الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبعد هذه الدعوة الحارة للبحث عن (لوثر) ينسف أبواب الاجتهاد، ويغير أحكام المرأة والحدود والربا، من أجل التوافق مع الغرب، ينهي الكاتب مقاله بأن أمل الغرب الوحيد هو من خلال مثل هذا "الفاتح المنتظر لأبواب الاجتهاد" فيقول:
"إن الإسلام المتشدد لا يمكن أو سوف لن يكون مفهومًا ومقبولًا لدى الغرب. . . ومع ذلك فإنه لا فائدة في محاولات الغرب التوافق مع أولئك المسلمين الذين ينتقصون من قدر الإسلام، أو مع أولئك الذين يريدون رؤيته وقد تجاوزه الزمن على أسس غربية، فالتقليد لم يكن أبدًا أفضل شكل للإطراء، ولذلك فإن الطريق كما يبدو ستكون من خلال "أبواب الاجتهاد".
أمريكا وتجديد الإسلام:
تسعى أمريكا للتأثير على العالم الإسلامي بطرق عديدة، خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام (2001 م) التخريبية، التي دمرت فيها مبان في مدينتي نيويورك وواشنطن وقتل فيها المئات، والتي اتهم المسلمون بتدبيرها وتنفيذها. ولقد نشرت مؤسسة رند الأمريكية للبحوث في عام (2003 م) تقريرًا هامًا (1) عن كيف يمكن لأمريكا أن تحقق عالمًا إسلاميًا يتلاءم مع مصالحها؟ وهذا ملخص موجز لأهم نقاط هذا التقرير الخطير الذي صدر من مؤسسة لها أثرها في تخطيط سياسة أمريكا.
يبدأ التقرير بتحليل أوضاع العالم الإسلامي الحاضرة، فيذكر أنه يعاني من اضطراب وصراع خطير بين تيارات كثيرة تحاول أن تخرجه من أزمته الحالية المتمثلة في تخلفه الحضاري المريع. ويحث التقرير الغرب على ألا يقف مكتوف اليد من هذا الصراع، بل لابد له من أن يتدخل ويبحث عن شركاء من المسلمين، من أجل صياغة "إسلام" يتلاءم مع الحضارة الغربية، ويمنع التطرف والإرهاب وتهديد مصالح الغرب. ويعترف التقرير بأن إدخال التعديل على ديانة عالمية ضخمة ليس بالأمر السهل، بل هو محفوف بالكثير من التعقيدات
(1) عنوان التقرير (إسلام حضاري ديمقراطي: شركاء وموارد واستراتيجيات)، شيريل بينارد، مؤسسة رند، 2003 م.
والمزالق، لكن لابد من البحث عن أنجح السبل واختيار مسلمين شركاء يساعدون في مهمة تعديل الإسلام حسب ما يريد الغرب. ولهذا يحلل التقرير تيارات التغيير في العالم الإسلامي، ويقسمها إلى فئات حسب قربها وبعدها عن النموذج الغربي.
الفئة الأولى: الأصوليون ويصفهم بأنهم متشددون يرغبون في الإمساك بزمام السلطة، ومن ثم تطبيق الإسلام حسب منظورهم الخاص. ويذكر التقرير مثالين لهذه الفئة هما المتشددون من الشيعة في إيران، والوهابيون فى الجزيرة العربية. ويرى التقرير أن هؤلاء يعادون الديمقراطية والغرب ولا يبالون في فرض آرائهم بالقوة، وإن كان لا يحبذ كلهم العنف والإرهاب.
الفئة الثانية: التقليديون وهم المحافظون ومعظمهم ينتمي إلى الاتجاهات الصوفية التي سادت العالم الإسلامي في فترات انحطاطه، ومع أن هؤلاء لا يطالبون بحكومة إسلامية، لكنهم يرون أن من واجب الدولة والسلطة السياسية العلمانية، توفير الحماية لهم والحرية لمزاولة نشاطهم، ولهذا هم يحاولون السيطرة والنفوذ ما أمكن. ويجعلهم هذا عرضة للاستغلال من قبل العلمانيين، الذين يجعلونهم مطية يركبونها لبلوغ أهدافهم. وإن كان معظم التقليديين محافظين، إلا أن منهم إصلاحيون يقدمون بعض التنازلات من أجل التعايش مع الحياة العصرية، خاصة أولئك التقليديون الذين يعيشون في الغرب.
الفئة الثالثة: المجددون وهم يسعون إلى إحداث تغييرات واسعة في فهم الإسلام، الذي يعتبرون أن فهمه قد تأثر بالظروف التاريخية الماضية، واختلط بالتقاليد والأعراف المحيطة به. وهم يريدون تحريره من أصر هذه القيود وتعديله ليكون ملائمًا للعصر الحاضر. وهم يرون أن النموذج الإسلامي التاريخي وتطبيقه حتى في عصر الرسول، لم يعد مناسبًا الآن، ولكن يمكن الاحتفاظ بجوهر الإسلام وتكييفه حتى يناسب العصر، ويرون أن القيم والمبادئ الغربية من الديمقراطية والحرية وغيرها تتماشى بسهولة مع الإسلام، ولهذا يودون إدخال الحداثة الغربية في الإسلام فيتطور تماشيًا مع العصر. ومن الواضح أن هذه الفئة هي فئة التجديد العصراني التي جاء تفصيل آرائها في ثنايا هذا البحث.
الفئة الرابعة: العلمانيون وهم الذين يرون فصل الدين عن السياسة لأنه أمر خاص لا يتعلق بالشؤون العامة. ويرون أنه ينبغي المحافظة على ألا يتدخل الدين في السياسة، ولا تتدخل الدولة في حرية الأفراد الدينية، ولا يرى هؤلاء أي تعارض بين الشرائع الدينية والشرائع الوضعية التي يجعلون لها الحاكمية في المجتمع. وتمثل تركيا النموذج للعلمانية في العالم الإسلامي.
ويدعو التقرير أمريكا خاصة والغرب عامة بمساعدة فئة التجديد العصراني؛ لأنها هي الأقرب للغرب والأكثر استعدادًا لتعديل الإسلام وتغييره. ورغم أن فئة العلمانيين كانت هي خيار الغرب في العصور الماضية، لكن التقرير يحذر من أنهم فقدوا مكانتهم في العالم الإسلامي، بسبب فشل برامجهم السياسية والاقتصادية وفشل مبادئهم للقومية وغيرها، وأن المستقبل سيكون فيمن يركب موجة الإسلام السياسي. ولهذا يقترح التقرير دعم التقليديين لمحاربة الأصوليين، وأهم من ذلك دعم العصرانيين ومساعدتهم بعدد من الطرق منها:
° نشر وتوزيع كتبهم ودراساتهم بأسعار رخيصة.
° تشجيعهم للكتابة للشباب والجمهور العام.
° تضمين آرائهم في كتب التربية الدينية بالمدارس.
° توفير منابر لهم يخاطبون الناس من خلالها.
° توفير مواقع إلكترونية ومعاهد ومدارس وإعلام وغيرها من الطرق التي تنشر آراءهم.