الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقِيلَ يَحْرُمُ الْعُضْوُ.
فَصْلٌ وَذَكَاةُ كُلِّ حَيَوَانٍ قُدِرَ عَلَيْهِ بِقَطْعِ كُلِّ الْحُلْقُومِ، وَهُوَ مَخْرَجُ النَّفَسِ وَالْمَرِيءِ وَهُوَ مَجْرَى الطَّعَامِ، وَيُسْتَحَبُّ قَطْعُ الْوَدَجَيْنِ، وَهُمَا عِرْقَانِ فِي صَفْحَتَيْ الْعُنُقِ، وَلَوْ ذَبَحَهُ مِنْ قَفَاهُ عَصَى، فَإِنْ أَسْرَعَ فَقَطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءَ وَبِهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ حَلَّ، وَإِلَّا فَلَا.
ــ
[مغني المحتاج]
كَالذَّبْحِ لِلْجُمْلَةِ فَيَتْبَعُهَا الْعُضْوُ، هَذَا مَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا تَبَعًا لِلْمُحَرَّرِ (وَقِيلَ) وَهُوَ الْمُصَحَّحُ فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ (يَحْرُمُ الْعُضْوُ) ؛ لِأَنَّهُ أُبِينَ مِنْ حَيٍّ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَطَعَ أَلْيَةَ شَاةٍ ثُمَّ ذَبَحَهَا لَا تَحِلُّ الْأَلْيَةُ وَأَمَّا بَاقِي الْبَدَنِ فَيَحِلُّ جَزْمًا. .
[فَصْلٌ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ وَهُوَ الذَّبِيحُ]
ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ، وَهُوَ الذَّبِيحُ بِمَعْنَى الْمَذْبُوحِ فَقَالَ (وَذَكَاةُ كُلِّ حَيَوَانٍ) إنْسِيٍّ أَوْ وَحْشِيٍّ (قُدِرَ عَلَيْهِ) وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ وَقْتَ ابْتِدَاءِ ذَبْحِهِ تَحْصُلُ فِي الْأَصَحِّ (بِقَطْعِ كُلِّ الْحُلْقُومِ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ (وَهُوَ مَخْرَجُ) أَيْ مَجْرَى (النَّفَسِ) خُرُوجًا وَدُخُولًا (وَ) بِقَطْعِ كُلِّ (الْمَرِيءِ) بِفَتْحِ مِيمِهِ وَهَمْزِ آخِرِهِ، وَيَجُوزُ تَسْهِيلُهُ (وَهُوَ مَجْرَى الطَّعَامِ) وَالشَّرَابِ مِنْ الْحَلْقِ إلَى الْمَعِدَةِ وَتَحْتَ الْحُلْقُومِ؛ لِأَنَّ الْحَيَاةَ تُفْقَدُ بِفَقْدِهِمَا.
تَنْبِيهٌ: احْتَرَزَ بِالْقَطْعِ عَمَّا لَوْ اخْتَطَفَ رَأْسَ عُصْفُورٍ أَوْ غَيْرِهِ بِيَدِهِ، أَوْ بِبُنْدُقَةٍ أَوْ نَحْوِهَا فَإِنَّهُ مَيْتَةٌ لَا يُسَمَّى ذَكَاةً بَلْ هُوَ فِي مَعْنَى الْخَنْقِ، لَا فِي مَعْنَى الْقَطْعِ، وَبِقَوْلِهِ قُدِرَ عَلَيْهِ عَمَّا لَا يُقْدَرُ عَلَيْهِ وَقَدْ مَرَّ، وَبِقَوْلِهِ: كُلِّ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ عَمَّا لَوْ بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَوْ يَسِيرًا فَلَا يَحِلُّ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ فِي ابْتِدَاءِ الذَّبْحِ خَاصَّةً كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ، وَفِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْأُضْحِيَّةِ مَا يَقْتَضِي تَرْجِيحَهُ، وَقَدْ يُخِلُّ فِي قَوْلِهِ: قُدِرَ عَلَيْهِ مَا إذَا خَرَجَ بَعْضُ الْجَنِينِ وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ، لَكِنْ صَحَّحَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ حِلَّهُ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى فِي بَابِ الْأَطْعِمَةِ (وَيُسْتَحَبُّ قَطْعُ الْوَدَجَيْنِ) بِوَاوٍ وَدَالٍ مَفْتُوحَتَيْنِ تَثْنِيَةُ وَدَجٍ بِفَتْحِ الدَّالِ وَكَسْرِهَا (وَهُمَا عِرْقَانِ فِي صَفْحَتَيْ الْعُنُقِ) مُحِيطَانِ بِالْحُلْقُومِ، وَقِيلَ بِالْمَرِيءِ، وَهُمَا الْوَرِيدَانِ مِنْ الْآدَمِيِّ؛ لِأَنَّهُ أَوْحَى وَأَسْهَلُ لِخُرُوجِ الرُّوحِ، فَهُوَ مِنْ الْإِحْسَانِ فِي الذَّبْحِ.
تَنْبِيهٌ: إنَّمَا لَمْ يَجِبْ قَطْعُ الْوَدَجَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا قَدْ يُسَلَّانِ مِنْ الْحَيَوَانِ فَيَبْقَى، وَمَا هَذَا شَأْنُهُ لَا يُشْتَرَطُ قَطْعُهُ كَسَائِرِ الْعُرُوقِ، وَلَا يُسَنُّ قَطْعُ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ (وَلَوْ ذَبَحَهُ) أَيْ الْحَيَوَانَ الْمَقْدُورَ عَلَيْهِ (مِنْ قَفَاهُ) أَوْ مِنْ صَفْحَةِ عُنُقِهِ (عَصَى) بِذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعْذِيبِ (فَإِنْ أَسْرَعَ) فِي ذَلِكَ (فَقَطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءَ، وَبِهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ) أَوَّلَ قَطْعِهِمَا (حَلَّ) ؛ لِأَنَّ الذَّكَاةَ صَادَفَتْهُ وَهُوَ حَيٌّ، كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَ الْحَيَوَانِ ثُمَّ ذَكَّاهُ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُسْرِعْ قَطْعَهُمَا وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ بَلْ انْتَهَى إلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ (فَلَا) يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَيْتَةً فَلَا يُفِيدُهُ الذَّبْحُ بَعْدَ ذَلِكَ.
تَنْبِيهٌ: لَوْ ذَبَحَ شَخْصٌ حَيَوَانًا وَأَخْرَجَ آخَرُ أَمْعَاءَهُ أَوْ نَخَسَ خَاصِرَتَهُ مَعًا لَمْ يَحِلَّ؛ لِأَنَّ
وَكَذَا إدْخَالُ سِكِّينٍ بِأُذُنِ ثَعْلَبٍ، وَيُسَنُّ نَحْرُ إبِلٍ
وَذَبْحُ بَقَرٍ وَغَنَمٍ وَيَجُوزُ عَكْسُهُ، وَأَنْ يَكُونَ الْبَعِيرُ قَائِمًا مَعْقُولَ الرُّكْبَةِ،
ــ
[مغني المحتاج]
التَّذْفِيفَ لَمْ يَتَمَحَّضْ بِقَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ.
قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: سَوَاءٌ أَكَانَ مَا قَطَعَ بِهِ الْحُلْقُومَ مِمَّا يُذَفِّفُ لَوْ انْفَرَدَ أَمْ كَانَ يُعِينُ عَلَى التَّذْفِيفِ وَلَوْ اقْتَرَنَ قَطْعُ الْحُلْقُومِ بِقَطْعِ رَقَبَةِ الشَّاةِ مِنْ قَفَاهَا بِأَنْ أَجْرَى سِكِّينًا مِنْ الْقَفَا وَسِكِّينًا مِنْ الْحُلْقُومِ حَتَّى الْتَقَيَا فَهِيَ مَيْتَةٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّ التَّذْفِيفَ إنَّمَا حَصَلَ بِذَبْحَيْنِ خِلَافَ مَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الْمَتْنِ مِنْ الْحِلِّ، فَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قَطْعِ جَمِيعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ، وَلَيْسَ بِشَرْطٍ، بَلْ يَكْفِي وُجُودُهَا عِنْدَ ابْتِدَاءِ قَطْعِ الْمَرِيءِ؛ لِأَنَّ أَقْصَى مَا وَقَعَ التَّعَبُّدُ بِهِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ عِنْدَ الِابْتِدَاءِ بِقَطْعِ الْمَذْبَحِ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِوُجُودِ الْحَيَاةِ الْمُسْتَقِرَّةِ عِنْدَ الذَّبْحِ، بَلْ يَكْفِي الظَّنُّ بِوُجُودِهَا بِقَرِينَةٍ، وَلَوْ عُرِفَتْ بِشِدَّةِ الْحَرَكَةِ أَوْ انْفِجَارِ الدَّمِ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ مَا لَمْ يَتَقَدَّمْهُ مَا يُحَالُ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ، فَلَوْ وَصَلَ بِجُرْحٍ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ وَفِيهِ شِدَّةُ الْحَرَكَةِ، ثُمَّ ذُبِحَ لَمْ يَحِلَّ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْحَيَاةَ الْمُسْتَقِرَّةَ عِنْدَ الذَّبْحِ تَارَةً تُتَيَقَّنُ، وَتَارَةَ تُظَنُّ بِعَلَامَاتٍ وَقَرَائِنَ، فَإِنْ شَكَكْنَا فِي اسْتِقْرَارِهَا حَرُمَ لِلشَّكِّ فِي الْمُبِيحِ وَتَغْلِيبًا لِلتَّحْرِيمِ، فَإِنْ مَرِضَ أَوْ جَاعَ فَذَبَحَهُ، وَقَدْ صَارَ آخِرَ رَمَقٍ حَلَّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ سَبَبٌ يُحَالُ الْهَلَاكُ عَلَيْهِ، وَلَوْ مَرِضَ بِأَكْلِ نَبَاتٍ مُضِرٍّ حَتَّى صَارَ آخِرَ رَمَقٍ كَانَ سَبَبًا يُحَالُ الْهَلَاكُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَحِلَّ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي مَرَّةً وَهُوَ أَحَدُ احْتِمَالَيْهِ فِي مَرَّةٍ أُخْرَى، وَإِنْ جَرَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ.
وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الذَّكَاةِ قَطْعُ الْجِلْدِ الَّذِي فَوْقَ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ (وَكَذَا إدْخَالُ سِكِّينٍ بِأُذُنِ ثَعْلَبٍ) لِيَقْطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءَ دَاخِلَ الْجِلْدِ لِأَجْلِ جِلْدِهِ فَإِنَّهُ حَرَامٌ لِلتَّعْذِيبِ. ثُمَّ إنْ أَسْرَعَ بِقَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ دَاخِلَ الْجِلْدِ وَبِهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ حَلَّ، وَإِلَّا فَلَا.
تَنْبِيهٌ: الثَّعْلَبُ مِثَالٌ لَا قَيْدٌ، فَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ بِغَيْرِهِ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ.
(وَيُسَنُّ نَحْرُ إبِلٍ) فِي اللَّبَّةِ، وَهِيَ أَسْفَلُ الْعُنُقِ كَمَا مَرَّ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] وَلِلْأَمْرِ بِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ أَسْرَعُ لِخُرُوجِ الرُّوحِ لِطُولِ عُنُقِهَا، وَقِيَاسُ هَذَا كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: أَنْ يَأْتِيَ فِي كُلِّ مَا طَالَ عُنُقُهُ كَالنَّعَامِ وَالْإِوَزِّ وَالْبَطِّ.
(وَ) يُسَنُّ (ذَبْحُ بَقَرٍ وَغَنَمٍ) وَنَحْوِهِمَا كَخَيْلٍ بِقَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ الْكَائِنَيْنِ أَعْلَى الْعُنُقِ لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا (وَيَجُوزُ) بِلَا كَرَاهَةٍ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ (عَكْسُهُ) وَهُوَ ذَبْحُ إبِلٍ وَنَحْوِهَا وَنَحْرُ بَقَرٍ وَغَنَمٍ وَنَحْوِهِمَا لِعَدَمِ وُرُودِ نَهْيٍ فِيهِ (وَ) يُسَنُّ (أَنْ يَكُونَ) نَحْرُ (الْبَعِيرِ قَائِمًا) عَلَى ثَلَاثٍ (مَعْقُولَ) بِالتَّنْوِينِ بِخَطِّهِ (الرُّكْبَةِ) وَهِيَ الْيُسْرَى كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج: 36] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ " أَيْ قِيَامًا عَلَى ثَلَاثٍ " رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ. قَالَ الشَّاعِرُ:
أَلِفَ الصُّفُوفَ فَلَا يَزَالُ كَأَنَّهُ
…
مِمَّا يَقُومُ عَلَى الثَّلَاثِ كَثِيرًا
وَالْبَقَرَةُ وَالشَّاةُ مُضْجَعَةً لِجَنْبِهَا الْأَيْسَرِ، وَيُتْرَكُ رِجْلُهَا الْيُمْنَى، وَتُشَدُّ بَاقِي الْقَوَائِمِ.
وَأَنْ يُحِدَّ شَفْرَتَهُ، وَيُوَجِّهَ لِلْقِبْلَةِ ذَبِيحَتَهُ.
وَأَنْ يَقُولَ: بِسْمِ اللَّهِ،
ــ
[مغني المحتاج]
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَائِمًا فَبَارِكًا، وَالنَّحْرُ الطَّعْنُ بِمَا لَهُ حَدٌّ فِي الْمَنْحَرِ، وَهُوَ الْوَهْدَةُ الَّتِي فِي أَعْلَى الصَّدْرِ، وَأَصْلِ الْعُنُقِ.
تَنْبِيهٌ: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ قَدْ يُفْهِمُ أَنَّ إيجَابَ قَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ وَاسْتِحْبَابَ قَطْعِ الْوَدَجَيْنِ مَخْصُوصٌ بِالذَّبْحِ وَلَيْسَ مُرَادًا، فَقَدْ جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ فِي النَّحْرِ أَيْضًا، وَحَكَاهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْحَاوِي وَالنِّهَايَةِ وَغَيْرِهِمَا (وَ) أَنْ تَكُونَ (الْبَقَرَةُ وَالشَّاةُ) حَالَ ذَبْحِ كُلٍّ مِنْهُمَا (مُضْجَعَةً لِجَنْبِهَا الْأَيْسَرِ) أَمَّا الشَّاةُ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَضْجَعَهَا وَقِيسَ عَلَيْهَا الْبَقَرُ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ أَسْهَلَ عَلَى الذَّابِحِ فِي أَخْذِهِ السِّكِّينَ بِالْيَمِينِ وَإِمْسَاكِ الرَّأْسِ بِالْيَسَارِ.
تَنْبِيهٌ: لَوْ كَانَ الذَّابِحُ أَعْسَرَ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَسْتَنِيبَ غَيْرَهُ وَلَا يُضْجِعُهَا عَلَى يَمِينِهَا كَمَا أَنَّ مَقْطُوعَ الْيَمِينِ لَا يُشِيرُ بِسَبَّابَتِهِ الْيُسْرَى (وَيُتْرَكُ رِجْلُهَا الْيُمْنَى) بِلَا شَدٍّ لِتَسْتَرِيحَ بِتَحْرِيكِهَا (وَتُشَدُّ بَاقِي الْقَوَائِمِ) لِئَلَّا تَضْطَرِبَ حَالَ الذَّبْحِ فَيَزِلَّ الذَّابِحُ.
(وَ) يُسَنُّ لِلذَّابِحِ (أَنْ يُحِدَّ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ (شَفْرَتَهُ) وَهِيَ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ: سِكِّينٌ عَظِيمَةٌ، لِخَبَرِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ «إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلِيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ» .
تَنْبِيهٌ: لَوْ ذَبَحَ بِسِكِّينٍ كَالٍّ حَلَّ بِشَرْطَيْنِ: أَنْ لَا يَحْتَاجَ الْقَطْعُ إلَى قُوَّةِ الذَّابِحِ، وَأَنْ يَقْطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءَ قَبْلَ انْتِهَائِهَا إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ، وَيُسَنُّ إمْرَارُ السِّكِّينِ بِقُوَّةِ تَحَامُلٍ يَسِيرٍ ذَهَابًا وَإِيَابًا، وَيُكْرَهُ أَنْ يَحُدَّ شَفْرَتَهُ وَالْبَهِيمَةُ تَنْظُرُ إلَيْهِ، وَأَنْ يَذْبَحَ حَيَوَانًا وَآخَرُ يَنْظُرُ إلَيْهِ، فَفِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - " رَأَى رَجُلًا يَفْعَلُ ذَلِكَ فَضَرَبَهُ بِالدِّرَّةِ " وَالْأَوْلَى أَنْ يُسَاقَ الْحَيَوَانُ إلَى الْمَذْبَحِ بِرِفْقٍ، وَأَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهِ الْمَاءُ قَبْلَ الذَّبْحِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَعْوَنُ عَلَى سُهُولَةِ سَلْخِهِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يُبِينَ الرَّأْسَ، وَأَنْ يَكْسِرَ الْعُنُقَ، وَأَنْ يَقْطَعَ عُضْوًا مِنْهُ، وَأَنْ يُحَرِّكَهُ، وَأَنْ يَنْقُلَهُ إلَى مَكَانٍ حَتَّى تَخْرُجَ رُوحُهُ مِنْهُ (وَ) يُسَنُّ أَنْ (يُوَجِّهَ) الذَّابِحُ (لِلْقِبْلَةِ ذَبِيحَتَهُ) لِلِاتِّبَاعِ، وَلِأَنَّهَا أَفْضَلُ الْجِهَاتِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُوَجِّهُ مَذْبَحَهَا لَا وَجْهَهَا لِيُمْكِنَهُ أَيْضًا هُوَ الِاسْتِقْبَالُ، فَإِنَّهُ يُنْدَبُ الِاسْتِقْبَالُ لِلذَّابِحِ أَيْضًا. فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا كُرِهَ كَالْبَوْلِ إلَى الْقِبْلَةِ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ هَذِهِ عِبَادَةٌ، وَلِهَذَا شُرِعَ فِيهَا التَّسْمِيَةُ.
كَمَا قَالَ (وَأَنْ يَقُولَ) عِنْدَ ذَبْحِهَا (بِسْمِ اللَّهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 118] وَلَا تَجِبُ، فَلَوْ تَرَكَهَا عَمْدًا أَوْ سَهْوًا حَلَّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ تَعَمَّدَ لَمْ تَحِلَّ.
وَأَجَابَ أَئِمَّتُنَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة: 3] إلَى قَوْلِهِ: {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] فَأَبَاحَ الْمُذَكَّى وَلَمْ يَذْكُرْ التَّسْمِيَةَ، وَبِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ ذَبَائِحَ أَهْلِ الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] وَهُمْ
وَيُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
ــ
[مغني المحتاج]
لَا يُسَمُّونَ غَالِبًا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ، وَبِقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «إنَّ قَوْمًا قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ قَوْمَنَا حَدِيثُو عَهْدٍ بِالْجَاهِلِيَّةِ يَأْتُونَا بِلِحَامٍ لَا نَدْرِي أَذَكَرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا أَمْ لَمْ يَذْكُرُوا أَنَأْكُلُ مِنْهَا؟ فَقَالَ: اُذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ وَكُلُوا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمَا أَجَازَ الْأَكْلَ مَعَ الشَّكِّ، وَرُوِيَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«الْمُسْلِمُ يَذْبَحُ عَلَى اسْمِ اللَّهِ سَمَّ أَوْ لَمْ يُسَمِّ» «وَجَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ مِنَّا يَذْبَحُ وَيَنْسَى أَنْ يُسَمِّيَ اللَّهَ تَعَالَى؟ فَقَالَ: اسْمُ اللَّهِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُسْلِمٍ» وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] فَاَلَّذِي تَقْتَضِيهِ الْبَلَاغَةُ أَنَّ قَوْلَهُ: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] لَيْسَ مَعْطُوفًا لِلتَّبَايُنِ التَّامِّ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ، إذْ الْأُولَى فِعْلِيَّةٌ إنْشَائِيَّةٌ، وَالثَّانِيَةُ اسْمِيَّةٌ خَبَرِيَّةٌ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ جَوَابًا لِمَكَانِ الْوَاوِ فَتَعَيَّنَ أَنْ تَكُونَ حَالِيَّةً فَتَقَيَّدَ النَّهْيُ بِحَالِ كَوْنِ الذَّبْحِ فِسْقًا.
وَالْفِسْقُ فِي الذَّبِيحَةِ مُفَسَّرٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ بِمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ، وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِمَا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ الْمَيْتَةُ، وَذَلِكَ أَنَّ مَجُوسَ الْفُرْسِ قَالُوا لِقُرَيْشٍ: تَأْكُلُونَ مِمَّا قَتَلْتُمْ وَلَا تَأْكُلُونَ مِمَّا قَتَلَ اللَّهُ؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] وَأَمَّا نَحْوُ خَبَرِ أَبِي ثَعْلَبَةَ «فَمَا صِدْتَ بِقَوْسِكَ فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ، ثُمَّ كُلْ، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ الْمُعَلَّمِ فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ، ثُمَّ كُلْ» فَأَجَابُوا عَنْهُ بِحَمْلِهِ عَلَى النَّدْبِ.
تَنْبِيهٌ: لَا يَخْتَصُّ سَنُّ التَّسْمِيَةِ بِالذَّبْحِ، بَلْ تُسَنُّ عِنْدَ إرْسَالِ السَّهْمِ وَالْجَارِحَةِ إلَى صَيْدٍ، وَلَوْ عِنْدَ الْإِصَابَةِ بِالسَّهْمِ، وَالْعَضِّ مِنْ الْجَارِحَةِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْمَارِّ، بَلْ حَكَى الرُّويَانِيُّ عَنْ النَّصِّ اسْتِحْبَابَهَا عِنْدَ صَيْدِ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ، وَيُكْرَهُ تَعَمُّدُ تَرْكِهَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْخَادِمِ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَقُولَ فِي التَّسْمِيَةِ: " الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ "؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَاسِبُ الْمَقَامَ، لَكِنَّهُ قَالَ فِي شَرْحِ هَذَا الْكِتَابِ: لَيْسَ الْمُرَادُ بِالتَّسْمِيَةِ خُصُوصُ هَذَا اللَّفْظِ، بَلْ لَوْ قَالَ:" الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " كَانَ حَسَنًا، وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَيْهَقِيّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ:" فَإِنْ زَادَ شَيْئًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ فَالزِّيَادَةُ خَيْرٌ " فَالْأَكْمَلُ أَنْ يَقُولَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَيُسَنُّ فِي الْأُضْحِيَّةِ أَنْ يُكَبِّرَ قَبْلَ التَّسْمِيَةِ وَبَعْدَهَا ثَلَاثًا، وَأَنْ يَقُولَ " اللَّهُمَّ مِنْك وَإِلَيْك "(وَ) أَنْ (يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) عِنْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَحَلٌّ شُرِعَ فِيهِ ذِكْرُ