المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌التوجيه الأخلاقي لسنا نهتم هنا بالأخلاق من الزاوية الفلسفية بل من - مشكلة الثقافة

[مالك بن نبي]

فهرس الكتاب

- ‌تصدير

- ‌الإهداء

- ‌مقدمة الطبعة الثانية

- ‌مقدمة الطبعة الأولى

- ‌الفصل الأولتحليل نفسي للثقافة

- ‌أوّليات

- ‌ما هي الثقافة

- ‌عملية التعريف:

- ‌فكرة الثقافة:

- ‌الثقافة وعلم الاجتماع

- ‌بعض الأفكار:

- ‌موازنة هذه الآراء:

- ‌تصور آخر للمشكلة:

- ‌تعريف آخر للثقافة:

- ‌ما هي الثقافة

- ‌الجانب النفسي والجانب الاجتماعي

- ‌طبيعة العلاقة الثقافية:

- ‌الثقافة والمقاييس الذاتية:

- ‌الفصل الثانيتركيبٌ نفسِيٌّ للثقافَة

- ‌تَرَاكيبُ جزئيَّة وَتركيب عام

- ‌توجيه الأفكار

- ‌توجيه الثقافة:

- ‌الحَرفيَّة في الثقافة

- ‌معنى الثقافة في التاريخ:

- ‌معنى الثقافة في التربية:

- ‌التوجيه الأخلاقي

- ‌التوجيه الجمالي:

- ‌المنطق العملي:

- ‌التوجيه الفني أو الصناعة:

- ‌الأزمة الثقافية

- ‌الفصل الثالثتَعَايُش الثَقافات

- ‌نظرات في تعايش الثقافات:

- ‌تعايش ثقافي على محور طنجة - جاكرتا:

- ‌الفصل الرابعالثَقافة في اتّجاهِ العَالَميَّة

- ‌الفصل الخامسما ضد الثقافة L'anti culture

- ‌خاتمة

- ‌المسارد

الفصل: ‌ ‌التوجيه الأخلاقي لسنا نهتم هنا بالأخلاق من الزاوية الفلسفية بل من

‌التوجيه الأخلاقي

لسنا نهتم هنا بالأخلاق من الزاوية الفلسفية بل من الناحية الاجتماعية، وليس الأمر هنا أن نشرح مبادئ خلقية، بل أن نحدد (قوة التماسك) الضرورية للأفراد في مجتمع يريد تكوين وحدة تاريخية؛ هذه القوة مرتبطة في أصلها بغريزة (الحياة في جماعة) عند الفرد، ارتباطاً يتيح له تكوين القبيلة والعشيرة والمدينة والأمة. والقبائل الموغلة في البداوة تستخدم هذه الغريزة لكي تتجمع، أما المجتمع الذي يتجمع لتكوين حضارة فإنه يستخدم الغريزة نفسها، ولكنه يهديها ويوظفها بروح خلقي سامٍ.

هذا الروح الخلقي منحة من السماء إلى الأرض، يأتيها مع نزول الأديان عندما تولد الحضارات، ومهمته في المجتمع ربط الأفراد بعضهم ببعض، كما يشير إلى ذلك القرآن الكريم في قوله تعالى:

{وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} . [الأنفال 8/ 63].

ومن العجب أن نجد اتفاقاً له مغزاه ودلالته بين ما توحي به هذه الآية، وبين معنى كلمة (دين، Religion) في أصلها اللاتيني فهي تعني هنالك (الربط والجمع (1)).

(1) خصص المؤلف لهذا الجانب دراسة بعنوان (العلاقات الاجماعية وأثر الدين فيها).

ص: 79

وليس من شك في أن نظرات المثقفين إلى المدنية الغربية مؤسسة على غلط منطقي، إذ يحسبون أن التاريخ لا يتطور ولا تتطور معه مظاهر الشيء الواحد الذي يدخل في نطاقه، حتى إنك لتنظر إلى الشيء بعد حين فتحسبه قد تبدل شيئاً آخر، وما هو في الحق إلا الشيء نفسه تنكر لك في مظهره الجديد.

وإن شبابنا لينظرون إلى المدنية الغربية في يومها الراهن ويضربون صفحاً عن أمسها الغابر، حين نبتت أولى بذورها وتلونت في تطورها ونموها ألواناً مختلفة، وما فتئت تتلون عبر السنين حتى استوت على لونها الحاضر فحسبناها نباتاً جديداً.

ولو أننا تناولنا بالدراسة مشروعاً اجتماعياً كجمعية حضانة الأطفال في فرنسا، لبدا لنا من أول وهلة أنها جمعية تقوم على شؤونها دولة مدنية، ونحكم بأنها مؤسسة نشأت في بادئ أمرها على أسس مدنية (لادينية). بينما لو درسنا تاريخها ورجعنا إلى أصول فكرتها الأولى، لوجدناها ذات أصل مسيحي، فهي تدين بالفضل للقديس (فانسان دي بول) الذي أنشأ مشروع الأطفال المشردين خلال النصف الأول من القرن السابع عشر.

غير أن نظرتنا العابرة هذه جعلتنا ننظر إليه وكأن تاريخه قد ابتدأ من يوم أن التفتت أنظارنا إليه فأعرناه بعض اهتمامنا؛ وذلك شأن شبابنا في نظرتهم إلى الأشياء، فإن أكبر مصادر خطئنا في تقدير المدنية الغربية أننا ننظر إلى منتجاتها وكأنها نتيجة علوم وفنون وصناعات، وننسى أن هذه العلوم والفنون والصناعات ما كان لها أن توجد لولا صلات اجتماعية خاصة لا تُتصور هذه الصناعات والفنون بدونها، فهي الأساس الخلقي الذي قام عليه صرح المدنية الغربية في علومه وفنونه، بحيث لو ألغينا ذلك الأساس لسرى الإلغاء على جميع ما نشاهده اليوم من علوم وفنون؛ فلو تناولنا جهاز الراديو مثلاً لرأينا فيه مجهودات علمية وفنية مختلفة دون أن يخطر ببالنا أثر القيم المسيحية في بنائه، بينما هو في الواقع أثر من

ص: 80