المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌30 - (فضل جرير بن عبد الله البجلي) رضي الله عنه - مشارق الأنوار الوهاجة ومطالع الأسرار البهاجة في شرح سنن الإمام ابن ماجه - جـ ٣

[محمد بن علي بن آدم الأثيوبي]

فهرس الكتاب

- ‌11 - (باب فضائل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌12 - (فَضْلُ عُمَرَ رضي الله عنه

- ‌13 - (فضل عثمان رضي الله عنه

- ‌14 - (فَضْلُ عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ رضي الله عنه

- ‌15 - (فَضْلُ الزُّبَيْر رضي الله عنه

- ‌16 - (فَضْلُ طَلْحَةَ بن عُبَيْدِ اللهِ رضي الله عنه

- ‌17 - (فَضْلُ سَعْدٍ بن أبي وَقَّاص رضي الله عنه

- ‌18 - (فَضَائِلُ الْعَشرَةَ رضي الله عنهم

- ‌19 - (فَضْلُ أَبي عُبَيْدَةَ بْنِ الجَرَّاحِ رضي الله عنه

- ‌20 - (فَضْلُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُوْدٍ رضي الله عنه

- ‌21 - (فَضْلُ الْعَبَّاس بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رضي الله عنه

- ‌22 - (فَضْلُ الْحَسَنِ وَالْحُسيْنِ ابْنَي عَلِيٍّ بْنِ أَبي طَالِبٍ رضي الله عنهم

- ‌23 - (فضْلُ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرِ رضي الله عنه

- ‌24 - (فَضْلُ سَلْمَان، وأبي ذَرٍّ وَالْمِقْدَادِ) رضي الله عنهم

- ‌25 - (فَضَائلُ بِلَالٍ) رضي الله عنه

- ‌26 - (فَضَائلُ خَبَّابٍ) رضي الله عنه

- ‌27 - (فَضَائِل زَيِدٍ بْنِ ثَابِتٍ) رضي الله عنه

- ‌28 - (فَضْلُ أَبِي ذَرٍّ) رضي الله عنه

- ‌29 - (فَضْلُ سَعْدٍ بْنِ مُعَاذٍ) رضي الله عنه

- ‌30 - (فَضْلُ جَرِيرٍ بْنِ عَبْدِ الله الْبَجَلِيِّ) رضي الله عنه

- ‌31 - (فَضْلُ أَهْلِ بَدْرٍ) رضي الله عنه

- ‌31 (*) - (فَضَائِلُ الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم

- ‌32 - (فَضْلُ الأَنْصَارِ رضي الله عنهم

- ‌33 - (فَضْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما

- ‌34 - (بَابٌ في الْخَوَارِجِ)

الفصل: ‌30 - (فضل جرير بن عبد الله البجلي) رضي الله عنه

‌30 - (فَضْلُ جَرِيرٍ بْنِ عَبْدِ الله الْبَجَلِيِّ) رضي الله عنه

-

هو: جرير بن عبد الله بن جابر بن مالك بن نَضْر بن ثَعْلبة بن جُشَم بن عَوْف بن خزيمة بن حرب بن علي البجلي الصحابي الشهير، يُكنى أبا عمرو، وقيل: يُكنى أبا عبد الله، اختُلف في وقت إسلامه، ففي الطَّبرانيُّ "الأوسط" من طريق حُصين بن عمر الأحمسي، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن جرير، قال: لمّا بُعِث النّبيّ صلى الله عليه وسلم أتيته، فقال:"ما جاء بك؟ "، قلت: جئت لأسلم، فألقى إليَّ كساءه، وقال:"إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه"، حصين فيه ضعف، ولو صح لَحُمِل على المجاز، أي لمّا بلغنا خبر بعث النّبيّ صلى الله عليه وسلم، أو على الحذف، أي لما بُعِث النّبيّ صلى الله عليه وسلم، ثمّ دعا إلى الله، ثمّ قدم المدينة، ثمّ حارب قريشًا وغيرهم، ثمّ فَتَحَ مكّة، ثمّ وَفَدت عليه الوفود. وجزم ابنُ عبد البرّ عنه بأنه أسلم قبل وفاة النّبيّ صلى الله عليه وسلم بأربعين يومًا، وهو غلط، ففي "الصحيحين" عنه أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال له:"استَنْصِتِ الناسَ" في حجة الوداع، وجزم الواقدي بأنه وَفَد على النّبيّ صلى الله عليه وسلم شهر رمضان سنة عشر، وأن بعثه إلى ذي الْخَلَصَة كان بعد ذلك، وأنه وافي مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم حجة الوداع من عامه.

قال الحافظ: وفيه عندي نظر؛ لأن شريكًا حدَّث عن الشيباني، عن الشّعبيّ، عن جرير قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أخاكم النجاشي قد مات

" الحديث، أخرجه الطَّبرانيُّ، فهذا يدلُّ على أن إسلام جرير كان قبل سنة عشر، لأن النجاشي مات قبل ذلك. قاله في "الإصابة".

وقال في "الفتح": والصّحيح أنه أسلم سنة الوفود سنة تسع، ووَهِمَ من قال: إنّه أسلم قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بأربعين يومًا؛ لما ثبت في "الصّحيح" أن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قال له: "استنصت النَّاس" في حجة الوداع، وذلك قبل موته صلى الله عليه وسلم بأكثر من ثمانين يومًا. انتهى (1).

وكان جرير جَمِيلًا، قال عمر: هو يوسف هذه الأمة، وقَدَّمه عمر في حروب

(1)"الفتح" 7/ 164.

ص: 405

العراق على جميع بَجِيلة، وكان لهم أثرٌ عظيمٌ في فتح القادسية، ثمّ سكن جرير الكوفة، وأرسله عليٌّ رسولا إلى معاوية، ثمّ اعتزل الفريقين، وسكن قرقيسيا حتّى مات سنة إحدى، وقيل: أربع وخمسين.

وفي "الصّحيح" أنه صلى الله عليه وسلم بعثه إلى ذي الْخَلَصة، فهدمها، وفيه عنه قال: ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت، ولا رآني إِلَّا تبسم.

وروى البغوي من طريق قيس، عن جرير قال: رآني عمر مُتَجَرِّدًا، فقال: ما أرى أحدًا من النَّاس صُوِّر صورة هذا إِلَّا ما ذُكر من يوسف. ومن طريق إبراهيم بن إسماعيل الكهيليّ، قال: كان طول جرير ستة أذرع. وروى الطَّبرانيُّ من حديث عليّ مرفوعًا: "جرير منا أهل البيت

".

وروى عنه من الصّحابة أنسُ بن مالك، قال: كان جرير يَخدُمني، وهو أكبر مني، أخرجه الشيخان (1)، والله تعالى أعلم بالصواب.

وبالسند المُتّصل إلى الإمام ابن مَاجَه رحمه الله في أول الكتاب قال:

159 -

(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِم، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الله الْبَجَليِّ، قَالَ: مَا حَجَبَنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مُنْذُ أَسْلَمْتُ، وَلَا رَآنِي إِلا تَبَسَّمَ في وَجْهِي، وَلَقَدْ شَكَوْتُ إِلَيْهِ أَنِّي لَا أثبُتُ عَلَى الخَيْلِ، فَضَرَبَ بِيَدِهِ في صَدْرِي، فَقَالَ: "اللِّهُمَّ ثَبِّتْهُ، وَاجْعَلْهُ هَادِيّا مَهْدِيًّا").

رجال هذا الإسناد: خمسة:

1 -

(محمّد بن عبد الله بن نُمير) الْهَمْدانيّ الكوفيّ، ثقة حافظ فاضلٌ [10] 1/ 4.

2 -

(عبد الله بن إدريس) الأوديّ، أبو محمّد الكوفيّ، ثقة فقيهُ عابدٌ [8] 7/ 52.

3 -

(إسماعيل بن أبي خالد) الْبَجَليّ الأحصيّ مولاهم، أبو عبد الله الكوفيّ، ثقة ثبتٌ [4] 13/ 13.

(1) راجع "الإصابة" 1/ 581 - 583.

ص: 406

4 -

(قيس بن أبي حازم) البجليّ، أبو عبد الله الكوفيّ، ثقة مخضرم [2] 13/ 13.

5 -

(جرير بن عبد الله) الصحابيّ المذكور رضي الله عنه.

لطائف هذا الإسناد:

1 -

(منها): أنه من خماسيّات المصنِّف رحمه الله.

2 -

(ومنها): أنه مسلسلٌ بثقات الكوفيين.

3 -

(ومنها): أن فيه رواية تابعيّ عن تابعي مخضرم.

4 -

(ومنها): أن قيسًا هو الّذي اجتمع له الرِّواية عن العشرة المبشّرين بالجنّة رضي الله عنهم كلّهم، ولا يوجد من التابعين من اتّفق له ذلك غيره.

5 -

(ومنها): أن صحابيّه رضي الله عنه كان يقال له: يوسف هذه الأمة في الجمال، والله تعالى أعلم.

شرح الحديث

(عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الله) رضي الله عنه (الْبَجَليِّ) بفتحتين نسبة إلى قبيلة بَجِيلة -بفتح، فكسر- وهو ابن أنمار بن أراش بن عمرو بن الغوث أخي الأسد بن الغوث، وقيل: إن بَجِيلة اسم أمهم، وهي من سعد الْعَشِيرة، وأختها باهلة، وَلَدتا قبيلتين عظيمتين، نزلت بالكوفة. قاله السمعانيّ (1)، أنه (قَالَ: مَا حَجَبَني رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم) معناه: ما منعني الدخول عليه في وقت من الأوقات. قاله النوويّ رحمه الله (2).

وقال القرطبي رحمه الله: يعني أنه صلى الله عليه وسلم ما كان يحتجب منه، بل بنفس ما يعلم النبيّ صلى الله عليه وسلم باستئذانه ترك كلَّ ما يكون فيه، وأذِن له، مبادرًا لذلك مبالغةً في إكرامه، ولا يُفهم من هذا أن جريرًا كان يدخل على النبيّ صلى الله عليه وسلم بيته من غير إذن، فإن ذلك لا يصحّ؛ لحرمة بيت النبيّ صلى الله عليه وسلم، ولما يُفضي ذلك إليه من الاطّلاع على ما لا يجوز من عورات البيوت.

(1)"الأنساب" 1/ 297.

(2)

"شرح مسلم" 16/ 34 - 35.

ص: 407

انتهى (1).

وقال في "الفتح": قوله: "ما حجبني إلخ": أي ما منعني من الدخول إليه إذا كان في بيته، فاستأذنت عليه، وليس كما حمله بعضهم على إطلاقه، فقال: كيف جاز له أن يدخل على غير محرم بغير حجاب؟ ثمّ تكلّف في الجواب أن المراد مجلسه المختصّ بالرجال، أو أن المراد بالحجاب منه ما يطلبه منه، قال الحافظ: قوله: "ما حجبني" يتناول الجميع مع بُعد إرادة الأخير. انتهى (2).

قوله: (مُنْذُ أَسْلَمْتُ) ظرف لـ "حجبني"(وَلَا رَآنِي إِلَّا تَبَسَّمَ في وَجْهِي) وفي رواية البخاريُّ: "إِلَّا ضحك"، ومعنى "ضحِك" تبسّم، وفعل ذلك إكرامًا ولُطفَا، وبَشَاشةً، قاله النووي، وقال القرطبيّ: هذا منه صلى الله عليه وسلم فَرَحٌ به، وبشاشةٌ للقائه، وإعجابٌ برؤيته، فإنّه كان من كَمَلَة الرجال خَلْقًا وخُلُقًا. انتهى (3).

وأخرج الإمام أحمد في "مسنده" بسند صحيح، عن المغيرة بن شِبْل قال: قال جرير: لمّا دَنَوت من المدينة أَنخْتُ راحلتي، ثمّ حَلَلت عَيْبتي، ثمّ لبست حُلَّتي، ثمّ دخلت المسجد، فإذا النّبيّ صلى الله عليه وسلم يخطب، فرماني النَّاس بالحَدَق، قال: فقلت لجليسي: يا عبد الله هل ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمري شيئًا؟ قال: نعم ذكرك بأحسن الذكر، بينما هو يخطب إذ عرض له في خطبته، فقال:"إنّه سيدخل عليكم من هذا الْفَجّ من خير ذي يمن، أَلَا وإن على وجهه مَسْحَةَ مَلَك"، قال جرير: فحمدت الله عز وجل على ما أبلاني (4).

(وَلَقَدْ شَكَوْتُ إِلَيْهِ) أي إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم (أَنِّي) بفتح الهمزة؛ لوقوعها مفعولًا به (لَا أَثْبُتُ عَلَى الخَيْلِ) يعني أنه كان يسقط، أو يخاف السقوط من على ظهورها حالة

(1)"المفهم" 6/ 403.

(2)

"الفتح" 7/ 164.

(3)

"المفهم " 6/ 403.

(4)

رواه أحمد في "مسنده" 4/ 360 - 364 والحميديّ في "مسنده"(800).

ص: 408

إجرائها. قاله القرطبيّ رحمه الله (1).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قوله: "أو يخاف السقوط إلخ" فيه نظر؛ إذ ظاهر النصّ لا يساعده. والله تعالى أعلم.

(فَضَرَبَ) صلى الله عليه وسلم (بِيَدِهِ في صَدْرِي) وفي حديث البراء رضي الله عنه عند الحاكم: "فشكا جرير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الْقَلَع، فقال: ادْنُ منّي، فدنا منه، فوضع يده على رأسه، ثمّ أرسلها على وجهه وصدره حتّى بلغ عانته، ثمّ وضع يده على رأسه وأرسلها على ظهره حتّى انتهت إلى أبيته، وهو يقول مثل قوله الأوّل"، فكان ذلك للتبرّك بيده المباركة.

[فائدة]: "القلع" بالقاف، ثمّ اللام قال في "القاموس": القلع محّركةً مصدر قَلِعَ كفَرِحَ قَلَعَةً محرَّكةً، فهو قِلْعٌ بالكسر، وكَكَتِفٍ، وطُرْفَةٍ، وهُمَزَةٍ، وجُبُنَّةٍ، وشَدَّاد: إذا لم يثبت على السرج، أو لم يثبُت قدمه عند الصراع، أو لم يفهم الكلام بلادةً. انتهى باختصار (2).

(فَقَالَ) صلى الله عليه وسلم ووقع في حديث البراء رضي الله عنه أنه قال ذلك في حال إمرار يده عليه في المرّتين. ("اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ، وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا") زاد في حديث البراء: "وبارك فيه، وفي ذرّيّته"، قيل: في الكلام تقديم وتأخير؛ لأنه لا يكون هاديًا حتّى يكون مهديًّا، وقيل: معناه كاملًا مكمّلًا. قاله في "الفتح"(3).

قال القرطبيّ رحمه الله: دعا له النبيّ صلى الله عليه وسلم بأكثر ممّا طلب، بالثبوت مطلقًا، وبأن يجعله هاديًا لغيره، ومهديًّا في نفسه، فكان كلُّ ذلك، وظهر عليه جميع ما دعا له به، وأوّل ذلك أنه نَفَرَ في خمسين ومائة فارس لذي الْخَلَصَة، فحرّقها، وعَمِلَ فيها عَمَلًا لا يعمله خمسة آلاف، وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم لذي الْكَلاع، وذِي رُعَين، وله المقامات المشهورة.

(1)"المفهم" 6/ 403 - 404.

(2)

ما نقله في "الفتح" عن الجوهريّ وغيره يحتاج إلى تحرير، وكذا وقع في "النهاية" لابن الأثير، فتأمل.

(3)

"الفتح" 8/ 91.

ص: 409

[تنبيه]: قصّة ذي الْخَلَصة لم يسقها المصنّف، وقد ساقها الشيخان في "صحيحيهما"، قال الإمام البخاريّ رحمه الله:

3076 -

حَدَّثَنَا محمّد بن المثنى، حَدَّثَنَا يحيى، حَدَّثَنَا إسماعيل، قال: حدثني قيس، قال: قال لي جرير بن عبد الله رضي الله عنه: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألَّا تريحني من ذي الخلصة؟ ".

وكان بيتًا في خَثْعَم يُسَمَّى كعبة اليمانية، فانطلقت في خمسين ومائة من أحمس، وكانوا أصحاب خيل، فأخبرت النّبيّ صلى الله عليه وسلم أني لا أثبت على الخيل، فضرب في صدري حتّى رأيت أثر أصابعه في صدري، فقال:"اللَّهُمَّ ثَبِّته، واجعله هاديًا مهديًّا"، فانطلق إليها فكسرها وحرقها، فأرسل إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم يبشره، فقال رسول جرير لرسول الله: يا رسول الله والذي بعثك بالحق ما جئتك حتّى تركتها كأنها جَمَلٌ أجرب، فبارك على خيل أَحْمَسَ ورجالها خمس مرات.

وقال الإمام مسلم:

2476 -

حَدَّثَنَا إسحاق بن إبراهيم، أَخْبَرَنَا جرير، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن جرير بن عبد الله البجلي قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا جرير ألَّا تُرِيحني من ذي الْخَلَصَة؟ " بيت لخثعم، كان يُدعى كعبة اليمانية، قال: فنفرت في خمسين ومائة فارس، وكنتُ لا أثبت على الخيل، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فضرب يده في صدري، فقال:"اللَّهُمَّ ثَبِّته، واجعله هاديًا مهديًّا".

قال: فانطلق فحرقها بالنار، ثمّ بَعَثَ جرير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا يبشره، يكنى أبا أرطاة -منا- فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: ما جئتك حتّى تركناها كأنها جمل أجرب، فَبَرَّك رسول الله صلى الله عليه وسلم على خيل أحمس ورجالها خمس مرات.

وقال في رواية: فجاء بشير جرير، أبو أرطاة حُصَين بن رَبِيعة يبشر النّبيّ صلى الله عليه وسلم.

وقوله: "يدعى كعبة اليمانية" سموها بذلك مضاهة للكعبة الشريفة، وهي

ص: 410

بالنسبة لمن يكون جهة اليمن شاميّة، فسمّوها شاميّة للفرق بينهما (1)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع المآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسائل تتعلّق بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): في درجته:

حديث جرير بن عبد الله هذا متّفقٌ عليه.

(المسألة الثّانية): في تخريجه:

أخرجه (المصنّف) هنا (29/ 159) بهذا السند فقط، وأخرجه (البخاريّ) في 4/ 79 و5/ 94 و 8/ 29 وفي "الأدب المفرد" له (520) و (مسلم) في 7/ 157 و (الترمذيّ) في (3820 و 3821) وفي "الشمائل" له (230 و 231) و (النَّسائيّ) في "الفضائل"(198) و (ابن حبّان) في "صحيحه"(7200 و 7201) و (الطبرانيّ)(2219 و 2220 و 2222 و 2223 و 2254)، والله تعالى أعلم.

(المسألة الثّالثة): في فوائده:

1 -

(منها): ما ترجم له المصنّف رحمه الله، وهو بيان فضل جرير بن عبد الله رضي الله عنه.

2 -

(ومنها): ما كان عليه النبيّ صلى الله عليه وسلم من حسن الخلق، وطيب المعاملة للناس، فكان يُنزل كلَّ أحد منزلته، فلما كان جرير رضي الله عنه شريفًا في قومه خصّه بمزايا اللطف والإكرام، فكان لا يحجُبُه إذا جاءه، ويتبسّم في وجهه إذا رآه.

3 -

(ومنها): أن فيه معجزة للنبيّ صلى الله عليه وسلم حيث دعا لجرير رضي الله عنه بأن يثبت على الخيل، فما أصابه بعد سقوط ولا ميل.

4 -

(ومنها): أن فيه منقبة لقبيلة أحمس، حيث دعا النَّبي صلى الله عليه وسلم لخليها ورجالها خمس مرّات، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

{إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: 88].

(1) راجع "الفتح" جـ 8 ص 90 ففيه بحث نفيس.

ص: 411