الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وصية يحيى بن محمد الكردا:
تدل وصية يحيى الكردا على أنه رجل عاقل بصير بالأمور، وأنه إلى ذلك بر بوالديه، وصول لرحمه، عاطف على أقاربه حيث اشتملت وصيته على خير كثير لأقارب له كثر، وهي مؤرخة في دخول المحرم سنة 1287 هـ بخط حمد الضبيعي الذي كتبها وشهد بها وهو يكون شاهدًا بها إذا كتبها ولو لم يقل ذلك لأنه ينقل عن الموصي.
افتتح يحيى الكردا وصيته بالحمد لله وقال:
هذا ما أوصى به يحيى بن محمد الكردا وكتبها الكاتب مثلما اعتاد غيره أن يكتبها بالياء مع أنها أخت الألف.
بعدما شهد أن لا إله إلَّا الله، وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق والنار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور.
وهذه مقدمة جيدة كان أكثر الموصين يفتتحون بها وصاياهم، وذلك أن الموصين غالبًا يوصون وهم كبار السن فيثبتون بهذه الشهادة أنهم يموتون على العقيدة الصحيحة، وبالنسبة ليحيى الكردا بالذات فإنه كبير السن عندما أوصى بهذه الوصية لا شك في ذلك لأنني وقفت على شهادات ووثائق له في عشر الثلاثين من القرن الثالث عشر أي قبل كتابة هذه الوصية بنحو ستين سنة، ولا يعرف عمره قبل ذلك فربما كان إبان عشر الثلاثين كبير السن أو في منتصف العمر.
قال: أوصى مَنْ كلفه من ذريته وأولاده أن يتقوا الله ويصلحوا ذات بينهم ويطيعوا الله ورسوله إن كانوا مؤمنين.
وهذه أيضًا عبارة مألوفة في الوصايا القديمة أخذًا من توصية الأنبياء
عليهم السلام وإن كان يوجد اختلاف في اللقط بينهما.
ثم دخل في صلب الموضوع، فقال:
أوصى من ملكه وجاء بضمير الغائب فإما أن يكون ذلك تصرفًا من الكاتب أو الموصي كان يتكلم عن نفسه بهذه الصفة ملمحًا أو مستحضرًا حاله بعد هذه الوصية وبعد موته.
قال: أوصى من ملكه المعروف بخب وهطان وهذا اصطلاح لم نكن نعرفه نحن الذين جئنا بعده فلم نكن نقول لوهطان إنه خب مع أن الصحيح أنه خب وأنه أحد خبوب بريدة الشرقية مثله في ذلك مثل خضيرا والعكيرشة وخب القبر.
أوصى باثني عشرة نخلة منهن اثنتان لأربع حجج بمعنى أنه يؤخذ من ريعها وهو التمر بالحج به أربع حجات إلى بيت الله الحرام، والمراد بذلك أن ينوب شخصًا يحج عنه بمبلغ من المال يعطيه إياه يساعده على الوصول إلى مكة المكرمة، وكان كثير من القادرين الذين سبق لهم الحج لأنه لا يحج الشخص نيابة عن غيره إلَّا إذا كان قد حج حجة الإسلام عن نفسه، ولكنهم يستفيدون أجرًا في النوافل التي يصلونها في الحرم وفي العبادات الأخرى، وإن بعض المشايخ وطلبة العلم يقولون: إن ثواب ذلك يرجع إلى الشخص الذي حج عنه ذلك النائب، ثم فصل الحجات بأن منها حجة له، بمعنى أن ثوابها له، وحجة لأمي، وحجة لجدي فليان أبو أبوي، وقد جاء بهذا التعريف أبو أبوي لئلا ينصرف الذهن إلى أنه جده لأمه لاسيما أنه ذكره بعد ذكره أمه.
وجده (فليان) لم نعرف اسم أسرته، وربما كانت تسمى الفليان أيضًا.
قال: وحجة لأبوي، أوضح شيئًا لا يوضحه الآخرون في وصاياهم في العادة بأن قال:
العيال كل واحد يحج حجة وهو وكيله ولكن هذا يشترط له أن يكون الواحد منهم الذي يحج مثل هذه الحجة قد أدى فريضة الحج من قبل، وإلَّا لما صح منه الحج عن غيره.
ثم قال: ومن الشقر وهي جمع شقراء التي هي النخلة المعروفة التي من تلات ملك راشد أي توالي ملك راشد، ولم يذكر من هو راشد إلى أنه وصفها بأنها موالية الملك راشد من شمال يراد بملك راشد نخل راشد، ووصفها من شمال مكانه أي نخله، ما حصلن أي ما حصل من ريعها وهي تمرها يحج به أيضًا، وربما كان يرمي إلى أنه ربما لا تكفي غلة الشقر التي ذكرها لنفقة أربع حجج.
وقال: والمسماه شقراء سليمان، وهذه تسمية عندهم خاصة بضحية الدوام هي والشقراء التي عن السكرية مطلع الشمس، والمراد أن يؤخذ من ريعها وهو تمرها وما يشتري به أضحية تذبح في وقت الأضاحي، وكيلته (وكيلتها)( .... ) وواحدة وكيلته حصة، ولم يذكر قرابته بهاتين المرأتين ولا شك أن ذلك لأن قرابته لها معروفة لهم.
ثم قال: وأمي لها الشقراء اللي عن الرخوة جنوب واللي عنه من شرق كلهن لأمي، والرخوة نخلة كانت معروفة، بل شائعة عندهم ولكنها فقدت الآن فيذكر أن هذه النخلات لأمه، وأمه متوفاه بلا شك فيريد أن ثواب ما يشتري من غلة هذه النخلات لأمه في طريق الخير، ثم ذكر النساء اللاتي هن وصيات على تلك النخلات.
فقال: واحدة وكيلته بمعنى الناظرة عليها والوصية عليها وهذا كما قلت يدل على أن أمه كانت قد توفيت إبان إيصائه بهذه الوصية.
قال: واحدة وكيلته (وكيلتها) مزنة الأوله وهو النخلة الأولى، والتالية الشرقية وكيلته (وكيلتها) نورة ولم يذكر قرابته أو قرابة أمه بهذه النسوة.
قال: والمسماة هدباء، الهدباء نوع معين من المكتومية، وأطيب الهدب - جمع هدباء - هو ما كان في الخبوب الشرقية مثل وهطان، وأذكر أن والدي رحمه الله لا يشتري المكتومي إلَّا من الحبوب الشرقية لأن تمرها أفضل من تمر المكتومي الذي في الخبوب الغربية وذكر في ريع الهدباء هذه بأنها لأبيه بضحية الدوام، وهي الضحية التي يضحي بها من دون انقطاع، وكيله (وكيلها) عبد الله، ولم يعرف عبد الله من يفيدنا من هو وذلك بلا شك لكونه معروفًا عندهم.
قال: والمكتومي اللي علوات الزرنوق لمزنة واحدة، وأمه (أمها) منيرة بضحية الدوام وكيل واحدة الحمود وهذا اسم أسرة وقد سقط ذكر اسم الوكيل أسرته، وواحدة وكيله (وكيلها) فهد الدباسي.
ثم قال: لمزنة اليحيى واحدة منهن جنوب، والظاهر أن مزنة هذه ابنة له، ولمريم اللي عنه (عنها) قبلة، واللي تحته (تحتها) المنيرة العبد الله من قبله، وسلمى له (لها) اللي عنهن شمال.
وظاهر هنا أن المراد بذكر هؤلاء النسوة أن ما يحصل من ثمر النخلة لهن في حياتهن وهو شيء ليس كثيرًا ولكنه مجز، لأن التمر يكنز ويدخر لوقت الحاجة.
ثم قال: لخوالي أحمد وسليمان المكتومية اللي عن مكاتيم البنات شمال، ومكاتيم جمع مكتومية، وقد أوضح أن أخواله أو على الأدق خالاه قد ماتا لأنه ذكر أنها لهم عشاء برمضان وهو طعام يعده أهل البيت من غلة وقف أو وصية يأكلونه، وقد يأكل معهم منه المحتاجون ويكون ثوابه للموصي، وكلاه (وكلاؤها) سليمان ومحمد.
ثم قال: وأختي خديجة له (لها) نبتة فهد تعطى بناته (بناتها) وظاهر أنها كانت ماتت وإن كون النبتة لها أي أن ثواب ما تنفق فيه غلتها يكون لها.
وبعد أن انتهى يحيى بن محمد الكردا من تفاصيل مالأقاربه من وصيته قال:
وبعد هذا أوصي بسديس ملكهـ، والسديس هو السدس من نخل وائل سبيل على عيالي والبنات كل واحد على ميراثه أي حسبما كان يرث لو كان ذلك السديس، أو غلته ملكًا ليحيى ومات عنه قال: إن اعتازوا فيأكلون، فإن أغناهم الله فهم بحل.
ثم عاد يقول: والنبتة اللي فوق نبتة الحج من شرق للمسجد أو للقهوة إن سقم قهوة قوله: إن سقم قهوة يريد أنها للمسجد أي ريعها للمسجد أو للقهوة إن حصلت قهوة يستمر تقديمها في منزله.
ثم ذكر شيئًا طريقًا كان يذكره بعض أهل الخير، وهو قوله: والرحا سبيل على ها المكان، والرحا هي الحجرية التي يطحن بها القمح يقول: إنها أوقفها على مكانه بمعنى أنها لا تخرج منه، وكان بعض أهل الخير يوقفون أرحبة كما تقدم لنا في رسم (الحريص) إنهم سبلوا رحا وسبلوا دارا لها تبقى فيها، وذلك أنه لا يستطيع كل واحد أن يشتري رحا فهي غالية والنقود بأيدي الناس قليلة.
قال: وله (لها) المكتومية التي تسمى الجثيثة تعمر منه (منها) وذلك أن الرحا تحتاج إلى تعهد وإلى تغيير، إذا طال الزمن فقرر لها مكتومية يؤخذ من غلتها ما يكفي للرحا ولذلك قال:
وإلى فنيت الرحا فيجعل غيرها، وإلى هنا معناها: إذا.
وقال: وكتب إبراهيم ولم يعرفه ومعاميل القهوة لنزال المكان أي الذي ينزل فيه.
قال: ومصحف محمد سبيل لي ولوالدي.
ثم قال: وإن سقمت قليب الباطن أي أن صلح أمرها فيها عشرة أصواع عشيات كل على حقه أي تكون تلك العشيات: جمع عشاء في رمضان لكل
واحد من الورثة على قدر حصته في الميراث، وذلك في كيفية التصرف في ذلك العشاء، وأيضًا عشرة أصواع الجميع عشرون صاعًا قال على ما ذكرنا.
ثم قال (وخضير) ولم نعرفه وربما كان حائطا من النخل أو قليبًا يزرع عليها القمح قال: به ثلاث تمر الكبيرة بمعنى النخلة الكبيرة اللي عن البركة شرق نصفه (نصفها) إلى سنبل الزرع ونصف باللون، مما دل على أن مراده بخضير قليب تزرع قمحا وحبوبا ونصف باللون أي صار بسره لوْنًا.
والأصل هو ما يكون لصاحب الملك من النخل، والقليب التي تزرع بخلاف العمارة التي تكون للفلاح فيها ووكيله محمد، ولم يذكر شيئًا يعرفنا به، فإن اعتازوا الذرية فهو يقسمه على ضعافهم، والشنتين اللي شمال خضير من تلات سليمان، أي مما يلي نخل سليمان لوالدي، أبوي وحده وكيله (وكيلها) سليمان، وواحدة وكيله (وكيلها) إبراهيم وهي لوالدي أمي، ووالدا أمه اللذين هما جدته من جهة الأم وجده كذلك بضحايا وعشيات (في رمضان) وقال: والشقراء اللي من تلات أي مما يلي قصر خضير لسراجه وقوامه ويريد لمسجده وإن كان لم يذكره صراحة، ونبتة القبر يعمر بها كتاب محمد، وإن فذ شيء أي بقي من ذلك شيء فهي برمضان وأسقط الكاتب نون رمضان، وهي معروفة.
قال: وهذا بعد الدَّين يريد ما عليه من الديون إلَّا سبيلي وسبل والدي يجرن على ما ذكرنا.
ولا أدري كيف يجرن على ما ذكر، إذا كان عليه دين، لأن الدين لابد من وفائه قبل نفاذ الوصية.
والشهود إبراهيم اليحيى ومحمد وسليمان قال: وإبراهيم وكيل إخوته والربدي وكيل على ديني {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} .
كتبه حمد الضبيعي وشهد به وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
حرر دخول المحرم من سنة 1287 هـ.