الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ادَّعَى أَنَّهُ وَكِيلُ فُلَانٍ وَأَنْكَرَ فُلَانٌ لَا تُسْمَعُ هَذِهِ الدَّعْوَى؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ غَيْرُ لَازِمٍ يُمْكِنُ عَزْلُهُ فِي الْحَالِ فَلَا تُفِيدُ الدَّعْوَى فَائِدَتَهَا.
وَمِثْلُهُ: لَوْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ هِبَةً وَقُلْنَا إنَّ الْهِبَةَ لَا تَلْزَمُ بِالْقَوْلِ وَلِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ عَنْهَا مَا لَمْ تُقْبَضْ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَسْئُولَ عَنْ هَذَا لَوْ قَالَ ذَلِكَ وَقَالَ رَجَعْتُ عَنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مُطَالَبَتُهُ بِشَيْءٍ وَلَا فَائِدَةَ فِي إلْزَامِهِ مَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ إذَا رَجَعَ عَنْهُ وَكَذَلِكَ الْوَصَايَا الَّتِي لَهُ الرُّجُوعُ عَنْهَا.
وَكَذَلِكَ التَّدْبِيرُ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ الَّذِي يَرَى أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ عَنْهُ، فَإِنَّ مِنْ هَذَا الْأَصْلِ ذَهَبَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ إلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْجَوَابُ عَنْهُ حَتَّى يُضِيفَ إلَيْهِ مَا يَلْزَمُ الْمَطْلُوبَ بِمَا ادَّعَى عَلَيْهِ، فَيَقُولُ فِي هَذِهِ الْهِبَةِ يَلْزَمُ تَسْلِيمُهَا، وَكَذَلِكَ فِي الْبَيْعِ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ يُضِيفُ إلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ الْفَسْخُ بَعْدَ الْعَقْدِ.
قَالَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ: وَهَذَا عِنْدِي إنَّمَا يَتَّجِهُ عَلَى الْبِنَاءِ عَلَى أَنَّ الْإِنْكَارَ لِأَصْلِ الشَّيْءِ لَا يَحِلُّ مَحَلَّ الرُّجُوعِ وَعَلَى أَنَّ مَا فِيهِ الْخِيَارُ بَيْنَ إمْضَائِهِ أَوْ رَدِّهِ مَحْلُولٌ حَتَّى يَنْعَقِدَ بِرَفْعِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلْخِيَارِ، فَإِذَا بُنِيَ الْأَمْرُ عَلَى هَذَا اتَّجَهَ مَا حَكَيْنَاهُ عَنْ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ.
الشَّرْطُ الثَّالِثُ مِنْ شُرُوطِ سَمَاعِ الدَّعْوَى: أَنْ تَكُونَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهَا حُكْمٌ أَوْ أَمْرٌ مِنْ الْأُمُورِ.
مِثَالُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ: أَنْ يَدَّعِيَ رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ بِدَيْنٍ وَيُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ وَعُدِّلَتْ الْبَيِّنَةُ فَقَالَ الْمَطْلُوبُ لِلْقَاضِي: اسْتَحْلِفْ لِي الطَّالِبَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ كَوْنَ شُهُودِهِ مَجْرُوحِينَ، فَإِنَّ هَذَا مِمَّا اخْتَلَفَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ، هَلْ تَجِبُ فِيهِ الْيَمِينُ أَوْ لَا تَجِبُ؟ فَمَنْ لَمْ يُوجِبْهَا اعْتَلَّ بِأَنَّ حَقِيقَةَ الدَّعْوَى أَنْ تَكُونَ مُتَعَلِّقَةً بِاسْتِحْقَاقِ أَمْرٍ يُسْتَخْرَجُ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَهَا هُنَا لَا يُطْلَبُ مِنْ الْقَاضِي اسْتِخْرَاجُ شَيْءٍ مِنْ الَّذِي شَهِدَتْ لَهُ الْبَيِّنَةُ بِحَقِّهِ.
وَكَذَا اخْتَلَفُوا فِي الْمُدَّعِي إذَا طَلَبَ يَمِينَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ الْمَطْلُوبُ: كُنْت اسْتَحْلَفْتنِي فَاحْلِفْ لِي أَنَّك لَمْ تَسْتَحْلِفْنِي، فَمَنْ ذَهَبَ إلَى اسْتِحْلَافِهِ رَأَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي هَذَا الْأَصْلِ أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى لَوْ أَقَرَّ بِهَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا تَنْفَعُ الْمُدَّعِي بِإِقْرَارِهِ، فَيَجِبُ عَلَى هَذَا أَنْ يَحْلِفَ مَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً وَعُدِّلَتْ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِفِسْقِهِمْ وَلَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ إذَا قَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ أَنَا أَعْلَمُ بِعِلْمِك بِفِسْقِ شُهُودِك، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ لَهُ احْلِفْ لِي أَنَّك لَمْ تَسْتَحْلِفْنِي عَلَى هَذَا الْحَقِّ فِيمَا مَضَى، فَالْقَاضِي يُحَلِّفُهُ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى عَلَيْهِ شَيْئًا لَوْ أَقَرَّ الْمُدَّعِي لَزِمَهُ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي أَنْ يُحَلِّفَهُ يَمِينًا ثَانِيَةً، وَلِذَا مَضَى الْقَضَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا حَلَفَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَبْذُلُ لَهُ الْخَطَّ حَتَّى لَا يَحْلِفَ مَرَّةً أُخْرَى " اُنْظُرْ الْمُحِيطَ ".
وَقَاعِدَةُ الْمَذْهَبِ أَيْضًا أَنَّ كُلَّ دَعْوَى إذَا أَقَرَّ بِهَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا تَنْفَعُ الْمُدَّعِيَ بِإِقْرَارِهِ، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يُقِرَّ وَأَنْكَرَ تَعَلَّقَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ عَلَى الْجُمْلَةِ مَا لَمْ يَخْرُجْ ذَلِكَ أَصْلًا عَنْ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ، مِثْلَ أَنْ يَطْلُبَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ الْقَاضِيَ بِالْيَمِينِ أَنَّهُ مَا جَارَ عَلَيْهِ، أَوْ يَطْلُبَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ يَمِينَ الشُّهُودِ أَنَّهُمْ لَمْ يَكْذِبُوا فِي شَهَادَاتِهِمْ، فَإِنَّ هَذَا لَا يَخْتَلِفُ فِي سُقُوطِ الدَّعْوَى وَكَوْنِهَا لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا تُفْسِدُ قَوَاعِدَ الشَّرْعِ فِي الْأَحْكَامِ، وَلَا يَشَاءُ أَحَدٌ أَنْ يَحُطَّ مَنْزِلَةَ الْقَاضِي أَوْ الشُّهُودِ إلَّا وَادَّعَى مِثْلَ ذَلِكَ حَتَّى يُؤَدِّيَ ذَلِكَ إلَيَّ الْوُقُوفِ عَنْ الْقَضَاءِ وَالشَّهَادَةِ.
وَأَمَّا تَحْلِيفُ الشُّهُودِ: فَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ فِي قِسْمِ السِّيَاسَةِ.
[فَصْلٌ فِي تَصْحِيحِ الدَّعْوَى]
(فَصْلٌ) :
وَالْمُدَّعَى بِهِ أَنْوَاعٌ فَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى مَكِيلًا لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ جِنْسِهِ بِأَنَّهُ حِنْطَةٌ أَوْ شَعِيرٌ، وَيَذْكُرُ مَعَ ذَلِكَ نَوْعَهُ أَنَّهَا سَقِيَّةٌ أَوْ بَرِّيَّةٌ وَرَبِيعِيَّةٌ، وَيَذْكُرُ مَعَ ذَلِكَ صِفَتَهَا كَالْحِنْطَةِ الْبَيْضَاءِ وَالْحَمْرَاءِ، وَيَذْكُرُ أَنَّهَا جَيِّدَةٌ أَوْ رَدِيئَةٌ، وَيَذْكُرُ قَدْرَهَا بِالْكَيْلِ بِأَنَّهَا كَذَا قَفِيزًا بِقَفِيزٍ كَذَا؛ لِأَنَّ الْقُفْزَانَ تَتَفَاوَتُ فِي ذَاتِهَا، وَيَذْكُرُ سَبَبَ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ أَحْكَامَ الدَّيْنِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَسْبَابِهَا، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ سَبَبُهُ السَّلَمَ يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ مَكَانِ الْإِيفَاءِ لِيَنْفَعَ التَّحَرُّزُ مِنْ الِاخْتِلَافِ، وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ بَيْعٍ يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ
قَبْلَ الْقَبْضِ، وَلَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ.
وَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَعْيَانِ وَهُوَ بِيَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَتَصْحِيحُ الدَّعْوَى أَنْ يُبَيِّنَ مَا يَدَّعِيَ وَيَذْكُرَ أَنَّهُ فِي يَدِ الْمَطْلُوبِ بِطَرِيقِ الْغَصْبِ أَوْ التَّعَدِّي أَوْ الْوَدِيعَةِ أَوْ الْعَارِيَّةِ أَوْ الرَّهْنِ أَوْ الْإِجَارَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ.
قَالَ بَعْضُ الْقُضَاةِ: فَإِذَا نَقَصَ الْمُدَّعِي مِنْ دَعْوَاهُ مَا فِيهِ بَيَانُ مَطْلَبِهِ أَمَرَهُ بِتَمَامِهِ، وَإِنْ أَتَى بِإِشْكَالٍ أَمَرَهُ بِبَيَانِهِ، فَإِذَا صَحَّتْ الدَّعْوَى سَأَلَ الْحَاكِمُ الْمَطْلُوبَ.
وَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى فِي الْمَنْقُولَاتِ الَّتِي يَتَعَذَّرُ نَقْلُهَا كَالرَّحَى وَنَحْوِهَا حَضَرَ الْحَاكِمُ عِنْدَهَا أَوْ بَعَثَ أَمِينًا وَفِي الْمُجْتَبِي قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي مَسْأَلَةِ سَرِقَةِ الْبَقَرَةِ: لَوْ اُخْتُلِفَ فِي لَوْنِهَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ إحْضَارَ الْمَنْقُولِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الدَّعْوَى، وَلَوْ شَرَطَ لَأُحْضِرَتْ وَلَمَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ عِنْدَ الْمُشَاهَدَةِ ثُمَّ قَالَ: وَالنَّاسُ عَنْهَا غَافِلُونَ، وَإِنْ كَانَتْ هَالِكَةً ذَكَرَ الْمُدَّعِي قِيمَتَهَا؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ لَا تُعْرَفُ بِالْوَصْفِ، إذْ رُبَّمَا تُوجَدُ أَعْيَانٌ كَثِيرَةٌ بِذَلِكَ الْوَصْفِ فَلَا يَكُونُ الْمُدَّعَى مَعْلُومًا بِهِ، وَالْقِيمَةُ تُعْرَفُ بِالْوَصْفِ، فَإِنَّهُ إذَا قَالَ مَثَلًا: قِيمَتُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ مِنْ الْفِضَّةِ الْجَيِّدَةِ أَوْ كَذَا دِينَارًا مِنْ الذَّهَبِ الرُّكْنِيِّ تَصِيرُ قِيمَتُهُ مَعْلُومَةً بِهَذَا الْوَصْفِ، كَذَا قِيلَ. وَفِي النِّهَايَةِ: وَالْقِيمَةُ شَيْءٌ تُعْرَفُ الْعَيْنُ بِذَلِكَ الشَّيْءِ.
وَقَالَ قَاضِي خَانَ وَصَاحِبُ الذَّخِيرَةِ: لَوْ كَانَتْ الْعَيْنُ غَائِبَةً وَادَّعَى أَنَّهَا فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَأَنْكَرَ، إنْ بَيَّنَ الْمُدَّعِي قِيمَتَهُ وَصِفَتَهُ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْقِيمَةَ وَقَالَ غَصَبَ مِنِّي عَيْنَ كَذَا وَلَا أَدْرِي أَنَّهُ هَالِكٌ أَوْ قَائِمٌ وَلَا أَدْرِي كَمْ كَانَتْ قِيمَتُهُ. ذُكِرَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ أَنَّهُ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ رُبَّمَا لَا يَعْرِفُ قِيمَةَ مَالِهِ، فَلَوْ كُلِّفَ بَيَانَ الْقِيمَةِ لَتَضَرَّرَ بِهِ. وَقِيلَ: لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ قِيمَتِهِ.
وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: إذَا كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ مُخْتَلَفًا فِيهَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُكَلِّفَ الْمُدَّعِيَ بَيَانَ الْقِيمَةِ، فَإِذَا كَلَّفَهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ ذِكْرُ الْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ فِي التَّالِفَةِ آكَدُ.
وَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى فِي شَيْءٍ فِي الذِّمَّةِ فَيُبَيِّنُ قَدْرَهُ كَمَا تَقَدَّمَ إلَّا أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِي هَذَا إلَى ذِكْرِ أَنَّهُ فِي يَدِهِ، بَلْ يَذْكُرُ أَنَّهُ تَرَتَّبَ فِي الذِّمَّةِ مِنْ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ أَوْ سَلَمٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى فِي دَارٍ أَوْ عَقَارٍ مِنْ الْأَرَاضِي فَيُبَيِّنُ مَوْضِعَهَا مِنْ الْبَلَدِ وَالْمَحِلَّةِ ثُمَّ السِّكَّةِ، فَيَبْدَأُ أَوَّلًا بِذِكْرِ الْكُورَةِ ثُمَّ الْمَحَلَّةِ اخْتِيَارًا لِقَوْلِ مُحَمَّدٍ، فَإِنَّ مَذْهَبَهُ أَنْ يَبْدَأَ بِالْأَعَمِّ ثُمَّ بِالْأَخَصِّ.
وَقِيلَ: يَبْدَأُ بِالْأَخَصِّ ثُمَّ بِالْأَعَمِّ، فَيَقُولُ: دَارُ كَذَا فِي سِكَّةِ كَذَا فِي الْمَحَلَّةِ فِي كُورَةِ كَذَا، وَقَاسَهُ عَلَى النَّسَبِ حَيْثُ يُقَالُ: فُلَانٌ ثُمَّ يُقَالُ ابْنُ فُلَانٍ، ثُمَّ يُذْكَرُ الْجَدُّ، فَيَبْدَأُ بِمَا هُوَ أَقْرَبُ فَيَتَرَقَّى إلَى الْأَبْعَدِ، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ أَحْسَنُ وَالْعَامُّ يُعْرَفُ بِالْخَاصِّ لَا بِالْعَكْسِ وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ تَحْدِيدِ الدَّارِ وَالْعَقَارِ، فَلَوْ ذَكَرَ حَدَّيْنِ لَا يَكْفِي فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَلَوْ ذَكَرَ الثَّلَاثَةَ كَفَاهُ وَيُجْعَلُ الْحَدُّ الرَّابِعُ بِإِزَاءِ الْحَدِّ الثَّالِثِ حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى مَبْدَأِ الْأَوَّلِ.
وَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى فِي دُخْنٍ أَوْ ذُرَةٍ ذَكَرَ أَنَّهُ دُخْنٌ أَحْمَرُ نَقِيٌّ أَوْسَطُ لَا بُدَّ أَنْ يَذْكُرَ أَنَّهُ خَرِيفِيٌّ أَوْ رَبِيعِيٌّ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ،
وَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى فِي السَّلَمِ فَيَذْكُرُ بَيَانَ شَرَائِطِهِ مِنْ أَعْلَامِ جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ وَغَيْرِهِ، وَيَذْكُرُ نَوْعَهُ وَصِفَتَهُ وَقَدْرَهُ بِالْوَزْنِ لَوْ كَانَ وَزْنِيًّا، وَانْتِقَادُهُ فِي الْمَجْلِسِ حَتَّى يَصِحَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله
وَلَوْ قَالَ بِسَبَبِ سَلَمٍ صَحِيحٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ شَرَائِطَهُ أَفْتَى شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْأُوزْجَنْدِيّ بِصِحَّةِ الدَّعْوَى، وَغَيْرُهُ لَمْ يُفْتُوا بِصِحَّتِهَا إذْ لِلسَّلَمِ شَرَائِطُ كَثِيرَةٌ وَلَا يَقِفُ عَلَيْهَا إلَّا الْخَوَاصُّ.
وَفِي دَعْوَى الْبَيْعِ: لَوْ قَالَ بِسَبَبِ بَيْعٍ صَحِيحٍ تَصِحُّ الدَّعْوَى وِفَاقًا، وَعَلَى هَذَا فَكُلُّ سَبَبٍ لَهُ شَرَائِطُ كَثِيرَةٌ لَا بُدَّ مِنْ عَدِّهَا لِصِحَّةِ الدَّعْوَى عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ، وَلَا يُكْتَفَى بِقَوْلِهِ بِسَبَبٍ صَحِيحٍ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَرَائِطُ كَثِيرَةٌ لَاكْتَفَى بِقَوْلِهِ " بِسَبَبِ كَذَا صَحِيحٌ،
وَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى فِي قِنٍّ تُرْكِيٍّ ادَّعَاهُ وَبَيَّنَ صِفَاتِهِ وَطَلَبَ إحْضَارَهُ لِيُبَرْهِنَ فَأَحْضَرَ قِنًّا خَالَفَ بَعْضُ صِفَاتِهِ بَعْضَ مَا وَصَفَهُ فَقَالَ الْمُدَّعِي: هَذَا مِلْكِي وَبَرْهَنَ يُقْبَلُ. قَالُوا: وَهَذَا الْجَوَابُ يَسْتَقِيمُ فِيمَا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ مِلْكُهُ فَقَالَ: هَذَا مِلْكِي وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ، تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ ادَّعَاهُ ابْتِدَاءً.
فَأَمَّا لَوْ قَالَ: هَذَا
هُوَ الْقِنُّ الَّذِي ادَّعَيْته أَوَّلًا، لَا تُسْمَعُ لِلتَّنَاقُضِ، كَذَا فِي كِتَابِ الدَّعَاوَى وَالْبَيِّنَاتِ.
وَإِنْ كَانَتْ فِي مَحْدُودٍ ذَكَرَ حُدُودَهُ، فَإِنْ أَصَابَ وَقَالَ فِي تَعْرِيفِهِ: وَفِيهِ أَشْجَارٌ. وَكَانَ خَالِيًا عَنْ الْأَشْجَارِ لَا تَبْطُلُ الدَّعْوَى وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ مَكَانَ الْأَشْجَارِ حِيطَانٌ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَى ذِكْرِ الشَّجَرِ.
وَلَوْ قَالَ فِي تَعْرِيفِهِ: لَيْسَ فِيهِ شَجَرٌ وَلَا حَائِطٌ. فَإِذَا فِيهِ أَشْجَارٌ عَظِيمَةٌ لَا يُتَصَوَّرُ حُدُوثُهَا بَعْدَ الدَّعْوَى بَطَلَتْ دَعْوَاهُ، قَالَهُ قَاضِي خَانَ.
وَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى فِي الْوَدِيعَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ بَلَدِ الْإِيدَاعِ سَوَاءً كَانَ لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ أَوْ لَا.
وَفِي دَعْوَى الْغَصْبِ لَوْ لَمْ يَكُنْ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ لَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ مَكَانِ الْغَصْبِ وَفِي غَصْبِ غَيْرِ الْمِثْلِيِّ وَإِهْلَاكِهِ يَنْبَغِي أَنْ يُبَيِّنَ قِيمَتَهُ يَوْمَ غَصْبِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ يُخَيَّرُ الْمَالِكُ بَيْنَ أَخْذِ قِيمَتِهِ يَوْمَ غَصْبِهِ أَوْ يَوْمَ إهْلَاكِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ أَنَّهَا قِيمَتُهُ: أَيْ الثَّمَنُ.
وَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى فِي دَنَانِيرَ بِسَبَبِ إهْلَاكِ الْأَعْيَانِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُبَيِّنَ قِيمَتَهَا فِي مَوْضِعِ الْإِهْلَاكِ، وَكَذَا لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الْأَعْيَانِ، فَإِنَّ مِنْهَا مَا هُوَ مِثْلِيٌّ وَمِنْهَا مَا هُوَ قِيَمِيٌّ.
وَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى فِي الْبُرِّ وَادَّعَاهَا بِوَزْنٍ قِيلَ: يَصِحُّ. وَقِيلَ: لَا وَفِي الذُّرَةِ وَالْمِلْحِ يُعْتَبَرُ الْعُرْفُ، أَمَّا الْأَشْيَاءُ السِّتَّةُ فَالْمِقْدَارُ هُوَ الْكَيْلُ فِي الْأَرْبَعَةِ مِنْهَا وَهُوَ بُرٌّ وَشَعِيرٌ وَتَمْرٌ وَمِلْحٌ، وَفِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ الْمِقْدَارُ هُوَ الْوَزْنُ.
وَلَوْ كَانَتْ الدَّعْوَى فِي وَزْنٍ بَيَّنَ جِنْسَهُ بِأَنَّهُ ذَهَبٌ أَوْ فِضَّةٌ، فَلَوْ كَانَ مَضْرُوبًا يَقُولُ: كَذَا دِينَارًا، وَيَذْكُرُ نَوْعَهُ بُخَارِيُّ الضَّرْبِ أَوْ نَيْسَابُورِيُّ الضَّرْبِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ صِفَتَهُ جَيِّدًا أَوْ رَدِيئًا أَوْ وَسَطًا، وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ الصِّفَةِ لَوْ كَانَ فِي الْبَلَدِ نُقُودٌ مُخْتَلِفَةٌ لَا لَوْ كَانَ فِي الْبَلَدِ نَقْدٌ وَاحِدٌ.
وَعِنْدَ ذِكْرِ الْبُخَارِيِّ وَالنَّيْسَابُورِيّ لَا يُحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ كَوْنِهِ أَحْمَرَ، وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْجَوْدَةِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ، وَذَكَرَ النَّسَفِيُّ: لَوْ ذَكَرَ أَحْمَرَ خَالِصًا وَلَمْ يَذْكُرْ الْجَيِّدَ كَفَاهُ.
وَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى فِي الْعِنَبِ وَادَّعَى نَوْعَيْنِ مِنْ الْعِنَبِ بِأَنْ ادَّعَى أَلْفًا مِنْ الْعِنَبِ الْفُلَانِيِّ والورخميني الْحُلْوِ الْوَسَطِ لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ: مِنْ الْفُلَانِيِّ كَذَا وَمِنْ الورخميني كَذَا، إذْ بِدُونِهِ لَا يَدْرِي الْقَاضِي بِأَيِّ قَدْرٍ يَقْضِي مِنْ كُلِّ نَوْعٍ.
وَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى فِي الْعِنَبِ أَيْضًا وَادَّعَى كَذَا كَذَا عِنَبًا طَائِفِيًّا لَمْ يَجُزْ مَا لَمْ يَقُلْ: أَحْمَرُ أَوْ أَبْيَضُ وَكَذَا فِي الْعِنَبِ الْحِرْمَازِيِّ لَمْ يَجُزْ مَا لَمْ يَقُلْ أَحْمَرُ أَوْ أَبْيَضُ.
وَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى فِي الدِّيبَاجِ وَالْجَوْهَرِ يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْوَزْنِ، فَقَدْ قَالَ أَهْلُ النَّظَرِ بِالْجَوَاهِرِ: إنَّ الْجَوْهَرَيْنِ الْمُتَّفِقَيْنِ صُورَةً لَوْ تَفَاوَتَا وَزْنًا تَتَفَاوَتُ قِيمَتُهُمَا، إذْ لَا يَقِلُّ وَلَا يَتَّسِعُ ثُقْبُهُ بِمُرُورِ الزَّمَانِ، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ وَزْنِهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا.
وَذُكِرَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى فِي طَاحُونَةٍ وَحْدَهَا وَذَكَرَ أَدَوَاتِهَا الْقَائِمَةَ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُسَمِّ الْأَدَوَاتِ وَلَمْ يَذْكُرْ كَيْفِيَّتَهَا فَقَدْ قِيلَ: لَا تَصِحُّ الدَّعْوَى، وَقِيلَ: تَصِحُّ إذَا ذَكَرَ جَمِيعَ مَا فِيهَا مِنْ الْأَدَوَاتِ الْقَائِمَةِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.
وَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى فِي دَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ يَكْفِي حُضُورُ وَصِيِّهِ أَوْ الْوَارِثِ الْوَاحِدِ، وَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ كُلِّ وَرَثَتِهِ فَلَوْ كَانَ وَصِيًّا يَقُولُ: إنَّهُ أَوْصَى إلَى هَذَا فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ مِنْ تَرِكَتِهِ الَّتِي فِي يَدِهِ.
وَلَوْ ادَّعَى الدَّيْنَ بِسَبَبِ الْوِرَاثَةِ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ وَرَثَتِهِ عَنْ مَجْمَعِ النَّوَازِلِ،
وَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى فِي الْأَعْيَانِ وَالْأَمْوَالِ بِسَبَبِ الْإِقْرَارِ وَادَّعَى أَنَّهُ لَهُ لَمَّا أَقَرَّ بِهِ ذُو الْيَدِ أَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ دَرَاهِمَ وَقَالَ لِمَا أَنَّهُ أَقَرَّ بِهَا أَوْ قَالَ ابْتِدَاءً: إنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ هَذِهِ الْعَيْنَ لِي أَوْ أَقَرَّ أَنَّ لِي عَلَيْهِ كَذَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ قِيلَ: تَصِحُّ هَذِهِ الدَّعْوَى، وَقِيلَ: لَا، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْإِقْرَارِ لَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِلِاسْتِحْقَاقِ، فَإِنْ كَانَ الْإِقْرَارُ كَاذِبًا لَا يَثْبُتُ الِاسْتِحْقَاقُ لِلْمُقَرِّ لَهُ، فَقَدْ أَضَافَ الِاسْتِحْقَاقَ إلَى مَا لَا يَصْلُحُ.
وَكَذَا اخْتَلَفُوا هَلْ تَصِحُّ دَعْوَى الْإِقْرَارِ مِنْ طُرُقِ الدَّفْعِ، حَتَّى لَوْ بَرْهَنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ أَقَرَّ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، أَوْ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَقَرَّ أَنَّ هَذَا مِلْكُ الْمُدَّعِي، قِيلَ: لَا يُقْبَلُ، وَعَامَّتُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَصِحُّ.
وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ قَالَ: هَذَا مِلْكِي وَهَكَذَا أَقَرَّ ذُو الْيَدِ أَوْ قَالَ: لِي عَلَيْهِ كَذَا وَهَكَذَا أَقَرَّ بِهِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَتُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ عَلَى إقْرَارِهِ، إذْ لَمْ يَجْعَلْ الْإِقْرَارَ سَبَبًا لِلْوُجُوبِ وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَوْ أَنْكَرَ هَلْ يَحْلِفُ عَلَى إقْرَارِهِ؟ فِيهِ خِلَافٌ.
وَلَوْ كَانَتْ الدَّعْوَى فِي طَلَبِ إرْثٍ