الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني نماذج من جهود المجددين
تمهيد:
اقتصرت معظم الدراسات التي تناولت المجددين -على قلَّتها- على بسط سيرتهم الفردية وترجمة حياتهم الشخصية، والخلفية التي كونت ذهنيتهم، والصفات التي أهلتهم لحمل راية التجديد، والميادين التي كانت فيها جهودهم. إلا أن هذه النظرة الجزئية لأعمال المجددين كلًّا على حدة على ما فيها من المنافع والمزايا، لا تصلح لإعطاء تصور كامل لمفهوم التجديد؛ وإذا كانت أعمال المجددين هي أحد المصادر التي نستنبط منها ماهية عمل التجديد، فلابد من نظرة كلية فاحصة لجميع الأعمال التي قام بها المجددون على مر العصور، ومحاولة تصنيفها تحت عناوين جامعة لتشكل في مجموعها مقومات عمل التجديد ومجالاته.
واتباعًا لهذا المنهج ومحاولة لتحقيق الغاية من ورائه نلقي هذه النظرة على أعمال المجددين.
الإصلاح السياسي والسعي لإعادة الخلافة الراشدة:
من أهم الميادين التي نالت عناية المجددين الإصلاح السياسي والسعي
لإعادة الخلافة الراشدة. والخلافة هي عنوان نظام الحكم الإسلامي، وأسس هذا النظام قد جاء بيانها في الكتاب والسُّنة وآراء الفقهاء، وقد تناولتها أقلام كثيرة بالتوضيح والتفصيل، وحتى يكون في مقدورنا أن نفهم جهود المجددين لإعادة هذا النوع من أنواع الحكم، فلابد من أن نلم بطرف من المبادئ الأساسية التي يشيد عليها بناء الخلافة الراشدة. وفيما يلي أربعة من أهم هذه المبادئ:
خصائص الخلافة الراشدة (1):
هذه الخصائص مأخوذة من قوله تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: 38] وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58)} [النساء: 58] وقوله تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} [الحج: 41].
وهذه الخصائص هي:
أولًا: الشورى، وهذا المبدأ يدخل في طريقة اختيار الخليفة، كما يشمل طريقة تسيير دفة الحكم، ويتضمن بالضرورة الحق في إبداء الرأي وتوجيه النقد النزيه الذي غايته إظهار الحق.
ثانيًا: الأمانة، وتنفيذ هذا المبدأ، يعني: اختيار الأصلح لمناصب الدولة ممن تتوفر فيهم الكفاءة وحسن السيرة، دون محاباة أو عصبية، كما يعني هذا المبدأ حسن التصرف في المال العام والتزام الشرعية في جمعه من موارده وإنفاقه في مصارفه.
ثالثًا: العدل في الحكم، ومن لوازمه: الحكم بما أنزل الله تعالى دون تأويل أو تحريف أو تجزئة، والمساواة بين الناس من غير أن تكون لأي فئة دائرة من الحصانة والامتيازات.
رابعًا: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا مبدأ جامع، ومن
(1) راجع: "السياسة الشرعية" لابن تيمية وبخاصة الصفحات 5، 6، 31، 63، 75، 117، 130، 157، و"الخلافة والملك" للمودودي وبخاصة الصفحات 49 - 58.