المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

العصر الذي اكتشفت فيه أوربا عامة، وألمانيا خاصة، ثقافات آسيا - مشكلة الثقافة

[مالك بن نبي]

فهرس الكتاب

- ‌تصدير

- ‌الإهداء

- ‌مقدمة الطبعة الثانية

- ‌مقدمة الطبعة الأولى

- ‌الفصل الأولتحليل نفسي للثقافة

- ‌أوّليات

- ‌ما هي الثقافة

- ‌عملية التعريف:

- ‌فكرة الثقافة:

- ‌الثقافة وعلم الاجتماع

- ‌بعض الأفكار:

- ‌موازنة هذه الآراء:

- ‌تصور آخر للمشكلة:

- ‌تعريف آخر للثقافة:

- ‌ما هي الثقافة

- ‌الجانب النفسي والجانب الاجتماعي

- ‌طبيعة العلاقة الثقافية:

- ‌الثقافة والمقاييس الذاتية:

- ‌الفصل الثانيتركيبٌ نفسِيٌّ للثقافَة

- ‌تَرَاكيبُ جزئيَّة وَتركيب عام

- ‌توجيه الأفكار

- ‌توجيه الثقافة:

- ‌الحَرفيَّة في الثقافة

- ‌معنى الثقافة في التاريخ:

- ‌معنى الثقافة في التربية:

- ‌التوجيه الأخلاقي

- ‌التوجيه الجمالي:

- ‌المنطق العملي:

- ‌التوجيه الفني أو الصناعة:

- ‌الأزمة الثقافية

- ‌الفصل الثالثتَعَايُش الثَقافات

- ‌نظرات في تعايش الثقافات:

- ‌تعايش ثقافي على محور طنجة - جاكرتا:

- ‌الفصل الرابعالثَقافة في اتّجاهِ العَالَميَّة

- ‌الفصل الخامسما ضد الثقافة L'anti culture

- ‌خاتمة

- ‌المسارد

الفصل: العصر الذي اكتشفت فيه أوربا عامة، وألمانيا خاصة، ثقافات آسيا

العصر الذي اكتشفت فيه أوربا عامة، وألمانيا خاصة، ثقافات آسيا على يد (شبنهور ونيتشه).

ولقد رحب مجال البحث الاجتماعي في القرن التاسع عشر بتأثير التوسع الاستعماري ذاته، ورحب معه مفهوم (الثقافة) الذي كان حتى ذلك الحين حبيساً في نزعات، فردية أوربية، تدين بمبدأ (الإنسانيات الإغريقية اللاتينية)، اتسع هذا المفهوم حتى ضم مجالاً جغرافياً أوسع ومعنى اجماعياً أشمل، إلى أن ظفر بدراسات (ليفي بريل) عن ثقافات المجتمعات البدائية.

‌بعض الأفكار:

وهكذا وصل الفكر إلى سؤال: ما هي الثقافة؟ ولكن عن طرق مختلفة ومناهج متخالفة؛ فجاءت وجهات النظر مختلفة أيضاً لاختلاف النزعات مترجمة أحياناً عن اتجاهات سياسية؛ فمن أجل هذا كله اختلفت تعاريف الثقافة باختلاف الزاوية التي ينظر منها إلى الموضوع.

ولقد رأينا في مجال آخر هو مجال (علم الحياة)، صورة الاختلافات التي يمكن أن تنشأ بين آراء المدارس المختلفة، عندما أراد (ليسنكو) منذ حوالي عشرين سنة أن يضع أسساً جديدة لعلم الوراثة على أنقاض ما كان قد وضعه (مورجان) ومدرسته.

فكذلك الحال في مجال الثقافة الذي نستطيع معه اليوم أن نرد مجموع ما قيل من تفسيرات إلى مدرستين:

ـ[المدرسة الغربية]ـ: التي ظلت وفيّة لتقاليد عصر النهضة، وهي ترى عموماً أن الثقافة ثمرة الفكر، أي ثمرة الإنسان، تقابلها طبعاً:

ـ[المدرسة الماركسية]ـ: التي ترى أن الثقافة في جوهرها ثمرة المجتمع.

ص: 29

ونحن لا نقصد بهذا التقسيم أن نضع حداً صارماً بين كلا الاتجاهين، وإنما نهدف إلى مجرد الفصل بين صورتين لموضوع واحد في إطارين مختلفين من أطر الفكر.

فالفكر والمجتمع يمثلان اليوم الإطارين المألوفين، اللذين توضع فيهما هنا وهناك المشكلات الاجتماعية في عمومها.

ثم يحدث أن يشتمل كل إطار على اختلافات شخصية. ففي حقل البلدان الغربية اليوم نجد أن الأمريكيين هم الذين سيطروا عموماً على الاتجاهات الثقافية، وحسبنا أن نلخص للقارئ رأي مُفكرَيْن من بينهم هما:(وليام أوجبرن) و (رالف لنتون)، حتى يتسنى له أن يطلع على فكرة المدرسة الغربية، ولكي يرى مدى ما تدين لها به البلدان المتخلفة عامة والعربية خاصة.

يذهب (رالف لنتون) إلى أن الثقافة (كلٌّ) تتداخل أجزاؤه تداخلاً وثيقاً، ولكن من الممكن أن نتعرف فيه على شكل بنائي معين، أي أن نتعرف فيه على عناصر مختلفة هي التي تكون الكل.

ففي المستوى الأول يوجد مجال العموميات باعتبارها الأرض التي تمتد فيها جذور الحياة الثقافية للمجتمع، وذلك كالدين واللغة والتقاليد، تلك التي تعد المنوال الأساسي الذي يحدد نوع العقلية الخاصة بالنموذج الاجتماعي، وهو نموذج شائع في صور جميع الأفراد المنتمين لذلك المجتمع يطبع حياتهم بسلوك اجتماعي معين.

وهذا السلوك العام هو المقياس الذي يكشف عن المواقف الشاذة والاضطرابات وألوان الفساد لدى الشواذ.

والمستوى الثاني- على ما ذهب إليه (لنتون)، هو مستوى الأفكار الخاصة

ص: 30

الناتجة عن التخصص المهني، والتي على أساسها تكون التفرقة بين مختلف الطبقات الاجتماعية.

بيد أن هناك تطوراً في ثقافة مجتمع معين في مجموعها، وهناك نمو في مواريثه التاريخية؛ وهي حركة ناتجة عن الأفكار الجديدة وعن التنظيم الصناعي، وعن النظريات المستحدثة والمخترعات والمكتشفات في الميدان السياسي والاجتماعي والاقتصادي؛ فهذا القسم الثالث هو الإطار الثقافي الذي يحوط المستويين السابقين، ويؤثر فيهما تأثيراً ينسب إليه ما يطرؤ عليهما من تغيير أو تعديل.

ويحدث هذا التأثير من داخل المجتمع ذاته بوصفه أثرا ناتجاً عن نموه وعن حياته، كما يحدث من خارجه بفعل تبادل المؤثرات بين الثقافات المختلفة، أي بفعل الامتصاص والامتداد الثقافي.

أما (وليام أوجبرن) فإنه يفرق في الثقافة بين مجالين يطلق على أحدهما: (الثقافة المادية Material culture)، وعلى الآخر (الثقافة المتكيفة Adoptive culture).

فالمجال الأول يضم في رأيه الجانب المادي من الثقافة، أي مجموع الأشياء وأدوات العمل والثمرات التي تخلقها.

ويضم المجال الثاني الجانب الاجتماعي كالعقائد والتقاليد والعادات والأفكار واللغة والتعليم، وهذا الجانب الاجتماعي هو الذي ينعكس في سلوك الأفراد.

فتغير الثقافة- في رأيه- ضروري، ولكن من أين يبدأ؟

يرى (أوجبرن) أنه يبدأ في مجال الأشياء والأدوات ثم يمتد تأثيره كيما يُعدّل الجانب الاجتماعي.

فالقوة المغيرة عنده كامنة في الأشياء، لأنها تقبل التغير بأسرع مما تتقبله الأفكار.

ص: 31

وليس ممكناً أن تتخلص الأفكار من تأثير هذه التغيرات، وإلا حدث اختلال ثقافي واضطراب اجتماعي قد ينشأ عنه كثير من النازعات الاجتماعية.

ثم يورد مثلاً يؤيد به نظريته: حالة التعليم الذي يجب دائماً أن يساير تقدم الصناعة.

فإذا ما أردنا أن نعرض المشكلة من وجهة نظر الفكر الماركسى أوردنا للقارئ أيضاً رأيين:

رأياً ذكره (ف. كونستا نتينوف) في كتابه (دور الافكار التقدمية في تطوير المجتمع)، ورأي (ماوتسي تونج) في كتابه (الديموقراطية الجديدة). فـ (كونستا نيتنوف) لا يعرض للمشكلة صراحة، وإنما ضمناً عندما يعرض موقف الفلسفة الماركسية حيالها فيقول:

((إن حياة المجتمع المادية هي واقع موضوعي ومستقل عن إرادة الناس، أما حياة المجتمع العقلية culture مجموعة الأفكار الاجتماعية والنظريات والأديان ونظريات علم الجمال والمذاهب الفلسفية (يعني كل ما يحدد الثقافة (1)) فهي كلها انعكاس هذا الواقع الموضوعي)).

ولما كان هذا التعريف لا يقيم كبير وزن للأفكار في تحديد الثقافة وفي تطور الوسط الذي تنشأ فيه، فإن المؤلف الماركسي يختم فكرته بعد صفحات من كتابه قائلاً:

((ولكن هذا لا يعني طبعاً أن الأفكار الاجتماعية، مهما كانت الصورة

(1) الجملة بين القوسين من إضافة المؤلف.

ص: 32

الفكرية التي تتجلى فيها، لا تمارس بدورها رد فعل على تطور شروط الحياة المادية للمجتمع

)).

وبهذا نرى أن الجانبين اللذين أطلق عليهما (وليام أوجبرن): (الثقافة المادية) و (الثقافة المتكيفة) يظهران خلال التعبير الماركسي؛ وسنحاول أن نكشف فيها بعد عن سر هذه القرابة بين وجهتي النظر على الرغم من تعارض مذاهب مؤلفيهما.

أما (ماوتسي تونج) فقد ذهب في كتابه إلى أن مشكلة الثقافة تتجلى في جوانب معينة، ولكن يثير اهتمامنا لديه خاصة هو أنه يصف لنا كيف أن هذه الفكرة تتمثل لفكره باعتباره ماركسياً فيقول:

((إن كل ثقافة معينة هي انعكاس من حيث شكل مفهومها لمجتمع معين .. )) ولست أدري إذا ما كانت الترجمة العربية أمينة في نقل الظلال والألوان، ولكنا نجد فيها دون ريب جوهر ما يدور حوله فكر ماركسي، أعني بذلك العلاقة التكوينية التي يريد إقرارها بين الأشكال المادية، التي تعنى بها الحياة في مجتمع معين، وبين أفكار هذا المجتمع.

ونحن بحاجة إلى أن نضيف هنا أن عقلاً صاغته المادية الجدلية كعقل (ماوتسي) أو (كونستانتينوف) يرى أن ضرورة تطور الثقافة ضرورة ملزمة ملحة.

ومع ذلك فيجب أن نحسب هنا حساب عنصر سلبي جوهري في مفهوم الثقافة عند رجل كـ (ماوتسي تونج)، يرى أن القلم سلاح في المشكلة إذا ما اقتضى الأمر وضع أساس ثقافة جديدة؛ ولكن قد يكون الفأس سلاحاً عندما نحتاج إلى تسوية أطلال ما يطلق عليه أحياناً ثقافة الإقطاع أو الاستعمار، والتي يرى فيها مصدراً لمجيع صنوف الضعف الاجتماعي والسياسي في البلاد؛ ولذلك

ص: 33