قوله:"يَشِي به" يعني النميمة. انتهى. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): في درجته:
حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما هذا صحيح.
(1)"المرقاة" 10/ 475 - 476.
[فإن قلت]: كيف يصحّ، وفي إسناده علي بن زيد بن جُدْعان، وهو ضعيف؟.
[قلت]: إنما صحّ؛ لأنه جاء من طريق آخر عن البراء رضي الله عنه، وله أيضًا شواهد، فقد جاء من حديث عدد من الصحابة رضي الله عنهم، منهم: زيد بن أرقم، وسعد بن أبي وقّاص، وبُريدة بن الْحُصيب، وابن عبّاس، وأنس بن مالك، وأبو سعيد الخدريّ، وأبو أيوب الأنصاريّ، وأبو هريرة، وعليّ بن أبي طالب نفسه، رضي الله عنهم.
فأما حديث البراء رضي الله عنه من غير طريق علي بن زيد، فأخرجه أحمد في "مسنده" 4/ 370، فقال:
حدثنا حسين بن محمد، وأبو نعيم المعنى، قالا: ثنا فِطْرٌ، عن أبي الطفيل، قال: جمع علي رضي الله عنه الناس في الرَّحْبَة، ثم قال لهم: أنشدُ الله كل امرئ مسلم، سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غَدِير خُمّ ما سمع لمّا قام، فقام ثلاثون من الناس، وقال أَبو نعيم: فقام ناس كثير، فشهدوا حين أخذه بيده، فقال للناس:"أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ " قالوا: نعم يا رسول الله، قال:"من كنت مولاه فهذا مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه"، قال: فخرجت وكأن في نفسي شيئًا، فلقيت زيد بن أرقم، فقلت له: إني سمعت عليا رضي الله عنه يقول: كذا وكذا، قال: فما تنكر؟، قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك له. وأخرجه ابن حبّان في "صحيحه"(2205) والطبرانيّ (4968).
وهذا الإسناد صحيح على شرط البخاريّ.
وقد تابع فطرًا سلمةُ بن كهيل، قال: سمعت أبا الطفيل يُحدّث عن أبي سريحة، أو زيد بن أرقم -شكّ شعبة- عن النبيّ صلى الله عليه وسلم به مختصرًا:"من كنت مولاه فعليّ مولاه". أخرجه الترمذيّ 2/ 298 وقال: حديث حسن صحيح.
وأما حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه، فقد أخرجه الطبرانيّ في "المعجم الكبير" 5/ 171 - 172 (4986)، والحاكم في "المستدرك" 3/ 109 من طريق يحيى بن جعدة، عن زيد رضي الله عنه، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهينا إلى غدير خُمّ أمر بدوح، فكُسِحَ .... " الحديث مطوّلًا، وصححه الحاكم على شرط الشيخين.
وأما حديث سعد بن أبي وقّاص رضي الله عنه فله ثلاث طرق:
[أحدها]: ما يأتي للمصنّف بعد أربعة أحاديث برقم (121) بلفظ: "من كنت مولاه فعليّ مولاه"، وهو حديث صحيح.
[والثاني]: ما أخرجه النسائيّ في "الخصائص"(16) من طريق عبد الواحد بن أيمن، عن أبيه، عن سعد رضي الله عنه به. وله طريق ثالث، أخرجه الحاكم في "المستدرك" 3/ 116، لكن في سنده مسلم الملائيّ، وهو متروك، فلا تصلح للاستشهاد به.
وأما حديث بُريدة بن الْحُصيب رضي الله عنه، فله طرق، منها: ما أخرجه أحمد في "مسنده" 5/ 347، والحاكم في "المستدرك" 3/ 110 من طريق عبد الملك بن أبي غنيّة، قال: أخبرنا الحكم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن بريدة، قال: غزوت مع علي اليمن، فرأيت منه جَفْوة، فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرت عليا، فتنقصته، فرأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتغير، فقال:"يا بريدة ألستُ أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ " قلت: بلى يا رسول الله، قال:"من كنت مولاه فعلي مولاه".
ورجال هذا الإسناد صحيح على شرط الشيخين.
وأما حديث عليّ رضي الله عنه فله طرق أيضًا، منها: ما أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد "المسند" من طريق شريك، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن وهب، وعن زيد بن يُثَيع قالا: نَشَدَ علي الناس في الرحبة من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم إلا قام
…
الحديث، وفيه:"أليس الله أولى بالمؤمنين؟ " قالوا: بلى، قال:"اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه". وزاد فيه من رواية أخرى: "وانصر من نصره، واخذل من خذله".
وهذا الإسناد لا بأس به في الشواهد، وشريك هو ابن عبد الله النخعي القاضي.
وأما حديث أبي أيوب الأنصاريّ رضي الله عنه، فأخرجه أحمد في "مسنده" 5/ 419 والطبراني في "الكبير"(4052) و (4053) من طريق حنش بن الحارث بن لَقِيط النخعي الأشجعي، عن رِيَاح بن الحارث، قال: جاء رهط إلى علي بالرَّحَبَة، فقالوا:
السلام عليك يا مولانا، قال: كيف أكون مولاكم، وأنتم قوم عرب؟، قالوا: سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غَدِير خُمّ يقول: "من كنت مولاه فإن هذا مولاه"، قال رياح: فلما مضوا تبعتهم، فسألت من هؤلاء؟ قالوا: نفر من الأنصار فيهم أَبو أيوب الأنصاري.
وإسناد هذا الحديث صحيح، وحنش وثقه أَبو نعيم، وابن سعد، والعجليّ، وابن حبان، وقال أَبو حاتم: صالح الحديث، ما به بأس. وقال البزار: ليس به بأس (1).
ورياح روى عنه جماعة، ووثقه العجليّ، وابن حبّان (2).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبيّن بما ذكر من المتابعة، والشواهد أن حديث البراء رضي الله عنه هذا صحيح، ولقد أجاد المحدّث الكبير الشيخ الألباني رحمه الله في البحث عن طرق هذا الحديث، وذكر له طرقًا كثيرة في "السلسلة الصحيحة" 4/ 330 - 344، ثم قال: وللحديث طرق أخرى كثيرة، جمع طائفة كبيرة منها الهيثميّ في "المجمع" 9/ 103 - 108، وقد ذكرت، وخرّجت ما تيسّر لي منها مما يَقطع الواقف عليها بعد تحقيق الكلام على أسانيدها بصحّة الحديث يقينًا، وإلا فهي كثيرة جدّا، وقد استوعبها ابن عُقدة في كتاب مفرد، قال الحافظ ابن حجر: منها صحاح، ومنها حسان.
وجملة القول أن حديث الترجمة حديث صحيح بشطريه (3) بل الأول منه متواتر عنه صلى الله عليه وسلم، كما يظهر لمن تتبّع أسانيده، وطرقه، وما ذكرت منها كفاية.
قال: وأما قوله في حديث عليّ رضي الله عنه: "وانصر من نصره، واخذل من خذله" ففي ثبوته عندي وقفة؛ لعدم ورود ما يجبر ضعفه، وكأنه رواية بالمعنى للشطر الآخر من الحديث: اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه.
قال: ومثله قول عمر لعليّ: "أصبحت وأمسيت مولى كلّ مؤمن ومؤمنة" لا
(1)"تهذيب التهذيب" 1/ 503.
(2)
"تهذيب التهذيب" 1/ 617.
(3)
يعني قوله صلى الله عليه وسلم: "من كنت مولاه فعليّ مولاه"، وقوله:"اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه".
يصحّ أيضًا؛ لتفرّد علي بن زيد به.
قال: إذا عرفت هذا، فقد كان الدافع لتحرير الكلام على الحديث، وبيان صحّته أنني رأيت شيخ الإسلام ابن تيميّة قد ضعّف الشطر الأول من الحديث، وأما الشطر الآخر فزعم أنه كذب (1) وهذا من مبالغاته الناتجة في تقديري من تسرّعه في تضعيف الأحاديث قبل أن يجمع طرقها، ويدقّق النظر فيها، والله المستعان.
قال: أما ما يذكره الشيعة في هذا الحديث وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في عليّ رضي الله عنه: "إنه خليفتي من بعدي"، فلا يصحّ بوجه من الوجوه، بل هو من أباطلهم الكثيرة التي دلّ الواقع التاريخيّ على كذبها؛ لأنه لو فُرض أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قاله لوقع كما قال؛ لأنه وحي يوحى، والله سبحانه وتعالى لا يُخلف وعده.
وقد خرّجت بعض أحاديثهم في ذلك في الكتاب الآخر "الضعيفة"(4923 و 4932) في جملة أحاديث لهم احتجّ بها عبد الحسين في "المراجعات" بيّنتُ وهاءها وبطلانها، وكذبه هو في بعضها، وتقوّله على أئمة السنّة فيها. انتهى كلام الشيخ الألباني (2). وهو كلام نفيسٌ، وبحث أنيس، والله تعالى أعلم.
(المسألة الثانية): في تخريجه:
أخرجه (المصنّف) هنا (14/ 116) بهذا الإسناد فقط، وقد تفرّد به من هذا الوجه، فلم يُخرجه من أصحاب الأصول غيره، وأخرجه (أحمد) في "مسنده"(4/ 281) و (عبد الله بن أحمد) في زوائده على "مسند أبيه"(4/ 281)، وبقية التخريجات تقدّمت في المسألة الماضية، والله تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): في فوائده:
1 -
(منها): ما ترجم له المصنّف رحمه الله، وهو بيان فضل علي بن أبي طالب رضي الله عنه،
(1) انظر "مجموع الفتاوى" 4/ 417 - 418.
(2)
راجع "السلسلة الصحيحة" 4/ 330 - 344 رقم الحديث (1750).
وهو واضح.
2 -
(ومنها): عناية النبيّ صلى الله عليه وسلم ببيان فضل أولي الفضل، والإخبار بما خصّهم الله سبحانه وتعالى من المزايا، حتى يظهر للناس فضلهم حتى يقتدوا بهم، ويهتدوا بهديهم، ويعطوهم حقّهم من التبجيل والتكريم.
3 -
(ومنها): دعاؤه صلى الله عليه وسلم لمن والى عليّا رضي الله عنه أن يواليه الله تعالى، وعلى من عاداه بأن يعاديه الله تعالى، وقد سبق أن هذه المعاداة إنما تستوجب معاداة الله إذا كانت من حيث كونه وليا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومحبوبًا لديه، وناصرًا له، وأما إذا نشأت بسبب اختلاف في أمر دنيويّ، فلا تستوجب ذلك، كما سبق أن العباس رضي الله عنه عاداه، وسبّه، وقال لعمر رضي الله عنه:"احكم بيني هذا الكاذب الآثم الغادر الخائن"، وذلك بمحضر من كبار الصحابة، فلم ينكر ذلك عليه أحد، لا عمر، ولا غيره من الصحابة الحاضرين رضي الله عنهم. فتفطّن، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وبالسند المتّصل إلى الإمام ابن ماجه رحمه الله في أول الكتاب قال:
117 -
(حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى، حَدَّثَنَا الحكَمُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: كَانَ أَبُو لَيْلَى يَسْمُرُ مَعَ عَلِيٍّ، فَكَانَ يَلْبَسُ ثِيَابَ الصَّيْفِ في الشِّتَاءِ، وَثِيَابَ الشِّتَاءِ في الصَّيْفِ، فَقُلْنَا: لَوْ سَأَلْتُهُ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم بَعَثَ إِليّ، وَأَنَا أَرْمَدُ الْعَيْنِ يَوْمَ خَيْبَرَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله إِنِّي أَرْمَدُ الْعَيْنِ، فَتَفَلَ في عَيْنِي، ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ أَذْهِبْ عَنْهُ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ"، قَالَ: فَمَا وَجَدْتُ حَرًّا وَلَا بَرْدًا بَعْدَ يَوْمِئِذٍ، وَقَالَ: "لأبْعَثَنَّ رَجُلًا يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ، لَيْسَ بِفَرَّارٍ"، فَتَشَرَّفَ لَهُ النَّاسُ، فَبَعَثَ إِلَى عَليٍّ، فَأَعْطَاهَا إِيَّاهُ).
رجال هذا الإسناد: ستة:
1 -
(عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ) هو: عثمان بن محمد بن إبراهيم بن عثمان العبسيّ، أَبو الحسن الكوفيّ، ثقة حافظ مشهور، وله أوهام [10]، تقدّم في 5/ 40.
2 -
(وَكِيعٌ) بن الجرّاح المذكور قبل حديثين.
3 -
(ابْنُ أَبِي لَيْلَى) هو: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاريّ الكوفيّ القاضي، صدوقٌ سيىء الحفظ جدّا [7] تقدّم في 5/ 38.
4 -
(الْحَكَمُ) بن عتيبة الكنديّ الكوفيّ، ثقة ثبت فقيه، ربما دلّس [5] تقدّم في 5/ 38.
5 -
(عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى) الأنصاريّ المدنيّ، ثم الكوفيّ، ثقة [2] تقدّم في 3/ 25.
6 -
(عَلِيّ) بن أبي طالب رضي الله عنه المذكور قريبًا، والله تعالى أعلم.
شرح الحديث:
(عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى) الأنصاريّ، أنه (قَالَ: كَانَ أَبُو لَيْلَى) يعني أباه، صحابيّ اختُلف في اسمه، فقيل: بلال، وقيل: بُليل بالتصغير، وقيل: داود بن بلال، وقيل: أوس بن خَوْلي، وقيل: الْيَسَر. وقيل: لا يُحفظ اسمه. وقيل: اسمه كنيته. وقال الكلبيّ: أَبو ليلى بلال بن بُليل بن أُحيحة بن الْجُلاح بن الْحَرِيش بن جَحْجَبَى بن كُلْفة ابن عوف بن عَمْرو بن عوف بن مالك بن أوس.
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعبد الله بن عمر، وعنه ابنه عبد الرحمن، قال ابن عبد البر: شَهِد أحدًا، وما بعدها، وانتقل إلى الكوفة، وشَهِد مع عليّ مشاهده، وقال غيره: قُتِل بصفين مع علي رضي الله عنهما.
وحديثه في "السنن"، فمنه عند أبي داود وابن ماجه من رواية ثابت البنانيّ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبيه:"صلّيت إلى جنب النبيّ صلى الله عليه وسلم في صلاة تطوّع، فسمعته يقول: "أعوذ بالله من النار
…
" الحديث. وعند ابن ماجه والبغويّ من رواية أبي جَنَاب الكلبيّ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبيه قال: كنت جالسًا عند النبيّ صلى الله عليه وسلم، إذ جاء أعرابيّ، فقال: إن لي أخًا وجعًا، قال: وما وجعه؟ قال: به لمَمٌ
…
" الحديث. وعند البغويّ من طريق عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبيه، عن جدّه: "كنت عند النبيّ صلى الله عليه وسلم، فجيء بالحسن، فبال عليه
…
" الحديث. وعند الدارميّ، والحاكم، من طريق قيس بن
مسلم، عن ابن أبي ليلى، عن أبيه: "شهِدت فتح خيبر، فانهزم المشركون، فوقعنا في رحالهم
…
" الحديث (1).
تفرّد به الأربعة، وله في هذا الكتاب حديثان فقط، برقم (1352) و (3549)، وهما الحديثان المذكوران آنفًا.
(يَسْمُرُ) بضم الميم: أي يتحدّث ليلًا، يقال: سمر يسمُر، من باب نصر ينصر، سَمْرًا وَسُمُورًا: أي لم يَنَم، والسَّمَر محرّكةَ: المسامرة، وهو الحديث بالليل (2)(مَعَ عَلِيٍّ) رضي الله عنه (فَكَانَ) أي عليّ رضي الله عنه (يَلْبَسُ ثِيَابَ الصَّيْفِ في الشِّتَاءِ) أي الثياب التي تُعَدّ عادةً للبسها في وقت الشتاء، يعني أيام شدّة البرد (وَثيَابَ الشِّتَاءِ في الصَّيْفِ، فَقُلْنَا) أي قال القوم الذين حضروا سمر أبي ليلى مع علي رضي الله عنهما لأبي ليلى (لَوْ سَأَلْتَهُ) أي سألت عليّا رضي الله عنه عن سبب مخالفته للناس في اللباس، حيث إنهم لا يلبسون ثياب الشتاء إلا في الشتاء، وثياب الصيف إلا في الصيف؛ إذ لو لم يفعلوا ذلك لتضرَروا، وأما هو فيلبس كيف شاء، ولا يحصل له بذلك ضرر (فَقَالَ) معطوف على مقدّر: أي فسأل أَبو ليلى عليّا رضي الله عنهما عن ذلك، فقال عليّ (إِنَّ) بكسر الهمزة؛ لوقوعها محكيّة بالقول (رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم بَعَثَ إِلَيَّ) أي أرسل إلي شخصًا يُحضرني لديه، وسيأتي أن المرسل هو سلمة بن الأكوع رضي الله عنه (وَأَنَا أَرْمَدُ الْعَيْنِ) اسم تفضيل من رَمِدت العين بالكسر ترمد، من باب تعب رمَدًا: إذا هاجت، والرمد بفتحتين: وجع العين، وانتفاخها (3) (يَوْمَ خَيْبَرَ) منصوب على الظرفيّة لـ "بعث" (قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله إِنِّي أَرْمَدُ الْعَيْنِ، فَتَفَلَ في عَيْنِي) بفتح التاء والفاء: أي نفخ مع أدنى بزاق، قال ابن الأثير رحمه الله: التفل: نفخ معه أدنى بُزاق، وهو أكثر من النفث. انتهى (4) وقال الفيّوميّ رحمه الله: تفَلَ تفْلًا من بابي ضرب
(1) راجع "الإصابة" 7/ 292 - 293. و"تهذيب التهذيب" 4/ 579.
(2)
راجع "لسان العرب" 4/ 378 - 379.
(3)
راجع "لسان العرب" 3/ 185.
(4)
"النهاية" 1/ 192.
وقتل من البزاق، يقال: بَزَق، ثم تَفَلَ، ثم نَفَث. انتهى (1).
وأخرج الحاكم عن علي رضي الله عنه قال: "فوضع رأسي في حَجْره، ثم بزق في ألية (2) راحته، فدَلَك بها عيني". وأخرج البيهقي في "الدلائل" عن بريدة رضي الله عنه: "فما وَجِعَها عليّ حتى مضى لسبيله"، أي مات. وعند الطبراني من حديث علي رضي الله عنه:"فما رَمِدتُّ، ولا صُدِعتُ مُذ دفع النبي صلى الله عليه وسلم إليّ الراية يوم خيبر". وله من وجه آخر: "كما اشتكيتها حتى الساعة".
(ثُمَّ قَالَ) صلى الله عليه وسلم (اللَّهُمَّ أَذْهِبْ) بفتح أوله، وكسر ثالثه، من الإذهاب رباعيّا (عَنْهُ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ) أي ضررهما، فلا يُحسّ بشيء من أذاهما (قَالَ) عليّ رضي الله عنه (فما وَجَدْتُ حَرًّا وَلَا بَرْدًا) أي ضررهما مع وجودهما؛ استجابة لدعوته صلى الله عليه وسلم (بَعْدَ يَوْمِئِذٍ) أي بعد يوم دعاء النبيّ صلى الله عليه وسلم لي بهذا الدعاء، حيث استجاب الله سبحانه وتعالى دعاءه.
(وَقَالَ) صلى الله عليه وسلم يوم خيبر أيضًا (لَأَبْعَثَنَّ رَجُلًا) وفي رواية الشيخين: "لأعطينّ الراية غدًا"، وعند أحمد، والنسائي، وابن حبان، والحاكم من حديث بُريدة بن الْحُصَيب رضي الله عنه قال: لما كان يوم خيبر أخذ أَبو بكر اللواء، فرجع ولم يُفتَح له، فلما كان الغد أخذه عمر فرجع ولم يفتح له، وقُتِل محمود بن مسلمة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لأدفعن لوائي غدًا إلى رجل
…
" الحديث، وعند ابن إسحاق نحوه من وجه آخر، وفي الباب عن أكثر من عشرة من الصحابة رضي الله عنهم سردهم الحاكم في "الإكليل"، وأبو نعيم، والبيهقي في "الدلائل". قاله في "الفتح" (3).
[تنبيه]: "الراية" بمعنى اللواء، وهو العَلَم الذي في الحرب يُعرَف به موضع صاحب الجيش، وقد يحمله أمير الجيش، وقد يدفعه لمقدم العسكر، وقد صرح جماعة
(1)"المصباح" 1/ 76.
(2)
أَلْيَة راحته: أي باطن كفّه.
(3)
"الفتح" 7/ 595.
من أهل اللغة بترادفهما، لكن روى أحمد، والترمذي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما:"كانت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم سوداء، ولواؤه أبيض"، ومثله عند الطبراني عن بُريدة رضي الله عنه، وعند ابن عدي عن أبي هريرة رضي الله عنه، وزاد مكتوبًا فيه:"لا إله إلا الله محمد رسول الله"، وهو ظاهر في التغاير، فلعل التفرقة بينهما عرفية. وقد ذكر ابن إسحاق، وكذا أَبو الأسود، عن عروة: أن أول ما وُجدت الرايات يوم خيبر، وما كانوا يعرفون قبل ذلك إلا الألوية. قاله في "الفتح"(1).
(يُحِبُّ الله وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ الله وَرَسُولُهُ، لَيْسَ بِفَرَّارٍ) بفتح الفاء، وتشديد الراء، وفي حديث بُريدة:"لا يَرجع حتى يفتح الله عليه"(فَتَشَرَّفَ لَهُ النَّاسُ) بتشديد الراء: أي تطلّعوا، وتعرّضوا للنبيّ صلى الله عليه وسلم ليبعثهم لفتح خيبر، وفي نسخة:"فتشَوّف" بالواو المشدّدة بدل الراء، وهو بمعناه. وفي حديث سلمة بن الأكوع عند البخاريّ:"فنحن نرجوها"، وفي حديث سهل بن سعد عنده:"فبات الناس يَدُوكُون ليلتهم أَيُّهم يعطاها". وقوله: "يدوكون" بمهملة مضمومة: أي باتوا في اختلاط واختلاف، والدَّوْكة بالكاف: الاختلاط. وعند مسلم من حديث أبي هريرة: "أن عمر قال: ما أحببت الإمارة إلا يومئذ"، وفي حديث بُريدة:"فما منا رجل له منزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهو يرجو أن يكون ذلك الرجل، حتى تطاولتُ أنالها، فدعا عليّا، وهو يشتكي عينه، فمسحها، ثم دفع إليه اللواء". (فَبَعَثَ إِلَى عَليٍّ) رضي الله عنه، وعند مسلم من طريق إياس ابن سلمة عن أبيه، قال:"فأرسلني إلى عليّ، قال: فجئت به أقوده، أرمد، فبزق في عينه فبرأ". فبيّن بهذه الرواية أن الذي أرسله النبيّ صلى الله عليه وسلم ليأتي له بعليّ هو سلمة بن الأكوع رضي الله عنه.
[تنبيه]: ذكر في "صحيح البخاريّ" قصّة عليّ رضي الله عنه في هذه الواقعة، فقال: كان عليّ رضي الله عنه تخلّف عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في خيبر، وكان رمدًا، فقال: أنا أتخلّف عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، فلحق به.
وقوله: "فلحق به" يحتمل أن يكون لحق به قبل أن يصل إلى خيبر، ويحتمل أن
(1)"الفتح" 7/ 595.
يكون لحق به بعد أن وصل إليها. قاله في "الفتح"(1).
(فَأَعْطَاهَا إِيَّاهُ) الضمير الأول للراية، وإن لم يجر لها ذكر، بدليل الروايات الأخر، ففي حديث سهل:"فأعطاه الراية"، والضمير الثاني لعليّ: أي أعطى النبيّ صلى الله عليه وسلم الراية لعليّ رضي الله عنه. وفي حديث أبي سعيد عند أحمد: "فانطلق حتى فتح الله عليه خيبر وفَدَك، وجاء بعَجْوَتهما". والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): في درجته:
حديث علي رضي الله عنه هذا صحيح، إلا جملة الدعاء.
[فإن قلت]: كيف يصحّ، وفي إسناده محمد بن أبي ليلى، قال البوصيريّ: ضعيف الحفظ، لا يحتجّ بما ينفرد به؟.
[قلت]: إنما صحّ لشواهده، فقد أخرج الشيخان وغيرهما قصة الرَّمَد، وقوله:"لأبعثنّ رجلًا يحب الله الخ" من حديث سهل بن سعد الساعديّ رضي الله عنه، من طرق متعدّدة، لكن بلفظ:"لأعطين الراية الخ".
ولم أجد شاهدًا صحيحًا لقصّة الدعاء، وقد حسّن الحديث كلّه الشيخ الألباني، وذكر أنه حسنٌ بطريقين أخريين في "المعجم الأوسط" للطبرانيّ، لكن الذي يظهر لي أنهما لا يصلحان للاستشهاد بهما، ففي أحدهما أيوب بن إبراهيم الثقفيّ، وقد تفرّد به، وهو مجهول، لم يرو عنه إلا ابن أخيه هاشم بن مخلد، وقال في "الميزان" مجهول (2)، فقول الحافظ الهيثميّ في "مجمع الزوائد"9/ 122 - : إسناده حسن غير حسن.
والثاني تفرّد حسن بن حسين، وهو ضعيف، وأيضا كثير من رجاله لم يُعرفوا،
(1)"الفتح" 7/ 594 - 595.
(2)
راجع "ميزان الاعتدال" 1/ 281.
راجع "مجمع البحرين في زوائد المعجمين" 6/ 274 - 276 بتحقيق عبد القدّوس بن محمد نذير.
والحاصل أن الحديث صحيح، سوى جملة الدعاء؛ لتفرّد ابن أبي ليلى بها. والله تعالى أعلم.
(المسألة الثانية): في تخريجه:
أخرجه (المصنّف) هنا (14/ 117) بهذا السند فقط، ولم يخرجه غيره من أصحاب الأصول، وأخرجه (أحمد) في "مسنده"(1/ 99 و 133) و (البزّار) في "مسنده"(496) و (النسائيّ) في "الخصائص"(14) و (151) و (ابن أبي شيبة)(12/ 62 و 63 و 14/ 464) و (الحاكم) في "المستدرك"(3/ 37) و (ابن حبّان) في "صحيحه"(778) و (1117)، والله تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): في فوائده (1):
1 -
(منها): ما ترجم له المصنّف رحمه الله، وهو بيان فضل علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهو واضح.
2 -
(ومنها): معجزة للنبيّ صلى الله عليه وسلم حيث مسح عين عليّ رضي الله عنه، فذهب رمدها في الوقت، ثم لم تُصب بعد ذلك بأذى.
3 -
(ومنها): أن فيه أيضًا علمًا من أعلام النبوّة حيث أخبر صلى الله عليه وسلم بأن الله تعالى سيفتح حصن خيبر على يدي عليّ رضي الله عنه، فوقع كما قال.
4 -
(ومنها): أن فيه بيان أن خيبر فتحت عَنْوة، وقد اختلف العلماء هل كان عنوة أو صلحا، وقد وقع في حديث أنس رضي الله عنه التصريح بأنه كان عنوة، وبه جزم ابن عبد البر، ورَدّ على من قال فُتحت صلحًا، قال: وإنما دخلت الشبهة على من قال: فُتحت صلحًا
(1) المراد فوائد الحديث بسياقاته المذكورة عند المصنّف، أو في الشرح، لا خصوص سياق المصنّف، فافهم.
بالحِصْنين اللذين أسلمهما أهلهما لِحَقْن دمائهم، وهو ضرب من الصلح، لكن لم يقع ذلك إلا بحصار وقتال. انتهى.
قال الحافظ: والذي يظهر أن الشبهة في ذلك قول ابن عمر: "إن النبي صلى الله عليه وسلم قاتل أهل خيبر، فغَلَب على النخل، وألجأهم إلى القصر، فصالحوه على أن يَجْلُوا منها، وله الصفراء والبيضاء، والحلقة، ولهم ما حَمَلَت ركابهم، على أن لا يكتموا، ولا يُغَيِّبوا
…
" الحديث، وفي آخره: "فسبى نساءهم وذرايهم، وقسم أموالهم للنكث الذي نكثوا، وأراد أن يُجليهم، فقالوا: دعنا في هذه الأرض نصلحها
…
" الحديث، أخرجه أَبو داود، والبيهقي، وغيرهما، وكذلك أخرجه أَبو الأسود في "المغازي" عن عروة، فعلى هذا كان قد وقع الصلح، ثم حَدَثَ منهم النقض، فزال أثر الصلح، ثم مَنَّ عليهم بترك القتل وإبقائهم عُمّالًا، بالأرض، ليس لهم فيها ملك، ولذلك أجلاهم عمر رضي الله عنه، فلو كانوا صولحوا على أرضهم، لم يُجْلَوا منها. انتهى (1)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.
وبالسند المتّصل إلى الإمام ابن ماجه رحمه الله في أول الكتاب قال:
118 -
(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا المعَلَّى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الجنَّةِ، وَأَبُوهُمَا خَيْرٌ مِنْهُمَا").
رجال هذا الإسناد: خمسة:
1 -
(مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْوَاسِطِيُّ) هو: محمد بن موسى بن عمران القطّان، أَبو جعفر الواسطيّ، ابن عمة أحمد بن سنان، صدوق [11].
روى عن يزيد بن هارون، وأبي أحمد الزبيري، وأبي عامر العقدي، وأبي سفيان الحميري، ووهب بن جرير بن حازم، ومعلى بن عبد الرحمن الواسطي، وغيرهم.
(1) راجع "الفتح" 7/ 596 "كتاب المغازي" الحديث (4209 - 4210).
وروى عنه البخاري، ومسلم، وابن ماجه، وأبو إسماعيل السلمي، ومحمد بن عبد الله الحضرمي، وعبد الله بن الدّورقي، وغيرهم.
ذكره ابن حبان في الثقات. قال في "الزهرة" روى عنه البخاري أربعة أحاديث، ومسلم حديثين، وله في هذا الكتاب حديثان فقط، هذا (118) و (3086) حديث:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في بيض النعام يصيبه المحرم ثمنه".
2 -
(المعَلَّى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) الواسطيّ، متّهم بالوضع، وقد رُمي بالرفض [9].
روى عن جرير بن حازم، وابن أبي ذئب، والأعمش، والثوريّ، ومبارك بن فَضَالة، وفضيل بن مرزوق، وجماعة.
وروى عنه محمد بن موسى القطان، وإبراهيم بن عبد الرحيم دَنُوقا، وإسحاق ابن شاهين الواسطي، ومحمد بن إسحاق الصغاني، وغيرهم.
قال أَبو داود: سمعت يحيى بن معين، وسئل عنه، فقال: أحسن أحواله عندي أنه قيل له عند موته: ألا تستغفر الله تعالى، فقال: ألا أرجو أن يغفر لي، وقد وضعت في فضل علي سبعين حديثًا.
وقال عبد الله بن علي بن المديني عن أبيه: ضعيف الحديث، وذهب إلى أنه كان يضع الحديث، قال: ورميت بحديثه، وضعّفه جدّا، وقال في موضع آخر: أخذ أحاديث من حديث أبي الهيثم، عن الليث، وذهب إلى أنه كان يكذب. وقال أَبو زرعة: ذاهب الحديث. وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: ضعيف الحديث، كأن حديثه لا أصل له، وقال مرة: متروك الحديث.
وقال ابن حبان: يروي عن عبد الحميد بن جعفر المقلوبات، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد. وقال الدارقطني: ضعيف كذاب. وقال محمد بن صاعد: كان الدقيقي يُثني عليه. وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به. وروى له عدة أحاديث، روى له ابن خزيمة في "الصيام" من "صحيحه" حديثًا، وقال: ليس هذا مما يُحتج به، ولولا أن له أصلا من طريق غيره لم أستجز أن نُبوِّبَ له بابًا. انتهى.
تفرّد به المصنّف بهذا الحديث فقط.
3 -
(ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ) هو: محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب، واسمه هشام بن شعبة بن عبد الله بن أبي قَيس بن عبد وُدّ بن نصر بن مالك بن حِسْل ابن عامر بن لؤي القرشيّ العامريّ، أَبو الحارث المدنيّ، ثقة فقيه فاضلٌ [7].
روى عن أخيه المغيرة، وخاله الحارث بن عبد الرحمن القرشي، وعبد الله بن السائب بن يزيد، وعكرمة مولى ابن عباس، وخلق كثير.
وروى عنه الثوري، ومعمر، وهما من أقرانه، وسعد بن إبراهيم، والوليد بن مسلم، وعبد الله بن نمير، وعبد الله بن المبارك، وخلق كثير.
قال أَبو داود: سمعت أحمد يقول: كان ابن أبي ذئب يُشَبَّه بسعيد بن المسيب، قيل لأحمد: خَلّف مثله ببلاده؟ قال: لا ولا بغيرها. قال: وسمعت أحمد يقول: ابن أبي ذئب كان يُعَدّ صدوقًا، أفضل من مالك، إلا أن مالكا أشد تنقيةً للرجال منه، كان ابن أبي ذئب لا يبالي عمن يحدث. وقال البغوي عن أحمد: كان رجلًا صالحًا، يأمر بالمعروف، وكان يُشَبّه بسعيد. وقال أحمد بن سعيد بن أبي مريم عن ابن معين: ابن أبي ذئب ثقة، وكل من روى عنه ابن أبي ذئب ثقة، إلا أبا جابر البياضي، وكل من روى عنه مالك ثقة، إلا عبد الكريم أبا أمية. وقال أَبو داود: سمعت أحمد بن صالح يقول: شيوخ ابن أبي ذئب كلهم ثقات، إلا البياضي، وقال يعقوب بن شيبة: ابن أبي ذئب ثقة صدوقٌ، غير أن روايته عن الزهري خاصة تَكَلَّم فيها بعضهم بالاضطراب. قال: وسمعت أحمد ويحيى يتناظران في ابن أبي ذئب، وعبد الله بن جعفر الْمَخْرَميّ، فقدم أحمد المخرمي على ابن أبي ذئب، فقال يحيى: المخرمي شيخ، وأَيْشٍ رَوَى من الحديث؟ وأطرى ابن أبي ذئب، وقدمه تقديمًا كثيرًا، قال: فقلت لِعَليّ بعدُ: أيهما أحب إليك؟ قال: ابن أبي ذئب، قال: وسألت عليا عن سماعه من الزهري، فقال: هو عرض، قلت: وإن كان عرضا كيف هو؟ قال: مقارب.
وقال يونس بن عبد الأعلى عن الشافعي: ما فاتني أحد، فأَسِفت عليه ما أَسِفتُ
على الليث وابن أبي ذئب. وقال النسائي: ثقة. وقال أحمد بن علي الأبار: سألت مصعبًا الزبيري عن ابن أبي ذئب، وقلت له: حَدَّثوني عن أبي عاصم أنه كان قدريا، فقال: معاذ الله، إنما كان في زمن المهدي قد أخذوا أهل القدر، فجاء قوم، فجلسوا إليه، فاعتصموا به، فقال قوم: إنما جلسوا إليه لأنه يرى القدر.
وقال الواقدي وغيره: وُلد سنة ثمانين عامَ الْحُجَاف. وقال إبراهيم بن المنذر عن ابن أبي فُدَيك: مات سنة ثمان وخمسين ومائة. وقال أَبو نعيم وغيره: مات سنة تسع وخمسين.
أخرج له الجماعة، وله في هذا الكتاب (27) حديثًا.
4 -
(نَافِعٌ) مولى ابن عمر المدنيّ، ثقة ثبت فقيه [3] تقدّم في 11/ 99.
5 -
(ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما، تقدّم في 1/ 4، والله تعالى أعلم.
شرح الحديث:
(عَنِ) عبد الله (بْنِ عُمَرَ) رضي الله عنهما، أنه (قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ) ابنا علي بن أبي طالب رضي الله عنهما (سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الجنَّةِ) "الشباب" بفتح الشين المعجمة، وتخفيف الموحّدة: جمع شابّ، وهو من بلغ إلى ثلاثين. قيل: إضافة الشباب إلى "أهل الجنّة" بيانيّة، فإن أهل الجنّة كلهم شباب، فكأنه قيل: سيّدا أهل الجنّة، وحينئذ لا بدّ من اعتبار الخصوص، أي ما سوى الأنبياء، والخلفاء الراشدين. وقيل: بل المراد أنهما سيّدا كلّ من مات شابّا، ودخل الجنّة، ولا يلزم أنهما ماتا شابّين، حتّى يَرِد أنه لا يصحّ، فإنهما ماتا شيخين. ورُدّ بأنه لا وجه حينئذ لتخصيص فضلهما على من مات شابّا، بل هما أفضل من كثير ممن مات شيخًا. وقد يقال: وجه التخصيص عدّهما ممن مات شابّا، فانظر إلى عدم بلوغهما عند الموت أقصى سنّ الشيخوخة. ولا يجوز أن يقال: عدّهما شابّين نظرًا إلى شبابهما حين الخطاب، لكونهما كانا صغيرين حينئذ، لا شابّين. ذكره السنديّ رحمه الله (1).
(1)"شرح السنديّ" 1/ 84.
(وَأَبُوهُمَا) عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه (خَيْرٌ مِنْهُمَا). والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسألتان تتعلّقان بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): في درجته:
حديث ابن عمر رضي الله عنهما هذا صحيح.
[فإن قلت]: كيف يصحّ، وفي إسناده المعلّى بن عبد الرحمن، رافضيّ خبيث كذّاب؟.
[قلت]: الحديث ثابت مرويّ من حديث عدد من الصحابة، منهم أَبو سعيد الخدريّ، وحذيفة بن اليمان، وعليّ بن أبي طالب، وعمر بن الخطّاب، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عمر، والبراء بن عازب، وأبو هريرة، وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم.
فأما حديث أبي سعيد رضي الله عنه رواه عبد الرحمن بن أبي نُعم عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة"، أخرجه الترمذيّ 4/ 339 والحاكم 3/ 166 - 167 والطبرانيّ 1/ 123/ 1 وأبو نعيم في "الحلية" 5/ 71 والخطيب في "التاريخ" 4/ 207 و 11/ 90 وأحمد 3/ 3 و 62 و 64 و 80 و 82 وابن عساكر 18 - 47 - 1 من طرق عنه، وقال الترمذيّ: حديث حسن صحيح، وهو كما قال.
وأما حديث حذيفة رضي الله عنه، فأخرجه أحمد 5/ 391 والترمذيّ 2/ 307 وابن حبّان في "صحيحه"(2229) من طريق إسرائيل، عن ميسرة النهديّ، عن المنهال بن عمرو، عن زِرّ بن حبيش، عنه، قال: أتيت النبيّ صلى الله عليه وسلم، فصلّيت معه المغرب، ثم قام يصلي حتى صلّى العشاء، ثم خرج، فاتّبعته، فقال:"عَرَض لي ملك، استأذن ربه أن يسلّم عليّ، ويبشّرني في أن الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة"، وزاد أحمد، والترمذيّ:"وأن فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة"، وقال الترمذيّ: حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث إسرائيل. قال الشيخ الألباني رحمه الله: وهذا إسناد صحيح، ورجاله ثقات رجال الصحيح، غير ميسرة، وهو ابن حبيب، وهو ثقة، وصحّح الحاكم الزيادة، ووافقه
الذهبيّ. انتهى.
وأخرجه أحمد أيضًا من طريق أسود بن عامر، عن إسرائيل، عن ابن أبي السفر، عن الشعبيّ، عنه قال، فذكر نحوه دون الزيادة، وقال: فقال حذيفة: فاستغفر لي ولأمي، قال:"غفر الله لك يا حذيفة، ولأمك". وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، واسم أبي السفر عبد الله، قاله الشيخ الألبانيّ رحمه الله.
وأما حديث ابن مسعود رضي الله عنه، فأخرجه الحاكم في "المستدرك" 3/ 167 من طريق عليّ بن عاصم، عن زرّ، عن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكره، وفيه الزيادة:"وأبوهما خير منهما". وقال صحيح بهذه الزيادة، ووافقه الذهبيّ (1).
وأما حديث البراء رضي الله عنه، فأخرجه الطبرانيّ في "الأوسط" من طريق شريك، عن أشعث بن سوّار، عن عديّ بن ثابت، عنه، قال الحافظ الهيثميّ في "المجمع": وإسناده حسن. انتهى
لكن شريك النخعي مختلط، وأشعث ضعيف.
وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه فأخرجه الطبرانيّ من طريق محمد بن مروان الذهليّ، عن أبي حازم، عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، فذكره، وفي أوله زيادة: "إن ملكًا من السماء لم يكن زارني، فاستأذن الله عز وجل في زيارتي، فبشّرني أن الحسن
…
" الحديث، وإسناده حسن رجاله كلهم ثقات، غير الذهليّ هذا، فروى عنه أَبو أحمد الزبيريّ، وأبو نعيم، ووثقه ابن حبّان، وقال في "التقريب": مقبول.
وبقية الطرق ضعاف، ويكفي ما سبق، وقد أجاد الشيخ الألبانيّ رحمه الله حيث أخرج تلك الطرق كلها، وتكلّم عليها، فأفاد.
ثم قال: وبالجملة فالحديث صحيح بلا ريب، بل هو متواتر كما نقله المناويّ،
(1) قال الشيخ الألبانيّ في "الصحيحة" 2/ 445: إنما هو حسن، للخلاف المعروف في عاصم، وهو ابن بهدلة. انتهى.
وكذلك الزيادات التي سبق تخريجها، فهي صحيحة ثابتة. انتهى كلامه (1)، وهو بحث نفيس، إلا أن قوله: وهو متواتر محلّ نظر، والله تعالى أعلم.
(المسألة الثانية): في تخريجه:
أخرجه (المصنّف) هنا (14/ 118) بهذا السند فقط، ولم يخرجه من أصحاب الأصول غيره، وأخرجه الحاكم في "المستدرك"(3/ 167) من هذا الوجه، وبقيّة التخريجات قد سبقت في المسألة الماضية، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.
وبالسند المتّصل إلى الإمام ابن ماجه رحمه الله في أول الكتاب قال:
119 -
(حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَسُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى، قَالُوا: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حُبْشِيِّ بْنِ جُنَادَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "عَلِيٌّ مِنِّي، وَأَنَا مِنْهُ، وَلَا يُؤَدِّي عَنِّي إِلَّا عَلِيٌّ").
رجال هذا الإسناد: ستة:
1 -
(أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ) الكوفيّ الحافظ الثبت [10] 1/ 1.
2 -
(سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ) الحدثانيّ الْهَرويّ الأصل، صدوق، عمي، فتلقّن ما ليس من حديثه، من قُدماء [10] 4/ 30.
3 -
(إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى) الفزاريّ، أَبو محمد الكوفيّ، نسيب السّدّيّ، صدوق يخطىء، ورُمي بالتشيّع [10] 4/ 30.
4 -
(شَرِيكٌ) بن عبد الله النخعيّ القاضي الكوفيّ، صدوق يخطىء كثيرًا، وتغير حفظه منذ ولي القضاء [8] 1/ 1.
5 -
(أَبو إِسْحَاقَ) عمرو بن عبد الله السبيعيّ الكوفيّ، ثقة عابد اختلط بآخره، ويدلّس [3] 7/ 45.
(1) راجع "الصحيحة" 2/ 438 - 448 رقم (796).
6 -
(حُبْشِيِّ) -بضم الحاء المهملة، وسكون الموحّدة، ثم معجمة، بعدها ياء ثقيلة- اسم بلفظ النسب (ابْنِ جُنَادَةَ) -بضم الجيم، وتخفيف النون- ابن نصر بن أمامة بن الحارث بن مُعيط بن عمرو بن جَنْدَل بن مُرّة بن صَعْصَعَة السَّلُوليّ -بفتح المهملة، وتخفيف اللام المضمومة- نسبة إلى سلول، وهي أم بني مرّة بن صعصعة، صحابيّ، شهد حجة الوداع، ثم نزل الكوفة، يُكنى أبا الْجَنُوب -بفتح، فضم-.
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنه أَبو إسحاق، والشعبي، قال البخاري: إسناده فيه نظر. وقال ابن عبد البر: روى عنه ابنه عبد الرحمن. وقال العسكري: شهد مع علي مشاهده.
أخرج له الترمذيّ، والنسائيّ، والمصنّف، وله عنده في هذا الكتاب هذا الحديث فقط، والله تعالى أعلم.
شرح الحديث:
(عَنْ حُبْشِيِّ بْنِ جُنَادَةَ) السّلوليّ رضي الله عنه، أنه (قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "عَلِيٌّ مِنِّي، وَأَنا مِنْهُ) أي بيننا قرابة كالجزئيّة، قاله السنديّ، وقال القاري: أي في النسب، والمصاهرة، والمسابقة، والمحبّة، وغير ذلك، من المزايا، لا في محض القرابة، وإلا فغيره مشارك له فيها. انتهى (1). (وَلَا يُؤَدِّي عَنِّي إِلَّا عَلِيٌّ) أي نبذ العهد الذي بينه وبين قريش، قال التوربشتيّ رحمه الله: كان من دأب العرب أنه إذا كان بينهم مقاولة في نقض، وإبرام، وصلح، ونبذ عهد، أن لا يؤدّيه إلا سيّد القوم، أو من يليه من ذوي قرابته القريبة، ولا يقبلون ممن سواهم، فلما كان العام الذي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه أن يحُجّ بالناس، رأى بعد خروجه أن يبعث عليّا رضي الله عنه خلفه لينبذ إلى المشركين عهدهم، ويقرأ عليهم "سورة براءة"، وفيها:{إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبه:28] إلى غير ذلك من الأحكام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم
(1)"المرقاة" 10/ 461 - 462.
هذا تكريمًا لعليّ رضي الله عنه، واعتذارًا إلى أبي بكر رضي الله عنه في مقامه هنالك، ولذا قال الصدّيق لعليّ رضي الله عنهما حين لحقه: أمير أو مأمور؟ فقال: بل مأمور. قال القاري: وفيه إيماء إلى أن إمارته إنما تكون متأخّرة عن خلافة الصدّيق، كما لا يخفى على ذوي التحقيق. انتهى (1)،
والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسألتان تتعلّقان بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): في درجته:
حديث حُبْشيّ بن جُنادة رضي الله عنه هذا صحيح.
[فإن قلت]: كيف يصحّ، وفي إسناده شريك بن عبد الله النخعيّ، وقد مرّ أنه يخطىء كثيرًا، وتغير بآخره، وفيه أَبو إسحاق مدلّسٌ، وقد عنعنه؟.
[قلت]: أما بالنسبة لشريك، فإنه لم ينفرد به، بل تابعه عليه إسرائيل بن يونس، عند أحمد، والترمذيّ، وغيرهما.
وأما بالنسبة لتدليس أبي إسحاق، فقد صرّح أَبو إسحاق بسماعه من حبشيّ رضي الله عنه، ففي "مسند أحمد" 4/ 164 رقم (17506): قال شريك: قلت لأبي إسحاق: أين سمعته منه؟ قال: وقف علينا على فرس له في مجلسنا في جَبّانة السَّبِيع. انتهى.
والحاصل أن الحديث صحيح، فقول محقّق "المسند": إسناده ضعيف، ومتنه منكر، فيه نظر لا يخفى، والله تعالى أعلم.
(المسألة الثانية): في تخريجه:
أخرجه (المصنف) هنا (14/ 19) بهذا الإسناد، ولم يخرجه من أصحاب الأصول غيره، وأخرجه (أحمد) في "مسنده"(4/ 164) رقم (17505 و 17506 و 17510 و 17511 و 17512) و (النسائيّ) في "الفضائل"(8147) و (الطبرانيّ) في "الكبير"(3512 و 3513)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو
(1) راجع "المرقاة" 10/ 465.
حسبنا، ونعم الوكيل.
وبالسند المتّصل إلى الإمام ابن ماجه رحمه الله في أول الكتاب قال:
120 -
(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ الله بْنُ مُوسَى، أَنْبَأَنَا الْعَلَاءُ ابْنُ صَالِحٍ، عَنِ الْمِنْهَالِ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: أَنَا عَبْدُ الله، وَأَخُو رَسُولِه صلى الله عليه وسلم، وَأَنَا الصِّدِّيقُ الْأَكْبَرُ، لَا يَقُولهُا بَعْدِيَ إِلَّا كَذَّابٌ، صَلَّيْتُ قَبْلَ النَّاسِ بِسَبْعِ سِنِينَ).
رجال هذا الإسناد: ستة:
1 -
(مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الرَّازِيُّ) صدوق [11] 9/ 73.
2 -
(عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى) بن أبي المختار باذام العبسيّ الكوفيّ، ثقة يتشيع [9] 9/ 70.
3 -
(الْعَلَاءُ بْنُ صَالِحٍ) التيميّ، ويقال: الأسديّ الكوفيّ -وسماه أَبو داود في روايته علي بن صالح وهو وَهَمٌ- صدوق له أوهام [7].
رَوَى عن المنهال بن عمرو، وعديّ بن ثابت، وسلمة بن كُهيل، والْحَكَم بن عتيبة، ونَهْشل، وغيرهم، وروى عنه أَبو أحمد الزبيري، وعبد الله بن نمير، وعلي بن هاشم بن الْبَرِيد، وأبو نعيم، وعبيد الله بن موسى، وغيرهم.
قال ابن معين، وأبو داود: ثقة. وقال ابن معين أيضًا، وأبو حاتم: لا بأس به.
وقال ابن المديني: رَوَى أحاديث مناكير. وقال البخاري: لا يتابع، ووثقه يعقوب بن سفيان، وابن نمير، والعجلي، وقال ابن خزيمة: شيخ. وقال يعقوب بن شيبه: مشهور.
وذكره ابن حبان في "الثقات".
له عند الترمذيّ حديث وائل في الصلاة، وعند النسائيّ حديث ابن عباس في اتخاذ ذي الروح غَرَضًا، وعند المصنّف هذا الحديث فقط.
4 -
(الْمِنْهَال) بن عمرو الأسديّ مولاهم الكوفيّ، صدوق ربما وهم [5].
رَوَى عن أنس، إن كان محفوظًا، وأرسل عن يعلى بن مرة، وزر بن حبيش،
وعبد الله بن الحارث المصري، وزاذان، وسُويد بن غَفَلة، ومحمد ابن الحنفية، وغيرهم.
وعنه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، والأعمش، وربيعة بن عُتبة الكناني، والحجاج بن أرطاة، ومنصور، وغيرهم.
قال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي يقول: ترك شعبة المنهال بن عمرو على عَمْد.
قال ابن أبي حاتم: لأنه سمع في داره صوت قراءة بالتطريب. وقال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي يقول: أَبو بشر أحب إلي من المنهال. قلت له: أحبّ إليك من المنهال؟ قال: نعم شديدًا، أَبو بشر أوثق إلا أن المنهال أسنّ. وقال ابن معين، والنسائي: ثقة. وقال وهب بن جرير عن شعبة: أتيت منزل المنهال، فسمعت منه صوت الطنبور، فرجعت ولم أسأله، قلت: فَهَلا سألته عسى كان لا يعلم. وقال ابن المديني عن يحيى بن سعيد: أَتَى شعبة المنهال بن عمرو، فسمع صوتًا فتركه.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا مما عُدّ على شعبة من الغلوّ في التشدّد، فإن المنهال رجل صالح، مما لا يُشكّ في ذلك، ولعله لا يكون حاضرًا في البيت، فعدم تثبّت شعبة في ذلك من التشدّد بمكان، فلا ينبغي الالتفات إليه في هذا. والله تعالى أعلم.
وقال العجلي: كوفي ثقة. وقال الدارقطني: صدوق. وقال جرير عن مغيرة: كان حسن الصوت، وكان له لحن يقال له: وزن سبعة. وقال الغلابي: كان ابن معين يَضَعُ من شأن المنهال بن عمرو.
وقال الجوزجاني سيء المذهب. وقد جَرَى حديثه. وقال ابن أبي خيثمة: حدثنا سليمان بن أبي شيخ، حدثني محمد بن عمر الحنفي، عن إبراهيم بن عبيد الطنافسي، قال: وَقَفَ المغيرة صاحب إبراهيم على يزيد بن أبي زياد، فقال: ألا تَعْجَب من هذا الأعمش الأحمق، إني نهيته أن يَرْوِي عن المنهال بن عمرو، وعن عَبَاية، ففارقني على أن لا يفعل، ثم هو يروي عنهما، نَشَدتك بالله تعالى، هل كانت تجوز شهادة المنهال على درهمين؟ قال: اللهم لا، قال: وكذا عباية. وذكره ابن حبان في "الثقات".
قال الحافظ: محمد بن عمر الحنفي راوي الحكاية فيه نظر.
وقال الحاكم: المنهال بن عمرو غَمَزُهُ يحيى القطان. وقال أَبو الحسن بن القطان: كان أَبو محمد بن حزم يضعف المنهال، ورَدَّ من روايته حديث البراء، وليس على المنهال حَرْجٌ فيما حَكَى ابن أبي حاتم، فذكر حكايته المتقدّمة، قال: فإن هذا ليس بجرح إلا إن تجاوز إلى حد تحريم، ولم يصح ذلك عنه، وجرحه بهذا تعسف ظاهر، وقد وثقه ابن معين، والعجلي، وغيرهما.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي قاله الحافظ أَبو الحسن بن القطّان هو الحكم الوسط، والإنصاف في المنهال، فتمسّك به، والله تعالى أعلم.
أخرج له الجماعة، إلا مسلمًا، وله في هذا الكتاب تسعة أحاديث فقط برقم 120 و 339 و 615 و 971 و 1548 و 1549 و 2112 و 3525 و 4021.
5 -
(عَبَّادُ بْنُ عَبْدِ الله) الأسديّ الكوفيّ، ضعيف [3].
رَوَى عن علي رضي الله عنه، وعنه المنهال بن عمرو، قال البخاري: فيه نظر، وذكره ابن حبان في "الثقات". وقال ابن سعد: له أحاديث، وقال علي بن المديني: ضعيف الحديث. وقال ابن الجوزي: ضَرَبَ ابن حنبل على حديثه عن علي: "أنا الصديق الأكبر"، وقال: هو منكر. وقال ابن حزم: وهو مجهول.
تفرّد به النسائي في خصائص علي رضي الله عنه، والمصنف أخرجا له هذا الحديث فقط.
6 -
(عَلِيٌّ) رضي الله تعالى عنه تقدم في 2/ 20.
شرح الحديث:
(عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ الله) الأسديّ، أنه (قَالَ: قَالَ عَليٌّ) رضي الله عنه (أَنَا عَبْدُ الله) أي من الذين أخلصوا عبادته، ووُفّقَوا لها، وهذا من جملة المدح، ومدح الإنسان نفسه لإظهار منة الله تعالى عليه، أو لداع آخر شرعيٍّ جائز (وَأَخُو رَسُولِه صلى الله عليه وسلم) أي أخوّة الإسلام، وأما في النسب فهو ابن عمه (وَأَنَا الصِّدِّيقُ الْأَكْبَرُ) أي البليغ في الصدق؛ إذ لم يتوقّف في تصديق الحقّ أصلًا، ولا يكون عادةً إلا ممن غلب عليه الصدقُ، ولذلك سُمّي أَبو بكر رضي الله عنه بالصدّيق لمبادته إلى تصديق النبيّ صلى الله عليه وسلم فيما أتى به، فكأنه أراد بهذا الكلام أنه
أسبق إيمانًا من أبي بكر رضي الله عنه، وفي "الإصابة" في ترجمة عليّ رضي الله عنه: هو أول الناس إسلامًا في قول كثير من أهل العلم (لَا يَقُولهُا) أي هذه الكلمة، أعني الصدّيق الأكبر (بَعْدِي إِلَّا كَذَّابٌ) أي لأنه لم يبق بعده أحد ممن له فضل مثله رضي الله عنه (صَلَّيْتُ قَبْلَ النَّاسِ بِسَبْعِ سِنِينَ) قال السنديّ: ولعله أراد به أنه أسلم صغيرًا، وصلى في سنّ الصغر، وكلّ من أسلم من معاصريه ما أسلم في سنّه، بل أقلّ ما تأخّر معاصروه عن سنه سبع سنين، فصار كأنه صلى قبلهم سبع سنين، وهم تأخّروا عنه بهذا القدر، ولم يُرد أنه كان سبع سنين مؤمنًا مصلّيًا، ولم يكن غيره في هذه المدّة مؤمنًا أو مصلّيًا، ثم آمنوا وصلَّوا، ويحتمل أنه قال ذلك حسبما اطّلع عليه، وفيه بُعْد لا يخفى. والله تعالى أعلم، انتهى كلام السنديّ. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: حديث عليّ رضي الله عنه هذا إسناده ضعيف، ومتنه باطلٌ، وإن قال البوصيريّ في "مصباح الزجاجة": وهذا إسناده صحيح رجاله ثقات، رواه أَبو بكر بن أبي شيبة في "مسنده" من طريق أبي سليمان الجهنيّ عن عليّ رضي الله عنه، فذكره، وزاد:"لا يقولها قبلي"، ورواه محمد بن يحيى بن أبي عمر في "مسنده" بإسناده ومتنه، وزاد في آخره: فقال له رجل: فأصابته جنّة، ورواه الحاكم في "المستدرك" من طريق المنهال بن عمرو به، وقال: صحيح على شرط الشيخين. انتهى. والجملة الأولى في "جامع الترمذيّ" من حديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا: "أنت أخي في الدنيا والآخرة"، وقال: حديث حسن غريب. انتهى.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قول البوصيريّ رحمه الله: إسناده صحيح، ورجاله ثقات، محلّ عجب؛ إذ في سنده عباد بن عبد الله الأسديّ الكوفيّ، ضعيف، ولعله التبس عليه بعباد بن عبد الله بن الزبير الأسديّ التابعيّ الثقة المعروف، فلذا وثق رجاله، والحقّ أنه ضعيف، وقدمنا أقوال أهل العلم فيه، فلا تغترّ بقوله، ولا بقول السنديّ بعد أن ذكر له تأويلًا: ما نصّه: فكان من حكم عليه بالوضع حكم عليه لعدم ظهور معناه، لا لأجل خلل في إسناده، وقد ظهر معناه بما ذكرنا -ولله الحمد- انتهى.
فكل هذا غفلة، فلا تغترر به، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.
وبالسند المُتّصل إلى الإمام ابن مَاجَه رحمه الله في أول الكتاب قال:
121 -
(حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ ابْنِ سَابِطٍ -وَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ- عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: قَدِمَ مُعَاوِيَةُ في بَعْضِ حَجَّاتِهِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ سَعْدٌ، فَذَكَرُوا عَلِيًّا، فَنَالَ مِنْهُ، فَغَضِبَ سَعْدٌ، وَقَالَ: تَقُولُ هَذَا لِرَجُلٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعِليٌّ مَوْلَاهُ"، وَسَمِعْته يَقُولُ: "أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى، إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي"، وَسَمِعْته يَقُولُ: "لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ الْيَوْمَ رَجُلًا يُحِبُّ الله وَرَسُولَهُ").
رجال هذا الإسناد: خمسة:
1 -
(عِليُّ بْنُ مُحَمَّدٍ) الطَّنافسيّ المذكور قريبًا.
2 -
(أَبُو مُعَاوِيَةَ) محمّد بن خازم الضرير الكوفيّ المذكور قريبًا أيضًا.
3 -
(مُوسَى بْنُ مُسْلِمٍ) الحِزَاميّ، ويقال له: الشيبانيّ، أبو عيسى الطّحّان، الكوفيّ المعروف بموسى الصغير (1)، ثقة (2)[7].
رَوَى عن إبراهيم التيمي، وإبراهيم النخعي، وسَلَمَة بن كُهَيل، وعبد الرّحمن بن سابط، وعكرمة، وعبد الملك بن ميسرة، وهلال بن يساف، وعون بن عبد الله بن عتبة.
وروى عنه الثّوريّ، وأبو معاوية الضرير، وعبد السّلام بن حرب، ومروان بن
(1) قال الحافظ: وقال أكثر ما يقع في الرِّواية موسى الصغير. انتهى "تهذيب التهذيب" 4/ 189.
(2)
قال عنه في "التقريب": لا بأس به، وما ذكرناه أولى؛ كما يظهر من ترجمته، فقد وثقة ابن معين، والبزار، وابن حبّان، والذهبي، وقال أحمد: ما أرى به بأسًا، ولم يجرحه أحد، فهذا هو الثقة، فتبصّر، نبّه على هذا الدكتور بشّار في تحقيقه لهذا الكتاب 1/ 136.
معاوية، وعبد الله بن نمير، وغيرهم.
قال عبد الله بن أحمد عن أبيه: ما أرى به بأسًا. وقال الدُّوري عن ابن معين: موسى الصغير الّذي يَروِي عنه أبو معاوية، هو موسى بن مسلم، وهو موسى الطَّحّان، وهو موسى الصغير ثقة. وقال البزّار: ثقة، روى عنه النَّاس (1). وذكره ابن حبّان في الثقات. وقال الذهبيّ: ثقة (2). وقال أبو حاتم: يقال: إنّه مات خلف المقام، وهو ساجد.
تفرّد به أبو داود، والنَّسائيّ في "خصائص علي رضي الله عنه"، والمصنّف، وله في هذا الكتاب هذا الحديث فقط.
4 -
(عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَابِطٍ) ويقال: ابن عبد الله بن سابط، وهو الصّحيح، ويقال: ابن عبد الله بن عبد الرّحمن بن سابط بن أبي حُمَيضة بن عمرو بن أُهيب بن حُذافة بن جُمَح الجُمَحيّ المكيّ، ثقة كثير الإرسال [3].
تابعيّ أرسل عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم، ورَوَى عن عمر، وسعد بن أبي وقّاص، والعباس بن عبد المطلب، وعباس بن أبي ربيعة، ومعاذ بن جبل، وأبي ثعلبة الْخُشَنيّ، وقيل: لم يُدرك واحدًا منهم، وعن أبيه، وله صحبة، وجابر، وغيرهم.
وروى عنه ابن جريج، وليث بن أبي سليم، وفِطْر بن خليفة، ويزيد بن أبي زياد، وحنظلة بن أبي سفيان الجُمَحيّ، وعلقمة بن مرثد، وعبد الملك بن ميسرة الزَّرّاد، قيل ليحيى بن معين: سمع عبد الرّحمن من سعد بنَ أبي وقّاص؛ قال: لا، قيل: من أبي أمامة؟ قال: لا، قيل: من جابر؟ قال: لا، هو مرسل، وذكره الهيثم عن عبد الله بن عياش في الفقهاء من أصحاب ابن عبّاس. قال الواقدي وغير واحد: مات سنة ثماني عشرة ومائة. وقال ابن سعد: أجمعوا على ذلك، وكان ثقة، كثير الحديث، له في "صحيح
(1) راجع "كشف الأستار" رقم (3696).
(2)
راجع "الكاشف" 3/ التّرجمة (5830).
مسلم "حديث واحد في "الفتن". وقال ابن أبي خيثمة: سمعت ابن معين يقول: عبد الرّحمن بن عبد الله بن سابط، ومن قال: عبد الرّحمن بن سابط فقد أخطأ، وكذا ذكره البخاريّ، وأبو حاتم، وابن حبّان في "الثِّقات"، وغير واحد كلهم في عبد الرّحمن ابن عبد الله، وقال العجليّ: تابعي ثقة.
أخرج له أبو داود، والترمذي، والنَّسائيّ في "اليوم واللّيلة"، والمصنّف، وله في هذا الكتاب أربعة أحاديث فقط، برقم 121 و 1338 و 3110 و 3710.
5 -
(سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ) مالك بن وُهيب الصحابي الشهير رضي الله عنه تقدّم في 3/ 29، والله تعالى أعلم.
لطائف هذا الإسناد:
1 -
(منها): أنه من خماسيّات المصنّف.
2 -
(ومنها): أن رجاله كلهم ثقات.
3 -
(ومنها): أنه مسلسلٌ بثقات الكوفيين، غير ابن سابط، فإنّه مكيّ.
4 -
(ومنها): أن صحابيّه أحد العشرة المبشّرين بالجنّة رضي الله عنهم، وآخر من مات منهم، مات سنة (55 هـ)، وأول من رمى بسهم في سبيل الله رضي الله عنه، والله تعالى أعلم.
شرح الحديث:
(عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ) رضي الله عنه، أنه قَالَ:(قَدِمَ مُعَاوِيَةُ) بن أبي سفيان الصحابي ابن الصحابيّ الخليفة رضي الله تعالى عنهما، تقدّمت ترجمته في 1/ 9 (في بَعْضِ حَجَّاتِهِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ) أي على معاوية رضي الله عنه (سَعْدٌ) بن أبي وقّاص (فَذَكَرُوا) أي النَّاس الحاضرون عند معاوية رضي الله عنه (عَلِيًّا) أي ابن أبي طالب رضي الله عنه (فَنَالَ مِنْهُ) أي نال معاوية من عليّ رضي الله عنهما، وفي رواية مسلم:"أمر معاوية بن أبي سفيان سعدًا، فقال: ما منعك أن تسُبّ أبا التراب؟ ".
قال القرطبيّ رحمه الله: هذا يدلُّ على أن مقدّم بني أُميّة كانوا يسبّون عليّا رضي الله عنه، وذلك كان منهم لِمَا وقر في نفوسهم من أنه أعان على قتل عثمان رضي الله عنه، وأنه أسلمه لمن
قتله، بناء منهم على أنه كان بالمدينة، وأنه كان متمكّنًا من نُصرته، وكلّ ذلك ظنٌّ وكَذِبٌ، وتأويل باطلٌ غَطَّى التعصّب منه وجه الصواب، وقد ثبت أن عليًّا رضي الله عنه أقسم بالله أنه ما قتله، ولا مالأ على قتله، ولا رضيه، ولم يقُل أحدٌ من النِّقَلَة قطّ، ولا سُمِع من أحد أن عليًّا كان مع القَتَلَة، ولا أنه دخل معهم الدَّار عليه، وأما ترك نُصرته فعثمان رضي الله عنه أسلم نفسه، ومنع من نُصرته، قال: ومما تشبَثوا به أنهم نسبوا عليّا إلى ترك أخذ القصاص من قَتَلة عثمان رضي الله عنه، وإلى أنه منعهم منهم، وأنه قام دونهم، وكلّ ذلك أقوالٌ كاذبة، أنتجت ظنونًا غير صائبة، ترتّب عليها ذلك البلاء، كما سبق به القضاء. انتهى كلام القرطبيّ (1).
وقال النوويّ رحمه الله: قال العلماء: الأحاديث الواردة الّتي في ظاهرها دخل على صحابيّ يجب تأويلها، قالوا: ولا يقع في روايات الثقات إِلَّا ما يُمكن تأويله، فقول معاوية رضي الله عنه هذا ليس فيه تصريح بأنه أمر سعدًا بسبّه، وإنما سأله عن السبب المانع له من السبّ كأنه يقول: هل امتنعت تورّعًا أو خوفًا أو غير ذلك، فإن كان تورّعًا وإجلالًا له عن السبّ فأنت مصيب محسنٌ، وإن كان غير ذلك فله جواب آخر، ولعلّ سعدًا قد كان في طائفة يسبّون فلم يسُبّ معهم، وعجز عن الإنكار، وأنكر عليهم فسأله هذا السؤال، قالوا: ويحتمل تأويلًا آخر أن معناه: ما منعك أن تُخطّئه في رأيه واجتهاده، وتُظهر للناس حسن رأينا واجتهادنا، وأنه أخطأ. انتهى كلام النوويّ (2).
(فَغَضِبَ سَعْدٌ) رضي الله عنه (وَقَالَ: تَقُولُ هَذَا لِرَجُلٍ) أي في حقّ رجل، فاللام بمعنى "في" (سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ) أي في شأنه ("مَنْ كنْتُ مَوْلَاهُ فَعَليٌّ مَوْلَاهُ") قيل: معناه: من كنت أتولّاه فعَليّ يتولّاه، من الوليّ ضدّ العدوِّ، أي من كنت أحبه فعليّ يُحبّه، وقيل: من يتولّاني، فعليّ يتولاه. قاله القاري (3).
(1)"المفهم" 6/ 272.
(2)
"شرح مسلم" 15/ 175 - 176.
(3)
"المرقاة" 10/ 463.
وقال ابن الأثير رحمه الله: قد تكرّر ذكر "المولى" في الحديث، وهو اسم يقع على جماعة كثيرة، فهو الربّ، والمالك، والمنعم، والمعتق، والناصر، والمحبّ، والتابع، والجار، وابن العمّ، والحَلِيف، والْعَقِيد، والصِّهْر، والعبد، والمعتق، والمُنْعَمُ عليه.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد نظمت معاني المولى كما ذكره في "القاموس المحيط"، فقلت:
وَيُطْلَقُ المَوْلَى عَلَى مَعَانِي
…
قَرَّبْتُهَا بِالنَّظْم لِلْمُعَانِي
المَالِكُ الْعَبْدُ وَمُعْتِقٌ أَتَى
…
بِالْكَسْرِ وَالْفَتْح فَكُلٌّ ثَبَتَا
وَالصَّاحِبُ الْقَرِيبُ كَابْنِ الْعَمِّ
…
وَالجَارُ وَالنَّزِيلُ عِنْدَ الْقَوْمِ
وَالابْنُ وَالحَلِيفُ وَالْوَلِيُّ
…
وَالْعَمُّ وَالشَّرِيكُ يَا أُخَيُّ
وَالرَّبَّ وَالنَّاصِرُ وَابْنُ الأُخْتِ
…
وَالصِّهْرُ وَالمُنْعِمُ كسْرًا يَأْتِي
وَمُنْعَمٌ عَلَيْهِ فَتْحًا ثَبَتَا
…
وَالتَّابِعُ المُحِبُّ خَاتِمًا أَتَى
إِحْدَى وَعِشْرُونَ وَفِي الْقَامُوسِ قَدْ
…
سَرَدَهَا فَاحْفَظْ تُوَفَّقْ لِلرَّشَدْ
قال ابن الأثير: وأكثرها قد جاء في الحديث، فيُضاف كلُّ واحد إلى ما يقتضيه الحديث الوارد فيه، وكلّ من ولي أمرًا، أو قام به فهو مولاه، ووليّه، وقد تختلف مصادر هذه الأسماء، فالوَلاية بالفتح في النسب، والنصرةِ، والمعتق، والوِلاية بالكسر في الإمارة، والوَلاءُ المعتَقُ، والموالاة مِن والى القوم، ومنه الحديث:"من كنت مولاه فعليّ مولاه"، يُحمل على أكثر الأسماء المذكورة، قال الشّافعيّ رضي الله عنه: يعني بذلك وَلاءَ الإسلام، كقوله تعالى:{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ} [محمد: 11]، وقول عمر لعليّ رضي الله عنهما:"أصبحتَ مولى كلِّ مؤمن"، أي وليّ كلّ مؤمن، وقيل: سبب ذلك أن أُسامة قال لعليّ رضي الله عنهما: لستَ مولاي، إنما مولاي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم:"من كنتُ مولاه، فعليّ مولاه". انتهى كلام ابن الأثير (1).
(1)"النهاية" 5/ 228 - 229.
(وَسَمِعْتُهُ) أي النبيّ صلى الله عليه وسلم (يَقُولُ: أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى) هذه الجملة تقدّم شرحها في الحديث الثّاني من هذا الباب، وقوله:(إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي) قال بعض العلماء: فيه دليل على أن عيسى عليه السلام إذا نزل ينزل حكمًا من حُكّام هذه الأمة، يدعو بشريعة محمّد صلى الله عليه وسلم، ولا ينزل نبيّا. ذكره النوويّ (1).
(وَسَمِعْتُهُ) صلى الله عليه وسلم (يَقُولُ: لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ) أي العلم الّتي هي علامة للإمارة (الْيَوْمَ) أي يوم خيبر، وفي رواية "الصحيحين":"غدًا"(رَجُلًا يُحِبّ الله وَرَسُولَه) فيه إيماءٌ إلى قوله عز وجل: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54]، الآية. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الحديث صحيح، وهو مشتمل على ثلاثة أحاديث صحاح، فقد تقدّم حديث:"أنت مني بمنزلة هارون من موسى إِلَّا أنه لا نبيّ بعدي" برقم (115)، وحديث:"من كنت مولاه فعليّ مولاه"، برقم (116).
وأما حديث: "لأعطينّ الراية إلخ" فقد أخرجه الشيخان في "صحيحيهما"، فأخرجه البخاريّ (2942) و (3009) و (3701) ومسلم (2406) وأخرجه أحمد في "مسنده"(22821) وأبو داود في "سننه"(3661)، والنَّسائيّ في "فضائل الصّحابة" من "الكبرى"(8093) وابن حبّان في "صحيحه"(6933) كلهم أخرجوه من حديث سهل بن سعد الساعديّ رضي الله عنه، وفوائد الحديث تقدّمت، فراجعها تستفد، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(1)"شرح مسلم" 15/ 174.