المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل أقل الجزية دينار لكل سنة] - مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج - جـ ٦

[الخطيب الشربيني]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب السير

- ‌[مَوَانِعِ الْجِهَادِ]

- ‌[فَصْل فِيمَا يُكْرَهُ مِنْ الْغَزْوِ وَمَنْ يَحْرُمُ]

- ‌[فَصْل فِي حُكْمِ مَا يُؤْخَذ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي حُكْمِ أَمْوَالِ الْحَرْبِيِّينَ]

- ‌[فَصْل فِي الْأَمَانِ]

- ‌[كِتَاب عَقْد الْجِزْيَةِ لِلْكُفَّارِ]

- ‌[فَصْل أَقَلُّ الْجِزْيَةِ دِينَارٌ لِكُلِّ سَنَةٍ]

- ‌[فَصْل فِي أَحْكَامِ عَقْدِ الْجِزْيَةِ الزَّائِدَةِ]

- ‌باب الهدنة

- ‌[فَصَلِّ فِي أَحْكَامِ الْهُدْنَةِ]

- ‌كِتَابُ الصَّيْدِ

- ‌[فَصْلٌ فِي شَرْطِ الرُّكْنِ الثَّانِي وَهُوَ الذَّابِحُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ وَهُوَ الذَّبِيحُ]

- ‌[فَصْلٌ ذَبْحُ حَيَوَانٍ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ وَجَرْحُ حَيَوَانٍ غَيْرِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَمْلِكُ بِهِ الصَّيْدَ]

- ‌[كِتَابُ الْأُضْحِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعَقِيقَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْأَطْعِمَةِ]

- ‌كِتَابُ الْمُسَابَقَةِ

- ‌كتاب الإيمان

- ‌[فَصَلِّ صِفَةُ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحَلِفِ عَلَى السُّكْنَى لَا يُقِيمُ فِيهَا وَهُوَ فِيهَا]

- ‌[فَصَلِّ فِي الْحَلِفِ عَلَى أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ]

- ‌[فَصَلِّ فِي مَسَائِلَ مَنْثُورَةٍ]

- ‌[كِتَابُ النَّذْرِ]

- ‌[فَصَلِّ فِيمَنْ نَذْرِ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ هَدْيٍ أَوْ غَيْرِهَا]

- ‌كتاب القضاء

- ‌[فَصَلِّ فِيمَا يَعْرِضُ لِلْقَاضِي مِمَّا يَقْتَضِي عَزْلَهُ أَوْ انْعِزَالَهُ]

- ‌[فَصَلِّ آدَابِ الْقَضَاءِ]

- ‌[فَصَلِّ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ]

- ‌بَابُ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ

- ‌[فَصَلِّ الدَّعْوَى بِعَيْنٍ غَائِبَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ وَالْحُكْمِ بِهَا]

- ‌[فَصَلِّ ضَابِطِ الْغَائِبِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ]

- ‌باب القسمة

- ‌كِتَابُ الشَّهَادَاتِ

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُعْتَبَرُ فِيهِ شَهَادَةُ الرِّجَالِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَأَدَائِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي رُجُوعِ الشُّهُودِ عَنْ شَهَادَتِهِمْ]

- ‌كتاب الدعوى

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِجَوَابِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْحَلِفِ وَالتَّغْلِيظِ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ مِنْ شَخْصَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اخْتِلَافِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي شُرُوطِ الْقَائِفِ وَبَيَانِ إلْحَاقِهِ النَّسَبَ بِغَيْرِهِ]

- ‌كتاب العتق

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعِتْقِ بِالْبَعْضِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْإِعْتَاقِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ]

- ‌فصل في الولاء

- ‌كتاب التدبير

- ‌[فَصَلِّ فِي حُكْمِ حَمْلِ الْمُدَبَّرَةِ وَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهَا]

- ‌كِتَابُ الْكِتَابَةِ

- ‌[فَصَلِّ فِي لُزُومِ الْكِتَابَةِ وَجَوَازِهَا وَمَا يَعْرِضُ لَهَا]

- ‌[فَصَلِّ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْكِتَابَةِ الْبَاطِلَةِ وَالْفَاسِدَةِ]

- ‌كتاب أمهات الأولاد

- ‌[خَاتِمَة]

الفصل: ‌[فصل أقل الجزية دينار لكل سنة]

فَإِنْ كَانَ رَسُولًا خَرَجَ إلَيْهِ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبٌ يَسْمَعُهُ.

وَإِنْ مَرِضَ فِيهِ نُقِلَ، وَإِنْ خِيفَ مَوْتُهُ فَإِنْ مَاتَ لَمْ يُدْفَنْ فِيهِ، فَإِنْ دُفِنَ نُبِشَ وَأُخْرِجَ، وَإِنْ مَرِضَ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْحِجَازِ وَعَظُمَتْ الْمَشَقَّةُ فِي نَقْلِهِ تُرِكَ وَإِلَّا نُقِلَ، فَإِنْ مَاتَ وَتَعَذَّرَ نَقْلُهُ دُفِنَ هُنَاكَ.

ــ

[مغني المحتاج]

{فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [التوبة: 28] وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْجَلْبَ إنَّمَا يُجْلَبُ لِلْبَلَدِ لَا إلَى الْمَسْجِدِ نَفْسِهِ، وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّهُمْ أَخْرَجُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مِنْهُ فَعُوقِبُوا بِالْمَنْعِ مِنْ دُخُولِهِ بِكُلِّ حَالٍ (فَإِنْ كَانَ رَسُولًا) وَالْإِمَامُ فِي الْحَرَمِ (خَرَجَ إلَيْهِ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبٌ يَسْمَعُهُ) إذَا امْتَنَعَ مِنْ أَدَائِهَا إلَّا إلَيْهِ، وَإِلَّا بَعَثَ إلَيْهِ مَنْ يَسْمَعُ وَيُنْهِي إلَيْهِ، وَإِنَّ طَلَبَ مِنَّا الْمُنَاظَرَةَ لِيُسْلِمَ خَرَجَ إلَيْهِ مَنْ يُنَاظِرُهُ، وَإِنْ كَانَ لِتِجَارَةٍ خَرَجَ إلَيْهِ مَنْ يَشْتَرِي مِنْهُ، وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي مَنْعِ دُخُولِهِ إلَيْهِ بَيْنَ حَالِ الضَّرُورَةِ وَغَيْرِهَا، وَبِهِ صَرَّحَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ.

تَنْبِيهٌ: لَوْ بَذَلَ الْكَافِرُ عَلَى دُخُولِهِ الْحَرَمَ مَالًا لَمْ يُجَبْ إلَيْهِ، فَإِنْ أُجِيبَ فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ ثُمَّ إنْ وَصَلَ الْمَقْصَدَ أُخْرِجَ وَثَبَتَ الْمُسَمَّى، أَوْ دُونَ الْمَقْصَدِ فَبِالْقِسْطِ مِنْ الْمُسَمَّى. قَاعِدَةٌ: كُلُّ عَقْدٍ فَسَدَ يَسْقُطُ فِيهِ الْمُسَمَّى إلَّا هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَوْفَى الْعِوَضَ، وَلَيْسَ لِمِثْلِهِ أُجْرَةٌ فَرَجَعَ إلَى الْمُسَمَّى (وَإِنْ مَرِضَ فِيهِ) أَيْ حَرَمِ مَكَّةَ (نُقِلَ) مِنْهُ (وَإِنْ خِيفَ مَوْتُهُ) مِنْ النَّقْلِ؛ لِأَنَّهُ ظَالِمٌ بِدُخُولِهِ (فَإِنْ مَاتَ) فِيهِ (لَمْ يُدْفَنْ فِيهِ) تَطْهِيرًا لِلْحَرَمِ مِنْهُ (فَإِنْ دُفِنَ) فِيهِ (نُبِشَ وَأُخْرِجَ) مِنْهُ إلَى الْحِلِّ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ جِيفَتِهِ فِيهِ أَشَدُّ مِنْ دُخُولِهِ حَيًّا. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ نَبْشِهِ إذَا لَمْ يَتَهَرَّ، فَإِنْ تَهَرَّى تُرِكَ، وَلَا يَجْرِي هَذَا الْحُكْمُ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ لِاخْتِصَاصِ حَرَمِ مَكَّةَ بِالنُّسُكِ، وَثَبَتَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَدْخَلَ الْكُفَّارَ مَسْجِدَهُ، وَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ نُزُولِ " بَرَاءَةٌ "، فَإِنَّهَا نَزَلَتْ سَنَةَ تِسْعٍ، وَقَدِمَ الْوَفْدُ عَلَيْهِ سَنَةَ عَشْرٍ وَفِيهِمْ وَفْدُ نَصَارَى نَجْرَانَ، وَهُمْ أَوَّلُ مَنْ ضَرَبَ عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةَ فَأَنْزَلَهُمْ مَسْجِدَهُ وَنَاظَرَهُمْ فِي أَمْرِ الْمَسِيحِ وَغَيْرِهِ (وَإِنْ مَرِضَ فِي غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ حَرَمِ مَكَّةَ (مِنْ الْحِجَازِ وَعَظُمَتْ الْمَشَقَّةُ فِي نَقْلِهِ) سَوَاءٌ خِيفَ مَعَ ذَلِكَ مَوْتُهُ أَمْ لَا (تُرِكَ) مُرَاعَاةً لِأَعْظَمِ الضَّرَرَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ دُخُولُهُ فِي الْجُمْلَةِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ تَعْظُمْ الْمَشَقَّةُ فِيهِ (نُقِلَ) مُرَاعَاةً لِحُرْمَةِ الدَّارِ (فَإِنْ مَاتَ) فِيهِ (وَتَعَذَّرَ نَقْلُهُ) إلَى الْحِلِّ لِتَقَطُّعِهِ مَثَلًا (دُفِنَ هُنَاكَ) لِلضَّرُورَةِ، فَإِنْ لَمْ يَتَعَذَّرْ لَمْ يُدْفَنْ هُنَاكَ، فَإِنْ دُفِنَ تُرِكَ. تَنْبِيهٌ: مَا ذُكِرَ فِي الذِّمِّيِّ. أَمَّا الْحَرْبِيُّ أَوْ الْمُرْتَدُّ فَلَا يُدْفَنُ فِيهِ، بَلْ تُغْرَى الْكِلَابُ عَلَى جِيفَتِهِ، فَإِنْ تَأَذَّى النَّاسُ بِرِيحِهِ وَوُرِيَ كَالْجِيفَةِ. .

[فَصْل أَقَلُّ الْجِزْيَةِ دِينَارٌ لِكُلِّ سَنَةٍ]

1

ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الْخَامِسِ، وَهُوَ الْمَالُ مُتَرْجِمًا لَهُ بِفَصْلٍ فَقَالَ: فَصْلٌ: (أَقَلُّ الْجِزْيَةِ دِينَارٌ لِكُلِّ سَنَةٍ) : عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ، لِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ

ص: 68

وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ مُمَاكَسَةٌ حَتَّى يَأْخُذَ مِنْ مُتَوَسِّطٍ دِينَارَيْنِ وَغَنِيٍّ أَرْبَعَةً.

وَلَوْ عُقِدَتْ بِأَكْثَرَ ثُمَّ عَلِمُوا جَوَازَ دِينَارٍ لَزِمَهُمْ مَا الْتَزَمُوهُ، فَإِنْ أَبَوْا فَالْأَصَحُّ أَنَّهُمْ نَاقِضُونَ.

ــ

[مغني المحتاج]

«عَنْ مُعَاذٍ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمَّا وَجَّهَهُ إلَى الْيَمَنِ أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا أَوْ عَدْلَهُ مِنْ الْمُعَافِرِ» وَهِيَ ثِيَابٌ تَكُونُ بِالْيَمَنِ تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ الْخَبَرِ أَنَّ أَقَلَّهَا دِينَارٌ أَوْ مَا قِيمَتُهُ دِينَارٌ، وَبِهِ أَخَذَ الْبُلْقِينِيُّ، وَالْمَنْصُوصُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ أَقَلَّهَا دِينَارٌ، وَعَلَيْهِ إذَا عَقَدَ بِهِ جَازَ أَنْ يَعْتَاضَ عَنْهُ مَا قِيمَتُهُ دِينَارٌ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ عَقْدُهَا بِمَا قِيمَتُهُ دِينَارٌ؛ لِأَنَّ قِيمَتَهُ قَدْ تَنْقُصُ عَنْهُ آخِرَ الْمُدَّةِ، وَمَحَلُّ كَوْنِ أَقَلِّهَا دِينَارًا عِنْدَ قُوَّتِنَا، وَإِلَّا فَقَدْ نَقَلَ الدَّارِمِيُّ عَنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَجُوزُ عَقْدُهَا بِأَقَلَّ مِنْ دِينَارٍ، نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَقَالَ: إنَّهُ ظَاهِرٌ مُتَّجَهٌ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَعَلُّقُ الْوُجُوبِ بِانْقِضَاءِ السَّنَةِ. وَقَالَ الْقَفَّالُ: اخْتَلَفَ قَوْمُ الشَّافِعِيِّ فِي أَنَّ الْجِزْيَةَ تَجِبُ بِالْعَقْدِ وَتَسْتَقِرُّ بِانْقِضَاءِ الْحَوْلِ أَوْ تَجِبُ بِانْقِضَائِهِ، وَبُنِيَ عَلَيْهِمَا إذَا مَاتَ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ هَلْ تَسْقُطُ؟ فَإِنْ قُلْنَا بِالْعَقْدِ لَمْ تَسْقُطْ وَإِلَّا سَقَطَتْ حَكَاهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي الْأَسْرَارِ، وَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِ الْجِزْيَةِ.

(وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ مُمَاكَسَةٌ) أَيْ مُشَاحَّةُ الْكَافِرِ الْعَاقِدِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِمُوَكِّلِهِ فِي قَدْرِ الْجِزْيَةِ حَتَّى يَزِيدَ عَلَى دِينَارٍ، بَلْ إذَا أَمْكَنَهُ أَنْ يَعْقِدَ بِأَكْثَرَ مِنْهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَعْقِدَ بِدُونِهِ إلَّا لِمَصْلَحَةٍ، وَيُسَنُّ أَنْ يُفَاوِتَ بَيْنَهُمْ (حَتَّى يَأْخُذَ مِنْ مُتَوَسِّطٍ دِينَارَيْنِ، وَ) مِنْ (غَنِيٍّ أَرْبَعَةً) وَمِنْ فَقِيرٍ دِينَارًا اقْتِدَاءً بِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ وَلِأَنَّ الْإِمَامَ مُتَصَرِّفٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْتَاطَ لَهُمْ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَا يُجِيزُهَا إلَّا كَذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ. فَأَمَّا إذَا انْعَقَدَ الْعَقْدُ عَلَى شَيْءٍ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ شَيْءٍ زَائِدٍ عَلَيْهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي سِيَرِ الْوَاقِدِيِّ، وَنَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ، وَأَطْلَقَ الشَّيْخَانِ اسْتِحْبَابَ الْمُمَاكَسَةِ، فَأَخَذَ شَيْخُنَا مِنْ الْإِطْلَاقِ أَنَّ الْمُمَاكَسَةَ كَمَا تَكُونُ فِي الْعَقْدِ تَكُونُ فِي الْأَخْذِ، وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِ الْأَصْحَابِ: يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ الْمُمَاكَسَةُ حَتَّى يَأْخُذَ مِنْ الْغَنِيِّ إلَخْ وَهَذَا لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ حَتَّى يَأْخُذَ: أَيْ إذَا مَاكَسَهُمْ فِي الْعَقْدِ فَيَأْخُذُ إلَخْ، فَإِنْ أَبَى الْكَافِرُ عَقْدَهَا إلَّا بِدِينَارٍ.

أُجِيبَ؛ لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ، وَمَعْلُومٌ مِمَّا مَرَّ أَنَّ السَّفِيهَ لَا يُمَاكَسُ هُوَ وَلَا وَلِيُّهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ عَقْدُهُ بِأَكْثَرَ مِنْ دِينَارٍ.

(وَلَوْ عُقِدَتْ) لِلْكَافِرِ ذِمَّةٌ (بِأَكْثَرَ) مِنْ دِينَارٍ (ثُمَّ عَلِمُوا) بَعْدَ الْعَقْدِ (جَوَازَ دِينَارٍ لَزِمَهُمْ مَا الْتَزَمُوهُ) كَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ ثُمَّ عَلِمَ الْغَبَنَ (فَإِنْ أَبَوْا) بَذْلَ الزِّيَادَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ (فَالْأَصَحُّ أَنَّهُمْ نَاقِضُونَ) لِلْعَهْدِ كَمَا لَوْ امْتَنَعُوا مِنْ أَدَاءِ أَصْلِ الْجِزْيَةِ، فَيُبَلَّغُونَ الْمَأْمَنَ كَمَا سَيَأْتِي، وَالثَّانِي لَا، وَيَقْنَعُ مِنْهُمْ بِالدِّينَارِ كَمَا يَجُوزُ ابْتِدَاءُ الْعَقْدِ بِهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ بَلَغُوا الْمَأْمَنَ، ثُمَّ عَادُوا وَطَلَبُوا الْعَقْدَ بِدِينَارٍ أُجِيبُوا إلَيْهِ كَمَا لَوْ طَلَبُوهُ أَوَّلًا. .

تَنْبِيهٌ: لَوْ شَرَطَ عَلَى الْغَنِيِّ كَذَا، وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ كَذَا، وَأَطْلَقَ الشَّرْطَ صَحَّ وَاعْتُبِرَ الْغِنَى

ص: 69

وَلَوْ أَسْلَمَ ذِمِّيٌّ أَوْ مَاتَ بَعْدَ سِنِينَ أُخِذَتْ جِزْيَتُهُنَّ مِنْ تَرِكَتِهِ مُقَدَّمَةً عَلَى الْوَصَايَا، وَيُسَوَّى بَيْنَهَا وَبَيْنَ دَيْنِ آدَمِيٍّ عَلَى الْمَذْهَبِ، أَوْ فِي خِلَالِ سَنَةٍ فَقِسْطٌ، وَفِي قَوْلٍ لَا شَيْءَ.

وَتُؤْخَذُ بِإِهَانَةٍ فَيَجْلِسُ الْآخِذُ وَيَقُومُ الذِّمِّيُّ وَيُطَأْطِئُ رَأْسَهُ وَيَحْنِي ظَهْرَهُ وَيَضَعُهَا فِي الْمِيزَانِ، وَيَقْبِضُ الْآخِذُ لِحْيَتَهُ، وَيَضْرِبُ لِهْزِمَتَيْهِ،

ــ

[مغني المحتاج]

وَغَيْرُهُ عِنْدَ الْأَخْذِ، فَإِنْ قُيِّدَتْ هَذِهِ الْأَحْوَالُ بِوَقْتٍ اُتُّبِعَ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي التَّوَسُّطِ أَوْ الْفَقِيرِ بِيَمِينِهِ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِخِلَافِهِ أَوْ عُهِدَ لَهُ مَالٌ، وَكَذَا مَنْ غَابَ وَأَسْلَمَ ثُمَّ حَضَرَ، وَقَالَ: أَسْلَمْتُ مِنْ وَقْتِ كَذَا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ.

(وَلَوْ أَسْلَمَ ذِمِّيٌّ) أَوْ نَبَذَ الْعَهْدَ (أَوْ مَاتَ بَعْدَ سِنِينَ) وَلَهُ وَارِثٌ مُسْتَغْرِقٌ (أُخِذَتْ جِزْيَتُهُنَّ) مِنْهُ فِي الْأُولَيَيْنِ، وَفِي الثَّالِثَةِ (مِنْ تَرِكَتِهِ مُقَدَّمَةً عَلَى) حَقِّ الْوَرَثَةِ وَ (الْوَصَايَا) كَالْخَرَاجِ وَسَائِرِ الدُّيُونِ. تَنْبِيهٌ: لَمْ يَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ إسْلَامِهِ كَمَا ذَكَرَتْهُ لِوُضُوحِهِ. أَمَّا إذَا لَمْ يَخْلُفْ وَارِثًا فَتَرِكَتُهُ فَيْءٌ فَلَا مَعْنَى لَأَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْ التَّرِكَةِ، ثُمَّ رَدِّهَا إلَى بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ لَا يَسْتَغْرِقُ، وَالْبَاقِي لِبَيْتِ الْمَالِ أُخِذَ مِنْ نَصِيبِ الْوَارِثِ مَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْجِزْيَةُ، وَسَقَطَتْ حِصَّةُ بَيْتِ الْمَالِ (وَيُسَوَّى بَيْنَهَا وَبَيْنَ دَيْنِ آدَمِيٍّ عَلَى الْمَذْهَبِ) ؛ لِأَنَّ الْجِزْيَةَ لَيْسَتْ بِقُرْبَةٍ حَتَّى تَكُونَ كَالزَّكَاةِ فَيُوَفَّى الْجَمِيعُ إنْ وَفَّتْ التَّرِكَةُ، وَإِلَّا ضَارَبَ الْإِمَامُ مَعَ الْغُرَمَاءِ بِالْجِزْيَةِ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي أَنَّهَا عَلَى الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ فِي اجْتِمَاعِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَحَقِّ الْآدَمِيِّ فَتُقَدَّمُ هِيَ فِي قَوْلٍ، وَدَيْنُ الْآدَمِيِّ فِي قَوْلٍ، وَيُسَوَّى بَيْنَهُمَا فِي قَوْلٍ، وَالْفَرْقُ عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّ الْجِزْيَةَ غَلَبَ فِيهَا حَقُّ الْآدَمِيِّ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا أُجْرَةٌ (أَوْ) أَسْلَمَ أَوْ نَبَذَ الْعَهْدَ أَوْ مَاتَ (فِي خِلَالِ سَنَةٍ فَقِسْطٌ) لِمَا مَضَى، كَالْأُجْرَةِ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِالسُّكْنَى فَإِذَا سَكَنَ بَعْضَ الْمُدَّةِ وَجَبَ الْقِسْطُ (وَفِي قَوْلٍ لَا شَيْءَ) ؛ لِأَنَّهُ يُرَاعَى فِيهِ الْحَوْلُ فَيَسْقُطُ بِالْمَوْتِ فِي خِلَالِ الْحَوْلِ كَالزَّكَاةِ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ بِفَلَسٍ فِي أَثْنَاءِ الْعَامِ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ الْقِسْطُ حِينَئِذٍ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَهُوَ الْجَارِي عَلَى الْقَوَاعِدِ، لَكِنْ نَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى أَخْذِهِ. اهـ.

وَحَمَلَ شَيْخِي النَّصَّ عَلَى مَا إذَا قُسِّمَ مَالُهُ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ، وَكَلَامُ الْبُلْقِينِيُّ عَلَى خِلَافِهِ وَهُوَ حَمْلٌ حَسَنٌ، وَاقْتَصَرَ ابْنُ شُهْبَةَ وَالْأُشْمُونِيُّ عَلَى عِبَارَةِ النَّصِّ وَقَالَا كَمَا حَكَاهُ الْبُلْقِينِيُّ، قَالَ يَعْنِي الْبُلْقِينِيُّ وَهُوَ فَرْعٌ حَسَنٌ لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ وَلَمْ يَذْكُرَا عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ وَهُوَ الْجَارِي عَلَى الْقَوَاعِدِ، وَلَوْ جُنَّ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ وَتَمَّ وَهُوَ مَجْنُونٌ أُخِذَتْ جِزْيَتُهُ بِالْقِسْطِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ. .

ثُمَّ شَرَعَ فِي كَيْفِيَّةِ أَخْذِ الْجِزْيَةِ بِقَوْلِهِ (وَتُؤْخَذُ) الْجِزْيَةُ (بِإِهَانَةٍ فَيَجْلِسُ الْآخِذُ) بِالْمَدِّ: أَيْ الْمُسْلِمُ (وَيَقُومُ الذِّمِّيُّ وَيُطَأْطِئُ رَأْسَهُ وَيَحْنِي ظَهْرَهُ وَيَضَعُهَا) أَيْ الْجِزْيَةَ (فِي) كِفَّةِ (الْمِيزَانِ وَيَقْبِضُ الْآخِذُ) مِنْهُ الْجِزْيَةَ (لِحْيَتَهُ وَيَضْرِبُ لِهْزِمَتَيْهِ) بِكَسْرِ اللَّامِ وَالزَّايِ، وَهُمَا مَجْمَعُ اللَّحْمِ بَيْنَ الْمَاضِغِ

ص: 70

وَكُلُّهُ مُسْتَحَبٌّ، وَقِيلَ وَاجِبٌ، فَعَلَى الْأَوَّلِ لَهُ تَوْكِيلُ مُسْلِمٍ بِالْأَدَاءِ وَحَوَالَةٌ عَلَيْهِ وَأَنْ يَضْمَنَهَا قُلْتُ: هَذِهِ الْهَيْئَةُ بَاطِلَةٌ وَدَعْوَى اسْتِحْبَابِهَا أَشَدُّ خَطَأً. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَيُسْتَحَبُّ

لِلْإِمَامِ إذَا أَمْكَنَهُ أَنْ يَشْرِطَ عَلَيْهِمْ إذَا صُولِحُوا فِي بَلَدِهِمْ ضِيَافَةَ مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ

ــ

[مغني المحتاج]

وَالْأُذُنِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ؛ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ فَسَّرَ الصَّغَارَ فِي الْآيَةِ بِهَذَا. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَضْرِبُ كُلَّ لِهْزِمَةٍ ضَرْبَةً وَهُوَ كَذَلِكَ. وَقَالَ الرَّافِعِيُّ: يُشْبِهُ أَنْ يَكْفِيَ الضَّرْبُ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُ يَضْرِبُهُ بِالْكَفِّ مَفْتُوحًا. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ: وَيَقُولُ: يَا عَدُوَّ اللَّهِ أَدِّ حَقَّ اللَّهِ (وَكُلُّهُ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ هَذِهِ الْهَيْئَةِ (مُسْتَحَبٌّ) لِسُقُوطِهِ بِتَضْعِيفِ الصَّدَقَةِ كَمَا سَيَأْتِي (وَقِيلَ وَاجِبٌ) لِيَحْصُلَ الصَّغَارُ الْمَذْكُورُ (فَعَلَى الْأَوَّلِ) وَهُوَ الِاسْتِحْبَابُ (لَهُ) أَيْ الذِّمِّيِّ (تَوْكِيلُ مُسْلِمٍ بِالْأَدَاءِ) لِلْجِزْيَةِ (وَ) لَهُ (حَوَالَةٌ) بِهَا (عَلَيْهِ، وَأَنْ يَضْمَنَهَا) ؛ لِأَنَّ الصَّغَارَ حَاصِلٌ بِالْتِزَامِهِ الْمَالَ وَانْقِيَادِهِ لِأَحْكَامِ الْإِسْلَامِ عَلَى كُرْهٍ مِنْهُ بِخِلَافِهِ عَلَى الثَّانِي، وَهُوَ الْوُجُوبُ فَلَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: مُسْلِمٌ قَدْ يُفْهِمُ صِحَّةَ تَوْكِيلِ الذِّمِّيِّ بِهِ قَطْعًا، وَنَقْلًا عَنْ الْإِمَامِ طَرْدُ الْخِلَافِ فِيهِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَقْصُودٌ بِالصَّغَارِ وَأَقَرَّاهُ، فَلَوْ حَذَفَهُ الْمُصَنِّفُ لَشَمِلَ ذَلِكَ، وَاحْتُرِزَ بِالْأَدَاءِ عَنْ تَوْكِيلِهِ فِي عَقْدِ الْجِزْيَةِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ قَطْعًا؛ لِأَنَّ الصَّغَارَ يُرَاعَى عِنْدَ الْأَدَاءِ، لَا عِنْدَ الْعَقْدِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهَذَا فِيمَا يُؤَدَّى بِاسْمِ الْجِزْيَةِ، فَإِنْ كَانَ بِاسْمِ الصَّدَقَةِ سَقَطَتْ الْإِهَانَةُ قَطْعًا (قُلْتُ: هَذِهِ الْهَيْئَةُ) الْمَذْكُورَةُ فِي الْمُحَرَّرِ (بَاطِلَةٌ) ؛ لِأَنَّهَا لَا أَصْلَ لَهَا مِنْ السُّنَّةِ، وَلَا نُقِلَ عَنْ فِعْلِ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ (وَ) حِينَئِذٍ (دَعْوَى اسْتِحْبَابِهَا أَشَدُّ خَطَأً) مِنْ دَعْوَى جَوَازِهَا، وَدَعْوَى وُجُوبِهَا أَشَدُّ خَطَأً مِنْ دَعْوَى اسْتِحْبَابِهَا (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَقُولَ: أَشَدُّ بُطْلَانًا لِيُطَابِقَ قَوْلَهُ: بَاطِلَةٌ. قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ: وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِالْبَاطِلَةِ الْخَطَأَ. قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ: وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا طَائِفَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ. وَقَالَ وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ: تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ بِرِفْقٍ كَأَخْذِ الدُّيُونِ. اهـ.

قَالَ الشَّارِحُ: وَفِيهِ تَحَمُّلٌ عَلَى الذَّاكِرِينَ لَهَا، وَلِلْخِلَافِ فِيهَا الْمُسْتَنِدِ إلَى تَفْسِيرِ الصَّغَارِ فِي الْآيَةِ الْمَبْنِيِّ عَلَيْهَا الْمَسَائِلُ الْمَذْكُورَةُ. قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ: وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ هَلْ هُوَ حَرَامٌ أَوْ مَكْرُوهٌ؟ . وَقَضِيَّةُ كَوْنِهَا كَسَائِرِ الدُّيُونِ التَّحْرِيمُ. اهـ.

وَتَصْرِيحُ الْمُصَنِّفِ بِالْبُطْلَانِ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ، وَيَجُوزُ لِلذِّمِّيِّ أَنْ يَجْبِيَ الْجِزْيَةَ وَعُشْرَ التِّجَارَةِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ (وَيُسْتَحَبُّ) وَإِنْ كَانَ قَضِيَّةَ كَلَامِ الْجُمْهُورِ الْجَوَازُ.

(لِلْإِمَامِ إذَا أَمْكَنَهُ أَنْ يَشْرِطَ) بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ (عَلَيْهِمْ) أَيْ الْكُفَّارِ (إذَا صُولِحُوا فِي بَلَدِهِمْ ضِيَافَةَ مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَارُّ مِنْ أَهْلِ الْفَيْءِ، أَوْ كَانَ غَنِيًّا. لِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم صَالَحَ أَهْلَ أَيْلَةَ عَلَى ثَلَاثِمِائَةِ دِينَارٍ، وَكَانُوا ثَلَاثَمِائَةِ رَجُلٍ، وَعَلَى ضِيَافَةِ مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ» ، وَلِأَنَّ فِيهِ مَصْلَحَةً ظَاهِرَةً لِفُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَلِأَغْنِيَائِهِمْ، فَإِنَّهُمْ قَدْ لَا يَبِيعُونَ مِنْهُمْ إذَا مَرُّوا بِهِمْ فَيَتَضَرَّرُونَ، فَإِذَا عَلِمُوا أَنَّ ضِيَافَتَهُمْ عَلَيْهِمْ وَاجِبَةٌ بَادَرُوا إلَى الْبَيْعِ خَوْفًا مِنْ نُزُولِهِمْ عِنْدَهُمْ.

ص: 71

زَائِدًا عَلَى أَقَلِّ جِزْيَةٍ، وَقِيلَ يَجُوزُ مِنْهَا، وَتُجْعَلُ عَلَى غَنِيٍّ وَمُتَوَسِّطٍ، لَا فَقِيرٍ فِي الْأَصَحّ، وَيَذْكُرُ عَدَدَ الضِّيفَانِ رِجَالًا وَفُرْسَانًا، وَجِنْسُ الطَّعَامِ وَالْأُدْمِ وَقَدْرُهُمَا، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ كَذَا،

ــ

[مغني المحتاج]

تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ فِي بَلَدِهِمْ يَقْتَضِي الْمَنْعَ فِيمَا إذَا صُولِحُوا فِي بَلَدِنَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَبِهِ صَرَّحَ سُلَيْمٌ فِي الْمُجَرَّدِ وَصَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ لَوْ صُولِحُوا فِي بِلَادِنَا وَانْفَرَدُوا فِي قَرْيَةٍ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَكَلَامُ كَثِيرٍ يَقْتَضِيهِ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: أَنْ يَشْرِطَ هُوَ الْمَفْعُولُ النَّائِبُ عَنْ فَاعِلِ يُسْتَحَبُّ: أَيْ يُسْتَحَبُّ عِنْدَ الْإِمْكَانِ اشْتِرَاطُ الضِّيَافَةِ لَا أَنَّهُ فَاعِلُ أَمْكَنَهُ وَيَكُونُ مَا ذُكِرَ (زَائِدًا عَلَى أَقَلِّ جِزْيَةٍ) ؛ لِأَنَّ الْجِزْيَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّمَلُّكِ، وَالضِّيَافَةَ عَلَى الْإِبَاحَةِ فَلَمْ يَجُزْ الِاكْتِفَاءُ بِهَا، كَمَا لَا يَجُوزُ التَّغْدِيَةُ وَالتَّعْشِيَةُ عَنْ الْكَفَّارَةِ (وَقِيلَ يَجُوزُ) أَنْ تُحْسَبَ الضِّيَافَةُ (مِنْهَا) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِمْ إلَّا الْجِزْيَةُ، وَعَلَى هَذَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الضَّيْفُ مِنْ أَهْلِ الْفَيْءِ (وَتُجْعَلُ) الضِّيَافَةُ (عَلَى غَنِيٍّ وَمُتَوَسِّطٍ، لَا) عَلَى (فَقِيرٍ فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ؛ لِأَنَّهَا تَتَكَرَّرُ فَيَعْجِزُ عَنْهَا.

وَالثَّانِي عَلَيْهِ أَيْضًا كَالْجِزْيَةِ (وَيَذْكُرُ) الْعَاقِدُ عِنْدَ اشْتِرَاطِ الضِّيَافَةِ (عَدَدَ الضِّيفَانِ) بِكَسْرِ الضَّادِ جَمْعُ ضَيْفٍ، مِنْ ضَافَ إذَا مَالَ (رِجَالًا وَفُرْسَانًا) ؛ لِأَنَّهُ أَقْطَعُ لِلْمُنَازَعَةِ وَأَنْفَى لِلْغَرَرِ. تَنْبِيهٌ: كَلَامُهُ صَادِقٌ بِأَمْرَيْنِ: إمَّا أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَأَنْ يَقُولَ: أَقْرَرْتُكُمْ عَلَى أَنَّ عَلَى الْغَنِيِّ مِنْكُمْ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ وَضِيَافَةَ عَشَرَةِ أَنْفُسٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ رَجَّالَةً كَذَا وَفُرْسَانًا كَذَا، أَوْ عَلَى الْمَجْمُوعِ كَأَنْ تُضَيِّفُوا فِي كُلِّ سَنَةٍ أَلْفَ مُسْلِمٍ، ثُمَّ هُمْ يُوَزِّعُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ، أَوْ يَتَحَمَّلُ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ، وَإِذَا تَفَاوَتُوا فِي الْجِزْيَةِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُفَاوِتَ بَيْنَهُمْ فِي الضِّيَافَةِ فَيَجْعَلُ عَلَى الْغَنِيِّ عِشْرِينَ مَثَلًا، وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ عَشَرَةً، وَلَا يُفَاوِتُ بَيْنَهُمْ فِي جِنْسِ الطَّعَامِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ شَرَطَ عَلَى الْغَنِيِّ أَطْعِمَةً فَاخِرَةً أَجْحَفَ بِهِ الضِّيفَانَ، وَإِنْ ازْدَحَمَ الضِّيفَانُ عَلَى الْمُضِيفِ لَهُمْ أَوْ عَكْسُهُ خُيِّرَ الْمُزْدَحَمُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَثُرَتْ الضِّيفَانُ عَلَيْهِمْ بَدَءُوا بِالسَّابِقِ لِسَبْقِهِ، وَإِنْ تَسَاوَوْا أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ، وَلْيَكُنْ لِلضِّيفَانِ عَرِيفٌ يُرَتِّبُ أَمْرَهُمْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ (وَ) يُذْكَرُ (جِنْسُ الطَّعَامِ وَالْأُدْمِ وَقَدْرُهُمَا وَلِكُلِّ وَاحِدٍ) مِنْ الضِّيفَانِ (كَذَا) مِنْ الْخُبْزِ، وَكَذَا مِنْ السَّمْنِ أَوْ الزَّيْتِ بِحَسَبِ الْعُرْفِ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَى لِلْغَرَرِ، وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ طَعَامُهُمْ وَأُدْمُهُمْ نَفْيًا لِلْمَشَقَّةِ عَنْهُمْ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: فَإِنْ كَانُوا يَقْتَاتُونَ الْحِنْطَةَ وَيَتَأَدَّمُونَ بِاللَّحْمِ كَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانُوا يَقْتَاتُونَ الشَّعِيرَ وَيَتَأَدَّمُونَ بِالْأَلْبَانِ أَضَافُوهُمْ بِذَلِكَ.

تَنْبِيهٌ: اقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى ذِكْرِ الطَّعَامِ وَالْأُدْمِ يَقْتَضِي أَنَّ مَا سِوَاهُمَا مِنْ الثِّمَارِ وَالْفَوَاكِهِ لَا يَلْزَمُهُمْ، وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ، وَهُوَ إنْ كَانُوا يَأْكُلُونَهَا غَالِبًا فِي كُلِّ يَوْمٍ شُرِطَ عَلَيْهِمْ فِي زَمَانِهَا، بِخِلَافِ الْفَوَاكِهِ النَّادِرَةِ وَالْحَلْوَاءِ الَّتِي لَا تُؤْكَلُ فِي كُلِّ يَوْمٍ، وَلَا يَلْزَمُهُمْ أُجْرَةُ الطَّبِيبِ وَالْحَمَّامِ وَثَمَنُ الدَّوَاءِ، وَلَيْسَ لِلْأَضْيَافِ أَنْ تُكَلِّفَهُمْ مَا لَيْسَ بِغَالِبٍ مِنْ أَقْوَاتِهِمْ، وَلَا ذَبْحَ دَجَاجِهِمْ،

ص: 72

وَعَلَفَ الدَّوَابِّ، وَمَنْزِلَ الضِّيفَانِ مِنْ كَنِيسَةٍ وَفَاضِلِ مَسْكَنٍ وَمُقَامَهُمْ، وَلَا يُجَاوِزُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ.

وَلَوْ قَالَ قَوْمٌ نُؤَدِّي الْجِزْيَةَ بِاسْمِ صَدَقَةٍ لَا جِزْيَةٍ فَلِلْإِمَامِ إجَابَتُهُمْ إذَا رَأَى.

ــ

[مغني المحتاج]

وَقَوْلُهُ: وَلِكُلِّ وَاحِدٍ كَذَا هُوَ بِخَطِّهِ، وَلَا مَعْنَى لِإِثْبَاتِ الْوَاوِ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ وَيُقَدَّمُ الطَّعَامُ وَالْأُدْمُ فَيَقُولُ: لِكُلِّ وَاحِدٍ كَذَا مِنْ الْخُبْزِ وَكَذَا مِنْ السَّمْنِ (وَ) يَذْكُرُ (عَلَفَ الدَّوَابِّ) وَلَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ جِنْسِهِ وَقَدْرِهِ بَلْ يَكْفِي الْإِطْلَاقُ، وَيُحْمَلُ عَلَى تِبْنٍ وَقَتٍّ وَحَشِيشٍ، وَيُرْجَعُ فِيهِ لِلْعَادَةِ، وَلَا يَجِبُ الشَّعِيرُ وَنَحْوُهُ إلَّا مَعَ التَّصْرِيحِ بِهِ فَإِنْ ذَكَرَهُ بَيَّنَ قَدْرَهُ. تَنْبِيهٌ: قَدْ يُوهِمُ كَلَامُهُ أَنَّهُ يَعْلِفُ لِكُلِّ وَاحِدٍ دَوَابَّهُ، لَكِنْ إنْ لَمْ يُعَيِّنْ عَدَدًا مِنْهَا لَمْ يَعْلِفْ إلَّا وَاحِدَةً عَلَى النَّصِّ (وَ) يَذْكُرُ (مَنْزِلَ الضِّيفَانِ مِنْ كَنِيسَةٍ وَفَاضِلِ مَسْكَنٍ) عَنْ أَهْلِهِ وَلَا يُخْرِجُونَ أَهْلَ الْمَسَاكِنِ مِنْهَا وَإِنْ ضَاقَتْ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَيَجِبُ أَنْ تُعَلَّقَ الْأَبْوَابُ لِيَدْخُلَهَا الْمُسْلِمُونَ رُكْبَانًا كَمَا شَرَطَهُ عُمَر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَلَى أَهْلِ الشَّامِ (وَ) يَذْكُرُ (مُقَامَهُمْ) بِضَمِّ الْمِيمِ: أَيْ قَدْرَ إقَامَةِ الضِّيفَانِ. فِي الْحَوْلِ كَعِشْرِينَ يَوْمًا. أَمَّا بِفَتْحِهِ فَمَعْنَاهُ الْقِيَامُ (وَلَا يُجَاوِزُ) الْمُضِيفُ فِي الْمُدَّةِ (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «الضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ» وَلِأَنَّ فِي الزِّيَادَةِ عَلَيْهَا مَشَقَّةً، فَإِنْ وَقَعَ تَوَافُقٌ عَلَى زِيَادَةٍ جَازَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَنَقَلَ فِي الذَّخَائِرِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَشْتَرِطُ عَلَيْهِمْ تَزْوِيدَ الضَّيْفِ كِفَايَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ. تَنْبِيهٌ: لَوْ اعْتَاضَ الْإِمَامُ عَنْ الضِّيَافَةِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ بِرِضَاهُمْ جَازَ، وَاخْتَصَّتْ بِأَهْلِ الْفَيْءِ، وَلِضَيْفِهِمْ حَمْلُ الطَّعَامِ مِنْ غَيْرِ أَكْلٍ بِخِلَافِ طَعَامِ الْوَلِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ مَكْرُمَةٌ، وَمَا هُنَا مُعَاوَضَةٌ، وَلَيْسَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْعِوَضِ، وَلَا طَعَامِ الْغَدِ، وَلَا طَعَامِ أَمْسِ الَّذِي لَمْ يَأْتُوا بِطَعَامِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الضِّيَافَةَ زَائِدَةٌ عَلَى الْجِزْيَةِ، وَلَوْ امْتَنَعَ مِنْ الضِّيَافَةِ جَمَاعَةٌ أُجْبِرُوا عَلَيْهَا، فَإِنْ امْتَنَعَ الْكُلُّ قُوتِلُوا، فَإِنْ قَاتَلُوا انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ، قَالَهُ مُجَلِّي.

(وَلَوْ قَالَ قَوْمٌ) مِنْ الْكُفَّارِ مِمَّنْ تُعْقَدُ لَهُمْ الْجِزْيَةُ (نُؤَدِّي الْجِزْيَةَ بِاسْمِ صَدَقَةٍ، لَا) بِاسْمِ (جِزْيَةٍ) وَقَدْ عَرَفُوهَا حُكْمًا وَشَرْطًا (فَلِلْإِمَامِ إجَابَتُهُمْ إذَا رَأَى) ذَلِكَ وَتَسْقُطُ عَنْهُمْ الْإِهَانَةُ وَاسْمُ الْجِزْيَةِ لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ بِمَنْ تَنَصَّرَ مِنْ الْعَرَبِ قَبْلَ بَعْثَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ تَنُوخُ وَنَهَرَا وَبَنُو تَغْلِبَ لَمَّا طَلَبَهَا مِنْهُمْ أَبَوْا دَفْعَهَا وَقَالُوا نَحْنُ عَرَبٌ لَا نُؤَدِّي مَا تُؤَدِّي الْعَجَمُ، فَخُذْ مِنَّا كَمَا يَأْخُذُ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ، يُرِيدُونَ الزَّكَاةَ، فَقَالَ إنَّهَا طُهْرَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَسْتُمْ مِنْ أَهْلِهَا، فَقَالُوا: تَأْخُذُ مَا شِئْتَ بِهَذَا الِاسْمِ لَا بِاسْمِ الْجِزْيَةِ، فَأَبَى فَارْتَحَلُوا وَأَرَادُوا أَنْ يَلْتَحِقُوا بِالرُّومِ، فَصَالَحَهُمْ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَلَى أَنْ يُضَعِّفَ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةَ وَيَأْخُذَهَا جِزْيَةً بِاسْمِ الصَّدَقَةِ لَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، فَكَانَ ذَلِكَ إجْمَاعًا، وَعَقَدَ لَهُمْ الذِّمَّةَ مُؤَبَّدًا، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ نَقْضُ مَا فَعَلَهُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ، هَذَا إذَا تَيَقَّنَّا وَفَاءَهَا بِدِينَارٍ، وَإِلَّا فَلَا يُجَابُوا، وَلَوْ اقْتَضَى إجَابَتَهُمْ تَسْلِيمُ بَعْضٍ مِنْهُمْ عَنْ بَعْضِ مَا الْتَزَمُوهُ فَإِنَّهُمْ يُجَابُونَ، وَلِبَعْضِهِمْ أَنْ يَلْتَزِمَ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ غَيْرِهِ وَغَرَضُنَا تَحْصِيلُ دِينَارٍ عَنْ كُلِّ رَأْسٍ، فَيَقُولُ الْإِمَامُ فِي صُورَةِ الْعَقْدِ:

ص: 73

وَيُضَعِّفُ عَلَيْهِمْ الزَّكَاةَ فَمِنْ خَمْسَةِ أَبْعِرَةٍ شَاتَانِ، وَخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ بِنْتَا مَخَاضٍ، وَعِشْرِينَ دِينَارًا دِينَارٌ، وَمِائَتَيْ دِرْهَمٍ عَشَرَةٌ وَخُمُسُ الْمُعَشَّرَاتِ، وَلَوْ وَجَبَ بِنْتَا مَخَاضٍ مَعَ جُبْرَانٍ لَمْ يُضَعِّفْ الْجُبْرَانَ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ كَانَ بَعْضَ نِصَابٍ لَمْ يَجِبْ قِسْطُهُ فِي الْأَظْهَرِ،

ــ

[مغني المحتاج]

جَعَلْتُ عَلَيْكُمْ ضِعْفَ الصَّدَقَةِ، أَوْ صَالَحْتُكُمْ عَلَيْهِ، أَوْ نَحْوُهُ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: فَلِلْإِمَامِ إلَخْ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا تَلْزَمُهُ الْإِجَابَةُ وَهُوَ كَذَلِكَ بِخِلَافِ بَذْلِهِمْ الدِّينَارَ. نَعَمْ تَلْزَمُهُ الْإِجَابَةُ عِنْدَ ظُهُورِ الْمَصْلَحَةِ فِيهِ لِقُوَّتِهِمْ وَضَعْفِنَا أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ إذَا أَبَوْا الدَّفْعَ إلَّا بِاسْمِ الصَّدَقَةِ؛ لِأَنَّهَا جِزْيَةٌ حَقِيقَةً كَمَا سَيَأْتِي. .

ثُمَّ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله فِي بَيَانِ التَّضْعِيفِ فَقَالَ (وَيُضَعِّفُ عَلَيْهِمْ الزَّكَاةَ، فَمِنْ خَمْسَةِ أَبْعِرَةٍ شَاتَانِ) وَمِنْ عَشَرَةٍ أَرْبَعَةٌ، وَمِنْ خَمْسَةَ عَشْرَ سِتُّ شِيَاهٍ، وَمِنْ عِشْرِينَ ثَمَانِ شِيَاهٍ (وَ) مِنْ (خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ) بَعِيرًا (بِنْتَا مَخَاضٍ) وَمِنْ أَرْبَعِينَ مِنْ الْغَنَمِ شَاتَانِ، وَمِنْ ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ تَبِيعَانِ، وَمِنْ مِائَتَيْنِ مِنْ الْإِبِلِ ثَمَانِ حِقَاقٍ، أَوْ عَشْرُ بَنَاتِ لَبُونٍ، وَلَا يُفَرِّقُ فَلَا يَأْخُذُ أَرْبَعَ حِقَاقٍ وَخَمْسَ بَنَاتِ لَبُونٍ، كَمَا لَا يُفَرِّقُ فِي الزَّكَاةِ، كَذَا قَالَاهُ. قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي: قُلْتُ: وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ لَا تَشْقِيصَ هُنَا بِخِلَافِ مَا هُنَاكَ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ (وَمِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا دِينَارٌ، وَ) مِنْ (مِائَتَيْ دِرْهَمٍ عَشَرَةٌ) مِنْ الدَّرَاهِمِ، وَمِنْ الرِّكَازِ خُمُسَانِ (وَخُمُسُ الْمُعَشَّرَاتِ) فِيمَا سُقِيَ بِلَا مُؤْنَةٍ، وَالْعُشْرُ فِيمَا سُقِيَ بِهَا (وَلَوْ وَجَبَ) عَلَى كَافِرٍ (بِنْتَا مَخَاضٍ) مَثَلًا (مَعَ جُبْرَانٍ) كَأَنْ كَانَ عِنْدَهُ سِتٌّ وَثَلَاثُونَ وَفَقَدَ بِنْتَيْ لَبُونٍ (لَمْ يُضَعِّفْ الْجُبْرَانَ) عَلَيْهِ (فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ لِئَلَّا يَكْثُرَ التَّضْعِيفُ، وَلِأَنَّهُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَيُقْتَصَرُ فِيهِ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ، وَلِأَنَّ الْجُبْرَانَ تَارَةً يُؤْخَذُ وَتَارَةً يُدْفَعُ، وَلَوْ ضَعَّفْنَاهُ عِنْدَ الْأَخْذِ لَزِمَ أَنْ يُضَعَّفَ عِنْد الدَّفْعِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ قَطْعًا. وَالثَّانِي يُضَعَّفُ فَيَأْخُذُ مِنْ كُلِّ بِنْتِ مَخَاضٍ أَرْبَعَ شِيَاهِ، أَوْ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، وَلَوْ دَفَعَ حِقَّتَيْنِ بَدَلَ بِنْتَيْ لَبُونٍ لَمْ يُضَعَّفْ لَهُ الْجُبْرَانُ كَمَا مَرَّ.

تَنْبِيهٌ: قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَفِي تَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ بِالْأَصَحِّ مُنَاقَشَةٌ، فَإِنَّ مُقَابِلَهُ سَاقِطٌ، بَلْ قَالَ الْإِمَامُ: إنَّهُ غَلَطٌ لَا شَكَّ فِيهِ وَلَا يَنْبَغِي عَدُّهُ مِنْ الْمَذْهَبِ اهـ.

وَيُعْطِي الْإِمَامُ الْجُبْرَانَ مِنْ الْفَيْءِ كَمَا يَصْرِفُهُ إذَا أَخَذَهُ إلَى الْفَيْءِ (وَلَوْ كَانَ) مَا عِنْدَ الْكَافِرِ (بَعْضَ نِصَابٍ) مِنْ مَالٍ زَكَوِيٍّ كَمِائَةِ دِرْهَمٍ (لَمْ يَجِبْ قِسْطُهُ) مِنْ تَمَامِ النِّصَابِ (فِي الْأَظْهَرِ) كَشَاةٍ مِنْ عِشْرِينَ وَنِصْفِ شَاةٍ مِنْ عَشَرَةٍ؛ لِأَنَّ أَثَرَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إنَّمَا وَرَدَ فِي تَضْعِيفِ مَا يَلْزَمُ الْمُسْلِمَ لَا فِي إيجَابِ مَا لَمْ يَجِبْ فِيهِ شَيْءٌ عَلَى الْمُسْلِمِ. وَالثَّانِي يَجِبُ قِسْطُهُ رِعَايَةً لِلتَّضْعِيفِ. تَنْبِيهٌ: هَذَا إنْ لَمْ يُخَالِطْ غَيْرَهُ، فَإِنْ خَلَطَ عِشْرِينَ شَاةً بِعِشْرِينَ شَاةً لِغَيْرِهِ أَخَذَ مِنْهُ شَاةً إنْ ضَعَّفْنَا، وَلَوْ عَبَّرَ بِالْمَشْهُورِ كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ مُقَابِلَهُ ضَعِيفٌ جِدًّا، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي الْأَوْقَاصِ الَّتِي بَيْنَ النُّصُبِ، وَهَلْ يُعْتَبَرُ النِّصَابُ كُلَّ الْحَوْلِ أَوْ آخِرَهُ؟ وَجْهَانِ: فِي الْكِفَايَةِ قِيَاسُ بَابِ

ص: 74