المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌23 - (فضل عمار بن ياسر رضي الله عنه - مشارق الأنوار الوهاجة ومطالع الأسرار البهاجة في شرح سنن الإمام ابن ماجه - جـ ٣

[محمد بن علي بن آدم الأثيوبي]

فهرس الكتاب

- ‌11 - (باب فضائل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌12 - (فَضْلُ عُمَرَ رضي الله عنه

- ‌13 - (فضل عثمان رضي الله عنه

- ‌14 - (فَضْلُ عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ رضي الله عنه

- ‌15 - (فَضْلُ الزُّبَيْر رضي الله عنه

- ‌16 - (فَضْلُ طَلْحَةَ بن عُبَيْدِ اللهِ رضي الله عنه

- ‌17 - (فَضْلُ سَعْدٍ بن أبي وَقَّاص رضي الله عنه

- ‌18 - (فَضَائِلُ الْعَشرَةَ رضي الله عنهم

- ‌19 - (فَضْلُ أَبي عُبَيْدَةَ بْنِ الجَرَّاحِ رضي الله عنه

- ‌20 - (فَضْلُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُوْدٍ رضي الله عنه

- ‌21 - (فَضْلُ الْعَبَّاس بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رضي الله عنه

- ‌22 - (فَضْلُ الْحَسَنِ وَالْحُسيْنِ ابْنَي عَلِيٍّ بْنِ أَبي طَالِبٍ رضي الله عنهم

- ‌23 - (فضْلُ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرِ رضي الله عنه

- ‌24 - (فَضْلُ سَلْمَان، وأبي ذَرٍّ وَالْمِقْدَادِ) رضي الله عنهم

- ‌25 - (فَضَائلُ بِلَالٍ) رضي الله عنه

- ‌26 - (فَضَائلُ خَبَّابٍ) رضي الله عنه

- ‌27 - (فَضَائِل زَيِدٍ بْنِ ثَابِتٍ) رضي الله عنه

- ‌28 - (فَضْلُ أَبِي ذَرٍّ) رضي الله عنه

- ‌29 - (فَضْلُ سَعْدٍ بْنِ مُعَاذٍ) رضي الله عنه

- ‌30 - (فَضْلُ جَرِيرٍ بْنِ عَبْدِ الله الْبَجَلِيِّ) رضي الله عنه

- ‌31 - (فَضْلُ أَهْلِ بَدْرٍ) رضي الله عنه

- ‌31 (*) - (فَضَائِلُ الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم

- ‌32 - (فَضْلُ الأَنْصَارِ رضي الله عنهم

- ‌33 - (فَضْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما

- ‌34 - (بَابٌ في الْخَوَارِجِ)

الفصل: ‌23 - (فضل عمار بن ياسر رضي الله عنه

‌23 - (فضْلُ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرِ رضي الله عنه

-)

هو: عمّار بن ياسر بن عامر بن مالك بن كنانة بن قيس بن الحصين بن الوَذِيم بن ثعلبة بن عوف بن حارثة بن عامر بن بام بن عَنْس -بنون ساكنة- ابن مالك العنسي، أبو اليَقْظَان، حليف بني مخزوم، وأمه سُمَيّة مولاة لهم، كان من السابقين الأولين هو وأبوه، وكانوا ممّن يُعَذَّب في الله، فكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يَمُرّ عليهم، فيقول:"صبرا آل ياسر موعدكم الجنَّة"، واختُلف في هجرته إلى الحبشة، وهاجر إلى المدينة، وشهد المشاهد كلها، ثمّ شهد اليمامة، فقطعت أذنه بها، ثمّ استَعمَله عمر رضي الله عنه علي الكوفة، وكَتَبَ إليهم أنه من النجباء، من أصحاب محمّد صلى الله عليه وسلم.

وتواترت الأحاديث عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن عمارا تقتله الفئة الباغية، وأجمعوا على أنه قُتل مع علي رضي الله عنه بصِفِّين سنة سبع وثمانين في ربيع، وله ثلاث وتسعون سنة، واتفقوا على أنه نزل فيه قوله عز وجل:{إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [النحل: 106](1)، وروى عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم (62) حديثًا، اتفق الشيخان على حديثين، وانفرد البخاريّ بثلاثة، ومسلم بحديث، وله عند المصنّف في هذا الكتاب ثمانية أحاديث فقط، برقم 294 و 429 و 565 و 566 و 569 و 571 و 916 و 1645، والله تعالى أعلم بالصواب.

وبالسند المُتَّصل إلى الإمام ابن مَاجَه رحمه الله في أول الكتاب قال:

146 -

(حَدَّثَنَا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَليُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا وَكيعٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ هَانِئِ بْنِ هَانِئٍ، عَنْ عِليِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: كنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَاسْتَأْذَنَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "ائْذَنُوا لَهُ، مَرْحَبًا بِالطَّيِّبِ المطيَّبِ").

رجال هذا الإسناد: سبعة:

1 -

(عثمان بن أبي شيبة) العبسيّ، أبو الحسن الكوفيّ، ثقة حافظ شهير [10] 5/ 40.

(1) راجع "الإصابة" 4/ 473 - 474.

ص: 346

2 -

(أبو إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعيّ الكوفيّ، ثقة عابد يدلس، واختلط بآخره [3] 7/ 45.

3 -

(هانيء بن هانيء) الْهَمْدانيّ الكوفيّ، مستور [3].

روى عن عليّ، وعنه أبو إسحاق السبيعيّ وحده، قال النَّسائيّ: ليس به بأس. وذكره ابن حبّان في "الثِّقات". وذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من أهل الكوفة، قال: وكان يتشيّع. وقال ابن المدينيّ: مجهول. وقال حرملة عن الشّافعيّ: هانىء بن هانىء لا يُعرف، وأهل العلم بالحديث لا يَنسبُون حديثه لجهالة حاله.

أخرج له البخاريّ في "الأدب المفرد"، وأبو داود، والترمذيّ، والنَّسائيّ في "الخصائص"، والمصنف، وله في هذا الكتاب هذا الحديث، والذي يليه فقط.

4 -

(علي) بن أبي طالب رضي الله عنه 2/ 20. والباقون تقدّموا في الباب الماضي.

شرح الحديث:

(عَنْ عَليِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ) رضي الله عنه أنه (قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَاسْتَأْذَنَ) أي طلب الإذن في الدخول على النبيّ صلى الله عليه وسلم (عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ) رضي الله عنهما (فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "ائْذَنُوا لَه) بإبداء الهمزة ياء؛ لوقوعها إثر كسرة، هذا في حالة الابتداء، وأما في حالة الدرج، فيقرأ بالهمزة (مَرْحَبًا) قال في "اللسان": وقولهم في تحيّة الوارد: أهلًا ومرحبًا، أي أتيت سعةً، وأتيت أهلًا، فاستأنس، ولا تستوحش، وقال اللَّيث: قولهم: مرحبًا: انزل في الرحب والسعة، وأقم، فلك عندنا ذلك، وسُئل الخليل عن نصبه، فقال: بفعل محذوف، أي انزل، أو أقم، وقال ابن الأعرابيّ: تقول العرب: لا مرحبًا بك: أي لا رحُبت عليك بلادك، وهي من المصادر الّتي تقع في الدُّعاء للرجل وعليه، نحو سقيًا ورَعْيًا، وجَدْعًا وعَقْرًا، يريدون سقاك الله، ورعاك،، وقال الفرّاء: معناه رَحّبَ الله بك مَرْحَبًا، كأنه وُضع موضعَ الترحيب. انتهى ملخّصًا (1)(بِالطَيِّبِ المُطَيَّبِ) أي الطّاهر

(1)"لسان العرب" 1/ 414.

ص: 347

المطهّر (1) وفيه مبالغة، كظلّ ظَلِيل (2).

وقال السندي: قوله: "بالطيّب المطيّب" كأنه جُبل على الاستقامة والسلامة، ثمّ زاده الله تعالى ذلك بما أعطاه من علم الكتاب والسُّنَّة، فقيل: الطيّب المطيَّب. انتهى (3)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسألتان تتعلّقان بهذا الحديث:

حديث عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه هذا ضعيف؛ لجهالة هانيء بن هانيء؛ لأنه لم يرو عنه إِلَّا أبو إسحاق، ولعنعنة أبي إسحاق، فإنّه مدلّس.

[تنبيه]: صحّح الشّيخ الألباني هذا الحديث كما في "صحيح ابن ماجه" 1/ 30 و"الصحيحة" 2/ 466 وقد عرفت ما فيه، ومن الغريب أنه أورد له في "الصحيحة" شاهدًا أخرجه أبو نعيم في "الحلية"، ثمّ قال: وإسناده ضعيف، مسلسل بالضعفاء. انتهى. فكيف يستشهد بمثل هذا؟، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

وبالسند المُتَّصل إلى الإمام ابن مَاجَه رحمه الله في أول الكتاب قال:

147 -

(حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عِليٍّ الجهْضَمِيُّ، حَدَّثَنَا عَثَّامُ بْنُ عَليٍّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبي إِسْحَاقَ، عَنْ هَانِئِ بْنِ هَانئ قَالَ: دَخَلَ عَمَّارٌ عَلَى عَلِيٍّ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالطَيِّبِ الْمُطَيَّبِ، سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مُلِئَ عَمَّارٌ إِيمَانًا إِلَى مُشَاشِهِ").

رجال هذا الإسناد: ستة:

1 -

(نصر بن عليّ الْجَهْضَميّ) البصريّ، ثقة ثبتٌ [10] 1/ 13.

2 -

(عَثّام بن عليّ) بن هُجير -بجيم مصغّرًا- ابن بُجَير بن زُرْعة بن عَمْرو بن مالك بن خالد بن ربيعة بن الْوَحِيد، وهو عامر بن كعب بن عامر بن كِلاب العامريّ

(1)"لسان العرب" 1/ 563.

(2)

"المرقاة" 10/ 606.

(3)

"شرح السنديّ" 1/ 98.

ص: 348

الكلابيّ، أبو عليّ الكوفيّ، ثقة (1)، من كبار [9].

رَوَى عن الأعمش، وهشام بن عروة، وإسماعيل بن أبي خالد، والثوري، ويونس بن أبي إسحاق، وسُعَير بن الخِمْس، وغيرهم.

وروى عنه محمّد بن أبي بكر المُقَدَّميّ، ومسدد، ومحمد بن عبد الأعلى الصنعاني، وعمر بن حفص بن غياث، ونصر بن علي الجهضمي، وغيرهم.

قال الآجري عن أبي داود: سمعت أحمد يقول: عَثّام رجل صالح، قال: وسألت أبا داود عنه، فجعل يُثْنِي عليه، ويقول قولًا جميلًا. وقال النَّسائيُّ: ليس به بأس. وقال أبو زرعة: ثقة. وقال أبو حاتم: صدوق، وهو أحمب إلي من يحيى بن عيسى الرَّمليّ. وقال ابن سعد: كان ثقة. وقال الحاكم عن الدارقطني: ثقة. وذكره ابن شاهين في "الثِّقات". وقال: قال عثمان بن أبي شيبة: كان صدوقًا. وذكر له البزار حديثًا، تفرد به، وقال: وهو ثقة. وذكره ابن حبّان في "الثِّقات".

قال ابن نُمير، والترمذيّ: مات سنة (4)، وقال ابن سعد، وأبو داود: مات سنة خمس وتسعين.

أخرج له البخاريّ، والأربعة، وله في هذا الكتاب ثلاثة أحاديث فقط برقم (147) و (288) و (1321)، والباقون تقدّموا في السند الماضي، وتقدّم الأعمش قبل باب، والله تعالى أعلم.

شرح الحديث:

(عَنْ هَانِئِ بْنِ هَانِيءٍ) أنه (قَالَ: دَخَلَ عَمَّارٌ) بن ياسر رضي الله عنهما (عَلَى عَليٍّ) ابن أبي طالب رضي الله عنه (فَقَالَ) أي عليّ رضي الله عنه (مَرْحَبًا بِالطَّيِّبِ المطيَّبِ) هذا موقوف في هذه الرِّواية، وقد سبق مرفوعًا في الرِّواية الماضية، لكنه ضعيف، فالصحيح وقفه (سَمِعْتُ

(1) قال في "التقريب": صدوق، والحقّ ما قلته، كما يتبيّن لك من أقوال العلماء بعدُ، فتأمل. والله تعالى أعلم.

ص: 349

رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مُلِئَ) بضم أوله مبنيّا للمفعول، ونائب فاعله قوله:(عَمَّارٌ) رضي الله عنه إِيمَانًا) منصوب على التمييز (إِلَى مُشَاشِهِ) وفي رواية أبي نُعيم في "الحلية": "من قرنه إلى قدمه". و"الْمُشَاش" -بضم الميم، وتخفيف المعجمتين: هي رؤوس العظام، كالمرفقين، والكتفين، والركبتين، وقال الجوهريّ: هي رؤوس العظام الليّنة الّتي يمكن مَضْغُها. انتهى (1).

وقال السنديّ بعد ما ذكر نحو هذا: وعلى هذا فيمكن أن يقال: إنّه طيّب بأصل الخلقة، ومطيّب باعتبار أن الله تعالى زاد فيه ذلك بحيث ملأه منه (2).

وقال في "إنجاح الحاجة": أي دخل الإيمان في قلبه، وتفسّح في صدره حتّى سرى إلى عروقه وعظامه في سائر الجسد، وكان صلى الله عليه وسلم يدعو "اللَّهُمَّ اجعل في قلبي نورًا، وفي سمعي نورًا، وفي بصري نورًا" حتّى يقول: "واجعلني نورًا"، والمراد به نور الإيمان، انتهى، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسألتان تتعلقان بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): في درجته:

حديث عليّ رضي الله عنه هذا صحيح.

[فإن قلت]: كيف يصحّ، وفيه العلّة المذكورة في الحديث السابق؟.

[قلت]: إنّما صحّ لأن له شاهدًا، وهو ما أخرجه النَّسائيّ في "الفضائل" من "الكبرى" (8215) قال: أَخْبَرَنَا إسحاق بن منصور، قال: أَخْبَرَنَا عبد الرّحمن، عن سفيان، عن الأعمش، عن أبي عمّار، عن عمرو بن شُرَحبيل، قال: حَدَّثَنَا رجلٌ من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مُلىء عمّار بن ياسر إيمانًا إلى مشاشه"(3).

(1)"النهاية" 5/ 161.

(2)

"شرح السنديّ" 1/ 98.

(3)

راجع "السنن الكبرى" 7/ 358 رقم الحديث (8215).

ص: 350

وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات، رجال الشيخين، غير أبي عمّار، واسمه عَرِيب -بفتح أوله، وكسر الراء- ابن حُمَيد الهمدانيّ، وهو ثقة، وعبد الرّحمن هو ابن مهديّ.

وأخرجه الحاكم في "مستدركه" 3/ 392 - 393 من طريق محمّد بن أبي يعقوب -وهو ثقة- عن عبد الرّحمن بن مهديّ بإسناد النَّسائيّ، وسمّى الصحابيّ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

والحاصل أن الحديث صحيح؛ لما ذكرناه، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

وبالسند المُتّصل إلى الإمام ابن مَاجَه رحمه الله في أول الكتاب قال:

148 -

(حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى ح وحَدَّثَنَا عِليُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَعَمْرُو بْنُ عَبْدِ الله، قَالَا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا وَكِيع، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ سِيَاهٍ، عَنْ حَبيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "عمَارٌ مَا عُرِضَ عَلَيْهِ أَمْرَانِ، إِلا اخْتَارَ الْأَرْشَدَ مِنْهُمَا").

رجال هذا الإسناد: تسعة:

1 -

(أبو بكر بن أبي شيبة) هو: عبد الله بن محمّد بن أبي شيبة إبراهيم بن عثمان العبسيّ الكوفيّ، ثقة حافظ صاحب تصانيف، أكثر عنه المصنّف [10] 1/ 1.

2 -

(عمرو بن عبد الله) بن حَنَش، ويقال: ابن محمّد بن حَنَش الأوديّ الكوفيّ، ثقة [10] 11/ 96 من أفراد المصنّف (1).

3 -

(عبيد الله بن موسى) بن أبي المختار باذام العبسيّ، أبو محمّد الكوفيّ، ثقة كان يتشيع [9] 9/ 70.

4 -

(عبد العزيز بن سياه) -بكسر المهملة، وتخفيف التحتانيّة- الأَسَدي الكوفيّ، ثقة (2) يتشيّع [7].

(1) هذا ممّا يفنّد قول من يقول: إن من انفرد بهم ابن ماجه من الرواة ضعفاء، فتنبّه.

(2)

قال في "التقريب": صدوق، والحقّ ما قلناه، كما يتبين من أقوال أهل العلم في =

ص: 351

وليس له في هذا الكتاب إِلَّا هذا الحديث.

5 -

(حبيب بن أبي ثابت) قيس، ويقال: هند بن دينار الأسديّ مولاهم، أبو يحيى الكوفيّ، ثقة فقيه جليلٌ، كثير الإرسال والتدليس [3] 5/ 41.

6 -

(عطاء بن يسار) الهلاليّ، أبو محمّد المدنيّ، مولى ميمونة، ثقة فاضل صاحب مواعظ وعبادة، من صغار [3] 9/ 60.

7 -

(عائشة) أم المؤمنين رضي الله عنها 2/ 14، والباقيان تقدّما قبل حديث، والله تعالى أعلم.

لطائف هذا الإسناد:

1 -

(منها): أنه من سداسيّات المصنّف رحمه الله.

2 -

(ومنها): أن رجاله كلهم ثقات من رجال الصّحيح، غير شيخيه، وهما ثقات.

3 -

(ومنها): أنه مسلسلٌ بالكوفيين، غير عطاء، وعائشة، فمدنيان. (ومنها): أن فيه (ح) وهو كناية عن تحويل الإسناد، فللمصنّف في هذا الحديث سندان، أحدهما أبو بكر بن أبي شيبة، عن عبيد الله بن موسى -والثّاني عن علي بن محمّد، وعمرو بن عبد الله جميعًا عن وكيع- وكلاهما يرويان عن عبد العزيز بن سياه

4 -

(ومنها): أن فيه رواية تابعيّ عن تابعيّ: حبيب عن عطاء.

5 -

(ومنها): أن فيه عائشة رضي الله عنها من المكثرين السبعة، روت (2210) أحاديث، والله تعالى أعلم.

شرح الحديث:

(عَنْ عَائِشَةَ) رضي الله عنها، أنها (قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: عَمَّارٌ) مبتدأ خبره جملة قوله: (مَا) نافية (عُرِضَ عَلَيْهِ أَمْرَانِ) ببناء الفعل للمفعول، وفي رواية التِّرمذيِّ:

= ترجمته من "تهذيب التهذيب".

ص: 352

"ما خُيّر عمّار

" (إِلَّا اخْتَارَ) لما جُبِل عليه من الاستقامة والسداد (الْأَرْشَدَ) أي الأصلح (مِنْهُما) أي من الأمرين، وفي رواية النَّسائيّ بلفظ "أشدّهما" بالشين المعجمة، أي أصعبهما، قال القاري: فقيل: هذا بالنظر إلى نفسه، والأول بالنظر إلى غيره، فلا تنافي بين الروايتين، وفي نسخة: "أسدّهما" بالسين المهملة، أي أصوبهما، والأظهر في الجمع بين الروايات أنه كان يختار أصلحهما وأصوبهما فيما تبيّن ترجيحه، وإلا اختار أيسرهما. انتهى (1).

وقال في "الإنجاح": وكان السلف يحبّون أن يعملوا لأنفسهم ما كان أقرب إلى الاحتياط، ويأمرون غيرهم ما كان أسهل لهم، فإنّه صلى الله عليه وسلم قال:"إنّما بُعثتم ميسّرين، ولم تُبعثوا معسّرين"، انتهى، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسائل تتعلّق بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): في درجته:

حديث عائشة رضي الله عنها هذا صحيح.

(المسألة الثّانية): في تخريجه:

أخرجه (المصنّف) هنا (23/ 148) فقط، وأخرجه (الترمذيّ) في "المناقب"(3799) و (النَّسائيّ) في "فضائل الصّحابة"(8218) و (أحمد) في "مسنده"(24820)، والله تعالى أعلم.

(المسألة الثّالثة): في فوائده:

1 -

(منها): ما ترجم له المصنّف رحمه الله، وهو بيان فضل عمّار بن ياسر رضي الله عنهما.

2 -

(ومنها): مشروعيّة مدح الإنسان بما فيه من المزايا الفاضلة، والخصال

(1)"المرقاة" 10/ 606.

ص: 353

المحمودة؛ لأن فيه تشجيعًا له، وتثبيتًا، وحثًّا لغيره على الاقتداء به.

3 -

(ومنها): الحث على أن الإنسان إذا خُيّر بين أمرين جائزين شرعًا يختار الأصلح له، ولغيره ممّا يعود نفعه عليه في الدنيا والآخرة.

4 -

(ومنها): أنه استُدلّ بهذا الحديث على أن الرشد مع عليّ رضي الله عنه، في خلافته، وأن معاوية رضي الله عنه أخطأ اجتهاده، ولم يكن على الرشد، لأن عمّارًا رضي الله عنه اختار مرافقة عليّ رضي الله عنه وكان معه يوم صفّين حتّى استُشهد في تلك الحرب، وقد قال صلى الله عليه وسلم:"ويح عمار تقتله الفئة الباغية"، متّفق عليه، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

{إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: 88].

ص: 354