المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ما هي الثقافة - مشكلة الثقافة

[مالك بن نبي]

فهرس الكتاب

- ‌تصدير

- ‌الإهداء

- ‌مقدمة الطبعة الثانية

- ‌مقدمة الطبعة الأولى

- ‌الفصل الأولتحليل نفسي للثقافة

- ‌أوّليات

- ‌ما هي الثقافة

- ‌عملية التعريف:

- ‌فكرة الثقافة:

- ‌الثقافة وعلم الاجتماع

- ‌بعض الأفكار:

- ‌موازنة هذه الآراء:

- ‌تصور آخر للمشكلة:

- ‌تعريف آخر للثقافة:

- ‌ما هي الثقافة

- ‌الجانب النفسي والجانب الاجتماعي

- ‌طبيعة العلاقة الثقافية:

- ‌الثقافة والمقاييس الذاتية:

- ‌الفصل الثانيتركيبٌ نفسِيٌّ للثقافَة

- ‌تَرَاكيبُ جزئيَّة وَتركيب عام

- ‌توجيه الأفكار

- ‌توجيه الثقافة:

- ‌الحَرفيَّة في الثقافة

- ‌معنى الثقافة في التاريخ:

- ‌معنى الثقافة في التربية:

- ‌التوجيه الأخلاقي

- ‌التوجيه الجمالي:

- ‌المنطق العملي:

- ‌التوجيه الفني أو الصناعة:

- ‌الأزمة الثقافية

- ‌الفصل الثالثتَعَايُش الثَقافات

- ‌نظرات في تعايش الثقافات:

- ‌تعايش ثقافي على محور طنجة - جاكرتا:

- ‌الفصل الرابعالثَقافة في اتّجاهِ العَالَميَّة

- ‌الفصل الخامسما ضد الثقافة L'anti culture

- ‌خاتمة

- ‌المسارد

الفصل: ‌ما هي الثقافة

‌أوّليات

‌ما هي الثقافة

؟

ليس في مقدورنا اليوم أن نعالج موضوعاً كهذا، دون أن نجد أنفسنا- في حالة التطور الراهنة في العالم العربي - أمام مشكلة لغوية وتاريخية.

فمن أين جاءت كلمة (ثقافة) ومنذ متى استخدمت في اللغة العربية؟

إن أول فكرة تخطر لنا للإجابة عن سؤال كهذا هي أن نستشير قاموساً، ولكن القواميس الموجودة بين أيدينا لا تذكر هذه الكلمة إلا لماماً، سواء في ذلك القديمة والحديثة. فلسان العرب يقول في المجلد العاشر:((يقال ثقف الشيء وهو سرعة التعلم))، ويقول ابن دريد:((ثقفت الشيء حذقته))، وفي حديث الهجرة:((هو غلام شاب لقن ثقف)) [رواه البخاري]، أي ذو فطنة وذكاء، والمراد أنه ثابت المعرفة بما يحتاج إليه.

والعلامة فريد وجدي يقول في (دائرة معارف القرن العشرين/ المجلد الثاني): " ثقِف يثقف ثقافة: فطن وحذق، وثقف العلم في أسرع مدة أي أسرع أخذه، وثقفه يثقفه ثقفاً: غلبه في الحذق، والثَّقيف: الحاذق الفطن)).

والقواميس الحديثة تقول: ((ثقف ثقافة: صار حاذقاً خفيفاً، وثقف الكلام فهمه بسرعة)).

وفي هذه النصوص من التشابه ما يدعونا إلى أن نعدها نسخاً مكررة نقل بعضها عن بعض.

ص: 19

فإذا ما رجعنا قليلاً في مجال هذا البحث لم نجد أثراً لتلك الكلمة في لغة ابن خلدون (1)، الذي يعد على أية حال المرجع الأول لعلم الاجتماع العربي في العصر الوسيط. ولو ردنا في رجوعنا إلى ما قبل ذلك لم نجد الكلمة مستعملة في العصر الأموي والعباسي، إذ لا أثر لها في اللغة الأدبية أو في اللغة الرسمية والإدارية لذلك العصر، فتاريخ هذه الحقبة لم يرو وجود لائحة إدارية خاصة بمنظمة معينة أو عمل من الأعمال يتصل بالثقافة، ولم يحدث أن وقفت عين من الأعيان لفائدة عمل أو منظمة من هذا القبيل.

ومع ذلك فإن تاريخ هذه الحقبة، يدل على أن الثقافة العربيةكانت آنئذ في قمة ازدهارها.

لعل في هذا الموقف نوعاً من التعارض، ولكنه تعارض لا يتصل بمسألة لغوية فحسب، فإن الاختلاف بين الموقفين أكثر عمقاً، إذ هو الفرق بين واقع اجتماعي وبين درجة تقبله بوصفه فكرة في مجال شعورنا، أي عنصراً من عناصر الإدراك مندمج في بنائنا العقلي.

وهذا الواقع فيه من الدقة ما يحتاج معه إلى مزيد من الإيضاح، فالحق أن المشكلة هي مشكلة ما جرينا عليه في تحديد معاني الأشياء بصفة عامة.

كيف يتكون تعريف معين في عقولنا؟

إن من الواجب أن نعود إلى العناصر النفسية الاجتماعية للمشكلة.

فـ (يونج) يعرف (الذات) أو (الأنا) في صورة أخّاذة فيقول: ((الأنا هي جزيرة صغيرة في مجال غير محدود يمثل اللاشعور)).

(1) وردت الكلمة مرتين أو ثلاثاً في المقدمة بصورة أدبية بوصفها مفردة لغوية دون الوقوف عند كلمة (ثقافة) بوصفها مفهوماً وتقديرها ظاهرة اجتماعية.

ص: 20

ولا بد أن نضيف إلى هذه الصورة عنصراً آخر كيما تصبح صالحة لما نحن بصدده، فالجزيرة الصغيرة تحمل مناراً يغمر بضوئه امتداد المياه حوله، فالمنار هو شعورنا، والساحة التي يغمرها الضوء هي مجال شعورنا، وهي تتراءى في صورة من الضوء تتفاوت في مدى امتدادها حول الجزيرة، فكل ما يقع خارج هذا المجال يغمره الظلام، وهو داخل في مجال اللاشعور بالنسبة لعالم ذواتنا الباطن، كما يتصل بمجال (الشيء الممكن) بالنسبة للعالم الخارجي، عالم الشيء الذي لم تتحقق شخصيته بعد أمام شعورنا، أي الشيء الذي هو مجرد (حضور)، لا يتمتع بكيان مقرر.

إن (الشيء) لا يعد موجوداً بالنسبة لشعورنا إلا عندما يلد فكرة تصبح برهاناً على وجوده في عقلنا؛ فكل ما ينضوي داخلياً أو خارجياً في منطقة الضوء التي تحوط جزيرتنا يصبح (فكرة) تدخل إلى مجال معرفتنا، أي إلى شعورنا. ولكنه عندما يتم دخوله في هذه المنطقة من الضوء يصبح حضوره وجوداً حقيقياً، وحينئذ تنكشف شخصيته ويوضع بالتالي اسم يطلق عليه.

تلك هي عملية الإدراك عندما نريد أن نفهم الأشياء من الوجهة النفسية، أعني من وجهة نظر الفرد. أما إذا أردنا أن نتناولها من وجهة اجتماعية فسيكون علينا أن نحدث تفرقة بين الواقع الاجتماعي الذي يحدد أو يصنف، وبين الواقع الاجتماعي المدرك المتحقق، أي الواقع المترجم إلى مفهوم، المدرك على أنه موضوع للدراسة والمعرفة.

إن لكلتا العمليتين وجوهاً متماثلة: فتحقيق الشيء يتم بواسطة الإدراك الشعوري ثم يترجم إلى (اسم). وتحقيق الواقع الاجتماعي يتم بواسطة التصنيف ثم يترجم إلى (مفهوم).

فالاسم إذن هو أول تعريف للشيء الذي يدخل في نطاق شعورنا، فهو

ص: 21