المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌15 - (فضل الزبير رضي الله عنه - مشارق الأنوار الوهاجة ومطالع الأسرار البهاجة في شرح سنن الإمام ابن ماجه - جـ ٣

[محمد بن علي بن آدم الأثيوبي]

فهرس الكتاب

- ‌11 - (باب فضائل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌12 - (فَضْلُ عُمَرَ رضي الله عنه

- ‌13 - (فضل عثمان رضي الله عنه

- ‌14 - (فَضْلُ عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ رضي الله عنه

- ‌15 - (فَضْلُ الزُّبَيْر رضي الله عنه

- ‌16 - (فَضْلُ طَلْحَةَ بن عُبَيْدِ اللهِ رضي الله عنه

- ‌17 - (فَضْلُ سَعْدٍ بن أبي وَقَّاص رضي الله عنه

- ‌18 - (فَضَائِلُ الْعَشرَةَ رضي الله عنهم

- ‌19 - (فَضْلُ أَبي عُبَيْدَةَ بْنِ الجَرَّاحِ رضي الله عنه

- ‌20 - (فَضْلُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُوْدٍ رضي الله عنه

- ‌21 - (فَضْلُ الْعَبَّاس بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رضي الله عنه

- ‌22 - (فَضْلُ الْحَسَنِ وَالْحُسيْنِ ابْنَي عَلِيٍّ بْنِ أَبي طَالِبٍ رضي الله عنهم

- ‌23 - (فضْلُ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرِ رضي الله عنه

- ‌24 - (فَضْلُ سَلْمَان، وأبي ذَرٍّ وَالْمِقْدَادِ) رضي الله عنهم

- ‌25 - (فَضَائلُ بِلَالٍ) رضي الله عنه

- ‌26 - (فَضَائلُ خَبَّابٍ) رضي الله عنه

- ‌27 - (فَضَائِل زَيِدٍ بْنِ ثَابِتٍ) رضي الله عنه

- ‌28 - (فَضْلُ أَبِي ذَرٍّ) رضي الله عنه

- ‌29 - (فَضْلُ سَعْدٍ بْنِ مُعَاذٍ) رضي الله عنه

- ‌30 - (فَضْلُ جَرِيرٍ بْنِ عَبْدِ الله الْبَجَلِيِّ) رضي الله عنه

- ‌31 - (فَضْلُ أَهْلِ بَدْرٍ) رضي الله عنه

- ‌31 (*) - (فَضَائِلُ الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم

- ‌32 - (فَضْلُ الأَنْصَارِ رضي الله عنهم

- ‌33 - (فَضْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما

- ‌34 - (بَابٌ في الْخَوَارِجِ)

الفصل: ‌15 - (فضل الزبير رضي الله عنه

‌15 - (فَضْلُ الزُّبَيْر رضي الله عنه

-)

هو الزُّبير بن العوّام بن خُويلد بن أسد بن عبد الْعُزّى بن قُصيّ، يجتمع مع النبيّ صلى الله عليه وسلم في قُصيّ، وعدد ما بينهما سواءٌ، وأمه صفيّة بنت عبد المطّلب عمة النبيّ صلى الله عليه وسلم، أسلمت، وأسلم الزُّبير، وكان يُكنى أبا عبد الله، وروى الحاكم بإسناد صحيح عن عروة، قال: أسلم الزُّبير، وهو ابن ثمان سنين. انتهى (1).

وقيل: أسلم وهو ابن ست عشرة سنة، فعذّبه عمّه بالدخان لكي يرجع عن الإسلام فلمَ يفعل، هاجر إلى أرض الحبشة الهجرتين، ولم يتخلّف عن غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أول من سَلَّ سيفًا في سبيل الله، وكان عليه يوم بدر رَيْطَة (2) صفراء، قد اعتجر بها، وكان على الميمنة، فنزلت الملائكة على سيماه، وثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وبايعه على الموت. وقال في "الفتح": وكان قتل الزُّبير رضي الله عنه في شهر رجب سنة ست وثلاثين انصرَفَ من وقعة الجمل تاركًا للقتال، فقتله عمرو بن جُرْمُوز -بضم الجيم والميم بينهما راء ساكنة، وآخره زاي- التَّميميُّ غِيلةً، وجاء إلى علي رضي الله عنه متقربًا إليه بذلك، فبَشِّره بالنار، أخرجه أحمد، والترمذي، وغيرهما، وصححه الحاكم، من طُرُق بعضها مرفوع. انتهى (3).

وقال في "المرقاة": قُتل يوم الجمل، وهو ابن (75) سنة، وقيل:(65)، وقيل: بضع وخمسين، قتله عمرو ابن جُرموز، وكان من أصحاب عليّ رضي الله عنه، فأُخبِر عليّ بذلك، فقال: بشّر قاتل ابن صفيّة بالنار، وكان قتله بِسَفَوَان بفتح السين والفاء -من أرض البصرة، ودُفِن بوادي السِّباع، ثمّ حُوّل إلى البصرة. انتهى (4).

(1)"الفتح" 7/ 100.

(2)

"الرَّيطة" هي الملاءة كلها نسيج واحد، وقطعة واحدة، وكلُّ ثوب ليّن رقيق.

(3)

"الفتح" 7/ 102.

(4)

"المرقاة" 10/ 484 - 485.

ص: 230

وروى من الحديث (38) حديثًا، اتفق الشيخان على اثنين، وانفرد البخاريّ بسبعة. والله تعالى أعلم بالصواب.

122 -

(حَدَّثَنَا عَليُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا وَكيع، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ جَابر، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَوْمَ قُرَيْظَةَ: "مَنْ يَأْتِينَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ؟ " فَقَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا، فَقَالَ: "مَنْ يَأْتِينَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ؟ "، فَقَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا، ثَلَاثًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ لِكُلِّ نَبِيًّ حَوَارِيَّ، وَإِنَّ حَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ").

رجال هذا الإسناد: خمسة:

1 -

(عليّ بن محمّد) الطَّنافسيّ الكوفيّ، ثقة عابدٌ [10] 9/ 57.

2 -

(وكيع) بن الجرّاح الرؤاسيّ، أبو سفيان الكوفيّ، ثقة إمام حافظ [9] 1/ 3.

3 -

(سفيان) بن سعيد الثوريّ، أبو عبد الله الكوفيّ الإمام الحجة الثبت [7]، 5/ 41.

4 -

(محمّد بن المنكدر) بن عبد الله بن الْهُدَير -مصغّرًا - ابن عبد الْعُزّى بن عامر ابن الحارث بن حارثة بن سعد بن تَيْم بن مُرّة التيميّ المدنيّ، أبو عبد الله، ويقال: أبو بكر، ثقة فاضل [3].

رَوَى عن أبيه، وعمه ربيعة وله صحبة، وأبي هريرة، وعائشة، وأبي أَيّوب، وربيعة بن عباد، وسفينة، وأبي قتادة، وأنس، وجابر، وغيرهم.

ورَوَى عنه ابناه: يوسف، والمنكدر، وابن أخيه إبراهيم بن أبي بكر بن المنكدر، وزيد بن أسلم، وعمرو بن دينار، والزهري، وهم من أقرانه، وشعبة، والثوريّ، وأبو عوانة، وابن عيينة، وآخرون.

قال إسحاق بن راهويه عن ابن عيينة: كان من معادن الصدق، ويجتمع إليه الصالحون، ولم نُدْرِك أحدًا أجدر أن يَقْبَل النّاسُ منه إذا قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم منه. وقال ابن عيينة أيضًا: ما رأيت أحدًا أجدر أن يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يُسأل عمن هو من ابن المنكدر، يعني لتحريه. وقال الحميديّ: ابن المنكدر حافظ. وقال ابن

ص: 231

معين، وأبو حاتم: ثقة. وقال التّرمذيّ: سألت محمدًا سمع محمّد بن المنكدر من عائشة؟ قال: نعم. وذكره ابن حبّان في "الثِّقات"، وقال: كان من سادات القراء. قال الواقدي وغيره: مات سنة ثلاثين، وقال البخاريّ عن هارون بن محمّد الْفَرْوِيّ: مات سنة إحدى وثلاثين ومائة. وقال ابن المديني عن أبيه: بلغ ستًا وسبعين سنة.

أخرج له الجماعة، وله في هذا الكتاب (27) حديثًا.

5 -

(جابر) بن عبد الله بن عمرو بن حرام الصحابي ابن الصحابيّ رضي الله عنهما، تقدّم في 1/ 11، والله تعالى أعلم.

لطائف هذا الإسناد:

1 -

(منها): أنه من خماسيات المصنّف رحمه الله.

2 -

(ومنها): أنه مسلسلٌ بثقات الكوفيين إلى ابن المنكدر، وهو وجابر مدنيّان.

3 -

(ومنها): أن جابرًا رضي الله عنه أحد المكثرين السبعة، روى (1540) حديثًا، والله تعالى أعلم.

شرح الحديث:

(عَنْ جَابِرٍ) رضي الله عنه، أَنَّه (قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَوْمَ قُرَيْظَةَ) أي يوم غزوة بني قريظة، وهم قبيلة من اليهود، إخوة بني النضير، كانوا بالمدينة، فأمّا قريظة فقتلت مقاتلتهم، وسُبيت ذراريّهم لنقضهم العهد، وأما بنو النضير فأجلُوا إلى الشّام (مَنْ يَأْتِينَا) هكذا النسخ بإثبات الياء الّتي هي لام الفعل، فإن "مَنْ" هنا موصولة، وقال القاري في "المرقاة": وفي نسخة صحيحة -أي من نسخ المشكاة بحذف الياء تخفيفًا، أو على أن "من" شرطيّة محذوفة الجواب. انتهى (بِخَبَرِ الْقَوْمِ؟) في رواية وهب بن كيسان عن جابر رضي الله عنه عند النَّسائيّ: "لمَّا اشتدَ الأمر يوم بني قُريظة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يأتينا بخبرهم

" الحديث، وفيه أن الزُّبير توجّه إلى ذلك ثلاث مرّات، ومنه يظهر أن المراد بالقوم في رواية ابن المنكدر هنا هم بنو قُريظة، وهم الذين نقضوا العهد، وذلك أن

ص: 232

الأحزاب من قريش وغيرهم لما جاءوا إلى المدينة، وحفر النَّبي صلى الله عليه وسلم الخندق بلغ المسلمين أن بني قريظة من اليهود نقضوا العهد الّذي كان بينهم وبين السلمين، ووافقوا قريشًا على حرب المسلمين (1)(فَقَالَ الزُّبَيْرُ) بن العوّام رضي الله عنه (أَنَا) أي أنا آتيك به (فَقَالَ) صلى الله عليه وسلم ("مَنْ يَأْتِينَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ؟ "، فَقَالَ الزُّبَيْرُ) رضي الله عنه (أَنَا، ثَلَاثًا) أي ردّد السؤال والجواب ثلاث مرّات (فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيَّ) أي خاصّةً، وناصرًا مخلصًا، وذكر البخاريّ رحمه الله تعليقًا: وقال ابن عبّاس رضي الله عنهما: هو حواريّ النبيّ صلى الله عليه وسلم، وسُمّي الحواريّون لبياض ثيابهم. انتهى، قال في "الفتح": وصله ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس به، وزاد "أنهم كانوا صيّادين"، وإسناده صحيح إليه، وأخرج عن الضحّاك أن الحواريّ هو الغَسّال بالنبطيّة، لكنهم يجعلون الحاء هاء، وعن قتادة أن الحواريّ هو الّذي يصلح للخلافة، وعنه هو الوزير، وعن ابن عيينة هو الناصر، أخرجه الترمذيّ وغيره عنه، وعند الزُّبير بن بكّار من طريق مسلمة بن عبد الله ابن عروة مثله، وهذه الثّلاثة الأخيرة متقاربة، وقال الزُّبير عن محمّد بن سلام: سألت يونس بن حبيب عن الحواريّ، قال: الخالص، وعن ابن الكلبيّ: الحواريّ الخليل. انتهى (2).

وقال السنديّ رحمه الله: قوله: "حواري" بكسر الراء، وتشديد الياء، لفظه مفرد بمعنى الخالص والناصر، والياء فيه للنسبة، وأصل معناه البياض، فهو منصرف منوّنٌ. انتهى (وَإِنَّ حَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ) قال النووي رحمه الله: قال القاضي عياض: اختُلف في ضبطه، فضبطه جماعة من المحققين بفتح الياء من الثّاني، كمُصْرِخيَّ، وضبطه أكثرهم بكسرها، والحواريّ: الناصر، وقيل: الخاصّة. انتهى (3).

(1) راجع "الفتح" 6/ 62 - 63 "كتاب الجهاد والسير" رقم الحديث (2846).

(2)

راجع "الفتح" 7/ 100 "كتاب فضائل الصّحابة" رقم الحديث (3721).

(3)

"شرح مسلم" 15/ 188.

ص: 233

وقال القاري بعد نقل كلام عياض هذا: ما نصّه: ولا يخفى أن الأخير يحتمل أن يكون بعد الياء المشدّدة ياء الإضافة مفتوحة على وفق القراءة المتواترة في قوله تعالى: {إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ} [الأعراف: 196]، ويحتمل أن تكون ياء الإضافة ساكنةً تُحذَف وصلًا وتثبُتُ وقفًا، ويحتمل أن يكون بالياء المشدّدة المكسورة فقط، كما روى السُّوسيّ في {إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ} بكسر الياء المشدّدة، ثمّ لا يخفى أنه على تقدير الياء المشدّدة المفتوحة، أو المكسورة بلا ياء الإضافة ينبغي أن يكون مرسومًا بياء واحدة، كما وجدناه في بعض النسخ المصحّحة، ومنها نسخة الجزريّ، وهو الظّاهر من نقل النوويّ، والموافق للرسم القرآنيّ، ثمّ توجيه المشدّدة بلا ياء بعدها هو أنه جاء الحواري بتخفيف الياء، وقد قُرىء {قَالَ الْحَوَارِيُّونَ} بالتخفيف شاذّا، فالثّانية ياء إضافة، وهي قد تكون مفتوحةً، وقد تكون ساكنةً، وتُكسر لالتقاء الساكنين، هذا وفي "شرح السنة": المراد منه الناصر، وحواريّ عيسى عليه السلام أنصاره، سُمُّوا به لأنهم كانوا يغسلون الثِّياب، فيُحوّرونها، أي يبيّضونها. انتهى كلام القاري (1).

وقال السنديّ: أصل "حَوَاريّ" بالإضافة إلى ياء المتكلّم، لكن حُذفت الياء اكتفاء بالكسرة، قيل: وقد تُبْدَلُ فتحةً للتخفيف، ويُروى بالكسر والفتح، قال: هذا تخفيف لا يناسب الاكتفاء، والوجه في الفتح أنه اجتمعت ثلاث ياءات، فاستثقلوا، فحذفوا إحدى يائي النسبة، ثمّ أدغموا الثّانية في ياء المتكلّم، وياء المتكلّم تُفتح، سيّما عند التقاء الساكنين، فاختلاف الروايتين مبنيّ على أن المحذوفة ياء المتكلّم، أو إحدى يائي النسبة، والله تعالى أعلم، ومعناه: إن خاصّتي وناصري، وكأنه الخاصّة من بين من كان مطلوبًا بالنِّداء في ذلك الوقت. انتهى كلام السنديّ (2)، وقال في "النهاية": معناه:

(1)"المرقاة" 10/ 484.

(2)

"شرح السندي" 1/ 87.

ص: 234

خاصّتي من أصحابي، وناصري (1)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسائل تتعلّق بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): في درجته:

حديث جابر رضي الله عنه هذا متّفقٌ عليه.

(المسألة الثّانية): في تخريجه:

أخرجه (المصنِّف) هنا (15/ 122) فقط، وأخرجه (البخاري)(2846) و (2847) و (9972) و (3719) و (4113) و (7261) و (مسلم)(2415) و (الترمذيّ)(3745)(أحمد) في "مسنده"(14297) و (النسائيّ) في "الكبرى"(8154) و (ابن حبّان) في "صحيحه"(6985) و (الطحاويّ) في "شرح مشكل الآثار"(3563)، والله تعالى أعلم.

(المسألة الثّالثة): في فوائده:

1 -

(منها): ما ترجم له المصنّف رحمه الله، وهو بيان فضل الزُّبير رضي الله عنه.

2 -

(ومنها): جواز مدح الإنسان في وجهه إذا لم يُخَف عليه افتتان.

3 -

(ومنها): جواز بعث الطَّلِيعة إلى العدوِّ.

4 -

(ومنها): جواز استعمال التجسّس في الجهاد.

5 -

(ومنها): جواز سفر الرَّجل وحده، وأن النّهي عن السَّفر وحده (2) إنّما هو حيث لا تدعو الحاجة إلى ذلك.

قال في "الفتح" نقلًا عن ابن المنيّر رحمه الله: السير لمصلحة الحرب أخصّ من

(1)"النهاية" 2/ 185.

(2)

هو ما أخرجه البخاريّ في "صحيحه" من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:"لو يعلم النَّاس ما في الوَحْدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده".

ص: 235

السَّفر، والخبر ورد في السَّفر، فيؤخذ من حديث جابر جواز السَّفر منفردًا للضرورة والمصلحة الّتي لا تنتظم إِلَّا بالانفراد، كإرسال الجاسوس والطلِيعة، والكراهةُ لما عدا ذلك، ويحتمل أن تكون حالة الجواز مقيّدة بالحاجة عند الأمن، وحالة المنع مقيّدة بالخوف حيث لا ضرورة.

قال وقد وقع في كتب المغازي بعثُ كلّ من حذيفة، ونُعيم بن مسعود، وعبد الله ابن أُنيس، وخَوّات بن جُبير، وعمرو بن أُميّة، وسالم بن عُمير، وبسبسة بن عمرو في عدّة مواطن، وبعضها في الصّحيح". انتهى (1)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.

وبالسند المُتَّصل إلى الإمام ابن مَاجَه رحمه الله في أول الكتاب قال:

123 -

(حَدَّثَنَا عَليُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: "لَقَدْ جَمَعَ لِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَبَويهِ يَوْمَ أُحُدٍ").

رجال هذا الإسناد: ستة:

1 -

(عليّ بن محمّد) الطنافسيّ المذكور في الحديث الماضي.

2 -

(أبو معاوية) محمّد بن خازم الضرير الكوفيّ، ثقة، أحفظ النَّاس لحديث الأعمش، وقد يَهِم في حديث غيره [9] تقدّم في 1/ 3.

3 -

(هشام بن عروة) بن الزُّبير الأسديّ المدنيّ الثقة الفقيه [5] تقدّم في 8/ 5.

4 -

(أبوه) عروة بن الزُّبير بن العوّام المدنيّ الفقيه الثقة الثبت [3] تقدّم في 2/ 15.

5 -

(عبد الله بن الزُّبير) بن العوّام القرشيّ الأسديّ، أبو بكر، أو أبو خُبيب الصحابيّ ابن الصحابيّ رضي الله عنهما، تقدّم في 2/ 15.

6 -

(الزُّبير) بن العوّام رضي الله عنه المذكور أوّلَ الباب، والله تعالى أعلم.

(1) راجع "الفتح" 6/ 161 "كتاب الجهاد والسير" رقم الحديث (2997) و (2998).

ص: 236

لطائف هذا الإسناد:

1 -

(منها): أنه من سداسيّات المصنّف رحمه الله.

2 -

(ومنها): أنه رجاله رجال الصّحيح، غير شيخه، فقد تفرّد به هو والنَّسائيّ في "الخصائص".

3 -

(ومنها): أنه مسلسلٌ بالمدنيين، غير شيخه، وأبي معاوية، فكوفيّان.

4 -

(ومنها): أن فيه رواية الابن عن أبيه، عن أخيه، عن أبيهما، ورواية تابعيّ عن تابعيّ، وصحابيّ عن صحابيّ.

5 -

(ومنها): أن صحابيه أحد العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنه، وحواريّ النبيّ صلى الله عليه وسلم. والله تعالى أعلم.

شرح الحديث:

(عَنْ عَبْدِ الله بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: "لَقَدْ جَمَعَ لِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَبَويهِ يَوْمَ أُحُدٍ") أي في الفداء تعظيمًا لي، وإعلاء لقدري، وذلك أن الإنسان لَا يُفدّي إِلَّا من يُعظّمه، فيبذل نفسه له. قاله الطيبيّ (1).

وفي الحديث قصّة ساقها الشيخان في "صحيحيهما"، ولفظ البخاريّ من طريق ابن المبارك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد الله بن الزُّبير قال: كنت يوم الأحزاب جُعِلتُ أنا وعمر بن أبي سلمة في النِّساء، فنظرت، فإذا أنا بالزبير على فرسه يَختَلِف إلى بني قُريظة مرتين أو ثلاثًا، فلما رجعت قلت: يا أبت رأيتك تَخْتَلِف، قال: أو هل رأيتني يا بُنّيّ؟ قلت: نعم، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنِ يأت بني قريظة، فيأتيني بخبرهم، فانطلقت، فلما رجعت جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه، فقال: "فداك أبي وأمي".

ومن طريق علي بن مسهر، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد الله بن الزُّبير قال: كنت أنا وعُمر بن أبي سلمة يوم الخندق مع النسوة، في أُطُم حسان، فكان يُطَأْطِئ

(1)"الكاشف عن حقائق السنن" 12/ 3891.

ص: 237

لي مرّة فأنظر، وأُطَأْطِئ له مرّة فينظر، فكنت أعرف أبي إذا مَرّ على فرسه في السلاح إلى بني قريظة، قال: وأخبرني عبد الله بن عروة عن عبد الله بن الزُّبير قال: فذكرت ذلك لأبي، فقال: ورأيتني يا بُنَيَّ؟، قلت: نعم، قال: أما والله لقد جَمَع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ أبويه، فقال:"فَدَاك أبي وأمي".

قال القرطبيّ رحمه الله: فداك بفتح الفاء والقصر فعلٌ ماضٍ، فإن كسرت مَدَدْتَ، وهذا الحديث يدلُّ على أن النبيّ رضي الله عنه جمع أبويه لغير سعد بن أبي وقّاص رضي الله عنه، وحينئذ يُشكل بما رواه الترمذيّ من قول عليّ رضي الله عنه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جَمَعَ أبويه لأحد إِلَّا لسعد، وقال له يوم أحد:"فداك أبي وأُمّي"(1)، ويرتفع الإشكال بأن يُقال: إن عليّا أخبره بما في علمه، ويَحتَمِل أن يُريد به أنه لم يقل ذلك في يوم أحد لأحد غيره. والله تعالى أعلم. انتهى كلام القرطبيّ، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسائل تتعلّق بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): في درجته:

حديث الزُّبير رضي الله عنه هذا متّفقٌ عليه.

(المسألة الثّانية): في تخريجه:

أخرجه (المصنّف) هنا (16/ 123) فقط، وأخرجه (البخاريّ) في (3720) و (مسلم) في (2416) و (الترمذيّ) في (3743) و (النَّسائيّ) في "الكبرى"(8156) و (9956) و (9957) و (9958) و (أحمد) في "مسنده"(1408) و (ابن حبّان) في "صحيحه"(6984) و (ابن أبي شيبة)(12/ 91)، والله تعالى أعلم.

(المسألة الثّالثة): في فوائده:

1 -

(منها): ما ترجم له المصنّف رحمه الله، وهو بيان فضل الزُّبير رضي الله عنه.

(1) أخرجه الترمذيّ برقم (2829) و (3753).

ص: 238

2 -

(ومنها): جواز التفدية بالأبوين، وقد عقد الإمام البخاريّ في "كتاب الأدب" من "صحيحه" لذلك بابًا، فقال:"باب قول الرَّجل: جعلني الله فداك، وقال أبو بكر للنبيّ صلى الله عليه وسلم: فديناك بآبائنا وأمهاتنا"، ثمّ أخرج بسنده قصة، وفيها قول أبي طلحة للنبيّ صلى الله عليه وسلم: "يا نبيّ الله جعلني الله فداك هل أصابك من شيء؟

" الحديث. قال في "الفتح": وقد استوعب الأخبار الدّالّة على جواز التفدية أبو بكر بن أبي عاصم في أول كتابه "آداب الحكماء"، وجزم بجواز ذلك، فقال: للمرء أن يقول ذلك لسلطانه، ولكبيره، ولذوي العلم، ولمن أحبّ من إخوانه غير محظور عليه ذلك، بل يُثاب عليه إذا قصد توقيره واستعطافه، ولو كان ذلك محظورًا لنهى النبيّ صلى الله عليه وسلم قائل ذلك، ولأعلمه أن ذلك غير جائز أن يُقال لأحد غيره. انتهى.

وقال الطَّبرانيُّ (1) بعد أن ساق أحاديث الجواز: في هذه الأحاديث دليلٌ على جواز قول ذلك، وأما ما رواه مبارك بن فَضَالة، عن الحسن قال: دخل الزُّبير على النبيّ صلى الله عليه وسلم، وهو شاكٍ، فقال: كيف تجدك جعلني الله فداك؟ قال: "ما تركت أعرابيّتك بعدُ؟ "، ثمّ ساقه من هذا الوجه، ومن وجه آخر، ثمّ قال: لا حجة في ذلك على المنع؛ لأنه لا يقاوم تلك الأحاديث في الصحّة، وعلى تقدير ثبوت ذلك فليس فيه صريح المنع، بل فيه إشارة إلى أنه ترك الأولى في القول للمريض إمّا بالتأنيس والملاطفة، وإما بالدعاء والتوجّع.

فإن قيل: إنّما ساغ ذلك لأن الّذي دعا بذلك كان أبواه مشركين، فالجواب أن قول أبي طلحة كان بعد أن أسلم، وكذا أبو ذرّ، وقول أبي بكر كان بعد أن أسلم أبواه. انتهى ملخّصًا.

وقال الحافظ: ويمكن أن يُعترض بأنه لا يلزم من تسويغ قول ذلك للنبيّ صلى الله عليه وسلم أن يُسوّغ لغيره؛ لأن نفسه أعزّ من أنفس القائلين وآبائهم، ولو كانوا أسلموا، فالجواب ما

(1) هكذا نسخة "الفتح"، ولعلّه "الطّبريّ"، فليُحرّر.

ص: 239

تقدّم من كلام ابن أبي عاصم، فإن فيه إشارة إلى أن الأصل عدم الخصوصيّة، وأخرج ابن أبي عاصم من حديث ابن عمر أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة:"فداك أبوك"، ومن حديث ابن مسعود النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه:"فداكم أبي وأمي"، ومن حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم قال مثل ذلك للأنصار. انتهى (1).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبيّن ممّا سبق أن الحقّ جواز قول الإنسان: فداك نفسي، أو أبي وأمي؛ لصحة الأحاديث الكثيرة بذلك، وأما حديث الحسن المتقدّم فلا يصحّ؛ لأنه من مرسل الحسن، وفيه فَضَالة يُدلّس، ويسوّي، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

وبالسند المُتَّصل إلى الإمام ابن مَاجَه رحمه الله في أول الكتاب قال:

124 -

(حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، وَهَدِيَّةُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبيهِ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشُةُ: يَا عُرْوَةُ كَانَ أَبَوَاكَ مِنِ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لله وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ: أَبُو بَكْرٍ، وَالزُّبَيْرُ).

رجال هذا الإسناد: ستة:

1 -

(هشام بن عمّار) السلميّ الدمشقيّ الخطيب، صدوقٌ مقرىء، كبر فصار يتلقّن، فحديثه القديم أصحّ، من كبار [10] تقدّم في 1/ 5.

2 -

(هَدِيَّةُ -بفتح أوله، وكسر ثانيه، وتشديد التحتانيّة- ابْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ) أبو صالح المروزيّ، صدوقٌ، ربّما وَهِمَ [10].

رَوَى عن الفضل بن موسى السِّينَاني، وسعد بن عبد الحميد بن جعفر، وابن عيينة، والوليد بن مسلم، ووكيع، والنضر بن شُميل، وغيرهم.

وروى عنه المصنّف، وأبو زرعة، وعثمان بن خُرَّزاذ، وعبد الله بن أحمد، وابن أبي عاصم، وبَقِيّ بن مَخْلَد، وموسى بن إسحاق الأنصاري، وعبد الله بن أحمد، وجعفر

(1)"الفتح" 10/ 584 - 585. "كتاب الأدب" رقم الحديث (6185 - 6186).

ص: 240

الفريابي، وآخرون.

قال ابن أبي عاصم: ثقة. وذكره ابن حبّان في "الثِّقات"، وقال: ربما أخطأ. قال أبو القاسم: مات سنة إحدى وأربعين ومائتين، انفرد به المصنّف، وله عنده في هذا الكتاب ثمانية أحاديث فقط برقم 124 و 1290 و 2301 و 2428 و 2949 و 3131 و 3341 و 4087.

3 -

(سفيان بن عيينة) الإمام الحافظ الحجة الفقيه، أبو محمّد المكيّ [8] تقدّم في 2/ 13.

4 -

(عائشة) أم المؤمنين رضي الله عنها، تقدّمت 2/ 14، والباقيان تقدّمان في السند الماضي، والله تعالى أعلم.

لطائف هذا الإسناد:

1 -

(منها): أنه من خماسيات المصنِّف رحمه الله.

2 -

(ومنها): أن رجال ثقات.

3 -

(ومنها): أن فيه رواية الابن عن أبيه، عن خالته، ورواية تابعيّ عن تابعيّ.

4 -

(ومنها): أن فيه عائشة رضي الله عنها من المكثرين السبعة، روت (2210) أحاديث.

5 -

(ومنها): أن فيه عروة أحد الفقهاء السبعة، والله تعالى أعلم.

شرح الحديث:

عَنْ عروة بن الزُّبير، أنه (قَالَ: قَالَتْ عَائِشُةُ) رضي الله تعالى عنها (يَا عُرْوَةُ كَانَ أَبَوَاكَ مِنِ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا) أي أجابوا، فالسين والتاء زائدتان، كما قال الشاعر:

وَدَاعِ دَعَا يَا مَنْ يُجِيبُ إِلَى النِّدَا

فَلَمْ يَسْتجِبْهُ عِنْدَ ذَاكَ مُجِيبُ

أي لم يُجبه (لله وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ) بفتح، فسكون: أي الجراح، وفي رواية البخاريّ من طريق أبي معاوية، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا

ص: 241

مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 172]، قالت لعروة: يا ابن أختي كان أبواك منهم: الزُّبير، وأبو بكر، لمّا أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أصاب يومَ أحد، وانصرف عنه المشركون، خاف أن يرجعوا، قال:"مَنْ يَذهَب في إِثْرهم؟ "، فانتدب منهم سبعون رجلًا، قال: كان فيهم أبو بكر والزبير.

قال في "الفتح": وقد سُمّي منهم أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ، وعمّار بن ياسر، وطلحة، وسعد بن أبي وقّاص، وعبد الرّحمن بن عوف، وأبو عبيدة، وحُذيفة، وابن مسعود، أخرجه الطّبريّ من حديث ابن عبّاس، وعند ابن أبي حاتم من مرسل الحسن ذكر الخمسة الأولين، وعند عبد الرزّاق من مرسل عروة ذكر ابن مسعود. انتهى (1).

وقال أبو العباس القرطبيّ رحمه الله: أشارت عائشة رضي الله عنها بهذا إلى ما جرى في غزوة حمراء الأسد، وهو موضع على نحو ثمانية أميال من المدينة، وكان من حديثها أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لمّا رجع إلى المدينة من أُحُد بمن بقي من أصحابه، وأكثرهم جريح، وقد بلغ منهم الجَهْد، والمشقّة نهايته، أمرهم بالخروج في إثر العدوِّ مُرهِبًا لهم، وقال:"لا يخرُجنّ إِلَّا من كان شهد أُحدًا"، فخرجوا على ما بهم من الضعف والجراح، وربما كان فيهم المثقل بالجراح لا يستطيع المشيَ، ولا يجد مركوبًا، فربما يُحمَل على الأعناق، كلُّ ذلك امتثال لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورغبة في الجهاد والشهادة حتّى وصلوا إلى حمراء الأسد، فلقيهم نُعيم بن مسعود، فأخبرهم أن أبا سفيان بن حرب، ومن معه من قريش قد جمعوا جُموعَهم، وأجمعوا رأيهم على أن يعودوا إلى المدينة، فيستأصلوا أهلها، فقالوا ما أَخْبَرَنَا الله به عنهم:{حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران: 173] وبينا قريشٌ قد أجمعوا على ذلك، إذ جاءهم معبد الْخُزاعيّ، وكانت خُزَاعة حلفاء النبيّ صلى الله عليه وسلم، وعَيْبَة نُصحه، وكان قد رأى حالَ أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم، وما هم عليه، ولمّا رأى عزم قريش على الرجوع، واستئصال أهل المدينة حَمَلَهُ خوف ذلك، وخالص نُصحه للنبيّ صلى الله عليه وسلم

(1)"فتح" 7/ 432 - 433. "كتاب المغازي" رقم (4078).

ص: 242

وأصحابه على أن خَوّف قريشًا بأن قال لهم: إنِّي قد تركت محمدًا وأصحابه بحمراء الأسد في جيش عظيم، قد اجتمع له كلّ من تخلّف عنه، وهم قد تحرّقوا عليكم، وكأنهم قد أدركوكم، فالنجاء النجاء، وأنشدهم شعرًا (1) يُعظّم فيه جيش محمّد صلى الله عليه وسلم، ويُكثّرهم، وهو مذكور في كتب السير، فقذف الله في قلوبهم الرعب، ورجعوا إلى مكّة مُسرعين خائفين، ورجع النّبيّ صلى الله عليه وسلم في أصحاب إلى المدينة مأجورًا منصورًا، كما قال تعالى:{فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران: 174]، وقوله تعالى:{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ} [آل عمران: 173]، يعني به نُعيم بن مسعود الّذي خوّف أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم، وقوله:{إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} الآية يعني به قريشًا. انتهى (2).

وقوله: (أَبُو بَكْرٍ، وَالزُّبَيْرُ) بدل من "أبواك". والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسائل تتعلّق بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): في درجته:

حديث عائشة رضي الله تعالى عنها هذا متّفقٌ عليه.

(المسألة الثّانية): في تخريجه:

أخرجه (المصنِّف) هنا (15/ 124) فقط، وأخرجه (البخاريّ) في (4/ 77) و (مسلم) في (2418)، والله تعالى أعلم.

(المسألة الثّالثة): في فوائده:

1 -

(منها): ما ترجم له المصنّف رحمه الله، وهو بيان فضل الزُّبير رضي الله عنه.

2 -

(ومنها): بيان فضل أبي بكر رضي الله عنه.

(1) انظر السيرة النبوية لابن هشام (2/ 103).

(2)

"المفهم" 6/ 291 - 292.

ص: 243

3 -

(ومنها): أن فيه ما كان عليه الصّحابة رضي الله عنهم الاستجابة لله وللرسول مع وإن كانوا في حال شدّة ومرض، وضعف شديد.

4 -

(ومنها): ما كانوا عليه من شدّة حرصهم للجهاد ورغبتهم في نيل الشّهادة، مع ما بهم من القرح الّذي حصل لهم في أحد.

5 -

(ومنها): أن فيه الحثّ على الجهاد في سبيل الله، وإن كانت الأسباب لا تساعد، والوسائل لا تتيسّر، كما قال الله عز وجل:{انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ في سَبِيلِ اللَّهِ} الآية [التوبة: 41]، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

{إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: 88].

ص: 244