الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَرْعٌ) :
وَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّ فُلَانًا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِفُلَانٍ وَفُلَانٍ الْمَيِّتِ، وَالْمَيِّتُ ابْنُ الشَّاهِدِ جَازَ وَالثُّلُثُ كُلُّهُ لِلْحَيِّ عِنْدَهُمَا.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِلْحَيِّ نِصْفُهُ، وَلَوْ شَهِدَ أَنَّهُ أَوْصَى لِهَذَا الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ لَمْ يَجُزْ.
احْتَجَّ أَبُو يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ مَوْتَ الْمَيِّتِ مِنْهُمَا فَقَدْ قَصَدَ بِأَنْ يُوصَى لِلْحَيِّ بِنِصْفِ الثُّلُثِ فَلَا يَجُوزُ إيجَابُ جَمِيعِهِ لِلْحَيِّ وَالْمُوصِي لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ، بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ فَإِنَّ الْإِقْرَارَ بِالدَّيْنِ جَائِزٌ لِلْمَيِّتِ كَجَوَازِهِ لِلْحَيِّ، فَحَصَلَتْ الشَّهَادَةُ مُوجِبَةً لِلشَّرِكَةِ فَإِذَا لَمْ تَجُزْ فِي حَقِّ أَحَدِهِمَا لَمْ تَجُزْ فِي حَقِّ الْآخَرِ، وَهُمَا يَقُولَانِ إنَّ الْوَصِيَّةَ مُوجَبَةٌ لِلْحَيِّ، وَالْمَيِّتُ أَدْخَلَهُ مَعَهُ عَلَى وَجْهِ الشَّرِكَةِ، وَالْمَيِّتُ لَا تَثْبُتُ بِهِ مُزَاحَمَةٌ فَوَجَبَ إسْقَاطُ حُكْمِهِ فَبَقِيَ الْحَيُّ بِجَمِيعِ وَصِيَّتِهِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَتَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَخِ لِأَخِيهِ وَأُخْتِهِ؛ لِأَنَّ التُّهْمَةَ بَيْنَهُمَا مُنْتَفِيَةٌ لِظُهُورِ التَّحَاسُدِ وَلِعَدَمِ اتِّصَالِ مَنَافِعِ الْأَمْلَاكِ بَيْنَهُمَا، وَتُقْبَلُ لِوَلَدِ الرَّضَاعِ وَلِأُمِّ الْمَرْأَةِ وَأَبِيهَا أَوْ لِوَلَدِهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا اتِّصَالُ مَنَافِعِ الْأَمْلَاكِ، وَالْقَرَائِنُ الْحَامِلَةُ عَلَى الْمَيْلِ وَالْكَذِبِ.
وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ رَبِّ الدَّيْنِ لِمَدِينِهِ إذَا كَانَ مُفْلِسًا.
وَنَقَلَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ عَنْ وَالِدِ صَاحِبِ الْمُحِيطِ: تُقْبَلُ شَهَادَةُ رَبِّ الدَّيْنِ لِمَدِينِهِ وَإِنْ كَانَ مُفْلِسًا.
وَفِي شَرْحِ الْجَامِعِ لِلْعَتَّابِيِّ: رَبُّ الدَّيْنِ إذَا شَهِدَ لِمَدْيُونِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ بِمَالٍ لَا تُقْبَلُ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِالتَّرِكَةِ، وَكَذَلِكَ الْمُوصَى لَهُ بِأَلْفٍ مُرْسَلَةٍ أَوْ بِشَيْءٍ بِعَيْنِهِ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ يَزْدَادُ بِهِ مَحِلُّ وَصِيَّتِهِ أَوْ سَلَامَةُ عَيْنِهِ.
(فَرْعٌ) :
وَشَهَادَةُ الصَّدِيقِ لِصَدِيقِهِ جَائِزَةٌ، وَإِنَّمَا تُمْنَعُ إذَا كَانَتْ الصَّدَاقَةُ مُتَنَاهِيَةً حَيْثُ تُثْبِتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِسَوْطَةِ يَدٍ فِي مَالِ الْآخَرِ، وَتُسَلَّمُ إذَا لَمْ تَكُنْ مُتَنَاهِيَةً؛ لِأَنَّهَا لَا تُوجِبُ إطْلَاقَ التَّصَرُّفِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَالِ صَاحِبِهِ. مِنْ شَرْحِ التَّجْرِيدِ.
السَّبَبُ الثَّالِثُ: وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ إنْ كَانَ غَيْرَ عَدْلٍ، وَإِنْ كَانَ عَدْلًا قُبِلَتْ، وَهُوَ الصَّحِيحُ اُنْظُرْ الْقِنْيَةَ.
وَتُقْبَلُ لَهُ، وَشَرْطُهَا أَنْ تَكُونَ الْعَدَاوَةُ فِي أَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ مِنْ مَالٍ أَوْ جَاهٍ أَوْ مَنْصِبٍ أَوْ خِصَامٍ وَمَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ، بِخِلَافِ الدِّينِيَّةِ إلَّا أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى إفْرَاطِ الْأَذَى مِنْ الْفَاسِقِ الْمُعَادَى لِفِسْقِهِ لِمَنْ غَضِبَ عَلَيْهِ وَهَجَرَهُ لِلَّهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ رُبَّمَا وَرَّثَ الشَّحْنَاءَ.
السَّبَبُ الرَّابِعُ: الْحِرْصُ عَلَى تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ وَأَدَائِهَا أَوْ قَبُولِهَا.
أَمَّا التَّحَمُّلُ فَهِيَ شَهَادَةُ الِاسْتِغْفَالِ، وَأَمَّا الْحِرْصُ عَلَى الْأَدَاءِ فَمِثْلُ أَنْ يَبْدَأَ بِالشَّهَادَةِ قَبْلَ طَلَبِ صَاحِبِهَا وَهُوَ حَاضِرٌ وَالْحَقُّ مَالِيٌّ
فَفِي الْقِنْيَةِ عَنْ شَرْحِ الزِّيَادَاتِ تُقْبَلُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الطَّحَاوِيُّ.
وَقَالَ الْخَصَّافُ: لَا تُقْبَلُ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَعْلَمَ صَاحِبُهَا بِهَا إنْ عَلِمَ بِأَنَّهُ غَيْرُ عَالِمٍ بِهَا وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ فِي حُقُوقِ اللَّهِ فَلَا تَقْدَحُ الْمُبَادَرَةُ.
وَأَمَّا الْحِرْصُ عَلَى الْقَبُولِ فَهُوَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى صِحَّةِ شَهَادَتِهِ إذَا أَدَّاهَا، وَذَلِكَ قَادِحٌ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ دَلِيلُ التَّعَصُّبِ وَشِدَّةِ الْحِرْصِ عَلَى نُفُوذِهَا.
قَالَ بَعْضُهُمْ: إلَّا أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ مِنْ جُمْلَةِ الْعَوَامّ فَإِنَّهُمْ يَتَسَامَحُونَ فِي ذَلِكَ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْذَرَ، وَإِمَّا لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى التَّعَصُّبِ.
وَكَذَا لَوْ خَاصَمَ الشَّاهِدُ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ فَإِنَّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى التَّعَصُّبِ، وَذَلِكَ مُوجِبٌ لِافْتِقَارِهِ إلَى مَنْ يَشْهَدُ لَهُ بِصِحَّةِ مَا خَاصَمَ فِيهِ، هَذَا إنْ كَانَ غَيْرَ عَدْلٍ، وَإِنْ كَانَ عَدْلًا قُبِلَتْ. مِنْ الْوَاقِعَاتِ، هَذَا إذَا كَانَ فِي حَقِّ آدَمِيٍّ، فَإِنْ كَانَ فِي حَقِّ اللَّهِ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْحُكْمُ فِيهِ.
[الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِيمَا يَنْبَغِي لِلشُّهُودِ أَنْ يَتَنَبَّهُوا لَهُ]
فِي تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ وَأَدَائِهَا مِمَّا يَقَعُ فِيهِ الْغَلَطُ وَالتَّسَاهُلُ اعْلَمْ أَنَّهُ يَنْبَغِي التَّنَبُّهُ وَالتَّحَفُّظُ مِنْ الْغَفْلَةِ فِي الشَّهَادَةِ وَالْمُسَامَحَةِ الَّتِي جَرَتْ بِهَا الْعَادَةُ، وَقَدْ شَاهَدْنَا مِنْ أَحْوَالِ بَعْضِ الشُّهُودِ مِنْ قِلَّةِ الضَّبْطِ وَغَمْصِ الْحَقِّ مَا أَوْرَدَهُمْ ذَلِكَ مَوَارِدَ مُنْكَرَةً، وَيَظُنُّونَ أَنَّهُمْ عَلَى سَوَاءِ السَّبِيلِ اقْتِدَاءً مِنْ بَعْضِهِمْ بِمُسَامَحَةِ بَعْضٍ عَلَى غَيْرِ عِلْمٍ بِاهْتِدَاءٍ وَلَا أَصْلَ بِاقْتِدَاءٍ، وَاعْتِيدَ ذَلِكَ حَتَّى وَقَعَ الْإِنْكَارُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ، وَسَنُشِيرُ مِنْ ذَلِكَ إلَى مَوَاضِعَ، فَمِنْ ذَلِكَ الِاسْتِرْسَالُ فِي تَقْيِيدِ الشَّهَادَةِ عَلَى مَعْرِفَةِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ
إنَّمَا يَصِحُّ بَعْدَ حُصُولِ مَعْرِفَةِ الْعَيْنِ وَالِاسْمِ مَعًا، وَلَا يَكْتَفِي فِي ذَلِكَ بِمَعْرِفَةِ الْعَيْنِ: يَعْنِي أَنْ يُعْرَفَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ وَلَا يُعْرَفُ اسْمُهُ وَلَا نَسَبُهُ فَقَطْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلُّ مِنْ وُجُوهٍ؛ إذْ مِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَخْدَعَهُ فَيُسَمِّي لَهُ بِاسْمِ غَيْرِهِ؛ لِيُوجِبَ عَلَيْهِ حَقًّا وَهُوَ لَا يَشْعُرُ بِذَلِكَ، وَقَدْ تَطُولُ الْمُدَّةُ فَيَنْسَى عَيْنَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ أَوْ يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ فِي غَيْبَتِهِ، وَيَكُونُ قَدْ يُسَمَّى الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِاسْمِ ذَلِكَ الْغَائِبِ فَيُقَدِّمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْغَائِبِ وَيَحْكُمُ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ وَلَيْسَ هُوَ الْمَشْهُودُ عَلَى مَعْرِفَتِهِ بِالْعَيْنِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْوُجُوهِ مِمَّا فَسَادُهُ ظَاهِرٌ وَضَرَرُهُ مُتَفَاقِمٌ، فَلَيْسَتْ هَذِهِ هِيَ الْمَعْرِفَةُ الْمَقْصُودَةُ فِي هَذَا الْبَابِ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ مَعْرِفَةُ الِاسْمِ الَّذِي يَتَمَيَّزُ بِهِ، مِثْلَ أَنْ يَعْرِفَ أَنَّهُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يَزُولُ مَعَهُ الِاشْتِرَاكُ أَوْ يَخِفُّ، وَلَا يَكْفِي مَعْرِفَةُ اسْمِهِ خَاصَّةً دُونَ مَعْرِفَةِ اسْمِ أَبِيهِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ فِي التَّعْرِيفِ وَالِاخْتِصَاصِ.
وَقَدْ اسْتَحَبَّ بَعْضُهُمْ أَنْ يَزِيدَ اسْمَ الْجَدِّ؛ لِأَنَّهُ أَضْبَطُ وَأَبْعَدُ لِمَا يُتَوَقَّى مِنْ اشْتَرَاكِ الْأَسْمَاءِ فِي الْمُسَمَّى وَأَبِيهِ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ إنَّمَا يَتِمُّ بِذِكْرِ الْجَدِّ عَنْهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ.
، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَكَذَلِكَ لَوْ عَرَفَ الِاسْمَ دُونَ الْعَيْنِ، كَمَا لَوْ كَانَ يَسْمَعُ بِرَجُلٍ مَشْهُورٍ ثُمَّ يَقِفُ عَلَى عَيْنِهِ فَقِيلَ لَهُ: هَذَا فُلَانٌ. وَلَمْ يَتَقَرَّرْ عِنْدَهُ تَقْرِيرًا يُوجِبُ الْعِلْمَ بِصِحَّتِهِ فَلَا يَقْدُمُ عَلَى تَقْيِيدِ الشَّهَادَةِ فِي الْمَعْرِفَةِ بِمُجَرَّدِ شُهْرَةِ الِاسْمِ عِنْدَهُ، فَكُلُّ ذَلِكَ غَلَطٌ وَتَدْلِيسٌ، وَالْوَهْمُ فِيهِ مُمْكِنٌ فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا فِي الِاسْمِ وَالْعَيْنِ.
قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: وَمَنْ لَا يُعْرَفُ نَسَبُهُ فَلَا يُشْهَدُ إلَّا عَلَى عَيْنِهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ اسْمَ غَيْرِهِ عَلَى اسْمِهِ أَوْ بِالْعَكْسِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ أَنْ يَتَرَدَّدَ عَلَيْهِ رَجُلٌ يُسَمَّى بِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ أَوْ يُخَالِطَهُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ فَلَا يُعَجِّلُ بِالشَّهَادَةِ بِالْمَعْرِفَةِ حَتَّى يَحْصُلَ مِنْ التَّرَدُّدِ وَاشْتِهَارِ عَيْنِهِ وَاسْمِهِ بِمَحْضَرِ غَيْرِهِ مِنْ النَّاسِ وَتَوَاطُئِهِمْ عَلَيْهِ مَا يُوقِعُ لَدَيْهِ الْمَعْرِفَةَ الَّتِي لَا يَشُكُّ فِيهَا، وَهَذَا بَابٌ كَبِيرٌ غَلِطَ فِيهِ الْجُمْهُورُ، وَلَا يَشْهَدُ عَلَى مُنْتَقِبَةٍ حَتَّى يَكْشِفَ وَجْهَهَا لِيُعَيِّنَهَا عِنْدَ الْأَدَاءِ.
قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: يَصِحُّ عِنْدَ التَّعْرِيفِ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى امْرَأَةٍ إذَا لَمْ يَعْرِفْهَا حَتَّى يَشْهَدَ عِنْدَهُ جَمَاعَةٌ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: تَجُوزُ إذَا شَهِدَ عِنْدَهُ عَدْلَانِ أَنَّهَا فُلَانَةُ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْمَجْهُولِ بَاطِلَةٌ. اُنْظُرْ الْمُحِيطَ.
وَلَا يُشْهَدُ عَلَى عَيْنِ امْرَأَةٍ زَعَمَتْ أَنَّهَا بِنْتُ زَيْدٍ حَتَّى يَشْهَدَ عِنْدَهُ شَاهِدَانِ أَنَّهَا بِنْتُ زَيْدٍ؛ إذْ لَعَلَّهَا غَيْرُهَا فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْرِيفِهَا بِتِلْكَ النِّسْبَةِ.
وَلَوْ قَالَ فِي الشَّهَادَةِ وَكِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي: إنَّهَا فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ التَّمِيمِيَّةُ. لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَنْسِبَانِهَا إلَى فَخِذِهَا وَهِيَ الْقَبِيلَةُ الْخَاصَّةُ وَالْفَخِذُ آخِرُ الْقَبَائِلِ السِّتِّ، كَذَا فِي الصَّحَاحِ، اُنْظُرْ الْهِدَايَةَ فِي هَذَا الْمَحِلِّ.
وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَأْتِيَهُ الرَّجُلَانِ لَا يَعْرِفُ إلَّا أَحَدَهُمَا فَيُشْهِدَهُ أَنِّي قَبَضْتُ مِنْ هَذَا وَيُشِيرُ إلَيْهِ وَلَا يَذْكُرُ اسْمَهُ حَقًّا لِي عَلَيْهِ وَهُوَ كَذَا وَكَذَا، أَوْ أَبْرَأْتُهُ أَوْ لَهُ عَلَيَّ كَذَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحَقُّ لِلْمَجْهُولِ عِنْدَهُ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ الْمُقِرُّ وَيُرِيدُ الْمَشْهُودُ لَهُ تَقْيِيدَ الشَّهَادَةِ فَيَنْبَغِي لِلشَّاهِدِ التَّوَقُّفُ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَعْرِفُ الْمَشْهُودَ لَهُ أَيْضًا، وَقَدْ كَانَ سَأَلَ عَنْ اسْمِهِ وَمَا يَتَمَيَّزُ بِهِ بِمَحْضَرِ الْمُقَرِّ لَهُ فَوَافَقَ عَلَى ذَلِكَ.
وَأَمَّا إنْ اعْتَمَدَ عَلَى قَوْلِ الْمَشْهُودِ لَهُ فِي غَيْبَةِ الْمُقِرِّ أَنَّ اسْمَهُ فُلَانٌ فَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا سَمَّى لَهُ غَيْرَ نَفْسِهِ مِمَّنْ عَلَيْهِ لِلْمُشْهِدِ الْغَائِبِ حَقٌّ كَبِيرٌ لِيَضَعَهُ أَوْ خِصَامٌ شَدِيدٌ لِيَقْطَعَهُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يَتَأَذَّى بِهِ الْغَائِبُ، وَلَا يَنْبَغِي لِلشَّاهِدِ أَنْ يَتَوَهَّمَ أَنَّ أَحَدًا لَا يَفْعَلُ مِثْلَ هَذَا، فَقَدْ يَفْعَلُ ذَلِكَ لِوُجُوهٍ، وَإِقْدَامُ الشَّاهِدِ عَلَى ذَلِكَ أَمْرٌ قَادِحٌ وَغَلَطٌ وَاضِحٌ، وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يُشْهِدَهُ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ فَيُرِيدُ أَنْ يَكْتَفِيَ بِتَعْرِيفِ غَيْرِهِ مِنْ النَّاسِ، وَقَدْ يَكُونُ الْمُعَرَّفُ عِنْدَهُ غَيْرَ مَعْرُوفٍ، أَوْ لَا يَجُوزُ قَبُولُ غَيْرِهِ قَوْلَهُ فِي شَيْءٍ، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْجُرْأَةِ فِي الْإِقْدَامِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَاَلَّذِي يَنْبَغِي لِمَنْ صَحَّ دِينُهُ وَرَاقَبَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَصْرِفَ كُلَّ مَنْ لَا يَعْرِفُ فِي الشَّهَادَةِ إلَى غَيْرِهِ مِمَّنْ يَعْرِفُهُ مَهْمَا أَمْكَنَ ذَلِكَ.
فَإِنْ اضْطَرَّهُ إلَى الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ أَمِيرٌ أَوْ كَانَ لِذَلِكَ وَجْهٌ فَلْيَكُنْ الْمُعَرَّفُ رَجُلَيْنِ مِمَّنْ يَرْضَى دِينَهُمَا وَيَسْتَجِيزُ شَهَادَتَهُمَا وَيُسَمِّيهَا فَيَكُونُ كَالشَّهَادَةِ