الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولكن جميع هذه الإجابات لا تكون صادقة إلا لأنها تعبر عن سلوك عام يؤدي إلى (الثقافة الشيوعية) التي نتصورها في شكلها الأعم، الذي سميناه في تعريف الثقافة (المحيط) الاجتماعي.
وعليه فإن فكرة المحيط تدخل في كل عمل فردي أو إداري في وسط متحضر، ولكنها تدخل ضمناً فقط- كما رأينا- لا على وجه التحديد، الذي نريد القيام به هنا حين نتحدث عن أحد مقومات الثقافة وهو: الجمال.
والإطار الحضاري بكل محتوياته متصل بذوق الجمال، بل إن الجمال هو الإطار الذي تتكون فيه أية حضارة، فينبغي أن نلاحظه في أنفسنا، كما ينبغي أن نتمثل في شوارعنا وبيوتنا ومقاهينا، مسحة الجمال التي يرسمها مخرج رواية في منظر سينمائي أو مسرحي.
يجب أن يثيرنا أقل نشاز في الأصوات وفي الروائح وفي الألوان، كما يثيرنا منظر مسرحي سيئ الأداء.
إن الجمال هو وجه الوطن في العالم، فلنحفظ وجهنا لكي نحفظ كرامتنا، ونفرض احترامنا على جيراننا الذين ندين لهم بالاحترام نفسه.
المنطق العملي:
لسنا نعني بالمنطق العملي ذلك الشيء الذي دونت أصوله ووضعت قواعده منذ أرسطو، وإنما نعني به كيفية ارتباط العمل بوسائله ومقاصده، وذلك حتى لانستسهل أو نستصعب شيئاً دون مقياس، يستمد معاييره من الوسط الاجتماعي وما يشتمل من إمكانيات؛ وليس من الصعب على الفرد المسلم أن يصوغ مقياساً نظرياً يستخرج به نتائج من مقدمات محددة، غير أنه من النادر جداً أن يعرف المنطق العملي، أي استخراج أقصى ما يمكن من الفائدة من وسائل معينة.
ونظرة إلى ما حولنا تكفينا لكي نلاحظ أن ضروب نشاطنا غالباً ما تتسم بالشلل وانعدام الفاعلية في الجانب الخاص أو العام.
ففي مدخل أحد مكاتب البريد رأيت مثلاً منظراً عجباً، رأيت رجلاً يحمل مظاريف كثيرة يحاول أن يرتبها، وبديهي أن نحس بحاجته إلى عتبة أو حافة شباك ليتمكن من أداء عمليته على ما يرام، لقد بحث الرجل فعلاً عن عتبة، وظننت أنه لا بد واضع عليها بريده، وضعاً يجعله يتخذ منها نضداً صغيراً أمامه، وشد ما كان عجبي حين وجدته بدلاً من أن يضع عليها بريده يقف عليها بقدميه ثم ينحني واضعاً الخطابات أوطأ من نعليه، في وضع يجعل عمله أشق وأكثر إجهاداً.
فإذا ما انتقلنا الى قطاع آخر نجد مثلاً أن مصلحة الهاتف في بعض البلاد قد أنشأت (الساعة المتكلمة) وتلك فكرة جميلة، ولكن لابد من شروط تجعلها نافعة فعالة، فقد يحتار صوت طفل وهو لطيف، أو صوت امرأة وهو ناعم رقيق، ولكن قد يختار أيضاً صوت رجل، لا لأنه أجمل، بل لأنه أوضح وأكثر تميزاً، فهو يضغط على المقاطع بطريقة أوضح، بينما تصبح تلك المقاطع في فم الطفل أو المرأة أقل وضوحاً بحكم الطبيعة.
لقد اختار المشرفون على ساعتنا المتكلمة صوت امرأة، فإذا بالمرأة تضيف إلى الخطأ الأساسي في الاختيار خطأ شخصياً، فلقد حسبت من الضروري أن تضغط على المقاطع التي تعبر عن الد
…
قا
…
ئق والثـ
…
ـوا
…
ني
…
، ولكنها نسيت ما هو أهم من ذلك: أن تضغط على الأرقام!!!.
فهذه أمثلة على انعدام المنطق العملي في جوانب مختلفة من حياتنا.
ونحن أحوج ما نكون إلى هذا المنطق لأن العقل المجرد متوفر في بلادنا، غير أن العقل التطبيقي الذي يتكون في جوهره من الإرادة والانتباه شيء يكاد يكون معدوماً.
والمسلم يتصرف في أربع وعشرين ساعة كل يوم، فكيف يتصرف فيها؟. وقد يكون له نصيب من العلم أو حظ من المال، فكيف ينفق ماله ويستغل علمه؟
وإذا أراد أن يتعلم علماً أو حرفة، فكيف يستخدم إمكانياته في سبيل الوصول إلى ذلك العلم أو تلك الحرفة؟.
إننا نرى في حياتنا اليومية جانباً كبيراً من (اللافاعلية) في أعمالنا، إذ يذهب جزء كبير منها في العبث وفي المحاولات الهازلة.
وإذا ما أردنا حصراً لهذه القضية فإننا نرى سببها الأصيل في افتقادنا الضابط الذي يربط بين الأشياء ووسائلها وبين الأشياء وأهدافها، فسياستنا تجهل وسائلها، وثقافتنا لا تعرف مثلها العليا وفكرتنا لا تعرف التحقيق، وإن ذلك كله ليتكرر في كل عمل نعمله وفي كل خطوة نخطوها.
ولقد يقال: إن المجتمع الإسلامي يعيش طبقاً لمبادئ القرآن، ومع ذلك فمن الأصوب أن نقول: إنه يتكلم تبعاً لمبادئ القرآن لعدم وجود المنطق العملي في سلوكه الإسلامي.
ونظرة إلى واقعنا لنرى الرجل الأوروبي والرجل المسلم: أيهما ذو نشاط وعزم وحركة دائبة؟.
ليس هو الرجل المسلم بكل أسف، وهو الذي يأمره القرآن- كما يعرف ذلك تماماً- بقوله تعالى:{وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ} [لقمان 31/ 19]، وقوله:{وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا} [لقمان 31/ 18].
ألم نقل: إن الذي ينقص المسلم ليس منطق الفكرة ولكن منطق العمل والحركة، وهو لا يفكر ليعمل بل ليقول كلاماً مجرداً، بل إنه أكثر من ذلك