الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فظاهره خبر، والمعنى: إنا إن نكشف عنكم العذاب تعودوا.
ومثله {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة:229] المعنى: مَنْ طلقَ امرأته مرتين فليمسكها بعدهما بمعروف أو يسرحها بإحسان.
والذي ذكرنا في قوله _ جل ثناؤه _: {ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} فهو تبكيت، وقد جاء في الشعر مثله، قال شاعر يهجو جريراً:
أبلغْ جريراً وأبلغ مَنْ يُبلغُه
…
أني الأغرُّ وأني زهرةُ اليَمَنِ
فقال جرير مبكتاً له:
ألم تكن في وُسُوم قد وَسَمْتَ بها
…
من حَانَ موعظةٌ يا زهرة اليمنِ؟
ويكون اللفظ خبراً، والمعنى دعاء وطلب، وقد مر في الجملة.
ونحوه: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] معناه: فأعنا على عبادتك.
ويقول القائل: "أستغفر الله"، والمعنى: اغْفِر.
قال الله _ جل ثناؤه _: {لَا تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ} [يوسف:92] .
ويقول الشاعر:
أستغفر الله ذنباً لستُ مُحْصِيَهُ
…
ربَّ العبادِ إليه الوجهُ والعملُ"1
1_ الصاحبي ص133_134.
ثانياً: الإنشاء:
الإنشاء هو قسيم الخبر، وقد يعبر عنه أحياناً بالطلبِ، والحديثُ عنه سيتناول ما يلي:
أ_ تعريفه: قيل: هو الكلام الذي لا يحتمل الصدق والكذب لذاته.
وعلى حد تعبير البلاغيين: هو ما يستدعي مطلوباً غير حاصل في وقت الطلب.
أو _ كما يقولون بعبارة أخرى _: هو ما يتأخر وجود معناه عن وجود لفظه1.
ب_ أمثلة للإنشاء: 1_ قال أحد الحكماء لابنه: "يا بني تعلم حسن الاستماع كما تتعلم حسن الحديث".
2_
قال ابن عباس _ رضي الله عنهما _ يوصي رجلاً: "لا تتلكم بما لا يعنيك، ودع الكلام في كثير مما يعنيك حتى تجد له موضعاً"2.
ج_ ما سبب كون الإنشاء لا يحتمل الصدق والكذب لذاته؟ : لأنه ليس لمدلول لفظه قبل النطق واقع خارجي يمكن أن يقارن به؛ فإن طابقه قيل: إنه صادق، وإن خالفه قيل: إنه كاذب.
ولمزيد من التوضيح يمكننا النظر إلى المثالين الماضيين في فقرة ب.
ففي المثال الأول نداء وأمر، وفي المثال الثاني نهي وأمر.
وأنت لا تستطيع أن تقول لمن ينادي شخصاً، ويأمره، وينهاه: إنك صادق أو كاذب؛ لأنه لا يُعلمنا بحصول شيء أو عدم حصوله.
إن من ينادي أو يأمر أو ينهى ليس لندائه، أو أمره، أو نهيه وجود خارجي قبل حصول النداء أو الأمر أو النهي؛ فكيف يحتمل كلامه الصدق أو الكذب، وذلك لا يكون إلا بمطابقة الواقع، أو عدم المطابقة.
1_ انظر علم المعاني ص80.
2_
انظر معجم البلاغة العربية د. بدوي طبانة ص665.
وفي مثل هذه الأساليب لا واقع تعرض عليه مدلولاتها وتقارن به.
ومثل هذا القول ينطبق على سائر أساليب وأنواع الإنشاء الأخرى من استفهام، وتمنٍّ، وغيرها.
وعدم احتمال الأسلوب الإنشائي للصدق والكذب إنما هو بالنظر إلى ذات الأسلوب بغض النظر عما يستلزمه.
وإلا فإنه يستلزم خبراً يحتمل الصدق والكذب؛ فقول القائل: "يا بني تعلم" يستلزم خبراً هو: أنا طالب منك التعلم، وقول القائل:"لا تتكلم" يستلزم خبراً هو: أنا طالب منك عدم التكلم، وهكذا
…
ولكن ما تستلزمه الصيغة الإنشائية من الخبر ليس مقصوداً ولا منظوراً إليه.
إنما المقصود والمنظور إليه هو ذات الصيغة الإنشائية.
وبذلك يكون عدم احتمال الإنشاء للصدق والكذب إنما هو بالنظر إلى ذات الإنشاء1.
د_ أقسام الإنشاء: ينقسم الإنشاء إلى قسمين: طلبي وغير الطلبي.
- الإنشاء الطلبي: وهو الذي يستدعي مطلوباً غير حاصل وقت الطلب.
وهو خمسة أنواع:
1_
الأمر: وهو طلب الفعل على وجه الاستعلاء والإلزام نحو قوله _ تعالى _: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ} [آل عمران: 200] .
وللأمر أربع صيغ تنوب كل منها مناب الأخرى في طلب أي فعل من الأفعال
1_ انظر البلاغة العربية ص665، وعلم المعاني ص74_75.
على وجه الاستعلاء والإلزام، وهي:
أ_ فعل الأمر: كما في المثال الماضي، وكما في قوله _ تعالى _:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا} [التوبة: 103] .
ب_ المضارع المقرون بلام الأمر: كما في قوله _ تعالى _: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ} [قريش: 3] .
ج_ اسم فعل الأمر: كما في قوله _ تعالى _: {عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105] .
د_ المصدر النائب عن فعل الأمر كما في قوله _ تعالى _: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [البقرة: 83] .
وقوله: {فَضَرْبَ الرِّقَابِ} [محمد: 4] .
2_
النهي: وهو طلب الكف عن الفعل، أو الامتناع عنه على وجه الاستعلاء والإلزام.
وللنهي صيغة واحدة وهي المضارع المقرون بـ: لا الناهية الجازمة، نحو قوله _تعالى_:{وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً} [الحجرات: 12] .
3_
الاستفهام: وهو طلب العلم بشيء لم يكن معلوماً من قبل بأداة خاصة.
وأدوات الاستفهام كثيرة منها الهمزة، وهل، نحو قوله _ تعالى _:{أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ} [النازعات: 10] .
وقوله: {هَلْ جَزَاء الإِحْسَانِ إِلَاّ الإِحْسَانُ} [الرحمن: 60] .
4_
التمني: وهو طلب أمر محبوب لا يرجى حصوله إما لكونه مستحيلاً
_والإنسان كثيراً ما يحب المستحيل ويطلبه_ وإما لكونه ممكناً غير مطموع في نيله.
فمثال الأول قول الشاعر:
ألا ليت الشباب يعود يوماً
…
فأخبره بما فعل المشيب
ومثال الثاني قوله _ تعالى _: {يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ} [القصص] .
5_
النداء: وهو طلب إقبال المدعو على الداعي بأحد حروف النداء.
وهذه الحروف ينوب كل حرف منها مناب الفعل أدعو.
وهي: الهمزة، وأي، ويا، وأيا، وهيا، وآ، وآي، ووا، نحو قوله _تعالى_:{يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا} [الأحزاب: 13] .
هذه هي أنواع الإنشاء الطلبي على سبيل الإجمال، ولها في كتب اللغة والبلاغة وعلم المعاني على وجه التحديد تفصيلات يطول ذكرها 1.
-الإنشاء غير الطلبي: وهو ما لا يستدعي مطلوباً.
وله أساليب وصيغ كثيرة منها: 1_ صيغ المدح والذم، مثل: نعم وبئس، وحبذا ولا حبذا.
2_
وصيغ العقود نحو: بعت، واشتريت، ووهبت، وأعتقت.
3_
القسم: بالواو، أو بالباء، أو بالتاء.
4_
التعجب، نحو: ما أكرمه، وأكرم به.
5_
الرجاء بـ: عسى، أو اخلولق، وحرى مثل: {فَعَسَى اللهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ
1_ انظر الصاحبي ص134_141، وعلم المعاني ص75_129.
أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ} [المائدة: 52] .
ولا يبحث علماء البلاغة في الإنشاء غير الطلبي؛ لأن أكثر صيغه في الأصل أخبار نقلت إلى الإنشاء 1.
1_ انظر البلاغة العربية ص480_481.