المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وما يكون من الأمور المستقبلة، وما هو كائن من الأمور - مفهوم الحكمة في الدعوة إلى الله تعالى في ضوء الكتاب والسنة

[سعيد بن وهف القحطاني]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌التمهيد: أهمية الحكمة في الدعوة إلى اللَّه تعالى:

- ‌المبحث الأول: مفهوم الحكمة: لغةً وشرعاً

- ‌المطلب الأول: مفهوم الحكمة في اللغة:

- ‌المطلب الثاني: مفهوم الحكمة في الاصطلاح الشرعي

- ‌المطلب الثالث: العلاقة بين التعريف اللغوي والشرعي

- ‌المبحث الثاني: أنواع الحكمة ودرجاتها

- ‌المطلب الأول: أنواع الحكمة

- ‌النوع الأول:

- ‌النوع الثاني:

- ‌المطلب الثاني: درجات الحكمة العملية

- ‌الدرجة الأولى:

- ‌الدرجة الثانية:

- ‌الدرجة الثالثة:

- ‌الأمر الأول:

- ‌الأمر الثاني:

- ‌الأمر الثالث:

- ‌المبحث الثالث: أركان الحكمة

- ‌توطئة:

- ‌المطلب الأول: العلم

- ‌القسم الأول:

- ‌القسم الثاني:

- ‌القسم الثالث:

- ‌أسباب وطرق تحصيل العلم:

- ‌1 - أن يسأل العبد ربه العلم النافع

- ‌6 - العمل بالعلم

- ‌المطلب الثاني: الحلم

- ‌علاج الغضب

- ‌الطريق الأول: الوقاية:

- ‌الطريق الثاني: العلاج إذا وقع الغضب:

- ‌النوع الأول:

- ‌النوع الثاني:

- ‌النوع الثالث:

- ‌النوع الرابع:

- ‌المطلب الثالث: الأناة

- ‌المبحث الرابع: طرق اكتساب الحكمة

- ‌تمهيد:

- ‌المطلب الأول:‌‌ السلوكالحكيم

- ‌ السلوك

- ‌ الخلق

- ‌ المسالك الحكيمة

- ‌المسلك الأول: قدوة الداعية في سلوكه

- ‌المسلك الثاني: أصول السلوك الحكيم

- ‌المسلك الثالث: وصايا الحكماء باكتساب الحكمة

- ‌المطلب الثاني: العمل بالعلم المقرون بالصدق والإخلاص

- ‌المطلب الثالث: الاستقامة

- ‌المطلب الرابع: الخبرات والتجارب

- ‌المطلب الخامس: السياسة الحكيمة

- ‌طرق السياسة الحكيمة في الدعوة إلى اللَّه عز وجل

- ‌1 - تحري أوقات الفراغ، والنشاط

- ‌2 - ترك الأمر الذي لا ضرر في تركه ولا إثم

- ‌3 - تأليف القلوب بالمال والجاه

- ‌4 - التأليف بالعفو في موضع الانتقام

- ‌5 - عدم مواجهة الداعية أحداً بعينه

- ‌6 - إعطاء الوسائل صورة ما تصل إليه

- ‌7 - أن يجيب الداعية على السؤال الخاص

- ‌8 - ضرب الأمثال

- ‌المطلب السادس: فقه أركان الدعوة إلى اللَّه تعالى

- ‌المسلك الأول: موضوع الدعوة

- ‌المسلك الثاني: الداعي:

- ‌1 - وظيفة الداعية:

- ‌2 - عدة الداعية وسلاحه:

- ‌3 - أخلاق الداعية وصفاته:

- ‌المسلك الثالث: المدعو:

- ‌المسلك الرابع: أساليب الدعوة ووسائل تبليغها:

- ‌أولاً: أساليب الدعوة:

- ‌ثانياً: وسائل تبليغ الدعوة إلى اللَّه تعالى:

- ‌أ- التبليغ بالقول:

- ‌ب- التبليغ بالعمل:

- ‌ج- التبليغ بالسيرة الحسنة:

الفصل: وما يكون من الأمور المستقبلة، وما هو كائن من الأمور

وما يكون من الأمور المستقبلة، وما هو كائن من الأمور الحاضرة، وفي مثل هذا أنزل اللَّه آيات القصص، والوعد، والوعيد، وصفة الجنة والنار، ونحو ذلك.

‌القسم الثالث:

العلم بما أمر اللَّه به من العلوم المتعلقة بالقلوب والجوارح من الإيمان باللَّه من معارف القلوب وأحوالها، وأقوال الجوارح وأعمالها، وهذا يندرج فيه: العلم بأصول الإيمان وقواعد الإسلام، ويندرج فيه العلم بالأقوال والأفعال الظاهرة، ويندرج فيه ما وجد في كتب الفقهاء من العلم بأحكام الأفعال الظاهرة، فإن ذلك جزءٌ من جزءٍ من علم الدين.

والناس إنما يغلطون في هذه المسائل؛ لأنهم لا يفهمون مسميات الأسماء الواردة في الكتاب والسنة، ولا يعرفون حقائق الأمور الموجودة، فرُبَّ رجل يحفظ حروف العلم التي أعظمها حفظ حروف القرآن ولا يكون له من الفهم، بل ولا من الإيمان ما يتميز به على من أوتي القرآن ولم يؤت حفظ حروف العلم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:((مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأُترُجة، ريحها طيب وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة، لا ريح لها وطعمها حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة، ريحها طيب، وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة، ليس لها ريح وطعمها مر)) (1).

(1) البخاري مع الفتح، كتاب الأطعمة، باب ذكر الطعام، 9/ 555، (رقم 5427)، ومسلم في صلاة المسافرين، باب فضيلة حافظ القرآن، 1/ 549، (رقم 797).

ص: 26

فقد يكون الرجل حافظاً لحروف القرآن وسوره، ولا يكون مؤمناً، بل يكون منافقاً، فالمؤمن الذي لا يحفظ حروفه وسوره خير منه، وإن كان ذلك المنافق ينتفع به الغير كما ينتفع بالريحان، وأما الذي أُوتي العلم والإيمان، فهو مؤمن حكيمٌ وعليمٌ، فهو أفضل من المؤمن الذي ليس مثله في العلم مثل اشتراكهما في الإيمان، فهذا أصل تجب معرفته (1).

والعلم لابد فيه من إقرار القلب، ومعرفته، بمعنى ما طلب منه علمه، وتمامه أن يعمل بمقتضاه؛ فإن العلم النافع - الذي هو أعظم أركان الحكمة التي من أُوتيها فقد أُوتيَ خيراً كثيراً - هو ما كان مقروناً بالعمل، أما العلم بلا عمل، فهو حجة على صاحبه يوم القيامة؛ ولهذا حذر اللَّه المؤمنين من أن يقولوا ما لا يفعلون، رحمةً بهم، وفضلاً منه وإحساناً، فقال:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} (2).

(1) انظر: فتاوى ابن تيمية، 11/ 396، 397 بتصرف، والفتاوى أيضاً، 7/ 21 - 25، وقال ابن تيمية رضي الله عنه: <العلوم خمسة: فعلم هو حياة الدين، وهو علم التوحيد، وعلم هو غذاء الدين، وهو علم التذكر بمعاني القرآن والحديث، وعلم هو دواء الدين، وهو علم الفتوى إذا نزل بالعبد نازلة احتاج إلى من يشفيه منها كما قال ابن مسعود، وعلم هو داء الدين، وهو الكلام المحدث، وعلم هو هلاك الدين، وهو علم السحر ونحوه>. انظر: فتاوى ابن تيمية، 10/ 145.

(2)

سورة الصف، الآيتان: 2 - 3.

ص: 27

وحذَّرهم عن كتمان العلم، وأمرهم بتبليغه للبشرية على حسب الطاقة والجهد، وعلى حسب العلم الذي أعطاهم اللَّه عز وجل لا يُكلف اللَّه نفساً إلا وسعها، قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ الَّلاعِنُونَ} (1).

وهذه الآية، وإن كانت نازلة في أهل الكتاب وما كتموه من شأن الرسول صلى الله عليه وسلم وصفاته، فإن حكمها عام لكل من اتصف بكتمان ما أنزل اللَّه من البينات الدالات على الحق، المظهرات له، والعلم الذي تحصل به الهداية إلى الصراط المستقيم، ويتبين به طريق أهل النعيم من طريق أهل الجحيم، ومن نبذ ذلك وجمع بين المفسدتين: كَتْم ما أنزل اللَّه، والغش لعباد اللَّه، لعنه اللَّه، ولعنه جميع الخليقة؛ لسعيهم في غش الخلق وفساد أديانهم، وإبعادهم عن رحمة اللَّه، فجُوزوا من جنس عملهم، كما أن معلم الناس الخير يستغفر له كل شيء حتى الحوت في الماء، والطير في الهواء؛ لسعيه في مصلحة الخلق وإصلاح أديانهم؛ ولأنه قربهم من رحمة اللَّه، فَجُوزيَ من جنس عمله (2).

(1) سورة البقرة، الآية:159.

(2)

انظر: تفسير عبد الرحمن بن ناصر السعدي، 1/ 186، وتفسير البغوي، 1/ 134، وابن كثير، 1/ 200.

ص: 28

وقد بين صلى الله عليه وسلم أن ((من سُئِل عن علمٍ يَعْلَمُهُ فَكتَمَهُ أُلْجِمَ يوم القيامة بلجام من نار)) (1).

فتبين بذلك وغيره: أن العلم النافع الذي هو أحد أركان الحكمة لا يكون إلا مع العمل به؛ ولهذا قال سفيان (2) في العمل بالعلم والحرص عليه: ((أجهل الناس من ترك ما يعلم، وأعلم الناس من عمل بما يعلم، وأفضل الناس أخشعهم للَّه)) (3).

وقال رضي الله عنه: ((يُرادُ للعلم: الحفظ، والعمل، والاستماع، والإنصات، والنشر)) (4).

وقال الصحابي الجليل عبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه: ((تعلموا، تعلموا فإذا علمتم فاعملوا)) (5).

وقال رضي الله عنه: ((إن الناس أحسنوا القول كلهم، فمن وافق فعله قوله

(1) الترمذي، في العلم، باب ما جاء في كتمان العلم، 5/ 29، (رقم 2651)، وأبو داود في العلم، باب كراهية منع العلم، 3/ 321، (رقم 3658)، وابن ماجه في المقدمة، باب من سئل عن علم فكتمه، 1/ 98، (رقم 261)، وأحمد، 2/ 263، 305، وانظر: صحيح ابن ماجه، 1/ 49، وصحيح الترمذي، 2/ 336.

(2)

سفيان بن عيينة بن أبي عمران، الإمام الكبير شيخ الإسلام، ولد سنة 107هـ، في النصف من شعبان، وعاش (91) سنة. انظر: سير أعلام النبلاء، 8/ 454 - 474.

(3)

أخرجه الدارمي في سننه، في المقدمة، باب في فضل العلم والعالم، 1/ 81، (رقم 337).

(4)

المصدر السابق، 1/ 81.

(5)

أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله، 1/ 195.

ص: 29

فذلك الذي أصاب حظه، ومن خالف قوله فعله فإنما يوبخ نفسه)) (1).

وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ((يا حملة العلم اعملوا به، فإنما العالم من علم ثم عمل، ووافق علمه عمله، وسيكون أقواماً يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم، تخالف سريرتهم علانيتهم، ويخالف عملهم علمهم، يقعدون حلقاً فيباهي بعضهم بعضاً، حتى أن الرجل ليغضب على جليسه أن يجلس إلى غيره ويدعه، أولئك لا تصعد أعمالهم في مجالسهم تلك إلى اللَّه عز وجل)) (2).

وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: ((لا تكون تقيّاً حتى تكون عالماً، ولا تكون بالعلم جميلاً حتى تكون به عاملاً)) (3).

ولهذا قال الشاعر:

إذا العلم لم تعمل به كان حجةً

عليك ولم تعذر بما أنت جاهله

فإن كنت قد أوتيت علماً فإنما

يصدق قولَ المرء ما هو فاعله (4)

وبهذا يتضح أن العلم لا يكون من دعائم الحكمة إلا باقترانه بالعمل. وقد كان علم السلف الصالح - وعلى رأسهم أصحاب

(1) المرجع السابق، 2/ 6.

(2)

أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله، 2/ 7.

(3)

المرجع السابق، 2/ 7.

(4)

المرجع السابق، 2/ 7.

ص: 30