الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَتْلٍ عَلَى الْمَوْتِ.
وَمَنْذُورٍ مَالِيٍّ.
فَصْلٌ يَتَخَيَّرُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بَيْنَ عِتْقٍ كَالظِّهَارِ، وَإِطْعَامِ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدُّ حَبٍّ مِنْ غَالِبِ قُوتِ بَلَدِهِ، وَكِسْوَتِهِمْ بِمَا يُسَمَّى كِسْوَةً كَقَمِيصٍ أَوْ عِمَامَةٍ أَوْ إزَارٍ لَا خُفٍّ وَقُفَّازَيْنِ وَمِنْطَقَةٍ،
ــ
[مغني المحتاج]
ثُمَّ كَفَّرَ ثُمَّ رَاجَعَ. أَمَّا إذَا أَعْتَقَ عَقِبَ الظِّهَارِ عَنْهُ، فَهُوَ تَكْفِيرٌ مَعَ الْعَوْدِ لَا قَبْلَهُ، لِأَنَّ اشْتِغَالَهُ بِالْعِتْقِ عَوْدٌ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ:" عَلَى الْعَوْدِ " عَنْ تَقْدِيمِهَا عَلَى الظِّهَارِ فَلَا يَجُوزُ جَزْمًا.
(وَ) لَهُ تَقْدِيمُ كَفَّارَةِ (قَتْلٍ عَلَى الْمَوْتِ) مِنْهُ بَعْدَ حُصُولِ الْجُرْحِ وَتَقْدِيمُ جَزَاءِ الصَّيْدِ قَبْلَ الْمَوْتِ وَبَعْدَ الْجُرْحِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ وُجُودِ السَّبَبِ، وَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْجُرْحِ.
(وَ) لَهُ أَيْضًا تَقْدِيمُ كَفَّارَةٍ عَلَى (مَنْذُورٍ مَالِيٍّ) عَلَى الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ كَأَنْ قَالَ: إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَ رَقَبَةً أَوْ أَتَصَدَّقَ بِكَذَا فَيَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عَلَى الشِّفَاءِ كَالزَّكَاةِ يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْحَوْلِ، وَمَا صَحَّحَاهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ فِي تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ، فَأَعْتَقَ قَبْلَ الشِّفَاءِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: هُوَ غَيْرُ مُعْتَمَدٍ، وَالْجَارِي عَلَى قَاعِدَةِ الشَّافِعِيِّ فِي تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ الْمَالِيَّةِ وَزَكَاةِ الْفِطْرِ الْجَوَازُ اهـ. وَخَرَجَ بِالْمَالِيِّ الْبَدَنِيُّ كَالصَّوْمِ، فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْمَشْرُوطِ.
تَتِمَّةٌ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ كَفَّارَةِ الْجِمَاعِ فِي رَمَضَانَ، أَوْ الْحَجِّ، أَوْ الْعُمْرَةِ عَلَيْهِ، وَكَذَا فِدْيَةُ الْحَلْقِ وَاللُّبْسِ وَالطِّيبِ عَلَيْهَا نَعَمْ إنْ جُوِّزَتْ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ لِعُذْرٍ كَمَرَضٍ جَازَ تَقْدِيمُهَا لِوُجُودِ السَّبَبِ.
[فَصَلِّ صِفَةُ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ]
فِي صِفَةِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَاخْتَصَّتْ مِنْ بَيْنِ الْكَفَّارَاتِ بِكَوْنِهَا مُخَيَّرَةً فِي الِابْتِدَاءِ، مُرَتَّبَةً فِي الِانْتِهَاءِ، وَالصَّحِيحُ فِي سَبَبِ وُجُوبِهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ الْحِنْثُ وَالْيَمِينُ مَعًا (يَتَخَيَّرُ) الْمُكَفِّرُ (فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بَيْنَ عِتْقٍ) فِيهَا (كَالظِّهَارِ) أَيْ كَعِتْقِ رَقَبَةٍ كَفَّارَتُهُ بِالصِّفَةِ السَّابِقَةِ فِي بَابِهِ مِنْ كَوْنِهَا رَقَبَةً مُؤْمِنَةً بِلَا عَيْبٍ يُخِلُّ بِعَمَلٍ أَوْ كَسْبٍ (وَ) بَيْنَ (إطْعَامِ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدُّ حَبٍّ) أَوْ غَيْرِهِ (مِنْ غَالِبِ قُوتِ بَلَدِهِ) كَالْفِطْرَةِ كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِ الْكَفَّارَاتِ، وَصَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ هُنَا (وَ) بَيْنَ (كِسْوَتِهِمْ بِمَا يُسَمَّى كِسْوَةً) مِمَّا يُعْتَادُ لُبْسُهُ (كَقَمِيصٍ، أَوْ عِمَامَةٍ؛ أَوْ إزَارٍ) أَوْ رِدَاءٍ، أَوْ طَيْلَسَانٍ، أَوْ مِنْدِيلٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَعْرُوفُ الَّذِي يُحْمَلُ فِي الْيَدِ، أَوْ مِقْنَعَةٍ، أَوْ جُبَّةٍ، أَوْ قَبَاءٍ، أَوْ دِرْعٍ مِنْ صُوفٍ وَنَحْوِهِ، وَهُوَ قَمِيصٌ لَا كُمَّ لَهُ، وَوَقَعَ لِبَعْضِ الشُّرَّاحِ أَنَّ الدِّرْعَ يَكْفِي، وَهُوَ سَهْوٌ (لَا خُفٍّ وَقُفَّازَيْنِ) وَمُكْعَبٍ، وَهُوَ الْمَدَاسُ، وَنَعْلٍ (وَمِنْطَقَةٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ، وَقَلَنْسُوَةٍ، وَهِيَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَاللَّامِ مَا يُغَطَّى بِهِ الرَّأْسُ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُسَمَّى
وَلَا يُشْتَرَطُ صَلَاحِيَّتُهُ لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ فَيَجُوزُ سَرَاوِيلُ صَغِيرٍ لِكَبِيرٍ لَا يَصْلُحُ لَهُ، وَقُطْنٌ، وَكَتَّانٌ وَحَرِيرٌ لِامْرَأَةٍ، وَرَجُلٍ وَلَبِيسٍ لَمْ تَذْهَبْ قُوَّتُهُ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الثَّلَاثَةِ لَزِمَهُ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ.
وَلَا يَجِبُ تَتَابُعُهَا فِي الْأَظْهَرِ،
ــ
[مغني المحتاج]
كِسْوَةً كَدِرْعٍ مِنْ حَدِيدٍ، وَيُجْزِئُ فَرْوٌ وَلِبَدٌ اُعْتِيدَ فِي الْبَلَدِ لُبْسُهُمَا، وَلَا يُجْزِئُ التُّبَّانُ وَهُوَ سِرْوَالٌ قَصِيرٌ لَا يَبْلُغُ الرُّكْبَةَ، وَلَا الْخَاتَمُ، وَالتِّكَّةُ، وَالْعِرْقِيَّةُ.
وَوَقَعَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ لِشَيْخِنَا أَنَّهَا تَكْفِي، وَرُدَّ بِأَنَّ الْقَلَنْسُوَةَ لَا تَكْفِي كَمَا مَرَّ وَهِيَ شَامِلَةٌ لَهَا، وَحَمَلَهُ شَيْخِي عَلَى الَّتِي تُجْعَلُ تَحْتَ الْبَرْذَعَةِ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا أَوْلَى مِنْ مُخَالَفَتِهِ لِلْأَصْحَابِ (وَلَا يُشْتَرَطُ صَلَاحِيَّتُهُ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْكِسْوَةِ (لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ فَيَجُوزُ سَرَاوِيلُ صَغِيرٍ لِكَبِيرٍ لَا يَصْلُحُ لَهُ وَ) يَجُوزُ (قُطْنٌ وَكَتَّانٌ وَحَرِيرٌ) وَشَعْرٌ وَصُوفٌ مَنْسُوجٌ كُلٌّ مِنْهَا (لِامْرَأَةٍ وَرَجُلٍ) لِوُقُوعِ اسْمِ الْكِسْوَةِ عَلَى ذَلِكَ (وَلَبِيسٍ) بِفَتْحِ اللَّامِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ مَكْسُورَةٌ بِمَعْنَى مَلْبُوسٍ (لَمْ تَذْهَبْ قُوَّتُهُ) فَإِنْ ذَهَبَتْ بِحَيْثُ صَارَ مُسْحَقًا لَمْ يَجُزْ، وَلَا بُدَّ مَعَ بَقَاءِ قُوَّتِهِ مِنْ كَوْنِهِ غَيْرَ مُتَخَرِّقٍ وَلَا يُجْزِئُ جَدِيدٌ مُهَلْهَلُ النَّسْجِ إذَا كَانَ لُبْسُهُ لَا يَدُومُ إلَّا بِقَدْرِ مَا يَدُومُ لُبْسُ الثَّوْبِ الْبَالِي لِضَعْفِ النَّفْعِ بِهِ، وَلَا يَجُوزُ نَجِسُ الْعَيْنِ مِنْ الثِّيَابِ، وَيُجْزِئُ الْمُتَنَجِّسُ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُعْلِمَهُمْ بِنَجَاسَتِهِ، وَيَجُوزُ مَا غُسِلَ مَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الصَّلَاحِيَّةِ كَالطَّعَامِ الْعَتِيقِ لِانْطِلَاقِ الْكِسْوَةِ عَلَيْهِ، وَكَوْنِهِ يُرَدُّ فِي الْبَيْعِ لَا يُؤَثِّرُ فِي مَقْصُودِهَا كَالْعَيْبِ الَّذِي لَا يَضُرُّ بِالْعَمَلِ فِي الرَّقِيقِ، وَيُنْدَبُ أَنْ يَكُونَ الثَّوْبُ جَدِيدًا خَامًا كَانَ أَوْ مَقْصُورًا لِآيَةِ:{لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] وَلَوْ أَعْطَى عَشَرَةً ثَوْبًا طَوِيلًا لَمْ يُجْزِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَطَعَهُ قِطَعًا ثُمَّ دَفَعَهُ إلَيْهِمْ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى قِطْعَةٍ تُسَمَّى كِسْوَةً، وَخَرَجَ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ: عَشَرَةَ مَسَاكِينَ مَا إذَا أَطْعَمَ خَمْسَةً وَكَسَا خَمْسَةً، فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ، كَمَا لَا يُجْزِئُ إعْتَاقُ نِصْفِ رَقَبَةٍ وَإِطْعَامُ خَمْسَةٍ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ التَّخْيِيرُ لِلْعَبْدِ، وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ، وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ أَوْ فَلَسٍ فَلَا يُكَفِّرُ بِالْمَالِ بَلْ بِالصَّوْمِ كَالْمُعْسِرِ، فَإِنْ لَمْ يَصُمْ حَتَّى فُكَّ عَنْهُ الْحَجْرُ لَمْ يُجْزِهِ مَعَ الْيَسَارِ، وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ فَالْوَاجِبُ أَنْ يُخْرَجَ مِنْ تَرِكَتِهِ أَقَلُّ الْخِصَالِ قِيمَةً، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا تَخْيِيرَ إلَّا إنْ اسْتَوَتْ قِيمَتُهَا (فَإِنْ عَجَزَ عَنْ) كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ (الثَّلَاثَةِ) الْمَذْكُورَةِ (لَزِمَهُ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى:(فَكَفَّارَتُهُ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ) .
تَنْبِيهٌ الْمُرَادُ بِالْعَجْزِ أَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى الْمَالِ الَّذِي يَصْرِفُهُ فِي الْكَفَّارَةِ كَمَنْ يَجِدُ كِفَايَتَهُ وَكِفَايَةَ مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ فَقَطْ، وَلَا يَجِدُ مَا يَفْضُلُ عَنْ ذَلِكَ. قَالَا: وَمَنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ مِنْ الزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ لَهُ أَنْ يُكَفِّرَ بِالصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ فَقِيرٌ فِي الْأَخْذِ، فَكَذَا فِي الْإِعْطَاءِ، وَقَدْ يَمْلِكُ نِصَابًا وَلَا يَفِي دَخْلُهُ بِخَرْجِهِ فَتَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ، وَلَهُ أَخْذُهَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ أَنَا لَوْ أَسْقَطْنَا الزَّكَاةَ خَلَا النِّصَابُ عَنْهَا بِلَا بَدَلٍ، وَالتَّكْفِيرُ بِالْمَالِ لَهُ بَدَلٌ وَهُوَ الصَّوْمُ.
(وَلَا يَجِبُ تَتَابُعُهَا فِي الْأَظْهَرِ) لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ. وَالثَّانِي يَجِبُ؛ لِأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَرَأَ " ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ "
وَإِنْ غَابَ مَالُهُ انْتَظَرَهُ وَلَمْ يَصُمْ، وَلَا يُكَفِّرُ عَبْدٌ بِمَالٍ إلَّا إذَا مَلَّكَهُ سَيِّدُهُ طَعَامًا أَوْ كِسْوَةً، وَقُلْنَا يَمْلِكُ، بَلْ يُكَفِّرُ بِصَوْمٍ وَإِنْ ضَرَّهُ وَكَانَ حَلَفَ وَحَنِثَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ صَامَ بِلَا إذْنٍ، أَوْ وُجِدَا بِلَا إذْنٍ لَمْ يَصُمْ إلَّا بِإِذْنٍ،
ــ
[مغني المحتاج]
وَالْقِرَاءَةُ الشَّاذَّةُ كَخَبَرِ الْوَاحِدِ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ كَمَا أَوْجَبْنَا قَطْعَ يَدِ السَّارِقِ بِالْقِرَاءَةِ الشَّاذَّةِ فِي قَوْلِهِ: " وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا "، وَلِأَنَّ مِنْ قَاعِدَةِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ مِنْ جِنْسِهِ، وَهُوَ الظِّهَارُ وَالْقَتْلُ.
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ آيَةَ الْيَمِينِ نَسَخَتْ مُتَتَابِعَاتٍ تِلَاوَةً وَحُكْمًا، فَلَا يُسْتَدَلُّ بِهَا، بِخِلَافِ آيَةِ السَّرِقَةِ فَإِنَّهَا نُسِخَتْ تِلَاوَةً لَا حُكْمًا، وَبِأَنَّ الْمُطْلَقَ هَهُنَا مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ أَصْلَيْنِ يَجِبُ التَّتَابُعُ فِي أَحَدِهِمَا، وَهُوَ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ وَالْقَتْلِ، وَلَا يَجِبُ فِي الْآخَرِ، وَهُوَ قَضَاءُ رَمَضَانَ، فَلَمْ يَكُنْ أَحَدُ الْأَصْلَيْنِ فِي التَّتَابُعِ بِأَوْلَى مِنْ الْآخِرِ، لَكِنْ قَالَ الْإِمَامُ: حَمْلُ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْكَفَّارَةِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهَا عَلَى قَضَاءِ رَمَضَانَ (وَإِنْ غَابَ مَالُهُ) إلَى مَسَافَةِ قَصْرٍ أَوْ دُونَهَا كَمَا يُشْعِرُ بِهِ إطْلَاقُهُمْ وَإِنْ نَازَعَ فِيهِ الْبُلْقِينِيُّ (انْتَظَرَهُ وَلَمْ يَصُمْ) لِأَنَّهُ وَاجِدٌ، وَإِنَّمَا أُبِيحَ لَهُ الصَّوْمُ إذَا لَمْ يَجِدْ. فَإِنْ قِيلَ: الْمُتَمَتِّعُ إذَا أُعْسِرَ بِالدَّمِ بِمَكَّةَ يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ بِبَلَدِهِ مَالٌ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْقُدْرَةَ هُنَاكَ اُعْتُبِرَتْ بِمَكَّةَ فَلَا يُنْظَرُ إلَى غَيْرِهَا، وَالْقُدْرَةُ هُنَا اُعْتُبِرَتْ مُطْلَقًا، وَلَوْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ غَائِبٌ تَيَقَّنَ حَيَاتَهُ جَازَ لَهُ إعْتَاقُهُ، بِخِلَافِ مُنْقَطِعِ الْخَبَرِ فِي الْأَصَحِّ (وَلَا يُكَفِّرُ عَبْدٌ بِمَالٍ) لِعَدَمِ مِلْكِهِ (إلَّا إذَا مَلَّكَهُ سَيِّدُهُ طَعَامًا أَوْ كِسْوَةً) لِيُكَفِّرَ بِهِمَا أَوْ مَلَّكَهُ مُطْلَقًا وَأَذِنَ لَهُ فِي التَّكْفِيرِ (وَقُلْنَا: يَمْلِكُ) بِالتَّمْلِيكِ عَلَى رَأْيٍ مَرْجُوحٍ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ يُكَفِّرُ بِذَلِكَ.
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ: " سَيِّدُهُ " يَقْتَضِي أَنَّ تَمْلِيكَ غَيْرِ السَّيِّدِ لَا أَثَرَ لَهُ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ الْخِلَافُ فِيهِمَا سَوَاءٌ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: طَعَامًا أَوْ كِسْوَةً مَا إذَا مَلَّكَهُ رَقِيقًا لِيَعْتِقَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ فَفَعَلَ فَإِنَّهُ لَمْ يَقَعْ عَنْهَا، لِامْتِنَاعِ الْوَلَاءِ لِلْعَبْدِ، وَحُكْمُ الْمُدَبَّرِ وَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ وَأُمِّ الْوَلَدِ حُكْمُ الْعَبْدِ. فَإِنْ قِيلَ يُرَدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ الْمُكَاتَبُ فَإِنَّهُ يُكَفِّرُ بِالْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ بِإِذْنِ السَّيِّدِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ.
أُجِيبَ بِأَنَّ الْعَبْدَ إذَا أُطْلِقَ إنَّمَا يُرَادُ بِهِ الْقِنُّ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ قَالَ: وَقُلْنَا: يَمْلِكُ وَالْمُكَاتَبُ يَمْلِكُ قَطْعًا، وَلَوْ أَذِنَ السَّيِّدُ لِلْمُكَاتَبِ فِي التَّكْفِيرِ بِالْإِعْتَاقِ فَأَعْتَقَ لَمْ يُجْزِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا قَالَاهُ فِي بَابِ الْكِتَابَةِ وَإِنْ نَقَلَا هُنَا عَنْ الصَّيْدَلَانِيِّ أَنَّ ذِمَّتَهُ تَبْرَأُ بِذَلِكَ (بَلْ يُكَفِّرُ بِصَوْمٍ) لِعَجْزِهِ عَنْ غَيْرِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالظِّهَارِ فِي ذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَرْعَشِيُّ وَغَيْرُهُ (وَإِنْ ضَرَّهُ) الصَّوْمُ لِشِدَّةِ حَرٍّ، أَوْ طُولِ نَهَارٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَكَانَ يَضْعُفُ عَنْ الْعَمَلِ بِسَبَبِهِ (وَكَانَ حَلَفَ وَحَنِثَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ) فِي كُلٍّ مِنْهُمَا (صَامَ بِلَا إذْنٍ) وَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ، وَإِنْ كَانَتْ الْكَفَّارَةُ عَلَى التَّرَاخِي لِصُدُورِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ عَنْ إذْنِ السَّيِّدِ (أَوْ وُجِدَا) أَيْ الْحَلِفُ وَالْحِنْثُ (بِلَا إذْنٍ) مِنْهُ (لَمْ يَصُمْ إلَّا بِإِذْنٍ) مِنْهُ قَطْعًا سَوَاءٌ أَكَانَ الْحَلِفُ وَاجِبًا أَمْ جَائِزًا أَمْ مَمْنُوعًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ فِي السَّبَبِ، وَحَقُّهُ عَلَى الْفَوْرِ وَالْكَفَّارَةُ عَلَى التَّرَاخِي، فَإِنْ صَامَ بِلَا إذْنٍ أَجْزَأَهُ: كَمَا لَوْ صَلَّى الْجُمُعَةَ