الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقول في هذا الصدد: ((فينبغي القضاء عليها، وإن لم يقض عليها فسيكون من المستحيل إقامة أي أساس لثقافة جديدة (1))).
وسنبين فيما بعد إلى أي حد يكون هذا العنصر السلبي في التعريف الماركسي للثقافة مفيداً لمفهومنا ولجهودنا في هذا الميدان.
موازنة هذه الآراء:
وضح لنا مما مفى أن تعريف (رالف لنتون) قد أملاه عقل كلاسيكي ورث تقاليد عصر النهضة، يحدد نصيب الفكر في الواقع الاجتماعي بنسبة هذا الواقع أولاً إلى الأفكار.
ونحن نقره على ما ذهب إليه في تحليله من وجود مستويين للأفكار هما (الأفكار العامة والأفكار الخاصة (2))، دون أن نجد أنفسنا ملزمين بموافقته على رأيه في المستوى الثالث، الذي ربما أمكننا أن نجعل عنوانه هو العنوان نفسه الذي اختاره (كونستانتينوف) لكتابه:(الأفكار التقدمية والتطور الاجتماعي) مع تعديل بسيط.
فـ (رالف لنتون) يرى في الواقع تطور الثقافة، فلكي يفهم ماهية هذا التطور اعتقد أن من الضروري تحديد إطار من الأفكار الجديدة، كالمخترعات والمكتشفات والمذاهب الجديدة، فهي في رأيه الإطار الثقافي الخاص الذي يتم داخله كل تغير يصيب الثقافة؛ وربما وجدناه يكتفي بالقول:((إن (الأفكار الفنية) تحمل في ثناياها بذور هذا التغيير)).
وربما شهدناه مثلاً وهو يتتبع عملية النمو، التي تعرضت لها فكرة
(1)[ص:58] من الكتاب نفسه.
(2)
يتفق هذا التقسيم مع ما ذهبنا إليه في مقدمة كتابنا (الظاهرة القرآنية) من وجود أفكار شعبية وأفكار علمية.
(الكهرباء) منذ التجارب الخالدة التي قام بها (جلفاني)، هؤكداً النتائج غير المتوقعة لهذه العملية في حقل الثقافة في القرنين التاسع عشر والعشرين.
فتعريف (وليام أوجبرن) يعد مرحلة بالنسبة لما سبقه، إنه يسجل انفصالا ًعن الفكر الكلاسيكي الذي ربما دلنا على تطور في التفكير الأمريكي، يميزه ويقصيه عن الأسس التي قام عليها التفكير الأوربي، إقصاء يحمل معه طابع العالم الأمريكي.
فـ (أوجبرن) حين وضع تعريفه لا بد أن يكون نظره قد وقع على ذلك العالم الممتلئ بالأشياء والأدوات والأجهزة، فأدركت نظرته العملية من أول وهلة مدى فاعلية هذه الأشياء.
ومع ذلك فإن طريقة التعريف في كلتا الحالين واحدة، صادرة عن فكر واحد هو الفكر الإحصائي الذي يتم لدى (لنتون) في عالم من الأفكار، ولدى (أوجبرن) في عالم من الأشيماء يحوطه جو من الأفكار.
وعلى الرغم من هذا يجب أن نذكر أن عالم (أوجبرن) يختلف تماماً عن عالم (لنتون)، إذ أن الشيء لديه هو الذي يخلق الفكرة؛ وبناء عليه يكفي أن نتصور زوال (الأشياء) حتى تنهار الثقافة كأنها بناء قُوّضَ أساسه.
لكن هذا لا يقوم عليه دليل. ولقد أرانا تاريخ ألمانيا الحديث كيف أن بلداً شهد الانهيار الكامل (لعالم أشيائه)، قد استطاع باحتفاظه (بعالم أفكاره) أن يبني كيانه من جديد.
فلو أننا أخذنا الآن تعريف (أوجبرن) على أنه محاولة وسطى، فإن وجهة النظر الماركسية تصبح وليس بها أدنى غموض، على الرغم من أنها تؤكدى أكثر من غيرها دور الشروط المادية في تحديد العناصر الثقافية.