الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأحوال عند المتكلمين والصوفية
هذه اللفظة ترد في كتب العقائد، ولها مفهومان: مفهوم عند المتكلمين، وعلى وجه الخصوص المعتزلة، ومفهوم آخر عند الصوفية.
أولاً: مفهوم الأحوال عند المتكلمين: هي النسبة بين الصفة والموصوف، أو هي الصفات المعنوية التي انفرد بها أبو هاشم عبد السلام بن محمد بن عبد الوهاب الجبائي المعتزلي دون سائر المعتزلة مع نفيه لصفات المعاني، أي أنه ينفي العلم، والقدرة، والإرادة ثم يثبت كونه عالماً، وقادراً، ومريداً.
فهو يقول: العالِِم صفة، والعالِمية نسبة بين الصفة والموصوف، وهي عند من يقول بها معنى زائد على العلم، ومثل ذلك القادرية، والفاعلية.
وبعبارة أخرى: يقولون _ على سبيل المثال _: هو سميع، وليس معنى ذلك أن له سمعاً، لكنه ذو سمع، يعني كونه سميعاً، وحاله سميعاً، لكن لا يثبت أن له سمعاً.
وعليم: كونه عليماً، ليس له علم، ولكن حالُه العلم.
فهذه النسبة، وهذه الكوكنة _ كما يعبر بعضهم _ هي الأحوال عند المتكلمين.
ويقولون عنها: إنها لا موجودة بذاتها، ولا معدومة بل هي واسطة بينهما.
يقول الكفوي رحمه الله: "وأثبت بعض المتكلمين واسطة بين الموجود والمعدوم، وسماها الحال، وعرَّف بأنها: صفة لا موجودة ولا معدومة، لكنها قائمة بموجود كالعالمية، وهي النسبة بين العالم والمعلوم"1.
1_ الكليات ص374.
ويقول الشهرستاني رحمه الله مبيناً معنى الأحوال عند أبي هاشم: "وعند أبي هاشم: هو عالم لذاته، بمعنى أنه ذو حالة هي صفة معلومة وراء كونه ذاتاً موجوداً، وإنما تعلم الصفة على الذات لا بانفرادها؛ فأثبت أحوالاً هي صفات لا موجودة ولا معدومة، ولا معلومة، ولا مجهولة، أي هي على حيالها لا تعرف كذلك، بل مع الذات.
قال: والعقل يدرك فرقاً ضرورياً بين معرفة الشيء مطلقاً وبين معرفته على صفة؛ فليس من عرف الذات عرف كونه عالماً، ولا من عرف الجوهر عرف كونه متحيزاً قابلاً للعَرَض.
ولا شك أن الإنسان يدرك اشتراك الموجودات في قضية، وافتراقها في قضية، وبالضرورة يعلم أن ما اشتركت فيه غير ما افترقت به.
وهذه القضايا العقلية لا ينكرها عاقل، وهي لا ترجع إلى الذات، ولا إلى أعراض وراء الذات؛ فإنه يؤدي إلى قيام العرض بالعرض؛ فتعين بالضرورة أنها أحوال؛ فكونُ العالمِ عالماً حالٌ هي صفة وراء كونه ذاتاً، أي المفهوم منها غير المفهوم من الذات وكذلك كونه قادراً حياً.
ثم أثبت _ يعني أبا هاشم _ للباري _ تعالى _ حالة أخرى أوجبت تلك الأحوال"1.
هذا هو قول أبي هاشم في الأحوال، وهو قول باطل؛ إذ لا فرق بين العلم والعالمية، والقدرة والقادرية، وتفسيره للأحوال ممتنع فهي لا وجود لها إلا في
1_ الملل والنحل للشهرستاني 1/82.
الأذهان لا الأعيان؛ فلذلك قيل: من المحالات أحوال أبي هاشم.
وقيل:
مما يقال ولا حقيقة تحته
…
معقولة تدنو إلى الأفهام
الكسب عند الأشعري والحال نـ
…
ـد البهشمي1 وطفرة النظام
قال الشهرستاني: "وخالفه والده2، وسائر منكري الأحوال في ذلك، وردوا الاشتراك والافتراق إلى الألفاظ وأسماء الأجناس، وقالوا: أليست الأحوال تشترك في كونها أحوالاً، وتفترق في خصائص؟
كذلك نقول في الصفات، وإلا فيؤدي إلى إثبات الحال للحال، ويفضي إلى التسلسل.
بل هي راجعة إما إلى مجرد الألفاظ إذا وضعت في الأصل على وجه يشترك فيه الكثير لا أن مفهومها معنى أو صفة ثابتة في الذات على وجه يشمل أشياء، ويشترك فيها الكثير؛ فإن ذلك مستحيل، أو يرجع إلى وجوه واعتبارات عقلية هي المفهومة من قضايا الاشتراك، والافتراق، وتلك الوجوه كالنِّسب والإضافات، والقُرْب والبعد، وغير ذلك مما لا يعد صفات بالاتفاق"3.
1_ المقصود بالبهشمي أبو هاشم الجبائي، ولعل سبب التسمية بذلك أنه من باب النحت من الكلمتين: أبي وهاشم.
2_
يعني والد أبي هاشم وهو محمد بن عبد الوهاب الجبائي، وهو من كبار المعتزلة.
3_
الملل والنحل 2/82، وانظر العقل والنقل عند ابن رشد د. محمد أمان ص52، والمعتزلة د. عواد المعتق ص75، والتوضيحات الأثرية على متن الرسالة التدمرية لفخر الدين المحيسي ص241.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وكذلك الأحوال التي تتماثل في الموجودات وتختلف لها وجود في الأذهان، وليس لها وجود في الأعيان إلا الأعيان الموجودة، وصفاتها القائمة بها المعينة؛ فتتشابه بذلك، وتختلف"1.
ثانياً: مفهوم الأحوال عند الصوفية: يقول الجرجاني رحمه الله: "الحال عند أهل الحق _ يعني الصوفية _ معنى يرد على القلب من غير تصنع، ولا اجتلاب، ولا اكتساب، من طرب، أو حزن، أو بسط، أو قبض، أو شوق، أو انزعاج، أو هيئة، ويزول بظهور صفات النفس سواء يعقبه المثل أوْ لا؛ فإذا دام وصار ملكاً يسمى مقاماً؛ فالأحوال مواهب، والمقامات مكاسب، والأحوال تأتي من عين الجود، والمقامات تحصل ببذل المجهود"2.
وقيل: الحال: هو ما يتحول فيه العبد، ويتغير مما يَرِد على قلبه؛ فإذا صفا تارة، وتغير أخرى قيل له: حال3.
وبهذا يتبين أن الأحوال والمقامات أوصاف تقوم بالقلب، ولها تعلق به، وأنها باعتبار هذا التعلق تنقسم إلى لوامع، وبوارق، ولوائح، ثم تكون أحوالاً، ثم تكون مقاماً بثبوتها في القلب، واستقرارها فيه.
ولا ينكر عاقل قيام المحبة، والرضا، والخوف، والرجاء، وغيرها من الأحوال بالقلب.
1_ التدمرية ص131.
2_
التعريفات ص81.
3_
انظر إحياء علوم الدين 5/16.
وهذه المصطلحات لا تناقض نصاً شرعياً، بل النصوص الشرعية تدل على قيام هذه الأوصاف بالقلب من الصبر، والرضا، والمحبة، والخوف، والخشية، والإنابة، والرجاء، وغيرها1.
1_ انظر مدارج السالكين لابن القيم 1/135_137، والتحفة العراقية لابن تيمية تحقيق د. يحيى الهنيدي ص82_84.