المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ومنبري على حوضي»ذكر سفرنا من المدينة إلى مكة شرفها - ملء العيبة بما جمع بطول الغيبة - جـ ٥

[ابن رشيد]

فهرس الكتاب

- ‌سَتَأْتُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَيْنَ تَبُوكَ، وَإِنَّكُمْ لَنْ تَأْتُوهَا حَتَّى يَضْحَى النَّهَارُ، فَمَنْ جَاءَهَا فَلا يَمَسَّنَّ مِنْ

- ‌«مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي»ومما قرئ عليها، وأنا أسمع بالروضة

- ‌«لا يَدْخُلُ أَحَدٌ مِمَّنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ النَّارَ»

- ‌خَيْرَ مَا رُكِبَتْ إِلَيْهِ الرَّوَاحِلُ مَسْجِدِي هَذَا وَالْبَيْتُ الْعَتِيقُ»

- ‌صَلاةٌ فِيهِ أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلاةٍ فِي مَا سُوَاهُ إِلا مَسْجِدَ الْكَعْبَةِ» .قُلْتُ: كَذَا سَمِعْنَا هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى

- ‌اقْرَءُوهَا عَلَى مَوْتَاكُمْ يَعْنِي يس» هَذَا أَوَّلُ حَدِيثٍ مِنَ الْجُزْءِ

- ‌لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ يَنْظُرُ إِلَى قَدَمَيْهِ لأَبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمْيَهِ، فَقَالَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ

- ‌«مَنْ رَآنِي بَعْدَ مَوْتِي وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي»

- ‌«مَنْ زَارَ قَبْرِي وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي»وبه أنا شيخ الإسلام، أنا أبو الحسن علي بن أبي طالب الخوارزمي

- ‌نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَغْرِبَ إِذَا تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ»

- ‌أَرَاكَ تَتَحَرَّى الصَّلاةَ عِنْدَ هَذِهِ الأُسْطِوَانَةِ، قَالَ: فَإِنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَتَحَرَّى الصَّلاةَ

- ‌كَانَ جِدَارُ الْمَسْجِدِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ مَا كَادَتِ الشَّاةُ تَجُوزُهَا» ، قُلْتُ: يَعْنِي الْجِدَارَ الْقِبْلِيَّ، وَكَذَلِكَ كَانَ أَيْضًا

- ‌مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي»فائدة في الاقتداء بشيوخ الاهتداء:

- ‌نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَغْرِبَ إِذَا تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ» قَوْلُهُ: إِذَا تَوَارَتْ يَعْنِي الشَّمْسَ

- ‌إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَلا يَسْعَى وَلَكِنْ يَمْشِي وَعَلَيْهِ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ وَلْيُصَلِّ مَا أَدْرَكَ وَلْيَقْضِ مَا

- ‌إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ فِيهِ وَخَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ أَنْفِهِ، فَإِذَا غَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَتْ

- ‌إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ فَمَضْمَضَ خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ فِيهِ، فَإِذَا اسْتَنْثَرَ خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ أَنْفِهِ، فَإِذَا

- ‌الشَّمْسَ تَطْلُعُ مِنْ قَرْنِ الشَّيْطَانِ فَإِذَا طَلَعَتْ قَارَنَهَا، وَإِذَا ارْتَفَعَتْ فَارَقَهَا» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ ثُمَّ قَالَ: هَؤُلاءِ

- ‌الشَّمْسَ تَطْلُعُ بِقَرْنَيِ الشَّيْطَانِ» فَذَكَرَ الْحَدِيثَخرجه الدراقطني في اختلاف الموطآت فقال: أنا أحمد بن

- ‌أَنَا فِرْطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ، وَأَنَا مُكَاثِرٌ بِكُمُ الأُمَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَلا تَرْجِعَنَّ بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضَكُمْ

- ‌أَرَاكَ تَتَحَرَّى الصَّلاةَ عِنْدَ هَذِهِ الأُسْطِوَانَةِ، قَالَ: «فَإِنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَتَحَرَّى الصَّلاةَ

- ‌مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي»

- ‌كَانَ جِدَارُ الْمَسْجِدِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ مَا كَادَتِ الشَّاةُ تَجُوزُهَا»

- ‌مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي»ذكر سفرنا من المدينة إلى مكة شرفها

- ‌الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنِ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمُكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ»هذا الحديث وهو مخرج في

- ‌رَأَى فِي بَيْتِهَا جَارِيَةً فِي وَجْهِهَا سَفْعَةٌ فَقَالَ: اسْتَرْقُوا لَهَا فَإِنَّ بِهَا النَّظْرَةَ

- ‌رَأَى فِي بَيْتِهَا جَارِيَةً فِي وَجْهِهَا سَفْعَةً فَقَالَ: اسْتَرْقُوا لَهَا فَإِنَّ بِهَا النَّظْرَةَ "فالأول من المشائخ

- ‌الْمُلْتَزَمُ مَوْضِعٌ يُسْتَجَابُ فِيهِ الدُّعَاءُ، وَمَا دَعَا عَبْدٌ اللَّهَ تَعَالَى فِيهِ دَعْوَةً إِلا اسْتَجَابَهَا» أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ

- ‌مَا مِنْ أَيَّامٍ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْعَمَلَ، أَوْ أَفْضَلَ، مِنْ أَيَامِ الْعَشْرِ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلا الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ

- ‌إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّي فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ

- ‌مَنْ كَانَ لَهُ ذَبْحٌ يَذْبَحُهُ فَإِذَا أَهَلَّ هِلالَ ذِي الْحِجَّةِ فَلا يَأْخُذَنَّ مِنْ شَعْرِهِ وَلا مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا حَتَّى يُضَحِّيَ»

- ‌كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ حَتَّى الْعَجْزَ وَالْكَيْسَ أَوِ الْكَيْسَ وَالْعَجْزَ» ، قَالَ الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ خَلْفُونٍ: هَكَذَا رَوَى

- ‌نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ»ومنه

- ‌شَهِدْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِطْرًا أَوْ أَضْحًى، فَلَمَّا صَلَّى، قَالَ: قَدْ أَصَبْتُمْ خَيْرًا، فَمَنْ أَحَبَّ

- ‌شَهِدْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَيْ عِيدَيْنِ فِطْرٍ وَأَضْحًى، فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الصَّلاةِ أَقْبَلَ عَلَيْنَا

- ‌مَنْ يَقُلْ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ»هذا أول حديث منها، ولنا منها نسخة، وهي عشرون

- ‌بَايَعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَلَى إِقَامِ الصَّلاةِ»والحمد لله حق حمده وفيه أيضا سمع من البلاغ

- ‌لِكُلِّ شَيْءٍ زَكَاةً وَزَكَاةُ الدَّارِ بَيْتُ الضِّيَافَةِ»هذا الحديث آخر ما في الجزء، وعندي منه نسخة.ومن

- ‌كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لا يُبْدَأُ فِيهِ بِحَمْدِ اللَّهِ فَهُوَ أَقْطَعُ»بهذا الحديث افتتح خطبة الكتاب، وقفت على

- ‌بَخٍ بَخٍ بِخَمْسٍ مَا أَثْقَلُهُنَّ فِي الْمِيزَانِ» ! قَالَ، قُلْتُ: وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ

- ‌بَزَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي ثَوْبِهِ وَحَكَّ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ» .نا مُوسَى، نا حَمَّادٌ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ

- ‌طَبَقَاتُ أُمَّتِي خَمْسُ طَبَقَاتٍ، كُلُّ طَبَقَةٍ مِنْهَا أَرْبَعُونَ سَنَةً، فَطَبَقَتِي وَطَبَقَةُ أَصْحَابِي أَهْلِ الْعِلْمِ وَالإِيمَانِ

- ‌دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ»قال محمد بن رشيد: لا نعلم في

- ‌مَنْ أَدْرَكَ لَيْلَةَ عَرَفَةَ الَّتِي بَعْدَ يَوْمِ عَرَفَةَ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ»

- ‌{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة: 3] قَالَ عُمَرُ:

- ‌مُرَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِجِنَازَةٍ، فَقَالَ: كَمْ تَرَكَ؟ قَالُوا: تَرَكَ دِينَارَيْنِ: قَالَ: كَيَّتَيْنِ

- ‌الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتَّوَلَةَ شِرْكٌ» ، فَقُلْنَا: هَذِهِ الرُّقَى وَالتَّمَائِمُ عَرَفْنَاهَا، فَمَا التَّوَلَةُ؟ قَالَ: شَيْءٌ تَجْعَلُهُ

- ‌مَنْ أَصْدَقَ امْرَأَةً صَدَاقًا، وَهُوَ مُجْمِعٌ أَنْ لا يُوَفِيَهَا إِيَّاهُ ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يُوَفِّهَا إِيَّاهُ لَقِيَ اللَّهَ عز وجل وَهُوَ

- ‌مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ عَلِيٌّ مَوْلاهُ اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ»

- ‌اجْتَنِبُوا الْخَمْرَ فَإِنَّهَا مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ، وَلا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَإِنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ دِينَارٌ وَلا دِرْهَمٌ

- ‌عُرِضْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ بَدْرٍ، وَأَنَا ابْنُ ثَلاثَ عَشْرَةَ، فَرَدَّنِي وَعُرِضْتُ عَلَيْهِ يَوْمَ

- ‌قَدِمَ رَجُلانِ مَعِي مِنْ قَوْمِي، قَالَ: فَأَتَيْنَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَخَطَبَا وَتَكَلَّمَا فَجَعَلا يَعْرِضَانِ

- ‌أَخَذَ سَيْفًا وَأَصْحَابُهُ حَوْلَهُ، فَقَالَ: مَنْ يَأْخُذُ هَذَا السَّيْفَ؟ فَبَسَطُوا أَيْدِيَهُمْ، يَقُولُ هَذَا أَنَا وَهَذَا أَنَا

- ‌أَحَبُّ الأَيَّامِ إِلَى اللَّهِ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَأَحَبُّ الْبِقَاعِ إِلَى اللَّهِ الْمَسْاجِدُ، وَأَبْغَضُ الْبِقَاعِ إِلَى اللَّهِ

- ‌لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مِنَ الْوِحْدَةِ مَا أَعْلَمُ مَا أَسْرَى رَاكِبٌ بِلَيْلِ وَحْدَهُ أَبَدًا»

- ‌الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا أَهْلَ الأَرْضِ يَرْحَمُكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ»قال الحافظ أبو طاهر: قَالَ لي

- ‌الْتَمِسُوا الرِّزْقَ فِي خَبَايَا الأَرْضِ»

- ‌الْوَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ»

- ‌نَهَى عَنْ بَيْعِ الْوَلاءِ وَعَنْ هِبَتِهِ»تنبيه: ابن أبي شريح هذا شيخ مشهور صحيح السماع من البغوي وغيره

- ‌الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمُكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ»

- ‌الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمُكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ»

- ‌مَنْ أَضَافَ مُؤْمِنًا فَكَأَنَّمَا أَضَافَ آدَمَ، وَمَنْ أَضَافَ اثْنَيْنِ فَكَأَنَّمَا أَضَافَ آدَمَ وَحَوَّاءَ، وَمَنْ أَضَافَ ثَلاثَةً

- ‌فِي الْمُحَرَّمِ يُدْخَلُ الْبُسْتَانُ؟ قَالَ: نَعَمْ وَيُشَمُّ الرَّيْحَانُ "انتهت الأحاديث ونقلتها من خطي الذي كنت

- ‌كُلُّ مَيِّتٍ يُخْتَمُ عَلَى عَمَلِهِ إِلا الْمُرَابِطَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ يَنْمُو لَهُ عَمَلُهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ

- ‌الْفِطْرَةُ خَمْسٌ: الاخْتِتَانُ، وَالاسْتِحْدَادُ، وَقَصُّ الشَّارِبِ، وَتَقْلِيمُ الأَظَفَارِ، وَنَتْفُ الإِبِطِ "أنشدنا شيخنا

- ‌لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا تُرْزَقُ الطَّيْرُ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا» رَوَيْنَا عَنْ

- ‌نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَمَهْرِ الْبَغِيِّ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ»

- ‌لا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلا مِثْلا بِمِثْلٍ، وَلا تَشُفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ وَلا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ»

- ‌مَنْ شَهِدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ مُخْلِصًا مِنْ قَلْبِهِ، وَأَنِّي مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ»قلت: أبا الطاهر

- ‌لا يَخَافَنَّ أَحَدُكُمْ إِلا ذَنْبَهُ، وَلا يَرْجُوَنَّ إِلا رَبَّهُ، وَلا يَسْتَحِي مَنْ لا يَعْلَمُ أَنْ يَتَعَلَّمَ، وَلا يَسْتَحِي مَنْ

- ‌سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ لا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ كَمَا تَنْظُرُونَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ لا يُغْلَبَ

- ‌لا إِلَه إِلا اللَّهُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فَتْحٌ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمْأَجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ وَحَلَّقَ

- ‌يُنَزِّلُ رَبُّنَا تبارك وتعالى، كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، حِينَ يَبْقَي ثُلُثُ اللَّيْلِ فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي

- ‌مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ: اللَّهُمَّ مَا أَصْبَحَ بِي مِنْ نِعْمَةٍ أَوْ بِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ فَمِنْكَ وَحْدَكَ، لا شَرِيكَ لَكَ، فَلَكَ

- ‌«اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لا يَنْفَعُ»

- ‌إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ، قَالَ: اللَّهُمَّ خِرْ لِي وَاخْتَرْ لِي

- ‌يُكْثِرُ هَذَا الدُّعَاءَ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْ وَاسِعَ رِزْقِكَ عَلَيَّ عِنْدَ كِبَرِ سِنِّي»وهذا الجزء العاشر معظمه في الدعاء

الفصل: ‌ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ومنبري على حوضي»ذكر سفرنا من المدينة إلى مكة شرفها

الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْهَاشِمِيُّ الزَّيْنِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ، قَالَ: أَخْبَرَتْنَا أُمُّ الْكِرَامِ كَرِيمَةُ بِنْتُ أَحْمَدَ الْمَرْوَزِيَّةُ، قَالَتْ: أنا أَبُو الْهَيْثَمِ الْكُشْمَهِينِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ، قَالَ: أنا الْفَرَبْرِيُّ، أنا الْبُخَارِيُّ.

قَرَأْتُ عَلَيْهِ بِالإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ إِلَى الْبُخَارِيِّ أنا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أنا يَزِيدُ، عَنْ سَلَمَةَ، قَالَ: «

‌كَانَ جِدَارُ الْمَسْجِدِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ مَا كَادَتِ الشَّاةُ تَجُوزُهَا»

وقرأت عليه بالإسناد المذكور إلى البخاري رحمه الله، قَالَ:

أنا مُسَدَّدٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «

‌مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي»

ذكر سفرنا من المدينة إلى مكة شرفها

الله ذاكر سفرنا من طيبة زادها الله طيبا، ويسر العود إليها قريبا، متوجهين إلى مكة حرم الله الشريف، قرب الله منه البعيد، وبلغ المراد فيه للمريد، ومنحنا من إحسانه وامتنانه الجديد فالجديد، بمنه وفضله.

ص: 70

كانت إقامتنا بالمدينة شرفها الله يوم الأحد والاثنين والثلاثاء وليلة الأربعاء وانصرفنا غدوة يوم الأربعاء السادس والعشرين لذي قعدة، صلينا الصبح بذلك المحل الكريم، راجين فضله العميم، وودعناه وما ودعناه، وأودعناه الأرواح وسرنا بالأشباح، والضلوع تتقد، والدموع تطرد، ولسان المقال ينشد:

لئن أصبحت مرتحلا بشخصي

فروحي عندكم أبدًا مقيم

ولسان الحال يردد:

محبتي تقتضي مقامي

وحالتي تقتضي الرحيلا

فوافينا ذا الحليفة، وهي موضع إحرام المدنيين وجوبا، ومن اجتاز بها من غيرهم ندبا، وهي على ستة أميال من المدينة، وقد قيل على سبعة، وظاهر التقدير أنها ستة، وهي بضم الحاء المهملة وفتح اللام وفتح الفاء بينهما ياء ساكنة مخففة، وهي ماء من مياه بني جشم، وكان بينهم وبين خفاجة العقيليين وهي الآن يعرفها الناس ببئر على، وذو الحليفة أيضا موضع بتهامة، وقد جاء ذكره في الحديث، في حديث رافع بن خديج.

«كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة من تهامة فأصبنا نهب غنم. . . . .»

ص: 71

فهو موضع بين حاذة وذات عرق من أرض تهامة، وهذه ليست المهد الذي قرب المدينة.

فلبثنا بها يسيرا وتغسلنا هناك للإحرام، تركعنا في مسجدها لما روي عنه في ذلك عليه الصلاة والسلام، وإن كان ذلك الموضع اليوم ليس هو الذي

ص: 72

صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم بعينه، ولكنه بمقربة منه لأن ذلك قد اجتحفته السيول قديما، ولكن محل الكرام كل منه يعد كريما.

وأهللنا بحجة مفردة لم نضف لها قرانا ولا تمتعا على ما اختاره إمام المدينة مالك، ورآه أتم الأعمال وأحسن المسالك، وارتفعت الأصوات بالتلبية ورجي من المنعم الوهاب قبول تلك الأدعية.

ورحلنا من هناك قريب الظهر راغبين من الله في قبول الزيارة، وتتميم ما شرعنا فيه من العمل الرابح التجارة، داعين إلى الله أن يصحبنا السلامة في كل حل وترحال، في الأبدان والأقوال والأفعال، اللهم أتمم علينا نعمك، وبلغنا حرمك، وأفض علينا كرمك، وعرفنا القبول بعرفات، واجعل أفعالنا وأقوالنا مبلغة إلى سكنى الجنان والغرفات.

ثم لما ظهرنا على البيداء عصفت ريح شديدة ملأت الشعور والأثواب بما سفت عليها من التراب، واشتدت الحال، وعجز الناس لشدة القر عن الاحتمال، فلاذ بعضهم بلبس المخيط، ونزلوا مع الغروب، ورمت التحمل فكدت أعجز ثم من الله الكريم بالإلهام إلى لف بطني بعمامة كانت لي، أدرتها على بطني طاقة فوق طاقة، فمنح الله القوة والطاقة، وقرت بي الحال ونمت صالحا، والحمد لله.

ص: 73

ثم لم نزل نرحل منزلا فمنزلا، وفضل الله لا يزال علينا منزلا، إلى أن وافينا وادي الصفراء، غدوة يوم السبت التاسع والعشرين، وهو واد فيه خصب ونخل وزرع وبطيخ ودباء وقطاني، وتمادى بنا السير نلاقي القرية بعد القرية إلى ظهر ذلك اليوم فوافينا بدرا، المبارك مشهد نصر الله نبيه عليه الصلاة والسلام.

الذي أعز الله به دين الإسلام، فوردنا ماءه، وزرنا شهداءه، وحييناهم بالسلام، وبتنا هناك ورحلنا منه قبيل الصبح من ليلة الأحد، الموفية ثلاثين لذي قعدة، فأهل علينا هلال ذي الحجة داعين إلى الله تعالى في تتميم الحجة ليلة الاثنين، وتمادينا على المسير إلى محل النزول لم نعرفه ثم منه إلى رابغ، وافيناه ضحوة يوم الأحد ثاني ذي الحجة، وهو في هذه المدة موضع إحرام الركب

ص: 74

المصري، وهو دون الجحفة بنحو عشرة أميال إلى جهة المدينة، والجحفة عن يسار الطريق اليوم، ومن رابغ يرفع الناس الماء.

ذكر غريبة عنت لنا به وما عنت بل أغنت في معنى الآية الكريمة واقتت وهي قوله تعالى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ} [المائدة: 94] الآية.

صحبني في الطريق، من المدينة على ساكنها الصلاة والسلام قاصدين إلى البيت الحرام أحد الشيوخ من شرفاء المدينة، فلما وافينا رابغ رأيت أمرا عجبا من تخلل الوحش: الغزال والأرنب بين الجمال والرحال، بحيث يناله الناس بأيديهم، والناس ينادون: حرام، حرام، والجوارح قد سلسلت خيفة تعدي جاهل يعتسف المجاهل، فقال في ذلك الشيخ الشريف: تأمل تر عجبا، هكذا جرت عادتنا في هذا الطريق، يؤمنا ونحن محرمون يمر به الوحش ما ترى، فإذا عدنا محلين لم نجد به شيئا، فلما عدنا كان كما قَالَ، فبان لي من معنى الآية الكريمة ما لم يكن غير بالمشاهدة، وكلام المفسرين على الآية معلوم يصدق على ما تناله الأيدي كالبيض والفراخ مما لا يستطيع أن يفر، وما ينال بالرماح ونحوها ككبار الصيد.

ص: 75

ثم رحلنا عنه منزلا منزلا إلى آن وافينا خليصا يوم الأربعاء ضحوة الثالث من ذي حجة، فقلنا هناك ورفعنا عشي النهار.

وفي وصف خليص أقول من قصيد.

وخليص إذ وردنا خلصه

فرعى الله أويقات الورود

ومطلع القصيد

أهل ودي لا تدينوا بالصدود

بذمام كان في وادي زرود

وخليص البيت.

وهذا البيت اتفقت فيه موافقة حسنة في التصغير، كرعت في مورد من الحسن لا تحلا عنه، وذلك أن الشعراء أكثروا من التصغير في محال، إما لضرورة وزن، أو لقصد ضعيف غير قوي، وربما ندر منهم فيما صدر عنهم ما يستحسن.

كان شيخنا بحر البلغاء وحبر الأدباء أبو الحسن حازم بن محمد، رحمه الله يقول، وقرأته بخطه: كان أبو الطيب المتنبي مولعا بالتصغير، ولم يوفق من ذلك إلا في قوله:

ص: 76

ظللت بين أصحابي أكفكفه

وظل يسفح بين العذر والعذل

فحسن هذا لما كان الموطن مظنة لقلة الصحب، فكثيرا ما يستعملون ذكر الخليلين في هذا الموضع.

قلت: ووجه حسن البيت الذي أنشدته من طريقين: أحدهما: المناسبة اللفظية فإن خليصا مصغر وأويقات كذلك، والمناسبة اللفظية مما تعتبر، ومن مستحسن ذلك قول الأديب البارع أبي عبد الله محمد بن غالب الرصافي، رحمه الله:

بلادي التي ريشت قويدمتي بها

فريخا وآوتني قرارتها وكرا

فحسن موقع تصغير القادمة لمكان تصغير فرخ.

والثاني وهو أقوى للحظ المعنوي، وهو أن أوقات السرور توصف بالقصر، وقد أكثر الشعراء من ذلك حتى قلت:

ولم يزل زمن الأفراح مختصرا

فناسب ذلك التصغير.

ص: 77

ومما كان شيخنا أبو الحسن رحمه الله يستحسنه من ذلك قول الشريف.

يولع الطل بردينا وقد نسجت

رويحة الفجر بين الضال والسلم

فإن لقوله رويحه حسن موقع من النفس، لأنهم لما كانوا يقولون نسيم عليل، ونفس خافت، كان تصغير لفظ الريح في هذا البيت مستحسنا مختارا ولذلك سمعنا شيخنا أبا الحسن رحمه الله يعيب قول ابن عمار:

أدر الزجاجة فالنسيم قد انبرى

والنجم قد صرف العنان عن السرى

لأن الانبراء كأنه اعتراض بقوة، والنسيم من شأنه أن يوصف باللدونة والرقة ومن التصغير الذي له طلاوة وحسن موقع قول أبي العلاء صاعد بن عِيسَى الكاتب:

إذا لاح من برق العقيق وميضة

تدق على لمح العيون الشوائم

فحسن تصغير الوميضة لما وصفها بالدقة والخفاء ومن المستحسن قول أبي العلاء المعري:

ص: 78

إذا شربت رأيت الماء فيها

أزيرق ليس يستره الجران

لما وصفها برقة الأعناق ودفتها حسن تحقير ما يمر عليها من الماء لضيق مسلكه، فمقداره لذلك نزر.

ومن المستحسن قول عمر بن أبي ربيعة:

وغاب قمير كنت أرجو غيوبه

وروح رعيان ونوم سمر

فحسن تصغير القمر هنا لأنه دل بإخباره أنه غاب عند ترويح الرعيان، ونوم السمار، على أنه كان هلالا.

ومما استحسن قول أبي نصر بن نباتة:

ففي الهضبة الحمراء إن كنت ساريا

أغيبر يأوي في صدوع الشواهق

لأن الحية توصف بالضئول والدقة وحسبك قول النابغة.

فبت كأني ساورتني ضئيلة

من الرقش في أنيابها السم ناقع

ص: 79

ونحو منه قول الشريف:

زال وأبقى عند وراثه

جزيم مال عرفته الحقوق

وقد رأينا أن نورد القصيد الخليصي بجملته ثم سرنا من خليص بقية النهار نرتحل منزلا منزلا إلى أن وافينا بطن مر ليلة السبت، عند ربع الليل الأول، في الليلة السادسة من ذي حجة، فلله هو لقد حلي بالعين مرآه، وحلا بالفم ماؤه ومرعاه.

ثم رحلنا منه عند ربع الليل الآخر من تلك الليلة، فوافينا مكة شرفها الله ضحاء يوم السبت، حامدين لله تعالى على تسهيل المسير، وتيسير العسير، فتلقانا أهل مكة وأطفالها متعلقين بالناس، ليعلموهم المناسك ويهدوهم المسالك، قد درب صبيانهم على ذلك، وحفظوا من الأدعية والأذكار ما يحسن هنالك.

ولقينا من تقدمنا إليها من الإخوان، كرفيقنا الأعز علينا، الكاتب البليغ الوزير الماجد أبي عبد الله بن الفقية الوزير الفاضل الصدر أبي القاسم بن الحكيم،

ص: 80

لكونه كان قد تقدمنا من مصر على طريق الصعيد، فلله ذلك الملتقى السعيد، الذي قضت به النفس مناها، ولله تلك الأمكنة الشريفة التي اكتحلت العين برائق سناها.

اللهم لك الحمد على هذه النعمة التي عظمت وجلت، وجلت عرائس السرور على منصات الحبور لما تجلت.

وكان دخولنا من كداء من الثنية العليا، هناك تلقانا صاحبنا ورفيقنا أبو عبد الله بن أبي القاسم حفظه الله، وشكر له، إذ الدخول منها مستحب لمن كانت على طريقة، ولمن لم تكن، فينبغي أن يعرج إليها ويعوج عليها، وكداء هذه هي بفتح الكاف ممدودة وكدى، بضم الكاف منونة ومقصورة بأسفل مكة، وهاتان اللفظتان يضطرب المحدثون في ضبطهما في الأحاديث الصحيحة في الأمهات، والذي صح عندنا في ذلك ويشهد له الاختبار ما ذكره الإمام أبو عمرو بن الصلاح، رحمه الله، وهو تحرير بليغ في الموضع، قَالَ رحمه الله:

ص: 81

المستحب أن يدخل مكة من ثنية كداء بفتح الكاف والمد، وهو بأعلى مكة ينحدر منها إلى المقابر التي بالموضع الذي تسميه العامة المعلي، والى المحصب، وهو البطحاء، والأبطح مما يلي طريق منى، وإذا خرج من مكة فليخرج من ثنية كدى بضم الكاف والقصر والتنوين، بأسفل مكة بقرب شعب الشافعيين عند جبل قعيقعان وإلى صوب ذي طوى والثنية عبارة عن الطريق الضيقة بين جبلين، وذكر بعض أيمتنا أن الخروج إلى عرفات من هذه الثنية السفلى أيضا.

أنبئت عن الحافظ أبي القاسم إسماعيل بن محمد الأصبهاني أنه سمع الحافظ أبا عبد الله الحميدي، وهو صاحب الجمع بين الصحيحين عن الحافظ أبي محمد علي بن أحمد الأندلسي، قَالَ: كداء الممدودة هي بأعلى مكة عند المحصب، حلق رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذي طوى إليها أي صعد إليها، وكدى بضم الكاف، وتنوين الدال بأسفل مكة عند ذي طوى بقريب من شعب الشافعيين عند

ص: 82

قعيقعان، حلق رسول الله صلى الله عليه وسلم منها إلى المحصب، فكأنه صلى الله عليه وسلم ضرب دائرة في دخوله وخروجه، بات صلى الله عليه وسلم بذي طوى، ثم نهض إلى أعلى مكة فدخل منها، وفي خروجه إلى أسفل مكة، ثم رجع إلى المحصب.

وأما كدي مصغر بضم الكاف وفتح الدال وتشديد الياء فإنها لمن خرج من مكة إلى اليمن، وليست من هذين الطريقين في شيء.

قال: أخبرني بذلك كله أحمد بن عمر العذري، عن كل من لقي بمكة من أهل المعرفة بمواضعها، من أهل العلم بالأحاديث الواردة في ذلك.

قال المصنف: فائدة عزيزة ضابطة لما غلط فيه كثير.

قلت: وهذا الذي أنبأ به الحميدي من روايته، عن أبي محمد الظاهري معروف منقول عنه، والعذري إمام في النقل ومشاهدة الآثار وتتبعها.

وذو طوى أسفل مكة في صوب طريق العمرة ومسجد عائشة رضي الله عنها.

قلت: بقى على أبي عمرو بن الصلاح رحمه الله أن يبين لم سلك النبي صلى الله عليه وسلم هذا الطريق محلقا شبه دائرة؟ وذلك إذا تؤمل واضح فإنه لا يحصل التيامن في النزول والدخول إلى مكة والخروج عنها إلا كذلك فتأمله، والله أعلم.

ص: 83

وذو طوى يقال بالفتح والضم والكسر في طائه، والفتح أشهر.

وعندما عاينا البلد الأمين نشأت السحائب، وأرسلت الغرابي، وأرخت الذوائب، فما وافينا المسجد الحرام شرفه الله إلا والمطر جود ذلك الجود أو وابل، وكل طائف تحت ميزاب الرحمة من جود نائل وإلى أقصى أمله واصل.

وحين تجلت لنا الكعبة كالعروس، نالت مناها النفوس، وقد أحرمت الكعبة بتجريدها من المخيط، إلى حد الحجر الأسود وبقي ما سواه بها محيط، ولله در القائل:

يا ربة الخال التي بلحاقها

نال المنى من كان من عشاقها

عاينا من بهجتها ما يذكر قول الآخر:

ما علق الحلي على صدرها

إلا لما يخشى من العين

نقول، والحلي على نحرها

من علق الشين من الزين؟

فطفنا بالبيت طواف القدوم: نخب ونسعى، وقد ضاق بالطائفين المسعى، والمطر وابل وميزاب الرحمة يعب عبابه، ويعمم الناس أماما ويمينا وشمالًا انسكابه وهم يزدحمون في الحجر حتى غص بداخليه، ومن لم يجد سبيلا لدخوله ونيل مائة المبارك، عصر له بلل ثوبه بعض نائليه، فدخل معي المطاف رفيقي الوزير أبو عبد الله الذي فاز دوني بمزية البدار، وحظي بحظ من الجوار، فقال لي منبها ومفيدا: إن بعض شيوخنا قَالَ لي: إنه تستحب تلاوة القرآن في الطواف عند نزول المطر، لما يرتجي من اجتماع البركات التي وردت في ثلاث الآيات "، وهي قوله تبارك وتعالى:{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا} [آل عمران: 96] وقوله {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ} [الأنعام: 92]، وقوله:{وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا} [ق: 9] .

ص: 84

فامتثلت ذلك رجاء نعمة المنعم المالك.

وقراءة القرآن لا تقدم على الأذكار المأثورة في هذا المحل، وإن كان أفضل منها، إذ من القواعد أن لا يشغل عن معنى ذكر من الأذكار بمعنى غيره من الأذكار وإن كان أفضل منه لأنه سوء أدب، ولكل مقام مقال يليق به ولا يتعداه، كلام ابن عبد السلام في القواعد، وقد ورد من القرآن في أذكار الطواف ما يقال بين الركنين اليمانيين:{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201] وبهذه الآية عقب على الأذكار، فكان أولى، وروي عن مالك في ذلك الكراهية، قَالَ ابن المنذر: لم يثبت دعاء مسنون إلا {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً} [البقرة: 201] بين اليمانيين، وهي من القرآن.

وروى هذا عن ابن جماعة، وروي عنه رواية أخرى أنه يجوز، قَالَ الشيخ أبو محمد الجويني: ويحرص أن يختم في الطواف ختمة أيام الموسم فيعظم ثوابها، حكاه أبو عمرو بن الصلاح ثم قَالَ: ومن العلماء من لم يستحب

ص: 85

قراءة القرآن في الطواف، وهو اختيار أبي عبد الله الحليمي من أصحاب الشافعي.

ثم أكملت الطواف بسنته وختمت بالسعي بين الصفا والمروة، وقد امتلأ المسعى بسيله حتى كاد يمنع الإسراع بين الميلين الأخضرين، ولما أدينا العمل المخصوص بذلك الوقت وردنا زمزم وتضلعنا من مائه أكثر مما يتضلع من الماء السلسبيل، وتوقفنا بين الحجر الأسود والباب عند الملتزم للدعاء ثم انصرفنا إلى المنزل الذي أعده صاحبنا ورفيقنا الوزير الفاضل الماجد الكامل أبو عبد الله حرس الله مجده، ويسر مرامه وسنى قصده، فأقمنا هنالك يوم الأحد السابع وصدر يوم الاثنين الثامن، وأخذنا في التوجه إلى منى، وقد سفرت أوجه المنى، فصلينا الظهر في مسجد العقبة، حيث فاز سابقو الأنصار رضي الله عنهم بكريم المنقبة، والعصر بخيف منى.

ولقينا هنالك الشيخ الزاهد الفاضل العامل الفقيه أبا محمد المرجاني، نفع

ص: 86

الله به، الواصل معنا، من تونس في المركب، فصلينا العصر جميعا، وأشار بموافقة الجمهور في التوجه تلك الليلة إلى عرفات والمبيت بها وتركهم سنة المبيت بمنى لتوقع ما يخاف من الأعراب في أطراف النهار وأعقاب الناس، ويحذر من انتهابهم بما قل من العدد ولم يستصحب شيئا من العدد، ومن تأخر من الناس أو انفرد وانسلالهم بين تلك الشعاب، وتوغلهم في الجبال بحيث يتعذر الإيحاف عليهم بخيل أو ركاب، فوقع العزم على التوجه، وكان رأيا مباركا والحمد الله، فقدمت له راحلته، فعزمت عليه في الركوب، فأبى إلا أن يسايرني إلى عرفات، ووضع يده في يدي، فسرنا جميعا إلى عرفات فوافيناها عند غروب الشمس، فذهب هو مع صحبه لموضع نزوله، وانفردت أنا مع صحبي، وبتنا تلك الليلة بعرفات، وعلى إثرنا انتهب قطاع العرب بعض من تأخر من أهل الركب، وكان منهم لمن دافعهم قتل وسلب، وإنا لله وإنا إليه راجعون، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

ورأينا في تلك الليلة عجبا فيما ابتدعته العامة من الاستعداد والاحتفال بوقد الشمع بطول تلك الليلة، بالجبل القائم في وسط عرفات المعروف عند العرب القدماء بإلال، وهو جبل مرتفع، في أعلاه مسجد، تنصب به رايات أمراء الركب، وقد صنع له درج بالبناء من أمامه ومن خلفه، فيرتقى إليه على طريق وينزل من أخرى، وربما التقى فريق مع فريق فيغص الجبل بالصاعدين والنازلين، وهو يتأجج نارا، ويتموج كالبحر زخارا، والطرق إليه بالشموع في بسيط عرفات، كالسطور المذهبات، تتصل به من كل الجهات، وأنت إذا نظرت إليه على بعد من الخيمات، تراه كشعله واحدة، وما يطول من الشمع كأنه ألسن متعاضدة، فترى عجبا، صلدا عاد ذهبا، أو صار لهبًا.

ص: 87

ومما قلت في وصف تلك الليلة:

يا ليلة في الآل

يا حسنها بين الليالي

عدد النجوم شموعها

قد نظمت نظم اللآلي

وقلت أيضا في المعنى واصفا ذلك المغنى:

بدا الآل في ليالي جمعنا

في عرفات والسعود تسعد

يحكي ثريا الختم نظم شمعه

أو نرجسا في ربوة ينضد

أو النجوم الزهر قد تجمعت

فنورها متسق مجسد

أستغفر الله من هذا المقال، وأسأله الصفح عما جرى مما يوهم استحسان هذه الحال، بل هذه الحالة من قبيح البدع، التي يجب أن يزجر عنها فاعلها ويردع وقد نبه على ذلك الإمام الفاضل جمال الدين أبو عمرو بن الحاجب، الفقيه المالكي، وبين قبح هذه الحالة التي استحسنها العامة، وبين ما أخطأ فيه الناس من أمر هذا الجبل فقال رحمه الله.

ومنها إيقادهم النيران عليه ليلة عرفة، واهتمامهم لذلك باستصحاب الشمع له من بلادهم واختلاط النساء بالرجال في ذلك صعودا وهبوطا، بالشموع المشعلة الكثيرة، وقد تزاحم المرأة الجميلة بيدها الشمعة الموقدة كاشفة عن وجهها، وهذه ضلالة شابهوا فيها أهل الشرك في مثل ذلك الموقف الجليل، وإنما أحدثوا ذلك من قريب حين انقرض أكابر العلماء العاملين الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، وحين تركوا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بحصولهم بعرفات قبل دخول وقت الوقوف بانتصاف نهار يوم عرفة لكونهم يرحلون في اليوم الثامن من مكة إلى عرفة رحلة واحدة، وإنما سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم المسير في الثامن من مكة إلى منى، والمبيت بها

ص: 88

إلى يوم عرفة، وتأخير الحصول بعرفات إلى ما بعد زوال الشمس يوم عرفة.

فأصبحنا يوم الثلاثاء التاسع بعرفات، فتطوفت ضحوة اليوم على ما أمكن من تلك العرصات المباركات، واستصحبت معى كتاب صلة الناسك في صفة المناسك للإمام المحدث الأوحد الفقيه الشافعي أبي عمرو بن الصلاح رحمه الله، فكنت أستعرف به المواضع التي يصفها بموافقة الصفة وانطباقها على ذلك الموصوف، كالصخرات الكبار المفترشة في طرف الجبيلات الصغار التي كأنها الروابي الصغار، وهذه الصخرات هي التي وقف عندها صلى الله عليه وسلم، وكالنابت منها، وهي كلها خلف مصلى الإمام وموقف رسول الله صلى الله عليه وسلم منها بإزاء النابت معلوم، متداول النقل، يقف عنده أهل العلم، فوقفنا به والحمد لله.

وهي أعني هذه الصخرات عند الجبل الذي يعتني الناس بصعوده ويسمونه جبل عرفة، وإنما عرفة بسيط تحيط به جبال، وهذا الجبل يسمى جبل الرحمة، وجبل الدعاء، واسمه في لسان العرب، إلال على وزن فعال بكسر الهمزة.

ص: 89

وذكره صاحب الصحاح في اللغة بفتح الهمزة منه، وهو خلاف المحفوظ، وبالكسر ضبطه أبو علي، في البارع وقال: هو جبل بعرفات، وكذلك حكاه بالكسر صاحب المجمل، وصاحب المحكم، وأبو عبيد، وغيرهم من أئمة هذا الشأن.

قال أبو عبيد: الإل بكسر أوله على وزن فعال كأنه جمع أله جبل صغير من رمل على يمين الإمام بعرفة، قَالَ النابغة الذبياني:

بمصطحبات من لصاف وشبرة

يزرن إلالا سيرهن تدافع

وقال طفيل:

يزرن إلالا، لا ينحبن غيره

بكل ملب أشعث الرأس محرم

ص: 90

كذا وقع ينحبن مجود الضبط على إصلاح في نسخة عتيقة تولى عنايتها أبو عبد الله ابن أبي الخصال، والضبط بخطه وأراه وهما، وأن الصواب يحنبن بتقديم الحاء.

والتحنيب الانحناء والاعوجاج، وهو بمعنى يجنبن بالجيم ومصدره التجنيب وهو الانحناء والتوثير في رجل الفرس وهو مستحب، وأما التنحيب فلا أعرف له معنى يتجه هنا، وإن كان النحب في اللغة يطلق على السير السريع، ونحب القوم تنحيبا إذا جدوا في عملهم فالتنحيب السير القاصد الدأب، وفي البيت: وجد سير القوم إلى أن اقتربوا من الماء، وكأن هذا لا يتجه في البيت إلا بحذف أو تضمين، فافهم.

وفي البارع: الإل جبل رمل بعرفات والضبط بخطه، هكذا ذكره بلفظ المفرد على وزن فعل، قَالَ: وكتب هشام بن عبد الملك إلى بعض ولده: أما بعد، فإذا ورد كتابي فامض إلى الإل فقم بأمر الناس، فلم يدروا أي ولاية هي حتى جاءه أبو بكر الهذلي فقال له: هي ولاية الموسم، وأنشده بيت النابغة المذكور:

بمصطحبات من لصاف وثبرة

يزرن إلالا سيرهن تدافع

قلت: إنشاده له بيت النابغة يدل على أنه إلال لا الإل، وصورة الخط واحدة.

ص: 91

وهذا الذي قاله أبو عبيد ونقله كله صحيح إلا قوله: إنه جبل رمل فليس كذلك، وإنما هو جبل مرتفع من حجر صلد، وقد نبتت منه أجبل بعضها أكبر من بعض، يسمى بعضها النبعة وبعضها النبيعة بالتصغير جريا على خيالات العرب في تسمياتها كأنهما نبعتا منه، ولم نجد من يعينهما لنا لكن التسمية تشعر بتعيينهما من جملة تلك الأحجار والصخور الكبار التي هناك، كما تعين النابت منها لأنه ضرس قائم، والصخرات التي بإزائه يمكن الصعود عليها، وإن تكلف في بعضها إلى أن يحصل الصعود، فتكون محلا حاملا للراكب والراجل، وبإزائها قطع من أجبل في الرمال، لا يمكن الصعود عليها، منفصل بعضها عن بعض، وأما هذه الصخرات فقريبة الاتصال ببعضها ببعض.

وقال الإمام أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله: وجاء في الحديث تسميته جبل المشاة لكون الرجال تقف عليه، وتسمى الأجبل الصغار المذكورة النبعة والنبيعة والنابت.

وروى مسلم في صحيحه عن جابر: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب إلى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات وجعل جبل المشاة بين يديه واستقبل القبلة» .

وضبطه غير واحد من المصنفين حبل المشاة بالحاء وجعله من حبال الرمل وهو ما استطال من الرمل مرتفعا.

ص: 92

وما ذكرناه من كونه جبل إلال هو الصحيح، وبه شهدت المشاهدة، وهو الذي ذكره بعض من صنف في الأماكن المتعلقة بالحجيج.

وروى أبو الوليد الأزرقي، في كتاب مكة بإسناده: أن موقف النبي صلى الله عليه وسلم كان بين الأجبل النبعة والنبيعة والنابت، وموقفه منها على النابت.

قال: والنابت عند النشزة التي خلف موقف الإمام، وموقفه صلى الله عليه وسلم على ضرس من الجبل النابت ضرس بين أحجار هنالك نابتة من الجبل الذي يقال له الإل.

قلت: الوجه أن يقول وموقفه إلى النابت لا على النابت لأن النابت لا يمكن القرار عليه، وإنما الوقوف على صخرات مفلطحات بِإزائه يكون الضرس النابت منها عن يساره.

وقوله في الحديث: «جعل جبل المشاة بين يديه واستقبل القبلة» ، هو في التحقيق أميل إلى يمينه، ولعله التفت صلى الله عليه وسلم للناس فصار بين يديه، وإلا ففي العبارة بحسب المشاهدة بعض اتساع وتقريب.

وقوله أيضا: فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات، في تخيله إشكال، فإن بطن الناقة إن اعتبر به جانبها الأيسر فإنما يجئ إلى الضرس النابت، وإن اعتبر أسفل البطن فيكون عبارة عن كونه صعد على الصخرات، فإن الصعود عليها ممكن بالمشاهدة وإن احتاج إلى انعراج عند الصعود حتى يتم رقيه فيستقر لاتساعها والله أعلم.

ص: 93

ولم أر من نبه على هذا، فلذلك أفدنا بالتنبيه عليه، وأرشدنا بغاية البيان إليه، والله المرشد بمنه.

قال الإمام أبو عمرو رحمه الله: إذا وضح هذا لمن كان راكبا فليخالط بدابته الصخرات المذكورة وليداخلها كما روي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فإذا كان راجلا فينبغي له أن يقوم على الصخرات المذكور أو عندها على حسب ما يمكنه من غير إيذاء أحد، ولصاحب الحاوي أبي الحسن البصري، فيما يستحب من الموقف كلام جمع فيه بين ما ذكرناه من رواية مسلم في صحيحه عن جابر ورواية الأزرقي، وقال فيه: يقصد الجبل الذي يقال له جبل الدعاء وهو موقف الأنبياء صلى الله عليه وسلم أجمعين.

وقال محمد بن جرير الطبري: وكان يستحب الوقوف على الجبل الذي على يمين الإمام، فأثبت بهذا شيئا من الفضيلة للجبل الذي يعني الناس بصعوده.

ولا نعلم في فضله خبرا ثابتا ولا غير ثابت، ولو كان له فضل فالفضل الأرجح المخصوص، إنما هو لموقف رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ذكرناه، وهو الذي خصه العلماء بالذكر والتفضيل.

وقد قَالَ صاحب النهاية، في وسط عرفة جبل يسمى جبل الرحمة، ولا نسك في الرقي فيه، وإن كان يعتاده الناس.

ص: 94

قال الإمام أبو عمرو: قد افتتنت العامة بهذا الجبل في زماننا، وأخطأوا في أشياء من أمره، منها أنهم جعلوا الجبل هو الأصل في الوقوف بعرفات فهم بذكره مشغوفون، وعليه دون باقي بقاعها يحرصون: وذلك خطأ منهم، وإنما أفضلها موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي سبق بيانه.

تنبيه وحسرة: ترك الجمع على سنته في موضعه، وصاروا يصلون بإمام يتم لهم، ولا يحسن السنة أما موقف النبي صلى الله عليه وسلم، ويؤخر الظهر إلى قريب العصر، فينتظره كثير من الجهال، ويصلي أهل العلم فرادى أو مجتمعون في رحالهم ثم يجيئون إلى موقف النبي صلى الله عليه وسلم.

والذي ظهر من الحكمة الشرعية في مبيت الناس بمنى، وإقامة الصلاة بمسجد إبراهيم، ثم المجيء إلى الموقف أن يصل الناس وتلك الأمكنة المطهرة طاهرة، ولم يبق إلا التشاغل بالذكر والدعاء، وأما الآن فتصبح تلك العرصات المشرفات، وقد ملئت فضلات آدميات وبهيميات، وإن شئت قل في الجميع بهيميات.

ولقد جهدنا أن نجد موضعا للصلاة طاهرا فما وجدناه إلا أن يصلي على حائل يوضع على الأرض حتى على الصخرات المباركات، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ومما تطوفنا عليه أيضا مسجد إبراهيم إذ كنا قد نزلنا بآخر عرفات من جهة مكة شرفها الله، ثم رحلنا إلى الموقف الذي كانت الصلاة تجمع فيه قبل أن تغير الأمور، ويضعف الآمر بالمعروف ويخاف الناهي عن المنكر، وحائطه القبلي على بطن عرنة، وضبطها بضم العين المهملة وفتح الراء والنون، يقال له أيضا مسجد

ص: 95

عرنة ولم يتمكن لي النزول في المسجد، وإنما صعدت على حائطه الموالي لعرفة إذ هو الآن دون تسقيف، خفية من سلب أثوابي أو أشد من ذلك، فإن السالب هناك محارب، ولولا أني ترصدت وصول الشريف أمير مكة في جيشه المحتفل المدجج، وعند إقباله أقبلت على تلك المعاهد وصعدت الحائط حتى أدركت جميع ساحة المسجد، فإنه يبيت بمنى ويجئ غداة يوم عرفة، وينزل بالأراك في مضارب له في نهاية من الاحتفال يعجز عنها الوصف، تحيط بها دهاليز، وهي التي تسمى عند أهل المغرب بلغتهم أفراك، ولها أسمية بأنواع من. . . . . قد رفعت عليها الألوية وأعمدة بيت أدم في نهاية الارتفاع، وكذلك خيله ورحائله الفرس والفارس، مجللان في السلاح، وعلى الخيل لباس يسمونه الجوشن والرحائل عليها قباب الحرير المختمة بالذهب.

قال الإمام أبو عمرو بن الصلاح الفقيه الشافعي رحمه الله: وذكر الجويني أن هذا المسجد مقدمه في وادي عرنة لا في عرفات، وأواخره في عرفات، فمن وقف في صدر المسجد فليس واقفا، وما كان من المسجد من عرفات يتميز عما ليس منها بصخرات كبار فرشت في ذلك الموضع.

قال أبو عمرو رحمه الله: هذا يخالف إطلاق الشافعي بأن المسجد ليس من عرفات، فلعله زيد بعده فيه من عرفات القدر الذي ذكره الجويني، والله أعلم، وهذا المسجد بينه وبين المكان الذي وقف فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم قدر ميل والله أعلم.

قال محمد وفقه الله: عاينت هذه الصخرات، وهي في وسط المسجد، وهي أقرب إلى حائط قبلته فيما أحزر.

ص: 96

قال الإمام الفقيه المالكي أبو محمد بن شاس: والواجب من الوقوف ما يطلق عليه اسم الحضور في جزء من أجزاء عرفة، سوى بطن عرنة، فإن وقف ببطن عرنة لم يجزه لأنها من الحرم، وإن وقف بالمسجد فوقف مالك وابن عبد الحكم، في إجزائه، وقال أصبغ لا يجزيه، قَالَ محمد بن المواز: ويقال أن حائط المسجد القبلي على حده ولو سقط لسقط في عرنة، قَالَ أبو الحسن اللخمي: وعلى هذا يجزي الوقوف فيه لأنه من الحل، قَالَ: وكذا عند ابن مزين أنه يجزي الوقوف فيه.

ص: 97

وقال ابن الحاجب: ووقف مالك أن لو وقف في المسجد، وفيه لأصحابه قولان، وكره بنيانه وإنما حدث بعد ابني هاشم بعشر سنين، ويقال: إن الحائط القبلي على حد عرنه ".

ذكر تحديد عرفة على ما حددها الإمام أبو عمرو النصري عن الأزرقي: قال رحمه الله: وقد ذكر الأزرقي في كتاب مكة بإسناده عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قَالَ: «حد عرفة من الجبل المشرف على بطن عرنة إلى جبال عرفة إلى وصيق، إلى ملتقى وصيق ووادي عرنة» قال الإمام أبو عمرو: بطن عرنة ووادي عرنة مضافان على عرنة، وقد تقدم ضبطها، ووصيق هو بواو مفتوحة ثم صاد مك { [غير منقوطة وياء وفي آخره قاف.

وقال الشافعي: عرنة ما بين الجبل المشرف إلى بطن عرنة إلى الجبال المقابلة يمينا وشمالا مما يلي حوائط ابن عامر وطريق الحضن.

قال أبو عمرو: هو الحضن بالحاء غير المنقوطة والضاد المنقوطة المفتوحتين وبعدهما نون، وهو اسم جبل،

ص: 98

قَالَ صاحب النهاية: وتطيف بمنعرجات عرفة جبال وجوهها المقبلة من عرفة.

وقال أبو زيد البلخي: عرفة ما بين وادي عرنة إلى حائط ابن عامر، إلى ما أقبل على الصخرات التي يكون بها موقف الإمام، إلى طريق حضن، قَالَ: وحائط ابن عامر عند عرنة، وبمقربة المسجد الذي يجمع فيه الإمام بني الظهر والعصر، وهو حائط نخيل، وفيه عين، وينسب إلى عبد الله بن عامر بن كرز.

قال الإمام أبو عمرو: هو الآن خراب ووادي عرنة المذكور هو في طرف عرفات من جهة منى ومكة يقطعها من يجئ منها إلى عرفات.

وذكر بعض من حدد عرفات من أصحابنا أن الحد الواحد منها ينتهي إلى جادة طريق المشرق وما يلي الطريق، والحد الثاني ينتهي إلى حافات الجبل الذي وراء أرض عرفات، والحد الثالث إلى الحوائط التي تلي قرية عرفة، وهذه القرية على يسار مستقبل القبلة إذا صلى بعرفة، والحد الرابع ينتهي إلى وادي عرنة الذي شرحنا حاله، وليس من عرفات وادي عرنة ولا نمرة، وهي في بطن عرنة، ولا المسجد الذي يجمع فيه الإمام الصلاتين، ويقال له مسجد إبراهيم صلى الله عليه وسلم، وليست عرفات من الحرم، وينتهي الحرم من تلك الجهة عند العلمين المنصوبين عند منتهى المأزمين وهما معروفان ظاهران.

ص: 99

وتمادينا في الوقوف بموقف النبي صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم إلى أن غربت الشمس وتفرق الجمع وأفاض الناس، وجاء أمير مكة الشريف أبو نمى محمد بن أبي سعد الحسنى في جيشه، ووقف ما بين موقف النبي صلى الله عليه وسلم ومصلى الإمام، وفي ذلك الوقت أفضنا وتركناه.

وكان مما أجرى الله على لساني في تلك العيشة المباركة: اللهم أنا قد تذللنا إليك ثقة بعفوك، وتدللنا عليك ثقة بكرمك.

وكنت في تلك الليلة قد قدمت ثقلي مع الراحلة وبقيت مخفا فلما كان عند آخر عرفة ونحن نريد سلوك طريق المأزمين إذ هي الجادة إلى مزدلفة، ومحل الأمن، وهو بين العلمين اللذين في حد الحرم من تلك الجهة، والمأزم بكسر الزاي، ومعناه المضيق بين الجبلين، وكان معي ثلاثة نفر من صحبي، لقينا الشيخ الفقيه العالم الزاهد الورع أبا على عمر بن الصواف نزيل الإسكندرية نفع الله به مع رفيق له، وكان ذلك الرفيق شديد الدربة حسن المعرفة بالطريق، وبتلك الأماكن الشريفة، فصحبناهما للاقتداء بهما، وكان الشيخ الفقيه أبو علي يقول لنا: اسلكوا الطريق الوسط يعني التي هي طريق النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن تغلبوا عليها، فكنا نسلك نعم الطريق، فإذا غلبنا عليه بشدة الزحام تعلقنا بالجوانب إلى أن بلغنا مزدلفة بعد مغيب الشفق، فقلت للشيخ أبي علي عندما شارفنا مزدلفة: إني لست على وضوء وليس لي ماء، فأشار إلى إتباع الحكم الشرعي: إن وجد الماء وإلا فالصعيد، وكنت شديد الظمأ، لأني كنت قد فارقت رحلي مع حركة المشي.

فلما وافينا المزدلفة أخرج من عند رفيقه زميزمية صغيرة جدا، من التي يصنع في اليمن، تخفى تحت إبط الحامل بحيث يواريها إبطه فأفرغ لي منها فشربت، ثم

ص: 100

آثرت صحبي، فلم استنطف ما في الإناء، وتركت لصاحبي الوزير أبي عبد الله ما قدرت أنه لا يرويه، فشرب ثم ناول أصحابنا فشربوا بجملتهم، وليس منا من ترك الإناء إلا وهو يرى أن ما أفضل لا يروي صاحبه، ثم أفرغ لنا وتوضأنا، وكثر الله ذلك القليل فكفانا، وما عاينت بركة ولا كرامة ظاهرة لأحد من شيوخنا في سفر إلا تلك، وصلى بنا جمعا على سنة الجمع، وفي الصبح أيضا مثل ذلك فلم نحتج إلى تيمم، وبتنا خير مبيت في أنعم بال وأفضل حال، وقدم لنا يسير كسر مع نتفه من إدام كان فيه يسير خيار، فحصل لنا الري والشبع والصلاة بطهارة الماء ومماشاة ذلك الفاضل والاقتداء به في القفول من عرفة إلى منى، كما حصلت مماشاة الفاضل أبي محمد المرجاني في التوجه من منى إلى عرفة شرفهما الله، نحمد الله على جميل عوائده، وجزيل فوائده، فهو أهل الحمد والشكر.

فلما صلينا الصبح أتينا المشعر الحرام فوقفنا به حتى أسفر جدا، ثم دفعنا إلى منى، وعندما وافينا بطن محسر، وهو واد بين مزدلفة ومنى، أمرنا بالإسراع عنده وهو قدر رمية بحجر وضبطه بكسر السين وتشديدها، أسرعنا، كذلك حتى قطعنا عرض الوادي، ومن كان راكبا فحكمه أن يحرك دابته.

قال الإمام أبو عمرو رحمه الله: وأول مُحسّر من القرن المشرف من الجبل الذي على يسار الذاهب إلى منى، ثم يخرج منه سائرا إلى منى، سالكا للطريق الوسطى التي تخرج إلى العقبة، وليس وادي محسر من المزدلفة ولا من منى، وهو مسيل ماء بينهما، وقيل سمى محسرا لان فيل أصحاب الفيل حسر في ذلك الوادي أي أعيا، يقال: حسر البعير بكسر السين إذا أعيا فكأن ذلك الموضع حسر الفيل، أي جعله

ص: 101

يعيا، والله أعلم، وأهل مكة يسمونه وادي النار يقال إن رجلا اصطاد فيه فنزلت نار فأحرقته، والله أعلم رجع القول بنا إلى حد المزدلفة: وحدها فيما قاله الإمام أبو عمرو النصري رحمه الله: من مأزمي عرفة المذكورين إلى قرن محسر يمينا، وشمالا من تلك المواطن القوابل والظواهر والشعاب والحبال كلها، وليس المأزمان ولا وادي محسر من المزدلفة.

قلت: مزدلفة تسمى أيضا جمعا، وقد قلت في ذلك ملغزا:

وما اسم أرض فريد

وإن تشأ فهو جمع

وفيه للفعل وقف

وفيه للحرف دفع

وفيه للجمع صرف

وفيه للصرف منع

وبها قزج، وهو بقاف مضمومة بعدها زاي منقوطة، وهو آخر المزدلفة وهو جبيل صغير، قَالَ الإمام أبو عمرو رحمه الله: والمعروف عندنا في أمهات الكتب الفقهيه الحرام، وفي كثير من كتب تفسير القرآن والحديث أن المشعر الحرام هو المزدلفة بجملتها، وفي الآثار ما يشهد لكل واحد من القولين.

ص: 102

قال الإمام أبو عمرو: ويرقى على قزح إن أمكنه وإلا وقف عنده وتحته.

قال: وقد استبدل الناس بالوقوف على الموضع الذي ذكرناه الوقوف على بناء مستحدث، في وسط المزدلفة، ولا تتأدى بذلك هذه السنة، والله المستعان.

ذكر ما كتبناه واستفدناه في ذكر المشعر الحرام، زيادة على ما ذكر.

قال الزمخشري: المشعر الحرام قزح، وهو الجبل الذي يقف عليه الإمام وعليه الميقدة " ووجدت حاشية على الموضع، أظنها عن الزمخشري: كان أهل الجاهلية يوقدون فيه النار، والان توقد فيه الشموع.

قال: وقيل المشعر الحرام ما بين جبلي المزدلفة، من مأزمي عرفة إلى وادي محسر، وليس المأزمان ولا وادي محسر من المشعر الحرام، والصحيح أنه الجبل

ص: 103

لما روى جابر، " أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى الفجر يعني بالمزدلفة، بغلس ركب ناقته حتى أتى المشعر الحرام فدعا وكبر وهلل ولم يزل واقفا حتى أسفر.

وقوله تعالى:] عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [سورة البقرة: 198] معناه مما يلي المشعر الحرام قريبا منه وذلك للفضل كالقرب من جبل الرحمة، وإلا فالمزدلفة كلها موقف إلا وادي محسر، أو جعلت أعقاب المزدلفة لكونها في حكم المشعر ومتصلة به عند المشعر، والمشعر المعلم، لأنه معلم العبادة، ووصف بالحرام لحرمته، وعن ابن عباس رضي الله عنه أنه نظر إلى الناس ليلة جمع، فقال:«لقد أدركت الناس هذه الليلة لا ينامون» .

وهناك التقطنا حصى الجمار للرمي بمنى، والمالكية تلتقط، والشافعية تكسر ولم نزل نلبي إلى رمي جمرة العقبة كما صح عنه صلى الله عليه وسلم، وتسمى الجمرة الكبرى وهي تحية منى لا يبدأ بغيرها.

ولما رمينا جمرة العقبة اجتمعنا هناك بأصحابنا ورحالنا، وضربنا خيمنا وذبحنا نسكنا، وحلقنا وألقينا تفثنا، وفي ذلك قلت بعد من قصيد:

وفي حمى عرفات أهل عرفاتي

وعند جمع تلاقى جمع إخواني

أكرم بهم معشرا كالزهر قد طلعوا

في مشعر، أشعروا فيه بغفران

وفي منى نجل أبكار المنى سفرت

تختال من كثب ما بين كثبان

وحين ملنا لخيمات لنا نظمت

عقدا تألف من در ومرجان

قيد البصائر والأبصار بهجتها

تعز وصفا على قس وسحبان

تخال ألوانها زهرا تفتح في

روض فما شئت من أصناف ألوان

ص: 104

ورد أقاح بهار نوفر شقر

بنفسج نرجس مفتر سوسان

بتنا ونحن من الأفراح في شأن

ولا رقيب ولا واش ولا شأني

حتى قضينا بها ما سن من قرب

رميا وحلقا وتقريبا لقربان

ومنى حدها فيما قاله الإمام أبو عمرو رحمه الله: " ما بين محسر إلى العقبة التي ترمي إليها جمرة العقبة، ومنى شعب طوله نحو ميلين وعرضه يسير، والجبال المحيطة به ما أقبل منها عليه فهو من منى، وما أدبر منها فليس من منى.

ومسجد الخيف في أقل من الوسط مما يلي مكة، وجمرة العقبة في آخر منى مما يلي مكة، وليست العقبة التي تنسب إليها الجمرة من منى، وهي العقبة التي بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم عندها الأنصار قبل الهجرة والمرمى مرتفع قليلًا في سفح الجبل.

ثم توجهنا إلى مكة شرفها الله تعالى لأداء طواف الإفاضة، فقضيناه والحمد لله على نعمه التي لا تحصى، حمدا يفوت عد القطر والرمل والحصى.

ذكر فائدة عنت في الطواف وطالما أتعبت وعنت: حال الكعبة وبناؤها في الجاهلية، وحضور النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وحمله معهم الحجارة، ووضعه الركن بيده الكريمة، وعجزهم عن النفقة، فلم يتموا البيت على قواعد إبراهيم، وترك النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لحدثان أهل الإسلام من قومه بحالة الكفر، وأنه لم يستلم إلا الركنين اليمانيين الذي فيه الحجر والذي يليه، وإكمال عبد الله بن الزبير ذلك، وهدمه الكعبة حتى بلغ بها الأرض

ص: 105

وإتمامها على قواعد إبراهيم، وإدخال الحجر في البيت، بعد أن عاين الناس أساس إبراهيم حجارة كأسنمة الإبل، وإلصاقه الباب الشرقي بالأرض، وفتحه بابا غربها، زمن خلافته لما سمع في ذلك من خالته عائشة رضي الله عنهما، وذلك سنة خمس وستين، وتغيير عبد الملك لما فعله ابن الزبير، ثم ندمه على ذلك لما بلغه الحديث، كل ذلك معلوم مقطوع به.

ثم نشأت مسألة الله أعلم بوقت نشء الكلام فيها، وهو ما أحاط بالبيت ملتصقا به أسفل الجدار ما بين الركنين اليمانيين وهو الذي يسمى بالشاذروان وكان بسيطا ثم زهق في هذا العهد الأخير حتى صار كأنه مثلث احتياطا فيما زعموا على الطائفين أن لا يفسدوا طوافهم بكونهم إذا طافوا ماشين عليه حيث كان بسيطا يكون طوافهم في جزء من البيت، وكان منتهاه إلى قريب الركن، ولم تكن تحت الحجر الأسود، من هذه الزيادة الظاهرة شيء، ثم زيدت بمقدار سائره في المدة الأخيرة.

وهذا الاسم أعني الشاذروان لفظة عجمية، وهي بلسان الفرس: زارهو الذهب بلغة الفرس، بكسر الذال اسم للزربية وجمعها زرابي، وهي فرش ملونة

ص: 106

بصفرة وحمرة وخضرة، ولا شك أنها استعيرت لهذا المفترش البنياني الضيق القصير الارتفاع الذي أحاط بالبيت من هذه الجهة، وهي استعارة بعيدة، ومن يقول الزربية هي الوسادة تكون الاستعارة أقرب، كأنها وسائد وسدت إلى البيت، والله أعلم.

ولا توجد هذه التسمية ولا ذكر مسماها في حديث صحيح ولا سقيم ولا عن صحابي، ولا عن أحد من السلف فيما علمت، ولا لها ذكر عند الفقهاء المالكيين المتقدمين والمتأخرين إلا ما وقع عند أبي محمد ابن شاس الإمام في جواهره.

وتبعه على ذلك الإمام أبو عمرو ابن الحاجب رحمهما الله، وذلك لا شك مما نقلاه من كتب الشافعية، إذ لا تعرفه المالكية ولا يعرفه أهل النقل والأثر، إلا ما وقع في كتب الشافعية، وأقدما من ذكر ذلك فيما وقفت عليه المزني، حسبما نقله صاحب الشامل وفسره.

وأنا أورد ما حضر من ذلك، للهج المتأخرين بذكره، وإفساد طواف من

ص: 107

طاف عليه ماشيا أو رافعا إحدى رجليه، وهي اليسرى، معتمدا على جدار البيت لئلا يفوته تقبيل الركن عند الازدحام، فنقول والله المرشد: قَالَ الإمام أبو عمرو ابن الصلاح رحمه الله: الواجب السادس أن يكون في طوافه خارجا بجميع بدنه عن جميع البيت، ولو طاف داخل البيت لم يصح، ولو طاف على شاذوران البيت أو في الحجر، فلا يصح أيضا لأنه طائف في البيت، وذلك أن الشاذوران والحجر كلاهما من البيت.

أما الشاذوران فهو القدر الذي ترك في عرض الأساس خارجا عن عرض الجدار خاليا من البناء، فإن قريشا لما رفعوا الأساس بمقدار ثلاث أصابع من وجه الأرض نقصوا عرض الجدار عن عرض الأساس الأول، فبقي ذلك القدر من عرض أصل الجدار جزءا من البيت العتيق المأمور بطوافه خارجا عن الجدار المرتفع، وهو ظاهر لكن لا يظهر عند الحجر الاسود، وقد أحدث عنده في زماننا شاذوران، والشاذوران يصعده الجاهل فيمشي بطوافه عليه، فيبطل طوافه لأنه يكون طائفا في البيت، ولو مر خارج الشاذوران وهو يمس الشاذوران بيده فالأصح الذي عليه الأكثرون من أئمتنا أنه لا يصح طوافه، لأن يده إذا كانت في هذا الشاذوران فهي في البيت، والشرط أن يكون جميع بدنه منفصلًا عن البيت وعند هذا ينبغي أن يتفطن لدقيقة ذكرها بعض المتأخرين من أيمتنا وهي أن من قبل الحجر الأسود فرأسه في حالة التقبيل في البيت فعليه أن يقر قدميه في موضعيهما حتى يفرغ من التقبيل ويعتدل قائما فإنه لو زالت قدماه عن موضعيهما قليلا ولو بقدر شبر، ثم لما فرغ من التقبيل اعتدل قائما عليهما في الموضع الذي زالا إليه، ومضى من هناك في طوافه لكان قد قطع قدر شبر من مطافه مع كون بعض جسده في هواء الشاذوران الذي هو من البيت فيبطل طوافه كما سبق.

وأما الحجر فهو خارج عن جدار البيت في صوب الشام والمغرب، والميزاب فيه فوقه، وهذا الحجر محوط مدور على صورة نصف دائرة، والحجر أو بعضه من البيت، أخرجته قريش من البيت حين بنوه، لكون النفقة من الحلال قصرت

ص: 108

بهم، فينبغي للطائف أن يطوف حول الحجر وراءه ولا يدخل إليه في طوافه وذكر صاحب نهاية المطلب ووالده، أنه لو دخله وبعد عن البيت بمقدار ستة أذرع وطاف وراءها واستظهر أجزأه، وإن كان مكروها، كذا وقع مكروها، والذي قاله والده أنه مستنكر عند الناس غاية الاستنكار، والحجة لهذا ما رواه مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«أن ستة أذرع من الحجر من البيت» وذكر صاحب التهذيب فيه: أنه إذا طاف فيه وراء سبعة أذرع جاز، والحجة لهذا أنه جاء في بعض روايات مسلم للحديث:«أن من الحجر قريبا من سبع أذرع من البيت» ، وهذا يوجب استيفاء السبع لإسقاط الفرض بيقين، والصحيح والمعتمد، يعني في الطواف، أنه يجب الطواف بجميع الحجر ولا يجوز دخوله بل حوله خارجا منه لأن النبي صلى الله عليه وسلم هكذا فعل في طوافه.

وأما حديث عائشة رضي الله عنها ففي رواية منه ثابتة في الصحيحين: أن الحجر من البيت، وقد اضطربت الرواية عنها فروي ستة أذرع، وروي ستة أذرع أو نحوها، وروي خمسة أذرع، وروي قريبا من سبعة أذرع، وروي أن الحجر من البيت، وإذا اضطربت الروايات تعين الأخذ بأكثرها ليسقط الفرض بيقين، وهذا

ص: 109

المذهب، فهو الذي نص عليه الشافعي رضي الله عنه.

وقال أيضا في كيفية الطواف على التمام: إذا دخل المسجد فليؤم الحجر الأسود، وهو في الركن الذي يلي باب البيت في صوب المشرق ويسمى الركن الأسود ويقال له وللركن اليماني الركنان واليمانيان، وارتفاع الحجر الأسود من الأرض ثلاث أذرع إلا سبع أصابع، والمستحب أن يستقبل الحجر الأسود بوجهه، ويدنو منه بشرط ألا يؤذي أحدا بالمزاحمة فيستلمه بيديه، وقد قيل يستمله بإحدى يديه أو بكلتيهما ثم يقبله من غير صوت يظهر في القبلة، ويسجد عليه يكرر التقبيل والسجود عليه ثلاثا.

ثم قَالَ: " والاستلام مأخوذ من السلام بكسر السين وهي الحجارة، زاد غيره يعني إذا مس الحجر قيل استلم أي مس السلام بيده، وقيل من السلام بفتح السين وهو التحية.

زاد غيره، أي انه يحيى نفسه عن الحجر، إذا ليس الحجر ممن يحييه يقال اختدم إذا لم يكن له خادم.

قال الإمام أبو عمرو: وكيفية ابتداء الطواف إلى انتهائه أنه يحاذي جميع الحجر بجميع بدنه فلا يصح طوافه حتى يمر بجميع بدنه على جميع الحجر، وذلك بأن يستقبل البيت، ويقف إلى جانب الحجر لا من حيث الباب بل من الجانب الآخر إلى صوب الركن اليماني، حيث يصير كل الحجر عن يمين نفسه ومنكبه الأيمن عند طرف الحجر الأيمن، ثم ينوي الطواف لله سبحانه وتعالى، ثم يمشي وهو مستقبل الحجر مارا إلى صوب يمينه حتى يجاوز الحجر، فإذا جاوز الحجر

ص: 110

انفتل وجعل يساره إلى البيت، ويمينه إلى خارج، وإن فعل هذا من الأول وترك الاستقبال في مروره على الحجر جاز ذلك، ويمشي هكذا تلقاء وجهه، طائفا حول البيت أجمع، فيمر على الملتزم إلى الباب ثم إلى الركن الذي يسمى العراقي، وهو الثاني بعد الأسود، ثم يمر على الحجر وهو بكسر الحاء وسكون الجيم وهو في صوب الشام والمغرب، فيمشي حوله إلى أن ينتهي إلى الركن الثالث الذي يسمى الركن الشامي، ويقال له وللركن الثاني الذي قبله الركنان الشاميان، وربما قيل الركنان الغربيان، ثم يدور خلف الكعبة سائرا إلى أن ينتهي إلى الركن الرابع المسمى بالركن اليماني، ثم يسير منه إلى الحجر الأسود حتى يعود إلى الموضع الذي بدأ منه فيكمل له حينئذ طوفة واحدة، ثم يطوف كذلك حتى يكمل سبع طوفات.

وكره الشافعي أن يسمى الطواف شوطا ودورا، ورواه عن مجاهد رضي الله عنهما " ثم ذكر حكم الترتيب، قَالَ: وهو في أمرين: أحدهما أن يبتدئ بالحجر الأسود ويمر بجميع بدنه على جميع الحجر على الصفة التي شرحناها أولا، فلو ابتدأ بغير الحجر الأسود أو لم يمر بجميع بدنه لم يحسب له ذلك إلى أن ينتهي إلى محاذاة الحجر الأسود فيجعل ذلك أول طوافه ويلغي ما قبله ويحتاج إلى زيادة طوفة ثامنة حتى يصح سبع، فافهم ذلك، فإنه يدخل من جهته الفساد على حج كثير من الناس.

الأمر الثاني: أن يجعل في طوافه البيت على يساره كما سبق بيانه، فلو طاف والبيت على يمينه فهذا طواف باطل منكس، ولو استقبل البيت بوجهه وطاف به فالأصح أنه لا يصح أيضا، وليس شيء من الطواف يجوز باستقبال البيت إلا ما ذكرناه أولا من أنه يمر في ابتداء الطواف على الحجر الأسود مستقبلًا له، فيقع

ص: 111

الاستقبال قبالة الحجر لا غير، وذلك في الطوفة الأولى، خاصة دون ما بعدها.

وهذا الاستقبال ذكره القاضي أبو الطيب والشيخ أبو حامد الاسفرايني في طائفة من الأيمة العراقيين، وهو مستحب، فلو أنه تركه ومر بالحجر ويساره إليه وسوى بين الطوقة الأولى وباقي الطوفات في ذلك، بان ذلك لم يذكر صاحب النهاية في طائفة من الخراسانيين إلا هذا، ولم يذكروا هذا الاستقبال أيضا وهو غير الاستقبال المستحب عن لقاء الحجر قبل ابتداء الطواف، فذلك مستحب لا كلام فيه.

انتهى ما أردنا إيراده من كلام الإمام أبي عمرو، وإن أطلنا في تتبع أمكنته وجمع مفترقه فطلبا للإفادة بما يعز وجوده ويعجز عن مثل هذا البيان بيانه، والله المرشد، وقال الإمام أبو نصر عبد السيد بن الصباغ، البغدادي الشافعي رحمة الله في شامله: يبتدئ بالطواف من الركن الذي فيه الحجر لما روي في حديث جابر: «أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بالحجر فاستلمه وفاضت عيناه من البكاء» .

ص: 112

وروى نحو ذلك ابن عمر، ثم قَالَ:" يستحب له أن يستقبل الحجر محاذيا له بجميع بدنه، وهل الواجب عليه أن يحاذيه بجميع بدنه أو يحاذيه ببعض بدنه قولان، قَالَ في القديم: يحزيه أن يحازيه ببعض بدنه لأنه حكم يتعلق بالبدن فأجزأ فيه بعضه كالحد، وقال في الجديد: لا يجزيه لأن ابن عمر روى «أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل المسجد استقبل الحجر واستلمه» وظاهر هذا استقباله بجميع بدنه، ولأن ما لزم استقباله لزمه بجميع بدنه كالقبلة، فأما إن استقبل بجميع بدنه بعض الحجر، إن تصور ذلك فإنه يجزيه، كما إذا استقبل بجميع بدنه بعض البيت في الصلاة، ثم قَالَ: " إذا ثبت هذا فإنه يأتي من عن يمين الحجر، ثم يجتاز بجميع بدنه على يمين نفسه ويحاذي يساره يمين الحجر، ويطوف سبعا، فإذا انتهى في السابعة إلى الموضع الذي منه بدأ أجزأه، فأما إن حاذي ببعض بدنه جميع الحجر أو بعضه فإن قلنا يجزيه كان على ما ذكرناه، وإن قلنا لا يجزيه لم يعتد بالطوفة الأولى لأنه ابتدأ من حيث لا يجوز له، فإذا أتم سبعا دونها أجزأه.

وإذ قد فرغنا من هذا الفصل مجودا فلنرجع إلى ذكر الشاذروان، وننقل ما قلنا من أن ابن الصباغ ذكره، فنقول قَالَ: رحمه الله في الشامل.

مسألة: قَالَ يعني المزني: وإن طاف فسلك الحجر أو على جدار الحجر أو على شاذروان الكعبة لم يعتد به في الطواف، وحجة ذلك أنه إذا سلك الحجر فإنه

ص: 113

لا يحتسب له بطوافه فيه ويعيده لأن الحجر من البيت ولم يطف به، وكذلك إذا طاف على شاذروان الكعبة لأنه لم يطف بجميعهما لان الشاذروان منها وعند أبي حنيفة يجزيه ما بعد الحجر لأنه لا يعتبر فيه الترتيب.

هذا أقدم ذكر نعرفه للشافعية في الشاذروان.

وقال أبو محمد ابن شاس في الجواهر، ولا شك أنه تبع كتب الشافعية، إذ ليس له ذكر في كتب المالكية القدماء، ولا في الحديث ولا في الآثار في علمي: إن واجبات الطواف ستة، فذكر الأول ثم قَالَ: الثاني: الترتيب وهو أن يجعل البيت على يساره ويبتدئ بالحجر الأسود، ولو جعله على يمينه لم يصح، ولزمته الإعادة، وقيل إذا رجع إلى بلده لم تلزمه إعادة ولو بدأ بغير الحجر لم يعتد بذلك الشوط إلى أن ينتهي إلى الحجر، فمنه يبتدي الاحتساب.

الثالث: أن يكون بجميع بدنه خارجا عن البيت فلا يمشي على شاذروانه ولا في داخل محوط الحجر فإن بعضه من البيت.

ص: 114

وقال الإمام أبو عمرو بن الحاجب في واجبات الطواف أيضًا: الثالث: أن يطوف خارجه لا في محوط الحجر ولا شاذروانه، داخل المسجد لا من ورائه ولا من وراء زمزم وشبهه على الأشهر إلا من زحام.

ووقع له ذكر مقتطف في كتاب الصريح من شرح الصحيح للقاضي أبي بكر ابن العربي رحمه الله، وهو أقدم من ابن شاس من غير تعرض لبيان حكم، قَالَ رحمه الله: شاهدتها يعني الكعبة سنة تسع وثمانين يعني وأربع مائة، وهي مكشوفة لم تستر في ذلك العام لأمر بيناه في كتاب ترتيب الرحلة، فتأملتها مرارا وقست خارجها والحجر والشاذوران كذا ضبط عنه، والمعروف في لغة الفرس الكسر في الذال، واعتبرت الملتزم وهو ما بين الركن والباب، ثم ذكر ذرعها ولم يزد، وأبدع تصويرها.

فلنرجع إلى الكلام معهم في المسألة، فنقول: انعقد إجماع أهل العلم قبل نشء هذا المذهب وطرو هذا الاسم الفارسي على أن البيت متمم على قواعد إبراهيم من جهة الركنين اليمانيين، ولذلك استلمهما النبي صلى الله عليه وسلم دون الآخرين، وأن ابن الزبير لما نقضه وبناه إنما زاد فيه من جهة الحجر، وأقامه على الأسس الظاهرة التي عاينها العدول الخيار من الصحابة وكبراء التابعين رضي الله عنهم أجمعين، وما كان يمنع ابن الزبير من إقامة الجدار اليماني على آخر الشاذروان وهو خليفة.

وكذلك وقع الاتفاق على أن الحجاج لما نقض البيت بأمر أميره عبد الملك لم ينقض إلا جهة الحجر خاصة، وأعاد فرش سطح داخل الكعبة إلى ما كان من الارتفاع، وغلق الباب الغربي، إذ كان ابن الزبير رضي الله عنهما، قد ألصق سطح

ص: 115

البيت بالأرض وفتح له بابا غربيا، وترك الحجاج أيضا ما زاده ابن الزبير في ارتفاع البيت على حاله، ولا ذكر في شيء من هذا العمل كله للشاذروان.

وقد ذكر أبو نصر ابن الصباغ في استلام الركنين الأسود واليماني، وها اليمانيان، وأن أبا حنيفة قَالَ في اليماني: لا يستلم، قَالَ: واحتج أبو حنيفة بأنه لا يقبله فلا يستلمه كالركنين الآخرين ودليلنا ما روى ابن عمر «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستلم الركن اليماني والأسود في كل طوفة، ولا يستلم الركنين اللذين يليان الحجر» وروى عنه أنه قَالَ: «ما أراه لم يستلم الركنين اللذين يليان الحجر إلا أن البيت لم يتم على قواعد إبراهيم، وأما قياسهم على الركنين الآخرين قلنا لم يبن على قواعد إبراهيم» ، وهذا الركن بني على قواعد إبراهيم فافترقا.

فقد أقر أبو نصر في نصرة مذهبة في التفرقة بين اليمانيين وغيرهما: أن اليمانيين على قواعد إبراهيم فأي وجود للشاذروان، ولو كان الشاذروان من البيت لكان الركن الأسود داخلًا في البيت، فلم يكن متمما على قواعد إبراهيم، ويعضد هذا أنه لم يكن هناك تحت الركن الأسود هذا الشاذروان، وإنما أحدث بعد صونا للجدار وتقوية له، والله أعلم، وأمر الشاذروان شيء ظاهر البطلان، والله أعلم.

وقال الإمام الشافعي أبو زكرياء النواوي، رحمه الله: الركن الأسود فيه فضيلتان: احداهما كونه على قواعد بناء إبراهيم صلى الله عليه وسلم والثانية: كونه الحجر الاسود.

وأما اليماني ففيه واحدة وهى كونه على قواعد إبراهيم صلى الله عليه وسلم وأما الركنان الآخران فليس فيهما شيء من هاتين الفضيلتين، فلهذا خص الحجر،

ص: 116

الأسود بشيئين: الاستلام والتقبيل للفصيلتين وأما اليماني فيستلمه ولا يقبله لأن فيه فضيلة واحدة، وأما الركنان الآخران فلا يقبلان ولا يستلمان والله أعلم، وقد أجمعت الأمة على استحباب استلام الركنين اليمانيين، واتفق الجماهير على أن لا يمسح الركنين الآخرين، واستحبه بعض السلف، وممن كان يقول باستلامهما الحسن والحسين ابنا على وابن الزبير وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك، وعروة بن الزبير، وأبو الشعثاء جابر بن زيد، رضي الله عنهم.

قال القاضي أبو الطيب: أجمعت أيمة الأمصار والفقهاء، على أنهما لا يستلمان، قَالَ: وإنما كان فيه خلاف لبعض الصحابة والتابعين، وانقرض الخلاف، وأجمعوا أنهما لا يستلمان والله أعلم.

فهذا إمام من أئمة الشافعية المتأخرين، يصرح بأن اليمانيين متممان على قواعد إبراهيم.

فمن أين نشأ الشاذروان؟ وقال القاضي أبو الفضل عياض في إكماله: «وقوله لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح إلا الركنين اليمانيين، وفي الآخر إلا الحجر والركن اليماني، وفى الآخر الركن الأسود والذي يليه، كله متفق، لأن اليمانيين على أس البيت، وركنان له، والآخرين بعض الحائط وليسا ركنين صحيحين، لأن الحجر وراءهما» ، وجمهور العلماء على استلام الركنين اليمانين دونهما، وروي عن بعض السلف استلام الجميع، وما حكي عن ابن الزبير من استلامه الأربع، قَالَ القابسي: لأنه كان بني

ص: 117

البيت على قواعده الأربع فكانت أركانا كلها، قَالَ القاضي: ولو بني الآن على ما بناه ابن الزبير، لاستلمت كلها كما فعل ابن الزبير ".

فهذان إمامان أبو الحسن القابسي ومكانه في المذهب كبير، والقاضي أبو الفضل ومكانه في النبل جليل، قد اتفقا على التنصيص على أن اليمانيين على قواعد إبراهيم.

وهذا عندي أمر لا يحتاج إلى نقل، والمتشكك فيه كمن يتشكك في قاعدة من قواعد الشريعة المعروفة عند جميع الأمة.

والله أعلم.

فلنرجع إلى بيان بعض ما فيه إشكال من كلام الإمام أبي عمرو بن الصلاح رحمه الله.

قوله: ولو مر خارج الشاذروان، وهو يمس الشاذروان بيده فالأكثر الذي عليه أئمتنا أنه لا يصح طوافه فقوله: وهو يمس الشاذروان بيده، لا يمكن تصوره لأنه إنما يكون للماشي عليه تحت قدمه فكيف يمسه بيده إلا أن يريد به هواء الشاذروان وما حاذاه من الجدار، فيصح تصوره، أو يكون ذلك في حق من طاف زاحفًا لمرض أو زمانه، فاعلم ذلك.

وما ذكره من أن قريشا لما رفعوا الأساس بمقدار ثلاث أصابع من وجه الأرض، وهو القدر الظاهر الآن من الشاذوران الأصلي قبل تزليقه، نقصوا عرض الجدار عن عرض الأساس الأول فهذا لم يأت في حديث صحيح ولا من قول صاحب يصح سنده ش، ولعل ذلك من نقل التاريخيين، والذي وقع عند التاريخيين من ذلك ما لخصه أبو عبيد في كتاب المسالك والممالك له: أن ابن الزبير لما هدم الكعبة وألصقها كلها بالأرض من جوانبها جميعا وظهرت أسسها وأشهد الناس عليها، فقال لهم ابن الزبير: اشهدوا، ثم وضع البناء على ذلك الأساس، ووضع جدار الباب باب الكعبة على مدماك على الشاذروان اللاصق بالأرض، وجعل الباب

ص: 118

الآخر خلفه بإزائه بظهر الكعبة، وجعل عتبته على الحجر الأخضر الطويل الذي في الشاذروان الذي في ظهر الكعبة قريبا من الركن اليماني، وكان البناة يبنون من وراء الستر، والناس يطوفون من خارج، فلما ارتفع البنيان إلى موضع الركن، وكان ابن الزبير حين هدم البيت جعل الركن في ديباجة وأدخله في تابوت وأقفل عليه، وجعله عند دار الندوة، وعمد إلى ما كان في الكعبة من حلية فوضعه في خزانة الكعبة في دار شيبة بن عثمان، فلما بلغ البنيان موضع الركن أقامه بموضعه، فنقر في حجرين: حجر المدماك الذي تحته، وحجر من المدماك الذي فوقه بقدر الركن، فلما فرغوا منه أمر ابن الزبير ابنه عباد بن عبد الله، وجبير بن شيبة بن عثمان، أن يحملاه في الثوب، وقال لهما ابن الزبير: إذا دخلت في الصلاة صلاة الظهر فاحملوه واجعلوه في موضعه، فأنا أطول الصلاة، فإذا فرغتم فكبروا حتى أخفف صلاتي، وكان ذلك في حر شديد، فلما أقيمت الصلاة وكبر ابن الزبير وصلى بهم ركعة خرج عباد بالركن، وهو يحمله، ومعه جبير بن شيبة، ودار الندوة يومئذ قريب من الكعبة فخرقا به الصفوف حتى أدخلاه في الستر الذي دون البيت، وكان الذي وضعه في موضعه هذا عباد بن عبد الله بن الزبير، وأعانه عليه جبير بن شيبة، فلما جعل في موضعه وطوق عليه الحجران كبرا، فأخف ابن الزبير صلاته، وتسامع الناس بذلك، وغضب فيه رجال من قريش حين لم يحضرهم ابن الزبير لإنزاله، وقالوا: قد تنافست قريش في رفعه حين بنيت الكعبة، حتى حكموا فيه أول من يدخل عليهم

ص: 119

الباب، فطلع عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعله في ردائه ودعا من كل قبيلة من قريش رجلا واحدا فأخذوا بأركان الثوب، ثم وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم في موضعه، وكان الركن قد تصدع عند الحريق ثلاث فرق وتشظت منه شظية كانت عند بعض آل شيبة بعد ذلك بدهر طويل، فشده ابن الزبير بالفضة إلا تلك الشظية من أعلاه موضعها بين في أعلى الركن، وطول الركن ذراعان، ومؤخرة داخل الجدار مضرس على ثلاثة رؤوس.

قال ابن جريج: فسمعت من يصف لون مؤخرة الذي في الجدار، قَالَ بعضهم مورد، وقال بعضهم: هو أبيض.

انتهى ما أوردناه مما ذكره هذا الإمام، وهو صدر في المتأخرين.

وذكر الشاذروان ولم يقل إنه أساس البيت أو جزء منه خارج الكعبة وظاهر كلامه أنه المنبسط الذي هو سطح الكعبة اللاصق بالأرض فأما أن يكون مراعى في الطواف عدم جواز السير على الشاذروان فهو الصحيح المتواتر النقل، فاعلم ذلك والله المرشد فلتزد في ذلك بحثا.

ص: 120

وهب قريشا فعلت ذلك فلم أبقاه بن الزبير، وهو مقدم هدم الكعبة كلها من جميع جهاتها حتى ألصقها بالأرض وهذا مما لم يختلف فيه اثنان من النقلة.

وكان هدمها يوم السبت للنصف من جمادى الآخرة سنة أربع وستين، ووضع جدار الباب، باب الكعبة على مدماك على الساف، والمدماك وسافات البناء طاقاته التي تكون بعضها على بعض، فكل صف ساف، قَالَ صاحب الصحاح: والمدماك الساف من البناء، وأنشد الأصمعي:

ألا يا ناقض الميثاق

مدماكا فمدماكا

قال: والمدماك المطملة وهو ما يوسع به الخبز.

قول أبي عبيد: «الذي في الشاذروان الذي في ظهر الكعبة، قريبا من الركن اليماني لا يريد به أن الشاذروان خارج الكعبة، وإنما أراد بظهرها مقابل وجهها الذي فيه الركن الأسود، والشاذوران الذي ذكر في الموضع هو الذي جعل ابن الزبير عتبة الباب الآخر على الحجر الأخضر الطويل الذي فيه بظهر الكعبة لأنه قد ذكر أن فيه حجرا أخضر، وليس في تلك الجهة شاذروان خارج الكعبة باتفاق.

فظهر أن ذلك الذي يسميه الناس اليوم بالشاذروان اسم حادث صنع ليصان به الجدار، لانخفاض تلك الجهة التي بين الركن الأسود واليماني، خيفة إجحاف السيول، والله اعلم.

ص: 121

وقد قدمنا شرح هذا الاسم بلسان الفرس، وليس في لسان العرب، ولا وجدته في اللغة لا عربيا ولا معربا، وهو عبارة عن درجة مجصصة يكون ارتفاعها عظم الذراع في عرض مثله بنيت حول البيت كله إلا موضع الركن الأسود كما ذكر ذلك ابن عبد ربه في العقد في صفة الكعبة، وفيه إشارة إلى أنه جعل حول البيت ما يقيه من السيول.

وكذلك ما قاله من» أنه ينبغي أن يتفطن لدقيقة ذكرها بعض المتأخرين فهذه الدقيقة تغيب عن الصحابة ومن بعدهم، فلا يتنبه أحد لها ولا نبه حتى نبه على ذلك بعض المتأخرين إن هذا لمن البعيد القصي في الغاية.

وقوله: من غير صوت يظهر في القبلة.

يعني أنه يكون لثما، وهذا الذي قاله هو أيضا مذهب مالك رحمه الله.

وقوله: يسجد عليه يكرر التقبيل والسجود عليه ثلاثا.

هذا التحديد بالثلاث لا أذكره الآن في الأحاديث الواردة في الباب، وأما السجود عليه فمن العلماء من استحبه، ومن العلماء من كرهه، والصحيح عندنا استحبابه للحديث الوارد في ذلك على ما نورده بعد بحول الله.

قال الإمام أبو زكريا النواوي، وكذا يستحب السجود على الحجر أيضا: بأن يضع جبهته عليه فيستحب أن يستلمه ثم يقبله ثم يضع جبهته عليه، هذا مذهبنا، ومذهب الجمهور، وحكاه ابن المنذر عن عمر بن الخطاب، وابن عباس وطاوس، والشافعي وأحمد، قَالَ: به أقول، وقد روينا فيه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

ص: 122

وانفرد مالك عن العلماء، فقال: السجود عليه بدعة، واعترف القاضي عياض المالكي بشذوذ مالك في هذه المسألة عن العلماء.

وأما الركن اليماني فيستلمه ولا يقبله بل يقبل اليد بعد استلامه، هذا مذهبنا وبه قَالَ: جابر بن عبد الله وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة، وقال أبو حنيفة لا يستلمه، وقال مالك وأحمد يستلمه ولا يقبل اليد بعده، وعن مالك رواية أنه يقبله، وعن أحمد رواية أنه يقبله، والله أعلم.

انتهى ما قاله الإمام الشافعي أبو زكرياء النواوي رحمه الله.

والحديث الذي أشار إليه في السجود عليه هو ما ذكره أبو بكر البزاز، ضمنه تحت ترجمة نافع بن جبير، عن ابن عباس، ولم يترجم له باسم الراوي له عن ابن عباس، فلذلك أنكر بعضهم أن يكون عند البزار، وهو عنده.

قال البزار: أنا محمد بن المثنى، أنا أبو عاصم، أنا جعفر بن عبد الله بن عثمان المخزومي، قَالَ: " رأيت محمد بن عباد بن جعفر، قبل

ص: 123

الحجر ثم سجد عليه، قلت: ما هذا؟ قَالَ: رأيت خالك ابن عباس، قبل الحجر ثم سجد عليه، وقال: رأيت عمر قبله وسجد عليه، وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبله وسجد عليه ".

وذكره أيضا أبو علي بن السكن، قَالَ: أنا أبو بكر أحمد بن محمد الآدمي المقرئ البغدادي، أنا محمد بن عمر بن أبي مذعور، أنا أبو عاصم، أنا جعفر بن عبد الله الحميدي، رجل من بني حميد من قريش، قَالَ:«رأيت محمد بن عباد بن جعفر قبل الحجر ثم سجد عليه، فقلت ما هذا؟ ثم ذكره بلفظه سواء» .

قلت: محمد بن عباد بن جعفر المخزومي القرشي المكي أخرج له البخاري ومسلم، وجعفر بن عبد الله بن عثمان بن حميد أبو عبد الله القرشي المخزومي الحميدي

ص: 124

الحجازي المكي روى عن عمر بن عبد الله بن عروة بن الزبير بن العوام الأسدي.

ومحمد بن عباد بن جعفر المخزومي المكي روى عنه أبو داود سليمان بن داود الطيالسي وبشر بن السري الأفوه وعبد الله بن داود الخريبي وأبو عاصم الضحاك بن مخلد النبيل وغيرهم، وهو ثقة، قاله أحمد بن حنبل، وقال العقيلي: في حديثه وهم اضطراب، قَالَ الحافظ الحاكم أبو عبد الله بن خلفون: جعفر هذا مشهور ليس به بأس.

فائدة عنت أذكرها: ذكر التقبيل لثما دون صوت: حكى لي صاحبنا الشريف أبو عبد الله محمد بن الشريف الفاضل أبي القاسم الحسني، حفظه الله، قَالَ: حضرت بمكة عند الشيخ محب الدين الطبري، فجاءه مستفت يسأله عن تقبيل الحجر، وقال: علمني السنة في تقبيل الحجر، يعني

ص: 125

أبصوت أم دون صوت؟ فذكر له التقبيل من غير تصويت، فقال: إني لا أستطيع، قَالَ: فأطرق الشيخ ثم ارتجل هذه الأبيات رحمه الله:

وقالوا إذا قبلت وجنة من تهوى

فلا تسمعن صوتا ولا تعلن النجوى

فقلت: ومن يملك شفاها مشوقة

إذا ظفرت يوما بغايتها القصوى

وهل يشفي التقبيل إلا مصوتا!

وهل يبرد الأحشا سوى الجهر بالشكوى

هكذا قاله: وهل يشفئ، فحرك حرف العلة للضرورة، ولا ضرورة بأن يقول وهل يبرئ وهي رديفة يشفي، وقد أوردنا في هذه المسألة ما فيه كفاية، وإنه ليغني عن رحلة شاسعة.

ثم عدنا إلى منى وأقمنا بها إلى يوم النفر، فتعجل الأمير وتعجلنا بتعجله، ونزلنا الأبطح حامدين لله شاكرين ذاكرين، وأوزعنا الله شكر نعمه، وأتم علينا عميم فضله وكرمه.

ذكر غريبة جرت لنا بمسجد الخيف من منى: أقمنا بها سنة بعد العهد بإقامتها، وهو مسجد كبير ليس له باب يصونه ولا سقف يكنه، وبوسطه أو قريب من وسطه موضع فيه تجصيص، يقال: إنه مصلى النبي صلى الله عليه وسلم، والله أعلم، يتبرك الناس بالصلاة فيه، وفي آخره في القبلة بقية سقف.

جاء أعرابي بدوي إلى ناحية من نواحي المسجد فرفع ثوبه وبال، فبادر الناس إليه وهموا به فصرفتهم عنه واستدعيت ذنوبا من ماء فصببته عليه، وأعلمتهم بالسنة الواردة في ذلك الأعرابي البائل في مسجد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

ص: 126

ولما قضينا طواف الوداع أخذنا في الرحيل حسبما نذكره بعد بحول الله تعالى، والقلوب من والوجد على شفا، والنفوس تأمل وجود الشفا، بتجديد زيارة المصطفى، والله أسأل قبول العمل، والصفح والعفو عن الزلل، وتيسير القفول الذي تم به الأمل، بفضل الله تعالى، إنه منعم كريم، ذو فضل عظيم.

ص: 127

ذكر من لقيناه بمكة ومنى وعرفات شرفها الله تعالى 8، 9 ابنا خليل فمنهم الأخوان الفاضلان العاملان ففيها الحرم الشريف ومفتياه، العالم الفقية المفتي رضي الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن خليل العسقلاني، وأخوه الصالح المبارك علم الدين أحمد بن أبي بكر المذكور، المكيان، لقيتهما بمنزلهما من الحرم الشريف، وكان علم الدين بحالة مرض، فتحفيا وبالغا في البر والتأنيس رضي الله عنهما، وقدما طعامهما المعد للخروج لعرفة وما تيسر من غير ذلك واحتفلا، فإن أهل مكة شرفها الله تعالى يختلفون في ذلك بحسب استطاعتهم.

وتذاكر معي رضي الدين في مسائل فقهية وأصلية، وكان شديد العارضة، حاد النظر، متعرضا لإيراد الشبه وقد كانت جرت بينه وبين الشيخ الصالح الفقيه أبي محمد المرجاني، قبل قدومي مذاكرة كان عنها بعض التغير، إذ كان أبو محمد بعيدا عن طرق المناظرة وكان في رضي الدين فضل حدة في المناظرة.

ص: 129

سمعت عليهما بدارهما وذلك في يوم الأحد سابع ذي حجة حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه عن رسول لله صلى الله عليه وسلم.

«الراحمون يرحمهم الرحمان، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء» .

وهو أول حديث سمعته منهما في دارهما في أول يوم رأيتهما، قالا معا: وهو أول حديث سمعناه من الشيخ الإمام تاج الدين أبي الحسن عبد الوهاب بن الإمام السجاد زين الأمناء أبي البركات الحسن بن مُحَمَّدِ بْنِ الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن الحسن الدمشقي عرف بابن عساكر، عن والده بسنده المعروف، وذكر لي علم الدين منهما في هذا المجلس أن الرشيد العطار أجاز له وسمع عليه كتابه المسمى بالمستفيد في الثماني الأسانيد.

ولما زرناهما جزنا بالطريق، طريق دارهما، بحجر يتبرك الناس بالتمسح به، فسألت علم الدين عنه، فقال لي: أخبرني عمي سليمان، قَالَ: أخبرني محمد بن إسماعيل بن أبي الصيف، قَالَ: أخبرني أبو حفص الميانشي، قَالَ:

ص: 130

أخبرني كل شيخ لقيته بمكة أن هذا الحجر هو الذي كلم النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الحجر المذكور الذي مررنا به هو الذي بجهة باب النبي صلى الله عليه وسلم أمام دار أبي بكر الصديق بارزا هنالك عن الحائط قليلا.

وأجاز لي رضي الله عنهما شفاها جميع روايتهما، ولا بني أبي القاسم ولأختيه عائشة وأمة الله.

ورضي الدين هذا أحد العلماء العاملين الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر وله في ذلك مع أمير مكة أبي نمي محمد بن أبي سعد حكايات ونوادر تحكى وتذكر، وقد انتهى الأمر به، فيما بلغني، إلى أن سجنه، فرأى أبو نمي فيما يرى النائم كأن الكعبة، شرفها الله، تطوف بالمحل الذي سجن به رضي الدين، فوجه إليه وأطلقه واعتذر له.

ورضي الدين هذا هو الذي تدور عليه الفتيا أيام الموسم، واتفق لبعض أصحابنا الأندلسيين أن نقر به الجمالون قبل الغروب من عرفة فبلغه ذلك، فقال: ابعثوا بالسائل إلى إمام شافعي، يفتيه لئلا يفسد عليه المالكي حجه.

مسلسل أو حديث سمعته: قرئ وَأَنَا أَسْمَعُ، على الشيخين الفقيه الإمام مفتي الحرم رضي الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن خليل العسقلاني المكي، وأخيه علم الدين أبي

ص: 131

الفضل أحمد بن أبي بكر، وهو أول حديث سمعته عليهما بمكة، شرفها الله بمنزلهما، بقراءة رفيقي الوزير الجليل الماجد الأصيل أبي عبد الله بن الوزير الجليل أبي القاسم، سنى الله أمله، ويسر له ما أمله، قيل لهما:

أَخْبَرَكُمَا الشَّيْخُ الإِمَامُ الْمُحَدِّثُ أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْحَسَنِ هُوَ ابْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَسَاكِرَ، قَدِمَ حَاجًا، وَهُوَ أَوَّلُ حَدِيثٍ سَمِعْتُمَاهُ مِنْهُ فَأَقَرَّا بِهِ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ حَدَّثَنِي الشَّيْخُ وَالِدِي مُسْنِدُ الشَّامِ أَبُو الْبَرَكَاتِ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ رحمه الله الْمُلَقَّبُ بِالسَّجَّادِ فِي الثَّامِنِ بَعْدَ الْعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِينَ وَخَمْسِ مِائَةٍ، وَهُوَ أَوَّلُ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْهُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي الْحَافِظُ الإِمَامُ مُؤَرِّخُ الشَّامِ أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ، رحمه الله، وَهُوَ أَوَّلُ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْهُ، قَالَ: أنا أَبُو الْقَاسِمِ زَاهِرُ بْنُ طَاهِرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الشَّحَّامِيُّ، وَهُوَ أَوَّلُ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْهُ، قَالَ:، أنا أَبُو صَالِحٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ

ص: 132