الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ
هُوَ جَائِزٌ إنْ كَانَ بَيِّنَةٌ.
ــ
[مغني المحتاج]
يَرْتَبْ فِيهِمْ وَلَا تَوَهَّمَ غَلَطَهُمْ فَلَا يُفَرِّقْهُمْ وَإِنْ طَلَبَ مِنْهُ الْخَصْمُ تَفْرِيقَهُمْ؛ لِأَنَّ فِيهِ غَضًّا مِنْهُمْ انْتَهَى.
[بَابُ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ]
(بَابُ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ) عَنْ الْبَلَدِ أَوْ عَنْ الْمَجْلِسِ وَتَوَارَى أَوْ تَعَزَّزَ مَعَ مَا يُذْكَرُ مَعَهُ وَالدَّعْوَى عَلَى الْغَائِبِ إمَّا مِنْ صَاحِبِ الْحَقِّ أَوْ وَكِيلِهِ كَمَا سَيَأْتِي، وَبَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِالْأَوَّلِ فَقَالَ (هُوَ جَائِزٌ) بِشَرْطِهِ الْآتِي لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ وَلِقَوْلِ عُمَرَ فِي خُطْبَتِهِ: مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى الْأَسْفِعِ - بِالْفَاءِ الْمَكْسُورَةِ - مَالٌ فَلْيَأْتِنَا غَدًا، فَإِنَّا بَايِعُوا مَالَهُ وَقَاسِمُوهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ وَكَانَ غَائِبًا وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِهِنْدٍ:«خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» وَهُوَ قَضَاءٌ مِنْهُ عَلَى زَوْجِهَا، وَلَوْ كَانَ فَتْوَى لَقَالَ: لَكِ أَنْ تَأْخُذِي، أَوْ لَا بَأْسَ عَلَيْكِ أَوْ نَحْوَهُ، وَلَمْ يَقُلْ: خُذِي؛ لِأَنَّ الْمُفْتِيَ لَا يَقْطَعُ، فَلَمَّا قَطَعَ كَانَ حُكْمًا. كَذَا اسْتَدَلُّوا بِهِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: لَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِهِ؛ لِأَنَّ أَبَا سُفْيَانَ كَانَ حَاضِرًا بِمَكَّةَ، فَإِنَّ الْوَاقِعَةَ كَانَتْ بِمَكَّةَ لَمَّا حَضَرَتْ هِنْدٌ الْمُبَايَعَةَ، وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي النَّفَقَاتِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ اسْتِفْتَاءً قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُحَلِّفْهَا، وَلَمْ يُقَدِّرْ الْمَحْكُومَ بِهِ لَهَا، وَلَمْ تَجْرِ دَعْوَى عَلَى مَا شَرَطُوهُ اهـ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْوَاقِعَةُ وَقَعَتْ مَرَّتَيْنِ، وَصَحَّ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ حَكَمَ فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ أَنَّهَا تَتَرَبَّصُ أَرْبَعَ سِنِينَ وَأَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا.
وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: صَحَّ عَنْ عُثْمَانَ الْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلِأَنَّ الْبَيِّنَةَ مَسْمُوعَةٌ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى الْغَائِبِ، فَلْيَجِبْ الْحُكْمُ بِهَا كَالْبَيِّنَةِ الْمَسْمُوعَةِ عَلَى الْحَاضِرِ السَّاكِتِ، وَأَيْضًا فَالْحُكْمُ عَلَى الْمَيِّتِ وَالصَّغِيرِ جَائِزٌ، وَهُمَا أَعْجَزُ عَنْ الدَّفْعِ مِنْ الْغَائِبِ، وَلِأَنَّ فِي الْمَنْعِ مِنْهُ إضَاعَةً لِلْحُقُوقِ الَّتِي نُدِبَ الْحُكَّامُ إلَى حِفْظِهَا فَإِنَّهُ لَا يَعْجِزُ الْمُمْتَنِعُ مِنْ الْوَفَاءِ عَنْ الْغَيْبَةِ، وَأَلْحَقَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ بِالْغَائِبِ مَا إذَا أَحْضَرَهُ الْمَجْلِسَ فَهَرَبَ قَبْلَ أَنْ يَسْمَعَ الْحَاكِمُ الْبَيِّنَةَ أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ الْحُكْمِ فَإِنَّهُ يَحْكُمُ عَلَيْهِ قَطْعًا، وَإِنَّمَا يَسْمَعُ الدَّعْوَى وَيَقْضِي بِهَا عَلَى الْغَائِبِ (إنْ) بَيَّنَ الْمُدَّعِي مَا يَدَّعِي بِهِ وَقَدْرَهُ وَنَوْعَهُ وَوَصْفَهُ وَقَالَ: إنِّي طَالِبٌ بِحَقِّي وَ (كَانَ) لِلْمُدَّعِي (بَيِّنَةٌ) وَلَوْ شَاهِدًا وَيَمِينًا فِيمَا يَقْضِي فِيهِ بِهِمَا؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى لِقَصْدِ ثُبُوتِ الْحَقِّ، وَطَرِيقُهُ مَحْصُورَةٌ فِي إقْرَارٍ أَوْ يَمِينٍ مَرْدُودَةٍ أَوْ بَيِّنَةٍ، وَالْأَوَّلَانِ مَفْقُودَانِ عِنْدَ غَيْبَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ.
تَنْبِيهٌ كَلَامُهُ يُوهِمُ جَوَازَ الدَّعْوَى عَلَى الْغَائِبِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَلَيْسَ مُرَادًا، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَعْتَبِرَ ذَلِكَ فِي صِحَّةِ الدَّعْوَى كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ وَإِنْ نَازَعَ الْبُلْقِينِيُّ فِي اشْتِرَاطِ الْبَيِّنَةِ فِي صِحَّةِ سَمَاعِ الدَّعْوَى. وَقَالَ: الدَّعْوَى صَحِيحَةٌ بِدُونِهِ، وَلَكِنْ لَا يَحْكُمُ الْقَاضِي إلَّا أَنْ
وَادَّعَى الْمُدَّعِي جُحُودَهُ، فَإِنْ قَالَ هُوَ مُقِرٌّ لَمْ تُسْمَعْ بَيِّنَتُهُ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تُسْمَعُ.
وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْقَاضِي نَصْبُ مُسَخَّرٍ يُنْكِرُ عَلَى الْغَائِبِ.
ــ
[مغني المحتاج]
يَسْتَنِدَ قَضَاؤُهُ إلَى الْحُجَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ، وَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالْحُجَّةِ بَدَلَ الْبَيِّنَةِ لِيَشْمَلَ عِلْمُ الْقَاضِي الْوَاقِعَةَ إذَا سَوَّغْنَا الْحُكْمَ؛ لَكَانَ أَوْلَى.
وَقَوْلُهُ: (وَادَّعَى الْمُدَّعِي) عَلَى الْغَائِبِ (جُحُودَهُ) أَيْ الْحَقِّ الْمُدَّعَى بِهِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الدَّعْوَى وَسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْغَائِبِ، وَلَا يُكَلَّفُ الْبَيِّنَةَ بِالْجُحُودِ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا حَكَاهُ الْإِمَامُ. ثُمَّ اسْتَشْكَلَهُ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ يَدَّعِي جُحُودَهُ فِي الْحَالِ فَهُوَ مُحَالٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ وَإِنْ كَانَ يَدَّعِي جُحُودَهُ لِمَا كَانَ حَاضِرًا فَالْقَضَاءُ فِي الْحَالِ لَا يَرْتَبِطُ بِجُحُودِ مَاضٍ اهـ.
وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْأَصْلَ اسْتِمْرَارُ الْجُحُودِ.
تَنْبِيهٌ: يَقُومُ مَقَامَ الْجُحُودِ مَا فِي مَعْنَاهُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَيْنًا وَخَرَجَتْ مُسْتَحِقَّةً فَادَّعَى الثَّمَنَ عَلَى الْبَائِعِ الْغَائِبِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهَا تُسْمَعُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْجُحُودَ، وَإِقْدَامُهُ عَلَى الْبَيْعِ كَافٍ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى جُحُودِهِ، قَالَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ (فَإِنْ قَالَ هُوَ) أَيْ الْغَائِبُ (مُقِرٌّ) وَأَنَا أُقِيمُ الْبَيِّنَةَ اسْتِظْهَارًا مَخَافَةَ أَنْ يُنْكِرَ لَغَتْ دَعْوَاهُ وَ (لَمْ تُسْمَعْ بَيِّنَتُهُ) لِتَصْرِيحِهِ بِالْمُنَافِي لِسَمَاعِهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تُقَامُ عَلَى مُقِرٍّ.
تَنْبِيهٌ هَذَا إنْ أَرَادَ بِإِقَامَتِهَا أَنْ يَكْتُبَ الْقَاضِي بِذَلِكَ لِحَاكِمِ بَلَدِ الْغَائِبِ، فَلَوْ كَانَ لِلْغَائِبِ مَالٌ حَاضِرٌ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى دَيْنِهِ لِيُوَفِّيَهُ الْقَاضِي حَقَّهُ سُمِعَتْ، وَإِنْ قَالَ: هُوَ مُقِرٌّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ فَتَاوَى الْقَفَّالِ، وَزَادَ الْبُلْقِينِيُّ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ صُوَرًا أُخَرَ. أَحَدُهَا: لَوْ قَالَ: هُوَ مُقِرٌّ وَلَكِنَّهُ مُمْتَنِعٌ سُمِعَتْ بَيِّنَتُهُ وَحُكِمَ بِهَا. ثَانِيهَا: إذَا كَانَتْ بَيِّنَتُهُ شَاهِدَةً بِالْإِقْرَارِ فَإِنَّهُ يَقُولُ عِنْدَ مُطَابَقَةِ دَعْوَاهُ بَيِّنَتَهُ: أَقَرَّ فُلَانٌ بِكَذَا وَلِي بِهِ بَيِّنَةٌ. قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَمْ يَقُلْ هُوَ مُقِرٌّ الْآنَ بِخِلَافِ صُورَةِ الْقَفَّالِ؟ قُلْنَا: قَوْلُهُ: أَقَرَّ يَقْتَضِي دَوَامَ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ إقْرَارٍ لَكِنَّهُ ضِمْنِيٌّ وَيُغْتَفَرُ فِي الضِّمْنِيِّ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِاسْتِقْلَالِ. ثَالِثُهَا: لَوْ كَانَ الْغَائِبُ لَا يَقْبَلُ إقْرَارُهُ لِسَفَهٍ وَنَحْوِهِ فَلَا يَمْنَعُ قَوْلُهُ هُوَ مُقِرٌّ مِنْ سَمَاعِ بَيِّنَةِ الْمُدَّعِي، وَكَذَا الْمُفْلِسُ يُقِرُّ بِدَيْنِ مُعَامَلَةٍ بَعْدَ الْحَجْرِ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ فَلَا يَضُرُّ قَوْلُ الْمُدَّعِي فِي غَيْبَتِهِ أَنَّهُ مُقِرٌّ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يُؤَثِّرُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: هَذِهِ الدَّارُ لِزَيْدٍ بَلْ لِعَمْرٍو فَادَّعَاهَا عَمْرٌو فِي غَيْبَتِهِ لِيُقِيمَ بَيِّنَتَهُ لَا يَضُرُّهُ قَوْلُهُ وَهُوَ مُقِرٌّ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِي الْعَقْدِ الَّذِي وَقَعَتْ بِهِ الدَّعْوَى. قَالَ: وَيُتَصَوَّرُ نَحْوُ ذَلِكَ فِي الرَّهْنِ وَالْجِنَايَةِ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ (وَإِنْ أَطْلَقَ) الْمُدَّعِي بِأَنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِجُحُودِ الْغَائِبِ وَلَا لِإِقْرَارِهِ (فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا) أَيْ بَيِّنَتُهُ (تُسْمَعُ) لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَعْلَمُ جُحُودَهُ فِي غَيْبَتِهِ وَيَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ حَقِّهِ، فَيَجْعَلُ غَيْبَتَهُ كَسُكُوتِهِ. وَالثَّانِي: لَا تُسْمَعُ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهَا عِنْدَ الْجُحُودِ.
(وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْقَاضِي)(نَصْبُ مُسَخَّرٍ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ (يُنْكِرُ عَلَى الْغَائِبِ) عِنْدَ الدَّعْوَى عَلَيْهِ. قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مُقِرًّا فَيَكُونُ إنْكَارُ الْمُسَخَّرِ كَذِبًا. قَالَ: وَمُقْتَضَى هَذَا التَّوَجُّهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نَصْبُهُ لَكِنَّ الَّذِي ذَكَرَهُ الْعَبَّادِيُّ وَغَيْرُهُ: أَنَّ الْقَاضِيَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ النَّصْبِ
وَيَجِبُ أَنْ يُحَلِّفَهُ بَعْدَ الْبَيِّنَةِ إنَّ الْحَقَّ ثَابِتٌ فِي ذِمَّتِهِ، وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ، وَيَجْرِيَانِ فِي دَعْوَى عَلَى صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ.
ــ
[مغني المحتاج]
وَعَدَمِهِ انْتَهَى، فَقَوْلُ ابْنِ الْمُقْرِي: أَنَّ نَصْبَهُ مُسْتَحَبٌّ قَالَ شَيْخُنَا: قَدْ يَتَوَقَّفُ فِيهِ. وَالثَّانِي: يَلْزَمُهُ لِتَكُونَ الْبَيِّنَةُ عَلَى إنْكَارِ مُنْكِرٍ.
(وَيَجِبُ) عَلَى الْقَاضِي (أَنْ يُحَلِّفَهُ) أَيْ الْمُدَّعِيَ يَمِينَ الِاسْتِظْهَارِ (بَعْدَ) إقَامَةِ (الْبَيِّنَةِ) أَيْ وَتَعْدِيلِهَا وَقَبْلَ تَوْفِيَةِ الْحَقِّ (إنَّ الْحَقَّ) الَّذِي لِي عَلَى الْغَائِبِ (ثَابِتٌ فِي ذِمَّتِهِ) إلَى الْآنَ وَأَنَّهُ يَجِبُ تَسْلِيمُهُ إلَيَّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا احْتِيَاطًا لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَضَرَ رُبَّمَا ادَّعَى مَا يُبَرِّئُهُ مِنْهُ، هَذَا أَقَلُّ مَا يَكْفِي وَالْأَكْمَلُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ مَا أَبْرَأَهُ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي يَدَّعِيهِ وَلَا مِنْ شَيْءٍ مِنْهُ، وَلَا اعْتَاضَ، وَلَا اسْتَوْفَى، وَلَا أَحَالَ عَلَيْهِ هُوَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ جِهَتِهِ بَلْ هُوَ ثَابِتٌ فِي ذِمَّةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَلْزَمُهُ أَدَاؤُهُ. ثُمَّ قَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ يَقْتَصِرَ فَيُحَلِّفَهُ عَلَى ثُبُوتِ الْمَالِ فِي ذِمَّتِهِ وَوُجُوبِ تَسْلِيمِهِ اهـ.
وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ ذِكْرُ لُزُومِ تَسْلِيمِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ ثَابِتًا فِي ذِمَّتِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهُ لِتَأْجِيلٍ وَنَحْوِهِ (وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ) تَحْلِيفُهُ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ التَّدَارُكُ إنْ كَانَ لَهُ دَافِعٌ.
تَنْبِيهٌ مَحِلُّ وُجُوبِ التَّحْلِيفِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْغَائِبِ وَكِيلٌ حَاضِرٌ، وَإِلَّا لَمْ يَحْتَجْ إلَى ضَمِّ الْيَمِينِ إلَى الْبَيِّنَةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ (وَيَجْرِيَانِ) هَذَانِ الْوَجْهَانِ (فِي دَعْوَى عَلَى صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ) أَوْ مَيِّتٍ بِلَا وَارِثٍ خَاصٍّ، وَالْأَصَحُّ الْوُجُوبُ لِعَجْزِهِمْ عَنْ التَّدَارُكِ، فَإِنْ كَانَ لِلْمَيِّتِ وَارِثٌ خَاصٌّ اُعْتُبِرَ فِي الْحَلِفِ طَلَبُ الْوَارِثِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ فِي التَّرِكَةِ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ كَانَ لِلصَّبِيِّ أَوْ الْمَجْنُونِ نَائِبٌ خَاصٌّ، وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ وَالتَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِمَا كَمَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَأَقَرَّهُ.
تَنْبِيهٌ قَدْ عُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ مَا ذُكِرَ هُنَا وَمَا ذُكِرَ فِي كِتَابِ دَعْوَى الدَّمِ وَالْقَسَامَةِ مِنْ أَنَّ شَرْطَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا مُلْتَزِمًا لِلْأَحْكَامِ، فَلَا تَصِحُّ الدَّعْوَى عَلَى صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ؛ لِأَنَّ مَحِلَّ ذَلِكَ عِنْدَ حُضُورِ وَلِيِّهِمَا فَتَكُونُ الدَّعْوَى عَلَى الْوَلِيِّ. أَمَّا عِنْدَ غَيْبَتِهِ فَالدَّعْوَى عَلَيْهِمَا كَالدَّعْوَى عَلَى الْغَائِبِ فَلَا تُسْمَعُ إلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ بَيِّنَةٌ وَيُحْتَاجُ مَعَهَا إلَى الْيَمِينِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي يَمِينِ الِاسْتِظْهَارِ التَّعَرُّضُ لِصِدْقِ الشُّهُودِ بِخِلَافِ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ لِكَمَالِ الْحُجَّةِ هُنَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَأَفْهَمَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَنْ يُحَلِّفَهُ بَعْدَ الْبَيِّنَةِ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّحْلِيفِ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ، وَأَفْهَمَ اقْتِصَارُهُ فِي إلْحَاقِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ بِالْغَائِبِ فِي الْحَلِفِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ عَلَى الْمُتَوَارِي أَوْ الْمُتَعَزِّزِ لَا يَحْلِفُ بَعْدَ الْبَيِّنَةِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الْفَصْلِ الْآتِي.
فُرُوعٌ: لَوْ قَدِمَ الْغَائِبُ أَوْ كَمُلَ النَّاقِصُ، فَهُوَ عَلَى حُجَّتِهِ مِنْ قَادِحٍ فِي الْبَيِّنَةِ أَوْ مُعَارِضَةِ بَيِّنَتِهِ بِالْأَدَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ شُرِطَ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ أَمْ لَا، وَلَوْ ادَّعَى قَيِّمٌ لِمُوَلِّيهِ شَيْئًا وَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى قَيِّمِ
وَلَوْ ادَّعَى وَكِيلٌ عَلَى غَائِبٍ فَلَا تَحْلِيفَ.
وَلَوْ حَضَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَقَالَ لِوَكِيلِ الْمُدَّعِي أَبْرَأَنِي مُوَكِّلُك أَمَرَ بِالتَّسْلِيمِ.
ــ
[مغني المحتاج]
شَخْصٍ آخَرَ فَمُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ أَنَّهُ يَجِبُ انْتِظَارُ كَمَالِ الْمُدَّعَى لَهُ لِيَحْلِفَ ثُمَّ يَحْكُمَ لَهُ، وَإِنْ خَالَفَهُمَا السُّبْكِيُّ، وَقَالَ: الْوَجْهُ أَنَّهُ يَحْكُمُ لَهُ وَلَا يُنْتَظَرُ كَمَالُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَرَتَّبُ عَلَى الِانْتِظَارِ ضَيَاعُ الْحَقِّ، وَلَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةُ عَلَى الْغَائِبِ بِإِسْقَاطِ حَقٍّ لَهُ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى بِذَلِكَ وَالْبَيِّنَةُ لَا تُسْمَعُ إلَّا بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ بِالْحَقِّ. قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَطَرِيقُهُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَى إنْسَانٍ أَنَّ رَبَّ الدَّيْنِ أَحَالَهُ بِهِ فَيَعْتَرِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ لِرَبِّهِ وَبِالْحَوَالَةِ وَيَدَّعِي أَنَّهُ أَبْرَأَهُ مِنْهُ أَوْ أَقْبَضَهُ فَتُسْمَعُ الدَّعْوَى بِذَلِكَ وَالْبَيِّنَةُ، وَإِنْ كَانَ رَبُّ الدَّيْنِ حَاضِرًا بِالْبَلَدِ.
(وَلَوْ)(ادَّعَى وَكِيلٌ) عَنْ غَائِبٍ بِحَقٍّ (عَلَى غَائِبٍ) عَنْ الْبَلَدِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ، وَقُلْنَا كَمَا سَبَقَ بِوُجُوبِ التَّحْلِيفِ بَعْدَهَا (فَلَا تَحْلِيفَ) عَلَى الْوَكِيلِ، بَلْ يَحْكُمُ بِالْبَيِّنَةِ وَيُعْطِي الْمَالَ الْمُدَّعَى بِهِ إنْ كَانَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُنَاكَ مَالٌ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَحْلِفُ يَمِينَ الِاسْتِظْهَارِ بِحَالٍ؛ لِأَنَّ الشَّخْصَ لَا يَسْتَحِقُّ بِيَمِينِ غَيْرِهِ، وَلَوْ وَقَّفْنَا الْأَمْرَ إلَى أَنْ يَحْضُرَ الْمُوَكِّلُ لَانْجَرَّ الْأَمْرُ إلَى تَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ الْحُقُوقِ بِالْوَكَالَةِ، وَأَفْهَمَ كَلَامُ الرَّوْضِ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ لَا يُعْطِيهِ إنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَالٌ، وَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَ التَّاجُ السُّبْكِيُّ خِلَافُهُ إنْ كَانَ الْمَالُ فِي مَحِلِّ عَمَلِهِ، وَقَدْ يَحْمِلُ قَوْلَهُ هُنَاكَ عَلَى مَحِلِّ وِلَايَتِهِ فَيَزُولُ الْإِشْكَالُ، ثُمَّ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ لِمَسْأَلَةٍ مُسْتَأْنَفَةٍ لَيْسَتْ مِنْ هَذَا الْبَابِ، وَلَا تَعَلُّقَ لَهَا بِمَا قَبْلَهَا، وَإِنْ أَوْهَمَ كَلَامُهُ خِلَافَهُ.
فَقَالَ (وَلَوْ)(حَضَرَ) أَيْ كَانَ (الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) حَاضِرًا فَادَّعَى عَلَيْهِ وَكِيلُ شَخْصٍ غَائِبٍ بِحَقٍّ (وَ) أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ، ثُمَّ (قَالَ لِوَكِيلِ الْمُدَّعِي أَبْرَأَنِي مُوَكِّلُك) الْغَائِبُ عَمَّا ادَّعَيْته عَلَيَّ (أَمَرَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (بِالتَّسْلِيمِ) لِلْحَقِّ الْمُدَّعَى بِهِ لِلْوَكِيلِ وَلَا يُؤَخِّرُ الْحَقَّ إلَى حُضُورِ الْمُوَكِّلِ الْغَائِبِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ الْحُقُوقِ بِالْوُكَلَاءِ، وَيُمْكِنُ ثُبُوتُ الْإِبْرَاءِ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ كَانَ لَهُ حُجَّةٌ، وَكَذَا لَوْ ادَّعَى قَيِّمُ الصَّبِيِّ دَيْنًا لِلصَّبِيِّ. فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنَّهُ أَتْلَفَ عَلَيَّ مِنْ جِنْسِ مَا يَدَّعِيهِ مَا هُوَ قَضَاءٌ لِدَيْنِهِ لَمْ يَنْفَعْهُ فِي تَأْخِيرِ قَضَاءِ مَا أَثْبَتَهُ الْقَيِّمُ، بَلْ يَقْضِيهِ فِي الْحَالِ، وَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ عَاقِلًا حَلَّفَهُ عَلَى نَفْيِ مَا ادَّعَاهُ مِنْ الْإِتْلَافِ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا يَشْكُلُ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ مُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ أَنَّهُ يَجِبُ انْتِظَارُ كَمَالِ الْمُدَّعَى لَهُ.
أُجِيبَ بِأَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ هُنَا أَنَّ قَيِّمَ الصَّبِيِّ ادَّعَى دَيْنًا لَهُ عَلَى حَاضِرٍ رَشِيدٍ اعْتَرَفَ بِهِ، وَلَكِنْ ادَّعَى وُجُودَ مُسْقِطِ صَدْرٍ مِنْ الصَّبِيِّ، وَهُوَ إتْلَافُهُ فَلَا يُؤَخِّرُ الِاسْتِيفَاءَ لِلْيَمِينِ الْمُتَوَجِّهَةِ عَلَى الصَّبِيِّ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَمَا مَرَّ فِيمَا إذَا أَقَامَ قَيِّمُ الطِّفْلِ بَيِّنَةً وَقُلْنَا بِوُجُوبِ التَّحْلِيفِ فَيَنْظُرُ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الطِّفْلِ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ مِنْ غَائِبٍ وَمَجْنُونٍ لَا يُعْمَلُ بِهَا حَتَّى يَحْلِفَ مُقِيمُهَا عَلَى الْمُسْقِطَاتِ الَّتِي يَتَصَوَّرُ دَعْوَاهَا مِنْ الْغَائِبِ، وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ فَلَمْ تَتِمَّ الْحُجَّةُ الَّتِي يَعْمَلُ بِهَا فَإِنَّهُ لَا يَعْمَلُ بِالْبَيِّنَةِ وَحْدَهَا، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ وَالْيَمِينِ.
تَنْبِيهٌ لَوْ سَأَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ تَحْلِيفَ الْوَكِيلِ الَّذِي ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ مُوَكِّلَهُ أَبْرَأَهُ مِنْ الْحَقِّ.
أُجِيبَ إلَيْهِ، قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا يُخَالِفُ مَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ الْوَكِيلَ
وَإِذَا ثَبَتَ مَالٌ عَلَى غَائِبٍ وَلَهُ مَالٌ قَضَاهُ الْحَاكِمُ مِنْهُ، وَإِلَّا فَإِنْ سَأَلَ الْمُدَّعِي إنْهَاءَ الْحَالِ إلَى قَاضِي بَلَدِ الْغَائِبِ أَجَابَهُ فَيُنْهِي سَمَاعَ بَيِّنَةٍ لِيَحْكُمَ بِهَا ثُمَّ يَسْتَوْفِيَ الْمَالَ، أَوْ حُكْمًا لِيَسْتَوْفِيَ.
ــ
[مغني المحتاج]
لَا يَحْلِفُ.
أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَحْلِيفِهِ هُنَا تَحْلِيفُهُ ثَمَّ؛ لِأَنَّ تَحْلِيفَهُ هُنَا إنَّمَا جَاءَ مِنْ جِهَةِ دَعْوَى صَحِيحَةٍ يَقْتَضِي اعْتِرَافُهُ بِهِ سُقُوطَ مُطَالَبَتِهِ لِخُرُوجِهِ بِاعْتِرَافِهِ فِيهَا عَنْ الْوَكَالَةِ فِي الْخُصُومَةِ بِخِلَافِ يَمِينِ الِاسْتِظْهَارِ، فَإِنَّ حَاصِلَهَا أَنَّ الْمَالَ ثَابِتٌ فِي ذِمَّةِ الْغَائِبِ أَوْ الْمَيِّتِ، وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى مِنْ الْوَكِيلِ، وَفِي مَعْنَى الْإِبْرَاءِ دَعْوَى عِلْمِهِ بِالْوَفَاءِ وَنَحْوِهِ.
فُرُوعٌ: لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ: أَنْتَ وَكِيلُ فُلَانٍ الْغَائِبِ وَلِي عَلَيْهِ كَذَا وَادَّعَى عَلَيْكَ وَأُقِيمَ بِهِ بَيِّنَةٌ فَأَنْكَرَ الْوَكَالَةَ أَوْ قَالَ: لَا أَعْلَمُ أَنِّي وَكِيلٌ لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ وَكِيلُهُ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ حَقٌّ لَهُ فَكَيْفَ تُقَامُ بَيِّنَةٌ بِهَا قَبْلَ دَعْوَاهُ، وَإِذَا عَلِمَ أَنَّهُ وَكِيلٌ وَأَرَادَ أَنْ لَا يُخَاصِمَ فَلْيَعْزِلْ نَفْسَهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: لَا أَعْلَمُ أَنِّي وَكِيلٌ وَلَا يَقُولُ: لَسْتُ بِوَكِيلٍ فَيَكُونُ مُكَذِّبًا لِبَيِّنَةٍ قَدْ تَقُومُ عَلَيْهِ بِالْوَكَالَةِ.
(وَإِذَا)(ثَبَتَ) عِنْدَ حَاكِمٍ (مَالٌ عَلَى غَائِبٍ) وَحَكَمَ بِهِ عَلَيْهِ (وَلَهُ مَالٌ) حَاضِرٌ وَطَلَبَهُ الْمُدَّعِي (قَضَاهُ الْحَاكِمُ مِنْهُ) لِأَنَّهُ حَقٌّ وَجَبَ عَلَيْهِ وَتَعَذَّرَ وَفَاؤُهُ مِنْ جِهَةِ مَنْ عَلَيْهِ فَقَامَ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ كَمَا لَوْ كَانَ حَاضِرًا فَامْتَنَعَ.
تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَقْضِيه وَلَا يُطَالِبُ بِكَفِيلٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الدَّفْعِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لِلْغَائِبِ مَالٌ حَاضِرٌ (فَإِنْ سَأَلَ الْمُدَّعِي إنْهَاءَ الْحَالِ) مِنْ سَمَاعِ بَيِّنَةٍ أَوْ شَاهِدٍ وَيَمِينٍ بَعْدَ ثُبُوتِ عَدَالَةِ الشَّاهِدِ أَوْ سَأَلَ إنْهَاءَ حُكْمٍ (إلَى قَاضِي بَلَدِ الْغَائِبِ أَجَابَهُ) لِذَلِكَ إنْ عَلِمَ مَكَانَ الْغَائِبِ مُسَارَعَةً إلَى قَضَاءِ الْحُقُوقِ (فَيُنْهِي) إلَيْهِ (سَمَاعَ بَيِّنَةٍ لِيَحْكُمَ بِهَا ثُمَّ يَسْتَوْفِيَ الْمَالَ) وَيَكْتُبُ فِي صِفَةِ إنْهَائِهَا: سَمِعْتُ بَيِّنَةً عَادِلَةً قَامَتْ عِنْدِي بِأَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ كَذَا فَأَحْكُمُ بِهَا وَهُوَ مَشْرُوطٌ بِبُعْدِ الْمَسَافَةِ كَمَا سَيَأْتِي (أَوْ) يُنْهِي إلَيْهِ (حُكْمًا) إنْ حَكَمَ (لِيَسْتَوْفِيَ) الْمَالَ، وَيُكْتَبُ فِي إنْهَاءِ الْحُكْمِ: قَامَتْ عِنْدِي بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ عَلَى فُلَانٍ لِفُلَانٍ بِكَذَا وَحَكَمْتُ لَهُ بِهِ فَاسْتَوْفِ حَقَّهُ، وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ قَدْ تَدْعُو لِذَلِكَ فَإِنَّ مَنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فِي بَلَدٍ وَخَصْمُهُ فِي بَلَدٍ آخَرَ لَا يُمْكِنُهُ حَمْلُهَا إلَى بَلَدِ الْخَصْمِ وَلَا حَمْلُ الْخَصْمِ إلَى بَلَدِ الْبَيِّنَةِ فَيَضِيعُ الْحَقُّ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بُعْدُ الْمَسَافَةِ كَمَا سَيَأْتِي.
تَنْبِيهٌ اعْلَمْ أَنَّ لِإِنْهَاءِ الْحَالِ إلَى قَاضِي بَلَدِ الْغَائِبِ ثَلَاثُ دَرَجَاتٍ: الْأُولَى: سَمَاعُ الْبَيِّنَةِ. وَالثَّانِيَةُ: قَوْلُ الْحَاكِمِ: ثَبَتَ عِنْدِي وَهِيَ تَسْتَلْزِمُ الْأُولَى بِخِلَافِ الْعَكْسِ. وَالثَّالِثَةُ: الْحُكْمُ بِالْحَقِّ وَهُوَ أَرْفَعُ الدَّرَجَاتِ وَتَسْتَلْزِمُ مَا قَبْلَهَا، وَحِينَئِذٍ فَاَلَّذِي يُرَتَّبُ عَلَيْهِ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ الْحُكْمُ هُوَ الثَّانِيَةُ لَا الْأُولَى. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: فَإِذًا تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ لَيْسَ بِمُحَرَّرٍ، وَقَوْلُهُ: إلَى قَاضِي بَلَدِ الْغَائِبِ يُوهِمُ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ مُعَيَّنًا وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكْتُبَ
وَالْإِنْهَاءُ أَنْ يُشْهِدَ عَدْلَيْنِ بِذَلِكَ، وَيُسْتَحَبُّ كِتَابٌ بِهِ يَذْكُرُ فِيهِ مَا يَتَمَيَّزُ بِهِ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ، وَيَخْتِمُهُ،
ــ
[مغني المحتاج]
إلَى مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ، فَمَنْ بَلَغَهُ عَمِلَ بِهِ، وَلَوْ كَتَبَ لِمُعَيَّنٍ فَشَهِدَ الشَّاهِدَانِ عِنْدَ غَيْرِهِ قَبِلَ شَهَادَتَهُمَا وَأَمْضَاهُ اعْتِمَادًا عَلَى الشَّهَادَةِ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: سَمَاعُ بَيِّنَةٍ لِيَحْكُمَ بِهَا يُوهِمُ أَنَّهُ لَوْ سَمِعَ الْبَيِّنَةَ وَلَمْ يُعَدِّلْهَا وَفَوَّضَ تَعْدِيلَهَا إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ لَا يَجُوزُ وَلَيْسَ مُرَادًا، وَيُوهِمُ أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ الْحَقُّ عِنْدَهُ بِعِلْمِهِ وَكَتَبَ لِيَقْضِيَ لَهُ بِمُوجِبِ عِلْمِهِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْعُدَّةِ فَقَالَ: لَا يَجُوزُ وَإِنْ جَوَّزْنَا الْقَضَاءَ بِالْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ مَا لَمْ يَحْكُمْ بِهِ هُوَ كَالشَّاهِدِ، وَالشَّهَادَةُ لَا تَتَأَدَّى بِالْكِتَابَةِ، وَفِي أَمَالِي السَّرَخْسِيِّ جَوَازُهُ، وَيَقْضِي بِهِ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ إذَا جَوَّزْنَا الْقَضَاءَ بِالْعِلْمِ؛ لِأَنَّ إخْبَارَهُ عَنْ عِلْمِهِ إخْبَارٌ عَنْ قِيَامِ الْحُجَّةِ فَلْيَكُنْ كَإِخْبَارِهِ عَنْ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَبِمَا قَالَهُ فِي الْعُدَّةِ جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ الْأَصَحُّ الْمُعْتَمَدُ مَا قَالَهُ السَّرَخْسِيُّ اهـ.
وَهَذَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ أَصْلِ الرَّوْضَةِ. وَلِهَذَا قَالَ شَيْخُنَا مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي ابْنَ الْمُقْرِي عَكْسَ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ أَصْلِهِ، وَلَعَلَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ.
(وَالْإِنْهَاءُ: أَنْ يُشْهِدَ عَدْلَيْنِ بِذَلِكَ) أَيْ بِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ خَاصَّةً، أَوْ بِالْحُكْمِ بِاسْتِيفَاءِ الْحَقِّ يُؤَدِّيَانِهِ عِنْدَ الْقَاضِي الْآخَرَ، وَلَوْ لَمْ يُشْهِدْهُمَا وَلَكِنْ أَنْشَأَ الْحُكْمَ بِحُضُورِهِمَا فَلَهُمَا أَنْ يَشْهَدَا عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْهُمَا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي (وَيُسْتَحَبُّ) مَعَ الْإِشْهَادِ (كِتَابٌ بِهِ) وَلَا يَجِبُ؛ لِأَنَّ الِاعْتِمَادَ عَلَى الشَّهَادَةِ، وَفَائِدَةُ الْكِتَابِ لِيَذْكُرَ الشَّاهِدُ الْحَالَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْسَاهُ (يَذْكُرُ فِيهِ مَا يَتَمَيَّزُ بِهِ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ) وَالْمَحْكُومُ لَهُ مِنْ اسْمِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَكُنْيَتِهِ وَقَبِيلَتِهِ وَحِلْيَتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لِيَسْهُلَ التَّمْيِيزُ، وَيَذْكُرُ أَسْمَاءَ شُهُودِ الْكِتَابِ وَتَارِيخِهِ.
تَنْبِيهٌ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ مَا يَتَمَيَّزُ بِهِ الْغَائِبُ بَدَلَ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ لِيَتَنَاوَلَ الثُّبُوتَ الْمُجَرَّدَ عَنْ الْحُكْمِ (وَيَخْتِمُهُ) أَيْ الْكِتَابَ نَدْبًا حِفْظًا لِلْكِتَابَةِ وَإِكْرَامًا لِلْمَكْتُوبِ إلَيْهِ، وَخَتْمُ الْكِتَابِ سُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ كَمَا قَالَهُ ابْنُ بَطَّالٍ شَارِحُ الْبُخَارِيِّ رَوَى الْبُخَارِيُّ:«أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُرْسِلُ كُتُبَهُ غَيْرَ مَخْتُومَةٍ، فَامْتَنَعَ بَعْضُهُمْ مِنْ قَبُولِهَا إلَّا مَخْتُومَةً، فَاتَّخَذَ خَاتَمًا وَنَقَشَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ» ، وَإِنَّمَا كَانُوا لَا يَقْرَءُونَ كِتَابًا غَيْرَ مَخْتُومٍ خَوْفًا عَلَى كَشْفِ أَسْرَارِهِمْ وَإِضَاعَةِ تَدْبِيرِهِمْ، وَيَكُونُ الْخَتْمُ بَعْدَ قِرَاءَتِهِ عَلَى الشَّاهِدِ بِحَضْرَتِهِ، وَيَقُولُ: أُشْهِدُكُمَا أَنِّي كَتَبْتُ إلَى فُلَانٍ بِمَا سَمِعْتُمَا، وَيَضَعَانِ خَطَّهُمَا فِيهِ، وَلَا يَكْفِي أَنْ يَقُولَ: أُشْهِدُكُمَا أَنَّ هَذَا خَطِّي وَأَنَّ مَا فِيهِ حُكْمِي مِنْ غَيْرِ قِرَاءَةٍ، وَيَدْفَعُ لِلشَّاهِدَيْنِ نُسْخَةً أُخْرَى بِلَا خَتْمٍ لِيُطَالِعَاهَا، وَيَتَذَاكَرَا عِنْدَ الْحَاجَةِ. وَمِنْ صِفَةِ الْكِتَابِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ حَضَرَ - عَافَانَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ - فُلَانٌ، وَادَّعَى عَلَى فُلَانٍ الْغَائِبِ الْمُقِيمِ بِبَلَدِكَ بِالشَّيْءِ الْفُلَانِيِّ، وَأَقَامَ عَلَيْهِ شَاهِدَيْنِ هُمَا فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَقَدْ عُدِّلَا عِنْدِي وَحَلَّفْتُ الْمُدَّعِي وَحَكَمْتُ لَهُ بِالْمَالِ فَسَأَلَنِي أَنْ أُكْتَبَ إلَيْكَ فِي ذَلِكَ فَأَجَبْتُهُ وَأَشْهَدْتُ بِالْكِتَابِ فُلَانًا
وَيَشْهَدَانِ عَلَيْهِ إنْ أَنْكَرَ، فَإِنْ قَالَ: لَسْتُ الْمُسَمَّى فِي الْكِتَابِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَعَلَى الْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ بِأَنَّ هَذَا الْمَكْتُوبَ اسْمُهُ وَنَسَبُهُ، فَإِنْ أَقَامَهَا فَقَالَ لَسْتُ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ لَزِمَهُ الْحُكْمُ إنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مُشَارِكٌ لَهُ فِي الِاسْمِ وَالصِّفَاتِ، وَإِنْ كَانَ أُحْضِرَ، فَإِنْ اعْتَرَفَ بِالْحَقِّ طُولِبَ وَتُرِكَ الْأَوَّلُ، وَإِلَّا بَعَثَ إلَى الْكَاتِبِ لِيَطْلُبَ مِنْ الشُّهُودِ زِيَادَةَ صِفَةٍ تُمَيِّزُهُ وَيَكْتُبُهَا ثَانِيًا.
ــ
[مغني المحتاج]
وَفُلَانًا، وَيُسَنُّ أَنْ يَكْتُبَ اسْمَهُ وَاسْمَ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ فِي الْعِنْوَانِ أَيْضًا، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بَلَدَ الْغَائِبِ كَتَبَ الْكِتَابَ مُطْلَقًا إلَى كُلِّ مَنْ يَبْلُغُهُ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ مَنْ بَلَغَهُ عَمِلَ بِهِ، وَيُشْتَرَطُ فِي شُهُودِ الْكِتَابِ وَالْحُكْمِ ظُهُورُ عَدَالَتِهِمْ عِنْدَ الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ، وَلَا تَثْبُتُ عَدَالَتُهُمْ عِنْدَهُ بِتَعْدِيلِ الْكَاتِبِ إيَّاهُمْ فِي الْأَصَحِّ، وَإِذَا حَمَلَا الْكِتَابَ إلَى بَلَدِ الْغَائِبِ أَخْرَجَاهُ إلَيْهِ لِيَقِفَ عَلَى مَا فِيهِ (وَيَشْهَدَانِ) عِنْدَ الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَا صَدَرَ مِنْ الْقَاضِي الْكَاتِبِ مِنْ الْحُكْمِ، أَوْ الثُّبُوتِ الْمُجَرَّدِ عَنْ الْحُكْمِ (إنْ أَنْكَرَ) الْخَصْمُ الْمُحْضَرُ لِلْقَاضِي الْحَقَّ الْمُدَّعَى بِهِ عَلَيْهِ (فَإِنْ) اعْتَرَفَ بِهِ أَلْزَمَهُ الْقَاضِي تَوْفِيَتَهُ، وَ (فَإِنْ قَالَ: لَسْتُ الْمُسَمَّى فِي) هَذَا (الْكِتَابِ) أَيْ الْمَكْتُوبِ (صُدِّقَ بِيَمِينِهِ) أَنَّهُ لَيْسَ الْمُسَمَّى فِيهِ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِنَفْسِهِ وَالْأَصْلُ فَرَاغُ ذِمَّتِهِ، وَلَا يَكْفِي الْحَلِفُ عَلَى نَفْيِ اللُّزُومِ كَمَا فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ.
نَعَمْ إنْ أَجَابَ بِلَا يَلْزَمُنِي شَيْءٌ وَأَرَادَ الْحَلِفَ عَلَيْهِ مُكِّنَ (وَعَلَى الْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ بِأَنَّ هَذَا الْمَكْتُوبَ اسْمُهُ وَنَسَبُهُ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ تَسْمِيَتِهِ بِهَذَا الِاسْمِ، هَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا بِهِ وَإِلَّا فَلَا يُفِيدُ إنْكَارُهُ، وَكَذَا إذَا شَهِدُوا عَلَى عَيْنِهِ أَنَّ الْقَاضِيَ الْكَاتِبَ حُكِمَ عَلَيْهِ فَيُسْتَوْفَى مِنْهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهَذِهِ الْبَيِّنَةُ يَكْفِي فِيهَا الْعَدَالَةُ الظَّاهِرَةُ، وَلَا يُبَالَغُ فِي الْبَحْثِ وَالِاسْتِزْكَاءِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الشَّهَادَاتِ (فَإِنْ أَقَامَهَا) أَيْ أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ بِأَنَّ الْمَكْتُوبَ فِي الْكِتَابِ اسْمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَنَسَبُهُ (فَقَالَ) الْغَائِبُ صَحِيحٌ مَا قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ، لَكِنْ (لَسْتُ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ) بِهَذَا الْحَقِّ (لَزِمَهُ الْحُكْمُ) بِمَا قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ وَلَمْ يُتَلَفَّتْ لِقَوْلِهِ (إنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ) شَخْصٌ آخَرُ (مُشَارِكٌ لَهُ فِي الِاسْمِ وَالصِّفَاتِ) الْمَذْكُورَةِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ (وَإِنْ كَانَ) هُنَاكَ مُشَارِكٌ لَهُ فِيمَا ذُكِرَ وَقَدْ مَاتَ بَعْدَ الْحُكْمِ وَقَعَ الْإِشْكَالُ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَهُ فَإِنْ لَمْ يُعَاصِرْهُ فَلَا إشْكَالَ، وَإِنْ عَاصَرَهُ وَكَانَ حَاضِرًا (أُحْضِرَ، فَإِنْ اعْتَرَفَ) الْمُشَارِكُ لَهُ (بِالْحَقِّ طُولِبَ) بِهِ (وَتُرِكَ الْأَوَّلُ) لِبَيَانِ أَنَّ الْغَلَطَ فِيهِ.
تَنْبِيهٌ هَذَا إذَا صَدَّقَهُ الْمُدَّعِي، وَإِلَّا فَهِيَ مَسْأَلَةٌ مَا إذَا كَذَبَ الْمُقِرُّ لَهُ وَقَدْ سَبَقْتُ فِي الْإِقْرَارِ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَعْتَرِفْ الْمُشَارِكُ لَهُ بِالْحَقِّ (بَعَثَ) الْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ (إلَى) الْقَاضِي (الْكَاتِبِ لِيَطْلُبَ مِنْ الشُّهُودِ زِيَادَةَ صِفَةٍ تُمَيِّزُهُ) أَيْ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ (وَيَكْتُبُهَا ثَانِيًا) وَيُنْهِيهَا لِبَلَدِ الْغَائِبِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ زِيَادَةً عَلَى الصِّفَاتِ الْمَكْتُوبَةِ وَقَفَ الْأَمْرُ حَتَّى يَنْكَشِفَ بِتَمْيِيزِ شُهُودِ الْأَصْلِ بِالْإِشَارَةِ إلَيْهِ.
وَلَوْ حَضَرَ قَاضِي بَلَدِ الْغَائِبِ بِبَلَدِ الْحَاكِمِ فَشَافَهَهُ بِحُكْمِهِ فَفِي إمْضَائِهِ إذَا عَادَ إلَى وِلَايَتِهِ خِلَافُ الْقَضَاءِ بِعِلْمِهِ، وَلَوْ نَادَاهُ فِي طَرَفَيْ وِلَايَتِهِمَا أَمْضَاهُ، وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى سَمَاعِ بَيِّنَةٍ كَتَبَ سَمِعْتُ بَيِّنَةً عَلَى فُلَانٍ، وَيُسَمِّيهَا الْقَاضِي إنْ لَمْ يُعَدِّلْهَا، وَإِلَّا فَالْأَصَحُّ جَوَازُ تَرْكِ التَّسْمِيَةِ.
ــ
[مغني المحتاج]
تَنْبِيهٌ يُعْتَبَرُ مَعَ الْمُعَاصَرَةِ إمْكَانُ الْمُعَامَلَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الِاقْتِصَارُ عَلَى كِتَابَةِ الصِّفَةِ الْمُمَيِّزَةِ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: لَا بُدَّ مِنْ حُكْمٍ مُسْتَأْنَفٍ عَلَى الْمَوْصُوفِ بِالصِّفَةِ الزَّائِدَةِ وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ لِدَعْوَى وَحَلِفٍ.
(وَلَوْ)(حَضَرَ قَاضِي بَلَدِ الْغَائِبِ بِبَلَدِ الْحَاكِمِ) لِلْمُدَّعِي الْحَاضِرِ (فَشَافَهَهُ بِحُكْمِهِ) عَلَى الْغَائِبِ (فَفِي إمْضَائِهِ) أَيْ تَنْفِيذِهِ (إذَا عَادَ إلَى) مَحِلِّ (وِلَايَتِهِ خِلَافُ الْقَضَاءِ بِعِلْمِهِ) وَقَدْ مَرَّ فَيَحْكُمُ، وَخَرَجَ بِبَلَدِ الْحَاكِمِ مَا لَوْ اجْتَمَعَا فِي غَيْرِ بَلَدِهِمَا وَأَخْبَرَهُ بِحُكْمِهِ فَلَيْسَ لَهُ إمْضَاؤُهُ إذَا عَادَ لِمَحِلِّ وِلَايَتِهِ، وَبِحُكْمِهِ مَا لَوْ شَافَهَهُ بِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ فَقَطْ فَلَا يَقْضِي بِهَا إذَا عَادَ إلَى مَحِلِّ وِلَايَتِهِ جَزْمًا كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ، وَلَا يَتَخَرَّجُ عَلَى الْقَضَاءِ بِالْعِلْمِ، وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ هُنَا، وَالْفَرْقُ أَنَّ قَوْلَهُ فِي مَحِلِّ وِلَايَتِهِ حَكَمْتُ بِكَذَا يَحْصُلُ لِلسَّامِعِ بِهِ عِلْمٌ بِالْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ صَالِحٌ لِلْإِنْشَاءِ فِي تَخْرِيجِهِ عَلَى الْقَضَاءِ بِالْعِلْمِ، بِخِلَافِ سَمَاعِ الشَّهَادَةِ، فَإِنَّ الْإِخْبَارَ بِهِ لَا يُحَصِّلُ عِلْمًا بِوُقُوعِهِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَسْلُكَ بِهِ مَسْلَكَ الشَّهَادَةِ، فَاخْتَصَّ سَمَاعُهَا بِمَحِلِّ الْوِلَايَةِ (وَلَوْ نَادَاهُ) وَهُمَا كَائِنَانِ (فِي طَرَفَيْ وِلَايَتِهِمَا) أَيْ قَالَ قَاضِي بَلَدِ الْحَاضِرِ وَهُوَ فِي طَرَفِ وِلَايَتِهِ لِقَاضِي بَلَدِ الْغَائِبِ فِي طَرَفِ وِلَايَتِهِ حَكَمْتُ بِكَذَا عَلَى فُلَانٍ الَّذِي بِبَلَدِكَ (أَمْضَاهُ) أَيْ نَفَّذَهُ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ مِنْ الشَّهَادَةِ وَالْكِتَابَةِ فِي الِاعْتِمَادِ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ فِي الْبَلَدِ قَاضِيَانِ وَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ: إنِّي حَكَمْتُ بِكَذَا فَإِنَّهُ يُمْضِيهِ إذَا أَخْبَرَهُ بِهِ نَائِبُهُ فِي الْبَلَدِ وَعَكْسِهِ (وَإِنْ اقْتَصَرَ) الْقَاضِي الْكَاتِبُ (عَلَى سَمَاعِ بَيِّنَةٍ) بِلَا حُكْمٍ (كَتَبَ) بِهَا إلَى بَلَدِ الْغَائِبِ فَيَقُولُ فِي كِتَابِهِ لَهُ (سَمِعْتُ بَيِّنَةً عَلَى فُلَانٍ) ابْنِ فُلَانٍ وَيَصِفُهُ بِمَا يُمَيِّزُهُ بِهِ بِكَذَا وَكَذَا لِيَتَوَلَّى الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ الْحُكْمَ عَلَيْهِ (وَيُسَمِّيهَا الْقَاضِي) الْكَاتِبُ حَتْمًا وَيَرْفَعُ فِي نَسَبِهَا (إنْ لَمْ يُعَدِّلْهَا) لِيَبْحَثَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ عَنْ عَدَالَتِهَا وَغَيْرِهَا حَتَّى يَحْكُمَ بِهَا (وَإِلَّا) بِأَنْ عَدَّلَهَا (فَالْأَصَحُّ جَوَازُ تَرْكِ التَّسْمِيَةِ) لِلْبَيِّنَةِ وَيَأْخُذُ الْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ اكْتِفَاءً بِتَعْدِيلِ الْقَاضِي الْكَاتِبِ لَهَا مِنْ غَيْرِ إعَادَةِ تَعْدِيلِهَا كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ الْقِيَاسُ، وَصَوَّبَهُ الْمُصَنِّفُ كَمَا يُسْتَغْنَى عَنْ تَسْمِيَةِ الشُّهُودِ. وَالثَّانِي: الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ الْآخَرَ إنَّمَا يَقْضِي بِقَوْلِهِمْ.
تَنْبِيهٌ لَوْ أَقَامَ الْخَصْمُ بَيِّنَةً بِجَرْحِ الشُّهُودِ قُدِّمَتْ عَلَى بَيِّنَةِ التَّعْدِيلِ، وَلِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ الِاسْتِمْهَالُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِيُقِيمَ بَيِّنَةَ الْجَرْحِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَبْرَأَنِي أَوْ قَضَيْتُ الْحَقَّ وَاسْتُمْهِلَ لِقِيَامِ الْبَيِّنَةِ، فَلَوْ قَالَ: أَمْهِلُونِي حَتَّى أَذْهَبَ إلَى بَلَدِهِمْ وَأَجْرَحَهُمْ فَإِنِّي لَا أَتَمَكَّنُ مِنْ جَرْحِهِمْ إلَّا هُنَاكَ، أَوْ قَالَ: لِي بَيِّنَةٌ هُنَاكَ دَافِعَةٌ لَمْ يُمْهَلْ، بَلْ يُؤْخَذُ الْحَقُّ مِنْهُ، فَإِنْ أَثْبَتَ جَرْحًا أَوْ دَفْعًا