المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل في الأمان] - مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج - جـ ٦

[الخطيب الشربيني]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب السير

- ‌[مَوَانِعِ الْجِهَادِ]

- ‌[فَصْل فِيمَا يُكْرَهُ مِنْ الْغَزْوِ وَمَنْ يَحْرُمُ]

- ‌[فَصْل فِي حُكْمِ مَا يُؤْخَذ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي حُكْمِ أَمْوَالِ الْحَرْبِيِّينَ]

- ‌[فَصْل فِي الْأَمَانِ]

- ‌[كِتَاب عَقْد الْجِزْيَةِ لِلْكُفَّارِ]

- ‌[فَصْل أَقَلُّ الْجِزْيَةِ دِينَارٌ لِكُلِّ سَنَةٍ]

- ‌[فَصْل فِي أَحْكَامِ عَقْدِ الْجِزْيَةِ الزَّائِدَةِ]

- ‌باب الهدنة

- ‌[فَصَلِّ فِي أَحْكَامِ الْهُدْنَةِ]

- ‌كِتَابُ الصَّيْدِ

- ‌[فَصْلٌ فِي شَرْطِ الرُّكْنِ الثَّانِي وَهُوَ الذَّابِحُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ وَهُوَ الذَّبِيحُ]

- ‌[فَصْلٌ ذَبْحُ حَيَوَانٍ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ وَجَرْحُ حَيَوَانٍ غَيْرِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَمْلِكُ بِهِ الصَّيْدَ]

- ‌[كِتَابُ الْأُضْحِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعَقِيقَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْأَطْعِمَةِ]

- ‌كِتَابُ الْمُسَابَقَةِ

- ‌كتاب الإيمان

- ‌[فَصَلِّ صِفَةُ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحَلِفِ عَلَى السُّكْنَى لَا يُقِيمُ فِيهَا وَهُوَ فِيهَا]

- ‌[فَصَلِّ فِي الْحَلِفِ عَلَى أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ]

- ‌[فَصَلِّ فِي مَسَائِلَ مَنْثُورَةٍ]

- ‌[كِتَابُ النَّذْرِ]

- ‌[فَصَلِّ فِيمَنْ نَذْرِ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ هَدْيٍ أَوْ غَيْرِهَا]

- ‌كتاب القضاء

- ‌[فَصَلِّ فِيمَا يَعْرِضُ لِلْقَاضِي مِمَّا يَقْتَضِي عَزْلَهُ أَوْ انْعِزَالَهُ]

- ‌[فَصَلِّ آدَابِ الْقَضَاءِ]

- ‌[فَصَلِّ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ]

- ‌بَابُ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ

- ‌[فَصَلِّ الدَّعْوَى بِعَيْنٍ غَائِبَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ وَالْحُكْمِ بِهَا]

- ‌[فَصَلِّ ضَابِطِ الْغَائِبِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ]

- ‌باب القسمة

- ‌كِتَابُ الشَّهَادَاتِ

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُعْتَبَرُ فِيهِ شَهَادَةُ الرِّجَالِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَأَدَائِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي رُجُوعِ الشُّهُودِ عَنْ شَهَادَتِهِمْ]

- ‌كتاب الدعوى

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِجَوَابِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْحَلِفِ وَالتَّغْلِيظِ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ مِنْ شَخْصَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اخْتِلَافِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي شُرُوطِ الْقَائِفِ وَبَيَانِ إلْحَاقِهِ النَّسَبَ بِغَيْرِهِ]

- ‌كتاب العتق

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعِتْقِ بِالْبَعْضِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْإِعْتَاقِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ]

- ‌فصل في الولاء

- ‌كتاب التدبير

- ‌[فَصَلِّ فِي حُكْمِ حَمْلِ الْمُدَبَّرَةِ وَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهَا]

- ‌كِتَابُ الْكِتَابَةِ

- ‌[فَصَلِّ فِي لُزُومِ الْكِتَابَةِ وَجَوَازِهَا وَمَا يَعْرِضُ لَهَا]

- ‌[فَصَلِّ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْكِتَابَةِ الْبَاطِلَةِ وَالْفَاسِدَةِ]

- ‌كتاب أمهات الأولاد

- ‌[خَاتِمَة]

الفصل: ‌[فصل في الأمان]

فَصْل يَصِحُّ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ مُخْتَارٍ أَمَانُ حَرْبِيٍّ وَعَدَدٍ مَحْصُورٍ فَقَطْ.

ــ

[مغني المحتاج]

فَيْءٌ وَهُوَ وَقْفٌ: إمَّا بِنَفْسِ حُصُولِهِ وَإِمَّا بِإِيقَافِهِ وَمُقْتَضَى تَعْبِيرِهِ أَنَّهَا عَلَى الْعَنْوَةِ لِلِاتِّبَاعِ، وَلَيْسَ مُرَادًا أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمَفْتُوحَ عَنْوَةً غَنِيمَةٌ مُخَمَّسَةٌ، بَلْ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ إنَّهُ صلى الله عليه وسلم " أَقَرَّ الدُّورَ بِيَدِ أَهْلِهَا عَلَى الْمِلْكِ الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ " وَلَا نَظَرَ فِي ذَلِكَ إلَى أَنَّهَا فُتِحَتْ صُلْحًا أَوْ عَنْوَةً.

تَتِمَّةٌ: الصَّحِيحُ أَنَّ مِصْرَ فُتِحَتْ عَنْوَةً، وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَيْهِ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَالطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُمْ، وَأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَضَعَ عَلَى أَرَاضِيِهِمْ الْخَرَاجَ، وَفِي وَصِيَّةِ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ مَا يَقْتَضِي أَنَّهَا فُتِحَتْ صُلْحًا، وَكَانَ اللَّيْثُ يُحَدِّثُ عَنْ زَيْدِ بْنِ حَبِيبٍ أَنَّهَا فُتِحَتْ صُلْحًا: وَقِيلَ فُتِحَتْ صُلْحًا. ثُمَّ نَكَثُوا فَفَتَحَهَا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - ثَانِيًا عَنْوَةً، وَيُمْكِنُ حَمْلُ الْخِلَافِ عَلَى هَذَا، فَمَنْ قَالَ: فُتِحَتْ صُلْحًا نَظَرَ لِأَوَّلِ الْأَمْرِ، وَمَنْ قَالَ عَنْوَةً نَظَرَ لِآخَرِ الْأَمْرِ، وَأَمَّا الشَّامُ فَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ عَنْ الرُّويَانِيِّ: أَنَّ مُدُنَهَا فُتِحَتْ صُلْحًا وَأَرْضَهَا عَنْوَةً، وَلَكِنْ رَجَّحَ السُّبْكِيُّ أَنَّ دِمَشْقَ فُتِحَتْ عَنْوَةً.

[فَصْل فِي الْأَمَانِ]

[فَصْلٌ] فِي الْأَمَانِ، وَهُوَ ضِدُّ الْخَوْفِ، وَأُرِيدَ بِهِ هُنَا تَرْكُ الْقَتْلِ وَالْقِتَالِ مَعَ الْكُفَّارِ، هُوَ مِنْ مَكَايِدِ الْحَرْبِ وَمَصَالِحِهِ، وَالْعُقُودُ الَّتِي تُفِيدُهُمْ الْأَمْنَ ثَلَاثَةٌ: أَمَانٌ وَجِزْيَةٌ وَهُدْنَةٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ تَعَلَّقَ بِمَحْصُورٍ فَالْأَمَانُ، أَوْ بِغَيْرِ مَحْصُورٍ، فَإِنْ كَانَ إلَى غَايَةٍ فَالْهُدْنَةُ وَإِلَّا فَالْجِزْيَةُ، وَهُمَا مُخْتَصَّانِ بِالْإِمَامِ بِخِلَافِ الْأَمَانِ وَالْأَصْلُ فِي الْأَمَانِ آيَةُ {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة: 6] وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا - أَيْ نَقَضَ عَهْدَهُ - فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» وَالذِّمَّةُ الْعَهْدُ وَالْأَمَانُ وَالْحُرْمَةُ وَالْحَقُّ، وَأَمَّا الذِّمَّةُ فِي قَوْلِهِمْ ثَبَتَ الْمَالُ فِي ذِمَّتِهِ وَبَرِئَتْ ذِمَّتُهُ فَلَهَا مَعْنَى آخَرَ مَرَّ بَيَانُهُ فِي الْبَيْعِ. (يَصِحُّ) وَلَا يَجِبُ (مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ مُخْتَارٍ) وَلَوْ عَبْدًا لِمُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ أَوْ فَاسِقًا أَوْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ لِسَفَهٍ أَوْ امْرَأَةً (أَمَانُ حَرْبِيٍّ) وَاحِدٍ غَيْرِ أَسِيرٍ، سَوَاءٌ كَانَ بِدَارِ الْحَرْبِ أَمْ لَا، فِي حَالِ الْقِتَالِ أَمْ لَا، عَيَّنَ الْإِمَامُ قَتْلَهُ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ أَمْ لَا (وَعَدَدٍ مَحْصُورٍ) مِنْهُمْ كَأَهْلِ قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ (فَقَطْ) فَخَرَجَ بِالْمُسْلِمِ الْكَافِرُ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ، وَلَيْسَ أَهْلًا لِلنَّظَرِ لَنَا، وَبِالْمُكَلَّفِ غَيْرُهُ لِإِلْغَاءِ عِبَارَتِهِ، وَيَلْحَقُ بِالْمُكَلَّفِ السَّكْرَانُ الْمُتَعَدِّي بِسُكْرِهِ عَلَى طَرِيقَةِ الْمُصَنِّفِ، وَبِالْمُخْتَارِ الْمُكْرَهُ، وَبِالْمَحْصُورِ غَيْرُهُمْ كَأَهْلِ بَلَدٍ أَوْ نَاحِيَةٍ، فَلَا يُؤَمِّنُهُمْ الْآحَادُ لِئَلَّا يَتَعَطَّلَ الْجِهَادُ فِيهَا بِأَمَانِهِمْ. قَالَ: الْإِمَامُ: وَلَوْ أَمَّنَ مِائَةُ أَلْفٍ مِنَّا مِائَةَ أَلْفٍ مِنْهُمْ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا لَمْ يُؤَمِّنْ إلَّا وَاحِدًا، لَكِنْ إنْ ظَهَرَ انْسِدَادٌ وَانْتِقَاضٌ فَأَمَانُ الْجَمِيعِ مَرْدُودٌ. قَالَ: الرَّافِعِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ أَمَّنُوهُمْ دُفْعَةً. فَإِنْ وَقَعَ مُرَتَّبًا فَيَنْبَغِي صِحَّةُ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ إلَى ظُهُورِ الْخَلَلِ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ: وَقَالَ: إنَّهُ مُرَادُ الْإِمَامِ.

ص: 51

وَلَا يَصِحُّ أَمَانُ أَسِيرٍ لِمَنْ هُوَ مَعَهُمْ فِي الْأَصَحِّ.

وَيَصِحُّ بِكُلِّ لَفْظٍ يُفِيدُ مَقْصُودُهُ، وَبِكِتَابَةٍ وَرِسَالَةٍ.

وَيُشْتَرَطُ عِلْمُ الْكَافِرِ بِالْأَمَانِ.

فَإِنْ رَدَّهُ بَطَلَ، وَكَذَا إنْ لَمْ يُقْبَلْ فِي الْأَصَحِّ.

ــ

[مغني المحتاج]

(وَلَا يَصِحُّ أَمَانُ أَسِيرٍ لِمَنْ هُوَ مَعَهُمْ) أَوْ غَيْرِهِمْ (فِي الْأَصَحِّ) وَالثَّانِي يَصِحُّ لِدُخُولِهِ فِي الضَّابِطِ.

تَنْبِيهٌ: مَحِلُّ الْخِلَافِ فِي الْأَسِيرِ الْمُقَيَّدِ وَالْمَحْبُوسِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُكْرَهًا؛ لِأَنَّهُ مَقْهُورٌ بِأَيْدِيهِمْ لَا يَعْرِفُ وَجْهَ الْمَصْلَحَةِ؛ لِأَنَّ وَضْعَ الْأَمَانِ أَنْ يُؤَمِّنَ الْمُؤَمَّنُ. وَلَيْسَ الْأَسِيرُ آمِنًا. أَمَّا أَسِيرُ الدَّارِ وَهُوَ الْمُطْلَقُ بِدَارِ الْكُفْرِ الْمَمْنُوعِ مِنْ الْخُرُوجِ مِنْهَا فَيَصِحُّ أَمَانُهُ كَمَا فِي التَّنْبِيهِ وَغَيْرِهِ، وَعَلَيْهِ قَالَ: الْمَاوَرْدِيُّ: إنَّمَا يَكُونُ مُؤَمِّنُهُ آمِنًا بِدَارِ الْحَرْبِ لَا غَيْرَ إلَّا أَنْ يُصَرَّحَ بِالْأَمَانِ فِي غَيْرِهَا، وَبِغَيْرِ الْأَسِيرِ الْكَافِرِ؛ لِأَنَّهُ بِالْأَسْرِ ثَبَتَ فِيهِ حَقٌّ لِلْمُسْلِمِينَ، وَقَيَّدَهُ الْمَاوَرْدِيُّ: بِغَيْرِ الَّذِي أَسَرَهُ. أَمَّا الَّذِي أَسَرَهُ فَإِنَّهُ يُؤَمِّنُهُ إذَا كَانَ بَاقِيًا فِي يَدِهِ لَمْ يَقْبِضْهُ الْإِمَامُ كَمَا يَجُوزُ قَتْلُهُ، وَفِي عَقْدِ الْأَمَانِ لِلْمَرْأَةِ اسْتِقْلَالًا وَجْهَانِ: أَرْجَحُهُمَا كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ الْجَوَازُ.

(وَيَصِحُّ) إيجَابُ الْأَمَانِ (بِكُلِّ لَفْظٍ يُفِيدُ مَقْصُودُهُ) صَرِيحًا كَأَجَّرْتُك وَأَمَّنْتُك أَوْ لَا تَفْزَعْ كَأَنْتِ عَلَى مَا تُحِبُّ، أَوْ كُنْ كَيْفَ شِئْتَ (وَ) يَصِحُّ (بِكِتَابَةٍ) بِالْفَوْقِيَّةِ لِأَثَرٍ فِيهِ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّهَا كِنَايَةٌ، أَوْ لَا تَخَفْ، أَوْ لَا بَأْسَ عَلَيْكَ، أَوْ أَنْتَ آمِنٌ، أَوْ فِي أَمَانِي، أَوْ أَنْتَ مُجَارٌ، وَلَا فَرْقَ فِي اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ بَيْنَ الْعَرَبِيِّ كَمَا مَرَّ وَبَيْنَ الْعَجَمِيِّ كَمَتْرَسٍ: أَيْ لَا تَخَفْ، أَوْ كِنَايَةٍ مَعَ النِّيَّةِ (وَرِسَالَةٍ) ؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى مِنْ الْكِتَابَةِ، سَوَاءٌ كَانَ الرَّسُولُ مُسْلِمًا أَمْ كَافِرًا؛ لِأَنَّ بِنَاءَ الْبَابِ عَلَى التَّوْسِعَةِ فِي حَقْنِ الدَّمِ، وَمُقْتَضَى هَذَا جَوَازُ الرَّسُولِ صَبِيًّا، لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ تَكْلِيفِهِ كَالْمُؤَمَّنِ.

تَنْبِيهٌ: يَصِحُّ إيجَابُ الْأَمَانِ بِالتَّعْلِيقِ بِالْغَرَرِ كَقَوْلِهِ: إنْ جَاءَ زَيْدٌ فَقَدْ أَمَّنْتُكَ، لِمَا مَرَّ أَنَّ بِنَاءَ الْبَابِ عَلَى التَّوْسِعَةِ، وَبِإِشَارَةٍ مُفْهِمَةٍ وَلَوْ مِنْ نَاطِقٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْقَبُولِ، فَلَوْ أَشَارَ مُسْلِمٌ لِكَافِرٍ فَظَنَّ أَنَّهُ أَمَّنَهُ فَجَاءَنَا فَأَنْكَرَ الْمُسْلِمُ أَنَّهُ أَمَّنَهُ بِهَا بَلَّغْنَاهُ مَأْمَنَهُ وَلَا نَغْتَالُهُ لِعُذْرِهِ. فَإِنْ مَاتَ الْمُشِيرُ قَبْلَ أَنْ يُبَيِّنَ الْحَالَ فَلَا أَمَانَ وَلَا اغْتِيَالَ فَيُبَلَّغُ الْمَأْمَنَ، وَمَنْ دَخَلَ رَسُولًا أَوْ لِسَمَاعِ الْقُرْآنِ فَهُوَ آمِنٌ لَا لِتِجَارَةٍ، فَلَوْ أَخْبَرَهُ مُسْلِمٌ أَنَّ الدُّخُولَ لِلتِّجَارَةِ أَمَانٌ، فَإِنْ صَدَّقَهُ بُلِّغَ الْمَأْمَنَ وَإِلَّا اُغْتِيلَ، وَلِلْإِمَامِ لَا لِلْآحَادِ جَعْلُهَا أَمَانًا إنْ رَأَى فِي الدُّخُولِ لَهَا مَصْلَحَةً، وَلَا تَجِبُ إجَابَةُ مَنْ طَلَبَ الْأَمَانَ إلَّا إذَا طَلَبَهُ لِسَمَاعِ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى فَتَجِبُ قَطْعًا، وَلَا يُمْهَلَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، بَلْ قَدْرَ مَا يَتِمُّ بِهِ الْبَيَانُ.

(وَيُشْتَرَطُ) لِصِحَّةِ الْأَمَانِ (عِلْمُ الْكَافِرِ بِالْأَمَانِ) كَسَائِرِ الْعُقُودِ. فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلَا أَمَانَ لَهُ كَمَا قَالَاهُ، وَإِنْ نَازَعَ فِي ذَلِكَ الْبُلْقِينِيُّ: فَتَجُوزُ الْمُبَادَرَةُ إلَى قَتْلِهِ وَلَوْ مِنْ الْمُؤَمِّنِ.

(فَإِنْ) عَلِمَ الْكَافِرُ بِأَمَانِهِ وَ (رَدَّهُ بَطَلَ) جَزْمًا؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ كَالْهِبَةِ (وَكَذَا) يَبْطُلُ (إنْ لَمْ يُقْبَلْ فِي الْأَصَحِّ) كَغَيْرِهِ مِنْ الْعُقُودِ، وَالثَّانِي يَكْفِي السُّكُوتُ لِبِنَاءِ الْبَابِ عَلَى التَّوْسِعَةِ كَمَا مَرَّ.

تَنْبِيهٌ: تَعْبِيرُهُ بِالْأَصَحِّ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَسْأَلَةَ وَجْهَيْنِ وَلَيْسَ مُرَادًا، وَإِنَّمَا هُوَ تَرَدُّدٌ لِلْإِمَامِ،

ص: 52

وَتَكْفِي إشَارَةٌ مُفْهِمَةٌ لِلْقَبُولِ.

وَيَجِبُ أَنْ لَا تَزِيدَ مُدَّتُهُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَفِي قَوْلٍ يَجُوزُ مَا لَمْ تَبْلُغْ سَنَةً.

وَلَا يَجُوزُ أَمَانٌ يَضُرُّ الْمُسْلِمِينَ كَجَاسُوسٍ.

ــ

[مغني المحتاج]

وَالتَّرْجِيحُ بَحْثٌ لَهُ، وَالْمَنْقُولُ فِي التَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِ الِاكْتِفَاءُ بِالسُّكُوتِ. قَالَ: الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ: وَهُوَ قَضِيَّةُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ، فَإِنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْ الْقَبُولَ وَهُوَ مَا عَلَيْهِ السَّلَفُ وَالْخَلْفُ، وَلِمَا مَرَّ مِنْ بِنَاءِ الْبَابِ عَلَى التَّوْسِعَةِ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ مَعَ السُّكُوتِ مَا يُشْعِرُ بِالْقَبُولِ. وَهُوَ الْكَفُّ عَنْ الْقِتَالِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ.

(وَتَكْفِي) وَلَوْ مِنْ نَاطِقٍ (إشَارَةٌ مُفْهِمَةٌ لِلْقَبُولِ) لَكِنْ يُعْتَبَرُ فِي كَوْنِهَا كِنَايَةً مِنْ الْأَخْرَسِ أَنْ يَخْتَصَّ بِفَهْمِهَا فَطِنُونَ. فَإِنْ فَهِمَهَا كُلُّ أَحَدٍ فَصَرِيحَةٌ كَمَا عُلِمَ مِنْ الطَّلَاقِ.

تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: قَدْ يُوهِمُ كَلَامُهُ أَنَّ الْإِشَارَةَ لَا تَكْفِي فِي إيجَابِ الْأَمَانِ وَالْمَذْهَبُ الِاكْتِفَاءِ كَمَا مَرَّ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْإِشَارَةِ فِي الطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ وَسَائِرِ الْعُقُودِ، حَيْثُ يُعْتَبَرُ الْعَجْزُ عَنْ النُّطْقِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا حَقْنُ الدِّمَاءِ فَكَانَتْ الْإِشَارَةُ شُبْهَةً، وَاحْتَرَزَ بِالْمُفْهِمَةِ عَنْ غَيْرِ الْمُفْهِمَةِ، فَلَا يَصِحُّ بِهَا أَمَانٌ. الثَّانِي أَنَّ مَحِلَّ الْخِلَافِ فِي اعْتِبَارِ الْقَبُولِ إذَا لَمْ يَسْبِقْ مِنْهُ اسْتِيجَابٌ. فَإِنْ سَبَقَ مِنْهُ لَمْ يُحْتَجْ لِلْقَبُولِ جَزْمًا.

(وَيَجِبُ أَنْ لَا تَزِيدَ مُدَّتُهُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) فِي الْأَظْهَرِ لِمَا سَيَأْتِي فِي الْهُدْنَةِ. فَإِنْ زَادَ عَلَيْهَا بَطَلَ فِي الزَّائِدِ، وَلَا يَبْطُلُ فِي الْبَاقِي عَلَى الْأَصَحِّ تَخْرِيجًا عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، فَلَوْ أَطْلَقَ الْأَمَانَ حُمِلَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَيَبْلُغُ بَعْدَهَا الْمَأْمَنَ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رَجَحَا فِي الْهُدْنَةِ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَقَدْ قَالَا: حُكْمُ الْأَمَانِ حُكْمُ الْهُدْنَةِ حَيْثُ لَا ضَعْفَ.

أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا مُسْتَثْنًى؛ لِأَنَّ بَابَهُ أَوْسَعُ بِدَلِيلِ صِحَّتِهِ مِنْ الْآحَادِ بِخِلَافِهَا (وَفِي قَوْلٍ يَجُوزُ) أَكْثَرُ مِنْهَا (مَا لَمْ تَبْلُغْ) مُدَّتُهُ (سَنَةً) كَالْهُدْنَةِ. أَمَّا السَّنَةُ فَمُمْتَنِعَةٌ قَطْعًا.

تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: مَحِلُّ الْخِلَافِ فِي أَمَانِ الرِّجَالِ. أَمَّا النِّسَاءُ فَلَا يُحْتَاجُ فِيهِنَّ إلَى تَقْيِيدِ مُدَّةٍ، وَقَدْ نَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ الْمُسْتَأْمَنَةَ إذَا كَانَتْ بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ لَمْ تُمْنَعْ وَلَا تَتَقَيَّدُ بِمُدَّةٍ؛ لِأَنَّ الْأَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ إنَّمَا هِيَ لِلْمُشْرِكِينَ الرِّجَالِ، وَمُنِعُوا مِنْ السَّنَةِ لِئَلَّا تُتْرَكَ الْجِزْيَةُ، وَالْمَرْأَةُ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِهَا، وَالْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. الثَّانِي سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ بَيَانِ الْمَكَانِ الَّذِي يَكُونُ الْمُؤَمَّنُ فِيهِ إشْعَارًا بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِتَقْيِيدِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ.

(وَلَا يَجُوزُ) وَلَا يَصِحُّ (أَمَانٌ يَضُرُّ الْمُسْلِمِينَ كَجَاسُوسٍ) وَطَلِيعَةٍ لِخَبَرِ «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ: الْإِمَامُ أَنْ لَا يَسْتَحِقَّ تَبْلِيغَ الْمَأْمَنِ فَيُغْتَالُ؛ لِأَنَّ دُخُولَ مِثْلِهِ خِيَانَةٌ.

تَنْبِيهٌ: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّ شَرْطَ الْأَمَانِ انْتِفَاءُ الضَّرَرِ دُونَ ظُهُورِ الْمَصْلَحَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِلْإِمَامِ، وَإِنْ رَجَّحَ الْبُلْقِينِيُّ تَبَعًا لِلْقَاضِي حُسَيْنٍ: أَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ بِالْمَصْلَحَةِ. ثُمَّ قَالَ: لَا يَخْفَى أَنَّ ذَلِكَ فِي أَمَانِ الْآحَادِ. أَمَّا أَمَانُ الْإِمَامِ، فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِالنَّظَرِ لِلْمُسْلِمِينَ، نَصَّ عَلَيْهِ. اهـ.

وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَلَا لِغَيْرِهِ، وَلَوْ أَمَّنَ آحَادًا عَلَى مَدَارِجِ الْغُزَاةِ وَعَسُرَ بِسَبَبِهِ سَيْرُ الْعَسْكَرِ وَاحْتَاجُوا إلَى نَقْلِ الزَّادِ رُدَّ لِلضَّرُورَةِ، وَفِي مَعْنَى الْجَاسُوسِ مَنْ يَحْمِلُ

ص: 53

وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ نَبْذُ الْأَمَانِ إنْ لَمْ يَخَفْ خِيَانَةً.

وَلَا يَدْخُلُ فِي الْأَمَانِ مَالُهُ وَأَهْلُهُ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَكَذَا مَا مَعَ هـ مِنْهُمَا فِي الْأَصَحِّ إلَّا بِشَرْطٍ.

وَالْمُسْلِمُ بِدَارِ الْحَرْبِ إنْ أَمْكَنَهُ إظْهَارُ دِينِهِ اُسْتُحِبَّ لَهُ الْهِجْرَةُ،

ــ

[مغني المحتاج]

سِلَاحًا إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَنَحْوه مِمَّا يُعِينُهُمْ.

(وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ) وَلَا لِغَيْرِهِ (نَبْذُ الْأَمَانِ إنْ لَمْ يَخَفْ خِيَانَةً) ؛ لِأَنَّ الْأَمَانَ لَازِمٌ مِنْ جِهَةِ الْمُسْلِمِينَ. فَإِنْ خَافَهَا نَبَذَهُ كَالْهُدْنَةِ وَأَوْلَى، جَائِزٌ مِنْ جِهَةِ الْكَافِرِ لِيَنْبُذَهُ مَتَى شَاءَ.

(وَلَا يَدْخُلُ فِي الْأَمَانِ) لِحَرْبِيٍّ بِدَارِنَا (مَالُهُ وَأَهْلُهُ) مِنْ زَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ الصَّغِيرِ أَوْ الْمَجْنُونِ (بِدَارِ الْحَرْبِ) جَزْمًا؛ لِأَنَّ فَائِدَةَ الْأَمَانِ تَحْرِيمُ قَتْلِهِ وَاسْتِرْقَاقِهِ وَمُفَادَاتُهُ، لَا أَهْلِهِ وَمَالِهِ، فَيَجُوزُ اغْتِنَامُ أَمْوَالِهِ وَسَبْيُ ذَرَارِيِّهِ الْمُخَلَّفِينَ هُنَاكَ (وَكَذَا مَا مَعَهُ مِنْهُمَا) فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي حِيَازَتِهِ (فِي الْأَصَحِّ إلَّا بِشَرْطٍ) لِقُصُورِ اللَّفْظِ عَنْ الْعُمُومِ، وَالثَّانِي لَا يَحْتَاجُ إلَى شَرْطٍ.

تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِمَا مَعَهُ مِنْ مَالِهِ غَيْرُ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ مُدَّةَ أَمَانِهِ. أَمَّا الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ فَيَدْخُلُ وَلَوْ بِلَا شَرْطٍ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا يَسْتَعْمِلُهُ فِي حِرْفَتِهِ مِنْ الْآلَاتِ وَمَرْكُوبِهِ إنْ لَمْ يُسْتَغْنَ عَنْهُ، هَذَا إذَا أَمَّنَهُ غَيْرُ الْإِمَامِ. فَإِنْ أَمَّنَهُ الْإِمَامُ دَخَلَ مَا مَعَهُ بِلَا شَرْطٍ، وَلَا يَدْخُلُ مَا خَلَّفَهُ بِدَارِ الْحَرْبِ إلَّا بِشَرْطٍ مِنْ الْإِمَامِ. أَمَّا إذَا كَانَ الْأَمَانُ لِلْحَرْبِيِّ بِدَارِهِمْ، فَقِيَاسُ مَا ذُكِرَ أَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَ أَهْلُهُ وَمَالُهُ بِدَارِهِمْ دَخَلَا وَلَوْ بِلَا شَرْطٍ إنْ أَمَّنَهُ الْإِمَامُ، وَإِنْ أَمَّنَهُ غَيْرُهُ لَمْ يَدْخُلْ أَهْلُهُ وَلَا مَا لَا يَحْتَاجُهُ مِنْ مَالِهِ إلَّا بِشَرْطٍ، بِخِلَافِ مَا يَحْتَاجُهُ فَيَدْخُلُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، وَإِنْ كَانَا بِدَارِنَا دَخَلَا إنْ شَرَطَهُ الْإِمَامُ لَا غَيْرُهُ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّف يَقْتَضِي أَنَّ الَّذِي مَعَهُ لِغَيْرِهِ لَا يَدْخُلُ قَطْعًا وَلَيْسَ مُرَادًا، فَقَدْ نَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ مَا مَعَهُ مِنْ مَالِهِ وَمَالِ غَيْرِهِ. فَائِدَةٌ: لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَحْوَالٌ وَهِيَ: إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُؤَمِّنُ الْإِمَامَ أَوْ غَيْرَهُ، وَالْمُؤَمَّنُ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ بِدَارِنَا جُمْلَةُ ذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ. ثُمَّ مَالُهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِالدَّارِ الَّتِي هُوَ فِيهَا أَوْ لَا، اضْرِبْ اثْنَيْنِ فِي أَرْبَعَةٍ بِثَمَانِيَةٍ. ثُمَّ الَّذِي مَعَهُ: إمَّا أَنْ يَكُونَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ أَوْ لَا، اضْرِبْ اثْنَيْنِ فِي ثَمَانِيَةٍ بِسِتَّةَ عَشَرَ. ثُمَّ كُلٌّ مِنْ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ: إمَّا أَنْ يَقَعَ مِنْهُ بِشَرْطٍ أَوْ لَا، فَهَذِهِ أَرْبَعَةٌ تُضْرَبُ فِي سِتَّةَ عَشَرَ بِأَرْبَعَةٍ وَسِتِّينَ. ثُمَّ الَّذِي مَعَهُ: إمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ، اضْرِبْ اثْنَيْنِ فِي أَرْبَعَةٍ وَسِتِّينَ بِمِائَةٍ وَثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ، وَكُلُّ ذَلِكَ يُعْلَمُ مِمَّا ذَكَرْتُهُ فَاسْتَفِدْهُ، فَإِنِّي اسْتَخْرَجْته مِنْ فِكْرِي الْفَاتِرِ.

ثُمَّ أَخَذَ فِي بَيَانِ حُكْمِ هِجْرَةِ الْمُسْلِمِ. فَقَالَ: (وَالْمُسْلِمُ) الْمُقِيمُ (بِدَارِ الْحَرْبِ إنْ أَمْكَنَهُ إظْهَارُ دِينِهِ) لِكَوْنِهِ مُطَاعًا فِي قَوْمِهِ أَوْ لِأَنَّ لَهُ عَشِيرَةً يَحْمُونَهُ وَلَمْ يَخَفْ فِتْنَةً فِي دِينِهِ (اُسْتُحِبَّ لَهُ الْهِجْرَةُ) إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، لِئَلَّا يَكْثُرَ سَوَادُهُمْ أَوْ يَكِيدُوهُ أَوْ يَمِيلَ إلَيْهِمْ، وَإِنَّمَا يَجِبُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى إظْهَارِ دِينِهِ.

تَنْبِيهٌ: مَحِلُّ اسْتِحْبَابِهَا مَا لَمْ يَرْجِعْ ظُهُورُ الْإِسْلَامِ هُنَاكَ بِمُقَامِهِ. فَإِنْ رَجَاه فَالْأَفْضَلُ أَنْ

ص: 54

وَإِلَّا وَجَبَتْ إنْ أَطَاقَهَا، وَلَوْ قَدَرَ أَسِيرٌ عَلَى هَرَبٍ لَزِمَهُ، وَلَوْ أَطْلَقُوهُ بِلَا شَرْطٍ فَلَهُ اغْتِيَالُهُمْ، أَوْ عَلَى أَنَّهُمْ فِي أَمَانِهِ حَرُمَ، فَإِنْ تَبِعَهُ قَوْمٌ فَلْيَدْفَعْهُمْ وَلَوْ بِقَتْلِهِمْ،

ــ

[مغني المحتاج]

يُقِيمَ، وَلَوْ قَدَرَ عَلَى الِامْتِنَاعِ بِدَارِ الْحَرْبِ وَالِاعْتِزَالِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْمُقَامُ بِهَا؛ لِأَنَّ مَوْضِعَهُ دَارُ إسْلَامٍ، فَلَوْ هَاجَرَ لَصَارَ دَارَ حَرْبٍ فَيَحْرُمُ ذَلِكَ، نَعَمْ إنْ رَجَا نُصْرَةَ الْمُسْلِمِينَ بِهِجْرَتِهِ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُهَاجِرَ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. ثُمَّ فِي إقَامَتِهِ يُقَاتِلُهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ وَيَدْعُوهُمْ إلَيْهِ إنْ قَدَرَ وَإِلَّا فَلَا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ إظْهَارُ دِينِهِ أَوْ خَافَ فِتْنَةً فِيهِ (وَجَبَتْ) عَلَيْهِ الْهِجْرَةُ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً وَإِنْ لَمْ تَجِدْ مَحْرَمًا (إنْ أَطَاقَهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} [النساء: 97] الْآيَةَ، وَلِخَبَرِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ «أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ» وَسُمِّيَتْ هِجْرَةً؛ لِأَنَّهُمْ هَجَرُوا دِيَارَهُمْ وَلَمْ يُقَيِّدُوا ذَلِكَ بِأَمْنِ الطَّرِيقِ وَلَا بِوُجُودِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ، وَيَنْبَغِي أَنَّهُ إنْ خَافَ تَلَفَ نَفْسِهِ مِنْ خَوْفِ الطَّرِيقِ أَوْ مِنْ تَرْكِ الزَّادِ، أَوْ مِنْ عَدَمِ الرَّاحِلَةِ عُدِمَ الْوُجُوبُ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْوُجُوبِ مَنْ فِي إقَامَتِهِ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ، فَقَدْ حَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ أَنَّ إسْلَامَ الْعَبَّاسِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَانَ قَبْلَ بَدْرٍ، وَكَانَ يَكْتُمُهُ وَيَكْتُبُ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِأَخْبَارِ الْمُشْرِكِينَ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَثِقُونَ بِهِ، وَكَانَ يُحِبُّ الْقُدُومَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَكَتَبَ إلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ مُقَامَكَ بِمَكَّةَ خَيْرٌ ثُمَّ أَظْهَرَ إسْلَامَهُ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَيَلْتَحِقُ بِوُجُوبِ الْهِجْرَةِ مِنْ دَارِ الْكُفْرِ مَنْ أَظْهَرَ حَقًّا بِبَلْدَةٍ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَلَمْ يَقْبَلْ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى إظْهَارِهِ فَتَلْزَمُهُ الْهِجْرَةُ مِنْ تِلْكَ، نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ صَاحِبِ الْمُعْتَمَدِ فِيهَا، وَذَكَرَ الْبَغَوِيّ مِثْلَهُ فِي سُورَةِ الْعَنْكَبُوتِ فَقَالَ: يَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ كَانَ بِبَلَدٍ تُعْمَلُ فِيهَا الْمَعَاصِي وَلَا يُمْكِنُهُ تَغْيِيرُ ذَلِكَ الْهِجْرَةُ إلَى حَيْثُ تَتَهَيَّأُ لَهُ الْعِبَادَةُ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْله تَعَالَى:{فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 68] فَإِنْ اسْتَوَتْ جَمِيعُ الْبِلَادُ فِي عَدَمِ إظْهَارِ ذَلِكَ كَمَا فِي زَمَانِنَا فَلَا وُجُوبَ بِلَا خِلَافٍ، فَإِنْ لَمْ يُطِقْ الْهِجْرَةَ فَلَا وُجُوبَ حَتَّى يُطِيقَهَا فَإِنْ فُتِحَ الْبَلَدُ قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ سَقَطَتْ عَنْهُ الْهِجْرَةُ.

(وَلَوْ قَدَرَ أَسِيرٌ) فِي أَيْدِي الْكُفَّارِ (عَلَى هَرَبٍ لَزِمَهُ) لِخُلُوصِهِ بِهِ مِنْ قَهْرِ الْأَسْرِ سَوَاءٌ أَمْكَنَهُ إظْهَارُ دِينِهِ أَمْ لَا كَمَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ تَصْحِيحِ الْإِمَامِ وَإِنْ جَزَمَ الْقَمُولِيُّ وَغَيْرُهُ بِتَقْيِيدِهِ بِعَدَمِ الْإِمْكَانِ (وَلَوْ أَطْلَقُوهُ) مِنْ الْأَسْرِ (بِلَا شَرْطٍ فَلَهُ اغْتِيَالُهُمْ) قَتْلًا وَسَبْيًا وَأَخْذَ مَالٍ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَسْتَأْمِنُوهُ، وَقَتْلُ الْغِيلَةِ أَنْ يَخْدَعَهُ فَيَذْهَبَ بِهِ إلَى مَوْضِعٍ فَإِذَا صَارَ إلَيْهِ قَتَلَهُ (أَوْ) أَطْلَقُوهُ (عَلَى أَنَّهُمْ فِي أَمَانِهِ) وَإِنْ لَمْ يُؤَمِّنُوهُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ (حَرُمَ) عَلَيْهِ اغْتِيَالُهُمْ وَفَاءً بِمَا الْتَزَمَهُ، وَكَذَا لَوْ أَطْلَقُوهُ عَلَى أَنَّهُ فِي أَمَانِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا أَمَّنُوهُ وَجَبَ أَنْ يَكُونُوا فِي أَمَانٍ مِنْهُ، فَلَوْ قَالُوا أَمَّنَّاك وَلَا أَمَانَ لَنَا عَلَيْكَ جَازَ لَهُ اغْتِيَالُهُمْ كَمَا فِي نَصِّ الْأُمِّ (فَإِنْ تَبِعَهُ قَوْمٌ) مِنْهُمْ بَعْدَ خُرُوجِهِ (فَلْيَدْفَعْهُمْ) وُجُوبًا (وَلَوْ بِقَتْلِهِمْ) كَالصَّائِلِ فَيُرَاعَى التَّرْتِيبُ فِي الصَّائِلِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ

ص: 55

أَوْ شَرَطُوا أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ دَارِهِمْ لَمْ يَجُزْ الْوَفَاءُ.

وَلَوْ عَاقَدَ الْإِمَامُ عِلْجًا يَدُلُّ عَلَى قَلْعَةٍ وَلَهُ مِنْهَا جَارِيَةٌ جَازَ

ــ

[مغني المحتاج]

أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ الْعَهْدُ بِذَلِكَ (أَوْ) أَطْلَقُوهُ وَ (شَرَطُوا) عَلَيْهِ (أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ دَارِهِمْ) نُظِرَتْ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ إظْهَارُ دِينِهِ (لَمْ يَجُزْ الْوَفَاءُ) بِالشَّرْطِ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ إنْ أَمْكَنَهُ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَرْكُ إقَامَةِ الدِّينِ، وَالْتِزَامُ مَا لَا يَجُوزُ لَا يَلْزَمُ وَإِنْ أَمْكَنَهُ لَمْ يَحْرُمْ الْوَفَاءُ؛ لِأَنَّ الْهِجْرَةَ حِينَئِذٍ مُسْتَحَبَّةٌ.

تَنْبِيهٌ: لَوْ حَلَّفُوهُ وَلَوْ بِالطَّلَاقِ مُكْرَهًا عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَحْنَثْ بِتَرْكِهِ لِعَدَمِ انْعِقَادِ يَمِينِهِ، فَإِنْ قَالُوا: لَا نُطْلِقُك حَتَّى تَحْلِفَ أَنَّكَ لَا تَخْرُجُ فَحَلَفَ، فَأَطْلَقُوهُ فَخَرَجَ لَمْ يَحْنَثْ أَيْضًا: كَمَا لَوْ أَخَذَ اللُّصُوصُ رَجُلًا وَقَالُوا لَا نَتْرُكُك حَتَّى تَحْلِفَ أَنَّكَ لَا تُخْبِرُ بِمَكَانِنَا فَحَلَفَ ثُمَّ أَخْبَرَ بِمَكَانِهِمْ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ يَمِينُ إكْرَاهٍ وَإِنْ حَلَفَ لَهُمْ تَرْغِيبًا، وَلَوْ قَبْلَ الْإِطْلَاقِ حَنِثَ بِخُرُوجِهِ، وَلَهُ عِنْدَ خُرُوجِهِ أَخْذُ مَالِ مُسْلِمٍ وَجَدَهُ عِنْدَهُمْ لِيَرُدَّهُ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَمَّنَهُمْ عَلَيْهِ، وَلَا يَضْمَنُهُ كَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا عَلَى الْحَرْبِيِّ الَّذِي كَانَ بِيَدِهِ، بِخِلَافِ الْمَغْصُوبِ إذَا أَخَذَهُ شَخْصٌ مِنْ الْغَاصِبِ لِيَرُدَّهُ إلَى مَالِكِهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَضْمُونًا عَلَى الْغَاصِبِ فَأُدِيمَ حُكْمُهُ. فُرُوعٌ: لَوْ الْتَزَمَ لَهُمْ قَبْلَ خُرُوجِهِ مَالًا فِدَاءً وَهُوَ مُخْتَارٌ، أَوْ أَنْ يَعُودَ إلَيْهِمْ بَعْدَ خُرُوجِهِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ حَرُمَ عَلَيْهِ الْعَوْدُ إلَيْهِ، وَسُنَّ لَهُ الْوَفَاءُ بِالْمَالِ الَّذِي الْتَزَمَهُ لِيَعْتَمِدُوا الشَّرْطَ فِي إطْلَاقِ الْأُسَرَاءِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ؛ لِأَنَّهُ الْتِزَامٌ بِغَيْرِ حَقٍّ وَالْمَالُ الْمَبْعُوثُ إلَيْهِمْ فِدَاءٌ لَا يَمْلِكُونَهُ كَمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَلَوْ اشْتَرَى مِنْهُمْ شَيْئًا لِيَبْعَثَ إلَيْهِمْ ثَمَنَهُ أَوْ اقْتَرَضَ، فَإِنْ كَانَ مُخْتَارًا لَزِمَهُ الْوَفَاءُ، أَوْ مُكْرَهًا فَالْمَذْهَبُ أَنَّ الْعَقْدَ بَاطِلٌ، وَيَجِبُ رَدُّ الْعَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَجْرِ لَفْظُ بَيْعٍ بَلْ قَالُوا: خُذْ هَذَا وَابْعَثْ إلَيْنَا كَذَا مِنْ الْمَالِ فَقَالَ: نَعَمْ فَهُوَ كَالشِّرَاءِ مُكْرَهًا، وَلَوْ وَكَّلُوهُ بِبَيْعِ شَيْءٍ لَهُمْ بِدَارِنَا بَاعَهُ وَرَدَّ ثَمَنَهُ إلَيْهِمْ.

(وَلَوْ عَاقَدَ الْإِمَامُ) أَوْ نَائِبُهُ (عِلْجًا) وَهُوَ الْكَافِرُ الْغَلِيظُ الشَّدِيدُ، سُمِّيَ بِهِ لِدَفْعِهِ عَنْ نَفْسِهِ بِقُوَّتِهِ وَمِنْهُ سُمِّيَ الْعِلَاجُ عِلَاجًا لِدَفْعِهِ الدَّاءَ، وَفِي الْحَدِيثِ «الدُّعَاءُ وَالْبَلَاءُ يَتَعَالَجَانِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» أَيْ يَتَصَارَعَانِ، رَوَاهُ الْبَزَّارُ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيث عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - (يَدُلُّ عَلَى قَلْعَةٍ) تُفْتَحُ عَنْوَةً، وَهِيَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ، وَحُكِيَ فَتْحُهَا: الْحِصْنُ، إمَّا لِأَنَّهُ قَدْ خَفِيَ عَلَيْنَا طَرِيقُهَا، أَوْ لِيَدُلَّنَا عَلَى طَرِيقٍ خَالٍ مِنْ الْكُفَّارِ، أَوْ سَهْلٍ، أَوْ كَثِيرِ الْمَاءِ، أَوْ الْكَلَأِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (وَلَهُ مِنْهَا جَارِيَةٌ جَازَ) ذَلِكَ سَوَاءٌ أَكَانَ ابْتِدَاءُ الشَّرْطِ مِنْ الْعِلْجِ أَمْ مِنْ الْإِمَامِ، وَهِيَ جَعَالَةٌ بِجُعْلٍ مَجْهُولٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ اُحْتُمِلَتْ لِلْحَاجَةِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْجَارِيَةُ مُعَيَّنَةً أَوْ مُبْهَمَةً، حُرَّةً أَمْ أَمَةً؛ لِأَنَّ الْحُرَّةَ تَرِقُّ بِالْأَسْرِ وَالْمُبْهَمَةَ يُعَيِّنُهَا الْإِمَامُ

ص: 56

فَإِنْ فُتِحَتْ بِدَلَالَتِهِ أُعْطِيَهَا، أَوْ بِغَيْرِهَا فَلَا فِي الْأَصَحِّ، فَإِنْ لَمْ تُفْتَحْ فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَقِيلَ إنْ لَمْ يُعَلِّقْ الْجُعْلَ بِالْفَتْحِ فَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلٍ،

ــ

[مغني المحتاج]

وَيُجْبَرُ الْعِلْجُ عَلَى الْقَبُولِ، وَسَوَاءٌ حَصَلَ بِالدَّلَالَةِ كُلْفَةٌ أَمْ لَا حَتَّى لَوْ كَانَ الْإِمَامُ نَازِلًا تَحْتَ قَلْعَةٍ لَا يَعْرِفُهَا فَقَالَ: مَنْ دَلَّنِي عَلَى قَلْعَةِ كَذَا فَلَهُ جَارِيَةٌ فَقَالَ: الْعِلْجُ هِيَ هَذِهِ اسْتَحَقَّ الْجَارِيَةَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا. فَإِنْ قِيلَ: مُقْتَضَى مَا ذَكَرُوهُ فِي بَابِ الْجَعَالَةِ عَدَمُ الِاسْتِحْقَاقِ فَإِنَّهُمْ شَرَطُوا التَّعَبَ وَلَا تَعَبَ هُنَا.

أُجِيبَ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْتَبِرُوا التَّعَبَ هُنَا، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ الْعِلْجُ: الْقَلْعَةُ بِمَكَانِ كَذَا وَلَمْ يَمْشِ وَلَمْ يَتْعَبْ اسْتَحَقَّ الْجَارِيَةَ فَكَذَلِكَ أَيْضًا هُنَا، وَقَدْ اسْتَثْنَوْا مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى كَلِمَةِ (لَا تَتْعَبْ) مَسْأَلَةَ الْعِلْجِ لِلْحَاجَةِ.

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَلْعَةِ الْمُعَيَّنَةِ وَالْمُبْهَمَةِ، وَهُوَ مَا فِي تَعْلِيقِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ، وَلَعَلَّهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا: مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أُبْهِمَ فِي قِلَاعٍ مَحْصُورَةٍ، وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ، بَلْ الْجُمْهُورُ إنَّمَا صَوَّرَهُ بِالْمُعَيَّنَةِ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُعَيَّنَةِ يَكْثُرُ فِيهَا الْغَرَرُ، لَكِنْ مَعَ الْحَمْلِ الْمَذْكُورِ يَخِفُّ فَيَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ، وَخَرَجَ بِالْعِلْجِ مَا لَوْ عَاقَدَ مُسْلِمًا بِمَا ذُكِرَ فَإِنْ الْأَصَحَّ عِنْدَ الْإِمَامِ عَدَمُ الصِّحَّةِ، وَتَبِعَهُ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّ فِيهِ أَنْوَاعَ غَرَرٍ فَلَا يُحْتَمَلُ مَعَهُ وَاحْتُمِلَتْ مَعَ الْكَافِرِ؛ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِأَحْوَالِ قِلَاعِهِمْ وَطُرُقِهِمْ غَالِبًا، وَلِأَنَّ الْمُسْلِمَ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ فَرْضُ الْجِهَادِ وَالدَّلَالَةُ نَوْعٌ مِنْهُ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَلَيْهِ، لَكِنَّ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْعِرَاقِيُّونَ الْجَوَازُ، وَقَالَ: فِي الْبَحْرِ إنَّهُ الْمَشْهُورُ، وَقَالَ: الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ الْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ كَشَرْطِ النَّفْلِ فِي الْبَرَاءَةِ وَالرَّجْعَةِ، وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِي بَابِ الْغَنِيمَةِ، وَصَحَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ قَدْ تَدْعُو إلَى ذَلِكَ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: وَلَهُ مِنْهَا جَارِيَةٌ عَمَّا إذَا قَالَ: الْإِمَامُ وَلَهُ جَارِيَةٌ مِمَّا عِنْدِي مَثَلًا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ لِلْجَهْلِ بِالْجُعْلِ كَسَائِرِ الْجَعَالَاتِ، وَتَعْبِيرُهُ بِالْجَارِيَةِ مِثَالٌ، وَلَوْ قَالَ: جُعْلٌ كَمَا فِي التَّنْبِيهِ لِكَانَ أَشْمَلَ (فَإِنْ فُتِحَتْ) أَيْ الْقَلْعَةُ عَنْوَةً بِمَنْ عَاقَدَهُ (بِدَلَالَتِهِ) بِكَسْرِ الدَّالِ وَفَتَحَهَا وَفِيهَا الْجَارِيَةُ الْمُعَيَّنَةُ أَوْ الْمُبْهَمَةُ حَيَّةً وَلَمْ تُسْلِمْ قَبْلَ إسْلَامِهِ (أُعْطِيَهَا) وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ سِوَاهَا عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّهَا بِالشَّرْطِ قَبْلَ الظَّفَرِ.

تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ يُعْطَاهَا مَتَى فُتِحَتْ بِدَلَالَتِهِ وَلَوْ فِي وَقْتٍ آخَرَ كَأَنْ تَرَكْنَاهَا ثُمَّ عُدْنَا إلَيْهَا وَهُوَ كَذَلِكَ (أَوْ) فُتِحَتْ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَاقَدَهُ وَلَوْ بِدَلَالَتِهِ أَوْ مِمَّنْ عَاقَدَهُ لَكِنْ (بِغَيْرِهَا) أَيْ دَلَالَتِهِ (فَلَا) شَيْءَ لَهُ (فِي الْأَصَحِّ) أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِانْتِفَاءِ مُعَاقَدَتِهِ مَعَ مَنْ فَتَحَهَا. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ الْقَصْدَ الدَّلَالَةُ الْمُوصِلَةُ إلَى الْفَتْحِ وَلَمْ تُوجَدْ. وَالثَّانِي يَسْتَحِقُّهَا لِدَلَالَتِهِ وَلَا يُنْظَرُ إلَى ذَلِكَ (فَإِنْ لَمْ تُفْتَحْ) تِلْكَ الْقَلْعَةُ (فَلَا شَيْءَ لَهُ) ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ مُقَيَّدٌ بِشَيْئَيْنِ: الدَّلَالَةُ وَالْفَتْحُ (وَقِيلَ: إنْ لَمْ يُعَلِّقْ الْجُعْلَ بِالْفَتْحِ فَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلٍ) لِوُجُودِ الدَّلَالَةِ، وَرُدَّ بِأَنَّ تَسْلِيمَهَا لَا يُمْكِنُ إلَّا بِالْفَتْحِ فَالشَّرْطُ مُقَيَّدٌ بِهِ حَقِيقَةً وَإِنْ لَمْ يَجْرِ لَفْظًا.

ص: 57

فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا جَارِيَةٌ أَوْ مَاتَتْ قَبْلَ الْعَقْدِ فَلَا شَيْءَ، أَوْ بَعْدَ الظَّفَرِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَجَبَ بَدَلٌ، أَوْ قَبْلَ ظَفَرٍ فَلَا فِي الْأَظْهَرِ، وَإِنْ أَسْلَمَتْ فَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ بَدَلٍ، وَهُوَ أُجْرَةُ مِثْلٍ، وَقِيلَ قِيمَتُهَا..

ــ

[مغني المحتاج]

أَمَّا إذَا عَلَّقَ الْجُعْلَ بِالْفَتْحِ فَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا قَطْعًا.

تَنْبِيهٌ: هَذَا إذَا كَانَ الْجُعْلُ مِنْ الْقَلْعَةِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهَا قَالَ: الْمَاوَرْدِيُّ: لَا يُشْتَرَطُ فِي اسْتِحْقَاقِهِ فَتْحُهَا بِلَا خِلَافٍ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا جَارِيَةٌ) أَصْلًا (أَوْ) كَانَتْ وَلَكِنْ (مَاتَتْ قَبْلَ الْعَقْدِ فَلَا شَيْءَ لَهُ) لِفَقْدِ الْمَشْرُوطِ (أَوْ) مَاتَتْ (بَعْدَ) الْعَقْدِ وَ (الظَّفَرِ) بِهَا (وَجَبَ بَدَلٌ) عَنْهَا جَزْمًا؛ لِأَنَّهَا حَصَلَتْ فِي قَبْضَةِ الْإِمَامِ، فَالتَّلَفُ مِنْ ضَمَانِهِ (أَوْ) مَاتَتْ (قَبْلَ ظَفَرٍ) بِهَا (فَلَا) بَدَلَ عَنْهَا (فِي الْأَظْهَرِ) ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَةَ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَيْهَا فَصَارَتْ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ فِيهَا، وَالثَّانِي تَجِبُ، وَرَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ عُلِّقَ بِهَا وَهِيَ حَاصِلَةٌ ثُمَّ تَعَذَّرَ تَسْلِيمُهَا، وَهُرُوبُهَا قَبْلَ الظَّفَرِ بِهَا كَمَوْتِهَا (وَإِنْ أَسْلَمَتْ) دُونَ الْعِلْجِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَبْلَ ظَفَرٍ بِهَا أَوْ بَعْدَهُ (فَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ بَدَلٍ) لِتَعَذُّرِ تَسْلِيمِهَا لَهُ بِالْإِسْلَامِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ جَوَازِ شِرَاءِ الْكَافِرِ مُسْلِمًا. قَالَ: الْبُلْقِينِيُّ: وَهَذَا الْبِنَاءُ مَرْدُودٌ بَلْ يَسْتَحِقُّهَا قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّهَا بِالظَّفَرِ وَقَدْ كَانَتْ إذْ ذَاكَ كَافِرَةً فَلَا يَرْتَفِعُ ذَلِكَ بِإِسْلَامِهَا، كَمَا لَوْ مَلَكَهَا ثُمَّ أَسْلَمَتْ، لَكِنْ لَا تُسَلَّمُ إلَيْهِ، بَلْ يُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْهَا، كَمَا لَوْ أَسْلَمَ الْعَبْدُ الَّذِي بَاعَهُ الْمُسْلِمُ لِلْكَافِرِ قَبْلَ الْقَبْضِ، لَكِنْ هُنَاكَ يَقْبِضُهُ لَهُ الْحَاكِمُ، وَهُنَا لَا يَحْتَاجُ إلَى قَبْضٍ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ مَا هُنَا وَبَيْنَ الْبَيْعِ بِأَنَّ الْبَيْعَ عَقْدٌ لَازِمٌ، وَهُنَا جَعَالَةٌ جَائِزَةٌ مَعَ الْمُسَامَحَةِ فِيهَا مَا لَا يُتَسَامَحُ فِي غَيْرِهَا فَلَا تَلْحَقُ بِغَيْرِهَا. أَمَّا لَوْ أَسْلَمَتْ قَبْلَ الْعَقْدِ فَلَا شَيْءَ لَهُ إنْ عَلِمَ بِذَلِكَ، وَبِأَنَّهَا قَدْ فَاتَتْهُ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ، وَكَلَامُ غَيْرِهِ يَقْتَضِيه، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّف بِغَيْرِ التَّقْدِيرِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ اسْتِحْقَاقَهُ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ مُتَبَرِّعًا (وَهُوَ) أَيْ الْبَدَلُ فِي الْجَارِيَةِ الْمُعَيَّنَةِ حَيْثُ وَجَبَ (أُجْرَةُ مِثْلٍ) فِي الْأَصَحِّ عِنْدَ الْإِمَامِ (وَقِيلَ قِيمَتُهَا) وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَنَصَّ عَلَيْهِ أَيْضًا الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَمَحِلُّهُ مِنْ الْأَخْمَاسِ الْأَرْبَعَةِ لَا مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ، وَلَا مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ. وَأَمَّا الْمُبْهَمَةُ فَإِنْ وَجَبَ الْبَدَلُ فِيهَا فَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ يَرْجِعُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ قَطْعًا لِتَعَذُّرِ تَقْوِيمِ الْمَجْهُولِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: تُسَلَّمُ إلَيْهِ قِيمَةُ مَنْ تُسَلَّمُ إلَيْهِ قَبْلَ الْمَوْتِ، قَالَهُ الشَّيْخَانِ. وَالثَّانِي أَوْجَهُ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. أَمَّا إذَا فُتِحَتْ الْقَلْعَةُ صُلْحًا بِدَلَالَتِهِ فَيُنْظَرُ إنْ دَخَلَتْ الْجَارِيَةُ الْمَشْرُوطَةُ فِي الْأَمَانِ وَلَمْ يَرْضَ أَصْحَابُ الْقَلْعَةِ بِتَسْلِيمِهَا إلَيْهِ، وَلَا رَضِيَ الْعِلْجُ بِعِوَضِهَا، وَأَصَرُّوا عَلَى ذَلِكَ نَقَضْنَا الصُّلْحَ وَبُلِّغُوا الْمَأْمَنَ بِأَنْ يُرَدُّوا إلَى الْقَلْعَةِ ثُمَّ يُسْتَأْنَفُ الْقِتَالُ، وَإِنْ رَضِيَ أَصْحَابُ الْقَلْعَةِ بِتَسْلِيمِهَا بِقِيمَتِهَا دَفَعْنَا لَهُمْ الْقِيمَةَ، وَهَلْ هِيَ مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ أَوْ مِنْ حَيْثُ يَكُونُ الرَّضْخُ؟ وَجْهَانِ: أَوْجَهُهُمَا كَمَا قَالَ: الزَّرْكَشِيُّ الثَّانِي، وَإِنْ كَانَتْ خَارِجَةً عَنْ الْأَمَانِ بِأَنْ كَانَ الصُّلْحُ عَلَى أَمَانِ صَاحِبِ الْقَلْعَةِ وَأَهْلِهِ وَلَمْ تَكُنْ الْجَارِيَةُ مِنْهُمْ سُلِّمَتْ إلَى الْعِلْجِ.

ص: 58

..

....

....

....

..

ــ

[مغني المحتاج]

خَاتِمَةٌ: فِيهَا مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ: لَوْ صَالَحَ زَعِيمُ قَلْعَةٍ وَهُوَ سَيِّدُ أَهْلِهَا عَلَى أَمَانِ مِائَةٍ مِنْهُمْ صَحَّ وَإِنْ جُهِلَتْ أَعْيَانُهُمْ وَصِفَاتُهُمْ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ، فَإِنْ عَدَّ مِائَةً غَيْرَ نَفْسِهِ جَازَ لِلْإِمَامِ قَتْلُهُ لِخُرُوجِهِ عَنْ الْمِائَةِ، وَاسْتَدَلَّ لَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ رضي الله عنه حَاصَرَ مَدِينَةً فَصَالَحَهُ دُهْقَانُهَا عَلَى أَنْ يَفْتَحَ لَهُ الْمَدِينَةَ وَيُؤَمِّنَ مِائَةَ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِهَا، فَقَالَ: أَبُو مُوسَى: اللَّهُمَّ أَمِّنْهُ نَفْسَهُ، فَلَمَّا عَزَلَهُمْ قَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى أَفَرَغْت؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَأَمَّنَهُمْ وَأَمَرَ بِقَتْلِ الدُّهْقَانِ، فَقَالَ: أَتَغْدِرُنِي وَقَدْ أَمَّنْتَنِي قَالَ: أَمَّنْتُ الْعِدَّةَ الَّتِي سَمَّيْتَ وَلَمْ تُسَمِّ نَفْسَكَ، فَنَادَى بِالْوَيْلِ، وَبَذَلَ مَالًا فَلَمْ يَقْبَلْهُ مِنْهُ وَقَتَلَهُ، وَيَسْقُطُ بِإِسْلَامِ الْكَافِرِ حَدُّ الزِّنَا عَنْهُ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ لِآيَةِ {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] مَعَ كَوْنِ الْحَقِّ لَهُ تَعَالَى، وَلَا تَسْقُطُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَظِهَارٍ وَقَتْلٍ كَالدَّيْنِ، وَعَلَيْهِ بَعْدَ إسْلَامِهِ رَدُّ مَالِ مُسْلِمٍ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ وَلَوْ بِدَارِ الْحَرْبِ. فَإِنْ غَنِمْنَاهُ وَلَوْ مَعَ أَمْوَالِهِمْ رُدَّ لِمَالِكِهِ، وَإِنْ خَرَجَ لِوَاحِدٍ بَعْدَ الْقِسْمَةِ رَدَّهُ أَيْضًا لِمَالِكِهِ وَغَرِمَ لَهُ الْإِمَامُ بَدَلَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ نُقِضَتْ الْقِسْمَةُ. وَلَوْ اسْتَوْلَدَ الْكَافِرُ جَارِيَةَ مُسْلِمٍ ثُمَّ وَقَعَتْ فِي الْغُنْمِ أَخَذَهَا وَوَلَدَهَا مَالِكُهَا؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ لَمْ يَزُلْ عَنْهَا، وَيُنْدَبُ لَهُ عَدَمُ أَخْذِهَا.

وَلَوْ نَكَحَ حَرْبِيٌّ مُسْلِمَةً، أَوْ أَصَابَهَا بِشُبْهَةٍ وَوَلَدَتْ مِنْهُ لَحِقَهُ الْوَلَدُ لِلشُّبْهَةِ، ثُمَّ إنْ ظَفِرْنَا بِهِمْ لَمْ يَرِقَّ الْوَلَدُ كَأُمِّهِ لِلْحُكْمِ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لَهَا، وَلَوْ وُجِدَ أَسِيرٌ بِدَارِنَا فَادَّعَى الْإِسْلَامَ أَوْ الذِّمَّةَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، بِخِلَافِ أَسِيرٍ وُجِدَ بِدَارِ الْحَرْبِ، لَوْ غَنِمْنَا رَقِيقًا مُسْلِمًا اشْتَرَاهُ كَافِرٌ مِنْ مُسْلِمٍ رُدَّ لِبَائِعِهِ وَرَدَّ بَائِعُهُ الثَّمَنَ لِلْكَافِرِ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْبَيْعِ.

وَفِدَاءُ الْأَسِيرِ مَنْدُوبٌ لِلْآحَادِ، فَلَوْ قَالَ: شَخْصٌ لِلْكَافِرِ بِغَيْرِ إذْنِ الْأَسِيرِ: أَطْلِقْهُ وَلَك عَلَيَّ كَذَا لَزِمَهُ وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْأَسِيرِ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ رَجَعَ عَلَيْهِ بِهِ إذَا غَرِمَهُ وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ الرُّجُوعَ كَقَوْلِ الْمَدِينِ لِغَيْرِهِ اقْضِ دَيْنِي، وَلَوْ قَالَ: الْأَسِيرُ لِلْكَافِرِ: أَطْلِقْنِي بِكَذَا، أَوْ قَالَ: لَهُ الْكَافِرُ: افْدِ نَفْسَكَ بِكَذَا فَقَبِلَ لَزِمَهُ مَا الْتَزَمَ، فَإِنْ قِيلَ: هَذَا مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِمْ: إنَّهُ لَوْ الْتَزَمَ لَهُمْ مَالًا لِيُطْلِقُوهُ لَمْ يَلْزَمْهُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَمِنْ أَنَّهُمْ لَوْ قَالُوا لَهُ خُذْ هَذَا وَابْعَثْ لَنَا كَذَا مِنْ الْمَالِ فَقَالَ: نَعَمْ فَهُوَ كَالشِّرَاءِ مُكْرَهًا فَلَا يَلْزَمُهُ الْمَالُ. وَقِيَاسُهُ أَنْ يَكُونَ مَا هُنَا كَذَلِكَ.

أُجِيبَ بِأَنَّ مَا مَرَّ فِي الْأُولَى صُورَتُهُ أَنْ يُعَاقِدَهُ عَلَى أَنْ يُطْلِقَهُ لِيَعُودَ إلَيْهِ أَوْ يَرُدَّ إلَيْهِ مَالًا كَمَا أَفْصَحَ عَنْهُ الدَّارِمِيُّ، وَهُنَا عَاقَدَهُ عَلَى رَدِّ الْمَالِ عَيْنًا. وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلَا عَقْدَ فِيهَا فِي الْحَقِيقَةِ.

وَلَوْ غَنِمَ الْمُسْلِمُونَ مَا اُفْتُدِيَ بِهِ الْأَسِيرُ لَزِمَهُمْ رَدُّهُ لِلْمُفَادِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ، وَلَوْ انْقَضَتْ مُدَّةُ حَرْبِيٍّ مُسْتَأْمَنٍ، وَأَمَانُهُ مُخْتَصٌّ بِبَلَدٍ بُلِّغَ مَأْمَنَهُ، فَإِنْ كَانَ أَمَانُهُ عَامًّا لَمْ يَجِبْ تَبْلِيغُهُ مَأْمَنَهُ؛ لِأَنَّ مَا يَتَّصِلُ بِبِلَادِنَا مِنْ بِلَادِهِمْ مِنْ مَحِلِّ أَمَانِهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى مُدَّةِ الِانْتِقَالِ مِنْ مَوْضِعِ الْأَمَانَ.

ص: 59