المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل التسوية بين الخصمين] - مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج - جـ ٦

[الخطيب الشربيني]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب السير

- ‌[مَوَانِعِ الْجِهَادِ]

- ‌[فَصْل فِيمَا يُكْرَهُ مِنْ الْغَزْوِ وَمَنْ يَحْرُمُ]

- ‌[فَصْل فِي حُكْمِ مَا يُؤْخَذ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي حُكْمِ أَمْوَالِ الْحَرْبِيِّينَ]

- ‌[فَصْل فِي الْأَمَانِ]

- ‌[كِتَاب عَقْد الْجِزْيَةِ لِلْكُفَّارِ]

- ‌[فَصْل أَقَلُّ الْجِزْيَةِ دِينَارٌ لِكُلِّ سَنَةٍ]

- ‌[فَصْل فِي أَحْكَامِ عَقْدِ الْجِزْيَةِ الزَّائِدَةِ]

- ‌باب الهدنة

- ‌[فَصَلِّ فِي أَحْكَامِ الْهُدْنَةِ]

- ‌كِتَابُ الصَّيْدِ

- ‌[فَصْلٌ فِي شَرْطِ الرُّكْنِ الثَّانِي وَهُوَ الذَّابِحُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ وَهُوَ الذَّبِيحُ]

- ‌[فَصْلٌ ذَبْحُ حَيَوَانٍ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ وَجَرْحُ حَيَوَانٍ غَيْرِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَمْلِكُ بِهِ الصَّيْدَ]

- ‌[كِتَابُ الْأُضْحِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعَقِيقَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْأَطْعِمَةِ]

- ‌كِتَابُ الْمُسَابَقَةِ

- ‌كتاب الإيمان

- ‌[فَصَلِّ صِفَةُ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحَلِفِ عَلَى السُّكْنَى لَا يُقِيمُ فِيهَا وَهُوَ فِيهَا]

- ‌[فَصَلِّ فِي الْحَلِفِ عَلَى أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ]

- ‌[فَصَلِّ فِي مَسَائِلَ مَنْثُورَةٍ]

- ‌[كِتَابُ النَّذْرِ]

- ‌[فَصَلِّ فِيمَنْ نَذْرِ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ هَدْيٍ أَوْ غَيْرِهَا]

- ‌كتاب القضاء

- ‌[فَصَلِّ فِيمَا يَعْرِضُ لِلْقَاضِي مِمَّا يَقْتَضِي عَزْلَهُ أَوْ انْعِزَالَهُ]

- ‌[فَصَلِّ آدَابِ الْقَضَاءِ]

- ‌[فَصَلِّ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ]

- ‌بَابُ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ

- ‌[فَصَلِّ الدَّعْوَى بِعَيْنٍ غَائِبَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ وَالْحُكْمِ بِهَا]

- ‌[فَصَلِّ ضَابِطِ الْغَائِبِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ]

- ‌باب القسمة

- ‌كِتَابُ الشَّهَادَاتِ

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُعْتَبَرُ فِيهِ شَهَادَةُ الرِّجَالِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَأَدَائِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي رُجُوعِ الشُّهُودِ عَنْ شَهَادَتِهِمْ]

- ‌كتاب الدعوى

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِجَوَابِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْحَلِفِ وَالتَّغْلِيظِ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ مِنْ شَخْصَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اخْتِلَافِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي شُرُوطِ الْقَائِفِ وَبَيَانِ إلْحَاقِهِ النَّسَبَ بِغَيْرِهِ]

- ‌كتاب العتق

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعِتْقِ بِالْبَعْضِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْإِعْتَاقِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ]

- ‌فصل في الولاء

- ‌كتاب التدبير

- ‌[فَصَلِّ فِي حُكْمِ حَمْلِ الْمُدَبَّرَةِ وَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهَا]

- ‌كِتَابُ الْكِتَابَةِ

- ‌[فَصَلِّ فِي لُزُومِ الْكِتَابَةِ وَجَوَازِهَا وَمَا يَعْرِضُ لَهَا]

- ‌[فَصَلِّ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْكِتَابَةِ الْبَاطِلَةِ وَالْفَاسِدَةِ]

- ‌كتاب أمهات الأولاد

- ‌[خَاتِمَة]

الفصل: ‌[فصل التسوية بين الخصمين]

[فَصْلٌ] لِيُسَوِّ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ فِي دُخُولٍ عَلَيْهِ، وَقِيَامٍ لَهُمَا، وَاسْتِمَاعٍ، وَطَلَاقَةِ وَجْهٍ، وَجَوَابِ سَلَامٍ وَمَجْلِسٍ، وَالْأَصَحُّ رَفْعُ مُسْلِمٍ عَلَى ذِمِّيٍّ فِيهِ.

ــ

[مغني المحتاج]

[فَصَلِّ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ]

[فَصْلٌ] فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ وَمَا يَتْبَعُهَا (لِيُسَوِّ) الْقَاضِي حَتْمًا عَلَى الصَّحِيحِ (بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ فِي دُخُولٍ عَلَيْهِ) فَلَا يَدْخُلُ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ، بَلْ يَأْذَنُ لَهُمَا فِي الدُّخُولِ.

تَنْبِيهٌ الْخَصْمُ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَسُكُونِ الصَّادِ يَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِدُ وَالْجَمِيعُ وَالْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ، وَمِنْ الْعَرَبِ مَنْ يُثَنِّيهِ وَيَجْمَعُهُ وَمَشَى الْمُصَنِّفُ عَلَى التَّثْنِيَةِ هُنَا، وَعَلَى الْجَمْعِ فِي قَوْلِهِ بَعْدَ: وَإِذَا ازْدَحَمَ خُصُومٌ. أَمَّا الْخَصِمُ بِكَسْرِ الصَّادِ، فَهُوَ الشَّدِيدُ الْخُصُومَةِ (وَ) فِي (قِيَامٍ لَهُمَا) فَيَقُومُ لَهُمَا أَوْ يَتْرُكُ، وَكَرِهَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ الْقِيَامَ لَهُمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا قَدْ يَكُونُ شَرِيفًا وَالْآخَرُ وَضِيعًا، فَإِذَا قَامَ لَهُمَا عَلِمَ الْوَضِيعَ أَنَّ الْقِيَامَ لِأَجْلِ خَصْمِهِ فَيَزْدَادُ الشَّرِيفُ تِيهًا وَالْوَضِيعُ كَسْرًا، فَتَرْكُ الْقِيَامِ لَهُمَا أَقْرَبُ إلَى الْعَدْلِ قَالَ: فَلَوْ دَخَلَ الْخَصْمُ ذُو الْهَيْئَةِ فَظَنَّ الْحَاكِمُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُحَاكَمٍ فَقَامَ لَهُ فَلْيَقُمْ لِخَصْمِهِ أَوْ يَعْتَذِرْ بِأَنَّهُ قَامَ لِلْأَوَّلِ وَلَمْ يَشْعُرْ بِكَوْنِهِ خَصْمًا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَ الْآخَرُ مِمَّنْ يُقَامُ لَهُ قَامَ وَإِلَّا اعْتَذَرَ (وَاسْتِمَاعٍ) لِكَلَامِهِمَا وَنَظَرٍ إلَيْهِمَا (وَ) فِي (طَلَاقَةِ وَجْهٍ) لَهُمَا (وَ) فِي (جَوَابِ سَلَامٍ) مِنْهُمَا إنْ سَلَّمَا مَعًا وَلَا يَرُدُّ عَلَى أَحَدِهِمَا وَيَتْرُكُ الْآخَرَ، فَإِنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا انْتَظَرَ الْآخَرَ أَوْ قَالَ لَهُ سَلِّمْ لِيُجِيبَهُمَا مَعًا إذَا سَلَّمَ. قَالَ الشَّيْخَانِ: وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِي هَذَا إذَا طَالَ الْفَصْلُ وَكَأَنَّهُمْ احْتَمَلُوا هَذَا الْفَصْلَ لِئَلَّا يَبْطُلَ مَعْنَى التَّسْوِيَةِ.

فَإِنْ قِيلَ: مَا ذَكَرَاهُ هُنَا لَا يُوَافِقُ مَا جَزَمَا بِهِ فِي السِّيَرِ مِنْ أَنَّ ابْتِدَاءَ السَّلَامِ سُنَّةُ كِفَايَةٍ، فَإِذَا حَضَرَ جَمْعٌ وَسَلَّمَ أَحَدُهُمْ كَفَى عَنْ الْبَاقِينَ.

أُجِيبَ بِأَنَّهُمْ ارْتَكَبُوا ذَلِكَ هُنَا حَذَرًا مِنْ التَّخْصِيصِ وَتَوَهُّمِ الْمَيْلِ (وَ) فِي (مَجْلِسٍ) لَهُمَا بِأَنْ يَجْلِسَهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرَ عَنْ يَسَارِهِ وَالْجُلُوسُ بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْلَى، وَمِثْلُ مَا ذَكَرَهُ سَائِرُ أَنْوَاعِ الْإِكْرَامِ فَلَا يَخُصُّ أَحَدَهُمَا بِشَيْءٍ مِنْهَا، وَإِنْ اخْتَلَفَا بِفَضِيلَةٍ غَيْرِهَا وَلَا يَرْتَفِعُ الْمُوَكِّلُ عَلَى الْوَكِيلِ وَالْخَصْمِ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ أَيْضًا بِدَلِيلِ تَحْلِيفِهِ إذَا وَجَبَتْ يَمِينٌ حَكَاهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الزَّبِيلِيِّ وَأَقَرَّهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ: وَهُوَ حَسَنٌ، وَالْبَلْوَى بِهِ عَامَّةٌ، وَقَدْ رَأَيْنَا مَنْ يُوَكِّلُ فِرَارًا مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَصْمِهِ، وَلِيُقْبِلْ عَلَى الْخَصْمَيْنِ بِقَلْبِهِ وَعَلَيْهِ السَّكِينَةُ بِلَا مَزْحٍ وَلَا تَشَاوُرٍ وَلَا نَهْرٍ وَلَا صِيَاحٍ مَا لَمْ يَتْرُكَا أَدَبًا وَيُنْدَبُ أَنْ يَجْلِسَا بَيْنَ يَدَيْهِ لِيَتَمَيَّزَا وَلِيَكُونَ اسْتِمَاعُهُ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا أَسْهَلَ، وَإِذَا جَلَسَا تَقَارَبَا إلَّا أَنْ يَكُونَا رَجُلًا وَامْرَأَةً غَيْرَ مَحْرَمٍ فَيَتَبَاعَدَانِ (وَالْأَصَحُّ) وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالصَّحِيحِ (رَفْعُ مُسْلِمٍ عَلَى ذِمِّيٍّ فِيهِ) أَيْ الْمَجْلِسِ كَأَنْ يَجْلِسَ الْمُسْلِمُ أَقْرَبَ إلَيْهِ مِنْ الذِّمِّيِّ لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: خَرَجَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إلَى السُّوقِ فَإِذَا هُوَ بِنَصْرَانِيٍّ يَبِيعُ دِرْعًا فَعَرَفَهَا

ص: 299

وَإِذَا جَلَسَا فَلَهُ أَنْ يَسْكُتَ، وَأَنْ يَقُولَ لِيَتَكَلَّمْ الْمُدَّعِي.

فَإِذَا ادَّعَى طَالَبَ خَصْمَهُ بِالْجَوَابِ،

ــ

[مغني المحتاج]

عَلِيٌّ، فَقَالَ: هَذِهِ دِرْعِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ قَاضِي الْمُسْلِمِينَ فَأَتَيَا شُرَيْحًا، فَلَمَّا رَأَى الْقَاضِي عَلِيًّا قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ وَأَجْلَسَهُ وَجَلَسَ شُرَيْحٌ أَمَامَهُ إلَى جَنْبِ النَّصْرَانِيِّ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: لَوْ كَانَ خَصْمِي مُسْلِمًا لَجَلَسْت مَعَهُ بَيْنَ يَدَيْكَ وَلَكِنْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَا تُسَاوُوهُمْ فِي الْمَجَالِسِ» اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَهُ يَا شُرَيْحُ، فَقَالَ شُرَيْحٌ: مَا تَقُولُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ: هَذِهِ دِرْعِي ذَهَبَتْ مِنِّي مُنْذُ زَمَانٍ. فَقَالَ شُرَيْحٌ: مَا تَقُولُ يَا نَصْرَانِيٌّ، فَقَالَ مَا أُكَذِّبُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ الدِّرْعُ دِرْعِي؟ . فَقَالَ شُرَيْحٌ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ هَلْ مِنْ بَيِّنَةٍ، فَقَالَ عَلِيٌّ: صَدَقَ شُرَيْحٌ فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ: إنِّي أَشْهَدُ أَنَّ هَذِهِ أَحْكَامُ الْأَنْبِيَاءِ، ثُمَّ أَسْلَمَ النَّصْرَانِيُّ فَأَعْطَاهُ عَلِيٌّ الدِّرْعَ وَحَمَلَهُ عَلَى فَرَسٍ عَتِيقٍ قَالَ الشَّعْبِيُّ: فَقَدْ رَأَيْتُهُ يُقَاتِلُ الْمُشْرِكِينَ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ. وَالثَّانِي يُسَوِّي بَيْنَهُمَا فِيهِ، وَيُشْبِهُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا أَنْ يَجْرِيَ ذَلِكَ فِي سَائِرِ وُجُوهِ الْإِكْرَامِ حَتَّى فِي التَّقْدِيمِ فِي الدَّعْوَى كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ، وَهُوَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا ظَاهِرٌ إذَا قُلْتَ الْخُصُومُ الْمُسْلِمُونَ، وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ لِكَثْرَةِ ضَرَرِ الْمُسْلِمِينَ.

تَنْبِيهٌ لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْجَوَازِ أَوْ الْوُجُوبِ، وَصَرَّحَ صَاحِبُ التَّمْيِيزِ بِالْوُجُوبِ، وَهُوَ قِيَاسُ الْقَاعِدَةِ الْأَغْلَبِيَّةِ أَنَّ مَا كَانَ مَمْنُوعًا مِنْهُ إذَا جَازَ وَجَبَ كَقَطْعِ الْيَدِ فِي السَّرِقَةِ وَصَرَّحَ سُلَيْمٌ فِي الْمُجَرَّدِ بِالْجَوَازِ، وَعِبَارَتُهُ الَّتِي نَقَلَهَا ابْنُ شُهْبَةَ عَنْهُ: فَلَا بَأْسَ أَنْ يَرْفَعَ الْمُسْلِمَ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا ذِمِّيًّا وَالْآخَرُ مُرْتَدًّا، فَيَتَّجِهُ تَخْرِيجُهُ عَلَى التَّكَافُؤِ فِي الْقِصَاصِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُرْتَدَّ يُقْتَلُ بِالذِّمِّيِّ دُونَ عَكْسِهِ، وَتَعَجَّبَ الْبُلْقِينِيُّ مِنْ هَذَا التَّخْرِيجِ، فَإِنَّ التَّكَافُؤَ فِي الْقِصَاصِ لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ بِسَبِيلٍ، وَلَوْ اعْتَبَرْنَاهُ لِرَفْعِ الْحُرِّ عَلَى الْعَبْدِ وَالْوَالِدِ عَلَى الْوَلَدِ.

(وَإِذَا) حَضَرَ الْخَصْمَانِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَ (جَلَسَا) أَوْ وَقَفَا كَمَا هُوَ الْغَالِبُ (فَلَهُ أَنْ يَسْكُتَ) عَنْهُمَا حَتَّى يَتَكَلَّمَا؛ لِأَنَّهُمَا حَضَرَا لِيَتَكَلَّمَا (وَ) لَهُ (أَنْ يَقُولَ) إنْ لَمْ يَعْرِفْ الْمُدَّعِيَ (لِيَتَكَلَّمْ الْمُدَّعِي) مِنْكُمَا؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا هَابَاهُ وَلَهُ إنْ عَرَفَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: تَكَلَّمْ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ الْقَائِمُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَإِنْ طَالَ سُكُوتُهُمَا بِغَيْرِ سَبَبٍ مِنْ هَيْبَةٍ وَتَحْرِيرِ كَلَامٍ وَنَحْوِهَا قَالَ مَا خَطْبُكُمَا. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: فَإِنْ لَمْ يَدَّعِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أُقِيمَا مِنْ مَكَانِهِمَا. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَالْأَوْلَى بِالْخَصْمِ أَنْ يَسْتَأْذِنَ الْقَاضِيَ فِي الْكَلَامِ.

(فَإِذَا)(ادَّعَى) أَحَدُهُمَا دَعْوًى صَحِيحَةً (طَالَبَ خَصْمَهُ بِالْجَوَابِ) وَإِنْ لَمْ يَسْأَلْهُ الْمُدَّعِي، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فَصْلُ الْخُصُومَةِ وَبِذَلِكَ تَنْفَصِلُ فَيَقُولُ لَهُ: مَا تَقُولُ؟ أَوْ خَرَجَ مِنْ دَعْوَاهُ إنْ كَانَتْ مُمْكِنَةً، فَإِنْ عَلِمَ كَذِبَ الْمُدَّعِي مِثْلَ أَنْ يَدَّعِيَ الذِّمِّيُّ اسْتِئْجَارَ الْأَمِيرِ أَوْ الْكَبِيرِ لِعَلَفِ الدَّوَابِّ أَوْ كَنْسِ بَيْتِهِ، وَكَدَعْوَى الْمَعْرُوفِ

ص: 300

فَإِنْ أَقَرَّ فَذَاكَ، وَإِنْ أَنْكَرَ فَلَهُ أَنْ يَقُولَ لِلْمُدَّعِي أَلَكَ بَيِّنَةٌ، وَأَنْ يَسْكُتَ، فَإِنْ قَالَ لِي بَيِّنَةٌ وَأُرِيدُ تَحْلِيفَهُ فَلَهُ ذَلِكَ، أَوْ لَا بَيِّنَةَ لِي ثُمَّ أَحْضَرَهَا قُبِلَتْ فِي الْأَصَحِّ.

ــ

[مغني المحتاج]

بِالْعَيْبِ وَجَرِّ ذَوِي الْأَقْدَارِ لِمَجْلِسِ الْقُضَاةِ وَاسْتِحْلَافِهِمْ لِيَفْتَدُوا مِنْهُ بِشَيْءٍ فَذَلِكَ خِلَافًا لِلْإِصْطَخْرِيِّ فِي قَوْلِهِ: لَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِهِ (فَإِنْ أَقَرَّ) بِمَا اُدُّعِيَ عَلَيْهِ بِهِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا (فَذَاكَ) ظَاهِرٌ فِي ثُبُوتِهِ بِغَيْرِ حُكْمٍ بِخِلَافِ الْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْإِقْرَارِ وَلَوْ حُكْمًا عَلَى وُجُوبِ الْحَقِّ جَلِيَّةٌ إذْ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرٌ، بِخِلَافِ الْبَيِّنَةِ فَإِنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ، وَلِلْمُدَّعِي بَعْدَ الْإِقْرَارِ أَنْ يَطْلُبَ مِنْ الْقَاضِي الْحُكْمَ عَلَيْهِ (وَإِنْ أَنْكَرَ) الدَّعْوَى، وَهِيَ مِمَّا لَا يَمِينَ فِيهَا فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي (فَلَهُ) أَيْ الْقَاضِي (أَنْ يَقُولَ لِلْمُدَّعِي أَلَكَ بَيِّنَةٌ) وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ مِمَّا يَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ قَالَ لَهُ: أَلَكَ بَيِّنَةٌ أَوْ شَاهِدٌ مَعَ يَمِينٍ؟ فَإِنْ كَانَ الْيَمِينُ فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي لِكَوْنِهِ أَمِينًا أَوْ فِي قَسَامَةٍ قَالَ لَهُ أَتَحْلِفُ وَيَقُولُ لِلزَّوْجِ الْمُدَّعِي عَلَى زَوْجَتِهِ بِالزِّنَا أَتُلَاعِنُهَا، فَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالْحُجَّةِ بَدَلَ الْبَيِّنَةِ كَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ جَمِيعَ ذَلِكَ (وَ) لِلْقَاضِي (أَنْ) لَا يَسْتَفْهِمَ الْمُدَّعِي عَنْ الْبَيِّنَةِ بِأَنْ (يَسْكُتَ) تَحَرُّزًا عَنْ اعْتِقَادِ مَيْلِهِ إلَى الْمُدَّعِي. نَعَمْ إنْ جَهِلَ الْمُدَّعِي أَنَّ لَهُ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ فَلَا يَسْكُتُ، بَلْ يَجِبُ إعْلَامُهُ بِأَنَّ لَهُ ذَلِكَ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ.

وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إنْ عَلِمَ عِلْمَهُ بِذَلِكَ فَالسُّكُوتُ أَوْلَى، وَإِنْ شَكَّ فَالْقَوْلُ أَوْلَى، وَإِنْ عَلِمَ جَهْلَهُ بِهِ وَجَبَ إعْلَامُهُ اهـ.

وَهُوَ تَفْصِيلٌ حَسَنٌ (فَإِنْ قَالَ) الْمُدَّعِي (لِي بَيِّنَةٌ) وَأَقَامَهَا فَذَاكَ (وَأُرِيدُ تَحْلِيفَهُ فَلَهُ ذَلِكَ) لِأَنَّهُ إنْ تَوَرَّعَ عَنْ الْيَمِينِ وَأَقَرَّ سَهَّلَ الْأَمْرَ عَلَى الْمُدَّعِي وَاسْتَغْنَى عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، وَإِنْ حَلَفَ أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ وَأَظْهَرَ خِيَانَتَهُ وَكَذِبَهُ فَلَهُ فِي طَلَبِ تَحْلِيفِهِ غَرَضٌ ظَاهِرٌ، وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ مَا إذَا ادَّعَى لِغَيْرِهِ بِطَرِيقِ الْوِلَايَةِ أَوْ النَّظَرِ أَوْ الْوَكَالَةِ أَوْ لِنَفْسِهِ، وَلَكِنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِسَفَهٍ أَوْ فَلَسٍ أَوْ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ أَوْ مُكَاتَبًا فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الصُّوَرِ لِئَلَّا يَحْلِفَ، ثُمَّ يَرْفَعُهُ لِحَاكِمٍ يَرَى مَنْعَ الْبَيِّنَةِ بَعْدَ الْحَلِفِ فَيَضِيعُ الْحَقُّ، وَرَدَّ بِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمُدَّعِي فَلَا يَرْفَعُ غَرِيمَهُ إلَّا لِمَنْ يَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ الْحَلِفِ بِتَقْدِيرِ أَنْ لَا يَنْفَصِلَ أَمْرُهُ عِنْدَ الْأَوَّلِ (أَوْ) قَالَ (لَا بَيِّنَةَ لِي) وَأَطْلَقَ أَوْ زَادَ عَلَيْهِ لَا بَيِّنَةَ لِي حَاضِرَةً وَلَا غَائِبَةً أَوْ كُلُّ بَيِّنَةٍ أُقِيمُهَا فَهِيَ بَاطِلَةٌ أَوْ كَاذِبَةٌ أَوْ زُورٌ وَحَلَّفَهُ (ثُمَّ أَحْضَرَهَا)(قُبِلَتْ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ رُبَّمَا لَمْ يَعْرِفْ لَهُ بَيِّنَةً أَوْ نَسِيَ، ثُمَّ عَرَفَ أَوْ تَذَكَّرَ، وَالثَّانِي: لَا لِلْمُنَاقَضَةِ إلَّا أَنْ يَذْكُرَ لِكَلَامِهِ تَأْوِيلًا كَكُنْتُ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا، وَنَسَبَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ إلَى الْأَكْثَرِينَ. أَمَّا لَوْ قَالَ: لَا بَيِّنَةَ لِي حَاضِرَةً، ثُمَّ أَحْضَرَهَا فَإِنَّهَا تُقْبَلُ قَطْعًا لِعَدَمِ الْمُنَاقَضَةِ، وَلَوْ قَالَ: شُهُودِي فَسَقَةٌ أَوْ عَبِيدٌ فَجَاءَ بِعُدُولٍ، وَقَدْ مَضَتْ مُدَّةُ اسْتِبْرَاءٍ أَوْ عِتْقٍ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ وَإِلَّا فَلَا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا اعْتَرَفَ أَنَّ هَذِهِ الْبَيِّنَةَ هِيَ الَّتِي نَسَبَ إلَيْهَا ذَلِكَ. أَمَّا لَوْ أَحْضَرَ بَيِّنَةً عَنْ قُرْبٍ. فَقَالَ: هَذِهِ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ جَهِلْتَهَا أَوْ نَسِيتُهَا غَيْرُ تِلْكَ ثُمَّ عَلِمْتُهَا أَوْ تَذَكَّرْتَهَا، فَيُشْبِهُ أَنْ تُقْبَلَ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ حُرِّيَّةُ الْمُحْضَرِينَ وَعَدَالَتُهُمْ مَشْهُورَةً. .

تَنْبِيهٌ يُنْدَبُ لِلْقَاضِي بَعْدَ ظُهُورِ وَجْهِ الْحُكْمِ نَدْبُ الْخَصْمَيْنِ إلَى صُلْحٍ يُرْجَى، وَيُؤَخِّرُ لَهُ

ص: 301

وَإِذَا ازْدَحَمَ خُصُومٌ قُدِّمَ الْأَسْبَقُ، فَإِنْ جَهِلَ أَوْ جَاءُوا مَعًا أُقْرِعَ

وَيُقَدَّمُ مُسَافِرُونَ مُسْتَوْفِزُونَ، وَنِسْوَةٌ، وَإِنْ تَأَخَّرُوا مَا لَمْ يَكْثُرُوا، وَلَا يُقَدَّمُ سَابِقٌ وَقَارِعٌ إلَّا بِدَعْوَى.

ــ

[مغني المحتاج]

الْحُكْمَ يَوْمًا وَيَوْمَيْنِ بِرِضَاهُمَا، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَرْضَيَا.

(وَإِذَا)(ازْدَحَمَ) فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي (خُصُومٌ) مُدَّعُونَ (قُدِّمَ) حَتْمًا (الْأَسْبَقُ) فَالْأَسْبَقُ مِنْهُمْ بِمَجْلِسِ الْحُكْمِ إنْ جَاءُوا مُتَرَتِّبِينَ وَعُرِفَ السَّابِقُ؛ لِأَنَّهُ الْعَدْلُ كَمَا لَوْ سَبَقَ إلَى مَوْضِعٍ مُبَاحٍ، وَالْعِبْرَةُ بِسَبْقِ الْمُدَّعِي دُونَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لِلْمُدَّعِي.

تَنْبِيهٌ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: مَحِلُّ وُجُوبِ تَقْدِيمِ السَّابِقِ إذَا تَعَيَّنَ عَلَى الْقَاضِي فَصْلُ الْخُصُومَاتِ، وَإِلَّا فَلَهُ أَنْ يُقَدِّمَ مَنْ شَاءَ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الْعِلْمِ الَّذِي لَا يَجِبُ تَعْلِيمُهُ (فَإِنْ جَهِلَ) الْأَسْبَقَ مِنْهُمْ (أَوْ جَاءُوا مَعًا أُقْرِعَ) بَيْنَهُمْ، وَقُدِّمَ مَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ، إذْ لَا مُرَجِّحَ، فَإِنْ آثَرَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا جَازَ، هَذَا إذَا أَمْكَنَ الْإِقْرَاعُ، فَإِنْ كَثُرُوا أَوْ عَسُرَ الْإِقْرَاعُ كَتَبَ أَسْمَاءَهُمْ فِي رِقَاعٍ وَجَعَلَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ لِيَأْخُذَهَا وَاحِدَةً وَاحِدَةً وَيُقَدِّمَ صَاحِبَهَا، كَذَا قَالَاهُ، وَهَذَا نَوْعٌ مِنْ الْإِقْرَاعِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ، وَتُسْمَعُ دَعْوَى الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ حَتْمًا، فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَرِيضٌ يَتَضَرَّرُ بِالصَّبْرِ لِنَوْبَتِهِ فَالْأَوْلَى لِغَيْرِهِ كَمَا قَالَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ تَقْدِيمُهُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ قَدَّمَهُ الْقَاضِي إنْ كَانَ مَطْلُوبًا، وَلَا يُقَدِّمُهُ إنْ كَانَ طَالِبًا؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ مَجْبُورٌ وَالطَّالِبَ مُجْبِرٌ.

تَنْبِيهٌ لَا يُقَدِّمُ الْقَاضِي بَعْضَ الْمُدَّعِينَ عَلَى بَعْضٍ إلَّا فِي صُورَتَيْنِ أَشَارَ لِلْأُولَى مِنْهُمَا بِقَوْلِهِ (وَيُقَدَّمُ) نَدْبًا عَلَى الْمُخْتَارِ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ (مُسَافِرُونَ مُسْتَوْفِزُونَ) أَيْ مُتَهَيِّئُونَ لِلسَّفَرِ خَائِفُونَ مِنْ انْقِطَاعِهِمْ إنْ تَأَخَّرُوا عَلَى مُقِيمِينَ لِئَلَّا يَتَضَرَّرُوا بِالتَّخَلُّفِ، وَأَشَارَ لِلثَّانِيَةِ بِقَوْلِهِ (وَ) يُقَدَّمُ (نِسْوَةٌ) عَلَى رِجَالٍ طَلَبًا لِسِتْرِهِنَّ (وَإِنْ تَأَخَّرُوا) أَيْ الْمُسَافِرُونَ وَالنِّسْوَةُ فِي الْمَجِيءِ إلَى الْقَاضِي، وَفِيهِ تَغْلِيبُ الْمُذَكَّرِ عَلَى الْمُؤَنَّثِ، وَكَذَا فِي قَوْلِهِ (مَا لَمْ يَكْثُرُوا) فَإِنْ كَثُرُوا بَلْ أَوْ سَاوَوْا كَمَا فِي الْمُهَذَّبِ، أَوْ كَانَ الْجَمِيعُ مُسَافِرِينَ أَوْ نِسْوَةً فَالتَّقْدِيمُ بِالسَّبَقِ أَوْ الْقُرْعَةِ.

تَنْبِيهٌ أَفْهَمَ إطْلَاقُهُ الْمُسَافِرِينَ وَالنِّسْوَةَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا مُدَّعِيًا أَوْ مُدَّعًى عَلَيْهِ، وَهُوَ مَا بَحَثَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَإِنْ نَازَعَ فِيهِ الْبُلْقِينِيُّ وَقَالَ: إنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالْمُدَّعِينَ، وَالْخَنَاثِي مَعَ الرِّجَالِ كَالنِّسْوَةِ، وَيُقَدَّمُ الْمُسَافِرُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُقِيمَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ، وَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ النِّسَاءَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الشَّابَّةِ وَالْعَجُوزِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الْقِيَاسُ إلْحَاقُ الْعَجُوزِ بِالرِّجَالِ لِانْتِفَاءِ الْمَحْذُورِ، وَأَفْهَمَ اقْتِصَارُهُ عَلَى الْمُسَافِرِينَ وَالنِّسْوَةِ الْحَصْرَ فِيهِمَا، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ الْمَرِيضُ كَمَا سَبَقَ كَذَلِكَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ بِهِ مَنْ لَهُ مَرِيضٌ بِلَا مُتَعَهِّدٍ، وَتَقْدِيمُ مُسْلِمٍ عَلَى كَافِرٍ، وَالِازْدِحَامُ عَلَى الْمُفْتِي وَالْمُدَرِّسِ كَالِازْدِحَامِ عَلَى الْقَاضِي إنْ كَانَ الْعِلْمُ فَرْضًا وَلَوْ عَلَى الْكِفَايَةِ وَإِلَّا فَالْخِيرَةُ إلَى الْمُفْتِي أَوْ الْمُدَرِّسِ (وَلَا يُقَدَّمُ سَابِقٌ وَقَارِعٌ) أَيْ مَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ (إلَّا بِدَعْوَى) وَاحِدَةٍ وَإِنْ اتَّحَدَ الْمُدَّعَى

ص: 302

وَيَحْرُمُ اتِّخَاذُ شُهُودٍ مُعَيَّنِينَ، لَا يَقْبَلُ غَيْرَهُمْ.

وَإِذَا شَهِدَ شُهُودٌ فَعَرَفَ عَدَالَةً أَوْ فِسْقًا عَمِلَ بِعِلْمِهِ، وَإِلَّا وَجَبَ الِاسْتِزْكَاءُ

ــ

[مغني المحتاج]

عَلَيْهِ لِئَلَّا يَتَضَرَّرَ الْبَاقُونَ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا اسْتَوْعَبَ الْمَجْلِسَ بِدَعَاوِيهِ فَتُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَيَنْصَرِفُ ثُمَّ يَحْضُرُ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ وَيَنْتَظِرُ فَرَاغَ دَعْوَى الْحَاضِرِينَ ثُمَّ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ. الثَّانِيَةُ: إنْ بَقِيَ وَقْتٌ وَلَمْ يَضْجَرْ.

تَنْبِيهٌ سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ حُكْمِ تَقْدِيمِ الْمُسَافِرِ وَالنِّسْوَةِ، وَالْأَرْجَحُ تَقْدِيمُهُمْ بِدَعَاوِيهِمْ إنْ كَانَتْ خَفِيفَةً لَا تَضُرُّ بِالْمُقِيمِينَ فِي الْأُولَى وَبِالرِّجَالِ فِي الثَّانِيَةِ، فَإِنْ طَالَتْ قُدِّمَ مَنْ ذُكِرَ بِوَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّهَا مَأْذُونٌ فِيهَا، وَقَدْ يُقْنَعُ بِوَاحِدَةٍ وَيُؤَخَّرُ الْبَاقِي إلَى أَنْ يَحْضُرَ، هَذَا مَا رَجَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَاعْتَرَضَهُ الْإِسْنَوِيُّ بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّقْدِيمِ بِوَاحِدَةٍ فَقَطْ مَمْنُوعٌ، بَلْ الْقِيَاسُ عَلَى مَا قَالَهُ أَنْ يَسْمَعَ فِي عَدَدٍ لَا يَضُرُّ بِالْبَاقِينَ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ غَيْرُهُ - أَيْ مِنْ الْمُسَافِرِينَ أَوْ النِّسَاءِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهَذَا لَا يَكَادُ يَنْضَبِطُ، وَإِذَا قَدَّمْنَا بِوَاحِدَةٍ فَالْمُرَادُ كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا التَّقْدِيمُ بِالدَّعْوَى وَجَوَابُهَا وَفَصْلُ الْحُكْمِ فِيهَا. نَعَمْ إنْ تَأَخَّرَ الْحُكْمُ لِانْتِظَارِ بَيِّنَةٍ، أَوْ تَزْكِيَةٍ أَوْ نَحْوِهَا سَمِعَ دَعْوَى مَنْ بَعْدَهُ حَتَّى يَحْضُرَ هُوَ بِبَيِّنَتِهِ فَيَشْتَغِلَ حِينَئِذٍ بِإِتْمَامِ خُصُومَتِهِ، وَلَا وَجْهَ لِتَعْطِيلِ الْخُصُومِ، ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ.

تَنْبِيهٌ لَوْ قَالَ كُلٌّ مِنْ الْخَصْمَيْنِ: أَنَا الْمُدَّعِي، فَإِنْ كَانَ قَدْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا إلَى الدَّعْوَى لَمْ تُقْطَعْ دَعْوَاهُ، بَلْ عَلَى الْآخَرِ أَنْ يُجِيبَ، ثُمَّ يَدَّعِيَ إنْ شَاءَ، وَإِلَّا ادَّعَى مَنْ بَعَثَ مِنْهُمَا الْعَوْنَ خَلْفَ الْآخَرِ، وَكَذَا مَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِأَنَّهُ أَحْضَرَ الْآخَرَ لِيَدَّعِيَ عَلَيْهِ، فَإِنْ اسْتَوَوْا أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ، فَمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ ادَّعَى.

(وَيَحْرُمُ) عَلَى الْقَاضِي (اتِّخَاذُ شُهُودٍ مُعَيَّنِينَ لَا يَقْبَلُ غَيْرَهُمْ) لِمَا فِيهِ مِنْ التَّضْيِيقِ عَلَى النَّاسِ، إذْ قَدْ يَتَحَمَّلُ الشَّهَادَةَ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا لَمْ يَقْبَلْ ضَاعَ الْحَقُّ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] فَإِنْ عَيَّنَ شُهُودًا وَقَبِلَ غَيْرَهُمْ لَمْ يَحْرُمْ وَلَمْ يُكْرَهْ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ.

(وَإِذَا)(شَهِدَ) عِنْدَ الْقَاضِي (شُهُودٌ فَعَرَفَ) فِيهِمْ (عَدَالَةً، أَوْ فِسْقًا)(عَمِلَ بِعِلْمِهِ) فِيهِمْ فَيَقْبَلُ مَنْ عَرَفَ عَدَالَتَهُ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى تَعْدِيلٍ وَإِنْ طَلَبَهُ الْخَصْمُ، وَيَرُدُّ مَنْ عَرَفَ فِسْقَهُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى بَحْثٍ.

تَنْبِيهٌ مَحِلُّ هَذَا فِي الْعَدَالَةِ فِي غَيْرِ أَصْلِهِ وَفَرْعِهِ. أَمَّا هُمَا فَفِيهِمَا وَجْهَانِ أَرْجَحُهُمَا كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ عَدَمُ الْجَوَازِ مَا لَمْ تَقُمْ عِنْدَهُ بَيِّنَةٌ بِعَدَالَتِهِمَا تَفْرِيعًا عَلَى تَصْحِيحِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ تَزْكِيَتَهُ لَهُمَا (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَعْرِفْ الْقَاضِي فِي الشُّهُودِ عَدَالَةً وَلَا فِسْقًا (وَجَبَ الِاسْتِزْكَاءُ) أَيْ طَلَبُ الْقَاضِي مِنْهُمْ التَّزْكِيَةَ، وَهِيَ الْبَحْثُ عَنْ حَالِ الشُّهُودِ، سَوَاءٌ أَطَلَبَهُ الْخَصْمُ أَمْ لَا، طَعَنَ فِي الشُّهُودِ أَمْ لَا، اعْتَرَفَ بِعَدَالَتِهِمْ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَقَعُ بِشَهَادَتِهِمْ فَيَجِبُ الْبَحْثُ عَنْ شَرْطِهَا نَعَمْ لَوْ صَدَّقَهُمَا الْخَصْمُ فِيمَا شَهِدُوا بِهِ قَضَى بِإِقْرَارِهِ ` لَا بِالْبَيِّنَةِ.

ص: 303

بِأَنْ يَكْتُبَ مَا يَتَمَيَّزُ بِهِ الشَّاهِدُ وَالْمَشْهُودُ لَهُ وَعَلَيْهِ وَكَذَا قَدْرُ الدَّيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَيَبْعَثَ بِهِ مُزَكِّيًا ثُمَّ يُشَافِهُهُ الْمُزَكِّيَ بِمَا عِنْدَهُ، وَقِيلَ تَكْفِي كِتَابَتُهُ.

ــ

[مغني المحتاج]

تَنْبِيهٌ لَوْ جَهِلَ إسْلَامَ الشُّهُودِ رَجَعَ فِيهِ إلَى قَوْلِهِمْ، بِخِلَافِ جَهْلِهِ بِحُرِّيَّتِهِمْ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ، وَلَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ مَعْرُوفَانِ بِالْعَدَالَةِ وَاعْتَرَفَ الْخَصْمُ بِمَا شَهِدَا بِهِ قَبْلَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ، فَالْحُكْمُ بِالْإِقْرَارِ لَا بِالشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ بَعْدَ الْحُكْمِ فَإِنَّ الْحُكْمَ قَدْ مَضَى مُسْتَنِدًا إلَى الشَّهَادَةِ، هَذَا مَا نَقَلَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْهَرَوِيِّ وَأَقَرَّهُ وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الزِّنَا أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَ الْمَاوَرْدِيُّ اعْتِبَارُ الْأَسْبَقِ مِنْ الْإِقْرَارِ وَالشَّهَادَةِ، وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ، وَقَوْلُ ابْنِ شُهْبَةَ: وَالصَّحِيحُ اسْتِنَادُهُ إلَى الْمَجْمُوعِ مَمْنُوعٌ.

ثُمَّ بَيَّنَ صُورَةَ الِاسْتِزْكَاءِ بِقَوْلِهِ (بِأَنْ) أَيْ كَأَنْ (يَكْتُبَ) الْقَاضِي (مَا يَتَمَيَّزُ بِهِ الشَّاهِدُ وَالْمَشْهُودُ لَهُ، وَ) الْمَشْهُودُ (عَلَيْهِ) مِنْ اسْمٍ وَكُنْيَةٍ إنْ اُشْتُهِرَ بِهَا، وَوَلَاءٍ إنْ كَانَ عَلَيْهِ وَلَاءٌ، وَاسْمُ أَبِيهِ وَجَدِّهِ وَحِلْيَتِهِ وَحِرْفَتِهِ وَسُوقِهِ وَمَسْجِدِهِ لِئَلَّا يُشْتَبَهُ بِغَيْرِهِ، وَقَدْ يَكُونُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الشَّاهِدِ مَا يَمْنَعُ الشَّهَادَةَ كَبِغْضَةٍ أَوْ عَدَاوَةٍ، فَإِنْ كَانَ الشَّاهِدُ مَشْهُورًا وَحَصَلَ التَّمْيِيزُ بِبَعْضِ هَذِهِ الْأَوْصَافِ اُكْتُفِيَ بِهِ (وَكَذَا قَدْرُ) الْمَشْهُودِ بِهِ مِنْ (الدَّيْنِ) وَغَيْرِهِ (عَلَى الصَّحِيحِ) لِأَنَّهُ قَدْ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُ الشَّاهِدِ فِي الْقَلِيلِ دُونَ الْكَثِيرِ، وَالثَّانِي: لَا يَكْتُبُهُ؛ لِأَنَّ الْعَدَالَةَ لَا تَخْتَلِفُ بِقِلَّةِ الْمَالِ وَكَثْرَتِهِ، وَنَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ مُعْظَمِ الْأَئِمَّةِ، وَقَالَ عَنْ الْأَوَّلِ لَيْسَ بِسَدِيدٍ، فَكَانَ الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِالْأَصَحِّ لَا بِالصَّحِيحِ، وَأَنْ يَقُولَ: وَكَذَا مَا شَهِدُوا بِهِ لِيُعْلَمَ الدَّيْنُ وَالْعَيْنُ وَالنِّكَاحُ وَالْقَتْلُ وَغَيْرُهَا، وَلِيُسْتَغْنَى عَمَّا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ (وَ) أَنْ (يَبْعَثَ بِهِ) أَيْ بِمَا كَتَبَهُ (مُزَكِّيًا) هُوَ نَصْبٌ بِإِسْقَاطِ الْخَافِضِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، فَقَالَ إلَى مُزَكٍّ، وَفِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِلْقَاضِي مُزَكُّونَ وَأَصْحَابُ مَسَائِلَ، فَالْمُزَكُّونَ الرُّجُوعُ إلَيْهِمْ لِيُبَيِّنُوا حَالَ الشُّهُودِ، وَأَصْحَابُ الْمَسَائِلِ هُمْ الَّذِينَ يَبْعَثُهُمْ الْقَاضِي إلَى الْمُزَكِّينَ لِيَبْحَثُوا وَيَسْأَلُوا، وَرُبَّمَا فَسَّرَ أَصْحَابُ الْمَسَائِلِ فِي لَفْظِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه بِالْمُزَكِّينَ اهـ.

قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَيَكْتُبُ لِكُلِّ مُزَكٍّ كِتَابًا وَيَدْفَعُهُ إلَى صَاحِبِ مَسْأَلَةٍ وَيُخْفِي كُلَّ كِتَابٍ عَنْ غَيْرِ مَنْ دَفَعَهُ إلَيْهِ وَغَيْرِ مَنْ يَبْعَثُهُ احْتِيَاطًا لِئَلَّا يَسْعَى الْمَشْهُودُ لَهُ فِي التَّزْكِيَةِ وَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِ فِي الْجَرْحِ (ثُمَّ) إنْ عَادَ إلَيْهِ الرُّسُلُ بِجُرْحٍ مِنْ الْمُزَكِّينَ تَوَقَّفَ عَنْ الْحُكْمِ وَكَتَمَ الْجُرْحَ، وَقَالَ لِلْمُدَّعِي: زِدْنِي فِي الشُّهُودِ أَوْ عَادُوا إلَيْهِ بِتَعْدِيلٍ لَمْ يَحْكُمْ بِقَوْلِهِمْ بَلْ (يُشَافِهُهُ) أَيْ الْقَاضِي (الْمُزَكِّيَ) الْمَبْعُوثَ إلَيْهِ (بِمَا عِنْدَهُ) مِنْ حَالِ الشُّهُودِ مِنْ جُرْحٍ أَوْ تَعْدِيلٍ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَقَعُ بِشَهَادَتِهِ وَيُشِيرُ إلَى الْمُزَكِّي لِيَأْمَنَ بِذَلِكَ الْغَلَطَ مِنْ شَخْصٍ إلَى آخَرَ، وَلَا يَقْتَصِرُ الْمُزَكِّي عَلَى الْكِتَابَةِ لِلْقَاضِي مَعَ أَصْحَابِ الْمَسَائِلِ فِي الْأَصَحِّ (وَقِيلَ: تَكْفِي كِتَابَتُهُ) لَهُ مَعَهُمْ مِنْ غَيْرِ مُشَافَهَةٍ، وَهَذَا مَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَأَصْحَابُهُ وَعَلَيْهِ عَمَلُ الْقُضَاةِ الْآنَ مِنْ أَكْفَائِهِمْ بِرُؤْيَةِ سِجِلِّ الْعَدَالَةِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمُزَكِّي وَاحِدًا كَمَا يُشْعِرُ بِهِ كَلَامُهُ بَلْ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرُ.

تَنْبِيهٌ مَنْ نَصَبَ أَرْبَابَ الْمَسَائِلِ حَاكِمًا فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ كَفَى أَنْ يُنْهِيَ إلَى الْقَاضِي

ص: 304

وَشَرْطُهُ كَشَاهِدٍ مَعَ مَعْرِفَةِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، وَخُبْرَةِ بَاطِنِ مَنْ يَعْدِلُهُ لِصُحْبَةٍ أَوْ جِوَارٍ أَوْ مُعَامَلَةٍ، وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُ لَفْظِ شَهَادَتِهِ،

ــ

[مغني المحتاج]

وَحْدَهُ ذَلِكَ، فَلَا يُعْتَبَرُ الْعَدَدُ؛ لِأَنَّهُ حَاكِمٌ فَالْحُكْمُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِهِ، وَكَذَا لَوْ أَمَرَ الْقَاضِي صَاحِبَ الْمَسْأَلَةِ بِالْبَحْثِ فَبَحَثَ وَشَهِدَ بِمَا بَحَثَهُ لَكِنْ يُعْتَبَرُ الْعَدَدُ لِأَنَّهُ شَاهِدٌ. قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: وَإِذَا تَأَمَّلْتَ كَلَامَ الْأَصْحَابِ فَقَدْ تَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ خِلَافٌ مُحَقَّقٌ، بَلْ إنْ وَلِيَ صَاحِبُ الْمَسْأَلَةِ الْجَرْحَ وَالتَّعْدِيلَ فَحُكْمُ الْقَاضِي مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِهِ، فَلَا يُعْتَبَرُ الْعَدَدُ؛ لِأَنَّهُ حَاكِمٌ، وَإِنْ أَمَرَهُ بِالْبَحْثِ فَبَحَثَ وَوَقَفَ عَلَى حَالِ الشَّاهِدِ وَشَهِدَ بِهِ، فَالْحُكْمُ أَيْضًا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِهِ، لَكِنْ يُعْتَبَرُ الْعَدَدُ لِأَنَّهُ شَاهِدٌ، وَإِنْ أَمَرَهُ بِمُرَاجَعَةِ مُزِكِّينَ وَإِعْلَامِهِ مَا عِنْدَهُمَا فَهُوَ رَسُولٌ مَحْضٌ فَلْيَحْضُرَا وَيَشْهَدَا، وَكَذَا لَوْ شَهِدَا عَلَى شَهَادَتِهِمَا؛ لِأَنَّ شَاهِدَ الْفَرْعِ لَا يُقْبَلُ مَعَ حُضُورِ الْأَصْلِ. اهـ.

فَقَدْ رُفِعَ بِذَلِكَ الْخِلَافُ فِي أَنَّ الْحُكْمَ بِقَوْلِ الْمُزَكِّينَ أَوْ بِقَوْلِ هَؤُلَاءِ، وَاَلَّذِي نَقَلَهُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ بِقَوْلِ هَؤُلَاءِ وَهُوَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الْمُعْتَمَدُ، وَاعْتَذَرَ ابْنُ الصَّبَّاغِ عَنْ كَوْنِهِ شَهَادَةً عَلَى شَهَادَةٍ مَعَ حُضُورِ الْأَصْلِ لَا لِحَاجَةٍ؛ لِأَنَّ الْمُزَكِّينَ لَا يُكَلَّفُونَ الْحُضُورَ، وَيُعْتَبَرُ فِيمَنْ نَصَّبَ حَاكِمًا فِي الْجُرْحِ وَالتَّعْدِيلِ صِفَاتُ الْقُضَاةِ.

(وَشَرْطُهُ) أَيْ الْمُزَكِّي الَّذِي يَشْهَدُ بِالْعَدَالَةِ مَثَلًا (كَشَاهِدٍ) أَيْ كَشَرْطِهِ، وَقَضِيَّتُهُ عَدَمُ شَهَادَةِ الْأَبِ بِتَعْدِيلِ الِابْنِ وَعَكْسُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ (مَعَ مَعْرِفَةِ) أَسْبَابِ (الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ) لِئَلَّا يَجْرَحَ الْعَدْلَ وَيُزَكِّيَ الْفَاسِقَ (وَخُبْرَةِ بَاطِنِ مَنْ يَعْدِلُهُ لِصُحْبَةٍ أَوْ جِوَارٍ) بِكَسْرِ الْجِيمِ أَفْصَحُ مِنْ ضَمِّهَا (أَوْ مُعَامَلَةٍ) وَنَحْوِهَا، فَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ اثْنَيْنِ شَهِدَا عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُمَا إنِّي لَا أَعْرِفُكُمَا وَلَا يَضُرُّكُمَا أَنِّي لَا أَعْرِفُكُمَا، ائْتِيَا بِمَنْ يَعْرِفُكُمَا فَأَتَيَا بِرَجُلٍ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ كَيْفَ تَعْرِفُهُمَا؟ . قَالَ: بِالصَّلَاحِ وَالْأَمَانَةِ، قَالَ: هَلْ كُنْت جَارًا لَهُمَا تَعْرِفُ صَبَاحَهُمَا وَمَسَاءَهُمَا وَمَدْخَلَهُمَا وَمَخْرَجَهُمَا؟ . قَالَ: لَا، قَالَ: هَلْ عَامَلْتَهُمَا بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ الَّتِي يُعْرَفُ بِهِمَا أَمَانَاتُ الرِّجَالِ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: هَلْ صَاحِبْتَهُمَا فِي السَّفَرِ الَّذِي يُسْفِرُ عَنْ أَخْلَاقِ الرِّجَالِ؟ قَالَ: لَا. قَالَ فَأَنْتَ لَا تَعْرِفُهُمَا ائْتِيَا بِمَنْ يَعْرِفُكُمَا. وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ أَسْبَابَ الْفِسْقِ خَفِيَّةٌ غَالِبًا، فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الْمُزَكِّي حَالَ مَنْ يُزَكِّيهِ، وَيُشْتَرَطُ عِلْمُ الْقَاضِي بِأَنَّهُ خَبِيرٌ بِبَاطِنِ الْحَالِ إلَّا إذَا عَلِمَ مِنْ عَدَالَتِهِ أَنَّهُ لَا يُزَكِّي إلَّا بَعْدَ الْخُبْرَةِ فَيَعْتَمِدُهُ، وَلَا يَعْتَبِرُ فِي خُبْرَةِ الْبَاطِنِ التَّقَادُمُ فِي مَعْرِفَتِهَا، بَلْ يَكْتَفِي بِشِدَّةِ الْفَحْصِ وَلَوْ غَرِيبًا يَصِلُ الْمُزَكِّي بِفَحْصِهِ إلَى كَوْنِهِ خَبِيرًا بِبَاطِنِهِ فَحِينَ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ عَدَالَتُهُ بِاسْتِفَاضَةٍ شَهِدَ بِهَا.

وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: مَنْ يَعْدِلُهُ عَنْ الشَّاهِدِ بِالْجَرْحِ، فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْخُبْرَةُ الْبَاطِنَةُ فَإِنَّهُ لَا يَقْبَلُ إلَّا مُفَسِّرًا، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ اعْتِبَارِ شُرُوطِ الشَّاهِدِ مَحِلُّهُ فِي غَيْرِ الْمَنْصُوبِ، أَمَّا مَنْ نَصَّبَ حَاكِمًا فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ فَيَعْتَبِرُ فِيهِ صِفَاتِ الْقَاضِي كَمَا مَرَّ، وَقَوْلُهُ:" وَخُبْرَةِ " هُوَ مَجْرُورٌ بِالْعَطْفِ عَلَى قَوْلِهِ: مَعَ مَعْرِفَةِ، وَجَوَّزَ ابْنُ الْفِرْكَاحِ رَفْعَهُ بِالْعَطْفِ عَلَى خَبَرِ قَوْلِهِ: وَشَرْطُهُ خِبْرَةٌ (وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُ لَفْظِ شَهَادَتِهِ) مِنْ الْمُزَكِّي، فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ عَدْلٌ أَوْ غَيْرُ عَدْلٍ لِكَذَا كَسَائِرِ الشَّهَادَاتِ

ص: 305

وَأَنَّهُ يَكْفِي: هُوَ عَدْلٌ، وَقِيلَ يَزِيدُ عَلَيَّ وَلِي، وَيَجِبُ ذِكْرُ سَبَبِ الْجَرْحِ، وَيَعْتَمِدُ فِيهِ الْمُعَايَنَةَ أَوْ الِاسْتِفَاضَةَ، وَيُقَدَّمُ عَلَى التَّعْدِيلِ.

فَإِنْ قَالَ الْمُعَدِّلُ: عَرَفْتُ سَبَبَ الْجَرْحِ وَتَابَ مِنْهُ

ــ

[مغني المحتاج]

وَالثَّانِي لَا يُشْتَرَطُ لَفْظُهَا، بَلْ يَكْفِي أَعْلَمُ وَأَتَحَقَّقُ وَهُوَ شَاذٌّ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ يَكْفِي) مَعَ لَفْظِ الشَّهَادَةِ قَوْلُ الْمُزَكِّي (هُوَ عَدْلٌ) لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الْعَدَالَةَ الَّتِي اقْتَضَاهَا ظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى:{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وَهَذَا مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي حَرْمَلَةَ (وَقِيلَ) وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ (يَزِيدُ) عَلَى ذَلِكَ، قَوْلُهُ (عَلَيَّ وَلِي) لِأَنَّ قَوْلَهُ: هُوَ عَدْلٌ لَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا فِي شَيْءٍ دُونَ شَيْءٍ فَهَذِهِ الزِّيَادَةُ تُزِيلُ الِاحْتِمَالَ وَعَلَى الْأَوَّلِ تَأْكِيدٌ، وَلَوْ شَهِدَ عِنْدَ الْقَاضِي جَمَاعَةٌ وَأَشْكَلَ عَلَيْهِ عَدَالَتُهُمْ، فَأَخْبَرَ نَائِبَ الْقَاضِي أَنَّ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ عَدْلَانِ، فَإِنْ عَيَّنَهُمَا حَكَمَ وَإِلَّا فَلَا (وَيَجِبُ ذِكْرُ سَبَبِ الْجَرْحِ) صَرِيحًا كَقَوْلِهِ: هُوَ زَانٍ أَوْ قَاذِفٌ أَوْ سَارِقٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، أَوْ يَقُولُ مَا يَعْتَقِدُهُ مِنْ الْبِدْعَةِ الْمُنْكَرَةِ؛ لِأَنَّ أَسْبَابَ الْجَرْحِ مُخْتَلَفٌ فِيهَا؛ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيَانِ لِيَفْعَلَ الْقَاضِي بِاجْتِهَادِهِ، وَيَكْفِي ذِكْرُ بَعْضِ أَسْبَابٍ، وَقِيلَ: إنْ كَانَ الْجَارِحُ عَالِمًا بِالْأَسْبَابِ اكْتَفَى بِإِطْلَاقِهِ وَإِلَّا فَلَا.

تَنْبِيهٌ مَحِلُّ الْخِلَافِ فِي غَيْرِ الْمَنْصُوبِ لِلْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ. أَمَّا هُوَ فَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ سُؤَالُهُ عَنْ السَّبَبِ كَمَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ الْمَطْلَبِ عَنْ ابْنِ الصَّبَّاغِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَحْتَجْ فِي التَّعْدِيلِ إلَى بَيَانِ سَبَبِ الْعَدَالَةِ؛ لِأَنَّ أَسْبَابَهَا كَثِيرَةٌ غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ وَلَا يَجْعَلُ الْجَارِحَ بِذِكْرِ الزِّنَا قَاذِفًا، وَإِنْ انْفَرَدَ؛ لِأَنَّهُ مَسْئُولٌ فَهُوَ فِي حَقِّهِ فَرْضُ كِفَايَةٍ أَوْ عَيْنٍ، بِخِلَافِ شُهُودِ الزِّنَا إذَا نَقَصُوا عَنْ الْأَرْبَعَةِ، فَإِنَّهُمْ قَذَفَةٌ؛ لِأَنَّهُمْ مَنْدُوبُونَ إلَى السَّتْرِ فَهُمْ مُقَصِّرُونَ، وَلَوْ قَالَ الشَّاهِدُ: أَنَا مَجْرُوحٌ قَبْلُ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ السَّبَبَ كَمَا قَالَهُ الْهَرَوِيُّ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْجَرْحُ وَالتَّعْدِيلُ عِنْدَ الْقَاضِي أَوْ مَنْ يُعَيِّنُهُ الْقَاضِي لِذَلِكَ (وَيَعْتَمِدُ) الْجَارِحُ (فِيهِ) أَيْ الْجَرْحِ (الْمُعَايَنَةَ) كَأَنْ رَآهُ يَزْنِي أَوْ السَّمَاعَ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ كَمَا إذَا سَمِعَهُ يَقْذِفُ إنْسَانًا أَوْ يُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ بِذَلِكَ (أَوْ الِاسْتِفَاضَةَ) عَنْهُ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا يَجْرَحُهُ أَوْ التَّوَاتُرُ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى، وَكَذَا شَهَادَةُ عَدْلَيْنِ مَثَلًا بِشَرْطِهِ لِحُصُولِ الْعِلْمِ أَوْ الظَّنِّ بِذَلِكَ، وَفِي اشْتِرَاطِ ذِكْرِ مَا يَعْتَمِدُهُ مِنْ مُعَايَنَةٍ وَنَحْوِهَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا وَهُوَ الْأَظْهَرُ: نَعَمْ، فَعَلَى هَذَا لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ: رَأَيْتُهُ يَزْنِي أَوْ سَمِعْتُهُ يَقْذِفُ أَوْ نَحْوُ ذَاكَ، وَثَانِيهِمَا وَهُوَ الْأَقْيَسُ: لَا، ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَيُحْكَى هَذَا عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَهُوَ الظَّاهِرُ فِي سَائِرِ الشَّهَادَاتِ.

تَنْبِيهٌ إذَا لَمْ يَقْبَلْ الْجَرْحَ يُفِيدُ التَّوَقُّفُ عَنْ الِاحْتِجَاجِ بِالْمَجْرُوحِ إلَى أَنْ يَبْحَثَ عَنْ ذَلِكَ الْجَرْحِ، ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَالْمُصَنِّفُ فِي الرِّوَايَةِ. قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الرِّوَايَةِ وَالشَّهَادَةِ فِيمَا يَظْهَرُ (وَيُقَدَّمُ) الْجَرْحُ أَيْ بَيِّنَتُهُ (عَلَى) بَيِّنَةِ (التَّعْدِيلِ) سَوَاءٌ أَكَانَتْ بَيِّنَةُ الْجَارِحِ أَكْثَرَ أَمْ لَا لِزِيَادَةِ عِلْمِهَا، فَإِنَّ بَيِّنَةَ التَّعْدِيلِ ثَبَتَ أَمْرُهَا عَلَى مَا ظَهَرَ مِنْ الْأَسْبَابِ الدَّالَّةِ عَلَى الْعَدَالَةِ وَخَفِيَ عَلَيْهَا مَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ بَيِّنَةُ الْجَارِحِ مِنْ السَّبَبِ الَّتِي جَرَحَتْهُ بِهِ كَمَا لَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِالْحَقِّ وَبَيِّنَةٌ بِالْإِبْرَاءِ.

(فَإِنْ قَالَ الْمُعَدِّلُ) بِكَسْرِ الدَّالِ بِخَطِّهِ (عَرَفْتُ سَبَبَ الْجَرْحِ وَتَابَ مِنْهُ

ص: 306

وَأَصْلَحَ قُدِّمَ.

وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَكْفِي فِي التَّعْدِيلِ قَوْلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: هُوَ عَدْلٌ، وَقَدْ غَلِطَ.

ــ

[مغني المحتاج]

وَأَصْلَحَ قُدِّمَ) قَوْلُهُ عَلَى قَوْلِ الْجَارِحِ لِأَنَّ مَعَهُ حِينَئِذٍ زِيَادَةَ عِلْمٍ بِجَرَيَانِ التَّوْبَةِ وَصَلَاحِ الْحَالِ بَعْدَ وُجُودِ السَّبَبِ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الْجَارِحُ.

تَنْبِيهٌ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ إحْدَى مَسْأَلَتَيْنِ تُقَدَّمُ فِيهِمَا بَيِّنَةُ التَّعْدِيلِ عَلَى الْجَرْحِ، وَالثَّانِيَةُ: لَوْ جُرِحَ بِبَلَدٍ ثُمَّ انْتَقَلَ لِآخَرَ فَعَدَّلَهُ اثْنَانِ قُدِّمَ التَّعْدِيلُ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الذَّخَائِرِ: وَلَا يُشْتَرَطُ اخْتِلَافُ الْبَلَدَيْنِ، بَلْ لَوْ كَانَا فِي بَلَدٍ وَاخْتَلَفَ الزَّمَانُ فَكَذَلِكَ اهـ.

وَحَاصِلُ الْأَمْرِ تَقْدِيمُ الْبَيِّنَةِ الَّتِي مَعَهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ مَنْ جَرْحٍ أَوْ تَعْدِيلٍ.

وَلَوْ عُدِّلَ الشَّاهِدُ فِي وَاقِعَةٍ ثُمَّ شَهِدَ فِي أُخْرَى وَطَالَ بَيْنَهُمَا زَمَنٌ اسْتَبْعَدَهُ الْقَاضِي بِاجْتِهَادِهِ طَلَبَ تَعْدِيلَهُ ثَانِيًا؛ لِأَنَّ طُولَ الزَّمَنِ يُغَيِّرُ الْأَحْوَالَ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَطُلْ، وَلَوْ عُدِّلَ فِي مَالٍ قَلِيلٍ هَلْ يَعْمَلُ بِذَلِكَ التَّعْدِيلِ الْمَذْكُورِ فِي شَهَادَتِهِ بِالْمَالِ الْكَثِيرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعَدَالَةَ لَا تَتَجَزَّأُ أَوَّلًا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا تَتَجَزَّأُ؟ ، وَجْهَانِ. قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ: الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ، فَمَنْ قُبِلَ فِي دِرْهَمٍ قُبِلَ فِي الْأَلْفِ، نَقَلَهُ عَنْهُ الْأَذْرَعِيُّ وَأَقَرَّهُ.

وَلَوْ عُدِّلَ الشَّاهِدُ عِنْدَ الْقَاضِي فِي غَيْرِ مَحِلِّ وِلَايَتِهِ لَمْ يُعْمَلْ بِشَهَادَتِهِ إذَا عَادَ إلَى مَحِلِّ وِلَايَتِهِ، إذْ لَيْسَ هَذَا قَضَاءٌ بِعِلْمٍ، بَلْ بِبَيِّنَةٍ فَهُوَ كَمَا لَوْ سَمِعَ الْبَيِّنَةَ خَارِجَ وِلَايَتِهِ.

(وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَكْفِي فِي التَّعْدِيلِ)(قَوْلُ) الْخَصْمِ (الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) وَهُوَ عَارِفٌ بِالتَّعْدِيلِ أَهْلٌ لِلْإِقْرَارِ بِالْحَقِّ الْمُدَّعَى بِهِ (هُوَ) أَيْ الشَّاهِدُ (عَدْلٌ وَقَدْ غَلِطَ) عَلَيَّ فِي شَهَادَتِهِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْبَحْثِ وَالتَّعْدِيلِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِزْكَاءَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى؛ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِشَهَادَةِ فَاسِقٍ وَإِنْ رَضِيَ الْخَصْمُ.

تَنْبِيهٌ كَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّ مُقَابِلَ الْأَصَحِّ الِاكْتِفَاءُ بِذَلِكَ فِي التَّعْدِيلِ وَلَا قَائِلَ بِهِ، وَإِنَّمَا مُقَابِلُهُ الِاكْتِفَاءُ بِهِ فِي الْحُكْمِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ وَقَدْ اعْتَرَفَ بِعَدَالَتِهِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَقَوْلُهُ وَقَدْ غَلِطَ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، بَلْ اعْتِرَافُهُ بِعَدَالَتِهِ يَقْتَضِي جَرَيَانَ الْوَجْهَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ غَلِطَ.

خَاتِمَةٌ: تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ كَمَا سَيَأْتِي؛ لِأَنَّ الْبَحْثَ عَنْ حَالِ الشُّهُودِ وَمَنْعَ الْحُكْمِ بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى. وَيُسَنُّ لِلْقَاضِي قَبْلَ التَّزْكِيَةِ أَنْ يُفَرِّقَ شُهُودًا أَرْبَابَ تُهَمٍ أَوْ تَوَهَّمَ غَلَطَهُمْ لِخِفَّةِ عَقْلٍ وَجَدَهَا فِيهِمْ وَيَسْأَلُ كُلًّا مِنْهُمْ عَنْ زَمَانِ مَحِلِّ الشَّهَادَةِ عَامًا وَشَهْرًا وَيَوْمًا أَوْ غَدْوَةً أَوْ عَشِيَّةً، وَعَمَّنْ كَتَبَ شَهَادَتَهُ مَعَهُ، وَأَنَّهُ كُتِبَ بِحِبْرٍ أَوْ مِدَادٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِيُسْتَدَلَّ عَلَى صِدْقِهِمْ إنْ اتَّفَقَتْ كَلِمَتُهُمْ وَإِلَّا فَيَقِفُ عَنْ الْحُكْمِ، وَإِذَا أَجَابَهُ أَحَدُهُمْ لَمْ يَدَعْهُ يَرْجِعُ إلَى الْبَاقِينَ حَتَّى يَسْأَلَهُمْ لِئَلَّا يُخْبِرَهُمْ بِجَوَابِهِ، فَإِنْ امْتَنَعُوا مِنْ التَّفْصِيلِ وَرَأَى أَنْ يَعِظَهُمْ وَيُحَذِّرَهُمْ عُقُوبَةَ شَهَادَةِ الزُّورِ وَعَظَهُمْ وَحَذَّرَهُمْ، فَإِنْ أَصَرُّوا عَلَى شَهَادَتِهِمْ وَلَمْ يَفْصِلُوا وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ إذَا وُجِدَتْ شُرُوطُهُ، وَلَا عِبْرَةَ بِمَا يَبْقَى مِنْ رِيبَةٍ، وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ التَّزْكِيَةِ لَا بَعْدَهَا؛ لِأَنَّهُ إنْ اطَّلَعَ عَلَى عَوْرَةٍ اسْتَغْنَى عَنْ الِاسْتِزْكَاءِ وَالْبَحْثِ عَنْ حَالِهِمْ وَإِنْ لَمْ

ص: 307