الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كل هذا يجعل علماؤنا رحمهم الله على حق في تثبتهم وتأنيهم في رد الأحاديث إذا بدت عليها بادرة شبهة، أو تردد العقل في فهمها ولم يجزم باستحالتها بعد تأكدهم من صحة السند وسلامة رجاله من أن يكون فيهم كذاب أو ضعيف أو متهم" (1).
الاجتهاد في أصول الفقه:
من أولى المسائل في أصول الفقه التي تثير العصرانية حولها الغبار هذه القضية: هل بالإمكان حدوث تطور جديد في أصول الفقه؟
لعل إقبال من أوائل من أثاروا هذه المسألة، وناقش في كتابه "تجديد الفكر الديني في الإسلام" الأصول الأربعة: الكتاب والسُّنَّة، والإجماع والقياس، والرأي عنده "إن ما ينادي به الجيل الحاضر من أحرار الفكر في الإسلام، من تفسير أصول المبادئ التشريعية تفسيرًا جديدًا، على ضوء تجاربهم وعلى هدي ما تقلب على حياة العصر من أحوال متغايرة هو رأي له ما يسوغه كل التسويغ"(2).
وتبنت الدعوة إلى الاجتهاد في أصول الفقه مجلة المسلم المعاصر إذ كتب مؤسسها د. جمال الدين عطية في كلمة التحرير لأول عدد صدر منها واصفًا المجلة بأنها "مجلة الاجتهاد" وأنها ". . تنطلق من ضرورة الاجتهاد وتتخذه طريقًا فكريًا، ولا تكتفي بالبحث في ضرورة فتح باب الاجتهاد في فروع الفقه بل تتعداه إلى بحوث الاجتهاد في أصول الفقه"(3). واشتملت المجلة في العدد نفسه والأعداد التالية على بعض المقالات عن هذا الموضوع (4).
ويردد هذه الدعوة آخرون منهم الدكتور أحمد كمال أبو المجد، إذ كتب يقول: "والاجتهاد الذي نحتاج إليه اليوم ويحتاج إليه المسلمون ليس اجتهادًا في
(1)"السُّنَّة ومكانتها في التشريع الإسلامي" مصطفى السباعي ص 255 - 257.
(2)
انظر: ص 140 من هذا البحث.
(3)
(هذه المجلة)، كلمة التحرير، د. جمال الدين عطية ص 7، المسلم المعاصر العدد الافتتاحي شوال 1394 هـ، نوفمبر 1974 م.
(4)
انظر: "منهاج هذه المجلة" محمود أبو السعود ص 123 العدد الافتتاحي، و"إمكان الاجتهاد في أصول الفقه"، د. مصطفى كمال وصفي ص 131 العددان الأول والثاني (ربيع الأول 1395 هـ)، و (نظرات في العدد الأول) يوسف القرضاوي ص 136 المصدر نفسه.
الفروع وحدها، وإنما في الأصول كذلك، وكم من مسألة تواجه المسلمين اليوم، فإذا بحثوها وأعملوا الجهد طلبًا لحكم الإسلام فيها، أفضى بحثهم إلى وقفة مع الأصول. . . وليس ما تردده الكثرة الغالبة من المعاصرين، من امتناع الاجتهاد في الأصول، إلا التزامًا بما لا يلزم وتقصيرًا في بذل الجهد بحثًا عما ينفع الناس" (1).
وحتى لا يضيع الفكر في متاهات من التعميمات، فإن الخطوة الأولى لتلمس الحقيقة في هذا الموضوع الخطير، تبدأ بتحديد ما المقصود بالاجتهاد في أصول الفقه.
قد يكون المقصود من ذلك عدة أمور نجملها فيما يلي:
1 -
استحداث قواعد جديدة في أصول الفقه لم تكن معروفة من قبل ولم يصل إليها السابقون. وهذا هو المعنى المتبادر عادة من كلمة اجتهاد بمعناها الاصطلاحي إذ أن الاجتهاد في الفقه عادة ينصرف إلى استنباط أحكام جديدة للحوادث الطارئة.
فإذا كان هذا هو المقصود من الاجتهاد في أصول الفقه، فأين هذه القواعد الجديدة المستحدثة؟ فبدلًا من إثارة الضجيج وضرب الطبول عن إمكان الاجتهاد أو عدم إمكانه، فمن كانت عنده قواعد جديدة فليأت بها، وليطلع العالم عليها وحينئذ فقط تتحقق إن كانت هي بحق قواعد علمية تقوم على الدليل والبرهان، أم أنها محض تخرصات وأهواء شخصية. وفيما أعلم لا أحد قدم قواعد جديدة.
2 -
وقد يكون المقصود من الاجتهاد عدم التقليد في أصول الفقه، بمعنى أنه لا تقبل الآراء فيه إلا بحجة ودليل، حتى لو أثبتها الأوائل، ويظل الباب مفتوحًا للترجيح بين الآراء المتنازع فيها والمختلف فيها.
ولا ريب أن هذا معنى صحيح وهل يخطر ببال كل ذي عقل أن الاستمساك بتقليد آراء الرجال والإذعان لها دون حجة ودليل أمر محمود؟ لا أظن أحدًا من الأوائل دعا إلى ذلك ولا يرتضيه أحد من المعاصرين. وهذه هي
(1)"مواجهة مع عناصر الجمود في الفكر الإسلامي المعاصر" ص 257 - مجلة العربي عدد 222 مايو 1977 م.