المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل في الحلف على أكل أو شرب] - مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج - جـ ٦

[الخطيب الشربيني]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب السير

- ‌[مَوَانِعِ الْجِهَادِ]

- ‌[فَصْل فِيمَا يُكْرَهُ مِنْ الْغَزْوِ وَمَنْ يَحْرُمُ]

- ‌[فَصْل فِي حُكْمِ مَا يُؤْخَذ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي حُكْمِ أَمْوَالِ الْحَرْبِيِّينَ]

- ‌[فَصْل فِي الْأَمَانِ]

- ‌[كِتَاب عَقْد الْجِزْيَةِ لِلْكُفَّارِ]

- ‌[فَصْل أَقَلُّ الْجِزْيَةِ دِينَارٌ لِكُلِّ سَنَةٍ]

- ‌[فَصْل فِي أَحْكَامِ عَقْدِ الْجِزْيَةِ الزَّائِدَةِ]

- ‌باب الهدنة

- ‌[فَصَلِّ فِي أَحْكَامِ الْهُدْنَةِ]

- ‌كِتَابُ الصَّيْدِ

- ‌[فَصْلٌ فِي شَرْطِ الرُّكْنِ الثَّانِي وَهُوَ الذَّابِحُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ وَهُوَ الذَّبِيحُ]

- ‌[فَصْلٌ ذَبْحُ حَيَوَانٍ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ وَجَرْحُ حَيَوَانٍ غَيْرِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَمْلِكُ بِهِ الصَّيْدَ]

- ‌[كِتَابُ الْأُضْحِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعَقِيقَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْأَطْعِمَةِ]

- ‌كِتَابُ الْمُسَابَقَةِ

- ‌كتاب الإيمان

- ‌[فَصَلِّ صِفَةُ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحَلِفِ عَلَى السُّكْنَى لَا يُقِيمُ فِيهَا وَهُوَ فِيهَا]

- ‌[فَصَلِّ فِي الْحَلِفِ عَلَى أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ]

- ‌[فَصَلِّ فِي مَسَائِلَ مَنْثُورَةٍ]

- ‌[كِتَابُ النَّذْرِ]

- ‌[فَصَلِّ فِيمَنْ نَذْرِ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ هَدْيٍ أَوْ غَيْرِهَا]

- ‌كتاب القضاء

- ‌[فَصَلِّ فِيمَا يَعْرِضُ لِلْقَاضِي مِمَّا يَقْتَضِي عَزْلَهُ أَوْ انْعِزَالَهُ]

- ‌[فَصَلِّ آدَابِ الْقَضَاءِ]

- ‌[فَصَلِّ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ]

- ‌بَابُ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ

- ‌[فَصَلِّ الدَّعْوَى بِعَيْنٍ غَائِبَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ وَالْحُكْمِ بِهَا]

- ‌[فَصَلِّ ضَابِطِ الْغَائِبِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ]

- ‌باب القسمة

- ‌كِتَابُ الشَّهَادَاتِ

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُعْتَبَرُ فِيهِ شَهَادَةُ الرِّجَالِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَأَدَائِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي رُجُوعِ الشُّهُودِ عَنْ شَهَادَتِهِمْ]

- ‌كتاب الدعوى

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِجَوَابِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْحَلِفِ وَالتَّغْلِيظِ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ مِنْ شَخْصَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اخْتِلَافِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي شُرُوطِ الْقَائِفِ وَبَيَانِ إلْحَاقِهِ النَّسَبَ بِغَيْرِهِ]

- ‌كتاب العتق

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعِتْقِ بِالْبَعْضِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْإِعْتَاقِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ]

- ‌فصل في الولاء

- ‌كتاب التدبير

- ‌[فَصَلِّ فِي حُكْمِ حَمْلِ الْمُدَبَّرَةِ وَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهَا]

- ‌كِتَابُ الْكِتَابَةِ

- ‌[فَصَلِّ فِي لُزُومِ الْكِتَابَةِ وَجَوَازِهَا وَمَا يَعْرِضُ لَهَا]

- ‌[فَصَلِّ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْكِتَابَةِ الْبَاطِلَةِ وَالْفَاسِدَةِ]

- ‌كتاب أمهات الأولاد

- ‌[خَاتِمَة]

الفصل: ‌[فصل في الحلف على أكل أو شرب]

[فَصْلٌ] حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الرُّءُوسَ وَلَا نِيَّةَ لَهُ حَنِثَ بِرُءُوسٍ تُبَاعُ وَحْدَهَا، لَا طَيْرٍ وَحُوتٍ وَصَيْدٍ إلَّا بِبَلَدٍ تُبَاعُ فِيهِ مُفْرَدَةً،

ــ

[مغني المحتاج]

الرَّافِعِيُّ خَارِجٌ عَنْ الْعُرْفِ. ثُمَّ قَالَ: وَيُحْتَمَلُ التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَقْصِدَهُ أَمْ لَا كَمَا فِي قِرَاءَةِ الْآيَةِ الْمُفْهِمَةِ اهـ.

وَهَذَا قَرِيبٌ مِنْ الْحَمْلِ الْمَذْكُورِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحِلَّ ذَلِكَ إذَا سَمِعَ سَلَامَهُ، فَقَدْ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الطَّلَاقِ بِعَدَمِ الْحِنْثِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُسَلَّمُ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ وَبَعُدَ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ سَلَامَ الْمُسَلِّمِ عَلَيْهِ.

[فَصَلِّ فِي الْحَلِفِ عَلَى أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ]

[فَصْلٌ] فِي الْحَلِفِ عَلَى أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ مَعَ بَيَانِ مَا يَتَنَاوَلُهُ بَعْضَ الْمَأْكُولَاتِ، إذَا (حَلَفَ) شَخْصٌ (لَا يَأْكُلُ الرُّءُوسَ) أَوْ الرَّأْسَ أَوْ لَا يَشْتَرِيهَا (وَلَا نِيَّةَ لَهُ حَنِثَ بِرُءُوسٍ تُبَاعُ وَحْدَهَا) وَهِيَ رُءُوسُ الْغَنَمِ قَطْعًا، وَكَذَا الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُتَعَارَفُ، وَإِنْ اُخْتُصَّ بَعْضُهَا بِبَلَدِ الْحَالِفِ (لَا) بِرُءُوسِ (طَيْرٍ وَحُوتٍ وَصَيْدٍ) وَخَيْلٍ (إلَّا بِبَلَدٍ تُبَاعُ فِيهِ مُفْرَدَةً) لِكَثْرَتِهَا وَاعْتِيَادِ أَهْلِهَا فَيَحْنَثُ بِأَكْلِهَا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ كَرُءُوسِ الْأَنْعَامِ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْحَالِفُ مِنْ تِلْكَ الْبَلْدَةِ أَمْ لَا، وَإِنْ كَانَ فِي بَلَدٍ لَا تُبَاعُ فِيهِ مُفْرَدَةً، بَلْ تُبَاعُ فِي غَيْرِهِ مُفْرَدَةً حَنِثَ عَلَى الْأَقْوَى فِي الرَّوْضَةِ لِشُمُولِ الِاسْمِ، وَلِأَنَّ مَا ثَبَتَ فِيهِ الْعُرْفُ فِي مَوْضِعٍ ثَبَتَ فِي سَائِرِ الْمَوَاضِعِ كَخُبْزِ الْأَرُزِّ. قَالَ وَهُوَ الْأَقْرَبُ إلَى ظَاهِرِ النَّصِّ اهـ.

وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَقِيلَ: لَا يَحْنَثُ، وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ، وَرَجَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ، وَقَطَعَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ وَهُوَ مَفْهُومُ كَلَامِ الْمَتْنِ وَأَصْلِهِ، وَمَالَ إلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ. قَالَ: وَالْأَوَّلُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا انْتَشَرَ الْعُرْفُ بِحَيْثُ بَلَغَ الْحَالِفَ وَغَيْرَهُ وَإِلَّا فَلَا حِنْثَ اهـ.

أَمَّا إذَا نَوَى شَيْئًا مِنْهَا، فَإِنَّهُ يَعْمَلُ بِهِ، وَإِنْ نَوَى مُسَمَّى الرَّأْسِ حَنِثَ بِكُلِّ رَأْسٍ وَإِنْ لَمْ تُبَعْ وَحْدَهَا، وَإِنْ قَالَ: لَا آكُلُ رُءُوسَ الشَّوَى حَنِثَ بِرُءُوسِ الْغَنَمِ فَقَطْ، دُونَ رُءُوسِ غَيْرِهَا كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَتَبِعَهُ ابْنُ الْمُقْرِي.

تَنْبِيهٌ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: حَنِثَ بِرُءُوسٍ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَكْلِ جَمْعٍ مِنْ الرُّءُوسِ، وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي فُرُوعِهِ، وَقَالَ: لَا بُدَّ مِنْ أَكْلِ ثَلَاثَةٍ مِنْهَا، لَكِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ، أَوْ صَرِيحَهُ أَنَّ إطْلَاقَ الْيَمِينِ مَحْمُولٌ عَلَى الْجِنْسِ، حَتَّى لَوْ أَكَلَ رَأْسًا أَوْ بَعْضَهُ حَنِثَ اهـ.

وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ: لَا أَدْرِي مَاذَا بَنَى الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ مَسَائِلَ الْأَيْمَانِ، إنْ اتَّبَعَ اللَّفْظَ فَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الرُّءُوسَ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ بِكُلِّ رَأْسٍ، وَإِنْ اتَّبَعَ الْعُرْفَ، فَأَصْحَابُ الْقُرَى لَا يَعُدُّونَ الْخِيَامَ بُيُوتًا، وَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ الْقَرَوِيِّ وَالْبَدْوِيِّ.

وَأَجَابَ عَنْهُ الرَّافِعِيُّ فِي آخِرِ الْبَابِ بِأَنَّهُ يَتْبَعُ مُقْتَضَى اللُّغَةِ تَارَةً، وَذَلِكَ عِنْدَ ظُهُورِهَا وَشُمُولِهَا وَهُوَ الْأَصْلُ، وَتَارَةً يَتْبَعُ الْعُرْفَ إذَا اشْتَهَرَ وَاطَّرَدَ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ نَحْوَهُ فَقَالَ: قَاعِدَةُ الْأَيْمَانِ الْبِنَاءُ عَلَى الْعُرْفِ إذَا لَمْ يَضْطَرِبْ، فَإِذَا اضْطَرَبَ فَالرُّجُوعُ إلَى اللُّغَةِ اهـ.

وَلَوْ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى صَيْدٍ

ص: 203

وَالْبَيْضُ يُحْمَلُ عَلَى مُزَايِلٍ بَائِضَهُ فِي الْحَيَاةِ كَدَجَاجٍ وَنَعَامَةٍ وَحَمَامٍ لَا سَمَكٍ وَجَرَادٍ.

وَاللَّحْمُ عَلَى نَعَمٍ وَخَيْلٍ وَوَحْشٍ وَطَيْرٍ لَا سَمَكٍ

ــ

[مغني المحتاج]

لَشَمِلَ رَأْسَ سَمَكٍ وَطَيْرٍ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا صَيْدٌ، وَيَجُوزُ فِي طَيْرٍ وَمَا بَعْدَهُ الرَّفْعُ أَيْضًا، وَيُقَالُ لِبَيَّاعِ الرُّءُوسِ رَآَّسٌ، وَالْعَامَّةُ يَقُولُونَ رَوَّاسٌ (وَالْبَيْضُ) جَمْعُ بَيْضَةٍ (يُحْمَلُ) فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ بَيْضًا (عَلَى) بَيْضٍ (مُزَايِلٍ) أَيْ مُفَارِقٍ (بَائِضَهُ فِي الْحَيَاةِ كَدَجَاجٍ) بِتَثْلِيثِ الدَّالِ: أَيْ بَيْضِهِ وَبَيْضِ إوَزٍّ وَبَطٍّ (وَنَعَامَةٍ وَحَمَامٍ) وَعَصَافِيرَ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ.

تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ تَمْثِيلِهِ التَّخْصِيصَ بِبَيْضِ الْمَأْكُولِ، وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ الْكَافِي، فَقَالَ: وَلَا يَحْنَثُ بِبَيْضِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، وَالْأَصَحُّ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ حِلُّ أَكْلِهِ بِلَا خِلَافٍ، إذَا قُلْنَا بِطَهَارَتِهِ، لِأَنَّهُ طَاهِرٌ غَيْرُ مُسْتَقْذَرٍ، وَإِنْ نَازَعَ فِي ذَلِكَ الْبُلْقِينِيُّ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: عَلَى مُزَايِلٍ بَائِضَهُ أَيْ مَا شَأْنُهُ ذَلِكَ لَا الْمُزَايَلَةُ الْحَقِيقِيَّةُ، فَإِنَّهُ لَوْ خَرَجَ مِنْ الدَّجَاجَةِ بَعْدَ مَوْتِهَا بَيْضٌ مُتَصَلِّبٌ حَنِثَ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ. ثُمَّ لَا فَرْقَ فِي الْحِنْثِ بَيْنَ أَكْلِهِ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ إذَا ظَهَرَ فِيهِ بِخِلَافٍ مَا إذَا أَكَلَهُ فِي شَيْءٍ لَا تَظْهَرُ صُورَتُهُ فِيهِ كَالنَّاطِفِ، فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ بَيَاضِ الْبَيْضِ فَلَا يَحْنَثُ بِهِ. قَالَهُ فِي التَّتِمَّةِ، وَبِهِ أَجَابَ الْمَسْعُودِيُّ لَمَّا تَوَقَّفَ الْقَفَّالُ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الْبَيْضَ. ثُمَّ لَقِيَ رَجُلًا فَحَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ مِمَّا فِي كُمِّهِ، فَإِذَا هُوَ بَيْضٌ، فَقَالَ: يُتَّخَذُ مِنْهُ النَّاطِفُ وَيُؤْكَلُ وَيَكُونُ قَدْ أَكَلَ مِمَّا فِي كُمِّهِ وَلَمْ يَأْكُلْ الْبَيْضَ، فَاسْتَحْسَنَ ذَلِكَ (لَا) بَيْضِ (سَمَكٍ) وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْبَطَارِخِ (وَ) لَا بَيْضِ (جَرَادٍ) فَلَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ، عَلَى أَكْلِ الْبَيْضِ بِهِمَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَخْرُجُ بَعْدَ الْمَوْتِ بِشَقِّ الْبَطْنِ، وَلَوْ بِيعَ بَيْضُ السَّمَكِ مُنْفَرِدًا لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَجَدَّ اسْمًا آخَرَ، وَهُوَ الْبَطَارِخُ، وَلَا يَحْنَثُ بِخُصْيَةِ شَاةٍ؛ لِأَنَّهَا لَا تُفْهَمُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا، فَإِنْ نَوَى شَيْئًا فَكَمَا سَبَقَ فِي الرُّءُوسِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمُتَوَلِّي، وَلَا يَجُوزُ أَكْلُ مَصَارِينِ السَّمَكِ الْمَمْلُوحِ مَعَ بَيْضِهِ؛ لِأَنَّهَا مُحْتَوِيَةٌ عَلَى النَّجَاسَةِ.

(وَ) يُحْمَلُ (اللَّحْمُ) فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُهُ (عَلَى) لَحْمِ (نَعَمٍ) مِنْ إبِلٍ وَبَقَرٍ وَغَنَمٍ (وَ) لَحْمِ (خَيْلٍ) وَهَذَا مَزِيدٌ عَلَى الْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةُ كَأَصْلِهَا، وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ (وَ) لَحْمُ (وَحْشٍ وَطَيْرٍ) مَأْكُولَيْنِ لِوُقُوعِ اسْمِ اللَّحْمِ عَلَيْهِ حَقِيقَةً فَيَحْنَثُ بِالْأَكْلِ مِنْ مُذَكَّاهَا، سَوَاءٌ أَكَلَهُ نِيئًا أَمْ لَا، وَلَا يَحْنَثُ بِلَحْمِ مَا لَا يُؤْكَلُ كَالْمَيْتَةِ وَالْحِمَارِ؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ الِامْتِنَاعَ عَمَّا لَا يُعْتَادُ أَكْلُهُ، وَلِأَنَّ اسْمَ اللَّحْمِ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى الْمَأْكُولِ شَرْعًا، وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: يَظْهَرُ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ كَوْنِ الْحَالِفِ مِمَّنْ يَعْتَقِدُ حِلَّ ذَلِكَ فَيَحْنَثُ وَإِلَّا فَلَا، وَ (لَا) عَلَى لَحْمِ (سَمَكٍ) وَجَرَادٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى لَحْمًا فِي الْعُرْفِ، وَإِنْ سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى لَحْمًا، وَلِهَذَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ مَا أَكَلْتُ لَحْمًا بَلْ سَمَكًا، كَمَا لَا يَحْنَثُ بِالْجُلُوسِ عَلَى الْأَرْضِ إذَا حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى بِسَاطٍ كَمَا مَرَّ، وَإِنْ سَمَّاهَا اللَّهُ تَعَالَى بِسَاطًا.

تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ إطْلَاقُهُ لَحْمَ السَّمَكِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَجْرِيَ عَادَةُ نَاحِيَتِهِ بِبَيْعِ لَحْمِهِ مُفْرَدًا أَمْ

ص: 204

وَشَحْمِ بَطْنٍ، وَكَذَا كَرِشٍ وَكَبِدٍ وَطِحَالٍ وَقَلْبٍ فِي الْأَصَحّ، وَالْأَصَحُّ تَنَاوُلُهُ لَحْمَ رَأْسٍ وَلِسَانٍ وَشَحْمِ ظَهْرٍ وَجَنْبٍ، وَأَنَّ شَحْمَ الظَّهَرِ لَا يَتَنَاوَلُهُ الشَّحْمُ، وَأَنَّ الْأَلْيَةَ وَالسَّنَامَ لَيْسَا شَحْمًا وَلَا لَحْمًا، وَالْأَلْيَةُ لَا تَتَنَاوَلُ سَنَامًا وَلَا يَتَنَاوَلُهَا، وَالدَّسَمُ يَتَنَاوَلُهُمَا، وَشَحْمَ ظَهْرٍ وَبَطْنٍ وَكُلَّ دُهْنٍ،

ــ

[مغني المحتاج]

لَا، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ الْقَاصِّ. هَذَا كُلُّهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، فَإِنْ نَوَى شَيْئًا حُمِلَ عَلَيْهِ (وَ) لَا (شَحْمِ بَطْنٍ) وَشَحْمِ عَيْنٍ لِمُخَالَفَتِهِمَا اللَّحْمَ فِي الِاسْمِ وَالصِّفَةِ (وَكَذَا كَرِشٍ) بِكَسْرِ الرَّاءِ، وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا مَعَ فَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِهَا، وَهُوَ لِلْحَيَوَانِ كَالْمَعِدَةِ لِلْإِنْسَانِ (وَكَبِدٍ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا مَعَ فَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِهَا (وَطِحَالٍ) بِكَسْرِ الطَّاءِ (وَقَلْبٍ) وَرِئَةٍ وَمِعًى (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: إنَّهَا لَيْسَتْ لَحْمًا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَكَذَا الثَّدْيُ وَالْخُصْيَةُ فِي الْأَقْرَبِ، وَالثَّانِي يَحْنَثُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ اللَّحْمِ. قَالَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ: وَلَا يَحْنَثُ بِقَانِصَةِ الدَّجَاجَةِ أَيْ وَنَحْوِهَا قَطْعًا؛ لِأَنَّهَا لَا تَدْخُلُ فِي مُطْلَقِ الِاسْمِ.

فَائِدَةٌ: رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: " الْعَقْلُ فِي الْقَلْبِ وَالرَّحْمَةُ فِي الْكَبِدِ وَالرَّأْفَةُ فِي الطِّحَالِ "(وَالْأَصَحُّ تَنَاوُلُهُ) أَيْ اللَّحْمِ (لَحْمَ رَأْسٍ وَلِسَانٍ) لِصِدْقِ الِاسْمِ عَلَيْهِمَا، وَالثَّانِي: لَا، لِأَنَّهُ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِمَا إلَّا مُضَافًا، فَيُقَالُ: لَحْمُ رَأْسٍ، وَلَحْمُ لِسَانٍ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي لَحْمِ الْخَدِّ وَالْأَكَارِعِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأُذُنُ كَذَلِكَ، وَأَمَّا الْجِلْدُ فَلَا يَحْنَثُ بِهِ الْحَالِفُ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ غَالِبًا، لِأَنَّهُ جِنْسٌ غَيْرُ اللَّحْمِ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الرِّبَا (وَ) يَتَنَاوَلُ اللَّحْمَ أَيْضًا (شَحْمِ ظَهْرٍ وَجَنْبٍ) وَهُوَ الْأَبْيَضُ الَّذِي لَا يُخَالِطُهُ لَحْمٌ أَحْمَرُ؛ لِأَنَّهُ لَحْمٌ سَمِينٌ، وَلِهَذَا يَحْمَرُّ عِنْدَ الْهُزَالِ، وَالثَّانِي الْمَنْعُ نَظَرًا إلَى اسْمِ الشَّحْمِ. قَالَ تَعَالَى:(حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا) أَيْ مَا عَلِقَ بِهَا مِنْهُ فَسَمَّاهُ شَحْمًا، وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ شَحْمَ الظَّهَرِ) فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شَحْمًا (لَا يَتَنَاوَلُهُ الشَّحْمُ) لِمَا مَرَّ أَنَّهُ لَحْمٌ، وَالثَّانِي يَتَنَاوَلُهُ لِمَا مَرَّ أَيْضًا أَنَّهُ شَحْمٌ. أَمَّا شَحْمُ الْبَطْنِ فَيَحْنَثُ بِهِ جَزْمًا (وَ) الْأَصَحُّ، وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالصَّحِيحِ (أَنَّ الْأَلْيَةَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ (وَالسَّنَامَ) بِفَتْحِ السِّينِ (لَيْسَا) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا (شَحْمًا وَلَا لَحْمًا) لِأَنَّهُمَا يُخَالِفَانِ كُلًّا مِنْهُمَا فِي الِاسْمِ وَالصِّفَةِ. فَإِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ اللَّحْمَ أَوْ الشَّحْمَ لَا يَحْنَثُ بِهِمَا (وَالْأَلْيَةُ لَا تَتَنَاوَلُ سَنَامًا، وَ) السَّنَامُ (لَا يَتَنَاوَلُهَا) لِاخْتِلَافِ الِاسْمِ وَالصِّفَةِ، وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ، وَعَلَى هَذَا فَنَقْرَأُ الْأَلْيَةَ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهَا مُبْتَدَأٌ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ مَعْطُوفَةً عَلَى مَا قَبْلَهَا مِنْ مَسَائِلِ الْخِلَافِ (وَالدَّسَمُ) وَهُوَ الْوَدَكُ (يَتَنَاوَلُهُمَا) أَيْ الْأَلْيَةَ وَالسَّنَامَ (وَ) يَتَنَاوَلُ (شَحْمَ ظَهْرٍ وَبَطْنٍ وَكُلَّ دُهْنٍ) لِصِدْقِ الِاسْمِ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ.

تَنْبِيهٌ: قَيَّدَ بَعْضُهُمْ الدُّهْنَ بِكَوْنِهِ يُؤْكَلُ عَادَةً لِيَخْرُجَ مَا لَا يُؤْكَلُ عَادَةً كَدُهْنِ خُرُوجٍ أَوْ شَرْعًا

ص: 205

وَلَحْمُ الْبَقَرِ يَتَنَاوَلُ جَامُوسًا.

وَلَوْ قَالَ مُشِيرًا إلَى حِنْطَةٍ لَا آكُلُ هَذِهِ حَنِثَ بِأَكْلِهَا عَلَى هَيْئَتِهَا وَبِطَحْنِهَا وَخَبْزِهَا،

ــ

[مغني المحتاج]

كَدُهْنِ مَيْتَةٍ وَهُوَ حَسَنٌ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ أَدْخَلَ الْمُصَنِّفُ شَحْمَ الظَّهْرِ فِي الدَّسَمِ مَعَ أَنَّهُ عِنْدَهُ لَحْمٌ وَهُوَ لَا يَدْخُلُ فِي الدَّسَمِ.

أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا صَارَ سَمِينًا صَارَ يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الدَّسَمِ، وَإِنْ لَمْ يُطْلَقْ الدَّسَمُ عَلَى كُلِّ لَحْمٍ، وَخَرَجَ بِالدُّهْنِ أُصُولُهُ كَالسِّمْسِمِ وَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ اللَّبَنَ فِي الدَّسَمِ مَعَ أَنَّهُ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «شَرِبَ لَبَنًا. ثُمَّ تَمَضْمَضَ، وَقَالَ: إنَّ لَهُ دَسَمًا» .

أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ: إنَّهُ دَسَمٌ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ أَكَلَ مِنْهُ الدَّسَمَ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ مُسْتَهْلَكٌ وَلَا يَحْنَثُ بِدُهْنِ السِّمْسِمِ مَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ دُهْنًا كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ، وَفِي مَعْنَاهُ دُهْنُ جَوْزٍ وَلَوْزٍ وَنَحْوِهِمَا (وَلَحْمُ الْبَقَرِ يَتَنَاوَلُ جَامُوسًا) فَيَحْنَثُ بِأَكْلِهِ مَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ بَقَرٍ لِدُخُولِهِ تَحْتَ اسْمِ الْبَقَرِ، وَلِهَذَا جَعَلُوهُمَا فِي بَابِ الرِّبَا جِنْسًا وَاحِدًا، وَيَدْخُلُ فِيهِ بَقَرُ الْوَحْشِ فِي الْأَصَحِّ لِصِدْقِ الِاسْمِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ حِمَارًا فَرَكِبَ حِمَارًا وَحْشِيًّا لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْمَعْهُودَ لِلرُّكُوبِ الْحِمَارُ الْأَهْلِيُّ بِخِلَافِ الْأَكْلِ، قَالَهُ الرَّافِعِيُّ، وَقِيَاسُ مَا قَالُوهُ هُنَا تَنَاوُلُ الْغَنَمِ لِلْمَعْزِ لِمَا مَرَّ.

فُرُوعٌ: لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مَيْتَةً لَمْ يَحْنَثْ بِمُذَكَّاةٍ وَلَا بِسَمَكٍ وَجَرَادٍ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ دَمًا فَأَكَلَ كَبِدًا أَوْ طِحَالًا، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَبَنًا فَأَكَلَ شِيرَازًا وَهُوَ بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ لَبَنٌ يَغْلِي فَيَسْخَنُ جِدًّا وَيَصِيرُ فِيهِ حُمُوضَةٌ، أَوْ دُوغًا وَهُوَ بِضَمِّ الدَّالِ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ لَبَنٌ ثَخِينٌ نُزِعَ زَبَدُهُ وَذَهَبَتْ مَائِيَّتُهُ، أَوْ مَاشَتًا وَهُوَ بِشِينٍ مُعْجَمَةٍ، وَتَاءٍ مُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ: لَبَنُ ضَأْنٍ مَخْلُوطٍ بِلَبَنِ مَعْزٍ حَنِثَ لِصِدْقِ اسْمِ اللَّبَنِ عَلَى ذَلِكَ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ مِنْ نَعَمٍ أَوْ مِنْ صَيْدٍ. قَالَ الرُّويَانِيُّ: أَوْ آدَمِيٍّ أَوْ خَيْلٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَكَلَ لُوزًا، وَهُوَ بِضَمِّ اللَّامِ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ وَبِالزَّايِ شَيْءٌ بَيْنَ الْجُبْنِ وَاللَّبَنِ الْجَامِدِ نَحْوُ الَّذِي يُسَمُّونَهُ فِي بِلَادِ مِصْرَ قَرِيشَةً، أَوْ مَصْلًا، وَهُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ شَيْءٌ يُتَّخَذُ مِنْ مَاءِ اللَّبَنِ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا أَرَادُوا أَقِطًا أَوْ غَيْرَهُ جَعَلُوا اللَّبَنَ فِي وِعَاءٍ مِنْ صُوفٍ أَوْ خُوصٍ أَوْ كِرْبَاسٍ وَنَحْوِهِ فَيَنِزُّ مَاؤُهُ فَهُوَ الْمَصْلُ، أَوْ جُبْنًا، وَتَقَدَّمَ ضَبْطُهُ فِي بَابِ السَّلَمِ أَوْ كَشْكًا وَهُوَ بِفَتْحِ الْكَافِ مَعْرُوفٌ، أَوْ أَقِطًا أَوْ سَمْنًا، إذْ لَا يَصْدُقُ عَلَى ذَلِكَ اسْمُ اللَّبَنِ، وَأَمَّا الزَّبَدُ فَإِنْ ظَهَرَ فِيهِ لَبَنٌ فَلَهُ حُكْمُهُ وَإِلَّا فَلَا، وَكَذَا الْقِشْطَةُ كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا، وَالسَّمْنُ وَالزُّبْدُ وَالدُّهْنُ مُتَغَايِرَةٌ، فَالْحَلِفُ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا لَا يَحْنَثُ بِالْبَاقِي لِلِاخْتِلَافِ فِي الِاسْمِ وَالصِّفَةِ، وَلَوْ حَلَفَ عَلَى الزُّبْدِ وَالسَّمْنِ لَا يَحْنَثُ بِاللَّبَنِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ اللِّبَا، وَهُوَ أَوَّلُ اللَّبَنِ وَيَحْدُثُ بِالْوِلَادَةِ لَمْ يَحْنَثْ بِمَا يُحْلَبُ قَبْلَهَا.

(وَلَوْ)(قَالَ) فِي حَلِفِهِ (مُشِيرًا إلَى حِنْطَةٍ) مَثَلًا (لَا آكُلُ هَذِهِ)(حَنِثَ بِأَكْلِهَا عَلَى هَيْئَتِهَا وَبِطَحْنِهَا وَخَبْزِهَا) تَغْلِيبًا لِلْإِشَارَةِ. هَذَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، فَإِنْ نَوَى شَيْئًا حُمِلَ عَلَيْهِ.

تَنْبِيهٌ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَاعْلَمْ أَنَّ كَلَامَهُمْ مُصَرِّحٌ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَأَشْبَاهِهَا بِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْجَمِيعِ، وَقَالُوا: لَوْ قَالَ: لَا آكُلُ هَذَا الرَّغِيفَ لَمْ يَحْنَثْ بِبَعْضِهِ، فَلَوْ بَقِيَ مِنْهُ مَا يُمْكِنُ

ص: 206

وَلَوْ قَالَ لَا آكُلُ هَذِهِ الْحِنْطَةَ حَنِثَ بِهَا مَطْبُوخَةً وَنِيئَةً وَمَقْلِيَّةً لَا بِطَحِينِهَا وَسَوِيقِهَا وَعَجِينِهَا وَخُبْزِهَا، وَلَا يُتَنَاوَلُ رُطَبٌ تَمْرًا وَلَا بُسْرًا، وَلَا عِنَبٌ زَبِيبًا وَكَذَا الْعَكُوسُ.

وَلَوْ قَالَ لَا آكُلُ هَذَا الرُّطَبَ فَتَتَمَّرَ فَأَكَلَهُ، أَوْ لَا أُكَلِّمُ ذَا الصَّبِيَّ فَكَلَّمَهُ شَيْخًا فَلَا حِنْثَ فِي الْأَصَحِّ.

ــ

[مغني المحتاج]

الْتِقَاطُهُ وَأَكْلُهُ لَمْ يَحْنَثْ وَهُوَ يُفْهِمُ الْحِنْثَ فِيمَا إذَا بَقِيَ مَا لَا يُمْكِنُ الْتِقَاطُهُ وَأَكْلُهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْحِنْطَةَ إذَا طُحِنَتْ يَبْقَى فِي ثُقُوبِ الرَّحَى مِنْهَا بَقِيَّةُ دَقِيقٍ وَيَطِيرُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِذَا عُجِنَ يَبْقَى فِي الْمِعْجَنِ غَالِبًا مِنْهَا بَقِيَّةٌ، وَإِذَا أَكَلَ الْخُبْزَ يَبْقَى مِنْهُ فُتَاتٌ صَغِيرٌ، وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يُوجِبُ التَّوَقُّفَ فِي الْحِنْثِ بِأَكْلِ خُبْزِهَا عِنْدَ مَنْ يَنْظُرُ إلَى حَقِيقَةِ اللَّفْظِ وَيَطْرَحُ الْعُرْفَ. وَقَدْ حَكَى أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي فَوَائِدِ رِحْلَتِهِ. قَالَ: وَكُنْتُ أَجْلِسُ كَثِيرًا فِي مَجْلِسِ الشَّاشِيِّ يَعْنِي صَاحِبَ الْحِلْيَةِ، فَيَأْتِي إلَيْهِ الرَّجُلُ يَقُولُ: حَلَفْتُ بِالطَّلَاقِ أَنْ لَا أَلْبِسَ هَذَا الثَّوْبَ، وَقَدْ احْتَجْتُ إلَى لُبْسِهِ، فَيَقُولُ: سَلْ مِنْهُ خَيْطًا فَيَسُلُّ مِنْهُ خَيْطًا مِقْدَارَ الشِّبْرِ أَوْ الْأُصْبُعِ. ثُمَّ يَقُولُ: الْبَسْ لَا شَيْءَ عَلَيْكَ اهـ. وَعَلَى هَذَا إذَا تَحَقَّقَ ذَهَابُ مَا ذَكَرَ لَا يَحْنَثُ (وَلَوْ) صَرَّحَ فِي حَلِفِهِ بِالْإِشَارَةِ مَعَ اسْمٍ كَأَنْ (قَالَ: لَا آكُلُ هَذِهِ الْحِنْطَةَ حَنِثَ بِهَا مَطْبُوخَةً) مَعَ بَقَاءِ حَيَاتِهَا (وَنِيئَةً وَمَقْلِيَّةً) بِفَتْحِ الْمِيمِ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ لَمْ يَزُلْ. فَإِنْ هُرِسَتْ فِي طَبْخِهَا لَمْ يَحْنَثْ لِزَوَالِ اسْمِ الْحِنْطَةِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ (لَا بِطَحِينِهَا وَسَوِيقِهَا وَعَجِينِهَا وَخُبْزِهَا) بِضَمِّ الْخَاءِ لِزَوَالِ الِاسْمِ وَالصُّورَةِ.

تَنْبِيهٌ لَوْ أَخَّرَ اسْمَ الْإِشَارَةِ كَأَنْ قَالَ: لَا آكُلُ الْحِنْطَةَ هَذِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْإِشَارَةِ (وَلَا يُتَنَاوَلُ رُطَبٌ) بِضَمِّ الرَّاءِ حَلَفَ عَلَى أَكْلِهِ (تَمْرًا وَلَا بُسْرًا) بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَلَا بَلَحًا (وَلَا) يُتَنَاوَلُ (عِنَبٌ زَبِيبًا، وَكَذَا الْعَكُوسُ) لِهَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ، فَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ التَّمْرِ مَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا، وَكَذَا الْبَاقِي لِاخْتِلَافِهِمَا اسْمًا وَصِفَةً.

تَنْبِيهٌ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا أَوْ بُسْرًا فَأَكَلَ مُنَصِّفًا، وَهُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ الْمُشَدَّدَةِ حَنِثَ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا، فَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا فَأَكَلَ غَيْرَ الرُّطَبِ مِنْهُ فَقَطْ، أَوْ لَا يَأْكُلُ بُسْرًا فَأَكَلَ الرُّطَبَ مِنْهُ فَقَطْ لَمْ يَحْنَثْ. قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: ثَمَرُ النَّخْلِ أَوَّلُهُ طَلْعٌ وَكَافُورٌ، ثُمَّ خَلَالٌ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ الْمُخَفَّفَةِ، ثُمَّ بَلَحٌ، ثُمَّ بُسْرٌ، ثُمَّ رُطَبٌ، ثُمَّ تَمْرٌ، فَإِذَا بَلَغَ الْإِرْطَابُ نِصْفَ الْبُسْرَةِ قِيلَ مُنَصِّفَةٌ، فَإِنْ بَدَا مِنْ ذَنَبِهَا وَلَمْ يَبْلُغْ النِّصْفَ قِيلَ مُذَنِّبَةٌ بِكَسْرِ النُّونِ، وَيُقَالُ فِي الْوَاحِدَةِ بُسْرَةٌ بِإِسْكَانِ السِّينِ وَضَمِّهَا، وَالْجَمْعُ بُسْرٌ بِضَمِّ السِّينِ وَبُسُرَاتٌ، وَأَبْسَرَ النَّخْلُ صَارَ ثَمَرُهُ بُسْرًا، وَهَلْ يَتَنَاوَلُ الْبُسْرُ الْمُشَدَّخَ وَهُوَ مَا لَمْ يَتَرَطَّبْ بِنَفْسِهِ، بَلْ عُولِجَ حَتَّى تَرَطَّبَ وَهُوَ الْمُسَمَّى فِي مِصْرَ بِالْمَعْمُولِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فِيهِ نَظَرٌ، وَقَدْ ذَكَرُوا فِي السَّلَمِ أَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ إلَيْهِ فِي رُطَبٍ فَأَحْضَرَ إلَيْهِ مُشَدَّخًا لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الرُّطَبِ.

(وَلَوْ)(قَالَ) الْحَالِفُ (لَا آكُلُ هَذَا الرُّطَبَ فَتَتَمَّرَ) أَيْ صَارَ تَمْرًا (فَأَكَلَهُ أَوْ لَا أُكَلِّمُ ذَا الصَّبِيَّ) وَأَطْلَقَ (فَكَلَّمَهُ شَيْخًا)(فَلَا حِنْثَ فِي الْأَصَحِّ) لِزَوَالِ الِاسْمِ كَمَا فِي الْحِنْطَةِ،

ص: 207

وَالْخُبْزُ يَتَنَاوَلُ كُلَّ خُبْزٍ كَحِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ وَأَرُزٍّ وَبَاقِلَّا وَذُرَةً وَحِمَّصٍ، فَلَوْ ثَرَدَهُ فَأَكَلَهُ حَنِثَ،

ــ

[مغني المحتاج]

وَالثَّانِي: يَحْنَثُ لِبَقَاءِ الصُّورَةِ، وَإِنْ تَغَيَّرَتْ الصِّفَةُ كَمَا لَوْ قَالَ: لَا آكُلُ هَذَا اللَّحْمَ فَجَعَلَهُ شِوَاءً وَأَكَلَهُ. أَمَّا إذَا قَصَدَ الِامْتِنَاعَ مِنْ أَكْلِ هَذِهِ الثَّمَرَةِ وَكَلَامِ هَذَا الشَّخْصِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ، وَإِنْ تَبَدَّلَتْ الصِّفَةُ وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي نَظَائِرِ هَذَا كَمَا لَوْ قَالَ: لَا آكُلُ مِنْ هَذَا الْبُسْرِ فَصَارَ رُطَبًا، أَوْ الْعِنَبِ فَصَارَ زَبِيبًا، أَوْ الْعَصِيرِ فَصَارَ خَمْرًا، أَوْ هَذِهِ الْخَمْرِ فَصَارَ خَلًّا، أَوْ لَا آكُلُ مِنْ لَحْمِ هَذِهِ السَّخْلَةِ أَوْ الْخَرُوفِ فَصَارَ كَبْشًا فَذَبَحَهُ وَأَكَلَهُ أَوْ لَا أُكَلِّمُ هَذَا الْعَبْدَ فَعَتَقَ.

تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ: شَيْخًا يُوهِمُ أَنَّهُ لَوْ كَلَّمَهُ بَالِغًا يَحْنَثُ وَلَيْسَ مُرَادًا، فَلَوْ عَبَّرَ بِالْبَالِغِ لَدَلَّ عَلَى الشَّيْخِ مِنْ بَابِ أَوْلَى، وَلَوْ قَالَ مُشِيرًا إلَى سَخْلَةٍ لَا آكُلُ مِنْ لَحْمِ هَذِهِ الْبَقَرَةِ حَنِثَ بِأَكْلِهَا تَغْلِيبًا لِلْإِشَارَةِ.

(وَالْخُبْزُ) فِي حَلِفِهِ عَلَى أَكْلِهِ (يَتَنَاوَلُ كُلَّ خُبْزٍ كَحِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ) بِفَتْحِ الشِّينِ أَفْصَحُ مِنْ كَسْرِهَا (وَأَرُزٍّ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الزَّايِ (وَبَاقِلَّا) بِتَشْدِيدِ اللَّامِ مَعَ الْقَصْرِ اسْمٌ لِلْفُولِ (وَذُرَةً) بِإِعْجَامِ الذَّالِ بِخَطِّهِ وَهِيَ الدُّهْنُ، وَتَكُونُ سَوْدَاءَ وَبَيْضَاءَ (وَحِمَّصٍ) بِكَسْرِ الْحَاءِ بِخَطِّهِ، وَيَجُوزُ فَتْحُ الْمِيمِ وَكَسْرُهَا، وَسَائِرُ الْمُتَّخَذِ مِنْ الْحُبُوبِ كَالْعَدَسِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَعْضُهَا مَعْهُودًا بِبَلَدِهِ، لِأَنَّ الْجَمِيعَ خُبْزٌ وَاللَّفْظُ بَاقٍ عَلَى مَدْلُولِهِ مِنْ الْعُمُومِ، وَعَدَمُ الِاسْتِعْمَالِ لَا يُوجِبُ تَخْصِيصًا لِوُجُودِ الِاسْمِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِكُلِّ ثَوْبٍ وَإِنْ لَمْ يَعْهَدْهُ بِبَلَدِهِ، وَخُبْزُ الْمَلَّةِ وَهِيَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ الرَّمَادُ الْحَارُّ كَغَيْرِهِ (فَلَوْ ثَرَدَهُ) بِالْمُثَلَّثَةِ مُخَفَّفًا (فَأَكَلَهُ حَنِثَ) وَكَذَا لَوْ ابْتَلَعَهُ بِلَا مَضْغٍ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا هُنَا، وَفِي الطَّلَاقِ فِيهَا أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِالْبَلْعِ إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ فَعُدَّ ذَلِكَ تَنَاقُضًا.

وَأَجَابَ شَيْخِي عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ مَا فِي الطَّلَاقِ مَبْنِيٌّ عَلَى اللُّغَةِ، وَالْبَلْعُ فِيهَا لَا يُسَمَّى أَكْلًا، وَالْأَيْمَانُ مَبْنَاهَا عَلَى الْعُرْفِ، وَالْبَلْعُ فِيهَا يُسَمَّى أَكْلًا، وَالْجَمْعُ أَوْلَى مِنْ تَضْعِيفِ أَحَدِ الْمَوْضِعَيْنِ، وَلَوْ جَعَلَهُ فِي مَرَقَةٍ حَسْوًا؛ أَيْ مَائِعًا يُشْرَبُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، أَوْ فَتِيتَا وَهُوَ الْخُبْزُ يُفَتُّ فِي الْمَاءِ بِحَيْثُ يَبْقَى فِيهِ كَالْحَسْوِ فَشَرِبَ الْحَسْوَ أَوْ الْفَتِيتَ، وَيُقَالُ فِيهِ الْفَتُوتَ بِفَتْحِ الْفَاءِ فِيهِمَا لَمْ يَحْنَثْ بِهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يُسَمَّى خُبْزًا.

قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَوْ دَقَّ الْخُبْزَ الْيَابِسَ ثُمَّ أَكَلَهُ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ اسْتَجَدَّ اسْمًا آخَرَ كَالدَّقِيقِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْجَوْزَيْنَقِ فِي الْأَصَحِّ، وَهُوَ الْقَطَائِفُ الْمَحْشُوَّةُ بِالْجَوْزِ، وَمِثْلُهُ اللَّوْزَيْنَقِ، وَهُوَ الْقَطَائِفُ الْمَحْشُوَّةُ بِاللُّوزِ. قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ مَقْلِيٌّ، وَأَخَذَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الضَّابِطَ فِي الْخُبْزِ كُلُّ مَا خُبِزَ لَا مَا قُلِيَ. قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ: فَأَمَّا الْبُقْسُمَاطُ وَالْبَسِيسُ وَالرُّقَاقُ وَبَيْضٌ لِذَلِكَ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: أَمَّا الْبُقْسُمَاطُ فَسَمَّاهُ الْجَوْهَرِيُّ خُبْزًا، وَالرُّقَاقُ فِي مَعْنَاهُ. نَعَمْ أَهْلُ الْعُرْفِ لَا يُسَمُّونَ ذَلِكَ خُبْزًا. وَأَمَّا الْبَسِيسُ فَهُوَ أَنْ يُلَتَّ السَّوِيقُ أَوْ الدَّقِيقُ أَوْ الْأَقِطُ الْمَطْحُونُ بِالسَّمْنِ أَوْ بِالزَّيْتِ ثُمَّ يُؤْكَلُ، مِنْ غَيْرِ طَبْخٍ، كَذَا ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَأَنْشَدَ عَلَيْهِ:

لَا تَخْبِزْ خُبْزًا

وَبَسًّا بَسًّا

ص: 208

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ سَوِيقًا فَسَفَّهُ أَوْ تَنَاوَلَهُ بِأُصْبُعٍ حَنِثَ، وَإِنْ جَعَلَهُ فِي مَاءٍ فَشَرِبَهُ فَلَا، أَوْ لَا يَشْرَبُهُ فَبِالْعَكْسِ.

أَوْ لَا يَأْكُلُ لَبَنًا أَوْ مَائِعًا آخَرَ وَأَكَلَهُ بِخُبْزٍ حَنِثَ، أَوْ شَرِبَهُ فَلَا، أَوْ لَا يَشْرَبُهُ فَبِالْعَكْسِ.

أَوْ لَا يَأْكُلُ سَمْنًا فَأَكَلَهُ بِخُبْزٍ جَامِدًا أَوْ ذَائِبًا حَنِثَ،

ــ

[مغني المحتاج]

وَإِذَا عَلِمْت مَا ذَكَرَهُ تَفْسِيرًا وَاسْتِدْلَالًا قَطَعْتُ بِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِالْبَسِيسِ اهـ.

وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: يَظْهَرُ الْحِنْثُ بِالرُّقَاقِ وَالْبُقْسُمَاطِ، وَكَذَا بِبَسِيسٍ أَوْ خُبْزٍ، لَا إنْ قُلِيَ بِشَيْرَجٍ. قَالَ: وَالْمُرَادُ بِهِ أَيْ بِمَا يُخْبَزُ مَا يَتَعَاطَاهُ أَهْلُ الشَّامِ مِنْ أَنَّهُمْ يَعْجِنُونَ دَقِيقًا وَيَخْبِزُونَهُ قَبْلَ أَنْ يَخْتَمِرَ ثُمَّ يَبُسُّونَهُ بِغِرْبَالٍ وَنَحْوِهِ وَيُضِيفُونَ إلَيْهِ سَمْنًا، وَقَدْ يُزَادُ عَسَلًا أَوْ سُكَّرًا اهـ.

وَقَوْلُهُ: إلَّا إنْ قُلِيَ فِيهِ إشَارَةً إلَى الضَّابِطِ الْمَذْكُورِ، وَعَلَيْهِ يَحْنَثُ بِالْكُنَافَةِ وَلَا يَحْنَثُ بِالزَّلَابِيَةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، بَلْ رَجَّحَ الْأُشْمُونِيُّ فِي بَسْطِ الْأَنْوَارِ أَنَّ الْبُقْسُمَاطَ وَنَحْوَهُ لَا يُسَمَّى خُبْزًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّابِطَ فِي ذَلِكَ الْعُرْفُ، لَا مَا يُخْبَزُ وَيُقْلَى. وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: يَنْبَغِي الْحِنْثُ فِي الْجَمِيعِ إنْ اعْتَمَدْنَا اللُّغَةَ، وَعَدَمُهُ إنْ اعْتَمَدْنَا الْعُرْفَ (وَ) الْأَفْعَالُ الْمُخْتَلِفَةُ الْأَجْنَاسِ كَالْأَعْيَانِ لَا يَتَنَاوَلُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَالشُّرْبُ لَيْسَ أَكْلًا وَلَا عَكْسَهُ، فَعَلَى هَذَا (لَوْ)(حَلَفَ لَا يَأْكُلُ سَوِيقًا فَسَفَّهُ، أَوْ تَنَاوَلَهُ بِأُصْبُعٍ) مَبْلُولَةٍ أَوْ نَحْوِهَا (حَنِثَ) لِأَنَّهُ يُعَدُّ أَكْلًا.

تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي حُصُولِ اسْمِ الْأَكْلِ الْمَضْغُ، بَلْ يَكْفِي الْبَلْعُ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّلَاقِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: فَلَوْ ثَرَدَهُ (وَإِنْ جَعَلَهُ) أَيْ السَّوِيقَ (فِي مَاءٍ) أَوْ مَائِعٍ أَوْ غَيْرِهِ حَتَّى انْمَاعَ (فَشَرِبَهُ فَلَا) لِعَدَمِ الْأَكْلِ. فَإِنْ كَانَ خَائِرًا بِحَيْثُ يُؤْخَذُ مِنْهُ بِالْيَدِ حَنِثَ (أَوْ) حَلَفَ (لَا يَشْرَبُهُ) أَيْ السَّوِيقَ (فَبِالْعَكْسِ) فَيَحْنَثُ فِي الثَّانِيَةِ لِوُجُودِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ دُونَ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْرَبْهُ.

فُرُوعٌ: لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ سَوِيقًا وَلَا يَشْرَبُهُ فَذَاقَهُ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَذُوقُ شَيْئًا فَمَضَغَهُ وَلَفَظَهُ حَنِثَ؛ لِأَنَّ الذَّوْقَ مَعْرِفَةُ الطَّعْمِ وَقَدْ حَصَلَ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ وَلَا يَذُوقُ فَأَوْجَرَ فِي حَلْقِهِ وَبَلَغَ جَوْفَهُ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ وَلَمْ يَذُقْ، أَوْ لَا يُطْعَمُ حَنِثَ بِالْإِيجَارِ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ بِاخْتِيَارِهِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ لَأَجْعَلَنَّهُ لِي طَعَامًا وَقَدْ جَعَلَهُ لِي طَعَامًا، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الْعِنَبَ أَوْ الرُّمَّانَ فَامْتَصَّهُ وَلَمْ يَزْدَرِدْ شَيْئًا مِنْ تُفْلِهِ لَمْ يَحْنَثْ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَصَبُ كَذَلِكَ، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ.

(أَوْ) حَلَفَ (لَا يَأْكُلُ لَبَنًا أَوْ مَائِعًا آخَرَ) كَالزَّيْتِ (وَأَكَلَهُ بِخُبْزٍ)(حَنِثَ) لِأَنَّهُ كَذَلِكَ يُؤْكَلُ (أَوْ شَرِبَهُ فَلَا) يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْهُ (أَوْ) حَلَفَ (لَا يَشْرَبُهُ فَبِالْعَكْسِ) فَيَحْنَثُ بِالثَّانِيَةِ لِوُجُودِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ دُونَ الْأُولَى لِعَدَمِهِ.

تَنْبِيهٌ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ السُّكَّرَ فَوَضَعَهُ بِفِيهِ وَذَابَ وَابْتَلَعَهُ لَمْ يَحْنَثْ، وَلَا يَحْنَثُ بِمَا اتَّخَذَ مِنْهُ إلَّا إنْ نَوَى، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي التَّمْرِ وَالْعَسَلِ وَنَحْوِهِمَا.

(أَوْ) حَلَفَ (لَا يَأْكُلُ سَمْنًا فَأَكَلَهُ بِخُبْزٍ جَامِدًا أَوْ ذَائِبًا) بِمُعْجَمَةٍ بِخَطِّهِ (حَنِثَ) لِأَنَّهُ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ وَذَابَ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ حَلَفَ لَا

ص: 209

وَإِنْ شَرِبَ ذِائْبًا فَلَا، وَإِنْ أَكَلَهُ فِي عَصِيدَةٍ حَنِثَ إنْ كَانَتْ عَيْنُهُ ظَاهِرَةً.

وَيَدْخُلُ فِي فَاكِهَةٍ رُطَبٌ وَعِنَبٌ وَرُمَّانٌ

ــ

[مغني المحتاج]

يَدْخُلُ عَلَى زَيْدٍ فَدَخَلَ عَلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍو. فَإِنْ قِيلَ: بَلْ يُشْبِهُ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مَا اشْتَرَاهُ زَيْدٌ فَأَكَلَ مِمَّا اشْتَرَاهُ زَيْدٌ وَعَمْرٌو فَلَا يَحْنَثُ كَمَا قَالَهُ الْإِصْطَخْرِيُّ.

أُجِيبَ بِأَنَّهُ هَهُنَا آكِلٌ لَهُ بِخِلَافِهِ ثَمَّ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِآكِلٍ مَا اشْتَرَاهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ (وَإِنْ شَرِبَ) هـ ذَائِبًا (فَلَا) يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْهُ (وَإِنْ أَكَلَهُ فِي عَصِيدَةٍ) وَهِيَ كَمَا قَالَهُ ابْنُ مَالِكٍ: دَقِيقٌ يُلَتُّ بِسَمْنٍ وَيُطْبَخُ. قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: سُمِّيَتْ بِذَاكَ؛ لِأَنَّهَا تُعْصَدُ بِآلَةٍ أَيْ تُلْوَى (حَنِثَ إنْ كَانَتْ عَيْنُهُ ظَاهِرَةً) بِحَيْثُ يَرَى جُرْمَهُ بِأَنْ بَقِيَ لَوْنُهُ وَطَعْمُهُ لِمَا مَرَّ. فَإِنْ كَانَتْ عَيْنُهُ مُسْتَهْلَكَةً فَلَا، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُهُ فَشَرِبَهُ صَرْفًا حَنِثَ وَإِنْ مَزَجَهُ بِغَيْرِهِ حَنِثَ إنْ غَلَبَ عَلَى غَيْرِهِ بِلَوْنِهِ وَطَعْمِهِ، وَلَمْ يَحْنَثْ إنْ غَلَبَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ بِلَوْنِهِ وَطَعْمِهِ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، فَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ أَحَدُهُمَا فَيَنْبَغِي كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، أَنَّهُ يَحْنَثُ، وَلَوْ جَعَلَ الْخَلَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ فِي سِكْبَاجٍ فَظَهَرَ لَوْنُهُ وَطَعْمُهُ حَنِثَ، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ فَلَا.

فُرُوعٌ: لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ هَذَا الْكُوزِ فَجَعَلَ مَاءَهُ فِي غَيْرِهِ وَشَرِبَهُ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ تَعَلَّقَتْ بِالشُّرْبِ مِنْ الْكُوزِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ هَذَا النَّهْرِ مَثَلًا، أَوْ لَأَشْرَبَنَّ مِنْهُ فَشَرِبَ مِنْ مَائِهِ فِي كُوزٍ حَنِثَ فِي الْأَوَّلِ وَبَرَّ فِي الثَّانِي وَإِنْ قَلَّ مَا شَرِبَهُ، أَوْ حَلَفَ لَا أَشْرَبُ أَوْ لَأَشْرَبَنَّ مَاءَ هَذَا الْكُوزِ، أَوْ الْإِدَاوَةِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ شُرْبًا فِي زَمَانٍ وَإِنْ طَالَ لَمْ يَحْنَثْ فِي الْأَوَّلِ وَلَمْ يَبَرَّ فِي الْحَالِ فِي الثَّانِي بِشُرْبِ بَعْضِهِ، بَلْ بِشُرْبِ الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ مُعَرَّفٌ بِالْإِضَافَةِ فَيَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ. قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَلَوْ قَالَ لَا أَشْرَبُ مَاءَ النِّيلِ، أَوْ مَاءَ هَذَا النَّهْرِ، أَوْ الْغَدِيرِ لَمْ يَحْنَثْ بِشُرْبِ بَعْضِهِ، هَذَا هُوَ الصَّوَابُ. وَاَلَّذِي وَقَعَ فِي الرَّوْضَةِ بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ عَكْسُ ذَلِكَ: سَبْقُ قَلَمٍ اهـ.

وَلَوْ حَلَفَ لَيَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ غَدًا حَنِثَ فِي الْغَدِ، لِأَنَّ الْيَمِينَ مَعْقُودَةٌ عَلَى الصُّعُودِ فِيهِ، فَإِنْ لَمْ يَقُلْ غَدًا حَنِثَ فِي الْحَالِ، وَلَأَشْرَبَنَّ مَا فِي هَذَا الْكُوزِ وَكَانَ فَارِغًا وَهُوَ عَالِمٌ بِفَرَاغِهِ، أَوْ لَأَقْتُلَنَّ زَيْدًا وَهُوَ عَالِمٌ بِمَوْتِهِ حَنِثَ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ مُتَحَقِّقٌ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَاءٌ فَانْصَبَّ مِنْهُ قَبْلَ إمْكَانِ شُرْبِهِ فَكَالْمُكْرَهِ، أَوْ لَأَشْرَبَنَّ مِنْهُ فَصَبَّهُ فِي مَاءٍ وَشَرِبَ مِنْهُ بَرَّ إنْ عَلِمَ وُصُولَهُ إلَيْهِ، وَلَوْ حَلَفَ لَيَشْرَبَنَّهُ مِنْ الْكُوزِ فَصَبَّهُ فِي مَاءٍ وَشَرِبَهُ أَوْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَبَرَّ وَإِنْ عَلِمَ وُصُولَهُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْرَبْهُ مِنْ الْكُوزِ فِيهَا، وَلَمْ يَشْرَبْهُ جَمِيعَهُ فِي الثَّانِيَةِ.

وَلَوْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَشْرَبُ مَاءَ هَذَا النَّهْرِ أَوْ نَحْوَهُ، أَوْ لَا يَأْكُلُ خُبْزَ الْكُوفَةِ وَنَحْوِهَا، أَوْ لَا يَصْعَدُ السَّمَاءَ لَمْ تَنْعَقِدْ يَمِينُهُ؛ لِأَنَّ الْحِنْثَ فِي ذَلِكَ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ، وَفَارَقَ مَا لَوْ حَلَفَ أَنَّهُ فَعَلَ كَذَا أَمْسِ وَهُوَ صَادِقٌ حَيْثُ يَنْعَقِدُ يَمِينُهُ وَإِنْ لَمْ يُتَصَوَّرْ فِيهِ الْحِنْثُ بِأَنَّ الْحَلِفَ ثَمَّ مُحْتَمِلٌ لِلْكَذِبِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَاءً فُرَاتًا، أَوْ مِنْ مَاءٍ فُرَاتٍ حَنِثَ بِالْمَاءِ الْعَذْبِ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ لَا بِالْمِلْحِ، أَوْ مِنْ مَاءِ الْفُرَاتِ حُمِلَ عَلَى النَّهْرِ الْمَعْرُوفِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ الْمَاءَ حَنِثَ بِكُلِّ مَاءٍ حَتَّى مَاءِ الْبَحْرِ وَشُرْبِ مَاءِ الثَّلْجِ وَالْجُمْدِ لَا أَكْلِهِمَا، فَشُرْبُهُمَا غَيْرُ أَكْلِهِمَا، وَأَكْلُهُمَا غَيْرُ شُرْبِهِمَا وَالثَّلْجُ غَيْرُ الْجُمْدِ.

(وَيَدْخُلُ فِي فَاكِهَةٍ) حَلَفَ لَا يَأْكُلُهَا (رُطَبٌ وَعِنَبٌ وَرُمَّانٌ) وَتُفَّاحٌ

ص: 210

وَأُتْرُجٌّ وَرُطَبٌ وَيَابِسٌ. قُلْتُ: وَلَيْمُونٌ وَنَبْقٌ وَكَذَا بِطِّيخٌ وَلُبُّ فُسْتُقٍ وَبُنْدُقٍ وَغَيْرُهُمَا فِي الْأَصَحِّ،

ــ

[مغني المحتاج]

وَسَفَرْجَلٌ وَكُمَّثْرَى وَمِشْمِشٌ وَخَوْخٌ (وَأُتْرُجٌّ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ، وَيُقَالُ فِيهِ أُتْرُنْجٌ بِالنُّونِ وَتُرُجٌّ (وَرُطَبٌ وَيَابِسٌ) كَتَمْرٍ وَزَبِيبٍ وَتِينٍ يَابِسٍ وَمُفَلَّقٍ وَخَوْخٍ وَمِشْمِشٍ لِوُقُوعِ الِاسْمِ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْفَاكِهَةَ مَا يُتَفَكَّهُ بِهَا أَيْ مَا يُتَنَعَّمُ بِأَكْلِهَا أَوْ لَا يَكُونُ قُوتًا كَمَا قَالَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ، وَفِي شُمُولِ الْفَاكِهَةِ لِلزَّيْتُونِ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا عَدَمُ الشُّمُولِ، وَشَرَطَ الزُّبَيْدِيُّ فِي الْفَاكِهَةِ النُّضْجَ. قَالَ: فَلَوْ تَنَاوَلَهُ قَبْلَ إدْرَاكِهِ وَنُضْجِهِ وَطِيبِهِ لَمْ يَكُنْ عِنْدِي حَانِثًا، وَلَا أَحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ فِيهِ شَيْئًا، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ رَأَيْته؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْغِذَاءِ وَلَا الطَّعَامِ، بَلْ هُوَ كَوَرَقِ الشَّجَرِ لَا يَدْخُلُ فِي التَّفَكُّهِ اهـ.

وَجَزَمَ بِهَذَا شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَلَمْ يَعْزُهُ لِأَحَدٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ.

تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَدَمُ دُخُولِ الْبَلَحِ وَالْحُصْرُمِ فِي ذَلِكَ وَبِهِ صَرَّحَ الْمُتَوَلِّي، وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ فِي الْبَلَحِ فِي غَيْرِ الَّذِي احْمَرَّ وَاصْفَرَّ وَحَلَا وَصَارَ بُسْرًا، أَوْ تَرَطَّبَ بَعْضُهُ وَلَمْ يَصِرْ رُطَبًا. فَأَمَّا مَا وَصَلَ إلَى هَذِهِ الْحَالَةِ فَلَا تَوَقُّفَ أَنَّهُ مِنْ الْفَاكِهَةِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الرُّطَبَ وَالْعِنَبَ وَالرُّمَّانَ لِأَجْلِ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِ فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يَحْنَثُ بِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن: 68] وَمَيَّزَ الْعِنَبَ عَنْ الْفَاكِهَةِ فِي سُورَةِ عَبَسَ، وَالْعَطْفُ يَقْتَضِي الْمُغَايِرَةَ. قَالَ الْوَاحِدِيُّ وَالْأَزْهَرِيُّ: وَهُوَ خِلَافُ إجْمَاعِ أَهْلِ اللُّغَةِ، فَإِنَّ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ عَطْفُ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ كَقَوْلِهِ:{وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} [البقرة: 98] فَمَنْ قَالَ: لَيْسَا مِنْ الْمَلَائِكَةِ فَهُوَ كَافِرٌ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَهْذِيبِهِ: لَا تَعَلُّقَ فِيهَا لِمَنْ أَخْرَجَ النَّخْلَ وَالرُّمَّانَ مِنْ الْفَاكِهَةِ؛ لِأَنَّهَا نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ تَصْلُحُ لِلْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، فَلَمَّا عَطَفَ عَلَيْهَا أَشْعَرَ بِأَنَّهُ رُبَّمَا لَمْ يَدْخُلَا فِي قَوْلِهِ فَاكِهَةً وَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا خُرُوجُهُمَا مِنْ جِنْسِ الْفَاكِهَةِ كُلِّهَا وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْمَطْلَبِ، وَاعْتَرَضَ بِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ نَكِرَةً فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ، فَإِنَّهَا فِي سِيَاقِ الِامْتِنَانِ، وَهِيَ تَعُمُّ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ فِي الْأُصُولِ فَالصَّوَابُ أَنَّهُ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ (قُلْتُ) أَخْذًا مِنْ الرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحِ (وَلَيْمُونٌ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَإِثْبَاتِ النُّونِ فِي آخِرِهِ، الْوَاحِدَةُ لَيْمُونَةٌ نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ وَغَلِطَ مَنْ نَفَى النُّونَ مُنْكِرًا عَلَى الْمُصَنِّفِ إثْبَاتَهَا. وَقَالَ الْمَعْرُوفُ: لَيْمُو بِحَذْفِ النُّونِ، وَمِثْلُهُ النَّارِنْجُ وَمَحِلُّهُ فِي الطَّرِيِّينَ كَمَا قَيَّدَهُ الْفَارِقِيُّ فَالْمُمَلَّحُ مِنْهُمَا لَيْسَ بِفَاكِهَةٍ، وَالْيَابِسُ مِنْهُمَا أَوْلَى بِذَلِكَ بَلْ قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ الطَّرِيَّ مِنْهُمَا لَيْسَ بِفَاكِهَةٍ عُرْفًا، وَإِنَّمَا يُصْلَحُ بِهِ بَعْضُ الْأَطْعِمَةِ كَالْخَلِّ (وَ) يَدْخُلُ أَيْضًا فِي فَاكِهَةٍ (نَبْقٌ) طَرِيَّةٌ وَيَابِسَةٌ، وَهُوَ بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِكَسْرِهَا وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ فِي خَطِّهِ: ثَمَرُ حَمْلِ السِّدْرِ (وَكَذَا بِطِّيخٌ) بِكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِهَا (وَلُبُّ فُسْتُقٍ) وَهُوَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَضَمِّهَا بِخَطِّهِ اسْمُ جِنْسٍ، وَالْوَاحِدَةُ فُسْتُقَةٌ (وَ) لُبُّ (بُنْدُقٍ) بِمُوَحَّدَةٍ وَدَالٍ مَضْمُومَتَيْنِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ بِالْفَاءِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ (وَغَيْرُهُمَا) مِنْ اللُّبُوبِ كَلُبِّ لَوْزٍ وَجَوْزٍ (فِي الْأَصَحِّ) أَمَّا

ص: 211

لَا قِثَّاءٌ وَخِيَارٌ وَبَاذِنْجَانٌ وَجَزَرٌ، وَلَا يَدْخُلُ فِي الثِّمَارِ يَابِسٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَوْ أَطْلَقَ بِطِّيخٌ وَتَمْرٌ وَجَوْزٌ لَمْ يَدْخُلْ هِنْدِيٌّ.

وَالطَّعَامُ يَتَنَاوَلُ قُوتًا وَفَاكِهَةً وَأُدْمًا وَحَلْوَى.

ــ

[مغني المحتاج]

الْبِطِّيخُ فَلِأَنَّ لَهُ نُضْجًا وَإِدْرَاكًا كَالْفَوَاكِهِ. وَأَمَّا اللُّبُوبُ فَإِنَّهَا تُعَدُّ مِنْ يَابِسِ الْفَوَاكِهِ. وَالثَّانِي: الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعَدُّ فِي الْعُرْفِ فَاكِهَةً، وَاخْتَارَهُ الْأَذْرَعِيُّ (لَا قِثَّاءٌ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَضَمِّهَا وَبِمُثَلَّثَةٍ مَعَ الْمَدِّ (وَ) لَا (خِيَارٌ، وَ) لَا (بَاذِنْجَانٌ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ (وَ) لَا (جَزَرٌ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا بِخَطِّهِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْخَضْرَاوَاتِ لَا الْفَوَاكِهِ فَأَشْبَهَتْ الْبَقْلَ.

تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْقِثَّاءَ غَيْرُ الْخِيَارِ، وَهُوَ الشَّائِعُ عُرْفًا وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الرِّبَا أَنَّ الْقِثَّاءَ مَعَ الْخِيَارِ جِنْسَانِ، لَكِنَّهُ نَقَلَ فِي تَهْذِيبِهِ عَنْ الْجَوْهَرِيِّ أَنَّ الْقِثَّاءَ الْخِيَارُ وَلَمْ يُنْكِرْهُ. قَالَ الْفَزَارِيّ: وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ الْخِيَارَ لَا يَكُونُ مِنْ الْفَاكِهَةِ مَعَ أَنَّ لُبَّ الْفُسْتُقِ مِنْ الْفَاكِهَةِ وَالْعَادَةُ جَارِيَةٌ بِجَعْلِ الْخِيَارِ فِي أَطْبَاقِ الْفَاكِهَةِ دُونَ الْفُسْتُقِ وَالْبُنْدُقِ (وَلَا يَدْخُلُ فِي) حَلِفِهِ عَلَى عَدَمِ أَكْلِ (الثِّمَارِ) بِمُثَلَّثَةٍ (يَابِسٌ) مِنْهَا (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) فَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ بِخِلَافِ الْفَاكِهَةِ وَيَدْخُلُ فِيهَا يَابِسُهَا، وَفَرَّقَ بِأَنَّ الثَّمَرَ اسْمٌ لِلرَّطْبِ مِنْ الْفَاكِهَةِ وَصَوَّبَ، الْبُلْقِينِيُّ إطْلَاقَهُ عَلَى الْيَابِسِ أَيْضًا. وَقَالَ أَهْلُ الْعُرْفِ: يُطْلِقُونَ عَلَيْهَا ثَمَرًا بَعْدَ الْيُبْسِ (وَلَوْ أَطْلَقَ بِطِّيخٌ وَتَمْرٌ وَجَوْزٌ) فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ وَاحِدًا مِنْهَا (لَمْ يَدْخُلْ) فِي حَلِفِهِ (هِنْدِيٌّ) مِنْهَا فَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ لِلْمُخَالَفَةِ فِي الصُّورَةِ وَالطَّعْمِ، وَكَذَا لَا يَتَنَاوَلُ الْخِيَارُ خِيَارَ الشِّنْبَرِ، وَالْبِطِّيخُ الْهِنْدِيُّ هُوَ الْأَخْضَرُ، وَاسْتُشْكِلَ عَدَمُ الْحِنْثِ بِهِ فِي الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَالشَّامِيَّةِ، فَإِنَّ إطْلَاقَ الْبِطِّيخِ عِنْدَهُمْ عَلَى الْأَخْضَرِ أَكْثَرُ وَأَشْهَرُ فَيَنْبَغِي الْحِنْثُ بِهِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُمَا.

(وَالطَّعَامُ) إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُهُ (يَتَنَاوَلُ قُوتًا وَفَاكِهَةً وَأُدْمًا وَحَلْوَى) لِأَنَّ اسْمَ الطَّعَامِ يَقَعُ عَلَى الْجَمِيعِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ} [آل عمران: 93] .

تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ الطَّعَامَ لَا يَتَنَاوَلُ الدَّوَاءَ وَبِهِ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَاخْتَارَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ، وَفِيهِ وَجْهَانِ فِي الرَّوْضَةِ بِلَا تَرْجِيحٍ وَجَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ دَاخِلًا فِي اسْمِ الطَّعَامِ فِي بَابِ الرِّبَا، وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ هُنَاكَ، وَالْحَلْوَى كُلُّ مَا اُتُّخِذَ مِنْ نَحْوِ عَسَلٍ وَسُكَّرٍ مِنْ كُلِّ حُلْوٍ، وَلَيْسَ جِنْسُهُ حَامِضًا كَدِبْسٍ وَقَنْدٍ وَفَانِيدٍ، لَا عِنَبَ وَإِجَّاصٍ وَرُمَّانَ، أَمَّا السُّكَّرُ وَالْعَسَلُ وَنَحْوُهُمَا فَلَيْسَ بِحَلْوَى بِدَلِيلِ خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «كَانَ يُحِبُّ الْحَلْوَى وَالْعَسَلَ» فَيُشْتَرَطُ فِي الْحَلْوَى أَنْ تَكُونَ مَعْقُودَةً فَلَا يَحْنَثُ إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الْحَلْوَى بِغَيْرِ الْمَعْمُولِ بِخِلَافِ الْحُلْوِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَفِي اللَّوْزَيْنَجِ وَالْجَوْزَيْنَجِ وَجْهَانِ وَالْأَشْبَهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ:

ص: 212

وَلَوْ قَالَ لَا آكُلُ مِنْ هَذِهِ الْبَقَرَةِ تَنَاوَلَ لَحْمَهَا دُونَ وَلَدٍ وَلَبَنٍ، أَوْ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَثَمَرٌ دُونَ وَرَقٍ وَطَرَفِ غُصْنٍ.

[فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ مَنْثُورَةٍ]

ــ

[مغني المحتاج]

الْحِنْثُ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَعُدُّونَهُمَا حَلْوَى. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَمِثْلُهُ مَا يُقَالُ لَهُ الْمُكَفَّنُ وَالْخُشْكَنَانُ وَالْقَطَائِفُ، وَإِذَا قُصِرَتْ الْحَلْوَى كُتِبَتْ بِالْيَاءِ وَإِلَّا فَبِالْأَلِفِ.

فَائِدَةٌ: رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «قَلْبُ الْمُؤْمِنِ حُلْوٌ يُحِبُّ الْحَلْوَى» وَنَازَعَ الْبُلْقِينِيُّ الْمُصَنِّفَ فِي كَوْنِ الطَّعَامِ يَتَنَاوَلُ مَا ذَكَرَ. وَقَالَ عُرْفُ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ: أَنَّ الطَّعَامَ هُوَ الْمَطْبُوخُ فَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِهِ، وَمَنْ أَمَرَ غَيْرَهُ بِشِرَاءِ طَعَامٍ فَاشْتَرَى لَهُ شَيْئًا مِنْ الْحُبُوبِ أَوْ الْفَوَاكِهِ عُدَّ مِنْ الْحَمْقَى وَالْأَيْمَانُ إنَّمَا يُنْظَرُ فِيهَا إلَى اللُّغَةِ إنْ لَمْ يُعَضِّدْهَا عُرْفٌ شَرْعِيٌّ أَوْ عَادِيٌّ. قَالَ: وَنُقِلَ عَنْ عُرْفِ أَهْلِ الْحِجَازِ إطْلَاقُ الطَّعَامِ عَلَى الْبُرِّ، فَإِنْ كَانَ عُرْفُهُمْ هَذَا حُمِلَتْ أَيْمَانُهُمْ عَلَيْهِ اهـ.

وَهَلْ يَدْخُلُ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ وَاللَّحْمُ فِي الْقُوتِ لِمَنْ يَعْتَادُ كُلًّا مِنْهَا أَوْ لَا؟ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا عَدَمُ دُخُولِهَا إذَا لَمْ يُعْتَدْ اقْتِيَاتُهَا بِبَلَدِ الْحَالِفِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اُعْتِيدَ ذَلِكَ أَوْ كَانَ الْحَالِفُ يَقْتَاتُهَا، وَمِنْ الْأُدْمِ الْفُجْلُ، وَالثِّمَارُ، وَالْبَصَلُ، وَالْمِلْحُ، وَالْخَلُّ، وَالشَّيْرَجُ، وَالتَّمْرُ (وَلَوْ) تَعَارَضَ الْمَجَازُ وَالْحَقِيقَةُ الْمُشْتَهِرَةُ قُدِّمَتْ عَلَيْهِ، وَحِينَئِذٍ لَوْ (قَالَ) الْحَالِفُ (لَا آكُلُ مِنْ هَذِهِ الْبَقَرَةِ تَنَاوَلَ لَحْمَهَا) فَيَحْنَثُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ عُرْفًا، وَكَذَا شَحْمُهَا وَكَبِدُهَا وَغَيْرُهُمَا مِمَّا يُؤْكَلُ مِنْهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ، وَإِنْ أَوْهَمَتْ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ الِاقْتِصَارَ عَلَى اللَّحْمِ (دُونَ وَلَدٍ) لَهَا (وَلَبَنٍ) مِنْهَا فَلَا يَحْنَثُ بِهِمَا حَمْلًا عَلَى الْحَقِيقَةِ الْمُتَعَارَفَةِ، وَأَمَّا الْجِلْدُ فَإِنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَكْلِهِ مَسْمُوطًا حَنِثَ بِهِ وَإِلَّا فَلَا، فَإِنْ كَانَ الْمَجَازُ مُشْتَهِرًا قُدِّمَ عَلَى الْحَقِيقَةِ الْمَرْجُوحَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (أَوْ) لَا آكُلُ (مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَثَمَرٌ) مِنْهَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ بِهِ (دُونَ وَرَقٍ وَطَرَفِ غُصْنٍ) مِنْهَا حَمْلًا عَلَى الْمَجَازِ الْمُتَعَارَفِ لِتَعَذُّرِ الْحَمْلِ عَلَى الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّ الْأَغْصَانَ وَالْأَوْرَاقَ لَا تُرَادُ فِي الْعُرْفِ، وَالْجُمَّارُ كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ كَالتَّمْرِ قَالَ: وَإِنْ أُكِلَ الْوَرَقُ فِي بَلْدَةٍ أَكْلًا مُتَعَارَفًا كَوَرَقِ بَعْضِ شَجَرِ الْهِنْدِ، فَقَدْ أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ بِأَنَّهُمْ يَأْكُلُونَهُ وَأَنَّهُ مِثْلُ الْحَلْوَى وَأَحْسَنُ فَيَحْنَثُ بِهِ أَيْضًا اهـ.

فَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ يَكُونُ كَالْجُمَّارِ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَإِنَّمَا قَالُوا فِي التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ لِتَعَذُّرِ الْحَمْلِ عَلَى الْحَقِيقَةِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا كَانَ الْمَجَازُ رَاجِحًا، وَالْحَقِيقَةُ تُتَعَاهَدُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ: كَمَا لَوْ قَالَ: لَأَشْرَبَنَّ مِنْ هَذَا النَّهْرِ، فَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْكَرْعِ بِفِيهِ، وَإِذَا غَرَفَ بِإِنَاءٍ وَشَرِبَ فَهُوَ مَجَازٌ، لِأَنَّهُ شَرِبَ مِنْ الْكُوزِ لَا مِنْ النَّهْرِ. لَكِنَّهُ الْمَجَازُ الرَّاجِحُ الْمُتَبَادَرُ، وَالْحَقِيقَةُ قَدْ تُرَادُ؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ الرِّعَاءِ وَغَيْرُهُمْ يَكْرَعُ بِفِيهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ وَالْبَيْضَاوِيِّ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا قُوَّةٌ لَيْسَتْ فِي الْأُخْرَى، وَهُوَ مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ. فَإِنَّ الرَّافِعِيَّ قَالَ: فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ الْفُرَاتِ يَحْنَثُ سَوَاءٌ أَخَذَ الْمَاءَ بِيَدِهِ أَمْ فِي إنَاءٍ فَشَرِبَ أَوْ كَرَعَ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْكَرْعِ.

ص: 213