الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شاءوا، ولولا أن قومك حديث عهدهم بالجاهلية فأخاف أن تنكر قلوبهم أن أدخل الجدر في البيت، وأن ألصق بابه بالأرض)) (1).
وهذا يدل الداعية على أن المصالح إذا تعارضت، أو تعارضت مصلحة ومفسدة، وتعذر الجمع بين فعل المصلحة وترك المفسدة بُدِئَ بالأهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن نقض الكعبة وردها إلى ما كانت عليه من قواعد إبراهيم صلى الله عليه وسلم مصلحة، ولكن تعارضه مفسدة أعظم منه، وهو خوف فتنة بعض من أسلم قريباً، وذلك لما كانوا يعتقدونه من فضل الكعبة، فيرون تغييرها عظيماً، فتركها صلى الله عليه وسلم لدفع هذه المفسدة (2).
3 - تأليف القلوب بالمال والجاه
أحياناً، فالداعية كالطبيب الذي يُشخِّص المرض أولاً، ثم يعطي العلاج على حسب نوع المرض، فإذا علم الداعية أن المدعو لم يرسخ الإيمان في قلبه رسوخاً لا تزلزله الفتن، فله أن يعطيه من المال ما يستطيعه، للاحتفاظ بالبقاء على الهداية بالإسلام، وقد شرع اللَّه للمؤلَّفة قلوبهم نصيباً من الزكاة، وقد كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يسلك هذا المسلك، فيؤثر حديثي العهد بالإسلام بجانب من المال، إذا ظهر له أن الإيمان لم يرسخ؛ ولذلك أشار بقوله: ((إني لأعطي الرجل وغيره أحب إليَّ منه خشية
(1) البخاري مع الفتح، كتاب الحج، باب فضل مكة وبنيانها، 3/ 439، (رقم 1584)، ومسلم، كتاب الحج، باب نقض الكعبة، 2/ 972، (رقم 1333).
(2)
انظر: شرح النووي على مسلم، 9/ 89.
أن يُكبّ في النار على وجهه)) (1).
وقد كان صلى الله عليه وسلم يعطي أشراف قريش وغيرهم من المؤلَّفة قلوبهم، لتلافي أحقادهم؛ ولأن الهدايا تجمع القلوب، وتجعل القلوب متهيئة للنظر في صدق الدعوة، وصحة العقيدة، والاستفادة من الآيات البيِّنات، والبراهين الواضحة (2).
وصدق صلى الله عليه وسلم حيث قال: ((تهادوا تحابوا)) (3).
وللتأليف بالمال أمثلة كثيرة من هديه صلى الله عليه وسلم (4).
والتأليف بالجاه من السياسة الحكيمة، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم للأنصار حينما آثر عليهم غيرهم في العطاء:((أفلا ترضون أن يذهب الناس بالأموال وترجعون إلى رحالكم برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ فواللَّه لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به))، فقالوا: بلى يا رسول اللَّه قد رضينا (5).
(1) البخاري مع الفتح بنحوه، كتاب الإيمان، باب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة، 1/ 79، (رقم 27)، ومسلم في الإيمان، باب تأليف قلب من يخاف على إيمانه لضعفه، 1/ 132، (رقم 150).
(2)
انظر: هداية المرشدين، ص35.
(3)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، 6/ 169، والبخاري في الأدب المُفْرَد، ص208، برقم 594، قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير: إسناده حسن، 3/ 70، وانظر: إرواء الغليل برقم، 1601.
(4)
انظر: صحيح مسلم، 4/ 1803 - 1806، وانظر أيضاً: البخاري مع الفتح، 3/ 135، 6/ 250، 11/ 258.
(5)
البخاري مع الفتح، كتاب فرض الخمس، باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم، 6/ 251، (رقم 3146)، ومسلم، كتاب الزكاة، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم وتصبر من قوي إيمانه، 2/ 734، 735، (رقم 1059/ 132).