الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التَّشْدِيدَاتِ.
ثُمَّ جَاءَ آخِرُ الزَّمَانِ وَضَعُفَ الْجَسَدُ وَقَلَّ الْجَلَدُ، فَلَطَفَ اللَّهُ بِعِبَادِهِ فَأُحِلَّتْ تِلْكَ الْمُحَرَّمَاتُ وَخُفِّفَتْ الصَّلَوَاتُ وَقُبِلَتْ التَّوْبَاتُ.
فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ الْأَحْكَامَ وَالشَّرَائِعَ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الزَّمَانِ وَذَلِكَ مِنْ لُطْفِ اللَّهِ عز وجل بِعِبَادِهِ وَسُنَّتِهِ الْجَارِيَةِ فِي خَلْقِهِ، وَظَهَرَ أَنَّ هَذِهِ الْقَرَائِنَ لَا تَخْرُجُ عَنْ أُصُولِ الْقَوَاعِدِ، وَلَيْسَتْ بِدَعًا عَمَّا جَاءَ بِهِ الشَّرْعُ الْمُكَرَّمُ.
[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي الدَّعَاوَى بِالتُّهَمِ وَالْعُدْوَانِ]
وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: [الْقِسْمُ الْأَوَّلُ] : أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ بَرِيئًا لَيْسَ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ التُّهْمَةِ كَمَا لَوْ كَانَ رَجُلًا صَالِحًا مَشْهُورًا، فَهَذَا النَّوْعُ لَا تَجُوزُ عُقُوبَتُهُ اتِّفَاقًا، وَأَمَّا الْمُتَّهِمُ لَهُ بِذَلِكَ فَيُعَاقَبُ صِيَانَةً لِسُلْطَةِ أَهْلِ الشَّرِّ وَالْعُدْوَانِ عَلَى أَعْرَاضِ الْبُرَآءِ الصُّلَحَاءِ، وَمِمَّا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَا مَا وَقَعَ فِي شَرْحِ التَّجْرِيدِ فِي آخِرِ مُتَشَابِهِ الْقَذْفِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ: يَا فَاسِقٌ يَا لِصٌّ، فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ وَلَا يُعْرَفُ بِذَلِكَ فَعَلَى الْقَاذِفِ التَّعْزِيرُ؛ لِأَنَّ الشَّيْنَ يَلْحَقُهُ إنْ كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، وَإِنْ كَانَ يُعْرَفُ بِهِ لَمْ يُعَزَّرْ اهـ.
هَذَا هُوَ النَّوْعُ الثَّانِي مِنْ تَقْسِيمِ الدَّعَاوَى مِمَّا لَا يَسْمَعُهُ الْحَاكِمُ وَيُؤَدِّبُ الْمُدَّعِيَ بِسَبَبِ مَا ادَّعَاهُ الَّذِي وَعَدْنَاكَ بِالْإِتْيَانِ بِهِ فِي أَحْكَامِ السِّيَاسَةِ.
[الْقِسْمُ الثَّانِي] : وَهُوَ الْمُتَّهَمُ بِالْفُجُورِ كَالسَّرِقَةِ وَقَطْعِ الطَّرِيقِ وَالْقَتْلِ وَالزِّنَا، وَهَذَا الْقِسْمُ لَا بُدَّ أَنْ يُكْشَفُوا وَيُسْتَقْصَى عَلَيْهِمْ بِقَدْرِ تُهْمَتِهِمْ وَشُهْرَتِهِمْ بِذَلِكَ، وَرُبَّمَا كَانَ بِالضَّرْبِ وَبِالْحَبْسِ دُونَ الضَّرْبِ عَلَى قَدْرِ مَا اُشْتُهِرَ عَنْهُمْ.
قَالَ ابْنُ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ الْحَنْبَلِيُّ: مَا عَلِمْتُ أَحَدًا مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ يَقُولُ: إنَّ هَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِهَذِهِ الدَّعَاوَى وَمَا أَشْبَهَهَا يَحْلِفُ وَيُرْسَلُ بِلَا حَبْسٍ وَلَا غَيْرِهِ، وَلَيْسَ تَحْلِيفُهُ وَإِرْسَالُهُ مَذْهَبًا لِأَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَلَا غَيْرِهِمْ، وَلَوْ حَلَّفْنَا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَأَطْلَقْنَاهُ وَخَلَّيْنَا سَبِيلَهُ مَعَ الْعِلْمِ بِاشْتِهَارِهِ بِالْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ وَكَثْرَةِ سَرِقَاتِهِ وَقُلْنَا: إنَّا لَا نُؤَاخِذُهُ إلَّا بِشَاهِدَيْ عَدْلٍ كَانَ الْفِعْلُ مُخَالِفًا لِلسِّيَاسَةِ الشَّرْعِيَّةِ.
وَمَنْ ظَنَّ أَنَّ الشَّرْعَ تَحْلِيفُهُ وَإِرْسَالُهُ فَقَدْ غَلِطَ غَلَطًا فَاحِشًا لِنُصُوصِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، وَلِأَجَلِ هَذَا الْغَلَطِ الْفَاحِشِ تَجَرَّأَ الْوُلَاةُ عَلَى مُخَالَفَةِ الشَّرْعِ وَتَوَهَّمُوا أَنَّ السِّيَاسَةَ الشَّرْعِيَّةَ قَاصِرَةٌ عَنْ سِيَاسَةِ الْخَلْقِ وَمَصْلَحَةِ الْأُمَّةِ، فَتَعَدَّوْا حُدُودَ اللَّهِ وَخَرَجُوا عَنْ الشَّرْعِ إلَى أَنْوَاعٍ مِنْ الظُّلْمِ وَالْبِدَعِ فِي السِّيَاسَةِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَجُوزُ، وَسَبَبُ ذَلِكَ الْجَهْلُ بِالشَّرِيعَةِ.
وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ مَنْ تَمَسَّكَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لَنْ يَضِلَّ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ مِنْ أَفْعَالِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا يَدُلُّ عَلَى عُقُوبَةِ الْمُتَّهَمِ وَحَبْسِهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنْ الْمُتَّهَمِينَ يَجُوزُ ضَرْبُهُ وَحَبْسُهُ لِمَا قَامَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ.
(مَسْأَلَةٌ) :
رَجُلٌ دَخَلَ عَلَى رَجُلٍ فِي مَنْزِلِهِ فَبَادَرَهُ صَاحِبُ الْمَنْزِلِ فَقَتَلَهُ وَقَالَ: إنَّهُ دَاعِرٌ دَخَلَ عَلَيَّ لِيَقْتُلَنِي، فَإِنْ كَانَ الدَّاخِلُ مَعْرُوفًا بِالدَّعَارَةِ لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا وَجَبَ. مِنْ الْإِيضَاحِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَفِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ إذَا وُجِدَ عِنْدَ الْمُتَّهَمِ بَعْضُ الْمَتَاعِ الْمَسْرُوقِ وَادَّعَى الْمُتَّهَمُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ - فَهُوَ مُتَّهَمٌ بِالسَّرِقَةِ وَلَا سَبِيلَ لِلْمُدَّعِي إلَّا فِيمَا بِيَدِهِ، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَعْرُوفٍ بِذَلِكَ فَعَلَى السُّلْطَانِ حَبْسُهُ وَالْكَشْفُ عَنْهُ، وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ حَبَسَ فِي تُهْمَةٍ، وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالسَّرِقَةِ فَإِنَّهُ يُطَالُ فِي حَبْسِهِ حَتَّى يُقِرَّ.
(مَسْأَلَةٌ) :
إذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُتَّهَمًا قَالَ بَعْضُهُمْ: يُمْتَحَنُ بِالسِّجْنِ بِقَدْرِ رَأْيِ الْإِمَامِ.
وَكَتَبَ
عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ يُحْبَسُ حَتَّى يَمُوتَ: يَعْنِي إذَا لَمْ يُقِرَّ، وَبِهِ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ.
وَوَقَعَ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ فِيمَنْ سُرِقَ لَهُ مَتَاعٌ فَاتَّهَمَ رَجُلًا مَعْرُوفًا بِذَلِكَ يُحْبَسُ؛ لِأَنَّ حَبْسَهُ يَصْرِفُ أَذَاهُ عَنْ النَّاسِ إذَا كَانَ مَعْرُوفًا بِذَلِكَ لِتَكَرُّرِهِ مِنْهُ مَعَ إصْرَارِهِ عَلَى الْإِنْكَارِ وَإِتْلَافِ أَمْوَالِ النَّاسِ فَيَجِبُ أَنْ يُقْبَضَ عَنْهُمْ بِالسِّجْنِ، وَلَيْسَ بَعْضُ الْأَوْقَاتِ بِأَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ بَعْضٍ مَعَ تَسَاوِي حَالِهِ فِيهِمَا.
وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الْخُلَاصَةِ: أَنَّ الدُّعَّارَ يُحْبَسُونَ حَتَّى تُعْرَفَ تَوْبَتُهُمْ.
(مَسْأَلَةٌ) :
إذَا رُفِعَ لِلْقَاضِي رَجُلٌ يُعْرَفُ بِالسَّرِقَةِ وَالدَّعَارَةِ فَادَّعَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ رَجُلٌ فَحَبَسَهُ لِاخْتِبَارِ ذَلِكَ فَأَقَرَّ فِي السِّجْنِ بِمَا ادَّعَى عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ فَذَلِكَ يَلْزَمُهُ، وَهَذَا الْحَبْسُ خَارِجٌ عَنْ الْإِكْرَاهِ.
قَالَ فِي شَرْحِ التَّجْرِيدِ فِي مِثْلِهِ: وَإِنْ خَوَّفَهُ بِضَرْبِ سَوْطٍ أَوْ حَبْسِ يَوْمٍ حَتَّى يُقِرَّ فَلَيْسَ هَذَا بِإِكْرَاهٍ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَلَيْسَ فِي هَذَا وَقْتٌ وَلَكِنَّ مَا يَجِيءُ مِنْهُ الِاغْتِمَامُ الْبَيِّنُ؛ لِأَنَّ النَّاسَ مُتَفَاوِتُونَ فِي ذَلِكَ، فَرُبَّ إنْسَانٍ يَغْتَمُّ بِحَبْسِ يَوْمٍ، وَالْآخَرُ لَا يَغْتَمُّ لِتَفَاوُتِهِمْ فِي الشَّرَفِ وَالدَّنَاءَةِ، فَيُفَوَّضُ ذَلِكَ إلَى رَأْيِ كُلِّ قَاضٍ فِي زَمَانِهِ، فَيَنْظُرُ إنْ رَأَى أَنَّ ذَلِكَ الْإِكْرَاهَ فَوَّتَ عَلَيْهِ رِضَاهُ أَبْطَلَهُ، وَإِلَّا فَلَا، هَذَا فِي الْأَمْوَالِ.
وَأَمَّا لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِحَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ فَلَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ يَتَوَلَّى ضَرْبَ هَذَا الْمُتَّهَمِ وَحَبْسَهُ فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: إنَّهُ يَضْرِبُهُ الْوَالِي وَالْقَاضِي وَيَحْبِسُهُ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَبِيبٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ قَالَ: أَتَى هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ وَهُوَ قَاضِي الْمَدِينَةِ بِرَجُلٍ مُتَّهَمٍ خَبِيثٍ مَعْرُوفٍ بِالصِّبْيَانِ قَدْ لَصِقَ بِغُلَامٍ فِي الزِّحَامِ، فَبَعَثَ إلَى مَالِكٍ يَسْتَشِيرُهُ فِيهِ، فَأَمَرَ مَالِكٌ الْقَاضِي بِعُقُوبَتِهِ، فَضَرَبَهُ أَرْبَعَمِائَةٍ سَوْطٍ. وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ.
وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: يَضْرِبُهُ الْوَالِي دُونَ الْقَاضِي، وَكَذَلِكَ الْحَبْسُ رَاجِعٌ إلَى الْوَالِي، وَذَهَبَ إلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْحَنَابِلَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ أَنَّ الضَّرْبَ الْمَشْرُوعَ هُوَ ضَرْبُ الْحُدُودِ وَالتَّعْزِيرَاتِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ ثُبُوتِ أَسْبَابِهِمَا وَتَحْقِيقِهِمَا فَيَتَعَلَّقُ ذَلِكَ بِالْقَاضِي.
وَمَوْضُوعُ وِلَايَةِ الْوَالِي الْمَنْعُ مِنْ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ، وَقَمْعُ أَهْلِ الشَّرِّ وَالْعُدْوَانِ، وَذَلِكَ لَا يُتَمَكَّنُ إلَّا بِالْعُقُوبَةِ لِلْمُتَّهَمِينَ الْمَعْرُوفِينَ بِالْإِجْرَامِ، بِخِلَافِ وُلَاةِ الْأَحْكَامِ فَإِنَّ مَوْضُوعَهَا إيصَالُ الْحُقُوقِ وَإِثْبَاتُهَا، فَكُلُّ وَالٍ أُمِرَ بِفِعْلِ مَا فُوِّضَ إلَيْهِ اهـ مِنْ كَلَامِ ابْنِ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ الْحَنْبَلِيِّ.
وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ هُوَ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيِّ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ، وَهُوَ الَّذِي نَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ.
وَمِمَّا يُنَاسِبُ قَضِيَّةَ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ قَاضِي الْمَدِينَةِ فِي قَضِيَّةِ الرَّجُلِ الْمَذْكُورَةِ مَا وَقَعَ فِي الْخُلَاصَةِ فِي رَجُلٍ خَدَعَ امْرَأَةَ رَجُلٍ حَتَّى وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا، وَزَوَّجَهَا مِنْ غَيْرِهِ، أَوْ خَدَعَ صَبِيَّةً وَزَوَّجَهَا مِنْ رَجُلٍ يُحْبَسُ حَتَّى يَرُدَّهَا أَوْ يَمُوتَ، وَالسِّجْنُ، وَإِنْ كَانَ أَسْلَمَ الْعُقُوبَاتِ فَقَدْ تَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ قَوْله تَعَالَى:{إِلا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [يوسف: 25] أَنَّ السِّجْنَ مِنْ الْعُقُوبَاتِ الْبَلِيغَةِ؛ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ - وَتَعَالَى - قَرَنَهُ مَعَ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ السِّجْنَ الطَّوِيلَ عَذَابٌ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْوِلَايَاتِ تَخْتَلِفُ بِحَسْبِ الْعُرْفِ وَالِاصْطِلَاحِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ أَنَّ عُمُومَ الْوِلَايَاتِ وَخُصُوصَهَا لَيْسَ لَهُ حَدٌّ فِي الشَّرْعِ، وَأَنَّ وِلَايَةَ الْقَضَاءِ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ وَبَعْضِ الْأَوْقَاتِ يَتَنَاوَلُ مَا يَتَنَاوَلُهُ أَهْلُ الْحَرْبِ وَبِالْعَكْسِ، وَذَلِكَ بِحَسَبِ الْعُرْفِ وَالِاصْطِلَاحِ وَالتَّنْصِيصِ فِي الْوِلَايَاتِ، فَإِنْ كَانَتْ وِلَايَةُ الْقَضَاءِ فِي قُطْرٍ آخَرَ يَمْنَعُ مِنْ تَعَاطِي هَذِهِ السِّيَاسَاتِ قَضَاءً أَوْ عُرْفًا فَلَيْسَ لِلْقَاضِي تَعَاطِي ذَلِكَ، وَإِلَّا فَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا دَعْوَى شَرْعِيَّةٌ حُكْمُهَا الِاخْتِيَارُ بِالْحَبْسِ وَالضَّرْبِ فَيَسُوغُ لَهُ الْحُكْمُ فِيهَا كَغَيْرِهَا مِنْ الْحُكُومَاتِ.
[الْقِسْمُ الثَّالِثُ] : أَنْ يَكُونَ الْمُتَّهَمُ مَجْهُولَ الْحَالِ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَالْوَالِي لَا يَعْرِفُهُ بِبِرٍّ وَلَا فُجُورٍ، فَإِذَا ادَّعَى