المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌20 - (فضل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه - مشارق الأنوار الوهاجة ومطالع الأسرار البهاجة في شرح سنن الإمام ابن ماجه - جـ ٣

[محمد بن علي بن آدم الأثيوبي]

فهرس الكتاب

- ‌11 - (باب فضائل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌12 - (فَضْلُ عُمَرَ رضي الله عنه

- ‌13 - (فضل عثمان رضي الله عنه

- ‌14 - (فَضْلُ عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ رضي الله عنه

- ‌15 - (فَضْلُ الزُّبَيْر رضي الله عنه

- ‌16 - (فَضْلُ طَلْحَةَ بن عُبَيْدِ اللهِ رضي الله عنه

- ‌17 - (فَضْلُ سَعْدٍ بن أبي وَقَّاص رضي الله عنه

- ‌18 - (فَضَائِلُ الْعَشرَةَ رضي الله عنهم

- ‌19 - (فَضْلُ أَبي عُبَيْدَةَ بْنِ الجَرَّاحِ رضي الله عنه

- ‌20 - (فَضْلُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُوْدٍ رضي الله عنه

- ‌21 - (فَضْلُ الْعَبَّاس بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رضي الله عنه

- ‌22 - (فَضْلُ الْحَسَنِ وَالْحُسيْنِ ابْنَي عَلِيٍّ بْنِ أَبي طَالِبٍ رضي الله عنهم

- ‌23 - (فضْلُ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرِ رضي الله عنه

- ‌24 - (فَضْلُ سَلْمَان، وأبي ذَرٍّ وَالْمِقْدَادِ) رضي الله عنهم

- ‌25 - (فَضَائلُ بِلَالٍ) رضي الله عنه

- ‌26 - (فَضَائلُ خَبَّابٍ) رضي الله عنه

- ‌27 - (فَضَائِل زَيِدٍ بْنِ ثَابِتٍ) رضي الله عنه

- ‌28 - (فَضْلُ أَبِي ذَرٍّ) رضي الله عنه

- ‌29 - (فَضْلُ سَعْدٍ بْنِ مُعَاذٍ) رضي الله عنه

- ‌30 - (فَضْلُ جَرِيرٍ بْنِ عَبْدِ الله الْبَجَلِيِّ) رضي الله عنه

- ‌31 - (فَضْلُ أَهْلِ بَدْرٍ) رضي الله عنه

- ‌31 (*) - (فَضَائِلُ الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم

- ‌32 - (فَضْلُ الأَنْصَارِ رضي الله عنهم

- ‌33 - (فَضْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما

- ‌34 - (بَابٌ في الْخَوَارِجِ)

الفصل: ‌20 - (فضل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه

‌20 - (فَضْلُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُوْدٍ رضي الله عنه

-)

هو: عبد الله بن مسعود بن غافل -بمعجمة، وفاء- ابن حبيب بن شَمْخ بن فار ابن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحارث بن تيم بن سعد بن هُذَيل الهذلي، أبو عبد الرّحمن، حليف بني زهرة، وكان أبوه حالف عبدَ الحارث بن زُهْرة.

وأمه أم عبد الله بنت وَدّ بن سَوَاءة، أسلمت، وصَحِبت، أحد السابقين الأولين، أسلم قديمًا، وهاجر الهجرتين، وشهد بدرًا، والمشاهد بعدها، ولازم النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وكان صاحب نعليه، وحدث عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم بالكثير، وعن عمر، وسعد بن معاذ، وروى عنه ابناه عبد الرّحمن، وأبو عبيدة، وابن أخيه عبد الله بن عتبة، وامرأته زينب الثقفية، وخلق كثير من الصّحابة والتابعين، ومات سنة (32)، وتقدّم تمام ترجمته برقم 2/ 19، والله تعالى أعلم.

وبالسند المُتَّصل إلى الإمام ابن مَاجَه رحمه الله في أول الكتاب قال:

137 -

(حَدَّثَنَا عَليُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَقَ، عَنِ الحارِثِ، عَنْ عِليٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَوْ كُنْتُ مُسْتَخْلِفًا أَحَدًا عَنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ لَاسْتَخْلَفْتُ ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ").

رجال هذا الإسناد: ستة، وكلهم تقدّموا في الباب الماضي، غير:

1 -

(الحارث) بن عبد الله الأعور الكوفيّ، كذّبه الشعبيّ في رأيه، ورُمي بالرفض، وفي حديثه ضعفٌ [2] 11/ 95.

2 -

(عليّ) بن أبي طالب رضي الله عنه تقدّم في 2/ 20، والله تعالى أعلم.

شرح الحديث:

(عَنْ عَلِيٍّ) رضي الله عنه، أنه (قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَوْ كُنْتُ مُسْتَخْلِفًا أَحَدًا) أي جاعلًا خليفةً على النَّاس (عَنْ) وفي نسخة بلفظ "من" (غَيْرِ مَشُورَةٍ) أي من دون استشارة أحد، و"الْمَشُورة" فيها لغتان، سكون الشين، وفتح الواو، والثّانية: ضمّ الشين، وسكون الواو، وزانُ مَعُونة، تقول: شاورته في كذا، واستشرتُهُ: إذا راجعته

ص: 302

لترى رأيه فيه، فأشار عليّ بكذا: أراني ما عنده فيه من المصلحة، فكانت إشارةً حسنةً، والاسم الْمَشُورة، ويقال: إن الْمشُورة من شار الدابّةَ: إذا عَرَضَها في "الْمِشْوَار" وهو محلّ إجرائها لعرضها للبيع، ويقال: من شُرْتُ العسلَ من باب قال: إذا جَنَيته، شبّهَ حُسْنَ النصيحة بشرب العسل. أفاده الفيّوميّ (1).

(لَاسْتَخْلَفْتُ ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ) أي عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، فأمّ عبد هي أمّه، اشتهر بالنسبة إليها، وقد سبق أنها أسلمت، وصحِبت.

قال التُورِبِشتيّ رحمه الله: لا بدّ أن يأوّل هذا الحديث على أنه صلى الله عليه وسلم أراد به تأميره على جيش بعينه، أو استخلافه في أمر من أموره في حال حياته، ولا يجوز أن يُحمل على غير ذلك، فإنّه وإن كان من العلم والعمل بمكان، وله الفضائل الجَمَّة، والسوابق الجليلة، فإنّه لم يكن من قُريش، وقد نصّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن هذا الأمر في قريش، فلا يصلح حمله إِلَّا على الوجه الّذي ذكرناه. انتهى (2).

وقال السنديّ رحمه الله: يحتمل أن يكون هذا الحديث قبل التنصيص على أن هذا الأمر في قريش، على أن سوق الحديث لإفادة أن ما يُحتاج إلى المشورة ممّا يتوقّف عليه أمر الاستخلاف من الكمالات كلّها موجودة في ابن مسعود وجودًا بيّنًا بحيث لا حاجة في استخلافه إلى مشورة لمعرفة تلك الكمالات، وهذا لا ينافي عدم صحّة استخلافه؛ لعدم كونه من قريش، فليُتأمل. انتهى كلام السنديّ (3).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الّذي قاله السنديّ رحمه الله تعالى تحقيقٌ نفيس جدًّا، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

(1) راجع "المصباح المنير" 1/ 327.

(2)

"الكاشف عن حقائق السنن" 10/ 3943.

(3)

"شرح السنديّ" 1/ 93.

ص: 303

مسألتان تتعلّقان بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): في درجته:

حديث عليّ رضي الله عنه هذا ضعيف؛ لأجل الكلام في الحارث.

[فإن قلت]: لم ينفرد به الحارث، فقد تابعه عاصم بن ضمرة، عن عليّ رضي الله عنه، أخرج النَّسائيّ في "الفضائل" من "الكبرى"، من طريق منصور، بن المعتمر، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن عليّ رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو كنتُ مُستخلفًا أحدًا على أُمَّتي من غير مشُورة لاستخلفتُ عليهم عبد الله بن مسعود"، وهذا إسناد رجاله ثقات، وعاصم بن ضمرة السِّلُوليّ الكوفيّ، وإن تكلّم فيه ابن حبّان، وابن عديّ، فقد وثّقه ابن المدينيّ، والعجليّ، ويحيى بن معين، وغيرهم.

[قلت]: رواية عاصم أعلها بعضهم بأن زهير بن معاوية خالف القاسم بن معن، عن منصور، فقال: عن أبي إسحاق، عن الحارث، وزهير أوثق من القاسم، وأيضًا روايته موافقة لرواية الثّوريّ، عن أبي إسحاق، عن الحارث، فالحديث له، لا دخل لعاصم فيه، وقد أشار إلى هذا الترمذيّ، حيث قال:"حديث غريب، إنّما نعرفه من حديث الحارث، عن عليّ". انتهى، وكذا قال البغويّ (1).

والحاصل أن الحديث ضعيف، والله تعالى أعلم.

(المسألةُ الثّانية): في تخريجه:

أخرجه (المصنّف) هنا (20/ 137) وأخرجه (الترمذيّ) في "المناقب"(3808) و (3809) و (النَّسائيّ) في "الفضائل"(8210) من طريق عاصم، عن عليّ رضي الله عنه و (أحمد) في "مسنده"(566)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.

(1) راجع "السلسلة الضعيفة" للشيخ الألبانيّ رحمه الله، 5/ 350 - 351 رقم الحديث (2327).

ص: 304

وبالسند المُتَّصل إلى الإمام ابن مَاجَه رحمه الله في أول الكتاب قال:

138 -

(حَدَّثَنَا الحسَنُ بْنُ عَليٍّ الخلَّالُ، حَدَّثَنَا يَحْيىَ بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَن زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ بَشَّرَاهُ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ غَضًّا كَما أُنزِلَ، فَلْيَقْرَأْهُ عَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ").

رجال هذا الإسناد: ثمانية:

1 -

(الحسن بن عليّ الْخَلال) هو: الحسن بن علي بن محمّد الْهُذَلي الخلال، أبو علي، وقيل: أبو محمّد الْحُلْوَانيّ -بضمّ المهملة، وسكون اللام- نزيل مكّة، ثقة حافظ، له تصانيف [11].

رَوَى عن عبد الله بن نمير، وأبي أُسامة، ويحيى بن آدم، وزيد بن الحباب، وعبد الصمد بن عبد الوارث، وبشر بن عمر الزهراني، ويعقوب بن إبراهيم، وغيرهم.

ورَوَى عنه الجماعة، سوى النَّسائيُّ، وإبراهيمُ الحربيّ، وجعفر الطيالسي، وابن أبي عاصم، ومحمد بن إسحاق السرّاج، ومُطَيَّن، وغيرهم.

قال يعقوب بن شيبة: كان ثقة ثبتًا. وقال أبو داود: كان عالمًا بالرجال، وكان لا يستعمل علمه. وقال أيضًا: كان لا ينتقد الرجال. وقال النَّسائيُّ: ثقة. وقال داود بن الحسين البيهقي: بلغني أن الحلواني قال: لا أُكَفّر مَنْ وقف في القرآن، قال داود: فسألت سلمة بن شبيب عن الحلواني، فقال: يُرْمَى في الحش، من لم يَشْهَد بكفر الكافر فهو كافر. وقال الإمام أحمد: ما أعرفه بطلب الحديث، ولا رأيته يطلبه، ولم يحمده، ثمّ قال: يبلغني عنه أشياء أكرهها. وقال مرّة: أهل الثغر عنه غير راضين، أو ما هذا معناه. وقال الخطيب أبو بكر: كان ثقةً حافظًا، وساق بإسناده إليه أنه قال القرآن كلام الله غير مخلوق، ما نعرف غير هذا. قال اللالكائي: مات سنة (242)، وزاد غيره: في ذي الحجة، وهذا قول البخاريّ في "تاريخه"، وقال التّرمذيّ: حَدَّثَنَا الحسن بن علي، وكان حافظًا. وقال ابن عدي: له كتاب صنفه في السنن. وقال الخليلي: كان يُشَبَّهُ بأحمد في سَمْتِه وديانته. وذكره ابن حبّان في "الثِّقات".

ص: 305

أخرج له البخاريّ، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والمصنّف، وله في هذا الكتاب (24) حديثًا.

2 -

(يحيى بن آدم) المذكور في الباب الماضي.

3 -

(أبو بكر بن عيّاش) -بتحتانيّة، ومعجمة- ابن سالم الأسديّ الكوفيّ المقرىء الحنّاط -بمهملة، ونون- مولى واصل الأحدب، مشهور بكنيته، والأصحّ أما اسمه، وقيل: اسمه محمّد، أو عبد الله، أو سالم، أو شعبة، أو رؤبة، أو مسلم، أو خِدَاش، أو مُطَرّف، أو حمّاد، أو حبيب، عشرة. أقوال، ثقة، عابدٌ، إِلَّا أنه لمّا كبِر ساء حفظه، وكتابه صحيح [7].

رَوَى عن أبيه، وأبي إسحاق السبيعي، وأبي حَصِين عثمان بن عاصم، وعبد العزيز بن رُفيع، وعبد الملك بن عُمير، ويزيد بن أبي زياد، وغيرهم.

وروى عنه الثّوريّ، وابن المبارك، وأبو داود الطيالسي، وأسود بن عامر شاذان، ويحيى بن يحيى بن آدم، وابن مهدي، وأبو نعيم، وابن المديني، وأحمد بن حنبل، وابن معين، وابنا أبي شيبة، وإسماعيل بن أبان الورَّاق، وخلق كثير.

قال الحسن بن عيسى: ذكر ابن المبارك أبا بكر بن عياش، فأثنى عليه. وقال صالح بن أحمد عن أبيه: صدوق، صاحب قرآن وخير. وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه: ثقة وربما غَلِط. وقال عثمان الدارمي: قلت لابن معين: فأبو الأحوص أحب إليك في أبي إسحاق أو أبو بكر بن عياش؟ قال: ما أقربهما، قلت: الحسن بن عياش أخو أبي بكر كيف حديثه؟ قال: هو ثقة، قال عثمان: هما من أهل الصدق والأمانة، وليسا بذاك في الحديث. قال: وسمعت محمّد بن عبد الله بن نمير يُضَعِّف أبا بكر في الحديث، قلت: كيف حاله في الأعمش؟ قال: هو ضعيف في الأعمش وغيره. وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن أبي بكر بن عياش وأبي الأحوص، فقال: ما أقربهما، لا أبالي بأيهما بدأت، قال: وسئل إبي عن شريك، وأبي بكر بن عياش أيهما أحفظ؟ فقال: هما في الحفظ سواء، غير أن أبا بكر أصح كتابًا، قلت لأبي: أبو بكر أو عبد الله بن بشر الرَّقّيّ؟ قال: أبو بكر

ص: 306

أحفظ منه وأوثق. وذكره ابن حبّان في "الثِّقات".

وقال ابن عدي: أبو بكر هذا كوفي مشهور، وهو يروي عن أجلة النَّاس، وحديثه فيه كثرة، وهو من مشهوري مشايخ الكوفة وقرائهم، وعن عاصم بن بَهْدلة أحذ القراءةَ، وهو في كلّ رواياته عن كلّ مَنْ رَوَى عنه لا بأس به، وذلك أنِّي لم أجد له حديثًا منكرًا إذا روى عنه ثقة، إِلَّا أن يروي عن ضعيف. وقال أحمد بن شَبّويه عن الفضل بن موسى: قلت لأبي بكر بن عياش: ما اسمك؟ قال: وُلدت وقد قُسِمت الأسماء. وقال أبو حاتم الرَّازيُّ: سألت إبراهيم بن أبي بكر بن عياش عن أبيه، فقال: اسمه وكنيته واحد. قال إبراهيم بن شَمّاس: سمعت إبراهيم بن أبي بكر بن عياش قال: لما نُزِل بأبي الموت قلت: يا أبت ما اسمك؟ قال: يا بني إن أباك لم يكن له اسم، وإن أباك أكبر من سفيان بأربع سنين، وإنه لم يأت فاحشة قط، وإنه يختم القرآن من ثلاثين سنة كلّ يوم مرّة.

وقال ابن حبّان: اختلفوا في اسمه، والصّحيح أن اسمه كنيته، وكان من العباد الحفاظ المتقنين، وكان يحيى القطان وعلي بن المديني يسيئان الرأي فيه، وذلك أنه لما كَبِر ساء حفظه، فكان يَهِم إذا روى، والخطأ والوهم شيئان لا ينفك عنهما البشر، فمن كان لا يَكثُر ذلك منه فلا يستحق ترك حديثه بعد تقدّم عدالته، وكان شريك يقول: رأيت أبا بكر عند أبي إسحاق يأمر وينهى كأنه رب البيت، مات هو وهارون الرشيد في شهر واحد سنة ثلاث وتسعين ومائة، وكان قد صام سبعين سنة وقامها، وكان لا يُعلم له باللّيل نوم، والصواب في أمره مجانبة ما عُلم أنه أخطأ فيه، والاحتجاج بما يرويه سواءٌ وافق الثقات أو خالفهم. وقال العجلي: كان ثقة قديمًا، صاحب سنة وعبادة، وكان يخطئ بعض الخطأ، تعبد سبعين سنة.

وقال ابن سعد: عُمّر حتّى كتب عنه الأحداث، وكان من العباد، نزل بالكوفة في جمادى الأولى في الشهر الّذي مات فيه الرشيد، وكان ثقةً صدوقًا عارفًا بالحديث والعلّم، إِلَّا أنه كثير الغلط. وقال أبو عمر بن عبد البرّ: إن صح له اسم فهو شعبة، وهو

ص: 307

الّذي صححه أبو زرعة لرواية أبي سعيد الأشجّ عن أبي أحمد الزبيري قال: سمعت سفيان الثّوريّ يقول للحسن بن عياش: أَقَدِمَ شعبةُ، وكان أبو بكر غائبًا، قال أبو عمر: كان الثّوريّ، وابن المبارك، وابن مهدي يُثْنُون عليه، وهو عندهم في أبي إسحاق مثل شريك وأبي الأحوص، إِلَّا أنه يَهِمُ في حديثه، وفي حفظه شيء.

وقال ابن حبّان أيضًا: مولده سنة خمس أو ست وتسعين. وقال ابن أبي داود: قال أحمد بن حنبل. أحسب أن مولده سنة مائة، وكان يقول: أنا نصف الإسلام، وكان جليلًا. وقال التّرمذيّ: مات سنة اثنتين وتسعين. وقال أبو موسى: مات سنة ثلاث. وقال ابن أبي داود: قال محمّد بن إسماعيل: مات سنة أربع وتسعين.

أخرج له البخاريّ، ومسلم في "المقدِّمة"، والأربعة، وله في هذا الكتاب (36) حديثًا.

4 -

(عاصم) بن بَهْدلة، وهو ابن أبي النَّجُود -بنون، وجيم- الأسديّ مولاهم الكوفيّ، أبو بكر المقرىء، قال أحمد وغيره: بَهْدَلة هو أبو النجود، وقال عمرو بن علي وغيره: هو اسم أمه، وخطأه أبو بكر بن أبي داود، ثقة يَهِم (1)، حجة في القراءة، وحديثه في "الصحيحين" مقرون بغيره [6].

رَوَى عن زر بن حُبيش، وأبي عبد الرّحمن السُّلَمي، وقرأ عليهما القراءات، وأبي وائل، وأبي صالح السمان، وأبي رَزِين، والمسيب بن رافع، ومصعب بن سعد، وغيرهم.

وروى عنه الأعمش ومنصور، وهما من أقرانه، وعطاء بن أبي رباح، وهو أكبر منه، وشعبة، والسفيانان، وسعيد بن أبي عروبة، والحمادان، وزائدة، وأبو خيثمة، وشريك، وأبو عوانة، وحفص بن سليمان، وأبو بكر بن عياش، وقرأ عليه، وغيرهم.

قال ابن سعد: كان ثقة، إِلَّا أنه كان كثير الخطأ في حديثه. وقال عبد الله بن أحمد

(1) هذا أولى ممّا في "التقريب":"صدوق له أوهام"؛ لما ستعرفه ممّا يأتي من كلام الأئمة فيه، فتنبّه.

ص: 308

عن أبيه: كان رجلًا صالحًا قارئًا للقرآن، وأهل الكوفة يختارون قراءته، وأنا أختارها، وكان خَيِّرًا، ثقة، والأعمش أحفظ منه، وكان شعبة يختار الأعمش عليه في ثبت الحديث. وقال أيضًا: عاصم صاحب قرآن، وحماد صاحب فقه، وعاصم أحب إلينا.

وقال ابن معين: لا بأس به.

وقال العجلي: كان صاحب سنة وقراءة، وكان ثقةً، رأسا في القراءة، ويقال: إن الأعمش قرأ عليه، وهو حَدَثٌ، وكان يُخْتَلَف عليه في زر وأبي وائل وقال يعقوب بن سفيان: في حديثه اضطراب، وهو ثقة. وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: صالح، وهو أكثر حديثًا من أبي قيس الأودي، وأشهر وأحب إلي منه، وهو أقل اختلافًا عندي من عبد الملك بن عُمير، قال: وسألت أبا زرعة عنه، فقال: ثقة، قال: وذكره أبي، فقال: محله عندي محل الصدق، صالح الحديث، وليس محله أن يقال: هو ثقة، ولم يكن بالحافظ.

وقد تكلم فيه ابن عُلَيّة، فقال: كان كلّ من اسمه عاصم سيء الحفظ (1). وقال النَّسائيُّ: ليس به بأس.

وقال ابن خراش: في حديثه نُكْرة. وقال العقيليّ: لم يكن فيه إِلَّا سوء الحفظ.

وقال الدارقطني: في حفظه شيء. وقال أبو بكر بن عياش: سمعت أبا إسحاق يقول: ما رأيت أقرأ من عاصم. وقال شهاب بن عباد عن أبي بكر بن عياش: دخلت على عاصم، وقد احتُضِر، فجعلت أسمعه يُرَدِّد هذه الآية، يُحققها كأنه في المحراب:{ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} [الأنعام: 62]، قال خليفة، وابن بكير: مات سنة سبع وعشرين. وقال ابن سعد وغيره: مات سنة ثمان وعشرين ومائة، أخرج له الشيخان مقرونًا بغيره، أخرج له البخاريُّ أربعة أحاديث، برقم (4976 و 4977 و 6576 و 7067) ولم يُخرج له مسلم سوى حديث أبي بن كعب في ليلة القدر برقم (762)، وأخرج له الأربعة، وله في هذا الكتاب (29) حديثًا.

(1) سيأتي الردّ عليه.

ص: 309

5 -

(زِرّ) بن حُبيش بن حُبَاشة الأسديّ، أبو مريم الكوفيّ، ثقة جليل مخضرم [2] 14/ 14.

6 -

(عبد الله بن مسعود) رضي الله عنه المذكور قريبًا.

7 -

(أبو بكر) الصدّيق رضي الله عنه تقدّم في 11/ 93.

8 -

(عمر) بن الخطّاب رضي الله عنه تقدّم في 10/ 102، والله تعالى أعلم.

لطائف هذا الإسناد:

1 -

(منها): أنه من سباعيّات المصنّف رحمه الله.

2 -

(ومنها): أن رجاله كلهم رجال الصّحيح، وقد عرفت ما مرّ في عاصم.

3 -

(ومنها): أن معظمه مسلسل بالكوفيين.

4 -

(ومنها): أَنَّ فيه رواية صحابيّ عن صحابيين رضي الله عنهم، والله تعالى أعلم.

شرح الحديث:

(عَنْ عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُود) رضي الله عنه (أَنَّ أَبَا بَكْرِ) الصدّيق رضي الله عنه (وَعُمَرَ) بن الخطّاب رضي الله عنه (بَشَّرَاهُ) بتخفيف الشين المعجمة، وتشديدها، يقال: بَشَرْتُهُ أَبْشُرُهُ بَشرًا، من باب نصر في لغة تِهَامةَ وما والاها، والاسم منه بُشْرٌ -بضمّ الباء، والتعدية بالتثقيل لغة عامّة العرب، وقرأ السبعة باللغتين، قال ابن مجاهد: قرأ ابن كثير وأبو عمرو {يُبَشِّرُكِ} في كلّ القرآن مشدّدًا إِلَّا في الشُّورى، {ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ} [الشورى: 23] فإنهما قرآ بضم الشين مخفّفًا، وقرأ نافع وابن عامر وعاصم {يُبَشِّركِ} مشدّدًا في جميع القرآن، وقرأ حمزة {يُبَشِرُ} ممّا لم يقع خفيفًا في كلّ القرآن إِلَّا قوله:{فَبِمَ تبشِّرُونَ} [الحجر: 54] وقرأ الكسائيّ {يُبَشِّرُ} مخفّفًا في خمسة مواضع: [آل عمران: 39 و 45]، وفي [الإسراء: 9]، و [الكهف: 2]، وفي [الشورى: 23] (1).

(أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ) شرطيّة، أو موصولة مبتدأ (أَحَبَّ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ

(1) راجع "المصباح المنير" مع هامشه 1/ 49.

ص: 310

غَضًّا) -بفتح الغين، وتشديد الضاد المعجمتين- قال ابن الأثير:"الغضّ": الطريّ الّذي لم يتغيّر، أراد طريقه في القراءة، وهيأته فيها، وقيل: أراد بالآيات الّتي سمعها منه من أول "سورة النِّساء" إلى قوله: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} [النِّساء: 41]. انتهى (1).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا القول الأخير غير صحيح؛ إذ فيه تخصيص للعامّ من غير دليل، ومما يُبطله ما أخرجه النَّسائيّ بإسناد صحيح من طريق علقمة، وخيثمة كلاهما عن قيس بن مروان، قال: جاء رجل إلى عمر، فقال عمر: من أين جئت؟ قال: من العراق، وتركتُ بها رجلًا يُملي المصحف عن ظهر قلبه، قال: من هو؟ قال: ابن مسعود، قال: ما في النَّاس أحدٌ أحقّ بذلك منه، ثمّ قال: أُحدّثك عن ذلك، سَمَرْنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت أبي بكر، فخرجنا، فسمعنا قراءة رجل في المسجد، فتسمّع، فقيل: رجل من المهاجرين يصلّي، قال:"سَلْ تُعْطه" ثلاثًا، ثمّ قال:"من أراد أن يقرأ القرآن رطبًا كما أُنزل، فليقرأه كما يقرأ ابن أمّ عبد"، والله تعالى أعلم.

(كَمَا أُنْزِلَ) بالبناء للمفعول، أي على الوجه الّذي أنزله الله عز وجل (فَليَقرَأهُ عَلى قِرَاءَةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ) وفي نسخة:"فليقرأ قراءة ابن أم عبد"، يعني عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسائل تتعلّق بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): في درجته:

حديث أبي بكر وعمر رضي الله عنهما هذا صحيح، وعاصم ثقة، ولم ينفرد به، فقد أخرجه النَّسائيّ في "الفضائل" من "الكبرى"(8198 و 8199 و 8200) بأسانيد صحيحة، من طريق خيثمة، وعلقمة، كلاهما عن قيس بن مروان، عن عمر رضي الله عنه، والله تعالى أعلم.

(1)"النهاية" 4/ 271.

ص: 311

(المسألة الثّانية): في تخريجه:

أخرجه (المصنّف) هنا (20/ 138) فقط، وهو من أفراده، فلم يُخرجه من أصحاب الأصول غيره، وأخرجه (أحمد) 1/ 7 و 445 و 446 و 454 وفي "فضائل الصّحابة"(1554) و (ابن حبّان) في "صحيحه"(7066) و (7067) و (أبو يعلى) في "مسنده"(16) و (17) و (5058) و (5059) و (البزّار) في "مسنده" 2681 و (الطبرانيّ)(8417)، والله تعالى أعلم.

(المسألة الثّالثة): في فوائده:

1 -

(منها): ما ترجم له المصنّف رحمه الله، وهو بيان فضل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

2 -

(ومنها): ما كان عليه النبيّ صلى الله عليه وسلم من كشف مزايا أصحابه الكرام، وإبرازه

للناس حتّى يعرفوا فضلهم، ويقتدوا بهم.

3 -

(ومنها): بيان فضل تحسين قراءة القرآن.

4 -

(ومنها): جواز مدح الإنسان بما فيه، تشجيعًا له، وحملًا لغيره على الاقتداء به، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

وبالسند المُتَّصل إلى الإمام ابن مَاجَه رحمه الله في أول الكتاب قال:

139 -

(حَدَّثَنَا عَليُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ إِدْرِيسَ، عَنِ الحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ الله، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ الله، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِذْنُكَ عَلَيَّ أَنْ تَرْفَعَ الحِجَابَ، وَأَنْ تَسْمَعَ سِوَادِي، حَتَّى أَنهَاكَ").

رجال هذا الإسناد: ستة:

1 -

(عليّ بن محمّد) الطنافسيّ المذكور قبل حديث.

2 -

(عبد الله بن إدريس) الأوديّ الكوفيّ الثقة الثبت المذكور قبل بابين.

3 -

(الحسن بن عبيد الله) بن عروة النخعيّ، أبو عروة الكوفيّ، ثقة فاضل [6].

رَوَى عن إبراهيم بن يزيد، وإبراهيم بن سُوَيْد النخعيين، وإبراهيم بن يزيد التيمي، وزيد بن وهب، وأبي عمرو الشيباني، وغيرهم.

ص: 312

وروى عنه شعبة، والسفيانان، وزائدة، وأبو إسحاق الفزاري، وعبد الله بن إدريس، وعبد الواحد بن زياد، وجرير بن عبد الحميد، وجعفر بن غياث، ومحمد بن فضيل، وغيرهم.

قال ابن المديني: له نحو ثلاثين حديثًا أو أكثر. وقال ابن معين: ثقة صالح. وقال العجلي، وأبو حاتم: ثقة. وقال الساجيّ: صدوق. وقال ابن المديني: قلت ليحيى بن سعيد: أيما أعجب إليك، الحسن بن عبيد الله، أو الحسن بن عمرو؟ قال: الحسن بن عمرو أثبتهما، وهما جميعًا ثقتان صدوقان. وقال يعقوب بن سفيان: كان من خيار أهل الكوفة. وقال البخاريّ: لم أُخرج حديث الحسن بن عبيد الله؛ لأن عامة حديثه مضطرب. وضعفه الدارقطني بالنسبة للأعمش، فقال في "العلل" بعد أن ذكر حديثًا للحسن خالفه فيه الأعمش: الحسن ليس بالقوي، ولا يقاس بالأعمش.

قال عمرو بن علي: مات سنة (139) وكذا قال ابن حبّان في "الثِّقات"، وزاد: وقيل سنة (42).

أخرج له مسلم، والأربعة، وله في هذا الكتاب حديثان فقط، هذا (139) وحديث رقم (1767).

4 -

(إبراهيم بن سُويد) النخعيّ الكوفيّ الأعور ثقة [6].

رَوَى عن الأسود بن يزيد، وعبد الرّحمن بن يزيد، وعلقمة بن قيس.

ورَوَى عنه الحسن بن عبد الله النخعي، وزبيد بن الحارث اليامي، وسلمة بن كهيل.

قال ابن معين: مشهور. وقال النَّسائيُّ: ثقة. ونقل صاحب "الميزان" تبعًا لابن الجوزي أن النَّسائيُّ ضعفه، ولكن لم يثبُت هذا عن النَّسائيّ (1). وقال الدارقطني: ليس في حديثه شيء منكر، إنّما هو حديث السّهو، وحديث الدعا (2). قال العجليّ: ثقة.

(1) راجع "تقريب التهذيب" ص 20.

(2)

وقع في نسخة "تهذيب التهذيب""حديث الرفا" والظاهر أنه تصحيف، والصواب "حديث الدُّعاء"، وهو ما أخرجه مسلم في "صحيحه" برقم (2723) وحديث السّهو =

ص: 313

وذكره ابن حبّان في "الثِّقات".

أخرج له مسلم الحديثين المذكورين، والأربعة، وله في هذا الكتاب هذا الحديث فقط.

5 -

(عبد الرّحمن بن يزيد) بن قيس النخعيّ، أبو بكر الكوفيّ، ثقة من كبار [3].

رَوَى عن أخيه الأسود، وعمه علقمة، وعن حذيفة، وعثمان، وابن مسعود، وسَلْمان، وأبي مسعود الأنصاري، وأبي موسى، وعائشة، والأشتر النخعي. ورَوى عنه ابنه محمّد، وإبراهيم بن يزيد النخعي، وعُمارة بن عمير، وأبو إسحاق السبيعي، وإبراهيم ابن مهاجر، وسلمة بن كهيل، وغيرهم.

قال: ابن معين: ثقة. وقال: العجليّ: كوفي تابعي ثقة. وقال: الدارقطنيّ: هو أخو الأسود، وابن أخي علقمة، وكلهم ثقات. وقال: ابن سعد: كان ثقةً، وله أحاديث كثيرة، تُوُفِّي في ولاية الحجاج قبل الجماجم. وقال يحيى ابن بكير سنة (73)، وقال عمرو بن علي: مات في الجماجم سنة ثلاث وثمانين. وقال: ابن حبّان في "الثِّقات": قتل في الجماجم سنة (83). أخرج له الجماعة، وله في هذا الكتاب ثمانية أحاديث برقم 139 و 316 و 1368 و 1369 و 1586 و 1840 و3030 و 3346.

6 -

(عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه المذكور قريبًا، والله تعالى أعلم.

لطائف هذا الإسناد:

1 -

(منها): أنه من سداسيّات المصنّف.

2 -

(ومنها): أنه مسلسل بثقات الكوفيين.

3 -

(ومنها): أن رجاله رجال الصّحيح، غير شيخه، وهو ثقة.

4 -

(ومنها): أن رواية الحسن بن عبيد الله عن إبراهيم بن سُويد من رواية الأقران؛ لأنهما من الطبقة السّادسة، والله تعالى أعلم.

= أخرجه برقم (572).

ص: 314

شرح الحديث:

(عَنْ عَبْدِ الله) بن مسعود رضي الله عنه، أنه (قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِذْنُكَ عَلَيَّ) بالرفع خبر مقدّم لـ "أن ترفع"، ويجوز أن يكون مبتدأ خبره "أن ترفع"، والأول أولى؛ لأن ما سُبك من "أن" و"أن" بمنزلة الضمير (أَنْ تَرْفَعَ الحجَابَ) ببناء الفعل للفاعل، والفاعل ضمير عبد الله، و"الحجاب" منصوب على المفعوليّة، والمعنى إذني لك في حال الدخول عليّ أن ترفع الحجاب، أي أذنت لك في رفع الحجاب، وسَمَاعِ السِّرَار.

وقال في "المجمع": أي إذنك الجمع بين رفع الحجاب ومعرفتك أني في الدَّار، ولو كنت مُسارًا لغيري، فهذا شأنك مستمرًا إلى أن أنهاك، وفيه دلالة على شرفه، وليس فيه أنه يدخل في عليّ حال حتّى على نسائه ومحارمه. وقال في "المفاتيح": أي أذنت لك أن تدخل عليّ، وأن ترفع حجابي بلا استئذان، وأن تسمع سِرَاري حتّى أنهاك عن الدخول والسماع. انتهى (1).

ووقع عند مسلم بلفظ: "أن يُرفع الحجابُ"، قال القرطبيّ رحمه الله: مبنيّ لما لم يُسمّ فاعله، ولا يجوز غيره، وسببه أن النبيّ صلى الله عليه وسلم جعل لعبد الله إذنًا خاصًّا به، وهو أنه إذا جاء بيت النبيّ صلى الله عليه وسلم، فوجد الستر قد رُفع دخل من غير إذن بالقول، ولم يَجعل ذلك لغيره إِلَّا بالقول، كما قال الله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} الآية [النور: 27]، وقال تعالى:{لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} الآية [الأحزاب: 53]، ولذلك كانت الصّحابة رضي الله عنهم تذكر ذلك في فضائل ابن مسعود رضي الله عنه، فتقول: كان ابن مسعود يؤذن له إذا حُجِبنا، وكأنّ ابن مسعود كان له من التبسّط في بيت النبيّ صلى الله عليه وسلم والانبساط ما لم يكن لغيره؛ لما علمه النبيّ صلى الله عليه وسلم من حاله، ومن خُلُقه، ومن إِلْفِه لبيته. انتهى (2).

(وَأَنْ تَسْمَعَ) وفي نسخة: "تستمع"(سِوَادِي) قال النوويّ رحمه الله: "السِّواد"

(1)"مجمع بحار الأنوار" 3/ 143 - 144.

(2)

"المفهم" 5/ 499.

ص: 315

بكسر السين المهملة، وبالدال، واتّفق العلماء على أن المراد به السِّرَار بكسر السين، وبالراء المكرّرة، وهو السّرّ والمساور، يقال: ساودت الرجلَ مساودةً: إذا ساررته، قالوا: وهو مأخوذ من إدناء سَوَادك من سوَاده عند المساررة، أي شخصك من شخصه، والسَّوَاد اسم لكلّ شخص. انتهى (1).

وقوله: (حَتَّى أَنْهَاكَ) غاية للإذن، أي أنت في حلّ من رفع الحجاب والدخول عليّ إلى أن أمنعك من ذلك، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسائل تتعلّق بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): في درجته:

حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه هذا أخرجه مسلم.

(المسألة الثّانية): في تخريجه:

أخرجه (المصنّف) هنا (20/ 139) فقط، وأخرجه (مسلم) في "كتاب السّلام"(2169) و (النَّسائيّ) في "الفضائل"(8204) و (ابن أبي شيبة) في "مصنّفه" 12/ 112 و (ابن سعد) في "الطبقات" 3/ 153 و (أحمد) في "مسنده"(3833) و (الطحاويّ) في "مشكل الآثار"(1585) و (أبو يعلى) في "مسنده"(5356) و (5357) و (ابن حبّان) في "صحيحه"(7068) و (الطبرانيّ)(8449) و (8450)، والله تعالى أعلم.

(المسألة الثّالثة): في فوائده:

1 -

(منها): ما ترجم له المصنّف رحمه الله، وهو بيان فضل عبد الله بن مسعود، حيث إنّه صلى الله عليه وسلم جعله يرفع الحجاب بلا استئذان، ويسمع مسارّته لغيره، ولهذا كان الصّحابة رضي الله عنهم يعدّون هذا له منقبة عظيمة، فقد أخرج الشيخان من حديث أبي موسى الأشعريّ رضي الله عنه، قال: "قدِمتُ أنا وأخي من اليمن، فكنّا حينًا وما نرى ابن مسعود وأمّه

(1)"شرح مسلم" 14/ 150.

ص: 316

إِلَّا من أهل بيت النبيّ صلى الله عليه وسلم من كثرة دخولهم، ولزومهم له".

وأخرج مسلم من طريق أبي إسحق، قال: سمعت أبا الأحوص، قال: شهدت أبا موسى وأبا مسعود، حين مات ابن مسعود، فقال أحدهما لصاحبه: أتُراه تَرَك بعده مثله؟ فقال: إن قلت ذاك، إن كان ليؤذن له إذا حُجِبنا، ويشهد إذا غِبْنَا.

وأخرج أيضًا من طريق مالك بن الحارث، عن أبي الأحوص قال: كنا في دار أبي موسى، مع نفر من أصحاب عبد الله، وهم ينظرون في مصحف، فقام عبد الله، فقال أبو مسعود: ما أعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم تَرَك بعده أعلم بما أنزل الله من هذا القائم، فقال: أبو موسى: أَمَا لئن قلت ذاك، لقد كان يشهد إذا غِبْنَا، ويؤذن له إذا حُجِبْنَا.

2 -

(ومنها): جواز الاعتماد على العلّامة في الإذن في الدخول، فإذا جعل الأمير، أو القاضي، أو غيرهم رفع الستر الّذي على بابه علامةً في الإذن في الدخول عليه للناس عامّة، أو لطائفة خاصّة، أو لشخص، أو جعل علامة غير ذلك جاز اعتمادها، والدخول إذا وُجدت بغير استئذان، وكذا إذا جعل الرَّجل ذلك علامة بينه وبين خَدَمه ومماليكه، وكبار أولاده وأهله، فمتى أرخى حجابه فلا دخول عليه إِلَّا باستئذانه، فإذا رفعه جاز بلا استئذان. قاله النوويّ رحمه الله (1)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

{إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: 88].

(1)"شرح مسلم" 14/ 150 "كتاب السّلام".

ص: 317