الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ] جُنَّ قَاضٍ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ عَمِيَ أَوْ ذَهَبَتْ أَهْلِيَّةُ اجْتِهَادِهِ وَضَبْطِهِ بِغَفْلَةٍ أَوْ نِسْيَانٍ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ، وَكَذَا لَوْ فُسِّقَ فِي الْأَصَحِّ،
ــ
[مغني المحتاج]
تَنْبِيهٌ: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي نَصْبِ الْقَاضِيَيْنِ يَجْرِي أَيْضًا فِي أَكْثَرَ مِنْ قَاضِيَيْنِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ: بِشَرْطِ أَنْ يَقِلَّ عَدَدُهُمْ، فَإِنْ كَثُرَ لَمْ يَصِحَّ قَطْعًا وَلَمْ يَحُدُّوا الْقِلَّةَ وَالْكَثْرَةَ بِشَيْءٍ. قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: وَيَجُوزُ أَنْ يُنَاطَ ذَلِكَ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ اهـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ.
تَتِمَّةٌ: قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَوْ قَلَّدَهُ: أَيْ الْإِمَامُ بَلَدًا وَسَكَتَ عَنْ نَوَاحِيهَا، فَإِنْ جَرَى الْعُرْفُ بِإِفْرَادِهَا عَنْهَا لَمْ تَدْخُلْ فِي وِلَايَتِهِ، وَإِنْ جَرَتْ بِإِضَافَتِهَا دَخَلَتْ، وَإِنْ اخْتَلَفَ الْعُرْفُ رُوعِيَ أَكْثَرُهَا عُرْفًا، فَإِنْ اسْتَوَيَا رُوعِيَ أَقْرَبُهُمَا عَهْدًا.
[فَصَلِّ فِيمَا يَعْرِضُ لِلْقَاضِي مِمَّا يَقْتَضِي عَزْلَهُ أَوْ انْعِزَالَهُ]
[فَصْلٌ] فِيمَا يَعْرِضُ لِلْقَاضِي مِمَّا يَقْتَضِي عَزْلَهُ أَوْ انْعِزَالَهُ (جُنَّ قَاضٍ) أَطْبَقَ جُنُونُهُ أَوْ تَقَطَّعَ كَمَا يَقْتَضِيه إطْلَاقُهُمْ، وَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فِي بَابِ الْبُغَاةِ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ تَقَطَّعَ جُنُونُهُ وَزَمَنُ الْإِفَاقَةِ أَكْثَرُ بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ فِيهِ الْقِيَامُ بِالْأُمُورِ أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ. قِيلَ: وَقِيَاسُهُ فِي الْقَاضِي كَذَلِكَ، وَسَيَأْتِي الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْقَاضِي (أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ عَمِيَ) وَفِي مَعْنَى الْعَمَى الْخَرَسُ وَالصَّمَمُ (أَوْ ذَهَبَتْ أَهْلِيَّةُ اجْتِهَادِهِ وَضَبْطِهِ بِغَفْلَةٍ أَوْ نِسْيَانٍ) مُخِلٍّ بِالضَّبْطِ (لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ) فِي حَالٍ مِمَّا ذُكِرَ لِانْعِزَالِهِ بِذَلِكَ، وَلِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ تَمْنَعُ مِنْ وِلَايَةِ الْأَبِ، فَالْحَاكِمُ أَوْلَى.
تَنْبِيهَاتٌ: أَحَدُهَا يُسْتَثْنَى مِنْ عَدَمِ نُفُوذِ قَضَاءِ الْأَعْمَى مَا لَوْ سَمِعَ الْبَيِّنَةَ وَتَعْدِيلَهَا ثُمَّ عَمِيَ فَإِنَّ قَضَاءَهُ يَنْفُذُ فِي تِلْكَ الْوَاقِعَةِ إنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَى إشَارَةٍ فَكَأَنَّهُ إنَّمَا انْعَزَلَ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ، بَلْ لَوْ عَادَ بَصَرُهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَنْعَزِلْ لِأَنَّهُ لَوْ ذَهَبَ لِمَا عَادَ كَمَا مَرَّ ذَلِكَ فِي الْجِنَايَاتِ. الثَّانِي: قَوْلُهُ: ذَهَبَتْ أَهْلِيَّةُ اجْتِهَادِهِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ. أَمَّا الْمُقَلِّدُ لِمَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ إذَا كَانَ مُجْتَهِدًا فِيهِ، فَإِذَا خَرَجَ عَنْ أَهْلِيَّةِ الِاجْتِهَادِ فِيهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: فَحُكْمُهُ كَذَلِكَ وَأَوْلَى. قَالَ: وَمَنْ لَمْ يَبْلُغْ هَذِهِ الرُّتْبَةَ وَهُوَ الْمَوْجُودُ الْيَوْمَ غَالِبًا فَلَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا، وَيُشْبِهُ أَنَّهُ إذَا حَصَلَ لَهُ أَدْنَى تَغَفُّلٍ وَنَحْوِهِ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ لِانْحِطَاطِ رُتْبَتِهِ فَيُقْدَحُ فِي وِلَايَتِهِ مَا عَسَاهُ يُغْتَفَرُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ. الثَّالِثُ: الْمَرَضُ الْمُعْجِزُ لَهُ عَنْ النَّهْضَةِ وَالْحُكْمِ يَنْعَزِلُ بِهِ إذَا كَانَ لَا يُرْجَى زَوَالُهُ، فَإِنْ رُجِيَ أَوْ عَجَزَ عَنْ النَّهْضَةِ دُونَ الْحُكْمِ لَمْ يَنْعَزِلْ. قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. الرَّابِعُ لَوْ أَنْكَرَ كَوْنَهُ قَاضِيًا، فَفِي الْبَحْرِ يَنْعَزِلُ، وَمَحِلُّهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إذَا تَعَمَّدَ وَلَا غَرَضَ لَهُ فِي الْإِخْفَاءِ. الْخَامِسُ: لَوْ أَنْكَرَ الْإِمَامُ كَوْنَهُ قَاضِيًا لَمْ يَنْعَزِلْ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ (وَكَذَا لَوْ فُسِّقَ) لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ، وَيَنْعَزِلُ (فِي الْأَصَحِّ) لِوُجُودِ الْمُنَافِي لِلْوِلَايَةِ. وَالثَّانِي يَنْفُذُ كَالْإِمَامِ الْأَعْظَمِ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِحُدُوثِ الْفِتَنِ وَاضْطِرَابِ الْأُمُورِ.
فَإِنْ زَالَتْ هَذِهِ الْأَحْوَالُ لَمْ تَعُدْ وِلَايَتُهُ فِي الْأَصَحِّ.
وَلِلْإِمَامِ عَزْلُ قَاضٍ ظَهَرَ مِنْهُ خَلَلٌ أَوْ لَمْ يَظْهَرْ، وَهُنَاكَ أَفْضَلُ مِنْهُ أَوْ مِثْلُهُ وَفِي عَزْلِهِ بِهِ مَصْلَحَةٌ كَتَسْكِينِ فِتْنَةٍ، وَإِلَّا فَلَا لَكِنْ يَنْفُذُ الْعَزْلُ فِي الْأَصَحِّ.
ــ
[مغني المحتاج]
تَنْبِيهٌ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُكَرَّرَةٌ لِتَقَدُّمِهَا فِي فَصْلِ الْإِيصَاءِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: ذُكِرَتْ هُنَاكَ لِلِانْعِزَالِ، وَهُنَا لِعَدَمِ نُفُوذِ الْحُكْمِ، وَلِهَذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلِانْعِزَالِ، وَإِنْ كُنْتُ قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ.
تَنْبِيهٌ مَحِلُّ ذَلِكَ فِي غَيْرِ قَاضِي الضَّرُورَةِ. أَمَّا هُوَ إذَا وَلَّاهُ ذُو شَوْكَةٍ وَالْقَاضِي فَاسِقٌ فَزَادَ فِسْقُهُ، فَلَا يَنْعَزِلُ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. فَإِنْ قِيلَ: فَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ إذَا أَحْدَثَ بَعْدَ إحْرَامِهِ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ عَلَى الرَّاجِحِ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ صَلَاتَهُ إنَّمَا بَطَلَتْ لِشُمُولِ النَّصِّ لَهَا، وَهُوَ حَتَّى يَجِدَ رِيحًا أَوْ يَسْمَعَ صَوْتًا. ثُمَّ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِفَرْعٍ مِنْ قَاعِدَةٍ أَنَّ الزَّائِلَ الْعَائِدَ كَاَلَّذِي لَمْ يَعُدْ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ زَالَتْ هَذِهِ الْأَحْوَالُ) السَّابِقَةُ مِنْ جُنُونٍ وَمَا بَعْدَهُ ثُمَّ عَادَتْ الْأَهْلِيَّةُ (لَمْ تَعُدْ وِلَايَتُهُ) بِلَا تَوْلِيَةٍ (فِي الْأَصَحِّ) كَالْوَكَالَةِ، وَلِأَنَّ الشَّيْءَ إذَا بَطَلَ لَمْ يَنْقَلِبْ إلَى الصِّحَّةِ بِنَفْسِهِ، وَإِنْ زَالَ الْمَانِعُ كَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ، وَالثَّانِي؛ تَعُودُ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْنَافِ تَوْلِيَةٍ كَالْأَبِ إذَا جُنَّ ثُمَّ أَفَاقَ، أَوْ فَسَقَ ثُمَّ تَابَ.
تَنْبِيهٌ لَوْ زَالَتْ أَهْلِيَّةُ النَّاظِرِ عَلَى الْوَقْفِ ثُمَّ عَادَتْ، فَإِنْ كَانَ نَظَرُهُ مَشْرُوطًا فِي أَصْلِ الْوَقْفِ عَادَتْ وِلَايَتُهُ جَزْمًا كَمَا أَفْتَى بِهِ الْمُصَنِّفُ لِقُوَّتِهِ، إذْ لَيْسَ لِأَحَدٍ عَزْلُهُ، وَإِلَّا فَلَا يَعُودُ إلَّا بِتَوْلِيَةٍ جَدِيدَةٍ.
(وَ) يَجُوزُ (لِلْإِمَامِ)(عَزْلُ قَاضٍ ظَهَرَ مِنْهُ خَلَلٌ) لَا يَقْتَضِي انْعِزَالَهُ، وَيَكْفِي فِيهِ غَلَبَةُ الظَّنِّ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْوَسِيطِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَمِنْ الظَّنِّ كَثْرَةُ الشَّكَاوَى مِنْهُ، بَلْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: إذَا كَثُرَتْ الشَّكَاوَى مِنْهُ وَجَبَ عَزْلُهُ اهـ.
وَهَذَا ظَاهِرٌ وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَزَلَ إمَامًا يُصَلِّي بِقَوْمٍ بَصَقَ فِي الْقِبْلَةِ وَقَالَ: لَا يُصَلِّي بِهِمْ بَعْدَهَا أَبَدًا» وَإِذَا جَازَ هَذَا فِي إمَامِ الصَّلَاةِ جَازَ فِي الْقَاضِي، بَلْ أَوْلَى. نَعَمْ إنْ كَانَ مُتَعَيَّنًا لِلْقَضَاءِ لَمْ يَجُزْ عَزْلُهُ، وَلَوْ عَزَلَهُ لَمْ يَنْعَزِلْ. أَمَّا ظُهُورُ خَلَلٍ يَقْتَضِي انْعِزَالَهُ، فَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى عَزْلٍ لِانْعِزَالِهِ بِهِ (أَوْ لَمْ يَظْهَرْ) مِنْهُ خَلَلٌ (وَ) لَكِنَّ (هُنَاكَ) مَنْ هُوَ (أَفْضَلُ مِنْهُ) تَحْصِيلًا لِتِلْكَ الْمَزِيَّةِ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّ وِلَايَةَ الْمَفْضُولِ لَا تَنْعَقِدُ مَعَ وُجُودِ الْفَاضِلِ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ قَدْ تَمَّتْ فَلَا يُقْدَحُ فِيهَا مَا يَحْدُثُ (أَوْ) كَانَ هُنَاكَ (مِثْلُهُ) أَيْ أَوْ دُونَهُ (وَ) لَكِنْ (فِي عَزْلِهِ بِهِ) لِلْمُسْلِمِينَ (مَصْلَحَةٌ كَتَسْكِينِ فِتْنَةٍ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ لِلْمُسْلِمِينَ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ فِي عَزْلِهِ مَصْلَحَةٌ (فَلَا) يَجُوزُ عَزْلُهُ؛ لِأَنَّهُ عَبَثٌ وَتَصَرُّفُ الْإِمَامِ يُصَانُ عَنْهُ.
وَهَذَا قَيْدٌ فِي الْمِثْلِ لَا فِي الْأَفْضَلِ، وَقَيَّدَهُ فِي الْمُحَرَّرِ أَيْضًا بِعَدَمِ الْفِتْنَةِ فِي عَزْلِهِ، فَقَالَ: أَوْ مِثْلُهُ، وَفِي عَزْلِهِ بِهِ لِلْمُسْلِمِينَ مَصْلَحَةٌ، وَلَيْسَ فِي عَزْلِهِ فِتْنَةٌ وَلَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ بِقَوْلِهِ، وَفِي عَزْلِهِ بِهِ مَصْلَحَةٌ فَقَدْ يَكُونُ الشَّيْءُ مَصْلَحَةً مِنْ وَجْهِ آخَرَ، وَ (لَكِنْ يَنْفُذُ الْعَزْلُ فِي الْأَصَحِّ) مُرَاعَاةً لِطَاعَةِ الْإِمَامِ. وَالثَّانِي:
وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ قَبْلَ بُلُوغِهِ خَبَرَ عَزْلِهِ.
ــ
[مغني المحتاج]
لَا لِأَنَّهُ لَا خَلَلَ فِي الْأَوَّلِ وَلَا مَصْلَحَةَ فِي عَزْلِهِ. أَمَّا إذَا لَمْ يُوجَدْ هُنَاكَ مَنْ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ غَيْرُهُ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ، وَمَتَى كَانَ الْعَزْلُ فِي مَحِلِّ النَّظَرِ وَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى الْإِمَامِ فِيهِ وَيَحْكُمُ بِنُفُوذِهِ.
وَلَوْ وَلَّى الْإِمَامُ قَاضِيًا ظَانًّا مَوْتَ الْقَاضِي الْأَوَّلِ أَوْ فِسْقَهُ فَبَانَ حَيًّا أَوْ عَدْلًا لَمْ يَقْدَحْ فِي وِلَايَةِ الثَّانِي كَذَا قَالَاهُ، وَقَضِيَّتُهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ انْعِزَالُ الْأَوَّلِ بِالثَّانِي؛ لِأَنَّهُ أَقَامَهُ مَقَامَهُ لَا أَنَّهُ ضَمَّهُ إلَيْهِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْبَغَوِيّ فِي تَعْلِيقِهِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْقَفَّالِ عَدَمُ انْعِزَالِهِ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ، وَفِي بَعْضِ الشُّرُوحِ أَنَّ تَوْلِيَةَ قَاضٍ بَعْدَ قَاضٍ هَلْ هِيَ عَزْلٌ لِلْأَوَّلِ؟ وَجْهَانِ وَلِيَكُونَا مَبْنِيَّيْنِ عَلَى أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي بَلَدٍ قَاضِيَانِ اهـ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالرَّاجِحُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِعَزْلٍ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي الرَّوْضَةِ فِي الْوَكَالَةِ أَنَّهُ لَوْ وَكَّلَ شَخْصًا، ثُمَّ وَكَّلَ آخَرَ فَلَيْسَ بِعَزْلٍ لِلْأَوَّلِ قَطْعًا مَعَ أَنَّ تَصَرُّفَ الْوَكِيلِ أَضْعَفُ مِنْ تَصَرُّفِ الْقَاضِي، وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِالْإِمَامِ عَنْ الْقَاضِي مَعَ خَلِيفَتِهِ فَلَهُ عَزْلُهُ بِلَا مُوجِبٍ بِنَاءً عَلَى انْعِزَالِهِ بِمَوْتِهِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالسُّبْكِيُّ، وَإِنْ خَالَفَ فِيهِ الْبُلْقِينِيُّ وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ: وَلِلْإِمَامِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْقَاضِي عَزْلُ نَفْسِهِ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ لَهُ عَزْلُ نَفْسِهِ كَالْوَكِيلِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ: إلَّا أَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ فَلَا يَعْزِلُ نَفْسَهُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَلَا يَنْعَزِلُ.
تَنْبِيهٌ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ جَوَازِ الْعَزْلِ مَحِلُّهُ فِي الْأَمْرِ الْعَامِّ. أَمَّا الْخَاصُّ. فَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ نَقْلًا عَنْ إفْتَاءِ جَمْعٍ مُتَأَخِّرِينَ: وَلَا يَنْعَزِلُ أَرْبَابُ الْوَظَائِفِ الْخَاصَّةِ كَالْإِمَامَةِ، وَالْأَذَانِ، وَالتَّصَرُّفِ، وَالتَّدْرِيسِ، وَالطَّلَبِ، وَالنَّظَرِ بِالْعَزْلِ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي شَرْطِ الْوَاقِفِ مَا يَقْتَضِيهِ، وَقَاسَهُ عَلَى الْجُنْدِ الْمُثْبَتِينَ فِي الدِّيوَانِ، وَفِيهِ كَلَامٌ لِلسُّبْكِيِّ ذَكَرْتُهُ فِي بَابِ الْوَقْفِ (وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ) أَيْ الْقَاضِيَ (لَا يَنْعَزِلُ قَبْلَ بُلُوغِهِ خَبَرَ عَزْلِهِ) وَفِي قَوْلِهِ مِنْ الطَّرِيقِ الثَّانِي أَنَّهُ يَنْعَزِلُ كَأَرْجَحِ الْقَوْلَيْنِ فِي الْوَكِيلِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عَلَى الْأَوَّلِ عِظَمُ الضَّرَرِ فِي نَقْضِ أَقْضِيَتِهِ بَعْدَ الْعَزْلِ، وَقَبْلَ بُلُوغِ الْخَبَرِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ، وَلَوْ عَلِمَ الْخَصْمُ أَنَّهُ مَعْزُولٌ لَمْ يُنَفِّذْ حُكْمَهُ لَهُ لِعِلْمِهِ أَنَّهُ غَيْرُ حَاكِمٍ بَاطِنًا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي النِّكَاحِ. نَعَمْ لَوْ رَضِيَ بِحُكْمِهِ كَانَ كَالتَّحْكِيمِ.
تَنْبِيهٌ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِمَا يَحْصُلُ بِهِ بُلُوغُ خَبَرِ الْعَزْلِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: يَنْبَغِي إلْحَاقُ ذَلِكَ بِخَبَرِ التَّوْلِيَةِ أَيْ تَوْلِيَةِ الْقَضَاءِ، بَلْ أَوْلَى حَتَّى يُعْتَبَرَ شَاهِدَانِ وَتَكْفِي الِاسْتِفَاضَةُ، وَلَا يَكْفِي الْكِتَابُ الْمُجَرَّدُ فِي الْأَصَحِّ فِيهِمَا. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَكْفِي خَبَرُ عَدْلٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ عَبْدًا وَامْرَأَةً اهـ.
وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَ التَّوْلِيَةِ وَالْعَزْلِ، بِأَنَّ التَّوْلِيَةَ فِيهَا إقْدَامٌ عَلَى الْأَحْكَامِ فَيُحْتَاطُ لَهَا، وَالْعَزْلُ فِيهِ تَوَقُّفٌ عَنْهَا، وَهُوَ أَحْوَطُ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: لَوْ بَلَغَهُ الْخَبَرُ، وَلَمْ يَبْلُغْ نُوَّابَهُ لَا يَنْعَزِلُونَ حَتَّى يَبْلُغَهُمْ الْخَبَرُ وَتَبْقَى وِلَايَةُ أَصْلِهِمْ مُسْتَمِرَّةً حُكْمًا، وَإِنْ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ، وَيَسْتَمِرُّ مَا رَتَّبَ لَهُ عَلَى سَدِّ الْوَظِيفَةِ لِسَدِّهَا بِنُوَّابِهِ. قَالَ: وَالْقِيَاسُ فِي عَكْسِهِ -: أَيْ فِيمَا لَوْ بُلِّغَ النَّائِبُ قَبْلَ أَصْلِهِ أَنَّ النَّائِبَ لَا يَنْعَزِلُ حَتَّى يَبْلُغَ أَصْلَهُ خَبَرُ الْعَزْلِ وَيَنْفُذُ حُكْمُهُ كَمَا يَنْفُذُ حُكْمُ أَصْلِهِ.
وَإِذَا كَتَبَ الْإِمَامُ إلَيْهِ إذَا قَرَأْتَ كِتَابِي فَأَنْتَ مَعْزُولٌ فَقَرَأَهُ انْعَزَلَ، وَكَذَا إنْ قُرِئَ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ.
وَيَنْعَزِلُ بِمَوْتِهِ وَانْعِزَالِهِ مَنْ أَذِنَ لَهُ فِي شَغْلٍ مُعَيَّنٍ كَبَيْعِ مَالِ مَيِّتٍ وَالْأَصَحُّ انْعِزَالُ نَائِبِهِ الْمُطْلَقِ إنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي الِاسْتِخْلَافِ، أَوْ قِيلَ لَهُ: اسْتَخْلِفْ عَنْ نَفْسِكَ أَوْ أَطْلَقَ،
ــ
[مغني المحتاج]
قَالَ: وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ اهـ.
وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ فِي الْأَوَّلِ مَمْنُوعٌ فِي الْعَكْسِ؛ لِأَنَّ النَّائِبَ دَخَلَ فِي عُمُومِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ حَتَّى يَبْلُغَهُ الْخَبَرُ وَالنَّائِبُ قَاضٍ فَيَنْعَزِلُ بِبُلُوغِ الْخَبَرِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ شَيْخُنَا فِي بَعْضِ كُتُبِهِ.
وَلَوْ وَلَّى السُّلْطَانُ قَاضِيًا بِبَلَدٍ فَحَكَمَ ذَلِكَ الْقَاضِي وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ السُّلْطَانَ وَلَّاهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَنْفُذَ حُكْمُهُ: كَمَا لَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا بِبَيْعِ شَيْءٍ فَتَصَرَّفَ الْوَكِيلُ وَبَاعَهُ، ثُمَّ عَلِمَ بِالْوَكَالَةِ، فَإِنَّ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ وَغَيْرَهُ قَالُوا: هُوَ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ بَاعَ مَالَ أَبِيهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ فَبَانَ مَيِّتًا. اهـ.
وَالظَّاهِرُ عَدَمُ نُفُوذِ حُكْمِهِ لِاشْتِرَاطِ قَبُولٍ مِنْ الْقَاضِي وَأَخْذًا مِمَّا بَحَثَهُ فِي قَاضٍ أَقْدَمَ عَلَى تَزْوِيجِ امْرَأَةٍ يَعْتَقِدُ أَنَّهَا فِي غَيْرِ مَحِلِّ وِلَايَتِهِ، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهَا بِمَحِلِّ وِلَايَتِهِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، قَالَ: لِأَنَّهُ بِالْإِقْدَامِ يَفْسُقُ وَيَخْرُجُ عَنْ الْوِلَايَةِ.
(وَإِذَا) عَلَّقَ الْإِمَامُ عَزْلَ الْقَاضِي بِقِرَاءَةِ كِتَابٍ كَأَنْ (كَتَبَ الْإِمَامُ إلَيْهِ إذَا قَرَأْتَ كِتَابِي فَأَنْتَ مَعْزُولٌ فَقَرَأَهُ انْعَزَلَ) لِوُجُودِ الصِّفَةِ، وَكَذَا لَوْ طَالَعَهُ وَفَهِمَ مَا فِيهِ وَلَمْ يَتَلَفَّظْ (وَكَذَا إنْ قُرِئَ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ الْقَصْدَ إعْلَامُهُ بِالْعَزْلِ لَا قِرَاءَتُهُ بِنَفْسِهِ، وَالثَّانِي: لَا يَنْعَزِلُ نَظَرًا إلَى صُورَةِ اللَّفْظِ، وَلَوْ كَتَبَ إلَيْهِ عَزَلْتُكَ أَوْ أَنْتَ مَعْزُولٌ مِنْ غَيْرِ تَعْلِيقٍ عَلَى الْقِرَاءَةِ لَمْ يَنْعَزِلْ مَا لَمْ يَأْتِهِ الْكِتَابُ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ.
تَنْبِيهٌ لَوْ جَاءَهُ بَعْضُ الْكِتَابِ فَقِيَاسُ مَا قَالُوهُ فِي الطَّلَاقِ أَنَّهُ إنْ انْمَحَى مَوْضِعُ الْعَزْلِ لَا يَنْعَزِلُ وَإِلَّا انْعَزَلَ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ انْعِزَالِ نُوَّابِ الْقَاضِي. فَقَالَ (وَيَنْعَزِلُ بِمَوْتِهِ) أَيْ الْقَاضِي (وَانْعِزَالِهِ) نَائِبُهُ الْمُقَيَّدُ، وَهُوَ كُلُّ (مَنْ أَذِنَ لَهُ فِي شَغْلٍ مُعَيَّنٍ كَبَيْعِ مَالِ مَيِّتٍ) أَوْ غَائِبٍ وَسَمَاعِ شَهَادَةٍ فِي حَادِثَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْقَضَايَا الْجُزْئِيَّةِ كَالْوَكِيلِ، وَالْمُرَادُ إذَا عَلِمَ بِذَلِكَ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ، وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ سُرَاقَةَ، وَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ السَّرَخْسِيِّ أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ نَصَّبَ نَائِبًا عَنْ الْقَاضِي لَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ الْقَاضِي وَانْعِزَالِهِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إذَا كَانَ الْإِذْنُ مُقَيَّدًا بِالنِّيَابَةِ وَلَمْ يَبْقَ الْأَصْلُ لَمْ يَبْقَ النَّائِبُ. اهـ وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَبَحَثَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْمَوْتَ لَيْسَ بِعَزْلٍ، بَلْ يَنْتَهِي بِهِ الْقَضَاءُ (وَالْأَصَحُّ انْعِزَالُ نَائِبِهِ الْمُطْلَقِ) بِمَا ذَكَرَهُ، وَهَذَا (إنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي الِاسْتِخْلَافِ) لِأَنَّ الِاسْتِخْلَافَ فِي هَذِهِ لِلْمُعَاوَنَةِ، وَقَدْ زَالَتْ وِلَايَتُهُ فَبَطَلَتْ الْمُعَاوَنَةُ (أَوْ) إنْ (قِيلَ لَهُ) أَيْ قَالَ لَهُ الْإِمَامُ (اسْتَخْلِفْ عَنْ نَفْسِكَ، أَوْ أَطْلَقَ) لَهُ الِاسْتِخْلَافَ لِظُهُورِ غَرَضِ الْمُعَاوَنَةِ وَبُطْلَانِهَا بِبُطْلَانِ وِلَايَتِهِ.
تَنْبِيهٌ مَحِلُّ انْعِزَالِهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إذَا لَمْ يُعَيِّنْ مَنْ يَسْتَخْلِفُهُ، فَإِنْ قَالَ: اسْتَخْلِفْ فُلَانًا فَهُوَ كَقَوْلِهِ اسْتَخْلِفْ عَنِّي فَلَا يَنْعَزِلُ؛ لِأَنَّهُ قَطَعَ نَظَرَهُ بِالتَّعْيِينِ وَجَعَلَهُ سَفِيرًا، أَشَارَ إلَيْهِ الْمَاوَرْدِيُّ
فَإِنْ قَالَ اسْتَخْلِفْ عَنِّي فَلَا.
وَلَا يَنْعَزِلُ قَاضٍ بِمَوْتِ الْإِمَامِ وَلَا نَاظِرُ يَتِيمٍ وَوَقْفٍ بِمَوْتِ قَاضٍ.
وَلَا يَقْبَلُ قَوْلُهُ بَعْدَ انْعِزَالِهِ: حَكَمْت بِكَذَا،
ــ
[مغني المحتاج]
وَالرُّويَانِيُّ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ (فَإِنْ قَالَ:) أَيْ قَالَ الْإِمَامُ لَهُ (اسْتَخْلِفْ عَنِّي فَلَا) يَنْعَزِلُ الْخَلِيفَةُ بِمَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ الْإِمَامِ. وَالْأَوَّلُ سَفِيرٌ فِي التَّوْلِيَةِ. وَالثَّانِي يَنْعَزِلُ مُطْلَقًا كَالْوَكِيلِ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ. وَالثَّالِثُ: لَا مُطْلَقًا رِعَايَةً لِمَصْلَحَةِ النَّاسِ.
تَنْبِيهٌ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ انْعِزَالُ نُوَّابِ قَاضِي الْإِقْلِيمِ الْكَبِيرِ بِمَوْتِهِ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ لَهُ الْإِمَامُ اسْتَخْلِفْ عَنِّي وَهُوَ كَذَلِكَ، فَقَدْ قَالَ الصَّيْمَرِيُّ: نُوَّابُ الْقَاضِي الْكَبِيرِ كَقَاضِي خُرَاسَانَ يَنْعَزِلُونَ بِمَوْتِهِ، وَعَزْلُهُ عَلَى الصَّحِيحِ بِخِلَافِ قُضَاةِ الْإِمَامِ. قَالَ: وَجَعَلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ قُضَاةُ وَالِي الْإِقْلِيمِ كَقُضَاةِ الْإِمَامِ، مَحِلُّهُ فِيمَا إذَا صَرَّحَ الْإِمَامُ لَهُ بِذَلِكَ أَوْ اقْتَضَاهُ الْعُرْفُ، وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ كَالْمَنْصُوبِينَ مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ.
(وَلَا يَنْعَزِلُ قَاضٍ) وَغَيْرُهُ مِمَّنْ وَلِيَ أَمْرًا عَامًّا كَوَكِيلِ بَيْتِ الْمَالِ (بِمَوْتِ الْإِمَامِ) وَانْعِزَالِهِ لِشِدَّةِ الضَّرَرِ فِي تَعْطِيلِ الْحَوَادِثِ، وَفَرَّقَ فِي الْحَاوِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلِيفَةِ الْقَاضِي بِأَنَّ الْإِمَامَ يَسْتَنِيبُ الْقُضَاةَ فِي حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ فَلَمْ يَنْعَزِلُوا بِمَوْتِهِ وَالْقَاضِي يَسْتَنِيبُ خَلِيفَتَهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَانْعَزَلَ بِمَوْتِهِ. قَالَ: وَعَلَى هَذَا الْفَرْقِ يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَعْزِلَ خَلِيفَتَهُ بِغَيْرِ مُوجِبٍ، وَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ عَزْلُ الْقَاضِي بِغَيْرِ مُوجِبٍ اهـ.
وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَأَفْتَى بَعْضُ الْعَصْرِيِّينَ بِانْعِزَالِ وَكِيلِ بَيْتِ الْمَالِ بِمَوْتِ السُّلْطَانِ مُتَمَسِّكًا بِقَوْلِهِمْ: إنَّ الْوَكِيلَ يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ، وَهَذَا جُمُودٌ عَلَى الْأَسْمَاءِ وَذُهُولٌ عَنْ الْمَعْنَى، وَلَيْسَ بِصَوَابٍ بَلْ غَلَطٌ (وَلَا) يَنْعَزِلُ (نَاظِرُ يَتِيمٍ، وَ) نَاظِرُ (وَقْفٍ بِمَوْتِ قَاضٍ) وَانْعِزَالِهِ لِئَلَّا تَتَعَطَّلَ أَبْوَابُ الْمَصَالِحِ.
تَنْبِيهٌ لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ النَّظَرَ لِحَاكِمِ الْمُسْلِمِينَ بِبَلَدِ كَذَا فَفَوَّضَ النَّظَرَ فِيهِ لِوَاحِدٍ. ثُمَّ تَوَلَّى قَاضٍ جَدِيدٌ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الظَّاهِرُ انْعِزَالُهُ قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ آلَ إلَى الْقَاضِي الْجَدِيدِ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ كَمَا لَوْ شَرَطَ النَّظَرَ لِزَيْدٍ. ثُمَّ لِعَمْرٍو فَنَصَّبَ زَيْدٌ لِنَفْسِهِ نَائِبًا فِيهِ. ثُمَّ مَاتَ زَيْدٌ فَإِنَّهُ يَنْعَزِلُ نَائِبُهُ لَا مَحَالَةَ وَيَصِيرُ النَّظَرُ لِعَمْرٍو، فَلْيُحْمَلْ إذًا كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا إذَا آلَ النَّظَرُ إلَى الْقَاضِي لِكَوْنِ الْوَاقِفِ لَمْ يَشْرُطْ نَاظِرًا، أَوْ انْقَرَضَ مَنْ شَرَطَ لَهُ، أَوْ خَرَجَ عَنْ الْأَهْلِيَّةِ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَيَقَعُ فِي كُتُبِ الْأَوْقَافِ كَثِيرًا. فَإِذَا انْقَرَضَتْ الذُّرِّيَّةُ يَكُونُ النَّظَرُ فِيهِ لِحَاكِمِ الْمُسْلِمِينَ بِبَلَدِ كَذَا يُوَلِّيهِ مَنْ شَاءَ مِنْ نُقَبَائِهِ وَنُوَّابِهِ فَإِذَا آلَ النَّظَرُ إلَى قَاضٍ فَوَلَّى النَّظَرَ لِشَخْصٍ، فَهَلْ يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ ذَلِكَ الْقَاضِي أَوْ انْعِزَالِهِ، وَالْأَقْرَبُ عَدَمُ انْعِزَالِهِ.
(وَلَا يَقْبَلُ)(قَوْلُهُ) أَيْ الْقَاضِي (بَعْدَ انْعِزَالِهِ) كُنْتُ (حَكَمْت بِكَذَا) لِفُلَانٍ إلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَ الْحُكْمِ حِينَئِذٍ، فَلَا يَمْلِكُ الْإِقْرَارَ، نَعَمْ لَوْ انْعَزَلَ بِالْعَمَى قَبِلَ مِنْهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا انْعَزَلَ بِالْعَمَى فِيمَا يَحْتَاجُ إلَى الْإِبْصَارِ، وَقَوْلُهُ: حَكَمْتُ عَلَيْكَ بِكَذَا لَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ، قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ: وَلَوْ قَالَ: صَرَفْتُ مَالَ الْوَقْفِ لِجِهَتِهِ أَوْ عِمَارَتِهِ
فَإِنْ شَهِدَ مَعَ آخَرَ بِحُكْمِهِ لَمْ يُقْبَلْ عَلَى الصَّحِيحِ، أَوْ بِحُكْمِ حَاكِمٍ جَائِزِ الْحُكْمِ قُبِلَتْ فِي الْأَصَحِّ.
وَيُقْبَلُ، قَوْلُهُ قَبْلَ عَزْلِهِ: حَكَمْت بِكَذَا.
فَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ مَحِلِّ وِلَايَتِهِ فَكَمَعْزُولٍ.
ــ
[مغني المحتاج]
الَّتِي يَقْتَضِيهَا الْحَالُ صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ (فَإِنْ شَهِدَ مَعَ آخَرَ بِحُكْمِهِ لَمْ يُقْبَلْ عَلَى الصَّحِيحِ) ؛ لِأَنَّهُ يَشْهَدُ بِفِعْلِ نَفْسِهِ، وَالثَّانِي: يُقْبَلُ كَمَا لَوْ شَهِدَتْ الْمُرْضِعَةُ أَنَّهَا أَرْضَعَتْ وَلَمْ تُطَالِبْ بِأُجْرَةٍ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ فِعْلَهَا غَيْرُ مَقْصُودٍ بِالْإِثْبَاتِ، وَلِأَنَّ شَهَادَتَهَا عَلَى فِعْلِهَا لَا تَتَضَمَّنُ تَزْكِيَتُهَا بِخِلَافِ الْقَاضِي فِيهِمَا، وَاحْتُرِزَ بِحُكْمِهِ عَمَّا لَوْ شَهِدَ أَنَّ فُلَانًا أَقَرَّ فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ بِكَذَا، فَإِنَّهُ يُقْبَلُ قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا يَشْهَدُ عَلَى إقْرَارٍ سَمِعَهُ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ.
تَنْبِيهٌ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ مَعَ آخَرَ يُوهِمُ أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ بِذَلِكَ وَحْدَهُ لَمْ يُقْبَلْ قَطْعًا، وَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ جَرَيَانُ الْخِلَافِ فِي الْحَالَيْنِ، وَقَدْ يَكُونُ الْحَقُّ مِمَّا يَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، فَلَوْ حَذَفَهُ لَكَانَ أَوْلَى، قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ:(أَوْ) شَهِدَ (بِحُكْمِ حَاكِمٍ جَائِزِ الْحُكْمِ) وَلَمْ يُضِفْهُ إلَى نَفْسِهِ (قُبِلَتْ) شَهَادَتُهُ (فِي الْأَصَحِّ) كَالْمُرْضِعَةِ إذَا شَهِدَتْ كَذَلِكَ. وَالثَّانِي: الْمَنْعُ لِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ فِعْلَ نَفْسِهِ.
تَنْبِيهٌ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ " جَائِزِ الْحُكْمِ " تَأْكِيدٌ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ، وَمَحِلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْقَاضِي أَنَّهُ حُكْمُهُ، وَإِلَّا فَلَا يُقْبَلُ جَزْمًا نَظَرًا لِبَقَاءِ التُّهْمَةِ، وَمَحِلُّهُ أَيْضًا إذَا قُلْنَا: لَا يُعْتَبَرُ تَعْيِينُ الْحَاكِمِ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْحُكْمِ، بَلْ يَكْفِي أَنْ تَقُومَ الْبَيِّنَةُ عَلَى حُكُومَةِ حَاكِمٍ مِنْ الْحُكَّامِ كَمَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ. أَمَّا إذَا قُلْنَا بِاشْتِرَاطِ التَّعْيِينِ فَلَا يُقْبَلُ قَطْعًا.
(وَيُقْبَلُ،)(قَوْلُهُ قَبْلَ عَزْلِهِ: حَكَمْت بِكَذَا) حَتَّى لَوْ قَالَ عَلَى سَبِيلِ الْحُكْمِ نِسَاءُ الْقَرْيَةِ طَوَالِقُ مِنْ أَزْوَاجِهِنَّ قُبِلَ قَوْلُهُ بِلَا حُجَّةٍ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْإِنْشَاءِ حِينَئِذٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَهُ عَلَى سَبِيلِ الْإِخْبَارِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحِلُّهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا مَا لَوْ أَسْنَدَهُ إلَى مَا قَبْلَ وِلَايَتِهِ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَمَا قَالُوهُ مِنْ قَبُولِ قَوْلِهِ ظَاهِرٌ فِي الْقَاضِي الْمُجْتَهَدِ مُطْلَقًا، أَوْ فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ. أَمَّا غَيْرُهُمَا فَفِي قَبُولِهِ وَقْفَةٌ.
وَقَدْ اسْتَخَرْتُ اللَّهَ وَأَفْتَيْتُ فِيمَنْ سُئِلَ مِنْ قُضَاةِ الْعَصْرِ عَنْ مُسْتَنَدِ قَضَائِهِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ بَيَانُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُظَنُّ مَا لَيْسَ بِمُسْتَنَدٍ مُسْتَنَدًا كَمَا هُوَ كَثِيرٌ أَوْ غَالِبٌ. قَالَ: وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مَحِلُّ مَا ذُكِرَ فِي قَرْيَةٍ أَهْلُهَا مَحْصُورُونَ. أَمَّا فِي بَلَدٍ كَبِيرٍ كَبَغْدَادَ فَلَا لِأَنَّا نَقْطَعُ بِبُطْلَانِ قَوْلِهِ وَإِلَى مَا قَالَهُ يُشِيرُ تَعْبِيرُ الشَّيْخَيْنِ بِالْقَرْيَةِ.
وَلَوْ قَالَ الْحَاكِمُ شَهِدَ عِنْدِي فُلَانٌ وَفُلَانٌ بِكَذَا وَأَنْكَرَا لَمْ يَلْتَفِتْ لِإِنْكَارِهِمَا كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ (فَإِنْ كَانَ) أَيْ الْقَاضِي (فِي غَيْرِ مَحِلِّ وِلَايَتِهِ فَكَمَعْزُولٍ) فِي أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى الْإِنْشَاءِ ثَمَّ.
تَنْبِيهٌ الْمُرَادُ بِمَحِلِّ وِلَايَتِهِ بَلَدُ قَضَائِهِ، وَظَنَّ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِهِ الْمُعَدِّ لِلْحُكْمِ وَهُوَ خَطَأٌ صَرِيحٌ، نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ الصَّلَاحِ وَالْمُصَنِّفُ فِي الطَّبَقَاتِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ:
وَلَوْ ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى مَعْزُولٍ أَنَّهُ أَخَذَ مَالَهُ بِرِشْوَةٍ أَوْ شَهَادَةِ عَبْدَيْنِ مَثَلًا أُحْضِرَ وَفُصِلَتْ خُصُومَتُهُمَا.
وَإِنْ قَالَ حَكَمَ بِعَبْدَيْنِ وَلَمْ يَذْكُرْ مَالًا أُحْضِرَ. وَقِيلَ: لَا حَتَّى يُقِيمَ بَيِّنَةً بِدَعْوَاهُ، فَإِنْ أُحْضِرَ وَأَنْكَرَ صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ فِي الْأَصَحِّ.
ــ
[مغني المحتاج]
وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمُرَادَ الْمُحِيطُ بِهَا السُّوَرُ وَالْبِنَاءُ الْمُتَّصِلُ دُونَ الْبَسَاتِينِ وَالْمَزَارِعِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ زَوَّجَ الْقَاضِي امْرَأَةً فِي الْبَلَدِ وَهُوَ بِالْمَزَارِعِ أَوْ الْبَسَاتِينِ أَوْ عَكْسِهِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَحِلِّ وِلَايَتِهِ. قَالَ: وَكَثِيرٌ مِنْ الْحُكَّامِ يَتَسَاهَلُ فِي ذَلِكَ. وَالْأَحْوَطُ تَرْكُهُ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ لَمْ تَتَنَاوَلْ غَيْرَ الْبَلَدِ اهـ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ عُرْفٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ.
وَلَوْ قَالَ الْمَعْزُولُ لِلْأَمِينِ: أَعْطَيْتُك الْمَالَ أَيَّامَ قَضَائِي لِتَحْفَظَهُ لِفُلَانٍ، فَقَالَ الْأَمِينُ بَلْ لِفُلَانٍ صُدِّقَ الْمَعْزُولُ، وَهَلْ يَغْرَمُ الْأَمِينُ لِمَنْ عَيَّنَهُ هُوَ قَدْرُ ذَلِكَ؟ فِيهِ وَجْهَانِ فِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي أَوْجَهُهُمَا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الْمَنْعُ، فَإِنْ قَالَ لَهُ الْأَمِينُ: لَمْ تُعْطِنِي شَيْئًا بَلْ هُوَ لِفُلَانٍ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَمِينِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِعْطَاءِ.
وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ أَذِنَ الْإِمَامُ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَ أَهْلِ وِلَايَتِهِ حَيْثُمَا كَانَ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْحُكْمُ بَيْنَهُمْ، وَلَوْ كَانَ فِي غَيْرِ مَحِلِّ وِلَايَتِهِ. قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ: هَذَا الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمَذْهَبُ، وَقَالَهُ فِي الذَّخَائِرِ أَيْضًا، وَحِينَئِذٍ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ عَلَى مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ أَنَّهُ حَكَمَ عَلَيْهِ بِكَذَا.
(وَلَوْ)(ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى مَعْزُولٍ أَنَّهُ أَخَذَ مَالَهُ بِرِشْوَةٍ) أَيْ عَلَى سَبِيلِ الرِّشْوَةِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَهِيَ بِتَثْلِيثِ الرَّاءِ دَفَعَ لِمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِالْحَقِّ أَوْ يَمْتَنِعْ عَنْ الْحُكْمِ بِهِ (أَوْ شَهَادَةِ عَبْدَيْنِ مَثَلًا) أَيْ أَوْ غَيْرِهِمَا مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَأَعْطَاهُ لِفُلَانٍ، وَمُعْتَقَدُهُ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا (أُحْضِرَ وَفُصِلَتْ خُصُومَتُهُمَا) كَمَا لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ غَصْبًا لِتَعَذُّرِ إثْبَاتِ ذَلِكَ بِغَيْرِ حُضُورِهِ، وَلَهُ أَنْ يُوَكِّلَ وَلَا يَحْضُرَ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَطْلَبِ، وَإِذَا حَضَرَ فَإِنْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَوْ أَقَرَّ حُكِمَ عَلَيْهِ وَإِلَّا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ كَسَائِرِ الْأُمَنَاءِ إذَا ادَّعَى عَلَيْهِمَا جِنَايَةً وَلِعُمُومِ خَبَرِ «الْبَيِّنَةِ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» وَقِيلَ: بِلَا يَمِينٍ؛ لِأَنَّهُ أَمِينُ الشَّرْعِ فَيُصَانُ مَنْصِبُهُ عَنْ التَّحْلِيفِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهَذَا فِيمَنْ عُزِلَ مَعَ بَقَاءِ أَهْلِيَّتِهِ. أَمَّا مَنْ ظَهَرَ فِسْقُهُ وَشَاعَ جَوْرُهُ وَخِيَانَتُهُ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَحْلِفُ قَطْعًا.
تَنْبِيهٌ لَوْ حَضَرَ إنْسَانٌ إلَى الْقَاضِي الْجَدِيدِ، وَتَظَلَّمَ مِنْ الْمَعْزُولِ وَطَلَبَ إحْضَارَهُ إلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ لَمْ يُبَادِرْ بِإِحْضَارِهِ بَلْ يَقُولُ مَا تُرِيدُ مِنْهُ؟ . فَإِنْ ذَكَرَ أَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ دَيْنًا أَوْ عَيْنًا أَحْضَرَهُ، وَلَا يَجُوزُ إحْضَارُهُ قَبْلَ تَحَقُّقِ الدَّعْوَى، إذْ قَدْ لَا يَكُونُ لَهُ حَقٌّ، وَإِنَّمَا قَصَدَ ابْتِذَالَهُ بِالْحُضُورِ.
(وَإِنْ)(قَالَ) الشَّخْصُ (حَكَمَ) عَلَيَّ الْقَاضِي (بِعَبْدَيْنِ) أَوْ نَحْوِهِمَا مِمَّا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ كَفَاسِقَيْنِ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: أَيْ وَهُوَ يَعْلَمُ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَأَنَا أُطَالِبُهُ بِالْغُرْمِ (وَلَمْ يَذْكُرْ) رِشْوَةً وَلَا (مَالًا أُحْضِرَ) الْمَعْزُولُ لِيُجِيبَ عَنْ دَعْوَاهُ (وَقِيلَ: لَا حَتَّى يُقِيمَ بَيِّنَةً بِدَعْوَاهُ) لِأَنَّهُ كَانَ أَمِينَ الشَّرْعِ، وَالظَّاهِرُ مِنْ أَحْكَامِ الْقُضَاةِ جَرَيَانُهَا عَلَى الصِّحَّةِ فَلَا يَعْدِلُ عَنْ الظَّاهِرِ إلَّا بَيِّنَةً (فَإِنْ أُحْضِرَ) عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَادَّعَى عَلَيْهِ (وَأَنْكَرَ) بِأَنْ قَالَ: لَمْ أَحْكُمْ عَلَيْهِ أَصْلًا، أَوْ لَمْ أَحْكُمْ إلَّا بِشَهَادَةِ حُرَّيْنِ (صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ أَمِينُ الشَّرْعِ فَيُصَانُ مَنْصِبُهُ عَنْ الْحَلِفِ وَالِابْتِذَالِ
قُلْتُ: الْأَصَحُّ بِيَمِينٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ اُدُّعِيَ عَلَى قَاضٍ جَوْرٌ فِي حُكْمٍ لَمْ يُسْمَعْ ذَلِكَ، وَيُشْتَرَطُ بَيِّنَةٌ، وَإِنْ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِحُكْمِهِ حَكَمَ بَيْنَهُمَا خَلِيفَتُهُ أَوْ غَيْرُهُ.
ــ
[مغني المحتاج]
بِالْمُنَازَعَاتِ (قُلْتُ: الْأَصَحُّ بِيَمِينٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِعُمُومِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» وَلِأَنَّ أَقْصَى دَرَجَاتِ الْمَعْزُولِ أَنْ يَكُونَ مُؤْتَمَنًا، وَالْمُؤْتَمَنُ كَالْمُودِعِ يَحْلِفُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَدْ اخْتَلَفَ تَصْحِيحُ الْمُصَنِّفِ، فَقَدْ صَحَّحَ الْأَوَّلَ فِي الرَّوْضَةِ، وَالصَّوَابُ مَا صَحَّحَهُ هُنَا فَإِنَّهُ الْمَنْصُوصُ، قَالَ الْفَارِقِيُّ: وَمَحِلُّ الْخِلَافِ، إذَا عَلِمَ الشَّاهِدَانِ وَإِلَّا فَيَنْظُرُ فِيهِمَا لِيَعْرِفَ حَالَهُمَا. قَالَ الْغَزِّيُّ: وَهُوَ مُتَّجِهٌ فِي الْعَبْدِ دُونَ الْفَسَقَةِ؛ لِأَنَّ الْفِسْقَ قَدْ يَطْرَأُ عَلَى الْعَبْدِ اهـ وَهُوَ ظَاهِرٌ.
(وَلَوْ)(اُدُّعِيَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (عَلَى قَاضٍ) حَالَ وِلَايَتِهِ (جَوْرٌ فِي حُكْمٍ) أَوْ اُدُّعِيَ عَلَى شَاهِدٍ زُورٌ، وَأُرِيدَ تَحْلِيفُهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي الدَّعَاوَى (لَمْ يُسْمَعْ ذَلِكَ، وَيُشْتَرَطُ بَيِّنَةٌ) بِهِ فَلَا يَحْلِفُ فِيهِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا أَمِينَانِ شَرْعًا، وَلَوْ فُتِحَ بَابُ التَّحْلِيفِ لَاشْتَدَّ الْأَمْرُ وَرَغِبَ النَّاسُ عَنْ الْقَضَاءِ وَالشَّهَادَةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهَذَا إذَا كَانَ مَوْثُوقًا بِهِ وَإِلَّا حَلَفَ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: قَوْلُهُمْ فِي تَوْجِيهِ مَنْعِ التَّحْلِيفِ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ إلَخْ أَنَّ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى كَمَالِ الْقَاضِي وَوُجُودِ أَهْلِيَّتِهِ التَّامَّةِ، وَنَحْنُ نَقْطَعُ بِأَنَّ غَالِبَ مَنْ يَلِي الْقَضَاءَ فِي عَصْرِنَا، لَوْ حَلَفَ الْوَاحِدُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّةً عَلَى عَدَمِ جَوْرِهِ فِي الْحُكْمِ وَارْتِشَائِهِ لَمْ يَرُدَّهُ ذَلِكَ عَنْ الْحِرْصِ عَلَى الْقَضَاءِ وَدَوَامِ وِلَايَتِهِ مَعَ ذَلِكَ، بَلْ يَشْتَدُّ حِرْصُهُ وَتَهَافُتُهُ عَلَيْهِ وَطَلَبُهُ هُوَ وَغَيْرَهُ (فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ) اهـ.
هَذَا فِي زَمَانِهِ فَلَوْ أَدْرَكَ زَمَانَنَا. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ تَشْتَرِطُ الْبَيِّنَةَ مَعَ عَدَمِ سَمَاعِ الدَّعْوَى؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ لَمْ تُسْمَعْ الدَّعْوَى لِقَصْدِ تَحْلِيفِهِ وَإِنْ سُمِعَتْ لِأَجْلِ الْبَيِّنَةِ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ سُمِعَتْ لَا مَحَالَةَ (وَإِنْ لَمْ تَتَعَلَّقْ) تِلْكَ الدَّعْوَى عَلَى قَاضٍ (بِحُكْمِهِ) بَلْ يُخَاصِمُهُ نَفْسَهُ (حَكَمَ بَيْنَهُمَا) فِيهَا (خَلِيفَتُهُ، أَوْ) قَاضٍ آخَرُ (غَيْرُهُ) كَآحَادِ الرَّعَايَا. قَالَ السُّبْكِيُّ: هَذَا إنْ كَانَتْ الدَّعْوَى بِمَا لَا يَقْدَحُ فِيهِ وَلَا يَخِلُّ بِمَنْصِبِهِ وَلَا يُوجِبُ عَزْلُهُ، وَإِلَّا فَاقْطَعْ بِأَنَّ الدَّعْوَى لَا تُسْمَعُ وَلَا يَحْلِفُ وَلَا طَرِيقَ لِلْمُدَّعِي حِينَئِذٍ إلَّا الْبَيِّنَةَ. ثُمَّ قَالَ: بَلْ أَقُولُ لِكُلِّ مَنْ ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُ وَادَّعَى عَلَيْهِ بِدَعْوَى يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَنْظُرَ فِيهَا وَفِي إنْكَارِ ذَلِكَ الْعَدْلِ بِهَا، فَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عَنْ سَهْوٍ وَغَفْلَةٍ أَوْ اجْتِهَادٍ وَتَأْوِيلٍ وَنَحْوِهِ بِحَيْثُ لَا يَخِلُّ بِعَدَالَتِهِ فَيَسْمَعُهَا وَيَقْبَلُهَا بِيَمِينٍ كَغَيْرِهَا إلَّا أَنْ يَظْهَرَ لَهُ مِنْ الْمُدَّعِي تَعَنُّتٌ فَيَدْفَعُهُ، وَإِنْ كَانَ إنْكَارُهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ إلَّا قَادِحًا فِيهِ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْمَعَ دَعْوَى الْمُدَّعِي فِي ذَلِكَ وَطَلَبَ تَحْلِيفِهِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَا يَدَّعِيه وَالْحَالَةَ هَذِهِ مُخَالِفٌ لِمَا ثَبَتَ مِنْ عَدَالَتِهِ، وَلَهُ طَرِيقٌ وَهُوَ الْبَيِّنَةُ.
تَتِمَّةٌ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَى مُتَوَلٍّ فِي مَحِلِّ وِلَايَتِهِ عِنْدَ قَاضٍ أَنَّهُ حَكَمَ بِكَذَا، فَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ مَحِلِّهَا أَوْ مَعْزُولًا سُمِعَتْ وَلَا يَحْلِفُ، ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، فَمَا تَقَرَّرَ فِي الْمَعْزُولِ مُخَالِفٌ لِمَا صَحَّحَهُ هُنَا كَمَا مَرَّ.