الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ يُسَنُّ أَنْ يَعُقَّ عَنْ غُلَامٍ بِشَاتَيْنِ، وَجَارِيَةٍ بِشَاةٍ.
ــ
[مغني المحتاج]
وَهُوَ ضَعِيفٌ.
وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ إذَا ضَحَّى عَنْ غَيْرِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِجَمِيعِهَا، وَقِيلَ تَصِحُّ التَّضْحِيَةُ عَنْ الْمَيِّتِ وَإِنْ لَمْ يُوصِ بِهَا؛ لِأَنَّهَا ضَرْبٌ مِنْ الصَّدَقَةِ، وَهِيَ تَصِحُّ عَنْ الْمَيِّتِ وَتَنْفَعُهُ، وَتَقَدَّمَ فِي الْوَصَايَا أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ السَّرَّاجَ النَّيْسَابُورِيَّ أَحَدَ أَشْيَاخِ الْبُخَارِيِّ خَتَمَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَكْثَرَ مِنْ عَشْرَةِ آلَافِ خَتْمَةً وَضَحَّى عَنْهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ.
[فَصْلٌ فِي الْعَقِيقَةِ]
ِ مِنْ عَقَّ يَعُقُّ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَضَمِّهَا، وَهِيَ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِلشَّعْرِ الَّذِي عَلَى الْمَوْلُودِ حِينَ وِلَادَتِهِ، وَشَرْعًا مَا يُذْبَحُ عِنْدَ حَلْقِ شَعْرِهِ تَسْمِيَةً لِلشَّيْءِ بِاسْمِ سَبَبِهِ، وَلِأَنَّ مَذْبَحَهُ يُعَقُّ: أَيْ يُشَقُّ وَيُقْطَعُ، وَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ وَالْأَخْبَارِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ تَسْمِيَتُهَا عَقِيقَةً، لَكِنْ رَوَى أَبُو دَاوُد أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِلسَّائِلِ عَنْهَا:«لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْعُقُوقَ» فَقَالَ الرَّاوِي كَأَنَّهُ كَرِهَ الِاسْمَ، وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ ابْنِ أَبِي الدَّمِ قَالَ أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ تَسْمِيَتُهَا نَسِيكَةً أَوْ ذَبِيحَةً وَيُكْرَهُ تَسْمِيَتُهَا عَقِيقَةً كَمَا يُكْرَهُ تَسْمِيَةُ الْعِشَاءِ عَتَمَةً وَيَدْخُلُ وَقْتُهَا بِانْفِصَالِ جَمِيعِ الْوَلَدِ، وَلَا تُحْسَبُ قَبْلَهُ، بَلْ تَكُونُ شَاةَ لَحْمٍ، وَهِيَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لِلْأَخْبَارِ الْآتِيَةِ، قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَفْرَطَ فِي الْعَقِيقَةِ رَجُلَانِ الْحَسَنُ قَالَ إنَّهَا بِدْعَةٌ، وَاللَّيْثُ قَالَ إنَّهَا وَاجِبَةٌ، ثُمَّ لَمَّا نَشَأَ دَاوُد بَعْدَ الشَّافِعِيِّ وَافَقَ اللَّيْثَ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمَا حَدِيثُ أَبِي دَاوُد «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْسُكَ عَنْ وَلَدِهِ فَلْيَفْعَلْ» وَلِأَنَّهَا إرَاقَةُ دَمٍ بِغَيْرِ جِنَايَةٍ وَلَا نَذْرٍ فَلَمْ تَجِبْ كَالْأُضْحِيَّةِ، وَالْمَعْنَى فِيهِ إظْهَارُ الْبِشْرِ بِالنِّعْمَةِ وَنَشْرِ النَّسَبِ وَالْأَصْلُ فِي اسْتِحْبَابِهَا أَخْبَارٌ كَخَبَرِ «الْغُلَامُ مُرْتَهَنٌ بِعَقِيقَتِهِ تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ السَّابِعِ وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ وَيُسَمَّى» وَكَخَبَرِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِتَسْمِيَةِ الْمَوْلُودِ يَوْمَ سَابِعِهِ وَوَضْعِ الْأَذَى عَنْهُ وَالْعَقِّ» رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ فِي الْأَوَّلِ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَفِي الثَّانِي حَسَنٌ.
وَمَعْنَى مُرْتَهَنٌ بِعَقِيقَتِهِ، قِيلَ لَا يَنْمُو نُمُوَّ مِثْلِهِ حَتَّى يُعَقَّ عَنْهُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَأَجْوَدُ مَا قِيلَ فِيهِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُعَقَّ عَنْهُ لَمْ يَشْفَعْ فِي وَالِدِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَنَقَلَهُ الْحَلِيمِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ عَلَى أَحْمَدَ.
(يُسَنُّ) لِمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَةُ فَرْعِهِ بِتَقْدِيرِ فَقْرِهِ (أَنْ يَعُقَّ عَنْ) مَوْلُودٍ (غُلَامٍ بِشَاتَيْنِ) مُتَسَاوِيَتَيْنِ (وَ) عَنْ (جَارِيَةٍ بِشَاةٍ) لِخَبَرِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -
وَسِنُّهَا وَسَلَامَتُهَا، وَالْأَكْلُ وَالتَّصَدُّقُ كَالْأُضْحِيَّةِ،
ــ
[مغني المحتاج]
«أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَعُقَّ عَنْ الْغُلَامِ بِشَاتَيْنِ، وَعَنْ الْجَارِيَةِ بِشَاةٍ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَإِنَّمَا كَانَتْ الْأُنْثَى عَلَى النِّصْفِ تَشْبِيهًا بِالدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهَا اسْتِبْقَاءُ النَّفْسِ، وَيَتَأَدَّى أَصْلُ السُّنَّةِ عَنْ الْغُلَامِ بِشَاةٍ وَاحِدَةٍ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم عَقَّ عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ كَبْشًا كَبْشًا» وَكَالشَّاةِ سُبْعُ بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ، فَلَوْ ذَبَحَ بَدَنَةً أَوْ بَقَرَةً عَنْ سَبْعَةِ أَوْلَادٍ، أَوْ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِيهَا جَازَ، سَوَاءٌ أَرَادُوا كُلُّهُمْ الْعَقِيقَةَ أَوْ بَعْضُهُمْ الْعَقِيقَةَ وَبَعْضُهُمْ اللَّحْمَ، قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَكَالْأُنْثَى الْخُنْثَى كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ، وَتَتَعَدَّدُ الْعَقِيقَةُ بِتَعَدُّدِ الْأَوْلَادِ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ فَإِنْ قِيلَ قَدْ عَقَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ، وَقَدْ قُلْتُمْ إنَّهَا إنَّمَا تُسَنُّ لِمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَةُ الْمَوْلُودِ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِعَقِّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ أَمَرَ أَبَاهُمَا بِذَلِكَ، أَوْ أَعْطَاهُ مَا عَقَّ بِهِ، أَوْ أَنَّهُمَا كَانَا فِي نَفَقَةِ جَدِّهِمَا صلى الله عليه وسلم لِعُسْرِ أَبَوَيْهِمَا أَمَّا مِنْ مَالِ الْمَوْلُودِ فَلَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَعُقَّ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَقِيقَةَ تَبَرُّعٌ وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ مِنْ مَالِ الْمَوْلُودِ، فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَإِطْلَاقُهُمْ اسْتِحْبَابَ الْعَقِيقَةِ لِمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَةُ الْوَلَدِ يُفْهِمُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْأُمِّ أَنْ تَعُقَّ عَنْ وَلَدِهَا مِنْ زِنًا، وَفِيهِ بُعْدٌ لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الْعَارِ، وَأَنَّهُ لَوْ وَلَدَتْ أَمَتُهُ مِنْ زِنًا أَوْ زَوْجٍ مُعْسِرٍ، أَوْ مَاتَ قَبْلَ عَقِّهِ اُسْتُحِبَّ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَعُقَّ عَنْهُ وَلَيْسَ مُرَادًا. .
تَنْبِيهٌ لَوْ كَانَ الْوَلِيُّ عَاجِزًا عَنْ الْعَقِيقَةِ حِينَ الْوِلَادَةِ ثُمَّ أَيْسَرَ بِهَا قَبْلَ تَمَامِ السَّابِعِ اُسْتُحِبَّتْ فِي حَقِّهِ، وَإِنْ أَيْسَرَ بِهَا بَعْدَ السَّابِعِ مَعَ بَقِيَّةِ مُدَّةِ النِّفَاسِ أَيْ أَكْثَرِهِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ لَمْ يُؤْمَرْ بِهَا، وَفِيمَا إذَا أَيْسَرَ بِهَا بَعْدَ السَّابِعِ فِي مُدَّةِ النِّفَاسِ تَرَدُّدٌ لِلْأَصْحَابِ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْأَنْوَارِ تَرْجِيحُ مُخَاطَبَتِهِ بِهَا، وَلَا يَفُوتُ عَلَى الْوَلِيِّ الْمُوسِرِ بِهَا حَتَّى يَبْلُغَ الْوَلَدُ، فَإِنْ بَلَغَ سُنَّ أَنْ يَعُقَّ عَنْ نَفْسِهِ تَدَارُكًا لِمَا فَاتَ، وَمَا قِيلَ إنَّهُ صلى الله عليه وسلم عَقَّ عَنْ نَفْسِهِ بَعْدَ النُّبُوَّةِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ بَاطِلٌ وَيُسَنُّ أَنْ يُعَقَّ عَمَّنْ مَاتَ قَبْلَ السَّابِعِ أَوْ بَعْدَهُ بَعْدَ أَنْ تَمَكَّنَ مِنْ الذَّبْحِ.
(وَ) جِنْسُهَا وَ (سِنُّهَا وَسَلَامَتُهَا) مِنْ الْعَيْبِ وَالْأَفْضَلُ مِنْهَا (وَالْأَكْلُ) وَقَدْرُ الْمَأْخُوذِ مِنْهَا وَالِادِّخَارُ (وَالتَّصَدُّقُ) وَالْإِهْدَاءُ مِنْهَا وَتَعْيِينُهَا إذَا عُيِّنَتْ وَامْتِنَاعُ بَيْعِهَا (كَالْأُضْحِيَّةِ) الْمَسْنُونَةِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهَا ذَبِيحَةٌ مَنْدُوبٌ إلَيْهَا، فَأَشْبَهَتْ الْأُضْحِيَّةَ
وَيُسَنُّ طَبْخُهَا، وَلَا يُكْسَرُ عَظْمٌ.
وَأَنْ تُذْبَحَ يَوْمَ سَابِعِ وِلَادَتِهِ
وَيُسَمَّى فِيهِ.
ــ
[مغني المحتاج]
تَنْبِيهٌ لَوْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مَا زِدْته لَكَانَ أَوْلَى لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ الْحَصْرُ فِيمَا ذَكَرَهُ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ التَّشْبِيهِ بِالْأُضْحِيَّةِ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَيُسَنُّ طَبْخُهَا) كَسَائِرِ الْوَلَائِمِ لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنَّهُ السُّنَّةُ، وَتُطْبَخُ بِحَلْوَى تَفَاؤُلًا بِحَلَاوَةِ أَخْلَاقِ الْمَوْلُودِ وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُحِبُّ الْحَلْوَاءَ وَالْعَسَلَ» .
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يُسَنُّ طَبْخُهَا وَلَوْ كَانَتْ مَنْذُورَةً، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا وَإِنْ بَحَثَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّهُ يَجِبُ التَّصَدُّقُ بِلَحْمِهَا نِيئًا؛ لِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ ضِيَافَةٌ عَامَّةٌ مِنْ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِينَ بِخِلَافِ الْعَقِيقَةِ، وَلِهَذَا إذَا أَهْدَى لِلْغَنِيِّ مِنْهَا شَيْئًا مَلَكَهُ بِخِلَافِهِ فِي الْأُضْحِيَّةِ كَمَا مَرَّ، وَلَا يُكْرَهُ طَبْخُهَا بِحَامِضٍ، إذْ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ نَهْيٌ، وَحَمْلُهَا مَطْبُوخَةً مَعَ مَرَقَتِهَا لِلْفُقَرَاءِ أَفْضَلُ مِنْ دُعَائِهِمْ إلَيْهَا، وَلَا بَأْسَ بِنِدَاءِ قَوْمٍ إلَيْهَا، وَيُسْتَثْنَى مِنْ طَبْخِهَا رِجْلُ الشَّاةِ فَإِنَّهَا تُعْطَى لِلْقَابِلَةِ؛ لِأَنَّ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - فَعَلَتْ ذَلِكَ بِأَمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ (وَلَا يُكْسَرُ) مِنْهَا (عَظْمٌ) أَيْ يُسَنُّ ذَلِكَ مَا أَمْكَنَ، بَلْ يُقْطَعُ كُلُّ عَظْمٍ مِنْ مِفْصَلِهِ تَفَاؤُلًا بِسَلَامَةِ أَعْضَاءِ الْمَوْلُودِ، فَإِنْ كَسَرَهُ لَمْ يُكْرَهْ إذْ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ نَهْيٌ مَقْصُودٌ، بَلْ هُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى
تَنْبِيهٌ قَوْلُ الزَّرْكَشِيّ وَلَوْ عَقَّ عَنْهُ بِسُبْعِ بَدَنَةٍ هَلْ يَتَعَلَّقُ اسْتِحْبَابُ تَرْكِ الْكَسْرِ بِعَظْمِ السُّبْعِ أَوْ بِعِظَامِ جَمِيعِ الْبَدَنَةِ؟ الْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْوَاقِعَ عَقِيقَةً هُوَ السُّبْعُ مَمْنُوعٌ، بَلْ الْأَقْرَبُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّهُ إنْ تَأَتَّى قِسْمَتُهَا بِغَيْرِ كَسْرٍ فَاسْتِحْبَابُ تَرْكِ الْكَسْرِ يَتَعَلَّقُ بِالْجَمِيعِ، إذْ مَا مِنْ جُزْءٍ إلَّا وَلِلْعَقِيقَةِ فِيهِ حِصَّةٌ.
(وَ) يُسَنُّ (أَنْ تُذْبَحَ) الْعَقِيقَةُ (يَوْمَ سَابِعِ وِلَادَتِهِ) أَيْ الْمَوْلُودِ وَيُحْسَبُ يَوْمُ الْوِلَادَةِ مِنْ السَّبْعَةِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، فَإِنْ وَلَدَتْ لَيْلًا حُسِبَ الْيَوْمُ الَّذِي يَلِيهِ، وَأَنْ يَقُولَ الذَّابِحُ بَعْدَ التَّسْمِيَةِ اللَّهُمَّ مِنْك وَإِلَيْك عَقِيقَةُ فُلَانٍ لِخَبَرٍ وَرَدَ فِيهِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، وَيُكْرَهُ لَطْخُ رَأْسِ الْمَوْلُودِ بِدَمِهَا لِأَنَّهُ مِنْ فِعْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُحَرَّمْ لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ «مَعَ الْغُلَامِ عَقِيقَةٌ فَأَهْرِقُوا عَلَيْهِ دَمًا وَأَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى» ، بَلْ قَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ إنَّهُ يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ ثُمَّ يُغْسَلُ لِهَذَا الْخَبَرِ وَيُسَنُّ لَطْخُ رَأْسِهِ بِالزَّعْفَرَانِ وَالْخُلُوفِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ.
(وَ) يُسَنُّ أَنْ (يُسَمَّى فِيهِ) أَيْ السَّابِعِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْمَارِّ أَوَّلَ الْفَصْلِ، وَلَا بَأْسَ بِتَسْمِيَتِهِ قَبْلَهُ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي أَذْكَارِهِ أَنَّ السُّنَّةَ تَسْمِيَتُهُ يَوْمَ السَّابِعِ أَوْ يَوْمَ الْوِلَادَةِ، وَاسْتَدَلَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِأَخْبَارٍ صَحِيحَةٍ، وَحَمَلَ الْبُخَارِيُّ أَخْبَارَ يَوْمِ الْوِلَادَةِ عَلَى مَنْ لَمْ يُرِدْ الْعَقَّ، وَأَخْبَارَ يَوْمِ السَّابِعِ عَلَى مَنْ أَرَادَهُ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ شَارِحُهُ وَهُوَ جَمْعٌ لَطِيفٌ لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ، وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ التَّسْمِيَةِ اُسْتُحِبَّ تَسْمِيَتُهُ، بَلْ يُسَنُّ تَسْمِيَةُ السَّقْطِ، فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ أَذَكَرٌ هُوَ أَمْ أُنْثَى سُمِّيَ بِاسْمٍ يَصْلُحُ لَهُمَا كَخَارِجَةَ وَطَلْحَةَ وَهِنْدَ وَيُسَنُّ أَنْ يُحَسَّنَ اسْمُهُ لِخَبَرِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[مغني المحتاج]
«إنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَسْمَائِكُمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِكُمْ فَحَسِّنُوا أَسْمَاءَكُمْ» . وَأَفْضَلُ الْأَسْمَاءِ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «أَحَبُّ الْأَسْمَاءِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ زَادَ أَبُو دَاوُد وَأَصْدَقُهَا حَارِثٌ وَهَمَّامٌ، وَأَقْبَحُهَا حَرْبٌ وَمُرَّةُ» وَتُكْرَهُ الْأَسْمَاءُ الْقَبِيحَةُ، كَشَيْطَانٍ وَظَالِمٍ وَشِهَابٍ وَحِمَارٍ وَكُلَيْبٍ، وَمَا يُتَطَيَّرُ بِنَفْيِهِ عَادَةً، كَنَجِيحٍ وَبَرَكَةَ لِخَبَرِ «لَا تُسَمِّيَنَّ غُلَامَك أَفْلَحَ وَلَا نَجِيحًا وَلَا يَسَارًا وَلَا رَبَاحًا فَإِنَّك إذَا قُلْت أَثَمَّ هُوَ؟ قَالَ لَا» ، وَيُسَنُّ أَنْ تُغَيَّرَ الْأَسْمَاءُ الْقَبِيحَةُ وَمَا يُتَطَيَّرُ بِنَفْيِهِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم غَيَّرَ اسْمَ عَاصِيَةَ، وَقَالَ أَنْتِ جَمِيلَةٌ» .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ كَانَ اسْمُهَا بَرَّةَ فَقِيلَ تُزَكِّي نَفْسَهَا، فَسَمَّاهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم زَيْنَبَ» ، وَيُكْرَهُ كَرَاهَةً شَدِيدَةً كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ التَّسْمِيَةُ بِسِتِّ النَّاسِ أَوْ الْعُلَمَاءِ أَوْ الْقُضَاةِ أَوْ الْعَرَبِ لِأَنَّهُ كَذِبٌ وَلَا تُعْرَفُ السِّتُّ إلَّا فِي الْعَدَدِ، وَمُرَادُ الْعَوَامّ بِذَلِكَ سَيِّدَةٌ، وَلَا تَجُوزُ التَّسْمِيَةُ بِمَلِكِ الْأَمْلَاكِ وَشَاهَانْ شَاهْ، وَمَعْنَاهُ مَلِكُ الْأَمْلَاكِ، وَلَا مَلِكَ الْأَمْلَاكِ إلَّا اللَّهُ، وَنَقَلَ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ التَّحْرِيمَ فِي قَاضِي الْقُضَاةِ وَأَبْلَغُ مِنْهُ حَاكِمُ الْحُكَّامِ، وَفِي مِنْهَاجِ الْحَلِيمِيِّ جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ «لَا تَقُولُوا الطَّبِيبَ وَقُولُوا الرَّفِيقَ فَإِنَّمَا الطَّبِيبُ اللَّهُ» وَإِنَّمَا سُمِّيَ الرَّفِيقَ، لِأَنَّهُ يَرْفُقُ بِالْعَلِيلِ وَأَمَّا الطَّبِيبُ فَهُوَ الْعَالِمُ بِحَقِيقَةِ الدَّاءِ وَالدَّوَاءِ وَالْقَادِرُ عَلَى الصِّحَّةِ وَالشِّفَاءِ، وَلَيْسَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا تُكْرَهُ التَّسْمِيَةُ بِأَسْمَاءِ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَيس وَطَه خِلَافًا لِمَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَفِي تَفْسِيرِ الْقُرْطُبِيِّ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى {السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ} [الحشر: 23]
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ «إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَخْرَجَ اللَّهُ تَعَالَى أَهْلَ التَّوْحِيدِ مِنْ النَّارِ وَأَوَّلُ مَنْ يَخْرُجُ مَنْ وَافَقَ اسْمُهُ اسْمَ نَبِيٍّ حَتَّى إذَا لَمْ يَبْقَ فِيهَا مَنْ وَافَقَ اسْمُهُ اسْمَ نَبِيٍّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْتُمْ الْمُسْلِمُونَ وَأَنَا السَّلَامُ وَأَنْتُمْ الْمُؤْمِنُونَ وَأَنَا الْمُؤْمِنُ، فَيُخْرِجُهُمْ مِنْ النَّارِ بِبَرَكَةِ هَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ» وَفِي كِتَابِ الْخَصَائِصِ لِابْنِ سَبْعٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ أَلَا لِيَقُمْ مَنْ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ فَلْيَدْخُلْ الْجَنَّةَ كَرَامَةً لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم» وَفِي مُسْنَدِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي أُسَامَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «مَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ وَلَمْ يُسَمِّ أَحَدَهُمْ بِمُحَمَّدٍ فَقَدْ جَهِلَ» وَقَالَ مَالِكٌ سَمِعْت أَهْلَ الْمَدِينَةِ يَقُولُونَ مَا مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ فِيهِمْ اسْمُ مُحَمَّدٍ إلَّا رُزِقُوا رِزْقَ خَيْرٍ، قَالَ ابْنُ رَشِيدٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونُوا عَرَفُوا ذَلِكَ بِالتَّجْرِبَةِ أَوْ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ أَثَرٌ، وَالتَّسْمِيَةُ بِعَبْدِ النَّبِيِّ قَدْ تَجُوزُ إذَا قُصِدَ بِهِ التَّسْمِيَةُ لَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَمَالَ الْأَكْثَرُونَ إلَى الْمَنْعِ مِنْهُ خَشْيَةَ التَّشْرِيكِ لِحَقِيقَةِ الْعُبُودِيَّةِ، وَاعْتِقَادِ حَقِيقَةِ الْعُبُودِيَّةِ كَمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّسَمِّي بِعَبْدِ الْكَعْبَةِ وَعَبْدِ الْعُزَّى قِيلَ شَهِدَ رَجُلٌ عِنْدَ الْحَارِثِ فَقَالَ لَهُ الْحَارِثُ مَا اسْمُك؟ قَالَ جِبْرِيلُ فَقَالَ لَهُ
وَيُحْلَقَ رَأْسُهُ بَعْدَ ذَبْحِهَا، وَيُتَصَدَّقَ بِزِنَتِهِ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً.
ــ
[مغني المحتاج]
الْحَارِثُ قَدْ ضَاقَتْ عَلَيْك أَسْمَاءُ بَنِي آدَمَ حَتَّى تَسَمَّيْت بِاسْمِ الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ قَدْ ضَاقَتْ عَلَيْك الْأَسْمَاءُ حَتَّى تَسَمَّيْت بِاسْمِ الشَّيْطَانِ، فَإِنَّ اسْمَهُ الْحَارِثُ، وَيَحْرُمُ تَلْقِيبُ الشَّخْصِ بِمَا يَكْرَهُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ كَالْأَعْوَرِ وَالْأَعْمَشِ، وَيَجُوزُ ذِكْرُهُ بِنِيَّةِ التَّعْرِيفِ لِمَنْ لَمْ يَعْرِفْهُ إلَّا بِهِ، فَالْأَلْقَابُ الْحَسَنَةُ لَا يُنْهَى عَنْهَا، فَقَدْ لُقِّبَ الصِّدِّيقُ بِعَتِيقٍ، وَعُمَرُ بِالْفَارُوقِ، وَحَمْزَةُ بِأَسَدِ اللَّهِ، وَخَالِدٌ بِسَيْفِ اللَّهِ، وَمَا زَالَتْ الْأَلْقَابُ الْحَسَنَةُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ إلَّا مَا أَحْدَثَهُ النَّاسُ فِي زَمَانِنَا هَذَا مِنْ التَّوَسُّعِ حَتَّى لَقَّبُوا السَّفَلَةَ بِالْأَلْقَابِ الْعَلِيَّةِ. وَهَبْ الْعُذْرَ مَبْسُوطًا، فَمَا أَقُولُ فِي تَلْقِيبِ مَنْ لَيْسَ مِنْ الدِّينِ فِي قَبِيلٍ وَلَا دَبِيرٍ بِفُلَانِ الدِّينِ هِيَ لَعَمْرُ اللَّهِ الْغُصَّةُ الَّتِي لَا تُسَاغُ، وَمَعْنَى اللَّقَبِ اسْمُ مَا يُدْعَى الِاسْمُ بِهِ يُشْعِرُ بِضَعَةِ الْمُسَمَّى أَوْ رِفْعَتِهِ وَالْمَقْصُودُ بِهِ الشُّهْرَةُ، فَمَا كَانَ مَكْرُوهًا نُهِيَ عَنْهُ، وَيُسَنُّ أَنْ يُكَنَّى أَهْلُ الْفَضْلِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ وَلَدٌ وَأَمَّا التَّكَنِّي بِأَبِي الْقَاسِمِ فَهُوَ حَرَامٌ، وَقَدْ قَدَّمْت الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي خُطْبَةِ هَذَا الْكِتَابِ.
وَلَا يُكَنَّى كَافِرٌ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَلَا فَاسِقٌ وَلَا مُبْتَدِعٌ، لِأَنَّ الْكُنْيَةَ لِلتَّكْرِمَةِ وَلَيْسُوا مِنْ أَهْلِهَا، بَلْ أُمِرْنَا بِالْإِغْلَاظِ عَلَيْهِمْ إلَّا لِخَوْفِ فِتْنَةٍ مِنْ ذِكْرِهِ بِاسْمِهِ أَوْ تَعْرِيفٍ كَمَا قِيلَ بِهِ فِي قَوْله تَعَالَى {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد: 1] وَاسْمُهُ عَبْدُ الْعُزَّى وَلَا بَأْسَ بِكُنْيَةِ الصَّغِيرِ، وَيُسَنُّ أَنْ يُكَنَّى مَنْ لَهُ أَوْلَادٌ بِأَكْبَرِ أَوْلَادِهِ، وَيُسَنُّ لِوَلَدِ الشَّخْصِ وَتِلْمِيذِهِ وَغُلَامِهِ أَنْ لَا يُسَمِّيَهُ بِاسْمِهِ، وَالْأَدَبُ أَنْ لَا يُكَنِّيَ الشَّخْصُ نَفْسَهُ فِي كِتَابٍ أَوْ غَيْرِهِ إلَّا أَنْ لَا يُعْرَفَ بِغَيْرِهَا أَوْ كَانَتْ أَشْهَرَ مَنْ الِاسْمِ.
(وَ) يُسَنُّ فِي سَابِعِ وِلَادَةِ الْمَوْلُودِ أَنْ (يُحْلَقَ رَأْسُهُ) كُلُّهَا لِمَا مَرَّ، وَيَكُونُ ذَلِكَ (بَعْدَ ذَبْحِهَا) أَيْ الْعَقِيقَةِ كَمَا فِي الْحَاجِّ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ كَوْنِ الْمَوْلُودِ ذَكَرًا أَمْ أُنْثَى خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ فِي كَرَاهَتِهِ فِيهَا
تَنْبِيهٌ: لَمْ يُصَرِّحْ الْمُصَنِّفُ بِكَوْنِ الْحَلْقِ يَوْمَ السَّابِعِ، وَجَزَمَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ بِكَوْنِهِ فِيهِ، وَلِذَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ، وَكَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقُولَ فِيهِ كَمَا فَعَلَ فِي التَّسْمِيَةِ، وَلَا يَكْفِي حَلْقُ بَعْضِ الرَّأْسِ وَلَا تَقْصِيرُ الشَّعْرِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بِرَأْسِهِ شَعْرٌ، فَفِي اسْتِحْبَابِ إمْرَارِ الْمُوسَى عَلَيْهِ احْتِمَالَانِ (وَ) أَنْ (يُتَصَدَّقَ بِزِنَتِهِ) أَيْ الشَّعْرِ (ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً) وَفِي الْمَجْمُوعِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَفِضَّةٌ، وَفِي الرَّوْضَةِ فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ فَفِضَّةٌ، فَهِيَ بَيَانٌ لِدَرَجَةِ الْأَفْضَلِيَّةِ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ فَاطِمَةَ فَقَالَ زِنِي شَعْرَ الْحُسَيْنِ وَتَصَدَّقِي بِوَزْنِهِ فِضَّةً وَأَعْطِي الْقَابِلَةَ رِجْلَ الْعَقِيقَةِ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَقِيسَ بِالْفِضَّةِ الذَّهَبُ، وَبِالذَّكَرِ الْأُنْثَى، وَلَا رَيْبَ أَنَّ الذَّهَبَ أَفْضَلُ مِنْ الْفِضَّةِ وَإِنْ ثَبَتَ بِالْقِيَاسِ عَلَيْهَا، وَالْخَبَرُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ هِيَ الْمُتَيَسِّرَةُ إذْ ذَاكَ، فَتَعْبِيرُهُمْ بِمَا ذُكِرَ بَيَانٌ لِدَرَجَةِ الْأَفْضَلِيَّةِ
تَنْبِيهٌ: مَنْ لَمْ يَفْعَلْ بِشَعْرِهِ مَا ذُكِرَ يَنْبَغِي لَهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ أَنْ يَفْعَلَهُ هُوَ بَعْدَ بُلُوغِهِ إنْ كَانَ شَعْرُ الْوِلَادَةِ بَاقِيًا وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِزِنَتِهِ يَوْمَ الْحَلْقِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ احْتَاطَ وَأَخْرَجَ الْأَكْثَرَ.
وَيُؤَذَّنَ فِي أُذُنِهِ حِينَ يُولَدُ، وَيُحَنَّكَ بِتَمْرٍ.
ــ
[مغني المحتاج]
فَائِدَةٌ قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ لَا أَدْرِي رُخْصَةً فِي تَثْقِيبِ أُذُنِ الصَّبِيَّةِ لِأَجْلِ تَعْلِيقِ حُلِيِّ الذَّهَبِ أَيْ أَوْ نَحْوِهِ فِيهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ جُرْحٌ مُؤْلِمٌ، وَمِثْلُهُ مُوجِبٌ لِلْقِصَاصِ، فَلَا يَجُوزُ إلَّا لِحَاجَةٍ مُهِمَّةٍ كَالْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ وَالْخِتَانِ. وَالتَّزَيُّنُ بِالْحُلِيِّ غَيْرُ مُهِمٍّ، فَهَذَا وَإِنْ كَانَ مُعْتَادًا فَهُوَ حَرَامٌ، وَالْمَنْعُ مِنْهُ وَاجِبٌ، وَالِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَالْأُجْرَةُ الْمَأْخُوذَةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ اهـ.
فَإِنْ قِيلَ فِي الْبُخَارِيِّ فَجَعَلْنَ يُلْقِينَ مِنْ أَقْرَاطِهِنَّ وَخَوَاتِيمِهِنَّ فِي حِجْرِ بِلَالٍ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَقَرَّ عَلَى التَّعْلِيقِ لَا عَلَى التَّثْقِيبِ، وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ تَثْقِيبَ آذَانِ الْبَنَاتِ لِلزِّينَةِ جَائِزٌ وَيُكْرَهُ لِلصِّبْيَانِ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لَا بَأْسَ بِتَثْقِيبِ آذَانِ الصِّبْيَةِ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ الْحَسَنُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وُلِدَ أَبُو إِسْحَاقَ مَثْقُوبَ الْأُذُنَيْنِ فَمَضَى جَدِّي إلَى الْفَضْلِ بْنِ مُوسَى فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ يَكُونُ ابْنُك رَأْسًا إمَّا فِي الْخَيْرِ وَإِمَّا فِي الشَّرِّ.
(وَ) يُسَنُّ أَنْ (يُؤَذَّنَ فِي أُذُنِهِ) الْيُمْنَى وَيُقَامُ فِي الْيُسْرَى (حِينَ يُولَدُ) لِخَبَرِ ابْنِ السَّنِيِّ «مَنْ وُلِدَ لَهُ مَوْلُودٌ فَأَذَّنَ فِي أُذُنِهِ الْيُمْنَى، وَأَقَامَ فِي الْيُسْرَى لَمْ تَضُرَّهُ أُمُّ الصِّبْيَانِ» أَيْ التَّابِعَةُ مِنْ الْجِنِّ وَلْيَكُنْ إعْلَامُهُ بِالتَّوْحِيدِ أَوَّلَ مَا يَقْرَعُ سَمْعَهُ عِنْدَ قُدُومِهِ إلَى الدُّنْيَا كَمَا يُلَقَّنُ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْهَا، وَلِمَا فِيهِ مِنْ طَرْدِ الشَّيْطَانِ عَنْهُ فَإِنَّهُ يُدْبِرُ عِنْدَ سَمَاعِ الْأَذَانِ كَمَا وَرَدَ فِي الْخَبَرِ، وَأَنْ يَقُولَ فِي أُذُنِهِ - أَيْ الْيُمْنَى -: إنِّي أُعِيذُهَا بِك وَذُرِّيَّتَهَا مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَقُولُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ ذَكَرًا عَلَى سَبِيلِ التِّلَاوَةِ وَالتَّبَرُّكِ بِلَفْظِ الْآيَةِ بِتَأْوِيلِ إرَادَةِ النَّسَمَةِ وَفِي مُسْنَدِ ابْنِ رَزِينٍ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ فِي أُذُنِ مَوْلُودٍ أَيْ أُذُنِهِ الْيُمْنَى سُورَةَ الْإِخْلَاصِ» (وَ) أَنْ (يُحَنَّكَ) الْمَوْلُودُ (بِتَمْرٍ) سَوَاءٌ أَكَانَ ذَكَرًا أَمْ أُنْثَى، وَإِنْ خَصَّهُ الْبُلْقِينِيُّ بِالذِّكْرِ فَيُمْضَغُ وَيُدَلَّكُ بِهِ حَنَكُهُ، وَيَفْتَحُ فَاهُ حَتَّى يَنْزِلَ إلَى جَوْفِهِ مِنْهُ شَيْءٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَمْرٌ فَيُحَنِّكُهُ بِحُلْوٍ «لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَتَى بِابْنِ أَبِي طَلْحَةَ حِينَ وُلِدَ وَتَمَرَاتٍ فَلَاكَهُنَّ ثُمَّ فَغَرَ فَاهُ ثُمَّ مَجَّهُ فِي فِيهِ فَجَعَلَ يَتَلَمَّظُ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: حُبُّ الْأَنْصَارِ التَّمْرَ وَسَمَّاهُ عَبْدَ اللَّهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي مَعْنَى التَّمْرِ الرُّطَبُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُحَنِّكُ لَهُ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَجُلٌ فَامْرَأَةٌ صَالِحَةٌ، وَأَنْ يُهَنَّأَ الْوَالِدُ بِأَنْ يُقَالَ لَهُ بَارَكَ اللَّهُ لَك فِي الْمَوْهُوبِ لَك وَشَكَرْت الْوَاهِبَ وَبَلَغَ أَشَدَّهُ وَرُزِقَتْ بِرَّهُ، وَأَنْ يَرُدَّ هُوَ عَلَى الْمُهَنِّئِ، فَيَقُولَ بَارَكَ اللَّهُ لَك وَبَارَكَ عَلَيْك أَوْ أَجْزَلَ اللَّهُ ثَوَابَك أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ.
تَتِمَّةٌ قَالَ ابْنُ سُرَاقَةَ آكَدُ الدِّمَاءِ الْمَسْنُونَةِ الْهَدَايَا، ثُمَّ الضَّحَايَا، ثُمَّ الْعَقِيقَةُ، ثُمَّ الْعَتِيرَةُ، ثُمَّ الْفَرْعُ، وَالْعَتِيرَةُ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ ذَبِيحَةٌ كَانُوا يَذْبَحُونَهَا فِي الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ رَجَبٍ، وَيُسَمُّونَهَا الرَّجَبِيَّةَ أَيْضًا، وَالْفَرَعُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالرَّاءِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ أَوَّلُ نَتَاجِ الْبَهِيمَةِ كَانُوا يَذْبَحُونَهُ وَلَا يَمْلِكُونَهُ رَجَاءَ الْبَرَكَةِ فِي الْأُمِّ وَكَثْرَةِ نَسْلِهَا وَيُكْرَهَانِ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ «لَا فَرَعَ وَلَا عَتِيرَةَ» .
خَاتِمَةٌ يُسَنُّ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ أَنْ يَدَّهِنَ غِبًّا بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ -: أَيْ وَقْتًا بَعْدَ وَقْتٍ بِحَيْثُ يَجِفُّ الْأَوَّلُ، وَأَنْ يَكْتَحِلَ وِتْرًا لِكُلِّ عَيْنٍ ثَلَاثَةً، وَأَنْ يَحْلِقَ الْعَانَةَ، وَيُقَلِّمَ الظُّفْرَ،