الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب التدبير
صَرِيحُهُ أَنْتَ حُرُّ بَعَدَ مَوْتِي، أَوْ إذَا مِتُّ أَوْ مَتَى مِتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ، أَوْ أَعْتَقْتُكَ بَعْدَ مَوْتِي وَكَذَا دَبَّرْتُكَ وَكَذَا دَبَّرْتُكَ أَوْ أَنْتَ مُدَبَّرٌ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَيَصِحُّ بِكِنَايَةِ عِتْقٍ مَعَ نِيَّةٍ كَخَلَّيْتُ سَبِيلَكَ بَعْدَ مَوْتِي.
ــ
[مغني المحتاج]
[كِتَابُ التَّدْبِيرِ]
ِ هُوَ لُغَةً: النَّظَرُ فِي عَوَاقِبِ الْأُمُورِ وَشَرْعًا: تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِالْمَوْتِ الَّذِي هُوَ دُبُرُ الْحَيَاةِ فَهُوَ تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِصِفَةٍ لَا وَصِيَّةٍ، وَلِهَذَا لَا يَفْتَقِرُ إلَى إعْتَاقٍ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَفْظُهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الدُّبُرِ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ دُبُرُ الْحَيَاةِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ تَدْبِيرَهُ إلَى غَيْرِهِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ دَبَّرَ أَمْرَ حَيَاتِهِ بِاسْتِخْدَامِهِ وَأَمْرَ آخِرَتِهِ بِعِتْقِهِ، وَكَانَ مَعْرُوفًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَقَرَّهُ الشَّرْعُ، وَقِيلَ: إنَّهُ مُبْتَدَأٌ فِي الْإِسْلَامِ، وَلَا يُسْتَعْمَلُ التَّدْبِيرُ فِي غَيْرِ الْعِتْقِ مِنْ الْوَصَايَا وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ رَجُلًا دَبَّرَ غُلَامًا لَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُ فَبَاعَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم» فَتَقْرِيرُهُ صلى الله عليه وسلم لَهُ وَعَدَمُ إنْكَارِهِ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ، وَاسْمُ الْغُلَامِ يَعْقُوبُ، وَمُدَبِّرُهُ مَذْكُورٌ الْأَنْصَارِيُّ، وَفِي سُنَنِ الدَّارَقُطْنِيّ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَاعَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ» وَنَسَبَهُ إلَى الْخَطَإِ.
وَأَرْكَانُهُ ثَلَاثَةٌ: صِيغَةٌ وَمَالِكٌ، وَمَحِلٌّ، وَيُشْتَرَطُ فِي الرُّكْنِ الْأَوَّلِ لَفْظٌ يُشْعِرُ بِهِ، وَهُوَ إمَّا صَرِيحٌ وَإِمَّا كِنَايَةٌ، وَقَدْ بَدَأَ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا فَقَالَ (صَرِيحُهُ) الَّذِي يَنْعَقِدُ بِهِ وَهُوَ مَا لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ التَّدْبِيرِ أَلْفَاظٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا قَوْلُهُ (أَنْتَ حُرٌّ) أَوْ حَرَّرْتُكَ (بَعْدَ مَوْتِي، أَوْ إذَا مِتُّ أَوْ مَتَى مِتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ) أَوْ عَتِيقٌ (أَوْ أَعْتَقْتُكَ بَعْدَ مَوْتِي) وَنَحْوُ ذَلِكَ كَأَنْتَ مَفْكُوكُ الرَّقَبَةِ بَعْدَ مَوْتِي؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ لَا تَحْتَمِلُ غَيْرَهُ وَهُوَ شَأْنُ الصَّرِيحِ (وَكَذَا دَبَّرْتُكَ أَوْ أَنْتَ مُدَبَّرٌ عَلَى الْمَذْهَبِ) الْمَنْصُوصِ لِاشْتِهَارِهِ فِي مَعْنَاهُ، وَفِي قَوْلٍ مُخَرَّجٍ مِنْ طَرِيقٍ ثَانٍ مُخَرَّجٍ مِنْ الْكِنَايَةِ وَهُوَ كِنَايَةٌ لِخُلُوِّهِ عَنْ لَفْظِ الْعَتِيقِ وَالْحُرِّيَّةِ.
تَنْبِيهٌ: كَلَامُهُ يُوهِمُ الْحَصْرَ فِيمَا ذَكَرَهُ، وَلَيْسَ مُرَادًا كَمَا عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْتُهُ، وَلَوْ قَالَ مِثْلَ كَذَا كَانَ أَوْلَى. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي فَقَالَ:(وَيَصِحُّ بِكِنَايَةٍ عِتْقٌ مَعَ نِيَّةٍ ك خَلَّيْتُ سَبِيلَكَ بَعْدَ مَوْتِي) نَاوِيًا الْعِتْقَ؛ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الْعِتْقِ فَدَخَلَتْهُ كِنَايَتُهُ، وَمِثْلُ ذَلِكَ إذَا مِتُّ فَأَنْتَ حَرَامٌ أَوْ مُسَيَّبٌ أَوْ مَالِكٌ نَفْسَكَ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُحْتَمِلَةِ، وَيَصِحُّ أَيْضًا بِلَفْظِ التَّحْبِيسِ الَّذِي هُوَ مِنْ صَرَائِحِ الْوَقْفِ كَمَا نَقَلَاهُ فِي أَثْنَاءِ الْبَابِ عَنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ.
تَنْبِيهٌ: لَوْ دَبَّرَ بَعْضَهُ نُظِرَ إنْ كَانَ مُبْهَمًا كَرُبُعِهِ صَحَّ فَإِذَا مَاتَ عَتَقَ ذَلِكَ الْجُزْءُ وَلَا يَسْرِي
وَيَجُوزُ مُقَيَّدًا كَإِنْ مِتُّ فِي ذَا الشَّهْرِ أَوْ الْمَرَضِ فَأَنْتَ حُرٌّ، وَمُعَلَّقًا كَإِنْ دَخَلْتُ فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتَى، فَإِنْ وُجِدَتْ الصِّفَةُ وَمَاتَ عَتَقَ وَإِلَّا فَلَا، وَيُشْتَرَطُ الدُّخُولُ قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ، فَإِنْ قَالَ إنْ مِتُّ ثُمَّ دَخَلْتَ فَأَنْتَ حُرٌّ اُشْتُرِطَ دُخُولٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَهُوَ عَلَى التَّرَاخِي
ــ
[مغني المحتاج]
كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ كَانَ الْجُزْءُ مُعَيَّنًا كَيَدِهِ لَغَا فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ اقْتَضَى كَلَامُ الرَّافِعِيِّ تَرْجِيحَهُ وَاسْتَظْهَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ.
وَقَوْلُهُ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي أَوْ لَسْت بِحُرٍّ لَا يَصِحُّ كَمِثْلِهِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ، وَهَذَا كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: فِيمَا إذَا أَطْلَقَ أَوْ جُهِلَتْ إرَادَتُهُ. فَإِنْ قَالَهُ فِي مَعْرِضِ الْإِنْشَاءِ عَتَقَ، أَوْ عَلَى سَبِيلِ الْإِقْرَارِ فَلَا قِيَاسًا عَلَى مَا قَالُوهُ فِي الْإِقْرَارِ.
(وَيَجُوزُ) التَّدْبِيرُ مُطْلَقًا كَمَا سَبَقَ وَ (مُقَيَّدًا) بِشَرْطٍ فِي الْمَوْتِ بِمُدَّةٍ يُمْكِنُ بَقَاءُ السَّيِّدِ إلَيْهَا (كَإِنْ) أَوْ مَتَى (مِتُّ فِي ذَا الشَّهْرِ أَوْ) فِي ذَا (الْمَرَضِ فَأَنْتَ حُرٌّ) قِيَاسًا عَلَى الْمُطْلَقِ، فَإِنْ مَاتَ عَلَى الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ عَتَقَ وَإِلَّا فَلَا. أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ بَقَاؤُهُ إلَى تِلْكَ الْمُدَّةِ، كَإِنْ مِتُّ بَعْدَ أَلْفِ سَنَةٍ فَأَنْتَ حُرٌّ لَا يَكُونُ تَدْبِيرًا عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ فِي الْبَحْرِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُ لَا يَبْقَى إلَى هَذِهِ الْمُدَّةِ (وَ) يَجُوزُ التَّدْبِيرُ أَيْضًا (مُعَلَّقًا) عَلَى شَرْطٍ فِي الْحَيَاةِ (كَإِنْ) أَوْ إذَا أَوْ مَتَى (دَخَلْتُ) الدَّارَ (فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتَى) ؛ لِأَنَّهُ دَائِرٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ وَصِيَّةً أَوْ تَعْلِيقَ عِتْقٍ بِصِفَةٍ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ (فَإِنْ وُجِدَتْ الصِّفَةُ وَمَاتَ عَتَقَ وَإِلَّا فَلَا) لِعَدَمِ وُجُودِ الصِّفَةِ، وَلَا يَصِيرُ مُدَبَّرًا حَتَّى يَدْخُلَ.
تَنْبِيهٌ: أَشْعَرَ كَلَامُهُ بِأَنَّ التَّدْبِيرَ الْمُعَلَّقَ قَسِيمُ الْمُقَيَّدِ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ قَسِيمُهُ مَا قَبْلَهُ، وَهُوَ الْمُطْلَقُ (وَيُشْتَرَطُ) فِي حُصُولِ الْعِتْقِ (الدُّخُولُ قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ) كَسَائِرِ الصِّفَاتِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهَا، فَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا تَدْبِيرَ وَيَلْغُو التَّعْلِيقُ (فَإِنْ قَالَ) : إذَا دَخَلْت الدَّارَ بَعْدَ مَوْتِي، أَوْ (إنْ مِتُّ ثُمَّ دَخَلْتَ) الدَّارَ (فَأَنْتَ حُرٌّ اُشْتُرِطَ) فِي حُصُولِ الْعِتْقِ (دُخُولٌ بَعْدَ الْمَوْتِ) عَمَلًا بِمُقْتَضَى اللَّفْظِ مِنْ التَّرْتِيبِ فِي ذَلِكَ.
تَنْبِيهٌ: هَذَا تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِصِفَةٍ لَا تَدْبِيرٌ كَسَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ، فَلَا يَرْجِعُ فِيهِ بِالْقَوْلِ قَطْعًا؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِمَوْتِهِ وَحْدَهُ، وَهَهُنَا عَلَّقَهُ بِمَوْتِهِ وَدُخُولِ الدَّارِ بَعْدَهُ، وَقَضِيَّةُ تَعْبِيرِهِ بِثُمَّ أَنَّهُ لَوْ أَتَى بِالْوَاوِ لَمْ يَشْتَرِطْ فِيهِ تَرْتِيبَ الدُّخُولِ، لَكِنْ نَقْلًا عَنْ الْبَغَوِيِّ الِاشْتِرَاطُ أَيْضًا. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَنُقِلَ عَنْهُ أَيْضًا قُبَيْلَ الْخُلْعِ مَا يُوَافِقُهُ وَخَالَفَ فِي الطَّلَاقِ، فَجَزَمَ فِيمَا لَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَكَلَّمْت زَيْدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ تَقْدِيمِ الْأَوَّلِ وَتَأَخُّرِهِ. ثُمَّ قَالَ: وَأَشَارَ فِي التَّتِمَّةِ إلَى وَجْهٍ فِي اشْتِرَاطِ تَقَدُّمِ الْأَوَّلِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَاوَ تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الصَّوَابُ عَدَمُ الِاشْتِرَاطِ هُنَا كَمَا هُنَاكَ، وَإِلَّا فَمَا الْفَرْقُ؟ اهـ.
وَهَذَا ظَاهِرٌ (وَهُوَ) أَيْ الدُّخُولُ بَعْدَ الْمَوْتِ (عَلَى التَّرَاخِي) لِاقْتِضَاءِ ثَمَّ ذَلِكَ.
تَنْبِيهٌ: مُقْتَضَى ذَلِكَ تَرْكُ الْعَبْدِ عَلَى اخْتِيَارِهِ حَتَّى يَدْخُلَ وَفِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْوَارِثِ.
وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ مَحِلَّهُ قَبْلَ عَرْضِ الدُّخُولِ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَرَضَهُ عَلَيْهِ فَأَبَى لِلْوَارِثِ بَيْعُهُ
وَلَيْسَ لِلْوَارِثِ بَيْعُهُ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَلَوْ قَالَ إذَا مِتُّ وَمَضَى شَهْرٌ فَأَنْتَ حُرٌّ فَلِلْوَارِثِ اسْتِخْدَامُهُ فِي الشَّهْرِ لَا بَيْعُهُ.
وَلَوْ قَالَ إنْ شِئْت فَأَنْتَ مُدَبَّرٌ أَوْ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي إنْ شِئْتَ اُشْتُرِطَتْ الْمَشِيئَةُ مُتَّصِلَةً، وَإِنْ قَالَ: مَتَى شِئْتَ فَلِلتَّرَاخِي.
وَلَوْ قَالَا لِعَبْدِهِمَا: إذَا مُتْنَا فَأَنْتَ حُرٌّ لَمْ يَعْتِقْ حَتَّى يَمُوتَا، فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَلَيْسَ لِوَارِثِهِ بَيْعُ نَصِيبِهِ.
ــ
[مغني المحتاج]
كَنَظِيرِهِ فِي الْمَشِيئَةِ الْآتِيَةِ (وَلَيْسَ لِلْوَارِثِ بَيْعُهُ) وَكَذَا كُلُّ تَصَرُّفٍ يُزِيلُ الْمِلْكَ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَ (قَبْلَ الدُّخُولِ) إذْ لَيْسَ لَهُ إبْطَالُ تَعْلِيقِ الْمَيِّتِ، وَإِنْ كَانَ لِلْمَيِّتِ أَنْ يُبْطِلَهُ كَمَا لَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِشَيْءٍ، ثُمَّ مَاتَ لَيْسَ لِلْوَارِثِ أَنْ يُبْطِلَهُ، وَإِنْ كَانَ لِلْمُوصِي إبْطَالُهُ، وَلَيْسَ لِلْوَارِثِ مَنْعُهُ مِنْ الدُّخُولِ وَلَهُ كَسْبُهُ قَبْلَهُ (وَلَوْ قَالَ) أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِشَهْرٍ مَثَلًا، أَوْ (إذَا مِتُّ وَمَضَى شَهْرٌ) بَعْدَ مَوْتِي (فَأَنْتَ حُرٌّ فَلِلْوَارِثِ) كَسْبُهُ، وَ (اسْتِخْدَامُهُ) وَإِجَارَتُهُ وَإِعَارَتُهُ (فِي الشَّهْرِ) لِبَقَائِهِ عَلَى مِلْكِهِ (لَا بَيْعُهُ) لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إبْطَالُ تَعْلِيقِ الْمُوَرِّثِ، وَهَذَا أَيْضًا تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِصِفَةٍ لَا تَدْبِيرٌ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا مَرَّ، وَهَكَذَا كُلُّ تَعْلِيقٍ بِصِفَةٍ بَعْدَ الْمَوْتِ كَقَوْلِهِ: إذَا شِئْتَ الْحُرِّيَّةَ بَعْدَ مَوْتِي أَوْ شَاءَ فُلَانٌ، ثُمَّ دَخَلْتَ الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ.
(وَلَوْ)(قَالَ) لِعَبْدِهِ (إنْ شِئْت فَأَنْتَ مُدَبَّرٌ، أَوْ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي إنْ شِئْتَ)(اُشْتُرِطَتْ الْمَشِيئَةُ) لِصِحَّةِ التَّدْبِيرِ وَالتَّعْلِيقِ فِي الصُّورَتَيْنِ، حَالَ كَوْنِهَا (مُتَّصِلَةً) اتِّصَالًا لَفْظِيًّا، بِأَنْ يُوجَدَ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى عَقِبَ اللَّفْظِ، وَفِي الثَّانِيَةِ عَقِبَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ يَقْتَضِي جَوَابًا فِي الْحَالِ كَالْبَيْعِ، وَلِأَنَّهُ كَالتَّمْلِيكِ وَالتَّمْلِيكُ يَفْتَقِرُ إلَى الْقَبُولِ فِي الْحَالِ (وَإِنْ) (قَالَ: مَتَى) أَوْ مَتَى مَا أَوْ مَهْمَا (شِئْتَ) بَدَلَ إنْ شِئْتَ (فَلِلتَّرَاخِي) ؛ لِأَنَّ مَتَى مَوْضُوعَةٌ لِلزَّمَانِ فَاسْتَوَى فِيهَا جَمِيعُ الْأَزْمَانِ، وَيُشْتَرَطُ فِي الْحَالِ الْمَشِيئَةُ قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ كَسَائِرِ الصِّفَاتِ الْمُعَلَّقِ بِهَا إلَّا إذَا صَرَّحَ بِالْمَشِيئَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ أَوْ نَوَاهَا فَيُشْتَرَطُ بَعْدَهُ، وَفِي اشْتِرَاطِ الْفَوْرِ حِينَئِذٍ تَفْصِيلٌ، وَهُوَ إذَا قَالَ: فَإِذَا مِتُّ فَشِئْت فَأَنْتَ حُرٌّ اُشْتُرِطَ فَوْرُ الْمَشِيئَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ فِي الْأَصَحِّ، كَذَا سَائِرُ التَّعْلِيقَاتِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الْفَاءِ، فَإِنْ قَالَ فَإِذَا مِتُّ فَمَتَى شِئْتَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَلَا يُشْتَرَطُ قَطْعًا، وَقَوْلُهُ: إذَا مِتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ إنْ شِئْتَ أَوْ إذَا شِئْت أَوْ أَنْتَ حُرٌّ إذَا مِتُّ إنْ شِئْت أَوْ إذَا شِئْت، أَوْ أَنْتَ حُرٌّ إذَا مِتُّ إنْ شِئْتَ أَوْ إذَا شِئْت يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْمَشِيئَةَ فِي الْحَيَاةِ وَبَعْدَ الْمَوْتِ فَيَعْمَلُ بِنِيَّتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ حُمِلَ عَلَى الْمَشِيئَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَكَذَا سَائِرُ التَّعْلِيقَاتِ الَّتِي تَوَسَّطَ فِيهَا الْجَزَاءُ بَيْنَ الشَّرْطَيْنِ، كَقَوْلِهِ لِزَوْجَتِهِ: إنْ أَوْ إذَا دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِنِيَّتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا حُمِلَ تَأْخِيرُ الشَّرْطِ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ، وَتُشْتَرَطُ الْمَشِيئَةُ هُنَا فَوْرًا بَعْدَ الْمَوْتِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ، وَمَتَى لَمْ يَعْتَبِرْ الْفَوْرَ فِي الْمَشِيئَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ عُرِضَتْ عَلَيْهِ، فَإِنْ امْتَنَعَ فَلِلْوَارِثِ بَيْعُهُ كَمَا مَرَّ.
وَشَرْطُ التَّدْبِيرِ أَنْ يَكُونَ التَّعْلِيقُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ (وَ) حِينَئِذٍ (لَوْ)(قَالَا) أَيْ الشَّرِيكَانِ (لِعَبْدِهِمَا إذَا مُتْنَا فَأَنْتَ حُرٌّ)(لَمْ يَعْتِقْ حَتَّى يَمُوتَا) مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا (فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَلَيْسَ لِوَارِثِهِ بَيْعُ نَصِيبِهِ) وَلَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِمَا يُزِيلُ الْمِلْكَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَحَقَّ الْعِتْقِ بِمَوْتِ الشَّرِيكِ وَلَهُ
وَلَا يَصِحُّ تَدْبِيرُ مَجْنُونٍ وَصَبِيٍّ لَا يُمَيِّزُ، وَكَذَا مُمَيِّزٌ فِي الْأَظْهَرِ، وَيَصِحُّ مِنْ سَفِيهٍ وَكَافِرٍ أَصْلِيٍّ، وَتَدْبِيرُ الْمُرْتَدِّ يُبْنَى عَلَى أَقْوَالِ مِلْكِهِ، وَلَوْ دَبَّرَ ثُمَّ ارْتَدَّ لَمْ يَبْطُلْ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلَوْ ارْتَدَّ الْمُدَبَّرُ لَمْ يَبْطُلْ، وَلِحَرْبِيٍّ حَمْلُ مُدَبَّرِهِ إلَى دَارِهِمْ.
وَلَوْ
ــ
[مغني المحتاج]
التَّصَرُّفُ فِيهِ بِمَا لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَحَقَّ الْعِتْقِ كَاسْتِخْدَامٍ أَوْ إجَارَةٍ، وَفِي كَسْبِهِ بَيْنَ مَوْتِ الشَّرِيكَيْنِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ لِلْوَارِثِ خَاصَّةً، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدٍ فَاكْتَسَبَ مَالًا بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْإِعْتَاقِ، فَإِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لِلْعَبْدِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعِتْقَ مُسْتَحَقٌّ حَالَةَ الِاكْتِسَابِ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ بِخِلَافِهِ هُنَا، ثُمَّ عِتْقُهُ بِمَوْتِهِمَا مَعًا تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِصِفَةٍ لَا عِتْقٌ بِتَدْبِيرٍ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَهُ يُعَلِّقُهُ بِمَوْتِهِ، بَلْ بِمَوْتِهِ وَمَوْتِ غَيْرِهِ، وَفِي مَوْتِهِمَا مُرَتَّبًا يَصِيرُ نَصِيبُ الْمُتَأَخِّرِ مَوْتًا مُدَبَّرًا دُونَ نَصِيبِ الْمُتَقَدِّمِ.
وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ التَّدْبِيرِ بُلُوغٌ وَعَقْلٌ (وَ) حِينَئِذٍ (لَا يَصِحُّ تَدْبِيرُ مَجْنُونٍ) أَطْبَقَ جُنُونُهُ (وَ) لَا تَدْبِيرُ (صَبِيٍّ لَا يُمَيِّزُ) لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِمَا لِلتَّبَرُّعِ. أَمَّا إذَا تَقَطَّعَ جُنُونُهُ وَدَبَّرَ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ يَصِحُّ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ إنْ جُنِنْتَ فَجُنَّ هَلْ يَعْتِقُ؟ . قَالَ صَاحِبُ الْإِفْصَاحِ: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: نَعَمْ؛ لِأَنَّ الْإِيقَاعَ حَصَلَ فِي الصِّحَّةِ، وَالثَّانِي: الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ الْمُضَافَ لِلْجُنُونِ كَالْمُبْتَدَأِ فِيهِ اهـ.
وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ (وَكَذَا مُمَيِّزٍ) لَا يَصِحُّ تَدْبِيرُهُ (فِي الْأَظْهَرِ) كَإِعْتَاقِهِ، وَالثَّانِي: يَصِحُّ إذْ لَا تَضْيِيعَ فِيهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ التَّدْبِيرِ إطْلَاقُ التَّصَرُّفِ (وَ) حِينَئِذٍ (يَصِحُّ مِنْ سَفِيهٍ) وَلَوْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ لِصِحَّةِ عِبَارَتِهِ وَلِوَلِيِّهِ الرُّجُوعُ فِي تَدْبِيرِهِ بِالْبَيْعِ لِلْمَصْلَحَةِ، وَمِنْ مُفْلِسٍ وَلَوْ بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ، وَمِنْ مُبَعَّضٍ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ أَيْضًا إسْلَامٌ (وَ) حِينَئِذٍ يَصِحُّ مِنْ (كَافِرٍ أَصْلِيٍّ) وَلَوْ حَرْبِيًّا كَمَا يَصِحُّ اسْتِيلَادُهُ وَتَعْلِيقُهُ الْعِتْقَ عَلَى صِفَةٍ، وَمِنْ سَكْرَانَ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُكَلَّفِ حُكْمًا (وَتَدْبِيرُ الْمُرْتَدِّ يُبْنَى عَلَى أَقْوَالِ مِلْكِهِ) فَعَلَى الْأَظْهَرِ مَوْقُوفٌ، فَإِنْ أَسْلَمَ بَانَ صِحَّتُهُ، وَإِلَّا فَلَا، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُكَرَّرَةٌ فَقَدْ سَبَقَتْ فِي بَابِ الرِّدَّةِ.
(وَلَوْ)(دَبَّرَ ثُمَّ ارْتَدَّ لَمْ يَبْطُلْ) تَدْبِيرُهُ (عَلَى الْمَذْهَبِ) صِيَانَةً لِحَقِّ الْعَبْدِ عَنْ الضَّيَاعِ، وَلِأَنَّ الرِّدَّةَ إنَّمَا تُؤَثِّرُ فِي الْعُقُودِ الْمُسْتَقْبَلَةِ دُونَ الْمَاضِيَةِ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَا تُفْسِدُ الْبَيْعَ وَالْهِبَةَ السَّابِقَيْنِ عَلَيْهَا، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْقَطْعُ بِالْبُطْلَانِ، وَالثَّالِثُ الْبِنَاءُ عَلَى أَقْوَالِ الْمِلْكِ (وَلَوْ ارْتَدَّ) الْعَبْدُ (الْمُدَبَّرُ) أَوْ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ أَهْلُ الْحَرْبِ (لَمْ يَبْطُلْ) تَدْبِيرُهُ وَإِنْ صَارَ دَمُهُ يُهْدَرُ لِبَقَاءِ الْمِلْكِ فِيهِ، كَمَا لَا يَبْطُلُ الِاسْتِيلَادُ وَالْكِتَابَةُ بِهَا. ثُمَّ إنْ مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ عِتْقِهِ عَتَقَ، وَلَوْ الْتَحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَسُبِيَ فَهُوَ عَلَى تَدْبِيرِهِ، وَلَا يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ سَيِّدُهُ حَيًّا فَهُوَ لَهُ، وَإِنْ مَاتَ فَوَلَاؤُهُ لَهُ، وَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ، وَإِنْ كَانَ سَيِّدُهُ مَيِّتًا، فَفِي جَوَازِ اسْتِرْقَاقِ عَتِيقِهِ خِلَافٌ سَبَقَ فِي مَحِلِّهِ، وَلَوْ اسْتَوْلَى الْكُفَّارُ عَلَى مُدَبَّرٍ مُسْلِمٍ، ثُمَّ عَادَ إلَى يَدِ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ مُدَبَّرٌ كَمَا كَانَ (وَلِحَرْبِيٍّ) دَخَلَ دَارَنَا بِأَمَانٍ (حَمْلُ مُدَبَّرِهِ) الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ مِنْ دَارِنَا (إلَى دَارِهِمْ) وَلَوْ جَرَى التَّدْبِيرُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَوْ لَمْ يَرْضَ الْمُدَبَّرُ بِالرُّجُوعِ؛ لِأَنَّ أَحْكَامَ الرِّقِّ بَاقِيَةٌ فِيهِ، وَيَجُوزُ لَهُ إبْطَالُ مَا أَثْبَتَهُ لَهُ.
تَنْبِيهٌ: حُكْمُ مُسْتَوْلَدَةِ الْحَرْبِيِّ كَمُدَبَّرِهِ فِيمَا مَرَّ، بِخِلَافِ مُكَاتَبِهِ الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ فَإِنَّهُ فِي حُكْمِ الْخَارِجِ عَنْهُ، وَبِخِلَافِ مُدَبَّرِهِ الْمُرْتَدِّ لِبَقَاءِ عُلْقَةِ الْإِسْلَامِ كَمَا يُمْنَعُ الْكَافِرُ مِنْ شِرَائِهِ.
(وَلَوْ)
كَانَ لِكَافِرٍ عَبْدٌ مُسْلِمٌ فَدَبَّرَهُ نُقِضَ وَبِيعَ عَلَيْهِ.
وَلَوْ دَبَّرَ كَافِرٌ كَافِرًا فَأَسْلَمَ وَلَمْ يَرْجِعْ السَّيِّدُ فِي التَّدْبِيرِ نُزِعَ مِنْ يَدِ سَيِّدِهِ، وَصُرِفَ كَسْبُهُ إلَيْهِ، وَفِي قَوْلٍ يُبَاعُ.
وَلَهُ بَيْعُ الْمُدَبَّرِ، وَالتَّدْبِيرُ تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِصِفَةٍ، وَفِي قَوْلٍ وَصِيَّةٌ.
فَلَوْ بَاعَهُ ثُمَّ مَلَكَهُ لَمْ يَعُدْ التَّدْبِيرُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلَوْ رَجَعَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ كَأَبْطَلْته فَسَخْتُهُ نَقَضْتُهُ رَجَعْتُ فِيهِ صَحَّ إنْ قُلْنَا وَصِيَّةٌ وَإِلَّا
ــ
[مغني المحتاج]
(كَانَ لِكَافِرٍ عَبْدٌ مُسْلِمٌ) مَلَكَهُ بِإِرْثٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ صُوَرِ مِلْكِ الْكَافِرِ لِلْمُسْلِمِ الْمَذْكُورَةِ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ (فَدَبَّرَهُ)(نُقِضَ) أَيْ بَطَلَ تَدْبِيرُهُ (وَبِيعَ عَلَيْهِ) لِمَا فِي بَقَاءِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ مِنْ الْإِذْلَالِ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: نُقِضَ وَبِيعَ عَلَيْهِ فِي تَقْدِيمٍ وَتَأْخِيرٍ، وَمَعْنَاهُ بِيعَ عَلَيْهِ وَنُقِضَ تَدْبِيرُهُ بِالْبَيْعِ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَقَوْلُهُ نُقِضَ هَلْ مَعْنَاهُ إبْطَالُهُ بَعْدَ الْحُكْمِ بِصِحَّتِهِ حَتَّى لَوْ مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ إبْطَالِهِ عَتَقَ الْعَبْدُ، أَوْ مَعْنَاهُ الْحُكْمُ بِبُطْلَانِهِ مِنْ أَصْلِهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَهَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى لَفْظٍ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ اهـ.
وَلَا وَجْهَ لِتَوَقُّفِهِ فِي ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ ابْنُ شُهْبَةَ فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ فِي صِحَّةِ تَدْبِيرِ الْكَافِرِ الْمُسْلِمَ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الِاكْتِفَاءِ فِي إزَالَةِ الْمِلْكِ بِهِ.
(وَلَوْ)(دَبَّرَ كَافِرٌ) عَبْدًا (كَافِرًا فَأَسْلَمَ) الْعَبْدُ (وَلَمْ يَرْجِعْ السَّيِّدُ فِي التَّدْبِيرِ) بِالْقَوْلِ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ الرُّجُوعِ بِهِ عَلَى الْقَوْلِ الْمَرْجُوحِ الْآتِي (نُزِعَ) الْعَبْدُ (مِنْ يَدِ سَيِّدِهِ) وَجُعِلَ عِنْدَ عَدْلٍ دَفْعًا لِلذُّلِّ عَنْهُ وَلَا يُبَاعُ بَلْ يَبْقَى مُدَبَّرًا لِتَوَقُّعِ الْحُرِّيَّةِ (وَصُرِفَ كَسْبُهُ) أَيْ الْعَبْدِ (إلَيْهِ) أَيْ سَيِّدِهِ كَمَا لَوْ أَسْلَمَتْ مُسْتَوْلَدَتُهُ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَسْبٌ فَنَفَقَتُهُ عَلَى سَيِّدِهِ (وَفِي قَوْلٍ يُبَاعُ) عَلَيْهِ وَيُنْقَضُ التَّدْبِيرُ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ لَا يَبْقَى فِي يَدِ الْكَافِرِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ لَحِقَ سَيِّدُهُ بِدَارِ الْحَرْبِ أُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ كَسْبِهِ وَبُعِثَ بِالْفَاضِلِ لَهُ.
تَنْبِيهٌ: لَوْ أَسْلَمَ مُكَاتَبُ الْكَافِرِ لَمْ يُبَعْ، فَإِنْ عَجَزَ بِيعَ (وَلَهُ) أَيْ السَّيِّدِ (بَيْعُ الْمُدَبَّرِ) لِلْخَبَرِ السَّابِقِ أَوَّلَ الْبَابِ وَفِي مَعْنَى الْبَيْعِ كُلُّ تَصَرُّفٍ يُزِيلُ الْمِلْكَ، وَيُسْتَثْنَى السَّفِيهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ تَدْبِيرُهُ، وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ بَيْعُهُ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَوْ أَرَادَ الْوَلِيُّ بَيْعَهُ لِأَجْلِ إبْطَالِ التَّدْبِيرِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ لَا حَجْرَ عَلَيْهِ، كَمَا لَيْسَ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ بِالْقَوْلِ جَزْمًا (وَالتَّدْبِيرُ) مُقَيَّدًا كَانَ أَوْ مُطْلَقًا (تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِصِفَةٍ) ؛ لِأَنَّ الصِّيغَةَ صِيغَةُ تَعْلِيقٍ، هَذَا مَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ تَرْجِيحِ الْأَكْثَرِينَ (وَفِي قَوْلٍ وَصِيَّةٌ) لِلْعَبْدِ بِعِتْقِهِ نَظَرًا إلَى اعْتِبَارِ إعْتَاقِهِ مِنْ الثُّلُثِ، وَهَذَا مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيّ وَالرَّبِيعُ، وَكَذَا الْبُلْقِينِيُّ وَقَالَ فِي الْأُمِّ نُصُوصٌ تَدُلُّ عَلَى مَا قَرَّرْتُهُ فَوْقَ الثَّلَاثِينَ نَصًّا، ثُمَّ بَسَطَ ذَلِكَ.
(فَلَوْ)(بَاعَهُ) أَيْ السَّيِّدُ مُدَبَّرَهُ (ثُمَّ مَلَكَهُ)(لَمْ يَعُدْ التَّدْبِيرُ عَلَى الْمَذْهَبِ) أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ فَهُوَ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِشَيْءٍ ثُمَّ بَاعَهُ ثُمَّ عَادَ إلَى مِلْكِهِ وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِصِفَةٍ فَعَلَى الْخِلَافِ فِي عَوْدِ الْحِنْثِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَعُودُ، وَقِيلَ: يَعُودُ عَلَى الْقَوْلِ بِعَوْدِ الْحِنْثِ (وَلَوْ)(رَجَعَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ ك أَبْطَلْته) أَوْ (فَسَخْتُهُ) أَوْ (نَقَضْتُهُ) أَوْ (رَجَعْتُ فِيهِ)(صَحَّ إنْ قُلْنَا) بِالرُّجُوعِ وَهُوَ أَنَّ التَّدْبِيرَ (وَصِيَّةٌ) كَمَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْ الْوَصِيَّةِ بِذَلِكَ (وَإِلَّا) بِأَنْ قُلْنَا هُوَ تَعْلِيقُ
فَلَا.
وَلَوْ عُلِّقَ مُدَبَّرٌ بِصِفَةٍ صَحَّ وَعَتَقَ بِالْأَسْبَقِ مِنْ الْمَوْتِ وَالصِّفَةِ.
وَلَهُ وَطْءُ مُدَبَّرَةٍ، وَلَا يَكُونُ رُجُوعًا، فَإِنْ أَوْلَدَهَا بَطَلَ تَدْبِيرُهُ، وَلَا يَصِحُّ تَدْبِيرُ أُمِّ وَلَدٍ.
وَيَصِحُّ تَدْبِيرُ مُكَاتَبٍ
وَكِتَابَةُ مُدَبَّرٍ.
ــ
[مغني المحتاج]
عِتْقٍ بِصِفَةٍ (فَلَا) يَصِحُّ بِالْقَوْلِ كَسَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ.
تَنْبِيهٌ: مُرَادُهُ بِالْقَوْلِ اللَّفْظُ أَوْ الْمُنْزَلُ مَنْزِلَتَهُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ لِيُدْخِلَ الْأَخْرَسَ الْمَفْهُومَ الْإِشَارَةِ، وَحَذْفُ الْمُصَنِّفِ حَرْفَ الْعَطْفِ مِنْ الْمَعْطُوفَاتِ لُغَةُ بَعْضِ الْعَرَبِ كَقَوْلِهِمْ: أَكَلْت سَمَكًا تَمْرًا لَحْمًا شَحْمًا.
(وَلَوْ)(عُلِّقَ مُدَبَّرٌ) أَيْ عُلِّقَ عِتْقُهُ (بِصِفَةٍ) كَأَنْ قَالَ سَيِّدُهُ بَعْدَ تَدْبِيرِهِ الْمُطْلَقِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ (صَحَّ) وَبَقِيَ التَّدْبِيرُ بِحَالِهِ كَمَا لَوْ دُبِّرَ الْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ (وَعَتَقَ بِالْأَسْبَقِ مِنْ الْمَوْتِ وَالصِّفَةِ) تَعْجِيلًا لِلْعِتْقِ، فَإِنْ وُجِدَتْ الصِّفَةُ قَبْلَ الْمَوْتِ عَتَقَ بِهَا، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَهَا عَتَقَ بِالتَّدْبِيرِ.
(وَلَهُ) أَيْ السَّيِّدِ (وَطْءُ) أَمَةٍ (مُدَبَّرَةٍ) لَهُ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ فِيهَا كَالْمُسْتَوْلَدَةِ، وَلِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ دَبَّرَ أَمَتَهُ وَكَانَ يَطَؤُهَا (وَلَا يَكُونُ) وَطْؤُهُ لَهَا (رُجُوعًا) عَنْ التَّدْبِيرِ سَوَاءٌ عَزَلَ عَنْهَا أَمْ لَا، هَذَا إنْ لَمْ يُولِدْهَا (فَإِنْ أَوْلَدَهَا بَطَلَ تَدْبِيرُهُ) ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ أَقْوَى مِنْهُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ وَلَا يَمْنَعُ مِنْهُ الدِّينُ بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ فَرَفَعَهُ بِالْأَقْوَى كَمَا رَفَعَ مِلْكُ الْيَمِينِ النِّكَاحَ (وَلَا يَصِحُّ تَدْبِيرُ أُمِّ وَلَدٍ) إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهَا تَسْتَحِقُّ الْعِتْقَ بِالْمَوْتِ بِجِهَةٍ هِيَ أَقْوَى مِنْهُ كَمَا مَرَّ.
تَنْبِيهٌ: لَيْسَ لَنَا مَا يَمْتَنِعُ التَّدْبِيرُ فِيهِ مَعَ وُجُودِ أَهْلِيَّةِ الْمِلْكِ إلَّا هَذِهِ الصُّورَةُ.
(وَيَصِحُّ تَدْبِيرُ مُكَاتَبٍ) كَمَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ عِتْقِهِ بِصِفَةٍ فَيَكُونُ مُدَبَّرًا مُكَاتَبًا فَيَعْتِقُ بِالْأَسْبَقِ مِنْ مَوْتِ السَّيِّدِ وَأَدَاءِ النُّجُومِ، فَإِنْ أَدَّى الْمَالَ قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ عَتَقَ بِالْكِتَابَةِ وَبَطَلَ التَّدْبِيرُ، وَلَوْ عَجَّزَ نَفْسَهُ أَوْ عَجَّزَهُ سَيِّدُهُ بَطَلَتْ الْكِتَابَةُ وَيَبْقَى التَّدْبِيرُ، وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ الْمَالَ حَتَّى مَاتَ السَّيِّدُ عَتَقَ بِالتَّدْبِيرِ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: وَبَطَلَتْ الْكِتَابَةُ. وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: عِنْدِي لَا تَبْطُلُ، وَيَتْبَعُهُ كَسْبُهُ وَوَلَدُهُ كَمَنْ أَعْتَقَ مُكَاتَبًا لَهُ قَبْلَ الْأَدَاءِ، فَكَمَا لَا يَمْلِكُ إبْطَالَ الْكِتَابَةِ بِالْإِعْتَاقِ فَكَذَا بِالتَّدْبِيرِ. قَالَ أَعْنِي ابْنَ الصَّبَّاغِ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِالْبُطْلَانِ زَوَالَ الْعَقْدِ دُونَ سُقُوطِ أَحْكَامِهِ اهـ.
وَالصَّحِيحُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ مَا قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَبِهِ جَزَمَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَأَوَّلَ التَّأْوِيلَ الْمَذْكُورَ، وَيُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ مَسْأَلَةِ الْإِحْبَالِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى حَيْثُ لَمْ تَبْطُلْ الْكِتَابَةُ بِالْإِحْبَالِ حَتَّى يَتْبَعَهَا وَلَدُهَا وَكَسْبُهَا مَعَ كَوْنِهِ أَقْوَى مِنْ التَّدْبِيرِ، وَإِنْ لَمْ يَحْتَمِلْ الثُّلُثُ جَمِيعَهُ عَتَقَ مِنْهُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ بِالتَّدْبِيرِ وَيَبْقَى مَا زَادَ مُكَاتَبًا وَسَقَطَ عَنْهُ مِنْ النُّجُومِ بِقَدْرِ مَا عَتَقَ إنْ عَتَقَ نِصْفُهُ فَنِصْفُ النُّجُومِ، أَوْ رُبُعُهُ فَرُبُعُهَا.
(وَ) تَصِحُّ (كِتَابَةُ مُدَبَّرٍ) كَعَكْسِهِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْعِتْقِ الْمَقْصُودِ بِهِمَا فَيَكُونُ مُدَبَّرًا مُكَاتَبًا كَمَا مَرَّ، وَيَعْتِقُ بِالسَّابِقِ مِنْ الْمَوْتِ وَأَدَاءِ النُّجُومِ فَإِنْ أَدَّاهَا عَتَقَ بِالْكِتَابَةِ، وَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ الْأَدَاءِ عَتَقَ بِالتَّدْبِيرِ. قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي: وَبَطَلَتْ الْكِتَابَةُ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا.
وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَخْذًا مِنْ مُقَابِلِهِ فِيهَا الَّذِي جَرَى هُوَ عَلَيْهِ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ