المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل في حكم أموال الحربيين] - مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج - جـ ٦

[الخطيب الشربيني]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب السير

- ‌[مَوَانِعِ الْجِهَادِ]

- ‌[فَصْل فِيمَا يُكْرَهُ مِنْ الْغَزْوِ وَمَنْ يَحْرُمُ]

- ‌[فَصْل فِي حُكْمِ مَا يُؤْخَذ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي حُكْمِ أَمْوَالِ الْحَرْبِيِّينَ]

- ‌[فَصْل فِي الْأَمَانِ]

- ‌[كِتَاب عَقْد الْجِزْيَةِ لِلْكُفَّارِ]

- ‌[فَصْل أَقَلُّ الْجِزْيَةِ دِينَارٌ لِكُلِّ سَنَةٍ]

- ‌[فَصْل فِي أَحْكَامِ عَقْدِ الْجِزْيَةِ الزَّائِدَةِ]

- ‌باب الهدنة

- ‌[فَصَلِّ فِي أَحْكَامِ الْهُدْنَةِ]

- ‌كِتَابُ الصَّيْدِ

- ‌[فَصْلٌ فِي شَرْطِ الرُّكْنِ الثَّانِي وَهُوَ الذَّابِحُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ وَهُوَ الذَّبِيحُ]

- ‌[فَصْلٌ ذَبْحُ حَيَوَانٍ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ وَجَرْحُ حَيَوَانٍ غَيْرِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَمْلِكُ بِهِ الصَّيْدَ]

- ‌[كِتَابُ الْأُضْحِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعَقِيقَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْأَطْعِمَةِ]

- ‌كِتَابُ الْمُسَابَقَةِ

- ‌كتاب الإيمان

- ‌[فَصَلِّ صِفَةُ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحَلِفِ عَلَى السُّكْنَى لَا يُقِيمُ فِيهَا وَهُوَ فِيهَا]

- ‌[فَصَلِّ فِي الْحَلِفِ عَلَى أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ]

- ‌[فَصَلِّ فِي مَسَائِلَ مَنْثُورَةٍ]

- ‌[كِتَابُ النَّذْرِ]

- ‌[فَصَلِّ فِيمَنْ نَذْرِ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ هَدْيٍ أَوْ غَيْرِهَا]

- ‌كتاب القضاء

- ‌[فَصَلِّ فِيمَا يَعْرِضُ لِلْقَاضِي مِمَّا يَقْتَضِي عَزْلَهُ أَوْ انْعِزَالَهُ]

- ‌[فَصَلِّ آدَابِ الْقَضَاءِ]

- ‌[فَصَلِّ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ]

- ‌بَابُ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ

- ‌[فَصَلِّ الدَّعْوَى بِعَيْنٍ غَائِبَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ وَالْحُكْمِ بِهَا]

- ‌[فَصَلِّ ضَابِطِ الْغَائِبِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ]

- ‌باب القسمة

- ‌كِتَابُ الشَّهَادَاتِ

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُعْتَبَرُ فِيهِ شَهَادَةُ الرِّجَالِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَأَدَائِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي رُجُوعِ الشُّهُودِ عَنْ شَهَادَتِهِمْ]

- ‌كتاب الدعوى

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِجَوَابِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْحَلِفِ وَالتَّغْلِيظِ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ مِنْ شَخْصَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اخْتِلَافِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي شُرُوطِ الْقَائِفِ وَبَيَانِ إلْحَاقِهِ النَّسَبَ بِغَيْرِهِ]

- ‌كتاب العتق

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعِتْقِ بِالْبَعْضِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْإِعْتَاقِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ]

- ‌فصل في الولاء

- ‌كتاب التدبير

- ‌[فَصَلِّ فِي حُكْمِ حَمْلِ الْمُدَبَّرَةِ وَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهَا]

- ‌كِتَابُ الْكِتَابَةِ

- ‌[فَصَلِّ فِي لُزُومِ الْكِتَابَةِ وَجَوَازِهَا وَمَا يَعْرِضُ لَهَا]

- ‌[فَصَلِّ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْكِتَابَةِ الْبَاطِلَةِ وَالْفَاسِدَةِ]

- ‌كتاب أمهات الأولاد

- ‌[خَاتِمَة]

الفصل: ‌[فصل في حكم أموال الحربيين]

فَيُقْضَى مِنْ مَالِهِ إنْ غَنِمَ بَعْدَ إرْقَاقِهِ.

وَلَوْ اقْتَرَضَ حَرْبِيٌّ مِنْ حَرْبِيٍّ أَوْ اشْتَرَى مِنْهُ ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ قَبِلَا جِزْيَةً دَامَ الْحَقُّ.

وَلَوْ أَتْلَفَ عَلَيْهِ حَرْبِيٌّ فَأَسْلَمَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ.

فَصَلِّ وَالْمَالُ الْمَأْخُوذُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ قَهْرًا غَنِيمَةٌ، وَكَذَا مَا

ــ

[مغني المحتاج]

دَيْنُ غَيْرِ الْحَرْبِيِّ (فَيُقْضَى مِنْ مَالِهِ) حَيْثُ كَانَ لَهُ مَالٌ (إنْ غَنِمَ بَعْدَ إرْقَاقِهِ) وَلَوْ حُكِمَ بِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ بِالرِّقِّ كَمَا أَنَّ دَيْنَ الْمُرْتَدِّ يُقْضَى مِنْ مَالِهِ وَإِنْ حُكِمَ بِزَوَالِ مِلْكِهِ، وَلِأَنَّ الدَّيْنَ يُقَدَّمُ عَلَى الْغَنِيمَةِ كَمَا يُقَدَّمُ عَلَى الْوَصِيَّةِ. أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَإِنَّ دَيْنَهُ يَبْقَى فِي ذِمَّتِهِ إلَى أَنْ يَعْتِقَ وَيُوسِرَ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ بَعْدَ إرْقَاقِهِ مَا إذَا غَنِمَ قَبْلَهُ فَلَا يُقْضَى مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْغَانِمِينَ مَلَكُوهُ، وَكَذَا مَا غَنِمَ مَعَ اسْتِرْقَاقِهِ فِي الْأَصَحِّ، فَإِنَّ حَقَّ الْغَانِمِينَ تَعَلَّقَ بِعَيْنِ الْمَالِ وَحَقَّ صَاحِبِ الدَّيْنِ كَانَ فِي الذِّمَّةِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ يُقَدَّمُ عَلَى الْمُتَعَلِّقِ بِالذِّمَّةِ، وَهَلْ يَحِلُّ الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ بِالرِّقِّ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْمَوْتَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُزِيلُ الْمِلْكَ وَيَقْطَعُ النِّكَاحَ.

تَنْبِيهَانِ: أَحَدُهُمَا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ الَّذِي عَلَى الْحَرْبِيِّ لِلسَّابِي قَالَ: الشَّيْخَانِ: فَفِي سُقُوطِهِ الْوَجْهَانِ فِيمَنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى عَبْدِ غَيْرِهِ فَمَلَكَهُ: أَيْ فَيَسْقُطُ، وَهَذَا كَمَا قَالَ: الْإِسْنَوِيُّ إنَّمَا هُوَ ظَاهِرٌ فِي قَدْرِ حِصَّتِهِ وَهِيَ الْأَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ وَأَمَّا الْخُمْسُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُسْقِطَ مَا يُقَابِلُهُ قَطْعًا، وَلِهَذَا عَدَلَ ابْنُ الْمُقْرِي عَنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ وَقَالَ: فَلَوْ مَلَكَهُ الْغَرِيمُ سَقَطَ. اهـ.

فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ إلَّا بِقَدْرِ مَا يَمْلِكُهُ. الثَّانِي: لَوْ كَانَ الدَّيْنُ لِحَرْبِيٍّ عَلَى غَيْرِ حَرْبِيٍّ فَرَّقَ مَنْ لَهُ الدَّيْنُ لَمْ يَسْقُطْ بَلْ يُوقَفُ فَإِنْ عَتَقَ فَلَهُ، وَإِنْ مَاتَ رَقِيقًا فَفَيْءٌ.

(وَلَوْ اقْتَرَضَ حَرْبِيٌّ مِنْ حَرْبِيٍّ) مَالًا (أَوْ اشْتَرَى مِنْهُ) شَيْئًا بِمَالٍ (ثُمَّ أَسْلَمَا) مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا (أَوْ) لَمْ يُسْلِمَا. بَلْ (قَبِلَا جِزْيَةً) أَوْ حَصَل لَهُمَا أَمَانٌ، أَوْ حَصَلَ أَحَدُهُمَا لِأَحَدِهِمَا وَغَيْرُهُ لِلْآخَرِ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ (دَامَ الْحَقُّ) فِي ذَلِكَ لِالْتِزَامِهِ بِعَقْدٍ، وَخَرَجَ بِالْمَالِ نَحْو الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ مِمَّا لَا يَصِحُّ طَلَبُهُ. تَنْبِيهٌ: قَدْ يُفْهِمُ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا أَوْ قَبِلَ جِزْيَةً دُونَ الْآخَرِ لَا يَدُومُ الْحَقُّ، وَلَيْسَ مُرَادًا فِي إسْلَامِ صَاحِبِ الدَّيْنِ قَطْعًا وَفِي إسْلَامِ الْمَدْيُونِ فِي الْأَظْهَرِ.

(وَ) الْحَرْبِيُّ (لَوْ أَتْلَفَ عَلَيْهِ حَرْبِيٌّ) آخَرُ شَيْئًا أَوْ غَصَبَهُ مِنْهُ (فَأَسْلَمَا) أَوْ أَسْلَمَ الْمُتْلِفُ أَوْ الْغَاصِبُ أَوْ قَبِلَا الْجِزْيَةَ (فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ شَيْئًا، وَالْإِتْلَافُ لَيْسَ عَقْدًا يُسْتَدَامُ وَلِأَنَّ الْحَرْبِيَّ إذَا قَهَرَ حَرْبِيًّا عَلَى مَالٍ مَلَكَهُ، وَالْإِتْلَافُ نَوْعٌ مِنْ الْقَهْرِ، وَلِأَنَّ إتْلَافَ مَالِ الْحَرْبِيِّ لَا يَزِيدُ عَلَى مَالِ الْمُسْلِمِ، وَهُوَ يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الْحَرْبِيِّ، وَالثَّانِي يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ لَازِمٌ عِنْدَهُمْ.

[فَصَلِّ فِي حُكْمِ أَمْوَالِ الْحَرْبِيِّينَ]

ثُمَّ شَرَعَ فِي حُكْمِ أَمْوَالِ الْحَرْبِيِّينَ، فَقَالَ:(وَالْمَالُ الْمَأْخُوذُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ قَهْرًا) عَلَيْهِمْ حَتَّى سَلَّمُوهُ أَوْ تَرَكُوهُ وَانْهَزَمُوا (غَنِيمَةٌ) لِمَا مَرَّ فِي كِتَابِ قَسْمِهَا، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: الْمَالُ الَّذِي أَخَذْنَاهُ لِيُخْرِجَ مَا أَخَذَهُ أَهْلُ الذِّمَّةِ مِنْهُمْ، فَلَيْسَ بِغَنِيمَةٍ، وَإِنَّمَا أَعَادَ ذَلِكَ هُنَا لِضَرُورَةِ التَّقْسِيمِ الدَّالِّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (وَكَذَا مَا

ص: 42

أَخَذَهُ وَاحِدٌ أَوْ جَمْعٌ مِنْ دَارٍ الْحَرْبِ بِسَرِقَةٍ، أَوْ وُجِدَ كَهَيْئَةِ اللُّقَطَةِ عَلَى الْأَصَحِّ، فَإِنْ أَمْكَنَ كَوْنُهُ لِمُسْلِمٍ وَجَبَ تَعْرِيفُهُ.

وَلِلْغَانِمِينَ التَّبَسُّطُ فِي الْغَنِيمَةِ بِأَخْذِ الْقُوتِ وَمَا يَصْلُحُ بِهِ وَلَحْمٍ وَشَحْمٍ وَكُلِّ طَعَامٍ يُعْتَادُ أَكْلُهُ عُمُومًا،

ــ

[مغني المحتاج]

أَخَذَهُ وَاحِدٌ أَوْ جَمْعٌ مِنْ دَارٍ الْحَرْبِ بِسَرِقَةٍ) أَوْ نَحْوِهَا وَلَمْ يَدْخُلْهَا بِأَمَانٍ (أَوْ) لَمْ يُؤْخَذْ سَرِقَةً، بَلْ كَانَ هُنَاكَ مَالٌ ضَائِعٍ (وُجِدَ كَهَيْئَةِ اللُّقَطَةِ) فَأَخَذَهُ شَخْصٌ بَعْدَ عِلْمِهِ أَنَّهُ لِلْكُفَّارِ فَإِنَّهُ فِي الْقِسْمَيْنِ غَنِيمَةٌ (عَلَى الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ؛ لِأَنَّ دُخُولَهُ دَارَ الْحَرْبِ وَتَغْرِيرَهُ بِنَفْسِهِ يَقُومُ مَقَامَ الْقِتَالِ، وَالثَّانِي هُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ خَاصَّةً، وَادَّعَى الْإِمَامُ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ.

تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا إذَا كَانَ سَبَبُ الْوُصُولِ إلَى اللُّقَطَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ هُرُوبَهُمْ خَوْفًا مِنَّا مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ فَإِنَّهَا فَيْءٌ قَطْعًا وَأَمَّا إذَا كَانَ بِقِتَالِنَا لَهُمْ فَهُوَ غَنِيمَةٌ قَطْعًا. ثُمَّ مَا سَبَقَ إذَا لَمْ يُمْكِنْ كَوْنُهُ لِمُسْلِمٍ، (فَإِنْ أَمْكَنَ كَوْنُهُ) أَيْ الْمُلْتَقَطِ (لِمُسْلِمٍ) بِأَنْ كَانَ ثَمَّ مُسْلِمٌ (وَجَبَ تَعْرِيفُهُ) فَإِذَا عَرَّفَهُ وَلَمْ يَعْرِفْهُ أَحَدٌ يَكُونُ غَنِيمَةً.

تَنْبِيهٌ: لَمْ يُصَحِّحْ الشَّيْخَانِ شَيْئًا فِي مُدَّةِ التَّعْرِيفِ، بَلْ نَقْلًا عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّهُ يُعَرِّفُهُ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ، قَالَ: وَيَقْرُبُ مِنْهُ قَوْلُ الْإِمَامِ: يَكْفِي بُلُوغُ التَّعْرِيفِ إلَى الْأَجْنَادِ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مُسْلِمٌ سِوَاهُمْ، وَلَا يُنْظَرُ إلَى احْتِمَالِ مُرُورِ التُّجَّارِ، وَعَنْ الْمُهَذَّبِ وَالتَّهْذِيبِ يُعَرِّفُهُ سَنَةً. اهـ.

وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي التَّرْجِيحِ، فَاعْتَمَدَ الْبُلْقِينِيُّ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ، وَنَقَلَهُ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ فِي سِيَرِ الْوَاقِدِيِّ، وَقَالَ: إنَّهُ خَارِجٌ عَنْ قَاعِدَةِ اللُّقَطَةِ، فَتُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ مِنْ إطْلَاقِ تَعْرِيفِ اللُّقَطَةِ سَنَةً فِي غَيْرِ الْحَقِيرِ. وَقَالَ: الزَّرْكَشِيُّ: يُشْبِهُ حَمْلَ الْأَوَّلِ: أَيْ كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ عَلَى الْخَسِيسِ، وَقَالَ: الْأَذْرَعِيُّ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ لُقَطَةِ دَارِ الْإِسْلَامِ فِي التَّعْرِيفِ. اهـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي أَحْكَامِ الْغَنِيمَةِ، فَقَالَ:(وَلِلْغَانِمِينَ) مِمَّنْ يُسْهِمُ لَهُمْ أَوْ يَرْضَخُ وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ (التَّبَسُّطُ فِي الْغَنِيمَةِ) قَبْلَ اخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ (بِأَخْذِ الْقُوتِ) مِنْهَا عَلَى سَبِيلِ الْإِبَاحَةِ لَا التَّمْلِيكِ يَنْتَفِعُ بِهِ الْآخِذُ وَلَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ، وَوَقَعَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ: أَنَّهُ يَمْلِكُهُ وَلَا يُصْرَفُ لِغَيْرِهِ.

تَنْبِيهٌ: نَبَّهَ بِالْقُوتِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ الْأَمْوَالِ، كَسِلَاحٍ وَدَابَّةٍ وَلَا الِانْتِفَاعُ بِهَا، فَإِنْ احْتَاجَ إلَى الْمَلْبُوسِ لِبَرْدٍ أَوْ حَرٍّ أَلْبَسَهُ الْإِمَامُ لَهُ، إمَّا بِالْأُجْرَةِ مُدَّةَ الْحَاجَةِ، ثُمَّ يَرُدُّهُ إلَى الْمَغْنَمِ، أَوْ يَحْسِبُهُ عَلَيْهِ مِنْ سَهْمِهِ، (وَ) لِلْغَانِمِينَ التَّبَسُّطُ أَيْضًا بِأَخْذِ (مَا يَصْلُحُ بِهِ) الْقُوتُ، كَزَيْتٍ وَسَمْنٍ وَعَسَلٍ وَمِلْحٍ (وَلَحْمٍ) لَا لِكِلَابٍ وَبَازَاتٍ (وَشَحْمٍ) لَا لِدَهْنِ الدَّوَابِّ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْأَكْلِ، فَلَوْ قَالَ: كَلَحْمٍ لِيَكُونَ ذَلِكَ مِثَالًا لِمَا يَصْلُحُ بِهِ لَكَانَ أَوْلَى (وَ) لَهُمْ التَّبَسُّطُ أَيْضًا بِأَخْذِ (كُلِّ طَعَامٍ يُعْتَادُ أَكْلُهُ) لِلْآدَمِيِّ (عُمُومًا) أَيْ عَلَى الْعُمُومِ لِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قَالَ: «كُنَّا نُصِيبُ فِي مَغَازِينَا الْعَسَلَ وَالْعِنَبَ فَنَأْكُلُهُ وَلَا نَرْفَعُهُ» .

وَالْمَعْنَى

ص: 43

وَعَلَفُ الدَّوَابِّ تِبْنًا وَشَعِيرًا وَنَحْوَهُمَا، وَذَبْحُ مَأْكُولٍ لِلَحْمِهِ، وَالصَّحِيحُ جَوَازُ الْفَاكِهَةِ، وَأَنَّهُ لَا تَجِبُ قِيمَةُ الْمَذْبُوحِ، وَأَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ الْجَوَازُ بِمُحْتَاجِ إلَى طَعَامٍ وَعَلَفٍ.

ــ

[مغني المحتاج]

فِيهِ عِزَّتُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ غَالِبًا لِإِحْرَازِ أَهْلِهِ لَهُ عَنَّا، فَجَعَلَهُ الشَّارِعُ مُبَاحًا، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَفْسُدُ، وَقَدْ يَتَعَذَّرُ نَقْلُهُ، وَقَدْ تَزِيدُ مُؤْنَةُ نَقْلِهِ عَلَيْهِ. قَالَ: الْإِمَامُ: وَلَوْ وَجَدَ فِي دَارِهِمْ سُوقًا وَتَمَكَّنَ مِنْ الشِّرَاءِ مِنْهُ جَازَ التَّبَسُّطُ أَيْضًا إلْحَاقًا لِدَارِهِمْ فِيهِ بِالسَّفَرِ فِي الرُّخْصِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّا لَوْ جَاهَدْنَاهُمْ فِي دَارِنَا امْتَنَعَ التَّبَسُّطُ، وَيَجِبُ حَمْلُهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا عَلَى مَحِلٍّ لَا يَعِزُّ فِيهِ الطَّعَامُ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: عُمُومًا عَمَّا يُحْتَاجُ إلَيْهِ نَادِرًا: كَالسُّكَّرِ وَالْفَانِيدِ وَالْأَدْوِيَةِ، فَلَا يَلْحَقُ بِالْأَطْعِمَةِ عَلَى الصَّحِيحِ، فَإِنْ احْتَاجَ مَرِيضٌ مِنْهُمْ إلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَعْطَاهُ لَهُ الْإِمَامُ بِقِيمَتِهِ أَوْ يَحْسِبُهُ عَلَيْهِ مِنْ سَهْمِهِ، فَإِنْ احْتَاجَ شَخْصٌ مِنْهُمْ إلَى الْقِتَالِ بِالسِّلَاحِ جَازَ لِلضَّرُورَةِ، وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ وَيَرُدُّهُ إلَى الْمَغْنَمِ بَعْدَ زَوَالِهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ضَرُورَةٌ لَمْ يَجُزْ لَهُ اسْتِعْمَالٌ، وَلَوْ اضْطَرَّ إلَى الْمَرْكُوبِ فِي الْقِتَالِ فَلَهُ رُكُوبُهُ بِلَا أَجْرٍ كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا كَالْقِتَالِ بِالسِّلَاحِ. (وَ) لَهُمْ (عَلَفُ الدَّوَابِّ) الَّتِي لَا يُسْتَغْنَى عَنْهَا فِي الْحَرْبِ، كَفَرَسِهِ وَدَابَّةٍ تَحْمِلُ سِلَاحَهُ وَلَوْ كَانَتْ عِدَدُ الْوَاحِدِ (تِبْنًا وَشَعِيرًا وَنَحْوَهُمَا) كَفُولٍ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَمَسُّ إلَيْهِ كَمُؤْنَةِ نَفْسِهِ. أَمَّا مَا يَسْتَصْحِبُهُ مِنْ الدَّوَابِّ لِلزِّينَةِ أَوْ لِلْفُرْجَةِ كَفُهُودٍ وَنُمُورٍ، فَلَيْسَ لَهُ عَلَفُهَا مِنْ مَالِ الْغَنِيمَةِ قَطْعًا.

تَنْبِيهٌ: الْعَلَفُ هُنَا بِفَتْحِ اللَّامِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مَا تَأْكُلُهُ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ سَاكِنَةً، وَيَكُونُ الْمُرَادُ أَنَّ لَهُ فِعْلُ ذَلِكَ مِنْ الْغَنِيمَةِ (وَ) لَهُمْ (ذَبْحُ) حَيَوَانٍ (مَأْكُولٍ لِلَحْمِهِ) عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُؤْكَلُ عَادَةً، فَهُوَ كَاللَّحْمِ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ الذَّبْحُ لِنُدْرَةِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَرَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَجِبُ رَدُّ جِلْدِهِ إلَى الْمَغْنَمِ إلَّا مَا يُؤْكَلُ مَعَ اللَّحْمِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُتَّخَذَ مِنْ الْجِلْدِ سِقَاءً وَلَا خُفًّا وَلَا غَيْرَهُمَا، فَإِنْ فَعَلَ وَجَبَ رَدُّ الْمَصْنُوعِ كَذَلِكَ، وَلَا شَيْءَ لَهُ إنْ زَادَتْ قِيمَتُهُ بِالصَّنْعَةِ، وَعَلَيْهِ الْأَرْشُ إنْ نَقَصَتْ، وَإِنْ اسْتَعْمَلَهُ لَزِمَهُ أُجْرَتُهُ (وَالصَّحِيحُ) الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُور (جَوَازُ) أَكْلِ (الْفَاكِهَةِ) رَطْبِهَا وَيَابِسِهَا لِلْخَبَرِ الْمَارِّ فِي الْعِنَبِ، وَالثَّانِي الْمَنْعُ لِنُدْرَةِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا. قَالَ: الْإِمَامُ: وَالْحَلْوَاءُ، كَالْفَاكِهَةِ (وَ) الصَّحِيحُ (أَنَّهُ لَا تَجِبُ قِيمَةُ الْمَذْبُوحِ) لِأَجْلِ أَكْلِ لَحْمِهِ كَمَا لَا يَجِبُ قِيمَةُ الطَّعَامِ الْمَأْخُوذِ، وَالثَّانِي يَجِبُ؛ لِأَنَّ التَّرَخُّصَ وَرَدَ فِي الطَّعَامِ، وَالْحَيَوَانُ لَيْسَ بِطَعَامٍ، وَالصَّحِيحُ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ كَلَامُهُ هُنَا وَفِيمَا بَعْدَهُ، وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالْأَصَحِّ فِيهِمَا (أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ الْجَوَازُ بِمُحْتَاجِ إلَى طَعَامٍ وَعَلَفٍ) بِلَامٍ مَفْتُوحَةٍ، بَلْ يَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ فِي الْأَصَحِّ، فَإِنَّ الرُّخْصَةَ وَرَدَتْ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، وَالثَّانِي يَخْتَصُّ بِالْمُحْتَاجِ لِاسْتِغْنَاءِ غَيْرِهِ عَنْ أَخْذِ حَقِّ الْغَيْرِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ قَلَّ الطَّعَامُ وَازْدَحَمُوا عَلَيْهِ، نَقَلَ الْإِمَامُ عَنْ الْمُحَقِّقِينَ: أَنَّ الْإِمَامَ يَضَعُ يَدَهُ عَلَيْهِ وَيَقْسِمُهُ عَلَى ذَوِي الْحَاجَاتِ. قَالَ: الْبَغَوِيّ: وَلَهُمْ التَّزَوُّدُ لِقَطْعِ مَسَافَةٍ بَيْنَ أَيْدِيهمْ.

تَنْبِيهٌ: إنَّمَا يَجُوزُ التَّبَسُّطُ وَالتَّزَوُّدُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، فَمَنْ أَكَلَ فَوْقَ حَاجَتِهِ لَزِمَهُ بَدَلُهُ. قَالَ:

ص: 44

وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِمَنْ لَحِقَ الْجَيْشَ بَعْدَ الْحَرْبِ وَالْحِيَازَةِ، وَأَنَّ مَنْ رَجَعَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَمَعَهُ بَقِيَّةٌ لَزِمَهُ رَدُّهَا إلَى الْمَغْنَمِ.

وَمَوْضِعُ التَّبَسُّطِ دَارُهُمْ، وَكَذَا مَا لَمْ يَصِلْ عُمْرَانِ الْإِسْلَامِ فِي الْأَصَحِّ.

ــ

[مغني المحتاج]

الزَّرْكَشِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: بِهِ فِي عَلَفِ الدَّوَابِّ، وَهُوَ ظَاهِرٌ.

(وَ) الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ (أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ) أَيْ التَّبَسُّطُ الْمَذْكُورُ (لِمَنْ لَحِقَ الْجَيْشَ بَعْدَ) انْقِضَاءِ (الْحَرْبِ، وَ) بَعْدَ (الْحِيَازَةِ) ؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْهُمْ كَغَيْرِ الضَّيْفِ مَعَ الضَّيْفِ، وَالثَّانِي يَجُوزُ لِمَظِنَّةِ الْحَاجَةِ وَعِزَّةِ الطَّعَامِ هُنَاكَ.

تَنْبِيهٌ: عِبَارَةُ الْكِتَابِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ تُفْهِمُ جَوَازَ التَّبَسُّطِ فِيمَا إذَا لَحِقَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ وَقَبْلَ الْحِيَازَةِ، وَعِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحِ تَقْتَضِي الْمَنْعَ لِغَيْرِ شَاهِدِ الْوَقْعَةِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ كَمَا أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ مِنْ الْغَنِيمَةِ شَيْئًا، وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ. فَرْعٌ: لَوْ ضَيَّفَ بِمَا فَوْقَ حَاجَتِهِ الْغَانِمِينَ جَازَ، وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا تَحَمُّلُ التَّعَبِ عَنْهُمْ، فَإِنْ ضَيَّفَ بِهِ غَيْرَهُمْ: فَكَغَاصِبٍ ضَيَّفَ غَيْرَهُ بِمَا غَصَبَهُ فَيَأْثَمُ بِهِ، وَيَلْزَمُ الْآكِلَ ضَمَانُهُ، وَيَكُونُ الْمُضِيفُ لَهُ طَرِيقًا فِي الضَّمَانِ (وَ) الصَّحِيحُ وَجَعَلَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا هَذَا الْخِلَافَ أَقْوَالًا (أَنَّ مَنْ رَجَعَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ) أَوْ دَارِ يَسْكُنُهَا أَهْلُ الذِّمَّةِ أَوْ الْعَهْدِ، وَهِيَ فِي قَبْضَتِنَا كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ (وَمَعَهُ بَقِيَّة) مِمَّا تُبْسَطُ بِهِ (لَزِمَهُ رَدُّهَا إلَى الْمَغْنَمِ) أَيْ الْغَنِيمَةِ لِزَوَالِ الْحَاجَةِ، وَالثَّانِي لَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ مُبَاحٌ، وَالْأَوَّلُ قَالَ: بِقَدْرِ الْكِفَايَةِ.

تَنْبِيهٌ: مَحِلُّ الرَّدِّ إلَى الْمَغْنَمِ مَا لَمْ تُقَسَّمْ الْغَنِيمَةُ، فَإِنْ قُسِّمَتْ رَدَّ إلَى الْإِمَامِ، ثُمَّ إنْ كَثُرَ قُسِّمَ، وَإِلَّا جُعِلَ فِي سَهْمِ الْمَصَالِحِ قَالَ: الْإِمَامُ: وَلَا رَيْبَ أَنَّ إخْرَاجَ الْخُمْسِ مِنْهُ مُمْكِنٌ، وَإِنَّمَا هَذَا فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ.

(وَمَوْضِعُ التَّبَسُّطِ دَارُهُمْ) أَيْ أَهْلِ الْحَرْبِ جَزْمًا؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الْعِزَّةِ (وَكَذَا) مَحِلُّ الرُّجُوعِ (مَا لَمْ يَصِلْ) إلَى (عُمْرَانِ الْإِسْلَامِ فِي الْأَصَحِّ) لِبَقَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، فَإِنْ وَصَلَهُ انْتَهَى التَّبَسُّطُ لِزَوَالِهَا. وَالثَّانِي الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ الْمَظِنَّةَ دَارُ الْحَرْبِ، وَقَدْ خَرَجُوا عَنْهَا.

تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِعِمْرَانِ الْإِسْلَامِ مَا يَجِدُونَ فِيهِ حَاجَتَهُمْ مِنْ الطَّعَامِ وَالْعَلَفِ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ، فَلَوْ لَمْ يَجِدُوا فِيهَا ذَلِكَ فَلَا أَثَرَ لَهُ فِي مَنْعِ التَّبَسُّطِ فِي الْأَصَحِّ لِبَقَاءِ الْمَعْنَى، وَكَدَارِ الْإِسْلَامِ بَلَد أَهْلِ ذِمَّةٍ أَوْ عَهْدٍ لَا يَمْتَنِعُونَ مِنْ مُعَامَلَتِنَا؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُضَافَةً إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَهِيَ فِي قَبْضَتِنَا بِمَثَابَتِهَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لِلتَّمَكُّنِ مِنْ الشِّرَاءِ مِنْهُمْ، نَقَلَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْإِمَامِ وَأَقَرَّهُ.

فُرُوعٌ: لَوْ كَانَ الْقِتَالُ فِي دَارِنَا فِي مَوْضِعِ يَعِزُّ الطَّعَامُ وَلَا يَجِدُونَهُ بِشِرَاءٍ جَازَ لَهُمْ التَّبَسُّطُ أَيْضًا بِحَسَبِ الْحَاجَةِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي، وَلَا يَجُوزُ لَهُمْ التَّصَرُّفُ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ فِيمَا تُزَوِّدُوهُ مِنْ الْمَغْنَمِ لِمَا مَرَّ أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَهُمْ، فَلَوْ أَقْرَضَ مِنْهُ غَانِمٌ غَانِمًا آخَرَ كَانَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ بِعَيْنِهِ أَوْ بِمِثْلِهِ مِنْ الْمَغْنَمِ مَا لَمْ يَدْخُلُوا دَارَ الْإِسْلَامِ، فَإِنْ رَدَّهُ مِنْ الْمَغْنَمِ صَارَ الْأَوَّلُ أَحَقَّ بِهِ لِحُصُولِهِ فِي يَدِهِ،

ص: 45

وَلِغَانِمٍ رَشِيدٍ وَلَوْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِفَلَسِ الْإِعْرَاضُ عَنْ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ،

ــ

[مغني المحتاج]

وَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ بِهِ مِنْ خَالِصِ مَالِهِ، إذْ لَيْسَ ذَلِكَ قَرْضًا مُحَقِّقًا؛ لِأَنَّ الْآخِذُ لَا يَمْلِكُ الْمَأْخُوذَ حَتَّى يُمَلِّكَهُ لِغَيْرِهِ، فَلَوْ رَدَّ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ لَمْ يَأْخُذهُ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَمْلُوكِ لَا يُقَابَلُ بِالْمَمْلُوكِ، وَإِنْ فَرَغَ الطَّعَامُ سَقَطَتْ الْمُطَالَبَةُ أَوْ دَخَلُوا دَارَ الْإِسْلَامِ، وَلَمْ يَعِزَّ الطَّعَامُ رَدَّهُ الْمُقْتَرِضُ إلَى الْإِمَامِ لِانْقِطَاعِ حُقُوقِ الْغَانِمِينَ عَنْ أَطْعِمَةِ الْمَغْنَمِ، فَإِنْ بَقِيَ غَيْرُ الْمُقْتَرَضِ رَدَّهُ إلَى الْمَغْنَمِ، وَلَوْ تَبَايَعَ غَانِمَانِ مَا أَخَذَاهُ صَاعًا بِصَاعٍ أَوْ بِصَاعَيْنِ فَكَتَنَاوُلِ الضَّيْفَيْنِ لُقْمَةً بِلُقْمَةٍ أَوْ بِلُقْمَتَيْنِ، فَلَا يَكُونُ رِبًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُعَاوَضَةٍ مُحَقَّقَةٍ، بَلْ يَأْكُلُ كُلٌّ مِنْهُمَا مَا صَارَ إلَيْهِ، وَلَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِبَيْعٍ وَنَحْوِهِ.

(وَلِغَانِمٍ) حُرٍّ (رَشِيدٍ وَلَوْ) هُوَ مَرِيضًا أَوْ سَكْرَانَ مُتَعَدِّيًا بِسُكْرِهِ أَوْ (مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِفَلَسٍ الْإِعْرَاضُ عَنْ الْغَنِيمَةِ) أَيْ عَنْ حَقِّهِ مِنْهَا سَهْمًا كَانَ أَوْ رَضْخًا (قَبْلَ الْقِسْمَةِ) وَقَبْلَ اخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ الْأَعْظَمَ مِنْ الْجِهَادِ إعْلَاءُ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالذَّبُّ عَنْ الْمِلَّةِ، وَالْغَنَائِمُ تَابِعَةٌ، فَمَنْ أَعْرَضَ عَنْهَا فَقَدْ جَرَّدَ قَصْدَهُ لِلْغَرَضِ الْأَعْظَمِ.

تَنْبِيهٌ: صُورَةُ الْإِعْرَاضِ: أَنْ يَقُولَ أَسْقَطْتُ حَقِّي مِنْ الْغَنِيمَةِ، فَإِنْ قَالَ: وَهَبْتُ نَصِيبِي فِيهَا لِلْغَانِمِينَ وَقَصَدَ الْإِسْقَاطَ فَكَذَلِكَ، أَوْ تَمْلِيكَهُمْ فَلَا؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ، وَإِنَّمَا كَانَ الْمُفْلِسُ كَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْإِعْرَاضَ بِمَحْضِ جِهَادِهِ لِلْآخِرَةِ، فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ، وَلِأَنَّ اخْتِيَارَ التَّمَلُّكِ كَابْتِدَاءِ الِاكْتِسَابِ، وَالْمُفْلِسُ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ، وَخَرَجَ بِالْحُرِّ الَّذِي قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ الْعَبْدُ، فَالْإِعْرَاضُ إنَّمَا هُوَ لِسَيِّدِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ. نَعَمْ إنْ كَانَ الْعَبْدُ مُكَاتَبًا أَوْ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَقَدْ أَحَاطَتْ بِهِ الدُّيُونُ قَالَ: الْأَذْرَعِيُّ: فَلَا يَظْهَرُ صِحَّةُ إعْرَاضِهِ فِي حَقِّهِمَا. قَالَ: شَيْخُنَا: وَفِي الثَّانِي نَظَرٌ، وَبِالرَّشِيدِ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ، فَلَا يَصِحُّ إعْرَاضُهُمَا عَنْ الرَّضْخِ؛ لِأَنَّ عِبَارَتَهُمَا مُلْغَاةٌ، وَلَا إعْرَاضُ وَلِيِّهِمَا لِعَدَمِ الْحَظِّ فِي إعْرَاضِهِ لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ، فَإِنْ بَلَغَ الصَّبِيُّ أَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ قَبْلَ اخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ صَحَّ إعْرَاضُهُ.

تَنْبِيهٌ: التَّقْيِيدُ بِالرُّشْدِ مِنْ زِيَادَتِهِ عَلَى الْمُحَرَّرِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إعْرَاضُ السَّفِيهِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ. وَقَالَ: الْإِمَامُ: إنَّهُ الظَّاهِرُ، وَاقْتَصَرَ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ عَلَى نَقْلِهِ عَنْهُ وَأَقَرَّاهُ، وَقَالَا: لَوْ فُكَّ حَجْرُهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ صَحَّ إعْرَاضُهُ. قَالَ: الْبُلْقِينِيُّ: وَهَذَا إنَّمَا فَرَّعَهُ الْإِمَامُ عَلَى أَنَّهُ يَمْلِكُ بِمُجَرَّدِ الِاغْتِنَامِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْبَسِيطِ، فَقَالَ: وَالسَّفِيهُ يَلْزَمُ حَقُّهُ عَلَى قَوْلِنَا يَمْلِكُ، وَلَا يَسْقُطُ بِالْإِعْرَاضِ إلَّا عَلَى قَوْلِنَا: إنَّهُ لَا يَمْلِكُ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إلَّا بِاخْتِيَارٍ، فَيَكُونُ الْأَصَحُّ صِحَّةُ إعْرَاضِهِ، وَكَذَا قَالُوا: لَا يَجِبُ مَالٌ فِيمَا إذَا عَفَا السَّفِيهُ عَنْ الْقِصَاصِ وَأَطْلَقَ، وَفَرَّعْنَا عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ الْقَوَدُ عَيْنًا مَعَ أَنَّهُ يُمْكِنُهُ جَلْبُ الْمَالِ بِالْعَفْوِ عَنْهُ، وَقَدْ سَوَّوْا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِالْفَلَسِ هُنَاكَ، فَيَنْبَغِي التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا هُنَا. وَقَالَ: فِي الْمُهِمَّاتِ: الرَّاجِحُ صِحَّةُ إعْرَاضِهِ. وَقَالَ: الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْجُمْهُورِ. قَالَ: ابْنُ شُهْبَةَ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ لَا يَصِحُّ إعْرَاضُهُ، وَإِنْ قُلْنَا لَا يَمْلِكُ إلَّا بِاخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ اخْتِيَارُ تَمَلُّكِ حَقٍّ مَالِيٍّ،

ص: 46

وَالْأَصَحُّ جَوَازُهُ بَعْدَ فَرْزِ الْخُمُسِ وَجَوَازِهِ لِجَمِيعِهِمْ، وَبُطْلَانُهُ مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى وَسَالِب.

وَالْمُعْرِضُ كَمَنْ لَمْ يَحْضُرْ، وَمَنْ مَاتَ فَحَقُّهُ لِوَارِثِهِ، وَلَا تُمْلَكُ إلَّا بِقِسْمَةٍ.

وَلَهُمْ التَّمَلُّكُ، وَقِيلَ يَمْلِكُونَ، وَقِيلَ إنْ سَلِمَتْ إلَى الْقِسْمَةِ بَانَ مِلْكُهُمْ،

ــ

[مغني المحتاج]

وَلَا يَجُوزُ لِلسَّفِيهِ الْإِعْرَاضُ عَنْ الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ: كَجِلْدِ الْمَيْتَةِ وَالسِّرْجِينِ، وَأَمَّا الْقِصَاصُ فَهُوَ مَحْضُ عُقُوبَةٍ شُرِعَ لِلتَّشَفِّي، فَلِهَذَا مَلَكَ الْعَفْوَ عَنْهُ. اهـ.

وَهَذَا يُقَوِّي كَلَامَ الشَّيْخَيْنِ، وَفِي قِيَاسِهِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ حَاصِلٌ يُرِيدُ الْإِعْرَاضَ عَنْهُ بِخِلَافِ الْمَقِيسِ، وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: قَبْلَ الْقِسْمَةِ عَمَّا بَعْدَهَا لِاسْتِقْرَارِ الْمِلْكِ، وَلَوْ قَالَ: قَبْلَ اخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: قَبْلَ الْقِسْمَةِ اخْتَرْتُ الْغَنِيمَةَ مَنَعَ ذَلِكَ مِنْ صِحَّةِ الْإِعْرَاضِ فِي الْأَصَحِّ، وَلِهَذَا قَدَّرْتُ فِي كَلَامِهِ وَقَبْلَ اخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ (وَالْأَصَحُّ) الْمَنْصُوصُ (جَوَازُهُ) أَيْ إعْرَاضِ الْحُرِّ الرَّشِيدِ (بَعْدَ فَرْزِ الْخُمْسِ) وَقَبْلَ قِسْمَةِ الْأَخْمَاسِ الْأَرْبَعَةِ؛ لِأَنَّ إفْرَازَ الْخُمْسِ لَا يَتَعَيَّنُ بِهِ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ، كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَالثَّانِي مَنْعُهُ لِتَمَيُّزِ حَقِّ الْغَانِمِينَ (وَ) الْأَصَحُّ (جَوَازُهُ) أَيْ الْإِعْرَاضِ (لِجَمِيعِهِمْ) أَيْ الْغَانِمِينَ، وَيُصْرَفُ حَقُّهُمْ مَصْرِفَ الْخُمْسِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمُصَحِّحَ لِلْإِعْرَاضِ يَشْمَلُ الْوَاحِدَ وَالْجَمِيعَ، وَالثَّانِي الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ مَصَارِفَ الْخُمْسِ غَيْرُ الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ (وَ) الْأَصَحُّ (بُطْلَانُهُ) أَيْ الْإِعْرَاضِ (مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى) الْمَذْكُورِينَ فِي بَابِ قَسْمِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ، وَالْمُرَادُ الْجِنْسُ فَيَتَنَاوَلُ إعْرَاضَ بَعْضِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَ سَهْمَهُمْ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ، بَلْ هُوَ مِنْحَةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، فَأَشْبَهَ الْإِرْثَ (وَ) مِنْ (سَالَبَ) وَهُوَ مُسْتَحِقٌّ سَلَبَ مَنْ قَتَلَهُ أَوْ أَسَرَهُ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ؛ لِأَنَّ السَّلَبَ مُتَعَيَّنٌ لَهُ كَالْمُتَعَيَّنِ بِالْقِسْمَةِ، وَالثَّانِي صِحَّتُهُ مِنْهُمَا كَالْغَانِمِينَ.

تَنْبِيهٌ: إنَّمَا خَصَّ ذَوِي الْقُرْبَى بِالذِّكْرِ دُونَ بَقِيَّة أَهْلِ الْخُمْسِ كَالْيَتَامَى؛ لِأَنَّهَا جِهَاتٌ عَامَّةٌ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهَا إعْرَاضُ كَالْفُقَرَاءِ.

(وَالْمُعْرِضُ) مِنْ الْغَانِمِينَ عَنْ حَقِّهِ حُكْمُهُ (كَمَنْ لَمْ يَحْضُرْ) فَيَضُمُّ نَصِيبَهُ إلَى الْمَغْنَمِ وَيُقَسَّمُ بَيْنَ الْمُرْتَزَقَةِ وَأَهْلِ الْخُمْسِ، وَقِيلَ يَضُمُّ إلَى الْخُمْسِ خَاصَّةً (وَمَنْ) لَمْ يُعْرِضْ عَنْ الْغَنِيمَةِ، وَ (مَاتَ فَحَقُّهُ لِوَارِثِهِ) كَسَائِرِ الْحُقُوقِ فَيَطْلُبُهُ أَوْ يُعْرِضُ عَنْهُ (وَلَا تُمْلَكُ) الْغَنِيمَةُ (إلَّا بِقِسْمَةٍ) ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ مَلَكُوهَا بِالِاسْتِيلَاءِ كَالِاصْطِيَادِ، وَالتَّحَطُّبِ لَمْ يَصِحَّ إعْرَاضُهُمْ، وَلِأَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَخُصَّ كُلَّ طَائِفَةٍ بِنَوْعٍ مِنْ الْمَالِ، وَلَوْ مَلَكُوا لَمْ يَصِحَّ إبْطَالُ حَقِّهِمْ مِنْ نَوْعٍ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ.

تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ حَصْرَ مِلْكِهَا فِي الْقِسْمَةِ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ تُمْلَكُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: إمَّا اخْتِيَارُ التَّمَلُّكِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا. وَإِمَّا بِالْقِسْمَةِ بِشَرْطِ الرِّضَا بِهَا، وَلِذَا قَالَ: فِي الرَّوْضَةِ. وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَتْ الْقِسْمَةُ لِتَضَمُّنِهَا اخْتِيَارَ التَّمَلُّكِ. اهـ. وَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ، فَإِنَّمَا مَلَكُوا أَنْ يَتَمَلَّكُوا كَحَقِّ الشُّفْعَةِ كَمَا قَالَ.

(وَلَهُمْ) أَيْ الْغَانِمِينَ بَيْنَ الْحِيَازَةِ وَالْقِسْمَةِ (التَّمَلُّكُ) قَبْلَ الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّ حَقَّ التَّمَلُّكِ ثَبَتَ لَهُمْ (وَقِيلَ يَمْلِكُونَ) الْغَنِيمَةَ بَعْدَ الْحِيَازَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ مِلْكًا ضَعِيفًا يَسْقُطُ بِالْإِعْرَاضِ (وَقِيلَ) الْمِلْكُ فِي الْغَنِيمَةِ مَوْقُوفٌ (إنْ سَلِمَتْ إلَى الْقِسْمَةِ بَانَ مِلْكُهُمْ) أَيْ الْغَانِمِينَ لَهَا

ص: 47

وَإِلَّا فَلَا، وَيُمْلَكُ الْعَقَارُ بِالِاسْتِيلَاءِ كَالْمَنْقُولِ.

وَلَوْ كَانَ فِيهَا كَلْبٌ أَوْ كِلَابٌ تَنْفَعُ وَأَرَادَهُ بَعْضُهُمْ وَلَمْ يُنَازَعْ أُعْطِيَهُ، وَإِلَّا قُسِّمَتْ إنْ أَمْكَنَ، وَإِلَّا أُقْرِعَ.

وَالصَّحِيحُ أَنْ سَوَادَ الْعِرَاقِ فُتِحَ عَنْوَةً وَقُسِّمَ ثُمَّ بَذَلُوهُ وَوُقِفَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَخَرَاجُهُ أُجْرَةٌ تُؤَدَّى كُلَّ سَنَةٍ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ.

ــ

[مغني المحتاج]

بِالِاسْتِيلَاءِ (وَإِلَّا) بِأَنْ تَلِفَتْ، أَوْ أَعْرَضُوا عَنْهَا (فَلَا) يَمْلِكُونَهَا (وَيُمْلَكُ الْعَقَارُ بِالِاسْتِيلَاءِ) عَلَيْهِ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: 41] الْآيَةَ، وَزَادَ عَلَى الْمُحَرَّرِ قَوْلَهُ (كَالْمَنْقُولِ) لِيُنَبِّهَ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ مِلْكَ الْعَقَارِ بِالِاسْتِيلَاءِ رَأْيٌ مَرْجُوحٌ كَمَا أَنَّهُ فِي الْمَنْقُولِ كَذَلِكَ، وَلَوْ قَالَ: وَيُمْلَكُ الْعَقَارُ بِمَا يُمْلَكُ بِهِ الْمَنْقُولُ كَانَ أَوْضَحَ، وَخَرَجَ بِالْعَقَارِ مَوَاتُهُمْ فَلَا يُمْلَكُ بِالِاسْتِيلَاءِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَمْلِكُوهُ إذْ لَا يُمْلَكُ إلَّا بِالْإِحْيَاءِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ.

(وَلَوْ كَانَ فِيهَا) أَيْ الْغَنِيمَةِ (كَلْبٌ أَوْ كِلَابٌ تَنْفَعُ) لِصَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ أَوْ زَرْعٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ (وَأَرَادَهُ بَعْضُهُمْ) أَيْ الْغَانِمِينَ مِنْ أَهْلِ خُمْسٍ أَوْ جِهَادٍ (وَلَمْ يُنَازَعْ) فِيهِ بِفَتْحِ الزَّايِ بِخَطِّهِ (أُعْطِيَهُ) إذْ لَا ضَرَرَ فِي ذَلِكَ عَلَى غَيْرِهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ نَازَعَهُ غَيْرُهُ (قُسِّمَتْ) تِلْكَ الْكِلَابُ عَدَدًا (إنْ أَمْكَنَ) قِسْمَتُهَا (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ (أُقْرِعَ) بَيْنَهُمْ فِيهَا دَفْعًا لِلنِّزَاعِ. أَمَّا مَا لَا تَنْفَعُ فَلَا يَجُوزُ اقْتِنَاؤُهَا.

(وَالصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ (أَنَّ سَوَادَ الْعِرَاقِ) مِنْ الْبِلَادِ وَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الْجِنْسِ إلَى بَعْضِهِ؛ لِأَنَّ السَّوَادَ أَزْيَدُ مِنْ الْعِرَاقِ بِخَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ فَرْسَخًا كَمَا قَالَهُ: الْمَاوَرْدِيُّ: وَسُمِّيَ سَوَادًا لِأَنَّهُمْ خَرَجُوا مِنْ الْبَادِيَةِ فَرَأَوْا خُضْرَةَ الزَّرْعِ وَالْأَشْجَارِ الْمُلْتَفَّةِ، وَالْخُضْرَةُ تُرَى مِنْ الْبُعْدِ سَوَادًا. فَقَالُوا مَا هَذَا السَّوَادُ، وَلِأَنَّ بَيْنَ اللَّوْنَيْنِ تَقَارُبًا فَيُطْلَقُ اسْمُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرَ (فُتِحَ) فِي زَمَنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - (عَنْوَةً) بِفَتْحِ الْعِينِ: أَيْ قَهْرًا وَغَلَبَةً (وَقُسِّمَ) بَيْنَ الْغَانِمِينَ (ثُمَّ) بَعْدَ قِسْمَتِهِ وَاخْتِيَارِ تَمَلُّكِهِ (بَذَلُوهُ) بِمُعْجَمَةٍ: أَيْ أَعْطَوْهُ لِعُمَرَ بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِهِ (وَوُقِفَ) بَعْدَ اسْتِرْدَادِهِ دُونَ أَبْنِيَتِهِ الْآتِي فِي الْمَتْنِ حُكْمُهَا (عَلَى الْمُسْلِمِينَ) ؛ لِأَنَّهُ خَافَ تَعَطُّلَ الْجِهَادِ بِاشْتِغَالِهِمْ بِعِمَارَتِهِ لَوْ تَرَكَهُ بِأَيْدِيهِمْ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَحْسِنْ قَطْعَ مَنْ بَعْدَهُمْ عَنْ رَقَبَتِهِ وَمَنْفَعَتِهِ وَأَجَرَهُ مِنْ أَهْلِهِ إجَارَةً مُؤَبَّدَةً بِالْخَرَاجِ الْمَضْرُوبِ عَلَيْهِ عَلَى خِلَافِ سَائِرِ الْإِجَارَاتِ وَجُوِّزَتْ كَذَلِكَ

لِلْمَصْلَحَةِ

الْكُلِّيَّةِ. قَالَ: الْعُلَمَاءُ: لِأَنَّهُ بِالِاسْتِرْدَادِ رَجَعَ إلَى حُكْمِ أَمْوَالِ الْكُفَّارِ، وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَفْعَلَ بِالْمَصْلَحَةِ الْكُلِّيَّةِ فِي أَمْوَالِهِمْ مَا لَا يَجُوزُ فِي أَمْوَالِنَا كَمَا يَأْتِي مِثْلُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْبَرَاءَةِ، وَالرَّجْعَةِ وَغَيْرِهِمَا.

تَنْبِيهٌ: مَعْلُومٌ أَنَّ الْبَدَلَ إنَّمَا يَكُونُ مِمَّنْ يُمْكِنُ بَذْلُهُ كَالْغَانِمِينَ وَذَوِي الْقُرْبَى إنْ انْحَصَرُوا بِخِلَافِ بَقِيَّةِ أَهْلِ الْخُمْسِ فَلَا يَحْتَاجُ الْإِمَامُ فِي وَقْفِ حَقِّهِمْ إلَى بَذْلٍ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ مَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِأَهْلِهِ (وَخَرَاجُهُ) الْمَضْرُوبُ عَلَيْهِ (أُجْرَةٌ) مُنَجَّمَةٌ (تُؤَدَّى كُلَّ سَنَةٍ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ) الْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ، وَلَيْسَ لِأَهْلِ السَّوَادِ بَيْعُهُ وَرَهْنُهُ وَهِبَتُهُ لِكَوْنِهِ صَارَ وَقْفًا، وَلَهُمْ إجَارَتُهُ مُدَّةً مَعْلُومَةً لَا مُؤَبَّدَةً كَسَائِرِ الْإِجَارَاتِ، وَإِنَّمَا خُولِفَ فِي إجَارَةِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لِلْمَصْلَحَةِ الْكُلِّيَّةِ كَمَا مَرَّ، وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِ سَاكِنِهِ إزْعَاجُهُمْ عَنْهُ وَيَقُولُ: أَنَا أَسْتَغِلُّهُ وَأُعْطِي الْخَرَاجَ

ص: 48

وَهُوَ مِنْ عَبَّادَانَ إلَى حَدِيثَةِ الْمَوْصِلِ طُولًا، وَمِنْ الْقَادِسِيَّةِ إلَى حُلْوَانَ عَرْضًا قُلْتُ: الصَّحِيحُ أَنَّ الْبَصْرَةَ وَإِنْ كَانَتْ دَاخِلَةً فِي حَدِّ السَّوَادِ فَلَيْسَ لَهَا حُكْمُهُ إلَّا فِي مَوْضِعِ غَرْبِيِّ دِجْلَتِهَا وَمَوْضِعِ شَرْقِيِّهَا.

ــ

[مغني المحتاج]

لِأَنَّهُمْ مَلَكُوا بِالْإِرْثِ الْمَنْفَعَةَ بِعَقْدِ بَعْضِ آبَائِهِمْ مَعَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَالْإِجَارَةُ لَازِمَةٌ لَا تَنْفَسِخُ بِالْمَوْتِ.

تَنْبِيهٌ: كَانَ قَدْرُ الْخَرَاجِ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَا فَرَضَهُ عُثْمَانُ بْنُ حُنَيْفٍ لَمَّا بَعَثَهُ عُمَرُ مَاسِحًا، وَهُوَ عَلَى كُلِّ جَرِيبِ شَعِيرٍ دِرْهَمَانِ، وَجَرِيبِ حِنْطَةٍ أَرْبَعَةٌ، وَجَرِيبِ شَجَرٍ وَقَصَبِ سُكَّرٍ سِتَّةٌ، وَجَرِيبِ نَخْلٍ ثَمَانِيَةٌ، وَجَرِيبِ كَرْمٍ عَشْرَةٌ وَجَرِيبِ زَيْتُونٍ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا، وَالْجَرِيبُ عَشْرُ قَصَبَاتٍ، كُلُّ قَصَبَةٍ سِتَّةُ أَذْرُعٍ بِالْهَاشِمِيِّ، كُلُّ ذِرَاعٍ سِتُّ قَبَضَاتُ، كُلُّ قَبْضَةٍ أَرْبَعُ أَصَابِعَ، فَالْجَرِيبُ مَسَّاحَةٌ مُرَبِّعَةٌ، بَيْنَ كُلِّ جَانِبَيْنِ مِنْهَا سِتُّونَ ذِرَاعًا هَاشِمِيًّا. وَقَالَ: فِي الْأَنْوَارِ: الْجَرِيبُ ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَسِتُّمِائَةِ ذِرَاعٍ. قَالَ: الرَّافِعِيُّ: وَكَانَ مَبْلَغُ ارْتِفَاعُ خَرَاجِ السَّوَادِ فِي زَمَنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مِائَةَ أَلْفِ أَلْفٍ وَسِتَّةً وَثَلَاثِينَ أَلْفِ أَلْفِ دِرْهَمٍ ثُمَّ تَنَاقَصَ إلَى أَنْ بَلَغَ فِي أَيَّامِ الْحَجَّاجِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفِ أَلْفِ دِرْهَمٍ لِظُلْمِهِ وَغَشَمِه فَلَمَّا وُلِّيَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ارْتَفَعَ بِعَدْلِهِ وَعِمَارَتِهِ فِي السَّنَةِ الْأُولَى إلَى ثَلَاثِينَ أَلْفِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَفِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ إلَى سِتِّينَ أَلْفِ أَلْفِ دِرْهَمٍ. وَقَالَ: إنْ عِشْتُ لَأَزِيدَنَّهُ إلَى مَا كَانَ فِي أَيَّامِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَمَاتَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ.

(وَهُوَ) أَيْ سَوَادُ الْعِرَاقِ بِاتِّفَاقِ مُصَنِّفِي الْفُتُوحِ وَالتَّارِيخِ زَمَنَ عُرِفَ أَسْمَاءُ الْبُلْدَانِ (مِنْ) أَوَّلِ (عَبَّادَانَ) بِمُوَحَّدَةِ مُشَدَّدَةٍ: مَكَانٌ قُرْبَ الْبَصْرَةِ (إلَى حَدِيثَةِ الْمَوْصِلِ) بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَمِيمٍ مَفْتُوحَتَيْنِ (طُولًا) وَقُيِّدَتْ الْحَدِيثَةُ بِالْمَوْصِلِ لِإِخْرَاجِ حَدِيثَةِ أُخْرَى عِنْدَ بَغْدَادَ، سُمِّيَتْ الْمَوْصِلَ؛ لِأَنَّ نُوحًا وَمَنْ كَانَ مَعَهُ فِي السَّفِينَةِ لَمَّا نَزَلُوا عَلَى الْجُودِيِّ أَرَادُوا أَنْ يَعْرِفُوا قَدْرَ الْمَاءِ الْمُتَبَقَّى عَلَى الْأَرْضِ فَأَخَذُوا حَبْلًا وَجَعَلُوا فِيهِ حَجَرًا ثُمَّ دَلَّوْهُ فِي الْمَاءِ فَلَمْ يَزَالُوا كَذَلِكَ حَتَّى بَلَغُوا مَدِينَةَ الْمَوْصِلِ، فَلَمَّا وَصَلَ الْحَجَرُ سُمِّيَتْ الْمَوْصِلَ. ثُمَّ أَخَذَ الْمُصَنِّفُ فِي بَيَانِ عَرْضِ السَّوَادِ بِقَوْلِهِ (وَمِنْ) أَوَّلِ (الْقَادِسِيَّةِ) اسْمُ مَكَان بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكُوفَةِ نَحْوَ مَرْحَلَتَيْنِ، وَبَيْنَ بَغْدَادَ نَحْوَ خَمْسِ مَرَاحِلَ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْمًا مِنْ قَادِسَ نَزَلُوهَا (إلَى) آخِرَ (حُلْوَانَ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ بَلَدٌ مَعْرُوفٌ (عَرْضًا) هَذَا مَا فِي الْمُحَرَّرِ. وَقَالَ: فِي الشَّرْحِ: فِيهِ تَسَاهُلٌ؛ لِأَنَّ الْبَصْرَةَ كَانَتْ سَبِخَةً أَحْيَاهَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ بَعْدَ فَتْحِ الْعِرَاقِ، وَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي هَذَا الْحَدِّ الْمَذْكُورِ فَلِذَلِكَ اسْتَدْرَكَ الْمُصَنِّفُ عَلَى إطْلَاقِ الْمُحَرَّرِ بِقَوْلِهِ (قُلْتُ) كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ (الصَّحِيحُ أَنَّ الْبَصْرَةَ) بِتَثْلِيثِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْفَتْحِ أَفْصَحُ: مَدِينَةٌ بَنَاهَا عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ زَمَنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَلَمْ يُعْبَدْ بِهَا صَنَمٌ قَطُّ، وَيُقَالُ لَهَا قُبَّةُ الْإِسْلَامِ، وَهِيَ أَقْوَمُ الْبِلَادِ قِبْلَةً، وَهِيَ (وَإِنْ كَانَتْ دَاخِلَةً فِي حَدِّ السَّوَادِ) الْمُضَافِ إلَى الْعِرَاقِ (فَلَيْسَ لَهَا حُكْمُهُ إلَّا فِي مَوْضِعٍ غَرْبِيِّ دِجْلَتِهَا) بِكَسْرِ الدَّالِ: نَهْرٌ مَشْهُورٌ بِالْعِرَاقِ (وَ) إلَّا (فِي مَوْضِعِ شَرْقِيِّهَا) يُسَمَّى الْفُرَاتَ، وَمَا

ص: 49

وَأَنَّ مَا فِي السَّوَادِ مِنْ الدُّورِ وَالْمَسَاكِنِ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَفُتِحَتْ مَكَّةُ صُلْحًا، فَدُورُهَا وَأَرْضُهَا الْمُحْيَاةُ مِلْكٌ يُبَاعُ.

ــ

[مغني المحتاج]

سِوَاهُمَا مِنْهَا فَمَوَاتٌ أَحْيَاهُ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَ ذَلِكَ.

تَنْبِيهٌ: مَا فِي أَرْضِ سَوَادِ الْعِرَاقِ مِنْ الْأَشْجَارِ ثِمَارُهَا لِلْمُسْلِمِينَ يَبِيعُهَا الْإِمَامُ، وَيَصْرِفُ أَثْمَانَهَا أَوْ يَصْرِفُهَا نَفْسَهَا مَصَارِفَ الْخَرَاجِ، وَهُوَ مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ كَمَا مَرَّ (وَ) الصَّحِيحُ (أَنَّ مَا فِي السَّوَادِ مِنْ الدُّورِ وَالْمَسَاكِنِ يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) إذْ لَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ، وَلِهَذَا لَا يُؤْخَذُ عَلَيْهَا خَرَاجٌ، وَلِأَنَّ وَقْفَهَا يُفْضِي إلَى خَرَابِهَا. نَعَمْ إنْ كَانَتْ آلَتُهَا مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهَا كَمَا قَالَهُ: الْأَذْرَعِيُّ تَفَقُّهًا، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ النَّصِّ، وَقَطَعَ بِهِ مِنْ أَنَّ الْمَوْجُودَ مِنْ الدُّورِ حَالَ الْفَتْحِ وَقْفٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَالثَّانِي الْمَنْعُ كَالْمَزَارِعِ.

تَنْبِيهٌ: لَوْ رَأَى الْإِمَامُ الْيَوْمَ أَنْ يَقِفَ أَرْضَ الْغَنِيمَةِ كَمَا فَعَلَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَوْ عَقَارَاتِهَا أَوْ مَنْقُولَاتِهَا جَازَ إنْ رَضِيَ الْغَانِمُونَ بِذَلِكَ كَنَظِيرِهِ فِيمَا مَرَّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، لَا قَهْرًا عَلَيْهِمْ، وَإِنْ خَشِيَ أَنَّهَا تَشْغَلُهُمْ عَنْ الْجِهَادِ؛ لِأَنَّهَا مِلْكُهُمْ، لَكِنْ يَقْهَرُهُمْ عَلَى الْخُرُوجِ إلَى الْجِهَادِ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ، وَلَا يُرَدُّ شَيْءٌ مِنْ الْغَنِيمَةِ إلَى الْكُفَّارِ إلَّا بِرِضَا الْغَانِمِينَ؛ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوا أَنْ يَتَمَلَّكُوهَا.

(وَفُتِحَتْ مَكَّةُ صُلْحًا) لَا عَنْوَةً، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الأَدْبَارَ} [الفتح: 22] الْآيَةَ يَعْنِي أَهْلَ مَكَّةَ، وقَوْله تَعَالَى:{وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ} [الفتح: 24] وقَوْله تَعَالَى: {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ} [الفتح: 20] إلَى قَوْلِهِ: {وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا} [الفتح: 21] أَيْ بِالْقَهْرِ: قِيلَ الَّتِي عَجَّلَهَا لَهُمْ غَنَائِمُ حُنَيْنٍ، وَاَلَّتِي لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهَا غَنَائِمُ مَكَّةَ، وَمَنْ قَالَ: فُتِحَتْ عَنْوَةً، مَعْنَاهُ أَنَّهُ دَخَلَ مُسْتَعِدًّا لِلْقِتَالِ لَوْ قُوتِلَ. قَالَهُ الْغَزَالِيُّ:(فَدُورُهَا وَأَرْضُهَا الْمُحْيَاةُ مِلْكٌ يُبَاعُ) إذْ لَمْ يَزَلْ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَهَا، وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«لَمَّا قَالَ: لَهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَنْزِلُ غَدًا بِدَارِك بِمَكَّةَ؟ فَقَالَ: وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رَبَاعٍ أَوْ دُورٍ؟» وَكَانَ عَقِيلٌ وَرِثَ أَبَا طَالِبٍ وَطَالِبٌ دُونَ عَلِيٍّ وَجَعْفَرٍ؛ لِأَنَّهُمَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ، وَلَا يُورَثُ إلَّا مَا كَانَ الْمَيِّتُ مَالِكًا لَهُ، وَمَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ بَيْعِهَا. قَالَ الرُّويَانِيُّ: وَيُكْرَهُ بَيْعُهَا وَإِجَارَتُهَا لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ وَنَازَعَهُ الْمُصَنِّفِ فِي مَجْمُوعِهِ، وَقَالَ: إنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَهْيٌ مَقْصُودٍ، وَالْأَوَّلُ كَمَا قَالَ: الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الْمَنْصُوصُ، بَلْ اعْتَرَضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ فَإِنَّهُ صَرَّحَ بِكَرَاهَةِ بَيْعِ الْمُصْحَفِ وَالشِّطْرَنْجِ وَلَمْ يَرِدْ فِيهِمَا نَهْيٌ مَقْصُودٌ.

تَنْبِيهٌ: مَحِلُّ الْخِلَافِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي بَيْعِ نَفْسِ الْأَرْضِ. أَمَّا الْبِنَاءُ فَهُوَ مَمْلُوكٌ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِلَا خِلَافٍ: أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَجْزَاءِ أَرْضِهَا كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ فِي بِنَاءِ السَّوَادِ، وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالْفَاءِ يَقْتَضِي تَرَتُّبَ كَوْنِهَا مِلْكًا عَلَى الصُّلْحِ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ مُقْتَضَى الصُّلْحِ أَنَّهَا وَقْفٌ؛ لِأَنَّهَا

ص: 50