المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌32 - (فضل الأنصار رضي الله عنهم - مشارق الأنوار الوهاجة ومطالع الأسرار البهاجة في شرح سنن الإمام ابن ماجه - جـ ٣

[محمد بن علي بن آدم الأثيوبي]

فهرس الكتاب

- ‌11 - (باب فضائل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌12 - (فَضْلُ عُمَرَ رضي الله عنه

- ‌13 - (فضل عثمان رضي الله عنه

- ‌14 - (فَضْلُ عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ رضي الله عنه

- ‌15 - (فَضْلُ الزُّبَيْر رضي الله عنه

- ‌16 - (فَضْلُ طَلْحَةَ بن عُبَيْدِ اللهِ رضي الله عنه

- ‌17 - (فَضْلُ سَعْدٍ بن أبي وَقَّاص رضي الله عنه

- ‌18 - (فَضَائِلُ الْعَشرَةَ رضي الله عنهم

- ‌19 - (فَضْلُ أَبي عُبَيْدَةَ بْنِ الجَرَّاحِ رضي الله عنه

- ‌20 - (فَضْلُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُوْدٍ رضي الله عنه

- ‌21 - (فَضْلُ الْعَبَّاس بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رضي الله عنه

- ‌22 - (فَضْلُ الْحَسَنِ وَالْحُسيْنِ ابْنَي عَلِيٍّ بْنِ أَبي طَالِبٍ رضي الله عنهم

- ‌23 - (فضْلُ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرِ رضي الله عنه

- ‌24 - (فَضْلُ سَلْمَان، وأبي ذَرٍّ وَالْمِقْدَادِ) رضي الله عنهم

- ‌25 - (فَضَائلُ بِلَالٍ) رضي الله عنه

- ‌26 - (فَضَائلُ خَبَّابٍ) رضي الله عنه

- ‌27 - (فَضَائِل زَيِدٍ بْنِ ثَابِتٍ) رضي الله عنه

- ‌28 - (فَضْلُ أَبِي ذَرٍّ) رضي الله عنه

- ‌29 - (فَضْلُ سَعْدٍ بْنِ مُعَاذٍ) رضي الله عنه

- ‌30 - (فَضْلُ جَرِيرٍ بْنِ عَبْدِ الله الْبَجَلِيِّ) رضي الله عنه

- ‌31 - (فَضْلُ أَهْلِ بَدْرٍ) رضي الله عنه

- ‌31 (*) - (فَضَائِلُ الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم

- ‌32 - (فَضْلُ الأَنْصَارِ رضي الله عنهم

- ‌33 - (فَضْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما

- ‌34 - (بَابٌ في الْخَوَارِجِ)

الفصل: ‌32 - (فضل الأنصار رضي الله عنهم

‌32 - (فَضْلُ الأَنْصَارِ رضي الله عنهم

-)

" الأنصار": -بفتح الهمزة، وسكون النون، وفتح الصاد المهملة، وفي آخره راء- في الأصل جمع نَصِير كشريف وأشراف، قال في "القاموس"، و"شرحه": وأنصار النبيّ صلى الله عليه وسلم من الأوس والخزرج نصروه في ساعة العسرة، غلبت عليهم الصِّفَة، فجرى مَجْرَى الأسماء، وصار كأنه اسم الحيّ، ولذلك أضيف إليه بلفظ الجمع، فقيل: أنصاريّ، انتهى (1).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قوله: "أضيف إليه بلفظ الجمع" أشار به إلى قاعدة النسب، وهي أنه إذا نُسب إلى المثنّى، أو الجمع وجب ردّه إلى واحده، إن لم يجر مجرى المفرد، كما في الأنصاريّ، قال في "الخلاصة":

وَالْوَاحِدَ اذْكُرْ نَاسِبًا لِلْجَمْع

إِنْ لَمْ يُشَابِهْ وَاحِدًا بِالْوَضْع

وقال في "الفتح": اسم إسلاميّ، سَمَّى به النبيّ صلى الله عليه وسلم الأوسَ والخزرجَ، وحُلفاءهم، والأوس يُنسبون إلى أوس بن حارثة، والخزرج يُنسبون إلى الخزرج بن حارثة، وهما ابنا قَيْلَةَ، وهو اسم أمّهم، وأبوهم هو حارثة بن عمرو بن عامر الّذي يجتمع إليه أنساب الأزد. انتهى (2).

وقال السمعانيّ رحمه الله: هم جماعة من أهل المدينة من الصّحابة من أولاد الأوس والخزرج، قيل لهم: الأنصار، لنصرتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى:{وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا} الآية [الأنفال: 72]، وقال عزّ من قائل:{لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ في سَاعَةِ الْعُسْرَةِ} الآية [التوبة: 117]، وقال تعالى:{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} الآية [التوبة: 100]،

(1)"تاج العروس" 3/ 568.

(2)

"الفتح" 7/ 140.

ص: 443

وفيهم كثرة وشُهْرة على اختلاف بطونهم وأفخاذهم، انتهى (1)، والله تعالى أعلم بالصواب.

وبالسند المتّصل إلى الإمام ابن مَاجَه رحمه الله في أول الكتاب قال:

163 -

(حَدَّثَنَا عَليُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَعَمْرُو بْنُ عَبْدِ الله، قَالَا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَحَبَّ الأَنْصَارَ أَحَبَّهُ الله، وَمَنْ أَبْغَضَ الأَنْصَارَ أَبْغَضَهُ الله".

قَالَ شُعْبَةُ لِعَدِيٍّ: أَسَمِعْته مِنَ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ؟ قَالَ: إِيَّايَ حَدَّثَ).

رجال هذا الإسناد: ستة:

1 -

(شعبة) بن الحجاج الإمام الحجة المشهور [7] 1/ 6.

2 -

(عديّ بن ثابت) الأنصاريّ الكوفيّ، ثقة رُمي بالتشيّع [4] 14/ 114.

3 -

(البراء بن عازب) الأنصاريّ الأوسيّ الصحابيّ ابن الصحابيّ رضي الله عنهما، نزيل الكوفة 14/ 116.

وأما الباقون فتقدّموا في الباب الماضي. والله تعالى أعلم.

1 -

لطائف هذا الإسناد:

1 -

(منها): أنه من خماسيّات المصنّف.

2 -

(ومنها): أنه مسلسل بثقات الكوفيين، غير شعبة، فبصريّ، والصحابيّ رضي الله عنه ممّن نزل الكوفة، كما مرّ آنفًا، والله تعالى أعلم.

شرح الحديث:

(عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ) رضي الله عنهما، أنه (قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَحَبَّ الأَنْصَارَ) "منْ" شرطيّة، أو موصولة مبتدأ خبرها قوله:(أَحَبَّهُ الله) أراد بمحبّتهم -والله أعلم- محبتهم لنصرة دين الله تعالى، وكذلك بغضهم إذا كان لذلك، وإلا فكثيرًا

(1)"الأنساب" 1/ 228.

ص: 444

ما تجري معاملة تؤدّي إلى المحبّة والبغض، وهما خارجان عما يقتضيه المقام. أفاده السنديّ رحمه الله (1).

وقال ابن التين رحمه الله: المراد حبّ جميعهم، وبغض جميعهم؛ لأن ذلك إنّما يكون للدين، ومن أبغض بعضهم لمعنى يسوغ البغض له، فليس داخلًا في ذلك، وهو تقرير حسنٌ، كما قاله في "الفتح"(2).

(وَمَنْ أَبْغَضَ الْأَنْصَارَ أَبْغَضَهُ الله) قال القرطبيّ: هذا على مقابلة اللّفظ باللفظ، ومعناه أن من أحبّهم جازاه الله على ذلك جزاء المحبوب المحبّ من الإكرام، والترفيع، والتشفيع، وعكس ذلك في البغض، وظاهر هذا الكلام أنه خبرٌ عن مآل كلِّ واحد من الصنفين، ويصلح أن يُقال: إن ذلك الخبر خرج مخرج الدُّعاء لكلّ واحد من الصنفين، فكأنه قال: اللَّهُمَّ افعل بهم ذلك، كما قال: صلّى الله على محمّد وآله، والله أعلم، انتهى (3).

[تنبيه]: هذا الحديث مختصر، وقد ساقه الشيخان في "صحيحيهما" بتمامه، ولفظ البخاريّ من طريق حجاج بن منهال، عن شعبة:"قال النبيّ": "الأنصار لا يُحبّهم إِلَّا مؤمن، ولا يُبغضهم إِلَّا منافق، فمن أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله"، وفي حديث أنسٍ رضي الله عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:"آية الإيمان حبّ الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار"، وقد استوفيت ما يتعلّق بهذا الحديث من مباحث نفيسة فيما كتبته على النَّسائيّ، فراجعه تستفد، وبالله تعالى التوفيق.

(قَالَ شُعْبَةُ) بن الحجاج (لِعَدِيٍّ: أَسَمِعْتَهُ مِنَ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ؟) رضي الله عنهما (قَالَ) عديّ (إِيَّايَ حَدَّثَ) هذا تأكّد من شبعة رحمه الله، واستيثاق، لا شكّ في صدق

(1)"شرح السندي" 1/ 106.

(2)

"الفتح" 7/ 144.

(3)

"المفهم" 1/ 266.

ص: 445

عديّ رحمه الله، ولذا قدّم عديّ المفعول، لإفادة الحصر، ويحتمل أنه إنّما سأله لاحتمال أن يكون بينهما واسطة، حيث لم يُصرّح بالتحديث، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسائل تتعلّق بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): في درجته: حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما هذا متّفقٌ عليه.

(المسألة الثّانية): في تخريجه:

أخرجه (المصنّف) هنا (32/ 163) بهذا السند فقط، وأخرجه (البخاريّ) في (5/ 39) و (مسلم) في (1/ 60) و (الترمذي) في (2900) و (النَّسائيّ) في "فضائل الصّحابة"(229) و (علي بن الجعد) في "مسنده"(493) و (ابن أبي شيبة) في "مصنّفه" 12/ 157 و (أحمد) في "مسنده" 4/ 283 و 292 و (ابن حبّان) في "صحيحه"(7272) و (البغويّ) في "شرح السنّة"(3967)، والله تعالى أعلم.

(المسألة الثّالثة): في فوائده:

1 -

(منها): ما ترجم له المصنّف رحمه الله، وهو بيان فضل الأنصار رضي الله عنهم.

2 -

(ومنها): أن محبة الأنضار سبب لمحبّة الله تعالى، وبغضهم سبب لبغضه -نعوذ بالله من بغضه-.

3 -

(ومنها): أن الجزاء من جنس العمل، فإن الأنصار لمّا أحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابه رضي الله عنهم جازاهم الله تعالى بأن جعل حبهم علامة الإيمان وبغضهم علامة النفاق، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

ص: 446

وبالسند المُتّصل إلى الإمام ابن مَاجَه رحمه الله في أول الكتاب قال:

164 -

(حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، عَنْ عَبْدِ الْمُهَيْمِنِ ابْنِ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الأَنْصَارُ شِعَارٌ، وَالنَّاسُ دِثَار، وَلَوْ أَنَّ النَّاسَ اسْتَقْبَلُوا وَادِيّا أَوْ شِعْبًا، وَاسْتَقبَلَتِ الأَنْصَارُ وَادِيًا، لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ، وَلَوْلَا الهجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الْأَنْصَارِ").

رجال هذا الإسناد: خمسة:

1 -

(عبد الرّحمن بن إبراهيم) العثمانيّ مولاهم، أبو سعيد الدمشقيّ المعروف بدُحَيم ابن اليتيم، ثقة حافظ متقنٌ [10] 7/ 51.

2 -

(ابن أبي فُديك) محمّد بن إسماعيل بن مسلم الديلي مولاهم، أبو إسماعيل المدنيّ، صدوقٌ، من صغار [8] 7/ 51.

3 -

(عبد المهيمن عبّاس بن سهل بن سعد) السّاعديّ الأنصاريّ المدنيّ، ضعيفٌ [8].

رَوَى عن أبيه عن جده، وعن أبي حازم بن دينار، وامرأة لم تُسَمَّ.

رَوَى عنه ابنه عبّاس، وعبد الله بن نافع، وابنُ أبي فُديك، ويعقوب بن محمّد الزّهريُّ، وذُؤيب بن غَمَامة، ويحيى بن محمّد الجاريّ، ويعقوب بن حميد بن كاسب، وعلي بن بحر بن بَرّيّ، وأبو مُصْعَب، وغيرهم.

قال البخاريّ: منكر الحديث. وقال النَّسائيّ: ليس بثقة. وقال ابن عدي: له عشرة أحاديث، أو أقلُّ. وقال ابن حبّان: لمّا فَحُش الوهم في روايته بطل الاحتجاج به.

وقال علي بن الجنيد: ضعيف الحديث. وقال النَّسائيُّ في موضع آخر: متروك الحديث.

وقال أبو حاتم: منكر الحديث. وقال الساجي: عنده نسخة عن أبيه عن جده فيها مناكير. وقال الحربي: غيرة أوثق منه. وقال الدُّوريّ عن ابن معين: أُبَيٌّ وعبد المهيمن أخوان، وأُبَيّ أقومهما. وذكره ابن الْبَرْقي في طبقة من كان الأغلب على روايته الضعف.

ص: 447

وقال الدارقطنيّ: ليس بالقويّ. وقال مرّة: ضعيف. وقال أبو نعيم الأصبهانيّ: رَوَى عن آبائه أحاديث منكرة لا شيء. وأخرج الحاكم حديثه في "المستدرك"، فَوَهِمَ. وذكره البخاريّ في فصل من مات ما بين الثمانين إلى التسعين ومائة.

أخرج له الترمذيّ، والمصنّف، وله في هذا الكتاب ستة أحاديث فقط، برقم 164 و 400 و 500 و 547 و 918 و 3465.

4 -

(أبوه) عبّاس بن سهل بن سعد الساعديّ الأنصاريّ المدنيّ، ثقة [4].

أدرك زمن عثمان، وروى عن أبيه، وأبي أُسيد، وأبي حُميد الساعديين، وأبي هريرة، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نُفيل، وعبد الله بن الزُّبير، وجابر، وعبد الله بن حنظلة، وغيرهم.

ورَوَى عنه ابناه: أُبيِّ، وعبد الجهيمن، وعمرو بن يحيى بن عُمارة، وعبد الرّحمن بن سليمان ابن الغسيل، وعمارة بن غَزِيَّة، وابن إسحاق، والعلاء بن عبد الرّحمن، ومحمد ابن عمرو بن عطاء، وفُليح بن سليمان، وابنُ أبي ذئب، وجماعة.

قال ابن معين والنَّسائيّ: ثقة. وقال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث. وذكره ابن حبّان في "الثِّقات". وقال الهيثم بن عديّ: توفي بالمدينة زمن الوليد بن عبد الملك.

قال الحافظ المزّيّ: كذا قال، والأشبه أن يكون زمن الوليد بن يزيد بن عبد الملك، وذلك قريب من سنة عشرين ومائة.

قال الحافظ: وقد أَرَّخَ وفاته في زمن الوليد بن عبد الملك كما قال الهيثم محمّد بن سعد عن شيخه الواقدي وغيره، وخليفةُ بن خياط، ويعقوب بن سفيان، وابن حبّان، وزاد سنة تسعين، وزاد ابن سعد وُلِد في عهد عمر، وقُتِلَ عُثمانُ وهو ابن خمس عشرة سنة، وكان منقطعا إلى ابن الزُّبير.

أخرج له البخاريّ، ومسلم، وأبو داود، والترمذيّ، والمصنّف، وله في هذا الكتاب سبعة أحاديث فقط، برقم 164 و 400 و 500 و 547 و 863 و 918 و 3465.

5 -

(جدّه) سهل بن سعد بن مالك بن خالد بن ثعلبة بن حارثة بن عمرو بن

ص: 448

الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج الأنصاريّ الساعديّ، أبو العباس، ويقال: أبو يحيى الصحابيّ ابن الصحابيّ رضي الله عنهما.

رَوَى عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وعن أُبَيّ بن كعب، وعاصم بن عدي، وعمرو بن عَبَسَة، ومروان بن الحكم، وهو دونه.

ورَوَى عنه ابنه عبّاس، والزهري، وأبو حازم بن دينار، ووَفَاء بن شُريح الحَضْرميّ، ويحيى بن ميمون الحضرمي، وعبد الله بن عبد الرّحمن بن أبي ذُبَاب، وعمرو بن جابر الحضرميّ، وغيرهم.

قال شعيب، عن الزّهريّ، عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تُوُفِّي، وهو ابن (15) سنة، قال أبو نعيم وغير واحد: مات سنة (88)، زاد بعضهم: وهو ابن (96) سنة، وقال الواقدي وغيره: مات سنة (91)، وهو ابن مائة سنة، وهو آخر من مات بالمدينة من الصّحابة.

قال الحافظ: رواية شعيب صحيحة، وهي المعتمدة في مولده، فيكون مولده قبل الهجرة بخمس سنين، فأيّ سنة مات يضاف إليها الخمس، فيخرج مبلغ عمره على الصِّحَّة، وما يخالف ذلك لا يُعَوَّل عليه. وقال ابن حبّان: كان اسمه حَزْنًا فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم سَهْلًا. وقال أبو حاتم الرَّازيُّ: عاش مائة سنة، أو أكثر، فعلى هذا يكون تأخر إلى سنة (96) أو بعدها، وزعم قتادة أنه مات بمصر، وزعم أبو بكر بن أبي داود أنه مات بالإسكندرية، قال الحافظ: وهذا عندي أنه وَلَدُهُ عبّاس بن سهل انتقل الذهن إليه، وأما سهل فموته بالمدينة. انتهى (1).

أخرج له الجماعة، وله في هذا الكتاب (30) حديثًا، والله تعالى أعلم.

(1)"تهذيب التهذيب" 2/ 124.

ص: 449

شرح الحديث:

(عَنْ عَبْدِ الْمُهَيْمِنِ بْنِ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ) عبّاس (عَنْ جَدِّهِ) سهل رضي الله عنه (أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ) هذا الحديث له سبب، اختصره المصنّف، وساقه الشيخان في "صحيحيهما" بطوله، وهذا لفظ الإمام البخاريّ رحمه الله في "كتاب المغازي"، قال رحمه الله:

4330 -

حَدَّثَنَا موسى بن إسماعيل، حَدَّثَنَا وهيب، حَدَّثَنَا عمرو بن يحيى، عن عباد بن تميم، عن عبد الله بن زيد بن عاصم، قال لمّا أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، قسم في النَّاس، في المؤلفة قلوبهم، ولم يُعْط الأنصار شيئًا، فكأنهم وَجَدُوا إذ لم يُصِبْهم ما أصاب الناس، فخطبهم، فقال:"يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضُلَّالًا فهداكم الله بي، وكنتم متفرقين، فألّفكم الله بي، وعالة فأغناكم الله بي"، كُلَّما قال شيئًا قالوا: الله ورسوله أَمَنُّ، قال:"ما يَمنَعُكم أن تجيبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ "، قال: كلما قال شيئًا، قالوا: الله ورسوله أَمَنُّ، قال:"لو شئتم قلتم: جئتنا كذا وكذا"، أترضون أن يذهب النَّاس بالشاة والبعير وتذهبون بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى رِحَالكم، لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، ولو سلك النَّاس واديّا وشِعْبًا، لسلكت وادي الأنصار وشعبها، الأنصار شِعَار، والناس دِثَار، إنكم ستلقون بعدي أَثَرَةً، فاصبروا حتّى تلقوني على الحوض".

وقال في "كتاب الغازي" أيضًا:

4331 -

حدثني عبد الله بن محمّد، حَدَّثَنَا هشام، أَخْبَرَنَا معمر، عن الزهريّ، رضي الله عنه قال: أخبرني أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال ناس من الأنصار حين أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم ما أفاء من أموال هَوَازن، فطفق النّبيّ صلى الله عليه وسلم يُعطي رجالًا المائة من الإبل، فقالوا: يغفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي قريشًا ويتركنا، وسيوفُنا تَقْطُرُ من دمائهم، قال أنس: فَحُدِّث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمقالتهم، فأرسل إلى الأنصار، فجمعهم في قُبَّةٍ من أَدَم، ولم يَدْعُ معهم غيرَهم، فلما اجتمعوا قام النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال:"ما حديث بلغني عنكم؟ "، فقال فقهاء

ص: 450

الأنصار: أما رؤساؤنا يا رسول الله فلم يقولوا شيئًا، وأما ناس منا حديثةٌ أسنانهم، فقالوا: يغفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم يُعطي قريشًا ويتركنا، وسيوفنا تقطر من دمائهم، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم:"فإني أعطي رجالا حديثي عهد بكفر، أَتَألَّفُهُم، أما ترضون أن يذهب النَّاس بالأموال، وتذهبون بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم؛ فوالله لمَا تنقلبون به خير ممّا ينقلبون به"، قالوا: يا رسول الله قد رضينا، فقال لهم النّبيّ صلى الله عليه وسلم:"ستجدون أَثَرَةً شديدةً، فاصبروا حتّى تلقوا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فإني على الحوض"، قال أنس: فلم يصبروا. انتهى.

(الأنْصَارُ شِعَارٌ) بكسر الشين المعجمة، بعدها عين مهملة خفيفة: الثّوب الّذي يلي الجلد من الجسد (وَالنَّاسُ دِثَار) بكسر الدّال المهملة، ومثلّثة خفيفة: الّذي يلبس فوق الشعار، وهي استعارة لطيفة لِفَرْط قربهم منه، وأراد أيضًا أنهم بِطَانته، وخاصّته، وأنهم ألصق به، وأقرب إليه من غيرهم، قاله في "الفتح"(1).

وقال النوويّ في "شرحه": قال أهل اللُّغة: الشِّعَار الثّوب الّذي يلي الجسد، والدثار فوقه، ومعنى الحديث أن الأنصار هو البطانة، والخاصّة، والأصفياء، وألصق بي من سائر النَّاس، وهذا من مناقبهم الظاهرة، وفضائلهم الباهرة. انتهى (2).

(وَلَوْ أَنَّ النَّاسَ اسْتَقْبَلُوا وَادِيًا) قال القرطبيّ: هو مجرى الماء المتّسع (3)، وقال في "الفتح": هو المكان المنخفض، وقيل: الّذي فيه ماء، والمراد هنا بلدهم (أَوْ شِعْبًا) بكسر الشين المعجمة: اسم لما انفرج بين جبلين، وقيل: الطريق في الجبل، وأراد صلى الله عليه وسلم بهذا التنبيه على جزيل ما حصل لهم من ثواب النصرة، والقناعة بالله ورسوله عن الدنيا، ومَنْ هذا وصفه، فحقّه أن يُسلَك طريقه، ويُتَّبَع حاله، قاله في "الفتح".

(وَاسْتَقْبَلَتِ الأَنْصَارُ وَادِيًا، لَسَلَكْتُ وَادِيَ الْأنْصَارِ) يعني أنه لا يفارقهم، ولا

(1)"الفتح" 8/ 65.

(2)

"شرح مسلم" 7/ 157.

(3)

"المفهم" 3/ 105.

ص: 451

يسكن إِلَّا معهم، وفيه إبطال لزعم بعضهم أنه سيسكن مكّة بعد فتحها.

وقال الخطّابيّ رحمه الله: لمّا كانت العادة أن المرء يكون في نزوله، وارتحاله مع قومه، وأرض الحجاز كثيرة الأودية والشِّعَاب، فإذا تفرّقت في السَّفر الطرُقُ سلك كلُّ قوم منهم واديّا وشِعْبًا، فأراد أنه مع الأنصار، قال: ويحتمل أن يُريد بالوادي المذهب كما يقال: فلان في وادي فلان، وأنا في واد. انتهى (1).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: المعنى الأوّل هو الظّاهر، فتأمّله، والله تعالى أعلم.

(وَلَوْلَا الهجْرَةُ) أي لولا شرفها، وجلالة قدرها عند الله تعالى (لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأَنْصارِ") أي لعددت نفسي واحدًا منهم؛ لكمال فضلهم وشرفهم بعد فضل الهجرة وشرفها، والمقصود الإخبار بما لهم من المزيّة بعد مزيّة الهجرة، وأنها مزيّة يرضى بها مثله، وإلا فالانتقال لا يُتصوّر، سيّما الانتساب، فإنّه حرام دينًا أيضًا (2).

وقال الخطابيّ رحمه الله: أراد بهذا الكلام تألُّفَ الأنصار، واستطابة نفوسهم، والثناء عليهم في دينهم، حتّى رضي أن يكون واحدًا منهم، لولا ما يمنعه من الهجرة الّتي لا يجوز تبديلها، ونسبةُ الإنسان تقع على وجوه: منها: الولادة، والبِلادية، والاعتقادية، والصناعية، ولا شك أنه لم يُرِد الانتقال عن نسب آبائه؛ لأنه ممتنع قطعًا، وأما الاعتقاديّ فلا معنى للانتقال فيه، فلم يبق إِلَّا القسمان الأخيران، وكانت المدينة دار الأنصار، والهجرة إليها أمرًا واجبًا، أي لولا أن النسبة الهجرية لا يَسَعُني تركها لانتسبت إلى داركم، قال: ويحتمل أنه لمّا كانوا أخواله؛ لكون أم عبد المطلب منهم، أراد أن ينتسب إليهم بهذه الولادة، لولا مانع الهجرة.

وقال ابن الجوزيّ رحمه الله: لم يرد صلى الله عليه وسلم تَغيِيرَ نسبه، ولا مَحْوَ هجرته، وإنما أراد أنه لولا ما سبق من كونه هاجر لانتسب إلى المدينة، وإلى نصرة الدين، فالتقدير لولا أن

(1) راجع "الفتح" 8/ 65.

(2)

"شرح السنديّ" 1/ 107.

ص: 452

الهجرة نسبة دينية، لا يَسَعُ تركها لانتسبت إلى داركم.

وقال القرطبي رحمه الله: معناه: لتسميت باسمكم، وانتسبت إليكم، كما كانوا ينتسبون بالحلف، لكن خصوصية الهجرة وتربيتها سبقت، فمنعت من ذلك، وهي أعلى وأشرف، فلا تَتبَدَّل بغيرها. وقيل: معناه: لكنت من الأنصار في الأحكام والعِدَاد.

وقيل: التقدير: لولا أن ثواب الهجرة أعظم لاخترت أن يكون ثوابي ثواب الأنصار، ولم يُرِد ظاهر النسب أصلًا.

وقيل: لولا التزامي بشروط الهجرة، ومنها ترك الإقامة بمكة فوق ثلاث، لاخترت أن أكون من الأنصار، فيباح لي ذلك. ذكر هذا كلّه في "الفتح"(1).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: لا تخالف بين هذه الأقوال، وأظهرها ما قاله القرطبيّ، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

(مسألة):

حديث سهل بن سعد رضي الله عنهما بهذا الإسناد من أفراد المصنّف، وهو ضعيف بهذا الإسناد؛ لضعف عبد المهيمن، كما سبق في ترجمته.

قال البوصيريّ رحمه الله: هذا إسناد ضعيف، والآفة فيه من عبد المهيمن بن عبّاس، وباقي رجاله ثقات.

قال: رواه الترمذيّ في "الجامع" من حديث أُبيّ بن كعب رضي الله عنه، لكنه لم يذكر:"الأنصار شعار، والناس دِثَار"، وقال:"ولو سلك النَّاس" بدل "ولو استقبلوا"، والباقي نحوه، وقال: حديث حسن. انتهى (2).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الحديث بهذا الإسناد ضعيف، كما عرفت، لكنه

(1)"الفتح" 8/ 64 - 65.

(2)

"مصباح الزجاجة" ص 50.

ص: 453

متّفق عليه من حديث أنس، وعبد الله بن زيد بن عاصم، وأخرجه البخاريّ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وصحيح أيضًا من حديث أبي قتادة، وأبي بن كعب رضي الله عنه، فاقتصار البوصيريّ على حديث أبيّ رضي الله عنه فقط تقصير منه، لإشعاره أنه لم يروه غير أُبيّ بن كعب عند الترمذيّ، مع أنه متّفقٌ عليه من حديث الأولين، وأخرجه البخاريّ من حديث الثّالث، وصحيح أيضًا من حديث أبي قتادة رضي الله عنه.

فأمّا حديث أنس رضي الله عنه فأخرجه (البخاريّ) في "المغازي"(3146 و 3147 و 3163 و 3528 و 3778 و 3793 و 4333) و (مسلم) في "الزكاة" 1059 و (الترمذيّ) في "المناقب"(3836) و (النَّسائيّ) في "الزَّكاة"(2610 و 2611) و (أحمد) في "مسنده"(11642 و 11742 و 12147 و 12235 و 12245 و (الدارميّ) في "مسنده"(2415).

وأما حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه فأخرجه (البخاريّ) 5/ 200 و 9/ 106 و (مسلم) في 3/ 108.

وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه فأخرجه (البخاريّ) في 5/ 38 و 9/ 106 و (الدارميّ)(2517) و (أحمد) في 2/ 315 و 410 و 414 و 469 و 501 و 3/ 67.

وأما حديث أبي قتادة رضي الله عنه فأخرجه (أحمد) 5/ 307 و (الحاكم) في "المستدرك" 4/ 79 بإسناد صحيح.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبّين بهذا كلّه أن الحديث وإن كان ضعيف الإسناد من حديث سهل بن سعد رضي الله عنهما، لكنه صحيح من أحاديث هؤلاء الصّحابة رضي الله عنهم. ودلالة الحديث على ما ترجم له المصنّف، وهو بيان فضل الأنصار رضي الله عنهم واضحة، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

ص: 454

وبالسند المُتَّصل إلى الإمام ابن مَاجَه رحمه الله في أول الكتاب قال:

165 -

(حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَني كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "رَحِمَ الله الأَنْصَارَ، وَأَبْنَاءَ الأَنْصارِ، وَأَبْنَاءَ أَبْنَاءِ الأَنْصارِ").

رجال هذا الإسناد: خمسة:

1 -

(أبو بكر بن أبي شيبة) هو: عبد الله بن محمّد بن أبي شيبة إبراهيم عثمان العبسيّ الكوفيّ، ثقة حافظ [10] 1/ 1.

2 -

(خالد بن مَخْلد) الْقَطَوَانيّ -بفتح القاف والطاء- أبو الْهَيْثَم البجليّ مولاهم الكوفيّ، وقَطَوَان موضع بالكوفة، صدوقٌ يتشيّع، وله أفراد، من كبار [10].

رَوَى عن سليمان بن بلال، وعبد الله بن عُمر العُمَريّ، ومحمد بن جعفر بن أبي كثير، ومالك، وعبد الرّحمن بن أبي الموال، وإسحاق بن حازم المدني، وغيرهم.

ورَوَى عنه البخاريّ، وروى له مسلم، وأبو داود في "مسند مالك"، والباقون بواسطة محمّد بن عثمان بن كَرَاَمة، وأبي كريب، وابن نمير، والقاسم بن زكريا، وعبد بن حميد، وأبو بكر بن أبي شيبة، وأحمد بن عثمان بن حكيم الأودي، وجماعة.

قال عبد الله بن أحمد عن أبيه: له أحاديث مناكير. وقال أبو حاتم: يُكتَب حديثه.

وقال الآجري عن أبي داود: صدوقٌ، ولكنه يَتَشَيَّع. وقال عثمان الدارمي عن ابن معين: ما به بأس. وقال ابن عديّ: هو من المكثرين، وهو عندي -إن شاء الله- لا بأس به. وقال أيضًا بعد أن ساق له أحاديث: لم أجد في حديثه أنكر ممّا ذكرته، ولعلّها تَوَهُّمًا منه، أو حملًا على حفظه. وقال ابن سعد: كان متشيعا منكر الحديث مُفْرِطًا في التشيع، وكتبوا عنه للضرورة. وقال العجلي: ثقة، فيه قليل تشيع، وكان كثير الحديث. وقال صالح بن محمّد جَزَرَة: ثقة في الحديث، إِلَّا أنه كان مُتَّهَمًا بالغلوّ. وقال الجوزجاني: كان شَتّامًا مُعْلِنًا لسوء مذهبه. وقال الأعين: قلت له: عندك أحاديث في مناقب الصحابة؟ قال: قل: في المثالب، أو المثاقب -يعني بالمثلثة، لا بالنون-. وحكى أبو الوليد الباجي

ص: 455

في رجال البخاريّ، عن أبي حاتم أنه قال: لخالد بن مخلد أحاديث مناكير، ويكتب حديثه. وفي "الميزان" للذهبي: قال أبو أحمد: يكتب حديثه، ولا يحتج به. وقال الأزديّ: في حديثه بعض المناكير، وهو عندنا في عداد أهل الصدق.

وقال ابن شاهين في "الثِّقات": قال عثمان بن أبي شيبة: هو ثقة صدوق. وذكره الساجي والعقيلي في "الضعفاء". وذكره ابن حبّان في "الثِّقات"، وقال: كان يكره أن يقال له: الْقَطَوَانيّ. وقال البخاريّ في "تاريخه": كان يغضب من القَطَوَاني، ويقال: إنما قَطَوَان بَقّال. وزعم الباجي أن قَطَوان قرية بالقرب من الكوفة، وبه جزم ابن السمعاني.

قال مطين: مات سنة (213) وكذا أرخه ابن سعد، وقال ابن قانع: سنة (14)، وذكره البخاريّ في "الأوسط" فيمن مات فيما بين سنة (11) إلى (15).

أخرج له البخاريّ، ومسلم، وأبو داود في "مسند مالك"، والترمذيّ، والنَّسائيّ، والمصنّف، وله في هذا الكتاب (19) حديثًا.

3 -

(كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف) بن زيد بن مِلْحَة اليشكري المزنيّ المدنيّ، ضعيف [7].

رَوَى عن أبيه، ومحمد بن كعب القرظيّ، ونافع مولى ابن عمر، وبكير بن عبد الرّحمن المزني، وجماعة.

ورَوَى عنه يحيى بن سعيد الأنصاري، وأبو أويس، وزيد بن الحُبَاب، وعبد الله ابن وهب، وعبد الله بن نافع، وإبراهيم بن علي الرافعي، وغيرهم.

قال أبو طالب عن أحمد: منكر الحديث ليس بشيء. وقال عبد الله بن أحمد: ضرب أبي على حديث كثير بن عبد الله في "المسند"، ولم يُحدّثنا عنه. وقال أبو خيثمة: قال لي أحمد: لا تحدث عنه شيئًا. وقال الدُّوري عن ابن معين: لجده صحبة، وهو ضعيف الحديث، وقال مرّة: ليس بشيء. وقال الدارمي عن ابن معين أيضًا: ليس بشيء. وقال الآجري: سئل أبو داود عنه: فقال كان أحد الكذابين، سمعت محمّد بن

ص: 456

الوزير المصري يقول: سمعت الشّافعيّ، وذكر كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف، فقال: ذاك أحد الكذابين، أو أحد أركان الكذب. وقال ابن أبي حاتم: سألت أبا زرعة عنه، فقال: واهي الحديث، ليس بقوي، قلت له: بهز بن حكيم، وعبد المهيمن، وكثير أيهم أحب إليك؟ قال: بهز وعبد المهيمن أحب إلي منه.

وقال أبو حاتم: ليس بالمتين. وقال التّرمذيّ: قلت لمحمد في حديث كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده في السّاعة الّتي تُرْجَى في يوم الجمعة: كيف هو؟ قال: هو حديث حسن، إِلَّا أن أحمد كان يَحْمِل على كثير يضعفه، وقد روى يحيى بن سعيد الأنصاري عنه. وقال النَّسائيُّ، والدارقطني: متروك الحديث. وقال النَّسائيُّ في موضع آخر: ليس بثقة. وقال ابن حبّان: روى عن أبيه عن جده نسخة موضوعة، لا يحل ذكرها في الكتب، ولا الرِّواية إِلَّا على جهة التعجب.

وقال ابن عديّ: عامة ما يرويه لا يتابع عليه. وقال إبراهيم بن المنذر عن مُطَرّف: رأيته وكان كثير الخصومة، ولم يكن أحد من أصحابنا يأخذ عنه. وقال له ابن عمران القاضي: يا كثير أنت رجل بَطّال تخاصم فيما لا تَعْرِف، وتَدَّعِي ما ليس لك، وليس عندك ما يُطْلَب. وقال أبو نعيم: ضعفه علي ابن المديني. وقال ابن سعد: كان قليل الحديث، يُستَضعف. وقال ابن السكن: يروي عن أبيه، عن جده أحاديث فيها نظر. وقال الحاكم: حدَّث عن أبيه عن جده نسخة فيها مناكير. وضعفة الساجيّ، ويعقوب بن سفيان، وابن الْبَرْقيّ. وقال ابنُ عبد البرّ: مجمع على ضعفه. وذكره البخاريّ في "الأوسط" في فصل من مات من الخمسين ومائة إلى الستين.

روى له البخاريّ في "جزء القراءة"، والترمذيّ، والمصنّف، وله في هذا الكتاب (11) حديثًا.

4 -

(أبوه) عبد الله بن عمرو بن عوف بن زيد بن مِلْحَة المزنيّ المدنيّ، مقبول [3].

رَوَى عن أبيه، وعنه ابنه كثير، وذكره ابن حبّان في "الثِّقات". قال الحافظ: ووقع في سند الحديث الّذي علقه البخاريّ لوالده ذكره ضِمْنًا، وهو في "كتاب الغصب".

ص: 457

روى له البخاريّ في خلق "أفعال العباد"، وفي "جزء القراءة"، وأبو داود، والترمذيّ، والمصنّف، وله في هذا الكتاب (11) حديثًا أيضًا.

5 -

(جدّه) عمرو بن عوف بن زيد بن مِلْحَة -بكسر أوّله، ومهملة- ابن عمرو ابن بكر بن أفرك بن عثمان بن عمرو بن أُدّ بن طابخة، أبو عبد الله المزنيّ، قال ابن سعد: كان قديم الإسلام، رَوَى عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم، ورَوَى حديثه كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف، عن أبيه عن جده، وكثير ضعيف، وذكر أبو حاتم ابن حبّان في "الصّحابة" أنه مات في ولاية معاوية. وقال الواقديّ: استعمله النّبيّ صلى الله عليه وسلم على حرم المدينة. وقال البخاريّ في "التاريخ": قال لنا ابن أبي أويس: حَدَّثَنَا كثير بن عبد الله، عن أبيه، عن جده، قال: كنا مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم حين قَدِمَ المدينة، فصلّى نحو بيت المقدس سبعة عشر شهرًا. ورَوَى ابن سعد عنه أن أول غزوة غزاها الأبواء.

روى له البخاريّ في التعاليق، وأبو داود، والترمذيّ، والمصنّف، وله في هذا الكتاب (11) حديثًا أيضًا، والله تعالى أعلم.

شرح الحديث:

عن (عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ) رضي الله عنه، أنه (قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله رضي الله عنه: "رَحِمَ الله الأَنْصَارَ) جملة فعلية خبريّة اللّفظ، إنشائية المعنى؛ لأن المراد بها الدعاء بالرّحمة لهم، لا الإخبار بذلك، ويدلُّ على ذلك ما وقع عند الشيخين في حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه بلفظ: "اللَّهُمَّ اغفر للأنصار

" الحديث (وَأَبْنَاءَ الْأنْصَارِ) قال السنديّ رحمه الله أراد بالأبناء الصلبيّة في الموضعين، إذ لو أراد أعمّ لما احتاج "إلى قوله: (وَأَبْنَاءَ أَبْنَاءِ الأَنْصَارِ") قال: ويحتمل على بُعْد أن المراد العموم في أبناء الأبناء، ثمّ الظّاهر أن المراد بالأبناء الأولاد، فالدعاء شاملٌ للذكور والإناث. انتهى (1).

ولفظ الشيخين من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهمّ

(1)"المفهم" 1/ 107.

ص: 458

اغفر للأنصار، ولأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار". ولفظ مسلم من حديث أنس رضي الله عنه:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استغفر للأنصار -قال: وأحسبه قال-: "ولذرَاريّ الأنصار، ولموالي الأنصار" لا أشكّ فيه.

قال القرطبيّ رحمه الله: ظاهره الانتهاء بالاستغفار إلى البطن الثّالث، فيمكن أن يكون ذلك؛ لأنهم من القرون الّتي قال النبي صلى الله عليه وسلم:"خير أُمَّتي قرني، ثمّ الذين يلونهم، ثمّ الذين يلونهم" متّفقٌ عليه. ويمكن أن تشمل بركة هذا الاستغفار المؤمنين من نسل الأنصار إلى يوم القيامة مبالغةً في إكرام الأنصار، لا سيّما إذا كانت نيّة الأولاد فعل مثال ما سبق إليه الأجداد، ويؤيّد ذلك قوله في الرِّواية الأخرى:"ولذرَارِيّ الأنصار". انتهى (1)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

(مسألة):

حديث عمرو بن عوف رضي الله عنه هذا ضعيف بهذا الإسناد؛ لاتفاقهم على ترك كثير بن عبد الله، فقد تركه النَّسائيّ، والدراقطنيّ، وضعّفه غير واحد، واتّهمه الشّافعي وأبو داود بالكذب، كما سبق في ترجمته، قال: البوصيريّ: هذا إسناد ضعيف، فيه كثير بن عبد الله، وهو متّهمٌ، ورواه البخاريّ ومسلم من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه بلفظ "اللَّهُمَّ اغفر للأنصار"، والباقي مثله، وهو في "جامع الترمذيّ" من حديث أنس رضي الله عنه -كما هو في "الصحيحين"، وقال: حسنٌ غريبٌ من هذا الوجه. انتهى (2).

والحاصل أن الحديث صحيح، من حديث زيد بن أرقم، ومن حديث أنس رضي الله عنه.

والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

{إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: 88].

(1)"المفهم" 6/ 469.

(2)

"مصباح الزجاجة" ص 51.

ص: 459