المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌22 - (فضل الحسن والحسين ابني علي بن أبي طالب رضي الله عنهم - مشارق الأنوار الوهاجة ومطالع الأسرار البهاجة في شرح سنن الإمام ابن ماجه - جـ ٣

[محمد بن علي بن آدم الأثيوبي]

فهرس الكتاب

- ‌11 - (باب فضائل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌12 - (فَضْلُ عُمَرَ رضي الله عنه

- ‌13 - (فضل عثمان رضي الله عنه

- ‌14 - (فَضْلُ عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ رضي الله عنه

- ‌15 - (فَضْلُ الزُّبَيْر رضي الله عنه

- ‌16 - (فَضْلُ طَلْحَةَ بن عُبَيْدِ اللهِ رضي الله عنه

- ‌17 - (فَضْلُ سَعْدٍ بن أبي وَقَّاص رضي الله عنه

- ‌18 - (فَضَائِلُ الْعَشرَةَ رضي الله عنهم

- ‌19 - (فَضْلُ أَبي عُبَيْدَةَ بْنِ الجَرَّاحِ رضي الله عنه

- ‌20 - (فَضْلُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُوْدٍ رضي الله عنه

- ‌21 - (فَضْلُ الْعَبَّاس بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رضي الله عنه

- ‌22 - (فَضْلُ الْحَسَنِ وَالْحُسيْنِ ابْنَي عَلِيٍّ بْنِ أَبي طَالِبٍ رضي الله عنهم

- ‌23 - (فضْلُ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرِ رضي الله عنه

- ‌24 - (فَضْلُ سَلْمَان، وأبي ذَرٍّ وَالْمِقْدَادِ) رضي الله عنهم

- ‌25 - (فَضَائلُ بِلَالٍ) رضي الله عنه

- ‌26 - (فَضَائلُ خَبَّابٍ) رضي الله عنه

- ‌27 - (فَضَائِل زَيِدٍ بْنِ ثَابِتٍ) رضي الله عنه

- ‌28 - (فَضْلُ أَبِي ذَرٍّ) رضي الله عنه

- ‌29 - (فَضْلُ سَعْدٍ بْنِ مُعَاذٍ) رضي الله عنه

- ‌30 - (فَضْلُ جَرِيرٍ بْنِ عَبْدِ الله الْبَجَلِيِّ) رضي الله عنه

- ‌31 - (فَضْلُ أَهْلِ بَدْرٍ) رضي الله عنه

- ‌31 (*) - (فَضَائِلُ الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم

- ‌32 - (فَضْلُ الأَنْصَارِ رضي الله عنهم

- ‌33 - (فَضْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما

- ‌34 - (بَابٌ في الْخَوَارِجِ)

الفصل: ‌22 - (فضل الحسن والحسين ابني علي بن أبي طالب رضي الله عنهم

‌22 - (فَضْلُ الْحَسَنِ وَالْحُسيْنِ ابْنَي عَلِيٍّ بْنِ أَبي طَالِبٍ رضي الله عنهم

-)

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: إنّما جمعهما في باب واحد لما وقع لهما من الاشتراك في كثير من الفضائل.

فأمّا الحسن فهو: ابن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف الهاشمي، سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورَيحانته، أمير المؤمنين، أبو محمّد، وُلِد في نصف شهر رمضان، سنةَ ثلاث من الهجرة، قاله ابن سعد، وابن الْبَرْقِيّ، وغير واحد، وقيل: في شعبان منها، وقيل: وُلد سنة أربع، وقيل: سنة خمس، والأول أثبت، وروى عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أحاديث حفظها عنه، ومات بالمدينة مسمومًا سنة خمسين، ويقال: قبلها، ويقال: بعدها.

وأما الحسين فهو: ابن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي، أبو عبد الله، سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم، وريحانته، قال الزُّبير وغيره: وُلد في شعبان سنة أربع، وقيل: سنة ست، وقيل: سنة سبع، وليس بشيء، قال جعفر بن محمّد: لم يكن بين الحمل بالحسين بعد ولادة الحسن إِلَّا طهر واحد، وقد حَفِظَ الحسين أيضًا عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم، ورَوَى عنه.

وقُتل يوم عاشوراء سنة إحدى وستّين بكربلاء من أرض العراق، وكان أهل الكوفة لمّا مات معاوية، واستُخلِف يزيد كاتبوا الحسين بأنهم في طاعته، فخرج الحسين إليهم، فسبقه عُبيد الله بن زياد إلى الكوفة، فخَذّل غالب النَّاس عنه، فتأخّروا رغبةً ورهبةً، وقُتل ابن عمّه مسلم بن عَقِيل، وكان الحسين قد قدّمه قبله يُبايع له النَّاس، ثمّ جهّز إليه عسكرًا، فقاتلوه إلى أن قُتل هو وجماعة من أهل بيته، والقصّة في ذلك مشهورة (1)، والله تعالى أعلم.

(1) راجع "الفتح" في "كتاب الفضائل" 7/ 120.

ص: 328

وبالسند المُتَّصل إلى الإمام ابن مَاجَه رحمه الله في أول الكتاب قال:

142 -

(حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ، أَنْبَأَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ أَبي يَزِيدَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِلْحَسَنِ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبَّهُ فَأَحِبَّهُ، وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُ"، قَالَ: وَضَمَّهُ إِلَى صَدْرِهِ).

رجال هذا الإسناد: خمسة:

1 -

(أحمد بن عَبْدة) الضبّيّ، أبو عبد الله البصريّ، ثقة رُمي بالنصب [10] 3/ 28.

2 -

(سفيان بن عُيينة) الإمام الحجة الثبت المكيّ الشهير [8] 2/ 13.

3 -

(عُبيد الله بن أبي يزيد) المكيّ، مولى آل قارظ بن شيبة، ثقة كثير الحديث [4].

رَوَى عن ابن عبّاس، وابن عمر، وابن الزُّبير، وأبي لبابة بن عبد المنذر، ونافع بن جبير بن مطعم، وغيرهم.

ورَوَى عنه ابنه محمّد، وابن المنكدر، وهو أكبر منه، وابن جريج، وورقاء بن عمر، وحماد بن زيد، وسفيان بن عيينة، وآخرون.

قال ابن المديني، وابن معين، والعجلى، وأبو زرعة، والنَّسائيّ: ثقة. وقال ابن سعد: ثقة، كثير الحديث. وذكره ابن حبّان في "الثِّقات". وقال ابن عيينة: مات سنة ست وعشرين ومائتين، وله (86) سنة.

أخرج له الجماعة، وله في هذا الكتاب ستة أحاديث فقط برقم 142 و 1035 و 2005 و 3162 و 3364 و 3896.

4 -

(نافع بن جُبير) بن مُطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف النوفليّ، أبو محمّد، أو أبو عبد الله المدنيّ، ثقة فاضلٌ [3].

رَوَى عن أبيه، والعباس بن عبد المطلب، والزبير بن العوّام، وعلي بن أبي طالب، وعثمان بن أبي العاص، وأبي هريرة، وغيرهم.

ورَوَى عنه عروة بن الزُّبير، وسعيد بن إبراهيم، والزهري، وعبيد الله بن أبي

ص: 329

يزيد، وآخرون.

قال ابن سعد: قال محمّد بن عمر: روى عن أبي هريرة، وكان ثقة، أكثر حديثًا من أخيه. وقال العجلي: مدني تابعي ثقة. وقال أبو زرعة: ثقة. وقال ابن خِرَاش: ثقة مشهور، أحد الأئمة. وذكره ابن حبّان في "الثِّقات"، وقال: من خيار النَّاس، كان يحج ماشيًا، وناقته تُقاد. وقال أبو الحسن بن البراء عن علي بن المديني: أصحاب زيد بن ثابت الذين كانوا يأخذون عنه، ويفتون بفتواه، فذكره فيهم.

قال الزُّبير بن بكار وغير واحد: مات في خلافة سليمان بن عبد الملك. وقال الواقدي عن ابن أبي الزِّناد: مات سنة تسع وتسعين.

أخرج له الجماعة، وله في هذا الكتاب تسعة أحاديث برقم 142 و 545 و 807 و 1720 و 1870 و 2907 و 3522 و 3672 و 4065.

5 -

(أبو هريرة) رضي الله عنه تقدّم 1/ 1، والله تعالى أعلم.

لطائف هذا الإسناد:

1 -

(منها): أنه خماسيّات المصنِّف رحمه الله.

2 -

(ومنها): أن رجاله كلهم رجال الصّحيح.

3 -

(ومنها): أنه مسلسل بثقات المدنيين، غير شيخه، فبصريّ، وسفيان، فكوفيّ، ثمّ مكيّ.

4 -

(ومنها): أن فيه رواية تابعيّ عن تابعيّ.

5 -

(ومنها): أن صحابيّه أحفظ من روى الحديث في دهره، روى (5374) حديثًا، والله تعالى أعلم.

شرح الحديث:

(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) رضي الله عنه (عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) أنه (قَالَ لِلْحَسَنِ) أي في شأنه، فاللام بمعنى "في"، والحديث مختصرٌ، وقد بساقه الشيخان في "صحيحيهما" بطوله، فلفظ البخاريّ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سوق من أسواق المدينة، فانصرف،

ص: 330

فانصرفت، فقال:"أين لُكَعُ"(1) ثلاثًا، ادْعُ الحسن بن علي، فقام الحسن بن علي يمشي، وفي عنقه السِّخَاب (2)، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم بيده هكذا، فقال الحسن بيده هكذا فالتزمه، فقال:"اللَّهُمَّ إنِّي أُحِبُّه فأحبه، وأَحِبَّ مَنْ يُحبه"، وقال أبو هريرة: فما كان أحدٌ أحب إلي من الحسن بن علي بعد ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال.

ولفظ مسلم عن أبي هريرة، قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفة من النهار، لا يُكَلِّمني ولا أكلمه، حتّى جاء سُوق بني قُينقاع، ثمّ انصرف، حتّى أتى خِبَاء فاطمة، فقال:"أَثَمَّ لُكَعُ، أَثَمَّ لُكَعُ" -يعني حسنًا- فظننا أنه إنّما تحبسه أمه لأن تُغَسِّلَه، وتُلْبِسه سِخَابًا، فلم يَلْبَث أن جاء يَسْعَى، حتّى اعتَنَقَ كلُّ واحد منهما صاحبه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اللَّهُمَّ إنِّي أُحبه فأَحِبَّه، وأَحْبِبْ من يُحِبه".

("اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَه، وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُ"، قَالَ) أي أبو هريرة (وَضَمَّهُ) أي ضمّ النبيّ صلى الله عليه وسلم الحسن (إِلَى صَدْرِهِ) هذا معنى الالتزام الّذي مرّ آنفًا في رواية البخاريّ، وبمعنى رواية مسلم:"حتّى اعتنق كلّ واحد منهما صاحبه"، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسائل تتعلّق بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): في درجته:

حديث أبي هريرة رضي الله عنه هذا متّفقٌ عليه.

(المسألة الثّانية): في تخريجه:

أخرجه (المصنّف) هنا (22/ 142) وأخرجه (البخاريّ) في "البيوع"(2122) و"اللباس"(5884) وفي "الأدب المفرد"(1152) و (مسلم) في "فضائل الصّحابة"(2421) و (الحميديّ) في "مسنده"(1043) و (أحمد) في "مسنده"(7091)

(1)"اللكع": الصغير في لغة تميم.

(2)

"السخاب": خيط فيه خرزٌ يُنظم، ويُجعل في عنق الصبيّ.

ص: 331

و (8030) و (10471) وفي "فضائل الصّحابة"(1349) و (النَّسائيّ) في "الفضائل" من "الكبرى"(8108) و (ابن حبّان) في "صحيحه"(6963) و (البغويّ) في "شرح السنّة"(3933)، والله تعالى أعلم.

(المسألة الثّالثة): في فوائده (1):

1 -

(ومنها): ما ترجم له المصنّف رحمه الله، وهو بيان فضل الحسن رضي الله عنه.

2 -

(منها): بيان فضل محبّة الحسن رضي الله عنه.

3 -

(ومنها): بيان ما كان عليه النبيّ صلى الله عليه وسلم من التواضع والشفقة بالصغار.

4 -

(ومنها): جواز معانقة الصغار، قال القرطبيّ رحمه الله: ولا خلاف -فيما أحسب- في جوازه، كما فعل النبيّ صلى الله عليه وسلم، وإنّما اختُلف في عِنَاق الكبير في حالة السّلام، وكرهه مالك، وأجازه سفيان بن عُيينة وغيره، واحتجّ سفيان على مالك في ذلك بعِنَاق النبيّ صلى الله عليه وسلم جعفرًا لمّا قَدِم عليه، فقال مالك: ذلك مخصوصٌ بجعفر، فقال سفيان: ما يخُصّ جعفرًا يعُمّنا، فسكت مالك، ويدلُّ سكوت مالك على أنه ظهر له ما قاله سفيان من جواز ذلك، قال القاضي عياض: وهو الحقّ حتّى يدلُّ دليل على تخصيص جعفر بذلك. انتهى، وهو تحقيق حسنٌ جدًّا. والله تعالى أعلم.

5 -

(ومنها): جواز حمل الصبيان، وترك التعمّق في التحفّظ ممّا يكون منهم من المخاط، والبول، وغير ذلك، فلا يُجتنب إِلَّا ما ظهرت عينه، أو تحقّق، أو تفاحش، وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعملون على مقتضى الحنيفيّة السمحة، فيمشون حُفاةً في الطين، ويجلسون على الأرض، وتكون عليهم الثِّياب الوسِخَة الّتي ليست بنجسة، ويلعقون أصابعهم، والقصعَةَ، ولا يَعِيبون شيئًا من ذلك، وكلّ ذلك فيه ردّ على غلاة العباد الموسوسين الذين يحافظون على نظافة ظاهرهم، وبواطنهم وسِخَة بمخالفة

(1) المراد الفوائد الّتي اشتمل عليها الحديث بطوله، كما أوردته من رواية الشيخين، لا خصوص سياق المصنّف، فتنبّه.

ص: 332

السنة، والتلبّس بأنواع البدع والخرافات {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران: 8]، اللَّهُمَّ أرنا الحقّ حقّا، وارزقنا اتّباعه، وأرنا الباطل باطلًا، وارزقنا اجتنابه، آمين، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

وبالسند المُتّصل إلى الإمام ابن مَاجَه رحمه الله في أول الكتاب قال:

143 -

(حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا وَكيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي عَوْفٍ أَبِي الجحَّافِ، وَكانَ مَرْضِيًّا، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَحَبَّ الحسَنَ وَالْحُسَيْنَ، فَقَدْ أَحَبَّنِي، وَمَنْ أَبْغَضَهُمَا فَقَدْ أَبْغَضَنِي").

رجال هذا الإسناد: ستة:

1 -

(داود بن أبي عَوْف أبو الجحاف) -بفتح الجيم، وتشديد الحاء المهملة- واسم أبي عوف سُويد التميميّ الْبُرْجُميّ -بضم الموحّدة، والجيم- مولاهم، مشهور بكنيته، صدوقٌ شيعيّ ربّما أخطأ [6].

رَوَى عن إبراهيم بن عبد الرّحمن بن صُبَيح مولى أم سلمة، وجُمَيع بن عُمير، وأبي حازم سلمان الأشجعي، وعكرمة، وقيس الخارفي، وغيرهم.

وروى عنه السفيانان، وشريك، وإسرائيل، وعبد السّلام بن حرب، وجماعة.

قال عبد الله بن داود: كان سفيان يوثقه ويعظمه. وقال وكيع عن سفيان عن أبي الجحاف: وكان مرضيًّا. وقال ابن عيينة: كان من الشيعة. وقال أحمد وابن معين: ثقة.

وقال أبو حاتم صالح الحديث. وقال النَّسائيُّ: ليس به بأس. وقال ابن عديّ: له أحاديث، وهو من غالية التشيع، وعامة حديثه في أهل البيت، وهو عندي ليس بالقوي، ولا ممّن يُحتجّ به. وقال العقيليّ: كان من غُلاة الشيعة. وقال الأزدي: زائغ ضعيف. وذكره ابن حبّان في "الثِّقات"، وقال: يخطىء.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: يتبيّن ممّا سبق من الأقوال أن أبا الجحّاف صدوقٌ حسن الحديث، والله تعالى أعلم.

ص: 333

تفرّد به الترمذيّ، والنَّسائيّ، والمصنّف، وله عندهم هذا الحديث فقط.

2 -

(أبو حازم) سلمان الأشجعيّ الكوفيّ، ثقة [3].

رَوَى عن مولاته عَزَّة الأشجعية، وابن عمر، وأبي هريرة، والحسن، والحسين، وابن الزبير، وغيرهم.

وروى عنه الأعمش، ومنصور، وأبو مالك الأشجعي، وعدي بن ثابت، وفضيل بن غَزْوان وميسرة الأشجعي، ومحمد بن جُحَادة، ومحمد بن عجلان، وغيرهم.

قال أحمد، وابن معين، وأبو داود: ثقة. وقال بعض النَّاس: مات في خلافة عمر ابن عبد العزيز. وذكره ابن حبّان في "الثِّقات". وقال ابن سعد: كان ثقة، وله أحاديث صالحة. وقال العجلي: ثقة. وقال ابن عبد البرّ: أجمعوا على أنه ثقة.

أخرج له الجماعة، وله في هذا الكتاب (19) حديثًا.

3 -

(أبو هريرة) الصحابيّ الشهير رضي الله عنه 1/ 1، والله تعالى أعلم.

شرح الحديث:

(عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي عَوْفٍ أَبِي الجُحَّافِ) بالجرّ بدل من "داود"(وَكَانَ مَرْضِيًّا) هذا من كلام وكيع، كما هو ظاهر سياق "التهذيب" فيما سبق في ترجمته آنفًا (عَنْ أَبِي حَازِمٍ) سلمان الأشجعيّ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) رضي الله عنه، أنه (قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَحَبَّ الحسَنَ وَالحُسَيْنَ، فَقَدْ أَحَبَّنِي، وَمَنْ أَبْغَضَهُمَا فَقَدْ أَبْغَضَنِي") فيه بيانَ أن حبهما فرض لا يتمّ الإيمان إِلَّا به كما أن محبته كذلك، وبالعكس بغضهما، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسألتان تتعلّقان بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): في درجته:

حديث أبي هريرة رضي الله عنه هذا حسن؛ من أجل الاختلاف في أبي الجحّاف، فهو وإن تكلموا فيه، إِلَّا أنه لا ينزل حديثه عن درجة الحسن، كما يتبيّن ذلك من أقوال العلماء

ص: 334

فيه، كما أسلفناه في ترجمته.

فقول البوصيريّ: هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات محلّ نظر؛ لما عرفت من الكلام فيه، قال: وأخرجه النَّسائيّ في "المناقب" عن عمرو بن منصور، عن أبي نُعيم، عن سفيان به. انتهى.

(المسألة الثّانية): في تخريجه:

أخرجه (المصنّف) هنا (22/ 143) فقط، وأخرجه (أحمد) في "مسنده"(7876) و (النَّسائيّ) في "الفضائل"(8112)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

وبالسند المُتّصل إلي الإمام ابن مَاجَه رحمه الله في أول الكتاب قال:

144 -

(حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ كَاسِبٍ، حَدَّثَنَا يَحْيىَ بْنُ سُلَيْمٍ، عَنْ عَبْدِ الله ابْنِ عُثْمانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ، أَنَّ يَعْلَى بْنَ مُرَّةَ حَدَّثَهُمْ، أَنَّهُمْ خَرَجُوا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى طَعَامٍ دُعُوا لَهُ، فَإِذَا حُسَيْنٌ يَلْعَبُ في السِّكَّةِ، قَالَ: فَتَقَدَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَمَامَ الْقَوْمِ، وَبَسَطَ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ الْغُلَامُ يَفِرُّ هَا هُنَا وَهَا هُنَا، وَيُضَاحِكُهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَخَذَهُ، فَجَعَلَ إِحْدَى يَدَيْهِ تَحْتَ ذَقَنِهِ، وَالْأُخْرَى في فَأْسِ رَأْسِهِ فَقَبَّلَهُ، وَقَالَ: "حُسَيْنٌ مِنِّي، وَأَنَا مِنْ حُسَيْنٍ، أَحَبَّ الله مَنْ أَحَبَّ حُسَيْنًا، حُسَيْنٌ سِبْطٌ مِنَ الْأَسْبَاطِ").

رجال هذا الإسناد: خمسة:

1 -

(يَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ كَاسِبٍ) المدنيّ، نزيل مكّة، صدوقٌ ربّما وَهِمَ [10]، 1/ 9.

2 -

(يَحْيىَ بْنُ سُلَيْمٍ) الطائفيّ، نزيل مكّة، ابن محمّد، ويقال: أبو زكريا الحَذّاء الخَزّاز، صدوقٌ، سيّء الحفظ [9].

رَوَى عن عبيد الله بن عمر العمري، وموسى بن عقبة، وداود بن أبي هند، وابن جريج، وإسماعيل بن أمية، وعبد الله بن عثمان بن خُثَيم، وغيرهم.

وروى عنه وكيع، وهو من أقرانه، والشّافعيّ، وابن المبارك، ومات قبله، وأبو

ص: 335

بكر بن أبي شيبة، وبشر بن عُبيس، وإسحاق بن راهويه، وغيرهم.

قال الميموني عن أحمد بن حنبل: سمعت منه حديثًا واحدًا. وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه: يحيى بن سليم كذا وكذا، والله إن حديثه -يعني فيه شيء- وكأنه لم يحمده، وقال في موضع آخر: كان قد أتقن حديث ابن خُثَيم، فقلنا له: أعطنا كتابك، فقال: أعطوني رَهْنًا. وقال الدُّوري عن ابن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: شيخ صالح محله الصدق، ولم يكن بالحافظ، يُكتب حديثه ولا يحتج به. وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث. وقال النَّسائيُّ: ليس به بأس، وهو منكر الحديث عن عبيد الله بن عمر. وقال الدُّولابي: ليس بالقوي.

وقال الشّافعيّ: فاضل كُنّا نَعُدّه من الأبدال. وقال العجلي: ثقة. وقال يعقوب بن سفيان: سُنيّ رجل صالح، وكتابه لا بأس به، وإذا حدث من كتابه فحديثه حسن، وإذا حدث حفظًا فيُعرِف ويُنكِر. وقال النَّسائيُّ في "الكنى": ليس بالقوي. وقال العقيليّ: قال أحمد بن حنبل: أتيته فكتبت عنه شيئًا، فرأيته يَخلِط في الأحاديث فتركته، وفيه شيء. قال أبو جعفر: ولَيَّنَ أمره.

وقال الساجي: صدوق يَهِمُ في الحديث، وأخطأ في أحاديث رواها عن عبيد الله بن عمر لم يحمده أحمد. وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالحافظ عندهم. وقال الدارقطني: سيء الحفظ. وقال البخاريّ في "تاريخه" في ترجمة عبد الرّحمن بن نافع: ما حَدّث الحميدي عن يحيى بن سُليم فهو صحيح. وذكره ابن حبّان في "الثِّقات"، وقال: يخطئ، مات سنة ثلاث أو أربع وتسعين ومائة. وقال البخاريّ عن أحمد بن محمّد بن القاسم ابن أبي بَزّة: مات سنة خمس وتسعين، وهو مكي كان يختلف إلى الطائف، فنسب إليه.

أخرج له الجماعة، وله في هذا الكتاب (16) حديثًا.

3 -

(عبد الله بن عثمان بن خُثَيْم) -بالخاء المعجمة، والثاء المثلّثة، مصغّرًا- القارىء المكيّ، أبو عثمان، حَلِيف بني زُهرة، صدوقٌ [5].

رَوَى عن أبي الطفيل، وصفية بنت شيبة، وقَيلة أم بني أنمار، ولها صحبة،

ص: 336

وعطاء، وسعيد بن جُبير، وأبي الزبير، وغيرهم.

ورَوى عنه السفيانان، وابن جريج، ومعمر، وحماد بن سلمة، وحفص بن غياث، وفُضيل بن سليمان، ووهيب، ويحيى بن سليم، وغيرهم.

قال ابن أبي مريم عن ابن معين: ثقة حجة. وقال العجلي: ثقة. وقال أبو حاتم: ما به بأس، صالح الحديث. وقال النَّسائيُّ: ثقة، وقال مرّة: ليس بالقوي. وقال عبد الله ابن الدَّوْرقي عن ابن معين: أحاديثه ليست بالقوية، نقله ابنُ عدي، وقال: وهو عزيز الحديث، وأحاديثه أحاديث حسان. وقال ابن سعد: تُوُفّي في آخر خلافة أبي العباس، أو أول خلافة أبي جعفر، وكان ثقة، وله أحاديث حسنة. وذكره ابن حبّان في "الثِّقات"، قال: وكان يخطىء. قال عمرو بن علي: مات سنة اثنتين وثلاثين ومائة.

أخرج له البخاريّ في التعاليق، ومسلم، والأربعة، وله في هذا الكتاب (19) حديثًا.

4 -

(سعيد بن أبي راشد) ويقال: ابن راشد، مقبول [3].

رَوَى عن يعلى بن مُرّة الثقفي، وعن التَّنُوخيُّ النصراني رسولِ قيصر، ويقال: رسول هِرَقْل، وعنه عبد الله بن عثمان بن خُثَيم، ذكره ابن حبّان في "الثِّقات".

تفرّد به التّرمذيّ، وله عنده هذا الحديث فقط، والمصنّف، وله عنده حديثان فقط، هذا (144) و (3666) حديث:"الولد مَبْخَلَةٌ مَجْبَنَة".

5 -

(يعلى بن مُرّة) بن وهب بن جابر بن عَتّاب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف الثقفيّ، أبو مُرَازِم -بضم أوله (1)، وتخفيف الراء، وكسر الزاي- وأمه سِيَابة -بكسر المهملة، وتخفيف التحتلانيّة، ثمّ موحّدة-.

قال يحيى بن معي: شَهِد خيبر، وبيعة الشجرة، والفتح، وهوازن، والطائف. قال

(1) هكذا ضبطه في "التقريب"، وضبطه في "الإصابة" بفتح الميم والراء، وكسر الزاي المنقوطة بعد الألف.

ص: 337

أبو عمر: كان من أفاضل الصّحابة، رَوَى عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أحاديث، وعن علي، ورَوَى عنه ابناه: عبد الله وعثمان، وروى عنه أيضًا راشد بن سعد جَدّ سعيد بن راشد، وعبد الله ابن حفص بن نَهِيك وآخرون. قال ابن سعد: أمره النبي صلى الله عليه وسلم بأن يَقْطَعَ أعناب ثقيف فقطعها.

أخرج له البخاريّ في "الأدب المفرد"، وأبو داود في "القدر"، والترمذيّ، والنَّسائيّ، والمصنّف، وله في هذا الكتاب أربعة أحاديث فقط برقم (144) و (333) و (339) و (3666). والله تعالى أعلم.

شرح الحديث:

(عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ، أَنَّ يَعْلَى بْنَ مُرَّةَ) رضي الله عنه حَدَّثَهُمْ) أي حدّث سعيدًا ومن معه (أَنَّهُمْ) أي أن يعلى ومن معه من الصّحابة (خَرَجُوا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى طَعَامٍ دُعُوا لَهُ) ببناء الفعل للمفعول (فَإِذَا حُسَيْنٌ يَلْعَبُ) أي ابن عليّ سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم، فـ "إذا" هي الفُجائيّة، و"حسين" مبتدأ خبره جملة "يلعب"، وقوله:(في السِّكَّةِ) متعقق به، و"السّكّة" بكسر السين المهملة، وتشديد الكاف: تطلق على الزُّقاق لاصطفاف الدور فيها، وعلى الطريق المصطفّة من النخل (1)(قَالَ) يعلى (فَتَقَدَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَمَامَ الْقَوْمِ) بفتح الهمزة، أي قُدّامهم (وَبَسَطَ يَدَيْهِ) قال السنديّ: كأنه يريد أن يأخذه بينهما (فَجَعَلَ الْغُلَامُ يَفِرُّ) بكسر الفاء من باب ضرب، أي شرع حسين صلى الله عليه وسلم يهرب كعادة الصغار إذا أراد أحدٌ أن يأخذهم (هَا هُنَا وَهَا هُنَا) أي من ناحية اليمين والشمال، ونحوهما (وَيُضَاحِكُهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم) أي مُداعبة له (حَتَى أَخَذَهُ، فَجَعَلَ إِحْدَى يَدَيْهِ تَحْتَ ذَقَنِهِ) بفتحتين هو من الإنسان مجُتمع لَحْييه، وجمع القلّة أَذْقان، مثلُ سَبَب وأسباب، وجمعُ الكثرة ذُقُون، مثلُ أَسَد وأُسُود (2). (وَالْأُخْرَى في فَأْسِ رَأْسِهِ) بالهمزة، هو طرف مؤخّره المشرف على القفا،

(1) راجع "المجمع" 13/ 92 و"المصباح المنير" 1/ 282.

(2)

"المصباح المنير" 1/ 208.

ص: 338

وجمعه أفؤس، وفؤوس (1). (فَقَبَّلَهُ، وَقَالَ) صلى الله عليه وسلم (حُسَيْنٌ مِنِّي، وَأَنَا مِنْ حُسَيْنٍ) قال الطيبيّ: كأنه صلى الله عليه وسلم علم بنور الوحي ما سيحدث بينه وبين القوم، فخصه بالذكر وبين أنهما كالشيء الواحد في وجوب المحبّة، وحرمة التعرّض والمحاربة، وأكّد ذلك بقوله:(أَحَبَّ اللهُ مَنْ أَحَبَّ حُسَيْنًا) فإن محبته رضي الله عنه محبة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومحبة الرسول محبة الله عز وجل. انتهى (2)(حُسَيْنٌ سِبْطٌ مِنَ الْأَسْبَاطِ)"السِّبْط" بكسر، فسكون، جمعه أَسباط، مثلُ حِمْلٍ وأحمال، ولد الولد، والمعنى هنا: أنه أمّة من الأمم (3).

وقال السنديّ: "السبط": ولد الولد، خرج تأكيدا للاتّحاد والبعضيّة، وتقريرًا لها، ويحتمل أن يكون فائدة الإخبار بيان أنه حقيق بذلك، وأهلٌ له، وليس من الأولاد الذين يُنفى نسبهم عن الآباء، كما قال تعالى:{إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} الآية [هود:46]، وقيل: يُطلق السبط على القبيلة، وهو المراد هاهنا، والمقصود الإخبار ببقائه، وكثرة أولاده، وقيل: المراد أنه أمّة من الأمم في الخير، على حدّ قوله تعالى:{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} الآية [النحل: 120]. انتهى (4). والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسألتان تتعلّقان بهذا الحديث:

حديث يعلى بن مرّة رضي الله عنه هذا حسنٌ (5).

[فإن قلت]: كيف يُحَسّن وفي إسناده سعيد بن بن أبي راشد، وهو مجهول، كما سبق في ترجمته؟.

(1)"مجمع البحار" 4/ 86 - 87.

(2)

"الكاشف" 12/ 3914.

(3)

راجع "القاموس المحيط" ص 602.

(4)

"شرح السنديّ" 1/ 97.

(5)

حسن الحديث الشّيخ الألباني رحمه اللَة في "صحيح ابن ماجه" رقم (118) وفي "الصحيحة" رقم (1227).

ص: 339

[قلت]: لم ينفرد به سعيد بن أبي راشد، بل تابعه راشد بن سعد، فقد أخرجه البخاريّ في "الأدب المفرد" (364) قال: حَدَّثَنَا عبد الله بن صالح، حَدَّثَنَا معاوية بن صالح، عن راشد بن سعد، عن يعلى بن مرّة به، وهكذا رواه في "التاريخ" أيضًا، وساق عقبه رواية ابن خثيم عن سعيد بن أبي راشد المتقدّمة، وقال: والأول أصحّ". انتهى.

فهذا الإسناد جيّد، ورجاله ثقات، وفي عبد الله بن صالح، وهو كاتب الليث كلام لا يضرّ في المتابعة، والشواهد، وقد حسّن الحديث الترمذيّ، وصحّح الإسناد الحاكم، ولم يتعقّبه الذهبيّ، ولكن في تصحيحه نظر؛ لأن سعيد بن أبي راشد لم يرو عنه غير ابن خثيم، ولم يوثقه غير ابن حبّان، ولذا قال في "التقريب": مقبول، أي عند المتابعة.

وكذا قول البوصيري: هذا إسناد حسن، رجاله ثقات محلّ نظر؛ لما ذكرناه.

وخلاصة القول أن الحديث حسن؛ لمتابعة راشد بن سعد لسعيد بن أبي راشد، فقول الدكتور بشّار بعد إيراده رواية راشد هذه: ولولا أن هذا السند ضعيف من أجل ضعف عبد الله بن صالح لصار راشد بن سعد، وهو ثقة متابعًا لسعيد بن أبي راشد محلّ نظر أيضًا؛ لأن عبد الله بن صالح ليس مجمعا على ضعفه، كما يوهمه كلامه، بل وثّقه ابن معين، وقال أبو زرعة: حسن الحديث، وقوّاه غيرهما، والحقّ فيه ما قال الحافظ ابن القطان الفاسيّ: هو صدوقٌ، ولم يثبُت عليه ما يُسْقَطُ به حديثُهُ، إِلَّا أنه مختلف فيه، فحديثه حسن. انتهى (1).

والحاصل أن الحديث لا يَنْزِل عن درجة الحسن، فتبصّر بالإنصاف، ولا تكن أسير التقليد، والله تعالى أعلم.

[تنبيه]: قال البوصيريّ في "مصباح الزجاجة": بعد أن ذكر إخراج أحمد والترمذيّ له: ما نصّه: ورواه الحاكم في "المستدرك" من طريق المنهال بن عمرو، عن

(1) راجع ترجمته في "تهذيب التهذيب" 2/ 354 - 357.

ص: 340

يعلى بن مرّة، عن أبيه، قال شيخنا أبو الفضل العسقلانيّ -يعني الحافظ ابن حجر- في "الأطراف" -يعني النكت الظراف-: كذا فيه، وأظنه عن ابن يعلى ابن مرّة عن أبيه، ويكون من مسند يعلى، قال: ولست أعرف لمرّة صحبة، ولا أدرك المنهال يعلى، انتهى.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الكلام لا يوجد في "النكت الظراف" الّتي بأيدينا، فالله تعالى أعلم أين ذكره الحافظ؟.

(المسألة الثّانية): في تخريجه:

أخرجه (المصنِّف) هنا (22/ 144) فقط، وأخرجه (الترمذيّ) في "المناقب"(3775) و (ابن أبي شيبة) في "مصنّفه"(22/ 101 و 103) و (أحمد) في "مسنده"(3/ 177 و 4/ 172) و (ابن حبّان) في "صحيحه"(6971).

[تنبيه]: يوجد في النسخ المطبوعة بعد هذا الحديث: ما نصّه: (حَدَّثَنَا عِليُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا وَكيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ مِثْلَهُ) ولا يوجد في النسخة الهنديّة، ولم يذكره الحافظ المزيّ في "تحفة الأشراف"، ولا الحافظ البوصيريّ في "مصباح الزجاجة"، ولا علاقة له أيضًا بهذا الحديث، فلا ينبغي إثباته هنا، فتنبّه، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

وبالسند المُتَّصل إلى الإمام ابن مَاجَه رحمه الله في أول الكتاب قال:

145 -

(حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ عَليٍّ الخلَّالُ، وَعَليُّ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ نَصْرٍ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ صُبَيْح مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لَعَليٍّ وَفَاطِمَةَ وَالحَسَنِ وَالحُسَيْنِ: "أَنَا سِلْمٌ لمَنْ سَالَمْتُمْ، وَحَرْبٌ لمِنْ حَارَبْتُمْ").

رجال هذا الإسناد: سبعة:

1 -

(الحسن بن عليّ الخلال) الحُلْوانيّ، نزيل مكّة، ثقة حافظ [10] 1/ 138.

2 -

(عليّ بن المُنذر) الطَّرِيقيّ الكوفيّ، صدوقٌ يتشيّع [10] 2/ 21.

3 -

(أبو غسّان) مالك بن إسماعيل النَّهْديّ الكوفيّ، ثقة متقنٌ عابدٌ، صحيح

ص: 341

الكتاب، من صغار [9] 10/ 84.

4 -

(أسباط بن نصر) الْهَمْدانيّ، أبو يوسف، ويقال: أبو نصر الكوفيّ، صدوق، كثير الخطإ يُغْرب [8].

رَوَى عن سماك بن حرب، وإسماعيل السُّدِّيّ، ومنصور، وغيرهم.

ورَوَى عنه أحمد بن المفضل الحَفَري الكُوفيُّ، وعمرو بن حماد القَنّاد، وأبو غسان النَّهْدي، ويونس بن بكير، وعبد الله بن صالح العجلي، وغيرهم.

قال حرب: قلت لأحمد: كيف حديثه؟ قال: ما أدري، وكأنه ضعّفه. وقال أبو حاتم: سمعت أبا نُعيم يُضَعِّفه، وقال: أحاديثه عامّتُهُ سَقَطٌ، مقلوب الأسانيد. وقال النَّسائيُّ: ليس بالقوي. وقال البخاريّ في "تاريخه الأوسط": صدوق. وذكره ابن حبّان في "الثِّقات". وأنكر أبو زرعة على مسلم إخراجه في "صحيحه" لحديث أسباط هذا. وقال: الساجي في "الضعفاء": رَوَى أحاديث لا يُتابَعُ عليها عن سماك بن حرب. وقال ابن معين: ليس بشيء، وقال مرّة: ثقة. وقال موسى بن هارون: لم يكن به بأس.

روى له البخاريّ في التعاليق، ومسلم، والأربعة، وله في هذا الكتاب ثلاثة أحاديث فقط، هذه (145) و (1822) و (4127).

5 -

(السّدّيّ) -بضم السين، وتشديد الدال المهملتين- هو: إسماعيل بن عبد الرّحمن بن أبي كَرِيمة، أبو محمّد الكوفيّ الأعور، وهو السُّدّيّ الكبير، كان يقعد في سُدّة باب الجامع، فسُمِّى السُّدّيّ، صدوقٌ يَهِمُ، ورُمي بالتشيّع [4].

رَوَى عن أنس، وابن عبّاس، ورأى ابن عمر، والحسن بن علي، وأبا هريرة، وأبا سعيد، ورَوَى عن أبيه، ويحيى بن عباد، وأبي صالح مولى أم هاني، وغيرهم.

وروى عنه شعبة، والثوري، والحسن بن صالح، وزائدة، وأبو عوانة، وأبو بكر ابن عياش، وغيرهم.

قال سَلْمُ بن عبد الرّحمن: مَرّ إبراهيمُ النخعي بالسدي، وهو يفسر لهم القرآن، فقال: أَمَا إنّه يفسر تفسير القوم. وقال عبد الله بن حبيب بن أبي ثابت: سمعت الشّعبيّ،

ص: 342

وقيل له: إن السَّدِّيِّ قد أُعطِيَ حظّا من علم القرآن، فقال: قد أُعْطِي حظا من جَهْلٍ بالقرآن. وقال علي عن القطان: لا بأس به، ما سمعت أحدًا يذكره إِلَّا بخير، وما تركه أحد. وقال أبو طالب عن أحمد: ثقة. وقال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي قال: قال يحيى ابن معين يومًا عند عبد الرّحمن بن مهدي، وذَكَر إبراهيم بن مهاجر، والسُّدّيّ، فقال يحيى: ضعيفان، فغضب عبد الرّحمن، وكره ما قال. قال عبد الله: سألت يحيى عنهما، فقال: متقاربان في الضعف. وقال الدُّوري عن يحيى: في حديثه ضعف. وقال الجوزجاني: هو كذّاب شَتّام. وقال أبو زرعة: لين. وقال أبو حاتم: يُكتَب حديثه ولا يُحتَجّ به. وقال النَّسائيُّ في "الكنى": صالح.

وقال في موضع آخر: ليس به بأس. وقال ابن عدي: له أحاديث يرويها عن عدة شيوخ، وهو عندي مستقيم الحديث، صدوقٌ، لا بأس به. وقال حسين بن واقد: سمعت من السُّدّيّ، فما قمت حتّى سمعته يتناول أبا بكر وعمر، فلم أَعُد إليه. وقال العجلي: ثقة، عالم بالتفسير، راوِيَةٌ له. وقال العقيليّ: ضعيف، وكان يتناول الشيخين. وقال الساجي: صدوق فيه نظر. وقال الحاكم في "المدخل" في "باب الرواة الذين عِيب على مسلم إخراج حديثهم": تعديلُ عبد الرّحمن ابن مهدي أقوى عند مسلم ممّن جرحه بجرح غير مُفَسَّر. وذكره ابن حبّان في "الثِّقات". وقال الطّبريّ: لا يُحتَجّ بحديثه. وقال أبو جعفر بن الأخرم: لا يُنكَر له ابنُ عبّاس، قد رأى سَعْدَ بن أبي وقّاص.

وقال خليفة: مات سنة (127).

أخرج له مسلم، والأربعة، وله في هذا الكتاب ثلاثة أحاديث فقط برقم (145) و (1822) و (4127).

6 -

(صُبيح) -مصغّرًا -مولى أم سلمة زوج النّبيّ صلى الله عليه وسلم، ويقال: مولى زيد بن أرقم، مقبول [6].

روى عن زيد بن أرقم، وأم سلمة، ورَوَى عنه ابنُ ابنِهِ إبراهيم بن عبد الرّحمن بن صُبيح، وإسماعيل بن عبد الرّحمن السُّدّيّ، قال البخاريّ: لم يَذكُر سماعًا من زيد.

ص: 343

وذكره ابنُ حبّان في "الثِّقات".

أخرج له أبو داود، والترمذيّ، والمصنّف، وله في هذا الكتاب هذا الحديث فقط.

7 -

(زيد بن أرقم) بن زيد بن قيس الأنصاريّ الخزرجي الصحابيّ المشهور، أول مشاهده الخندق، وأنزل الله عز وجل تصديقه في "سورة المنافقون"، مات سنة ست، أو ثمان وستين، وتقدّمت ترجمته في 3/ 25. والله تعالى أعلم.

شرح الحديث:

(عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ) رضي الله عنه، أنه (قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لَعَليٍّ وَفَاطِمَةَ وَالحسَنِ وَالحُسَيْنِ) أي قال في حقّهم، أو لأجلهم (أَنَا سِلْمٌ) بكسر السين المهملة، وفتحها، وسكون اللام: أي صُلْح، بمعنى مسالمٌ، ومصالح، من إطلاق المصدر، وإرادة اسم الفاعل، ويأتي مثله في "حرب"(لمِنْ سَالمتُمْ) أي صالحتموه (وَحَرْبٌ) بفتح، فسكون، أي محارب (لمِنْ حَارَبْتُمْ) أي حاربتموه، جعل صلى الله عليه وسلم نفسه نفس الصلح والحرب مبالغةً، كما يقال: زيد عدل، أي عادل (1)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسألتان تتعلّقان بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): في درجته:

حديث زيد بن أرقم هذا ضعيف؛ لأن في سنده صُبيحًا مولى أم سلمة مجهول الحال، وأسباط بن نصر صدوقٌ كثير الخطإ يُغرب.

وقال الحافظ المزيّ رحمه الله في "تحفة الأشراف": رواه الحسين بن الحسن الْعُرَنيّ، عن عليّ بن هاشم بن الْبَرِيد، عن أبي الجَحّاف، عن مسلم بن صَبِيح، عن زيد بن أرقم. انتهى.

والحسين بن الحسن العرنيّ ضعيف من الشيعة الشتّامين، والأكثرون على

(1) راجع "الكاشف عن حقائق السنن" 12/ 3910.

ص: 344

تضعيفه، بل منهم من كذّبه، وعليّ بن هاشم بن البريد شيعيّ معروف، وكذلك أبوه.

وفي الباب عن أبي هريرة رضي الله عنه عند أحمد في "المسند" 2/ 442 و"الفضائل"(1350) و (الطبرانيّ)(2621) والحاكم في "المستدرك" 3/ 149 من رواية تَلِيد بن سليمان، عن أبي الجحّاف، عن أبي حازم، عنه، وتَلِيد رافضيّ ضعيف، وكانوا يسمّونه بَلِيدًا بالموحّدة، قال ابن معين: كذاب يشتم عثمان، وكل من شتم عثمان، أو طلحة، أو أحدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم دجّال لا يُكتب عنه، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، وقال أبو داود: رافضيّ رجل سوء، يشتم أبا بكر وعمر، وكذلك قال يعقوب ابن سفيان، وكذبه أحمد.

ومع هذا كله فقد قال الحاكم عن هذا الحديث: حديث حسن، وقال الهيثميّ في "مجمع الزوائد" 9/ 169: فيه تليد بن سليمان، وفيه خلاف، وبقية رجاله رجال الصّحيح، وهذا من العجائب.

والحاصل أن الحديث واه بمرّة، والله تعالى أعلم.

(المسألة الثّانية): في تخريجه:

أخرجه (المصنّف) هنا (22/ 145) وأخرجه (الترمذيّ) في "المناقب"(3870) و (ابن أبي شيبة) في "مصنفه" 12/ 97 و (الطبرانيّ)(2619) و (2620) و (5030) و (5031) و (ابن حبّان) في "صحيحه"(5031) و (الحاكم) في "مستدركه" 3/ 149، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

{إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: 88].

ص: 345