الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
16 - (فَضْلُ طَلْحَةَ بن عُبَيْدِ اللهِ رضي الله عنه
-)
هو: طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرّة بن كعب، يجتمع مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم في مُرّة بن كعب، ومع أبي بكر الصديق في تيم بن مُرّة، وعدد ما بينهم من الآباء سَوَاءٌ، يُكنى أبا محمّد، أحد العشرة المبشّرين بالجنة، وهو المسمّى طلحة الفَيّاض، وعن قيس بن أبي حازم: كان يقال: إن طلحة من حكماء قريش، وعنه قال:"صحبت طلحة بن عبيد الله، فما رأيت رجلًا أعطى لجزيل مال عن غير مسألة منه"(1).
وأمه الصَّعْبَة بنت الحضرمي، أخت العلاء، أسلمت وهاجرت، وعاشت بعد أبيها قليلًا، وروى الطَّبرانيُّ من حديث ابن عبّاس رضي الله عنهما قال:"أسلمت أُمُّ أبي بكر، وأم عثمان، وأم طلحة، وأم عبد الرّحمن بن عوف"، وقُتِل طلحة يوم الجمل سنة ست وثلاثين، رُمِي بسهم جاء من طُرُق كثيرة أن مروان بن الحكم رماه، فأصاب رُكبته، فلم يزل يَنْزِف الدَّم منها حتّى مات، وكان يومئذ أَوّلَ قتيل، واختُلِف في سنه على أقوال، أكثرها أنه خمس وسبعون، وأقلها ثمان وخمسون.
وروى من الأحاديت (38) حديثًا، اتفق الشيخان على حديث، وانفرد البخاريّ بحديثين، ومسلم بثلاثة، والله تعالى أعلم بالصواب.
وبالسند المُتَّصل إلى الإمام ابن مَاجَه رحمه الله في أول الكتاب قال:
125 -
(حَدَّثَنَا عليُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَعَمْرُو بْنُ عَبْدِ الله الْأَوْدِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا الصَّلْتُ الْأَزْدِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو نَضْرَةَ، عَنْ جَابر، أَن طَلْحَةَ مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: "شَهِيدٌ يَمْشِي عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ").
رجال هذا الإسناد: ستة:
1 -
(عِليُّ بْنُ مُحَمَّدٍ) الطنافسيّ المذكور في الباب الماضي.
(1) راجع "الفتح" 7/ 104. "كتاب فضائل الصّحابة".
2 -
(عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الله الْأَوْدِيُّ) الكوفيّ، ثقة (1)[10] تقدّم في 11/ 96، من أفراد المصنِّف.
3 -
(وكيع) بن الجرّاح الإمام المشهور المذكور في الباب الماضي.
4 -
(الصَّلت الأزديّ) هو: الصَّلْت -بفتح أوله وآخره مثناة- ابن دينار الأزديّ الْهُنائيّ البصريّ، أبو شُعيب المجنون، مشهور بكنيته، متروك ناصبيّ [6].
رَوَى عن الحسن، ومحمد، وأنس ابني سيرين، وأبي جمرة الضُّبَعيّ، وشهر بن حوشب، وغيرهم، وعنه وكيع، وصالح بن موسى الطَّلْحي، وجعفر بن سليمان الضُّبَعيُّ، ومسلم بن إبراهيم، وغيرهم.
قال أحمد: متروك الحديث، ترك النَّاس حديثه. وقال ابن معين: ليس بشيء. وقال عمرو بن علي: كثير الغلط، متروك الحديث، كان يحيى وعبد الرّحمن لا يحدثان عنه. وقال الجوزجاني: ليس بقوي. وقال أبو زرعة ليّن. وقال أبو حاتم: لين الحديث إلى الضعف ما هو، مضطرب الحديث.
وقال البخاريّ: كان شعبة يتكلم فيه. وقال أبو داود: ضعيف. وقال التّرمذيّ: تكلم بعض أهل العلم فيه. وقال النَّسائيُّ: ليس بثقة. وقال ابن عديّ: ليس حديثه بالكثير، عامة ما يرويه ممّا لا يتابعه عليه النَّاس. وقال يعقوب بن سفيان: مُرْجىء، ضعيف، ليس بشيء. وقال يحيى بن سعيد: ذهبت أنا وعوف نعوده، فذكر عليا، فنال منه، فقال عوف: لا شفاك الله. وقال عبد الله بن إدريس: عاب شعبة على الثّوريّ روايته عن أبي شعيب. وقال ابن معين في رواية: ضعيف الحديث. وقال البخاريّ في "التاريخ": لا يُحتج بحديثه. وقال ابن سعد: ضعيف ليس بشيء. وقال أبو أحمد الحاكم: متروك الحديث. وقال عبد الله بن أحمد في "العلل": نهاني أبي أن أكتب حديثه. وقال علي بن الجنيد: متروك. وقال ابن حبّان: كان الثّوريّ إذا حدث عنه يقول: ثنا أبو
(1) هذا يردّ قول من قال: كلّ من انفرد به ابن ماجه فهو ضعيف، فإنّه ثقة، فتنبّه.
شعيب، ولا يسميه، وكان أبو شعيب ينتقص عليا، وينال منه على كثرة المناكير في روايته، تركه أحمد ويحيى.
تفرّد به الترمذيّ، والمصنّف، وله في هذا الكتاب حديثان فقط، هذا (125) وحديث (311) حديث عثمان رضي الله عنه:"ما تغنيت، ولا تمنيت، ولا مستت ذكري بيميني".
5 -
(أبو نضرة) بنون، ومعجمة ساكنة، هو: المنذر بن مالك بن قُطَعة -بضم القاف، وفتح المهملة- العبديّ الْعَوَقيّ -بفتح المهملة، والواو، ثمّ قاف- البصريّ، مشهور بكنيته، ثقة [3].
أدرك طلحة، ورَوَى عن علي بن أبي طالب، وأبي موسى الأشعري، وأبي ذر الغفاري، وأبي هريرة، وأبي سعيد، وابن عبّاس، وابن الزُّبير، وابن عمر، وعمران بن حصين، وسمرة بن جندب، وغيرهم.
وروى عنه سليمان التيمي، وأبو مسلم، سعيد بن يزيد، وعبد العزيز بن صهيب، وحميد الطَّويل، وجماعة.
قال صالح بن أحمد عن أبيه: ما علمتُ إِلَّا خيرًا، وقال إسحاق بن منصور عن ابن معين: ثقة، وكذا قال أبو زرعة، والنَّسائيّ. وقال ابن أبي حاتم: سئل أبي عن أبي نضرة وعطية، فقال: أبو نضرة أحب إلي. وقال ابن سعد: كان ثقة، كثير الحديث، وليس كلّ أحد يحتج به، قيل: مات قبل الحسن، مات في ولاية ابن هُبيرة، حَدَّثَنَا عفّان، حَدَّثَنَا مهدي بن ميمون: شَهِدتُ الحسن حين مات أبو نضرة صلّى بنا على الجنازة. وذكره ابن حبّان في "الثِّقات"، وقال: كان من فصحاء النَّاس، فُلِجَ في آخر عمره، مات سنة ثمان، أو تسع ومائة، وأوصى أن يصلّي عليه الحسن، وكان ممّن يُخطئ. وقال خليفة ابن خياط: مات سنة ثمان. وقال عمرو بن علي: مات سنة تسع ومائة. وقال البخاريّ: قال يحيى بن سعيد: مات قبل الحسن بقليل. وأورده العقيليّ في "الضعفاء"، ولم يذكر فيه قَدْحًا لأحد، وكذا أورده ابن عدي في "الكامل"، وقال: كان عَرِيفًا لقومه، وأظنُّ
ذلك لما أشار إليه ابن سعد، ولهذا لم يَحتَجَّ به البخاريّ. وقال ابن شاهين في "الثِّقات": قال أحمد بن حنبل: ثقة.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الحقّ أنه لا جرح في أبي نفرة، بل هو ثقة، ولا يثبت الجرح بالظنون، ولا يلزم من عدم احتجاج البخاريّ ضعف الراوي، فكم من الثقات لم يحتجّ بهم البخاريّ، وهم ممّن أُجمع على ثقتهم وجلالتهم، فتفطّن، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.
روى له البخاريّ في التعاليق، ومسلم، والأربعة، وله في هذا الكتاب (29) حديثًا.
6 -
(جابر) بن عبد الله رضي الله عنهما، تقدّم في الباب الماضي، والله تعالى أعلم.
شرح الحديث.
(عَنْ جَابِرٍ) رضي الله عنه (أَنَّ طَلْحَةَ) بن عبيد الله رضي الله عنه (مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ) صلى الله عليه وسلم (شَهِيدٌ) خبر لمبتدأ محذوف، أي هذا شهيد (يَمْشِي عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ) المراد أنه سيموت شهيدًا، وقال السنديّ: قيل: إنّه قد ذاق الموت في سبيل الله، وهو حيّ، لما قيل:"موتوا قبل أن تموتوا"، والمراد بالموت على هذا الغيبوبة عن عالم الشّهادة بالاستغراق في ذكر الله وملكوته، والانجذاب إلى جناب قدسه، وقيل: أي إنّه ذاق ألم الموت في الله، وهو حيّ، فهو لمّا ذاق من الشدائد في سبيل الله كأنه مات. وقيل: هو مجاز بالأول، أي إنّه سيموت شهيدًا. انتهى (1).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذه الأقوال كلها غير الأخير لا يخفى بعدها عن معنى الحديث، فلا ينبغي الإلتفات إليها، فتنبّه. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
(1)"شرح السندي" 1/ 88.
مسألتان تتعلّقان بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): في درجته:
حديث جابر رضي الله عنه هذا ضعيف جدًّا.
[فإن قلت]: صححه الشّيخ الألبانيّ رحمه الله، فأورده في "صحيح ابن ماجه" 1/ 27 رقم (102) وفي "الصحيحة" 1/ 198 رقم (126) وقال بعد أن ذكر طرقه: وبالجملة فالحديث بهذه الطرق والشواهد يرتقي إلى درجة الصحّة إلى آخر كلامه.
[قلت]: هذا عجيب من الشّيخ، فكيف يصحح هذا الحديث؟، وهو بهذا اللّفظ ممّا تفرّد به الصلت بن دينار، وقد عرفت أنه متروك، والشواهد الّتي ذكرها لا تصحّ، ففي بعضها صالح بن موسى، وهو متروك، وفي بعضها إسحاق بن بن يحيى بن طلحة، وهو أيضًا متروك، وفي بعضها سليمان بن أَيّوب الطلحيّ صاحب مناكير وفي سنده أيضًا مجاهل، وبعضها مرسل، ولو صحّت لا تجبر رواية الصلت؛ لأن المتروك لا يقبل الجبر.
والحاصل أن هذا الحديث بهذا اللّفظ ضعيف جدًّا، فتنبّه، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وبالسند المُتَّصل إلى الإمام ابن مَاجَه رحمه الله في أول الكتاب قال:
126 -
(حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْأَزْهَرِ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمانَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَني إِسْحَقُ بْنُ يَحْيىَ بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، قَالَ: نَظَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى طَلْحَةَ، فَقَالَ: "هَذَا مِمَّنْ قَضَى نَحْبَهُ").
رجال هذا الإسناد: ستة:
1 -
(أحمد بن الأزهر) بن منيع، أبو الأزهر العبديّ النيسابوريّ، صدوقٌ كان يحفظ، ثمّ كبر، فصار كتابه أثبت من حفظه [11] تقدّم في 9/ 71.
2 -
(عمرو بن عثمان) بن سيّار الكلابيّ مولاهم، أبو عُمَر، ويقال: أبو عَمْرو، ويقال: أبو سعيد الرَّقّيّ، ضعيف، وكان قد عمي، من كبار [10].
رَوَى عن زهير بن معاوية، وعبيد الله بن عمرو، وموسى بن أعين، وإسماعيل بن عياش، ويونس بن يونس، وأبي شهاب الحناط، وابن عيينة، وغيرهم، وعنه أبو الأزهر النيسابوري، وأحمد بن منصور الرَّمَادي، والحسين بن الحسن المروزي، وغيرهم.
قال أبو حاتم: يتكلمون فيه، كان شيخًا أعمى بالرَّقّة يحدث النَّاس من حفظه بأحاديث منكرة، لا يصيبونها في كتبه، أدركته ولم أسمع منه، ورأيت من أصحابنا من أهل العلم من قد كَتَبَ عامة كتبه لا يرضاه، وليس عندهم بذاك. وقال العقيليّ عن أحمد بن علي الأَبَّار: سألت علي بن ميمون الرّقّيّ عنه، فقال: كان عندنا إنسان يقال له: أبو مطر فمات، فجاءني ابنه بكتب أبيه أبيعها له، فقال لي عمرو بن عثمان الكلابي: جئني بشيء منها، فجئته فكان يحدث منها، فلما مات عمرو بن عثمان ردّوها عليّ، فرددتها على أهلها. وقال النَّسائيُّ والأزدي: متروك الحديث.
وقال ابن عديّ: له أحاديث صالحة عن زهير وغيره، وقد رَوَى عنه ناس من الثقات، وهو ممّن يُكتَب حديثه. وذكره ابن حبّان في "الثِّقات"، وقال: مات سنة (219). وقال محمّد بن سعيد الحرانيّ: مات بالرّقّة سنة (17) وقال: ربما أخطأ، وكذا أَرّخ أبو عَرُوبة وفاته عن هِلال بن العلاء، ذكره العقيليّ في "الضعفاء". تفرّد به المصنّف، وله في هذا الكتاب ثلاثة أحاديث فقط برقم 126 و 744 و 1007.
3 -
(زُهير بن مُعاوية) بن حُدَيج بن الرُّحَيل بن زُهير بن خَيْثَمة، أبو خيثمة الْجُعْفِيّ الكوفيّ، نزيل الجزيرة، ثقة ثبتٌ [7].
رَوَى عن أبي إسحاق السبيعيّ، وسليمان التيمي، وعاصم الأحول، والأسود بن قيس، وبيان بن بِشْر، وخُصَيف، وزيد بن جبير، والأعمش، وخلق كثير.
وروى عنه ابن مَهْديّ، والقطان، وأبو داود الطيالسي، وأبو النضر هاشم بن القاسم، ويحيى بن آدم، وأسود بن عامر شاذان، والهيثم بن جَميل الأنطاكي، وعمرو بن عثمان الرَّقّيّ، وعبد الله بن محمّد النُّفَيلي، وأبو غسان النهدي، وأبو نعيم، وعبد السّلام ابن عبد الحميد الحَرّانيّ، وهو آخر مَنْ حَدَّث عنه، وجماعة.
قال معاذ بن معاذ: والله ما كان سفيان بأثبت من زهير. وقال شعيب بن حرب: كان زهير أحفظ من عشرين مثل شعبة. وقال بشر بن عمر الزهراني عن ابن عيينة: عليك بزهير بن معاوية، فما بالكوفة مثله. وقال الميموني عن أحمد: كان من معادن الصدق. وقال صالح بن أحمد عن أبيه: زُهير فيما روى عن المشائخ ثَبْتٌ بَخٍ بَخٍ، وفي حديثه عن أبي إسحاق لِين سمع منه بآخره. وقال ابن أبي خيثمة عن ابن معين: ثقة. وقال أبو زُرعة: ثقة إِلَّا أنه سمع من أبي إسحاق بعد الاختلاط. وقال أبو حاتم: زهير أحب إلينا من إسرائيل في كلّ شيء، إِلَّا في حديث أبي إسحاق، فقيل له: فزائدة وزهير؟ قال: زهير أتقن من زائدة، وهو أحفظ من أبي عوانة، وما أشبه حديثه بحديث زيد بن أبي أنيسة، وهو أحفظ من أبي عوانة، وزهير ثقة متقن صاحب سنة، وهو أحب إليّ من جرير، وخالد الواسطي. وقال العجلي: ثقة مأمون. وقال النَّسائيُّ: ثقة ثبت.
وقال مطين: مات سنة اثنتين، وقيل: ثلاث وسبعين ومائة. وقال ابن منجويه: مات سنة (177)، وكان حافظًا متقنًا، وكان أهل العراق يُقَدِّمونه في الإتقان على أقرانه. قال الخطيب: حَدّث عنه ابن جريج وعبد السّلام بن عبد الحميد الحرانيّ، وبين وفاتيهما بضع وتسعون سنة، وحَدّث عنه محمّد بن إسحاق وبين وفاتيهما قريب من ذلك. وقال ابن سعد: تُوفّي آخر سنة (72)، وكان ثقةً ثبتًا مأمونًا كثير الحديث. وقال أبو جعفر بن نُفَيل: مات في رجب سنة (73)، وقال أيضًا: وُلد سنة مائة. وقال البزار: ثقة. وقال ابن حبّان في "الثِّقات": تُوفي سنة ثلاث، أو أربع وسبعين ومائة في رجب، وكان حافظًا متقنًا، وكان أهل العراق يقولون في أيّام الثّوريّ: إذا مات الثّوريّ ففي زهير خَلَف، وكانوا يُقَدِّمونه في الإتقان على غيره، وعاب عليه بعضهم أنه كان ممّن يَحْرُس خشبة زيد بن علي لمَّا صُلِب.
أخرج له الجماعة، وله في هذا الكتاب أحد عشر حديثًا.
4 -
(إسحاق بن يحيى بن طلحة) بن عبيد الله التيميّ، ضعيف [5].
رأى السائب بن يزيد، وروى عن عميه: إسحاق، وموسى ابني طلحة، وعبد
الله بن جعفر بن أبي طالب، وابنه معاوية بن عبد الله، والزهري، ومجاهد، وغيرهم.
وروى عنه زهير بن معاوية، وسليمان بن بلال، ومَعْنٌ الْقَزَّاز، وأبو عوانة، وغيرهم.
قال علي بن المديني: سألت يحيى بن سعيد عنه، فقال: ذاك شبه لا شيء، قال علي: نحن لا نروي عنه شيئًا. وقال صالح بن أحمد عن أبيه: منكر الحديث، ليس بنثيء. وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه: متروك الحديث. وقال معاوية بن صالح عن ابن معين: ضعيف. وكذا قال الدُّوريّ عنه، وزاد: ليس بشيء، ولا يكتب حديثه. وقال عمرو بن علي: متروك منكر الحديث. وقال البخاريّ: يتكلمون في حفظه. وقال التّرمذيّ: ليس بذاك القوي عندهم، وقد تكلموا فيه من قِبَل حفظه. وقال النَّسائيُّ: ليس بثقة، وقال في موضع آخر: متروك الحديث. وقال أبو زرعة: واهي الحديث. وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، ليس بقوي، ولا بمكانِ أن يُعْتَبر به، وأخوه طلحة بن يحيى أقوى حديثًا منه، ويتكلمون في حفظه، ويُكتَب حديثه. وقال يعقوب بن شيبة: لا بأس به، وحديثه مضطرب جدًّا.
وقال ابن سعد: مات بالمدينة في خلافة المهدي، وهو يُستَضْعَف. وقال السراج: مات سنة (164). وذكر ابنُ عساكر أن سنه قريب من سن عمر بن عبد العزيز، قال: ووفد عليه، ونقل الزُّبير بن بكار أن إسحاق بن يحيى تزوج أم يعقوب بنت إسماعيل بن طلحة ثمّ تزوج بنت أبي بكر بن عثمان بن عروة بن الزُّبير، فكان بين تزويجه هذه وهذه خمس وسبعون سنة. وقال ابن حبّان في "الضعفاء": كان ردي الحفظ، سيء الفهم، يُخطِىء ولا يَعْلَم، ويَروي ولا يَفْهَم. وقال في "الثِّقات": يُخطىء ويَهِم، وقد أدخلناه في "الضعفاء" لِمَا كان فيه من الإيهام، ثمّ سَبَرتُ أخباره، فأدَّى الاجتهاد إلى أن يُترَك ما لم يُتابَع عليه، ويُحتج بما وافق الثقات. وقال البخاريّ: يَهِم في الشيء بعد الشيء، إِلَّا أنه صدوق. وقال ابن عديّ: هو خير من إسحاق بن أبي فروة. وقال أبو موسى: كان يحيى وعبد الرّحمن لا يحدثان عنه، وضعفه أيضًا العجليّ، والساجيّ، وأبو داود، والعقيلي،
وأبو العَرَب، والدارقطنيّ، وغيرهم. قال ابن عَمّار الموصلي: صالح.
تفردّ به الترمذيّ، والمصنّف، وله في هذا الكتاب هذا الحديث، والذي بعده فقط.
5 -
(موسى بن طلحة) بن عبيد الله القرشيّ التيميّ، أبو عيسى، ويقال: أبو محمّد المدنيّ، نزيل الكوفة، وأمه خَوْلَة بنت الْقَعْقَاع بن سَعِيد بن زُرَارة، ثقة جليل [2].
روى عن أبيه، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، والزبير بن العوام، وأبي ذر، وأبي أَيّوب، وحكيم بن حزام، وعثمان بن أبي العاص، وأبي هريرة، وغيرهم.
ورَوَى عنه ابنه عمران، وحفيده سليمان بن عيسى بن موسى، وابنا أخيه: إسحاق وطلحة ابنا يحيى بن طلحة، وابن أخيه الآخر موسى بن إسحاق بن طلحة، وابن ابن أخيه موسى بن عبد الله بن إسحاق بن طلحة، وعثمان بن موهب، وابنه عمرو، ويحيى ابن سَام، وأبو مالك سَعْد بن طارق الأشجعي، وغيرهم.
قال ابن سعد: قال الواقدي: رأيت مَنْ قِبَلنا وأهل بيته يَكْنُونه أبا عيسى، وكان ثقة كثير الحديث. وقال الزُّبير بن بكار: كان من وجوه آل طلحة. وقال المُرُّوذِيّ عن أحمد: ليس به بأس. وقال العجلي: تابعي ثقة، وكان خيارًا، وقال مرّة: كوفي ثقة، رجل صالح. وقال أبو حاتم: يقال: إنّه أفضل ولد طلحة بعد محمّد، كان يُسَمَّى في زمانه المهدي. وقال ابن خِرَاش: كان من أَجِلاء المسلمين، ويقال: إنّه شَهِد الجمل مع أبيه، وأطلقه عليّ بعد أن أُسِر، ويقال: إنّه فَرّ من الكوفة إلى البصرة لمّا ظهر المختار ابن أبي عُبيد. وعن عبد الملك بن عُمير قال: كان فصحاء النَّاس أربعة، فذكره فيهم. وروى الْعَقَديّ عن إسحاق بن يحيى بن طلحة، عن عمه موسى قال: صَحِبتُ عثمان اثنتي عشرة سنة. وقال الهيثم، وابن سعد، وغير واحد: مات سنة ثلاث ومائة. وقال أبو عبيد: مات سنة ثلاث، أو أربع. وقال أبو نعيم وأحمد: مات سنة أربع، ويقال: مات سنة ست. وأرّخه أبو بكر بن أبي شيبة، وأبو بكر بن عاصم سنة ست. قال ابن عساكر: يقال: إنّه وُلد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو سَمَّاه.
أخرج له الجماعة، وله في هذا الكتاب أربعة أحاديث فقط، برقم 126 و 127
و 940 و 2470.
6 -
(معاوية بن أبي سفيان) رضي الله عنهما تقدّم في الباب الماضي، والله تعالى أعلم.
شرح الحديث:
(عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ) رضي الله عنهما، أنه (قَالَ: نَظَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى طَلْحَةَ) أي ابن عبيد الله رضي الله عنه (فَقَالَ: "هَذَا مِمَّنْ قَضَى نَحْبَهُ") بفتح النون، وسكون الحاء المهملة، أي وَفَى بنذره، قال ابن الأثير رحمه الله: النّحْبُ: النَّذْر، كأنه ألزم نفسه أن يَصْدُق أعداء الله في الحرب، فوَفَى به، وقيل: النحبُ: الموت، كأنه يُلزم نفسه أن يُقاتِل حتّى يموت. انتهى (1).
وقال السنديّ رحمه الله: قوله: "ممّن قضى نحبه" أي وَفَى بنذره وعزمه على أنه يموت في سبيل الله تعالى، أو يُحارب أعداء الله تعالى أشدّ المحاربة، فقد مات أو حارب كما نذر، قيل: وكان من الصّحابة من عَزَموا على ذلك، فعدّ طلحة ممّن وَفَى بذلك. انتهى (2)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): في درجته:
حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما ضعيف بهذا السند؛ لأن إسحاق بن يحيى مجمع على ضعفه، بل قال أحمد، وعمرو الفلّاس، والنَّسائيّ: متروك.
وإنّما الصّحيح حديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه، أخرجه الترمذيّ في "الجامع"، قال:
3675 -
حَدَّثَنَا أبو كريب محمّد بن العلاء، حَدَّثَنَا يونس بن بكير، حَدَّثَنَا طلحة ابن يحيى، عن موسى وعيسى ابني طلحة، عن أبيهما طلحة، أن أصحاب رسول الله
(1)"النهاية" 5/ 263.
(2)
"شرح السنديّ 1/ 88.
-رضي الله عنه قالوا لأعرابي جاهلٍ: سلْهُ عمن قَضَى نحبه من هو؟ وكانوا لا يَجتَرئون هم على مسألته، يُوَقِّرونه ويهابونه، فسأله الأعرابي، فأعرض عنه، ثمّ سأله فأعرض عنه، ثمّ إنِّي اطلعت من باب المسجد، وعلي ثياب خُضْرٌ، فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"أين السائل عمن قضى نحبه؟ " قال الأعرابي: أنا يا رسول الله، قال:"هذا ممّن قضى نحبه".
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إِلَّا من حديث أبي كريب، عن يونس بن بكير، وقد رواه غير واحد من كبار أهل الحديث، عن أبي كريب هذا الحديث، وسمعت محمّد بن إسماعيل يحدِّث بهذا عن أبي كريب، ووضعه في "كتاب "الفوائد". انتهى.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الحديث حسنٌ كما قال الترمذيّ، فإن رجاله ثقات، وقد أخرج لهم مسلم، ويحيى بن طلحة، وإن تكلّم فيه بعضهم من قِبَل حفظه، إِلَّا أنه حسن الحديث، فكان الأولى للمصنّف أن يورده بدلًا من حديث معاوية رضي الله عنه. والله تعالى أعلم.
(المسألة الثّالثة): في فوائده:
1 -
(منها): ما ترجم له المصنّف رحمه الله، وهو بيان فضل طلحة بن عُبيد الله رضي الله عنه، حيث أخبر النبيّ صلى الله عليه وسلم بأنه ممّن قضى نحبه مع أنه لا يزال حيّا، ينتظر الوفاء بما عاهد الله عليه.
2 -
(ومنها): أن فيه علمًا من أعلام النبوّة، حيث أخبر رضي الله عنه أنه يُقتل شهيدًا، فقُتل يوم الجمل، فويلٌ لمن قتله.
3 -
(ومنها): جواز مدح الإنسان في وجهه إذا لم يُخش عليه فتنة.
4 -
(ومنها) أن فيه إشارة إلى قول عز وجل: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ} الآية [الأحزاب: 23]، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.
وبالسند المُتَّصل إلى الإمام ابن مَاجَه رحمه الله في أول الكتاب قال:
127 -
(حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنْبَأَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ مُوسَى ابْنِ طَلْحَةَ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "طَلْحَةُ مِمَّنْ قَضَى نَحْبَهُ").
رجال هذا الإسناد: خمسة، تقدّموا في السند الماضي إِلَّا اثنين:
1 -
(أحمد بن سنان) بن أسد بن حِبّان -بكسر المهملة، بعدها موحّدة- أبو جعفر القطّان الواسطيّ، ثقة حافظ [11].
رَوَى عن يحيى سعيد القطان، وأبي أحمد الزبيري، وأبي أُسامة، ويزيد بن هارون، والشافعي، وغيرهم.
وروى عنه البخاريّ، ومسلم، وأبو داود، والنَّسائيّ في حديث مالك، وابن ماجة، وابن خزيمة، وأبو موسى، وهو من أقرانه، وابنه جعفر بن أحمد بن سنان، وزكريا بن يحيى الساجي، وأبو بكر بن أبي داود، وابن أبي حاتم، وابن صاعد، وأبو حاتم، وقال: ثقة صدوق. وقال إبراهيم بن أُورمة: أعدنا عليه ما سمعناه منه من بندار وأبي موسى، يعني لإتقانه وحفظه. وقال النَّسائيُّ: ثقة. قيل: مات سنة (6) وقيل: سنة (8) وقيل: سنة (259) وذكره ابن حبّان في "الثِّقات"، وقال: حَدَّثَنَا عنه ابنه جعفر: مات (25) أو قبلها أو بعدها بقليل. وقال الدارقطني: كان من الثقات الأثبات. وقال الآجري: سألت أبا داود عنه، فقدمه على بندار، وليس له عند البخاريّ سوى حديث واحد، وقد روى عنه النَّسائيُّ في "السنن الكبرى" عدة أحاديث في "الحدود"، و"الطّلاق"، وغير ذلك.
وله في هذا الكتاب (29) حديثًا.
2 -
(يزيد بن هارون) بن زاذي، ويقال: زاذان بن ثابت السلميّ مولاهم، أبو خالد الواسطيّ، قيل: أصله بخاريٌّ، ثقة متقنٌ عابدٌ [9].
روى عن سليمان التيمي، وحميد الطَّويل، وعاصم الأحول، وإسماعيل بن أبي
خالد، وأبي مالك الأشجعي، وخلق كثير.
وروى عنه بقية بن الوليد، ومات قبله، وآدم بن أبي إياس، وأحمد بن حنبل، وإسحاق ابن راهويه، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، والذُّهلي، وخلق كثير.
قال أبو طالب عن أحمد: كان حافظًا للحديث، صحيح الحديث عن حجاج بن أرطاة، وقال ابن المديني: هو من الثقات، وقال في موضع آخر: ما رأيت أحفظ منه. وقال ابن معين: ثقة. وقال العجلي: ثقة ثبت في الحديث، وكان متعبدًا، حسن الصّلاة جدًّا، وكان يصلّي الضحى ستة عشرة ركعة بها من الجودة غير قليل، وكان قد عمي. وقال أبو زرعة عن أبي بكر بن أبي شيبة: ما رأيت أتقن حفظًا من يزيد. قال أبو زرعة: والإتقان أكثر من حفظ السرد. وقال أبو حاتم: ثقة إمام صدوق لا يُسأل عن مثله. وقال عمرو بن عون عن هشيم ما بالمصرين مثل يزيد. وقال أحمد بن سنان عن عفان: أَخَذَ يزيد عن حماد حفظًا، وهي صحاح بها من الاستواء غير قليل، ومَدَحَها. وقال أيضًا: ما رأيت عالمًا قطّ أحسن صلاة منه، كأنه أسطوانة، لم يكن يَفْتُر عن صلاة اللّيل والنهار، وكان هو وهشيم معروفين بطول الصّلاة.
وقال يعقوب بن سفيان عن محمّد بن فضيل البزاز: وُلد يزيد سنة سبع عشرة ومائة. وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، وُلد سنة ثماني عشرة، وكان يقول: طلبت العلم وحصين حي، وقد نسي، وربما ابتدأني الجريري بالحديث، وكان قد أُنكر، مات في خلافة المأمون في غرة ربيع الآخر سنة ست ومائتين، وفيها أرّخه غير واحد.
أخرج له الجماعة، وله في هذا الكتاب (108) أحاديث. وشرح الحديث سبق في الحديث الماضي، وهو بهذا الإسناد ضعيف، وإنّما الحديث حديث طلحة رضي الله عنه، وهو حديث حسن، كما سبق بيانه، في الّذي قبله. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وبالسند المُتّصل إلى الإمام ابن مَاجَه رحمه الله في أول الكتاب قال:
128 -
(حَدَّثَنَا عِليُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا وَكِيع، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، قَالَ: رَأَيْتُ يَدَ طَلْحَةَ شَلَّاءَ، وَقَى بِهَا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ).
رجال هذا الإسناد: أربعة:
1 -
(إسماعيل) بن أبي خالد الأحمسيّ مولاهم البجليّ، ثقة ثبت [4] 13/ 113.
2 -
(قيس) بن أبي حازم البجليّ، أبو عبد الله الكوفيّ، ثقة مخضرم [2] 13/ 113.
والباقيان تقدّما قريبًا. والله تعالى أعلم.
لطائف هذا الإسناد:
(منها): أنه من رباعيّات المصنِّف رحمه الله. (ومنها): أن رجاله ثقات، من رجال الجماعة، غير شيخه، فقد تفرد به هو والنَّسائيّ في "مسند عليّ" رضي الله عنه. (ومنها): أن فيه رواية تابعيّ عن تابعيّ.
(ومنها): أن قيسًا هو التابعي الّذي انفرد بأنه لقي العشرة المبشّرين بالجنة رضي الله عنه، وروى عنهم كُلِّهم، على خلاف في عبد الرّحمن بن عوف رضي الله عنه والصّحيح أنه روى عنه، وإليه أشار السيوطيّ رحمه الله في "ألفية الأثر"، حيث قال:
وَالتَّابِعُونَ طَبَقَاتٌ عَشَرَهْ
…
مَعْ خَمْسَةٍ أَوَّلهُمْ ذُو الْعَشَرَهْ
وَذَاكَ قَيْسٌ مَا لَهُ نَظِيرُ
…
وَعُدَّ عِنْدَ حَاكِمِ كَثِيرُ
والله تعالى أعلم.
شرح الحديث:
(عَنْ قَيْس) بن أبي حازم، أنه (قَالَ: رَأَيْتُ يَدَ طَلْحَةَ) أي ابن عبيد الله رضي الله عنه (شَلَّاء) -بفتح الشين المعجمة، وتشديد اللام، والمدّ- يقال: شَلَّتْ اليدُ شَلَلًا، من باب تَعِبَ، ويُدغَم المصدر أَيضًا: إذا فَسَدَت عُرُوقُها، فَبَطَلت حركتها، ورجلٌ أشلُّ، وامرأة شَلَّاءُ. قاله الفيّوميّ (1). وقال ابن الأثير: اليد الشّلّاءُ هي المنتشرة الْعَصَبِ الّتي لا تُوَاتي
(1)"المصباح المنير" 1/ 321.
صاحبها على ما يُريد لما بها من الآفة، يقال: شَلَّت يده تَشَلُّ شَلَلًا، ولا تضمّ الشين. انتهى (1). وقال في "الفتح": قوله: "شَلَّت" بفتح المعجمة، ويجوز ضمها في لغة ذكرها اللحيانيّ، وقال ابن دُرُستويه: هي خطأ، والشلل: نقص في الكفّ، وبُطلان لعملها، وليس معناه القطع كما زعم بعضهم. انتهى (2).
وقوله: (وَقَى بِهَا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم) جملة مستأنفة استئنافًا بيانيًا، وهو ما وقع جوابًا عن سؤال مقدّر، تقديره، ما سبب كونها شلاء، فأجاب لكونه وقى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم (يَوْمَ أُحُدٍ) متعلّق بـ "وقى"، وفي رواية الطبرانيّ من طريق موسى بن طلحة، عن أبيه أنه أصابه في يده سهم، وفي حديث أنس رضي الله عنه:"وقى رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا أراد بعض المشركين أن يضربه"، وفي "مسند الطيالسيّ" عن أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه، قال:"ثمّ أتينا طلحة -يعني يوم أحد- فوجدنا به بضعًا وسبعين جراحةً، وإذا قد قُطعت إصبعه"، وفي "الجهاد" لابن المبارك من طريق موسى بن طلحة أن إصبعه الّتي أُصيبت هي الّتي تلي الإبهام، وجاء عن يعقوب بن إبراهيم بن محمّد بن طلحة، عن أبيه، قال:"أُصيبت إصبع طلحة البنصر من اليسرى من مفصلها الأسفل، فشُلّت، تَرَّسَ بها على النبيّ صلى الله عليه وسلم. ذكره في "الفتح" (3). والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): في درجته:
حديث قيس بن أبي حازم رحمه الله تعالى هذا أخرجه البخاريّ.
(المسألة الثّانية): في تخريجه:
أخرجه المصنّف هنا 16/ 128 و (البخاريّ)(3724) و (ابن سعد) في
(1)"النهاية" 3/ 287.
(2)
"فتح" 7/ 104 "كتاب فضائل الصّحابة" رقم (3725 - 3728).
(3)
المصدر السابق.
"الطبقات" 3/ 217 و (ابن أبي شيبة) في "المصنِّف" 12/ 90 و (أحمد) في "مسنده" 1313 و"فضائل الصّحابة" 1292 و (سعيد بن منصور) في "سننه" 2850 و (ابن حبّان) في "صحيحه" 6981 و (الطَّبرانيُّ)192. والله تعالى أعلم.
(المسألة الثّالثة): في فوائده:
(منها): ما ترجم له المصنّف رحمه الله، وهو بيان فضل طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه.
(ومنها): ما كان عليه الصّحابة رضي الله عنهم من حرصهم على وقاية النبيّ صلى الله عليه وسلم بأنْفسهم، عملًا بقوله عز وجل:{النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} الآية [الأحزاب: 6]. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.