الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خاتمة
لقد أردنا في هذه الصفحات أن يلمّ القارئ العربي في نظرة واحدة بمشكلة الثقافة من جوانبها الكلاسيكية، مع جانب من وجهات نظر جديدة يجدها هنا، ومع ذلك فسيلحظ القارئ أننا حتى في عرضنا للجوانب الكلاسيكية قد طبقنا منهجاً جديداً في الدرس والتحليل، كما ندرك العناصر الأولية في الثقافة إدراكاً أكثر تعمقاً.
والواقع أن التحليل النفسي الذي طبقناه في الفصل الأول قد كشف لنا بصورة ما عن ذرات هذه العناصر، كما أعطانا فكرة عن طريقة تحللها في ذاتية الفرد، ليتم عن طريق هذا التحلل تحديد طابعه الثقافي.
حتى إذا استوفينا هذا البحث قمنا بخطوة أخرى في اتجاه معكوس، فعرضنا منهجاً للتركيب النفسي يتفق وما نقصد إليه من تحويل العناصر التي كشف عنها التحليل، إلى برنامج تربوي يمكن تطبيقه في ميدان التعليم.
بيد أن هذا التحليل قد وضعنا في الوقت ذاته في مواجهة جانب آخر من جوانب المشكلة، ذي مغزى غير منتظر ولا متوقع، وذلك بسبب ما يلابسها من ظروف دولية، فإن قولنا إن لمشكلة الثقافة في مجتمع معين نوعيتها يمنعنا أن نستورد لها حلاً طبّقه مجتمع آخر، دون أن نحتفظ في النقل أو الاستيراد سواء تقلد هذا الحل صبغة شيوعية أو تقليداً غربياً.
وليس مبنى هذه الملاحظة قائماً على اعتبارات دينية أو سياسية، بل هي
قائمة على اعتبارات فنية خالصة كما رأينا، وهي تدل ضمنا على أن هناك لواقعنا أساساً ثقافياً عربياً إسلامياً لا يمكن إعادة بناء حضارتنا على سواه.
ومن ناحية أخرى لقد غذت الاعتبارات التي قدمناها- فيما أعتقد- الموضوع برأي جديد، على الأقل بالنسبة للشباب العربي الذي أتوجه إليه في هذه الدراسة، وذلك الرأي هو- دون ريب- ما عالجناه في فصل (تعايش الثقافات).
كما كان من المفيد قطعاً أن ننظر إلى مشكلة الثقافة من زاوية عالمية.
ولعل القارئ قد أدرك أننا حين تحدثنا عن هذه الزاوية بصدد حديثنا عن الثقافة الإفريقية، وحين بيّنا الشروط اللازمة لكي تؤدي دوراً كهذا، إنما كنا نهدف من باب أولى إلى بيان أن الثقافة العربية الإسلامية يمكنها أن تقوم به، لأنها قد قامت به في الماضي فعلاً، عندما كانت تهدي بإشعاعها من مراكزها في القاهرة وبغداد وقرطبة موكب التقدم الروحي والعقلي للإنسانية.
وبهذا فهي قادرة وجديرة بأن تنهض اليوم بدورها بصفتها (ثقافة كبرى) في العالم.
فإذا ما أدرك المثقف العربي المسلم مشكلة الثقافة من هذه الزاوية، فسوف يمكنه أن يدرك حقيقة الدور الذي يناط به في حضارة القرن العشرين.
***