الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نظرية الكسب عند الاشاعة
…
نظرية الكسب عند الأشاعرة
نظرية الكسب، أو مصطلح الكسب عند الأشاعرة ترد كثيراً في كتبهم، وفي كتب من يخالفونهم إذا أرادوا الرد عليهم.
وهي ترد في باب القدر على وجه الخصوص؛ فجمهور الأشاعرة ومتأخروهم يرون أن الله _ عز وجل _ خالق أفعال العباد فيثبتون مرتبتي المشيئة والخلق، ولكنهم يقولون: "إن أفعال العباد الاختيارية واقعة بقدرة الله _ تعالى _ وحدها، وليس لقدرتهم تأثير فيها، بل الله _سبحانه_ أجرى عادته بأن يوجد في العبد قدرة واختياراً؛ فإذا لم يكن هناك مانع أوجد فيه فعله المقدور مقارناً لهما؛ فيكون الفعل مخلوقاً لله إبداعاً وإحداثاً، ومكسوباً للعبد.
والمراد بكسبه إياه: مقارنته لقدرته وإرادته من غير أن يكون هناك من تأثير أو مدخل في وجوده سوى كونه محلاً له"1.
فهم _ إذاً _ يرون أن أفعال العباد كلها مخلوقة لله _تعالى_ وهي كسب للعباد.
وعلى ذلك يترتب الثواب والعقاب، ولا تأثير لقدرة العبد في الفعل.
وهذا قول جمهور الأشاعرة، وهو القول الذي شنع بسببه المعتزلة على الأشاعرة؛ لأنهم لما لم يثبتوا للعبد قدرة مؤثرة لم يكونوا بعيدين من قول الجبرية الجهمية؛ فهم أرادوا أن يوفقوا بين الجبرية والقدرية؛ فجاؤوا بنظرية الكسب،
1_ شرح المواقف للزنجاني ص237.
وهي في مآلها جبرية خالصة؛ لأنها _كما مر_ تنفي أي قدرة للعبد أو تأثير1.
ولهذا اشتهر المذهب الأشعري _ بناءاً على مقالتهم تلك_ بنظرية الكسب التي صارت علماً عليهم، فما معنى الكسب عندهم؟
للكسب عندهم تعريفات أهمها:
1_
أنه ما يقع به المقدور من غير صحة انفراد القادر به2.
2_
أنه ما يقع به المقدور في محل قدرته3.
3_
أنه ما وجد بالقادر، وله عليه قدرة محدثة4.
ويضرب بعضهم للكسب مثلاً "في الحجر الكبير قد يعجز عن حمله رجل، ويقدر آخر على حمله منفرداً به، إذا اجتمعا جميعاً على حمله كان حصول الحمل بأقواهما، ولا خرج أضعفهما بذلك من كونه حاملاً.
كذلك العبد لا يقدر على الانفراد بفعله، ولو أراد الله الانفراد بإحداث ما هو كسب للعبد قدر عليه، وَوُجِدَ مقدوره؛ فوجوده على الحقيقة بقدرة الله _تعالى_ ولا يخرج _ مع ذلك _ المُكْتَسبُ من كونه فاعلاً، وإن وجد الفعل بقدرة الله _تعالى_"5.
1_ انظر الروض الباسم لابن الوزير 2/21، والروضة البهية فيما بين الأشاعرة والماتريدية لأبي عذبة ص42، ولوامع الأنوار 1/291_292، ومنهج الأشاعرة في العقيدة د. سفر الحوالي ص43، والقضاء والقدر د. عبد الرحمن المحمود ص311_316، والرد الأثري المفيد على البيجوري ص103_108.
2_
الإنسان هل هو مسير أم مخير د. فؤاد عقلي ص11.
3_
شرح جوهرة التوحيد للباجوري ص219.
4_
المعتمد في أصول الدين لأبي يعلى الحنبلي ص128.
5_
أصول الدين للبغدادي ص133_134، وانظر القضاء والقدر للمحمود ص313.
وهكذا تؤول هذه النظرية جبرية خالصة _كما مر_ ويبقى الخلاف بينهم وبين الجبرية خلافاً لفظياً بل طريقتهم أكثر غموضاً.
أما حقيقتها النظرية الفلسفية فقد عجز الأشاعرة عن فهمها فضلاً عن إفهامها غيرهم، ولهذا قيل:
مما يقال ولا حقيقة تحته
…
معقولة تدنو إلى الأفهام
الكسب عند الأشعري والحال عنـ
…
ـد البهشمي وطفرة النظام
وقد دار حول الكسب جدال طويل، ولم ينته الأشاعرة فيه إلى قول مستقيم1.
ومن الأشاعرة من يرى أن الفعل واقع بقدرة العبد، وأن العبد له كسب، وليس مجبوراً، وهذا هو قول الباقلاني.
يقول رحمه الله:" ويجب أن يعلم أن العبد له كسب، وليس مجبوراً، بل مكتسب لأفعاله من طاعة ومعصية؛ لأنه _ تعالى _ قال:{لَهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة:286] يعني من ثواب طاعةٍ، {وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة: 286] ، يعني من عقاب معصية.
وقوله: {بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاس} [الروم:41]، وقوله:{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيْبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى:30]، وقوله:{وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً} [فاطر: 45] .
1_ انظر القضاء والقدر للمحمود ص313، ومنهج الأشاعرة في العقيدة ص436، وباعث النهضة الإسلامية ص183_187.
ويدل على صحة هذا أن العاقل منا يفرق بين تحرك يده جبراً، وسائر بدنه عند وقوع الهم به، أو الارتعاش وبين أن يحرك هو عضواً من أعضائه قاصداً إلى ذلك باختياره؛ فأفعال العباد هي كسب لهم، وهي خلق الله _ تعالى _ فما يتصف به الحق لا يتصف به الخلق، وما يتصف به الخلق لا يتصف به الحق، وكما لا يُقال لله _ تعالى _ إنه مكتسب، كذلك لا يُقال للعبد: إنه خالق"1.
1_ الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به للباقلاني ص70_71.