الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَسِتِّ مِائَةٍ أَوَّلُهُ الْخُطْبَةُ وَآخِرُهُ بَابٌ يَتْلُوهُ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ جَرِيرٍ، قَالَ: «
بَايَعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَلَى إِقَامِ الصَّلاةِ»
والحمد لله حق حمده وفيه أيضا سمع من البلاغ
بخط الجمال القاري عند قوله: عن أنس بن مالك، قَالَ: " كان أبو ذر يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «فرح عن سقف بيتي وأنا بمكة فنزل جبريل ففرج صدري ثم غسله من ماء زمزم» الحديث إلى آخره، وهو حديث جابر بن عبد الله يَقُولُ عن النبي صلى الله عليه وسلم:
«لكل نبي دعوة قد دعا بها في أمته وخبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة» .
على المشائخ الثلاثة عشر ثم ذكر المشائخ العشر، وزاد فيهم تاج الدين أبا الحسن محمد بن أبي جعفر أحمد بن عَلِيٍّ القرطبي، والصالح أبا عبد الله محمد بن حميد بن مسلم بن الكميت، وضياء الدين أبا بكر عتيق بن أبي الفضل بن مُحَمَّدِ بْنِ سلمان السلماني.
وذكر سماع القرطبي من أبي عبد الله محمد بن عَلِيِّ بْنِ صدقة الحراني، عن أبي عبد الله الْفُرَاوِيّ سماعا، وذكر سماع الضياء عتيق من الحافظ أبي القاسم علي بن الْحَسَنِ بْنِ عساكر، وذكر سماع بن الكميت، من المؤيد الطوسي ثم أكمل الطبقة.
وفي الجزء الثاني: سمع الجزء على المشائخ الأحد عشر، فذكر السخاوي، وابن الصلاح وابن مميل، والمالقي، والبكري، وابن الأزهر، وأبا العز مفضلًا، وابن الكميت، والصوري، والصفار الإسفرايني، وعتيقا السلماني، ثم ذكر أسانيدهم، وذكر السماع إلى نصف الجزء عند قوله: " وناه إسحاق بن إِبْرَاهِيمَ التاجر، قَالَ: أخبرنا
جرير.
ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، نا حسين بن عَلِيٍّ، عن زائدة كلاهما، عن المختار، عن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قَالَ: قَالَ الله: {إِنَّ الشِّرْكَ} [لقمان: 13] الحديث.
ثم ذكر السماع أيضا إلى آخر الجزء على هذه الصورة.
وفي الجزء الثالث: سمعه على المشائخ الثلاثة عشر: السخاوي، وابن الصلاح، وابن مميل، والبكري، وابن الأزهر، والقرطبي، والمالقي والعسقلاني، وابن الكميت، وأبو العز، والاسفرايني، والصوري، وعتيق، ثم ذكر الأسانيد وذكر السامعين، وأول الجزء، باب الوضوء.
انتهى ما وجدته بخط صاحبنا، وبإفادته لنا ذلك، ولم يتأت له نقل ما في بقية الأجزاء لعارض السفر، أو لشاغل شغله، ولم يبين آخر هذا الجزء الثالث، إما غفلة وإما لأنه اعتمد على بيان الأوائل بحسب ترتيب الأجزاء إذ ببيان ما في أول الجزء والثاني يتبين آخر ما قبله، والله المرشد.
وقد أفادني صاحبنا ورفيقنا في هذه الوجهة الكريمة المقري الفاضل الصالح أبو محمد عبد الله بن عَلِيِّ بْنِ سليمان القاضي الأنصاري، الكحال في ما أطلعنا عليه من ثبت أسمعته بدمشق إذ كان قد أقام بها مدة طويلة، بعد قفوله من الحج معنا، فتمتع بلقاء كثير ممن لم يقدر لنا لقاؤه أو الاستكثار مما عنده، فكان من جملة ذلك سماعه لصحيح مسلم، عن ابني سباع: الإمام العالم المفتي العلامة تاج الدين أبي محمد عبد الرحمن بن الفقيه المقري أبي إسحاق إبراهيم بن سباع بن ضياء الفزاري البدري الشافعي، وعلى أخيه شقيقه إمام القراء صدر النحاة شرف
الدين أبي العباس أحمد، بحق سماعهما من الحافظين أبي عمرو بن الصلاح وتقي الدين أبي إسحاق إبراهيم بن مُحَمَّدِ بْنِ الأزهر الصريفيني، والحافظ الشريف صدر الدين أبي على الحسن بن مُحَمَّدِ بْنِ محمد بن البكري التيمي، والمحدث النحوي زين الدين أبي زكريا يحيى بن على بن أَحْمَدَ غالب الضرمى، والفقيه الرحال بدر الدين أبي العز المفضل بن عَلِيِّ بْنِ عبد الواحد القرشي، والمحدث الزاهد مجد الدين أبي عبد الله محمد بن عُمَرَ بْنِ الصفار الإسفراييني، وجمال الدين أبي الحسن علي بن يوسف بن أبي الحسن الصوري التاجر، وأبي عبد الله محمد بن حميد بن مسلم بن الكميت الحراني، بسماعهم من أبي الحسن المؤيد بن مُحَمَّدِ بْنِ علي الطوسي المقري بنيسابور جبرها الله تعالى.
وبسماعهما من الشيوخ القاضي تاج الدين أبي المعالي أحمد بن مُحَمَّدِ بْنِ هبة الله بن مُحَمَّدِ بْنِ الشيرازي، والحافظ تاج الدين أبي الحسن محمد بن أبي جعفر أحمد بن عَلِيٍّ القرطبي، والصدر الكبير نجم الدين أبي محمد الحسن بن سالم بن عَلِيِّ بْنِ سلام الدمشقي، بسماعهم من أبي عبد الله محمد بن عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الحسن بن صدقة الحراني.
وبسماعهما من الشيخ جمال الدين أبي عبد الله محمد بن عَلِيِّ بْنِ محمود العسقلاني، بسماعه من أبي الفتح منصور بن عبد المنعم بن عبد الله بن الْفُرَاوِيّ الصاعدي.
وبسماعهما من الشيخ الإمام العلامة علم الدين أبي الحسن علي بن مُحَمَّدِ بْنِ عبد الصمد السخاوي، بإجازته وإجازة الشيخ تقي الدين بن الصلاح من منصور بن الْفُرَاوِيّ هذا، بسماعهم ثلاثتهم من الإمام الفقيه أبي عبد الله محمد بن الفضل بن
أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُرَاوِيّ، بسماعه من أبي الحسين عبد الغافر بن مُحَمَّدِ بْنِ عبد الغافر الفارسي، وبسماع الشيخ علم الدين السخاوي، من الإمام الزاهد أبي القاسم بن فيره الشاطبي، بسماعه من أبي الحسن علي بن هذيل، بسماعه من أبي داود المقري، بسماعه من أبي العباس العذري، بسماعه من أبي العباس الرازي، بسماعهما من الجلودي، بسماعه من ابن سفيان الفقيه، عن المصنف.
وبسماعهما من الشيخ ضياء الدين أبي بكر عتيق بن أبي الفضل سلامة السلماني للجزء الأول والنصف الأخير من الجزء الثاني والجزء التاسع والعاشر، ومن أول الجزء السابع عشر إلى آخر الحادي والثلاثين، ومن أول الرابع والثلاثين إلى آخر السابع والثلاثين، من مقدار الربع الأول من الجزء التاسع والثلاثين إلى آخر الثالث والأربعين.
وبسماعهما من الشيخ العدل صفي الدين أبي البركات عمر بن عبد الوهاب بن أبي عبد الله محمد القرشي، من أول الجزء التاسع عشر، إلى آخر الحادي والعشرين، من منتصف السادس والعشرين إلى آخر الثالث والثلاثين، ومن أول السادس والثلاثين إلى آخر الأربعين.
وبسماعهما من الحافظ الكبير مؤرخ الشام أبي القاسم علي بن الْحَسَنِ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ الشافعي، وهذه التجزئة المشار إليها تجزئة أصله، وهو أربعة وأربعون جزءا بحق سماع الحافظ رحمه الله لجميع الصحيح بقراءته بنيسابور على أبي عبد الله الْفُرَاوِيّ عن الفارسي عن الجلودي، عن ابن سفيان، عن مسلم، وكمل ذلك لصاحبنا أبي محمد في تسعة عشر مجلسا، أولها يوم الأحد ثاني شهر رمضان وآخرها يوم الأحد ثامن شوال عام ستة وثمانين وست مائة، بقراءة صاحبنا علم الدين البزرالي.
قال محمد بن رشيد: نقلت طبقة السماع مختصرا من خط أبي الوليد محمد بن أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بن مُحَمَّدِ بْنِ عبد الله التجيبي بن الحاج، والتصحيح عليها بخط ابني سباع عبد الرحمن وأحمد، والله ينفع بذلك.
قال ابن رشيد وفقه الله: وقد كنت لقيت بدمشق عام أربعة وثمانين تاج الدين أبا محمد عبد الرحمن، وهو المعروف بتاج الدين الفركاح، وهو أحد أعلام فقهاء دمشق وعلمائها، لقيته بجامع دمشق، الأعظم فأعلمت به، فسلمت عليه ولم يقض منه سماع البتة ولا إجازة في ما علمت الآن، والسماع رزق، وكان ذلك لما لزمني من المرض بدمشق، مما قطعني عن نيل آمالي بها إلى أن أعجل رحيل الحاج، والله المحمود والمشكور، على كل حال.
وإنما كتبنا هذا الطبقة هنا لينظر هل سماع شيخنا أبي اليمن في الأجزاء الباقية التي لم تسم موافق لهذا أم لا؟ وإن كان وقع في المسماة بعض اختلاف.
ومن خط صاحبنا أبي عبد الله: قرأت على شيخنا أبي اليمن رضي الله عنه بمنه وجزاه خيرا الجزاء القصيدة الموسومة بحرز الأماني ووجه التهاني إنشاء أبي القاسم ابن فيره، وأذن لي في روايتها عنه، عن الإمام العالم أبي الحسن علي بن مُحَمَّدِ بْنِ عبد الصمد السخاوي، سماعا غير مرة، عن المنشئ المذكور سماعا وشرحا وقراءة وعربية، وكملت قراءتها في الثاني لذي حجة من سنة أربع وثمانين وست مائة تجاه الكعبة المعظمة شرفها الله، قاله محمد بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن الحكيم وفقه الله وكتب حامدا لله ومصليا على رسوله ومسلما.
وقرأت له في هذا اليوم بعض كتاب مقامات الحريري، وناولني جميعها وأذن لي في روايتها عنه، عن شيخه الإمام أبي عبد الله الحسين بن إِبْرَاهِيمَ الإربلي، سماعا عليه بقرءاته، عن أبي طاهر بركات بن إِبْرَاهِيمَ القرشي الخشوعي، سماعا، قلت: يعني عن الحريري إجازة.
قال ذلك محمد المذكور حامدا لله ومصليا على رسوله ومسلما بالمسجد الحرام، وكتب الشيخ ما نصه: صحيح ذلك، كتبه أبو اليمن عفا الله سبحانه عنه حامدا ومصليا ومسلما.
ومن خط صاحبنا الوزير أبي عبد الله حفظه الله ما نصه: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد الله وصلواته على سيدنا محمد رسوله الكريم، وعلى آل محمد وصحبه وسلم تسليما.
المملوك المستحق بالفضائل التي يعجز عن شكرها لسانه، ولو أربى على الغاية بيانه، محمد بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن إبراهيم بن يحيى اللخمي بن الحكيم، وفقه الله تعالى إلى العمل بطاعته، يرغب من شيخه وإمامه ومفيده جار الله أبي اليمن رعى الله جواره، ورفع في أعلى منازل أوليائه المتقين مقداره، وجزاه خيرا ما به جزى أهل الإحسان، وتغمده في الآخرة والأولى بالرحمة والرضوان، وبلغ به وبلغه، وأضفى عليه لبوس اعتنائه به وأسبغه، أن ينعم عليه ويسدي الجميلة إليه بأن يخط فيما تيسر من هذه الأوراق بيده الكريمة مكتوبا يتضمن إطلاق الإذن للمملوك في الرواية
العامة عنه لجميع ما يرويه وينقله ويدريه، ويحمله من العلوم الدينية التي خص بها ووصل أسباب الأعمال الصالحة بسببها، وأن يسمى من أمكن من مشاهير أعلام شيوخه، الذين بهم يقتدى، وبأنوار معارفهم في ظلمات الجهل يهتدي، وأن يعين وقت مولده، وأن يكون ذلك كله بخط الكريمة المباركة يده، ليجد المملوك إن شاء الله تعالى بركة ذلك في الحال والمال، والحال والترحال، والله يبقي إنعام مولاي على من قصده، ولجأ إليه في طلب العلم واعتمده، وبمنه وكرمه، والسلام الكريم يخص مقامه الكريم كثيرا ورحمة الله تعالى وبركاته، كتب في الرابع لذي حجة، عرفنا الله بركته، من سنة أربع وثمانين وست مائة، وكتب الشيخ بخط يده المباركة ما نصه:
أحمد الله وهو للحمد أهل
…
وأثنى أثنى عليه بشكري
وأصلي على الذي خص حقا
…
بالمقام المحمود يوم الحشر
أحمد المصطفى وعترته الغرر
…
وأصحابه النجوم الزهر
وسلام على الألى شيدوا العلم
…
وشادوا بناه من كل حبر
العدول الأيقاظ من كل جيل
…
الثقات الحفاظ في كل عصر
أثروه وآثروه وأدوه
…
كما حملوه جوزوا بخير
نضرت منهم الوجوه وحازوا
…
قصب السبق من وجوه البر
بلغوه كما وعوه وقرت
…
يا لعمري عيونهم بالنشر
حبذا فعلهم، وشكر لمسعاهم
…
ونبلا بهم، ورفعة قدر
قد أجزت اللخمي محمدا الخير
…
ربيب الحجي، رفيع الذكر
ما اقتضاه استدعاؤه من سماع
…
ومجاز وكل نظم ونثر
دأب أهل الأداء بالشرط في التصحيح
…
والضبط وابتغاء التحري
لافظا بالذي أجزت علاه
…
زاده الله من علاء وفخر
ومبيحا له الرواية عني
…
حسبما قد رويت غير موري
غير راو من غير أصل ولا فرع
…
لأصل بغير علم وخبر
شكر الله سعية وتولاه
…
ووقاه كل سوء وضر
وعليه إذا روى ذاك عني
…
طاب ذكراه أن يطيب ذكري
لست أعني الثناء لكن عساه
…
أن يوالي بغفر ذنب وستر
هذه نفثة لمضنى وأنى
…
لي بالشعر بعد وخط الشعر؟
زبرتها يدا أبي اليمن جار الله
…
ما بين زمزم والحجر
نجل عبد الوهاب والحسن الجد
…
وسقى الله تربهم صوب قطر
عام سبعين قد تقضت مئينا
…
ثم يا أربع مضين وعشر
حامدا ربه منيبا إليه
…
مستعينا بالله في كل أمر
انتهى ما وجدته بخط صاحبنا الوزير الكاتب الماجد أبي عبد الله بن أبي القاسم، ووقع هذا البيت الذي قبل الأخير من هذه القطعة الرائية بخط الشيخ رحمه الله غير بين المعنى مع إبهام اللفظ، ولعل الشيخ تركه ليكشطه ويصلحه فنسي، وقد يمكن أن يصلح بأن يقال:
عام سبعين ثم ست مئين
…
بعدما أربع مضين وعشر
وأنشدنا صاحبنا رفيقنا الوزير أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بن أبي القاسم، وكتبه لنا بخطه قَالَ: وهو مما سمعته، من لفظ شيخنا أبي اليمن رضي الله عنه، ومن خطه نقلته، مجيزا للفقيه أبي محمد الطبيري:
أجزت الطبيري الندب ذا المنهج الحسن
…
كدأب شيوخ العلم في سالف الزمن
رواية ما عني يجوز لناقل
…
روايته مما صحيح من حسن
مجازا ومسموعا على وسع خطره
…
ونظما ونثرا وهو في ذلك مؤتمن
على الشرط في التصحيح والضبط لافظا
…
به من مسانيد الصحاح أو السنن
وما هو موصول وما هو مرسل
…
وما فيه تعليق وما فيه عن وعن
أجزت له والله يشكر سعيه
…
ويرعاه للتبليغ في الحل والظعن
أفدناه هذا وهو لو قد أفادنا
…
لكان له أهلا وكان به قمن.
وهذا لعمري خط نجل عساكر
…
أبي اليمن جار الله وابن أبي الحسن
لسبعين عاما بعد عشر وأربع
…
وست مئين قد تقضت من الزمن
بمكة ما بين الحطيم وزمزم
…
شكورا لما أولاه مولاه ذو المنن
نجزت وهي من الشعر النفيس في معناه.
وقد وقفت له رحمه الله ونفعه، على قصيد كتبه للقاضي سراج الدين عمر بن الفقيه أبي العباس أحمد بن الشيخ كمال الدين الخضر الأنصاري الشافعي، إمام مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وخطيبه، في طبقة ساع صحيح البخاري عليه، رحمه الله ونفعه، بطيبه، زادها الله تشريفا وتطييبا، وهي:
سمع السراج إمام دار الهجرة
…
عمر بن أَحْمَدَ ذي الفنون الحجة
مني البخاري الصحيح مكملا
…
جمع الإمام إمام أهل الصنعة
ومن الزبيدي الحسين سمعته
…
عن شيخه السجزي بأعلى رتبة
ورواته من بعد أعلام رضا
…
أضربت عن ذكري لهم للشهرة
أسمعته وأجزته ما عنّ في
…
إسماعه من سقطة أو غفلة
وأجزته ما صح عني عنده
…
فليروه لرواية وردية
وأفادنا ضعفي إفادتنا له
…
مما لديه من فواضل عدة
فلنا به منها إنالة موسع
…
وله به منا عجالة مسنت
والله ينفعه، وينفعنا بما
…
يروي ويسمع خالصا من سمعة
فإذا روى عني أطيل بقاؤه
…
فعساه يخلصني بصالح دعوة
زبرته يمنى خادم الآثار جار
…
الله ما بين الصفا والمروة
أعني أبا اليمن المؤمل أمنه
…
في طيبة أحبب بسكنى طيبة
من بعد ست مائة وسبعين فلت
…
شفعت بعشر بعد خمس وفت
مستغفرا مما جناه وحامدا
…
مولاه معترفا له بالنعمة.
أنا شيخا أبو اليمن، كتبا، قَالَ: كتب إلينا الشيخ أبو زكرياء يحيى بن أبي
الحسن العلبي رحمه الله، من بغداد، قَالَ: أنا أَبُو الْوَقْتِ عَبْدُ الأَوَّلِ بْنُ عِيسَى بْنِ شعيب السجزي، قَالَ: أنا أبو إسماعيل عبد الله بن مُحَمَّدِ بْنِ علي الهروي، أنا محمد بن أَحْمَدَ الجارودي، قَالَ: أنا أَبُو إِسْحَاقَ، قَالَ، نا أبو يحيى الساجي، قَالَ: نا أبو داود السجزي، قَالَ: نا أحمد بن حنبل، قَالَ: نا الشافعي، قَالَ: أنا مالك، عن ابن عجلان، عن أبيه، قَالَ:«إذا أغفل العالم لا أدري أصيبت مقاتله» .
قال أبو اليمن: أنشدنا صاحبنا الشيخ أبو المظفر يوسف بن الْحَسَنِ بْنِ النابلسي الحافظ رحمه الله لنفسه فيما أذن لنا في روايته عنه في معنى هذا الإسناد.
أرى أثرا عليه النور باد
…
فدونكه سراجا في الظلام
تجمع فيه حفاظ علاهم
…
إمام عن إمام عن إمام
قلت: كذا وقع ولعله علاوة أو سرة أو ثقات، وأقربه للتصحيف، علاة جمع عال، مثل رام ورماة وقاض وقضاة.
ومما ورد عن شيخنا أبي اليمن في كتابه ونقلته من عند صاحبنا أبي عبد الله بن أبي القاسم، وأنشده لي عنه، قَالَ: أنشدني شيخنا أبو اليمن، أنشدنا شيخنا أبو محمد عبد العظيم المنذري، قَالَ: أنشدنا شيخنا الحافظ أَبُو الْحَسَنِ علي بن المفضل المقدسي، لنفسه في أسماء العشرة رضي الله عنهم:
لقد بشرت من غر أصحاب أحمد
…
بجنة عدن زمرة شهداء
سعيد وسعد والزبير وعامر
…
وطلحة والزهري والخلفاء
وبالإسناد إلى المقدسي لنفسه في أسماء الفقهاء السبعة رضي الله عنهم.
ألا كل من لا يقتدي بأئمة
…
فقسمته ضيزى عن الحق خارجه
فخذهم عبيد الله عروة قاسم
…
سعيد وأبو بكر سليمان خارجه
أنشدنا صاحبنا الوزير الكاتب الأديب أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بن الوزير أبي القاسم بن الحكيم، قَالَ: أنشدنا أبو اليمن، عن الشيخة أم المؤيد زينب ابنة أبي القاسم الشعري في كتابها إلى من نيسابور، قَالَ: وأنشدنا عنها شيخنا أبو عمرو ابن الصلاح، قِرَاءَةً عَلَيْهِ بدمشق قالت: كتب إلينا أَبُو الْقَاسِمِ محمود بن عُمَرَ الزمخشري.
أربعة للدين أركان
…
حبهم يمن وإيمان
أربعة أول أسمائهم
…
عين وهم في الناس أعيان
عتيق والفاروق والمجتبي
…
منهم وذو النورين عثمان
وأخبرنا أبو اليمن إذنا في كتابه، ونقلته من خط صاحبنا أبي عبد الله، قَالَ: أنشدنا شيخنا الفقيه الحافظ المفتي أبو نصر محمد بن هِبَةِ اللَّهِ، قَالَ: أنشدنا ملك النحاة أبو نزار الحسن بن صافي بن عبد الله، لنفسه يعارض الحريري في بيته:
خليلي إن راعتك يوما فصاحتي
…
وهالك أصناف الكلام المحبر
فسل منصفا عن قالتي غير جائر
…
يحبك بأن الفضل للمتأخر
ومما أذن لنا في روايته عنه في الجملة شيخنا أبو اليمن رضي الله عنه كتاب الصحيح المسمى بكتاب التقاسيم والأنواع، لأبي حاتم بن حبان البستي رضي الله عنه، ومؤلفه أحد الأئمة الكبار، والكتاب أحد جلة المصنفات الجامعات المفيدات، بحق سماعه على شيخه الإمام العالم الرحال شرف الدين أبي عبد الله بن أبي الفضل المرسي، عن أبي روح عبد المعز بن مُحَمَّدِ بْنِ أبي الفضل البزاز الصوفي، عن أبي القاسم تميم بن أبي سعيد بن أبي العباس الجرجاني سماعا عن الحاكم أبي الحسن على بن محمد البحاثي، سماعا عن أبي الحسن محمد بن أَحْمَدَ هارون الزوزني، سماعا عن الحافظ أبي حاتم بن حبان مؤلفه رحمه الله ورضي عنه.
قال شيخنا أبو اليمن رضي الله عنه: وقد أجازه لي أبو روح رحمة الله.
قلت: وحبان بحاء مهملة مكسورة بعدها باء موحدة مشددة قلت: والله المرشد، هكذا أطلق صاحبنا عن أبي اليمن في رواية هذا الكتاب المسمى ب التقاسيم والأنواع، ولا أدري هل اقتصر في المسموع على الحديث دون الكلام عليه، أو هو عنده مسموع بجملته؟ أو هل له فيه قراءة أو لشيخه أبي عبد الله بن أبي الفضل؟ وكذلك أطلق أيضا في جميع الكتاب في تحديثه به عن أبي روح بالإجازة.
وفيما كتب لنا به شيخنا إمام المقام أبو أحمد وأَبُو إِسْحَاقَ إبراهيم بن مُحَمَّدِ بْنِ إبراهيم بن أبي بكر الطبري المكي الشافعي، من مكة شرفها الله مما قَالَ في فهرسة روايته، قَالَ رحمة الله ما نصه: سند المسند لأبي حاتم بن حبان: أخبرني به شرف الدين محمد بن أبي الفضل السلمي قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ تجاه الكعبة المعظمة سنة أربع وأربعين وست مائة، قَالَ: أنا أبي روح عبد المعز بن مُحَمَّدِ بْنِ أبو الفضل البزاز الصوفي الهروي سماعا لجمعية ما خلا أشياء يسيرة من أول القسم الثالث من أقسام السنن، وهو أخبار النبي صلى الله عليه وسلم عما احتيج إلى معرفتها إلى إثناء النوع العاشر من هذا القسم عند قوله: ذكر الأخبار عن تمام حج الواقف بعرفة ليلًا أو نهارا، فإن شيخنا شرف الدين أنابه عنه إجازة إن لم يكن سماعا والذي سمعناه من هذا الكتاب إنما هو الحديث المسند غير الكلام عليه، وكذلك سمعه شيخنا من أبي روح، وكذلك سمعه أبو روح من أبي القاسم تميم بن أبي سعيد، قَالَ أبو روح: أنا أَبُو الْقَاسِمِ تميم بن أبي سعيد الجرجاني نزيل هراة، قَالَ: أنا الحاكم أَبُو الْحَسَنِ علي بن محمد البحاثي، قَالَ: أنا أَبُو الْحَسَنِ محمد بن أَحْمَدَ بْنِ هارون الزوزني، قَالَ: أنا المصنف.
قلت: ذكر ابن نقطة أن تميم بن أبي سعيد روى كتاب التقاسيم والأنواع لأبي حاتم البستي عن أبي الحسن علي بن مُحَمَّدِ بن عَلِيِّ بْنِ عبد الله البحاثي، عن أبي الحسن محمد بن أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ هارون الزوزني، عن مؤلفه، وقال في اسم عبد المعز يروي كتاب التقاسيم والأنواع لأبي حاتم بن حبان بن أَحْمَدَ بْنِ حبان البستي يعني عن تميم هذا، فأطلق.
وأخبرنا أبو اليمن فيما أنشدني فيه ونقلته من خط صاحبنا أبي عبد الله، قَالَ: أنشدنا شيخنا أَبُو الْحَسَنِ محمد بن الْحَسَنِ بْنِ علي البغدادي الأديب الفاضل رحمه الله، قَالَ: أنشدنا أبو محمد عبد الله بن عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ المقري الحنبلي، لنفسه.
أشح على الكتب من لمسة
…
بمس ومن نظرة تنظر
وتبصر مجهولة بعدنا
…
بأيدي الجهول ومن يخبر
كذا سيرة الكتب، يا ذا الذي
…
لها من جميع الورى يذخر
كذا وقع ولعله تسخر: أنشدني صاحبنا الوزير أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بن أبي القاسم، قَالَ: أنشدني شيخنا وسيدنا وإمامنا وقدوتنا الأوحد الكامل والأديب الحافل، جار الله ووليه، وعامر حرمه وأمين دينه، أبو اليمن عبد الصمد بن عبد الوهاب بن عساكر رضي الله عنه ونفع به لنفسه قِرَاءَةً عَلَيْهِ بباب الصفا، تجاه الكعبة المعظمة شرفها الله في ثامن شوال سنة أربع وثمانين وست مائة قلت: وهو لي من الشيخ إجازة.
بين نعمان منزل وكساب
…
جادت السحب رسمه بانسكاب
معهد للرباب سقيا لعهدي
…
في رباه، سقته ذات الرباب
مربع للهوى ومرتبع الحبب
…
قديما، ومجمع الأحباب
ومغاني العشاق يصبوا إليها
…
كل صب فدمعه في انصباب
تربة تكحل النواظر منها
…
من عماها وملعب الأتراب
ولديها الأرواح قد خوطبت قد
…
ما فلبت طوعا لخير مجاب
وأقرت بالحب حقا لمحبوب
…
بديع الصفات سامي الجناب
فاجتباها بقربه وسقاها
…
من صفا حبه طهور الشراب
ثم آبت فألقيت ثم سكرى
…
منه حتى تلقاه يوم المآب
وهي ترتاح كل عام إليها
…
كلفا بالتذاذ ذاك الخطاب
أيها الساطر الفلا بحروف
…
كحروف قد سطرت في كتاب
فهي تهوى إلى تهامة شوقا
…
جاد تلك الرسوم هامي السحاب
أنت إما عرضت عرض بذكري
…
في سراة النادي وبين صحاب
أهل ودي والنازلون بقلبي
…
وإليهم في النازلات انقلابي
بيننا ذمة وعهد وداد
…
قد صفا بالصفا من الأشواب
ما تناسيته لعمري، وظني
…
أنهم في الهوى بهم مثل ما بي
بث شوقي إن أنت آنست منهم
…
شرح شكوى أو نلت رجع جواب
ناد باسمي بين المشاعر وأنشد
…
عن فؤادي ما بين تلك الشعاب
لا خلت منك مكة يا أبا اليمن
…
تلقى رحبا بتلك الرحاب
حيث تضحى وأنت لله جار
…
عائذ الله بين ركن وباب
ماسحا تارة وملتزما أخرى
…
تمد الأستار بالأطناب
إن خلا منك مشعراها فقد كنت
…
قطينا بها مدى أحقاب
طالما قد نعمت عينا بنعمان
…
وشطي إلال بين الهضاب
ولكم عوارف حين عرفت
…
تعرفتها حسان عذاب
حيث تستنزل المواهب من بر
…
رحيم ومنعم وهاب
بين شعث غبر أفاضوا عشاء
…
قد أفاضوا دموعهم بانسكاب
فلكم نلت جمع شمل بجمع
…
بجدا محسب بغير حساب
وبرمي الجمار وفيت نذرا
…
بانقضاء الأتفاث والآراب
ثم وافيت فاستلمت وجددت
…
متابا للغافر التواب
ورقيت الصفا فأحرزت سعيا
…
صالحا إذ سعيت سعي مثاب
ثم ودعت وانصرفت ترجي
…
عودة في تأسف واكتئاب
يا رعى الله عهد وصل تقضى
…
بالغزال الربيب بين الروابي
إذ مصيفي على العذيب ونجعي
…
بين ياج إلى صفاء السباب
وسقى ليلة على عذب السقيا
…
سقينا بها كئوس عذاب
إذ تنص الركاب يجرين شوقا
…
يتخللن بين بيض القباب
ثم زاحمن في المضيق إلى أن
…
بعد لأي أجزن نجد الحقاب
يا ليالي منى لعمري لفيكن
…
منال المنى ونيل المتاب
ولأنتن غرة لليالي
…
في وجوه الأيام كالأذهاب
تتقضى بالذكر والشكر لله
…
وجمع الأصحاب والأحباب
هل إلى عودة سبيل لنلقى
…
ملطفات العتاب بالأعتاب
طال عهدي بها فهل لي إليها
…
من معاد يطفي حريق التهاب
ظلت تشتاقها وأنت نزوح
…
شوق صب إلى الأحبة صاب
شمت برقا يمانيا من شام
…
من تهام على نوى واغتراب
بت تستنشق الجنوب وقد هبت
…
بليل بليلة الأثواب
كيف جانبتها وأنت محب
…
هل محب رأيته ذا اجتناب
فاحمد الله إذ بطيبة طابت
…
أنت ثاو فكنت طاب ابن طاب
بين قبر ومنبر أنت منها
…
غاديا رائحا بلا إغباب
في رياض من جنة الخلد تمشي
…
في ممر من رسمها وذهاب
جار خير الأنام والمصطفى الهادي
…
إلى الله الكريم والنصاب
أفضل المرسلين حقا بلا شكك
…
وخير الورى بغير ارتياب
صفوة المصطفين أفرد بالحب
…
وبالقرب فهو لب اللباب
مخلص من شوائب وحظوظ
…
معرق الخيم طاهر الأنساب
حين قدرا فلم يكن من سفاح
…
بل نكاح مؤكد الأسباب
من خيار القرون قرنا فقرنا
…
وكرام الأرحام والأصلاب
في الصبا قد حمي نهى عن تعريه
…
وعن وقفة لدى الأنصاب
غصن ماد بين غصنين حسنا
…
أتلع الحيد أوطف الأهداب
وجبين كأنه فلق الصبح
…
يجلي حنادس الغيهاب
وله منطق ألذ إلى السمع
…
من المسمعات بالإطراب
بخطاب جزل وقول بليغ
…
منه فصل من غير ما إغراب
وإذا ساقط الحديث حسبت الدر
…
حسنا تساقطت من سخاب
من فم أشنب اللثات ضليع
…
بارد الظلم واضح الأنياب
وثنايا كاللؤلؤ الرطب منظوما
…
عذاب معسلات الرضاب
شيم قدست وتمم منها
…
كل نقص للعنصري التراب
وخلال ما شانها خلل
…
لا في اكتهال ولا بحال شباب
فهو بدر في جنح ليل تجلى
…
وهو شمس بدت خلال سحاب
وهو نور في لمعة قد تراءى
…
قد توارى من ظله في حجاب
شرح الصدر منه فهو مصفى
…
قد تزكي من كل ذام وعاب
أول الناس عنه تنحسر الأرض
…
وأولاهم بقرع الباب
عقدت في يديه ألوية الحمد
…
لأمر فأعجب لأمر عجاب
فعلى جاهه أولو العزم جمعا
…
قد أحالوا في المعضلات الصعاب
وإلى ظله أووا فتراهم
…
في جنوح إلى جناح العقاب
والمقام المحمود ما قام فيه
…
غيره من أولئك الأنجاب
كاشفا كل كرب خطب عن الناس
…
برجع لربه وخطاب
وبشير عند الإياس بفضل
…
وخطيب لهم بفضل الخطاب
وإلى الله صحبة الروح أسرى
…
فحباه بزلفة واقتراب
كم محي له وكم من ملاق!
…
إذ سما في السماء بالترحاب
كم مراق إلى العلا قد ترقى!
…
فتحت بالمنى له كل باب
فانتهى منتهى به قد تناهى
…
بالقضايا مطالب الطلاب
ثم أدنى حبا وأزلف حتى
…
كان أدنى إليه من قدر قاب
وله البدر شق إذ سألوه
…
آية جهرة بنص الكتاب
ليس فيها للخلق صنع فتلفي
…
شبهة ما لمنكر الحق آب
شاهدته قريش والسفر أنيا
…
أنهم شاهدوه عند الإياب
وله الكوثر الروي من معين
…
سلسبيل يمد في ميزاب
وعداد الكواكب الزهر فيه
…
من أباريقه ومن أكواب
طينه المسك حف من حافتيه
…
بقصور من لؤلؤ وقباب
رب أبرد ظما أبي اليمن ريا
…
بورود من شرب ذاك الشراب
لا تحلئه باقتراف لسوء
…
عن ورود من مائه واكتساب
وحمام على فم الغار عششن
…
فأعشين عين المرتاب
وكذا الراه إذ تولج فيه
…
نبتت ثم فهي ذات انشعاب
قد توارى من كيدهم ثاني اثنين
…
فكانا عن مكرهم في حجاب
واسأل المدلجي سراقة عنهم
…
آب عنهم وحد عداوة ناب
إذ يَقُولُ الصديق إنا أتينا
…
فانبرى عنه طرفه وهو كاب
جاء يسطو فعاد قد عاذ منه
…
بأمان لنفسه، وكتاب
وإليه الأشجار مما دعاها
…
قد أتته تخد خد التراب
ثم عادت إلى المنابت سعيا
…
ساريات العروق في أسراب
وبكفيه سبحت حصيات
…
أسمعتهم فهن ذات اصطخاب
نبع الماء من أنامله الخمس
…
غزيرا مدغفقا ذا عباب
وبتصديقه قد اعترف الضبب
…
مقرا فآمن الأعرابي
وبصاع وبهمة أشبع الألف
…
فشادوا نقاب تلك الجوابي
زود الجيش مرملين حييسا
…
فضل تمر أحصوه ملء جراب
وعلى فقده فقد ردد الجذع
…
حنينا لبعده بانتحاب
وحقيق لأعين فارقته
…
أن تسح الدموع سح السحاب
فعلى فرقة الأحبة يبكي
…
كل ناء المزار بعد اقتراب
فانثنى نحوه يسكن منه
…
باحتضان له جوى الأوصاب
أين منا النشيج خوف نواه
…
من أنين الجماد والأخشاب
فض جمع الأعداء يوم حنين
…
إذ رماهم بقبضة من تراب
وإذا ما نوى قتال عدو
…
قذفوا في القلوب بالإرعاب
وثلاث في أمر زينب آيات
…
عظام منها نزول الحجاب
جاءها فابتنى بها حكمة الله
…
بلا شاهد ولا خطاب
بل خصوصية بها خصه الله
…
فكانت تسمو على الأتراب
ولكم آية وكم من دليل
…
قد أزالت عماية الارتياب
ذاكم الفخر لا ممالك سابور
…
ولا الهرمزان في الأحقاب
فأطل أو فأقصر لمدح فيه
…
بارتجال للنظم أو باقتضاب
وصفه بين لكل رسول
…
نعته مثبت بكل كتاب
خصه الله بالمحبة والخلة
…
مع رفع ذكره المستطاب
ورؤوف بالمؤمنين رحيم
…
غير فظ جاف ولا صحاب
وهدانا به الإله فجلى
…
ظلم الظلم فهي ذات انجياب
فعلا دينه على كل دين
…
مذهبا باقيا بغير ذهاب
وحبيب مدلل بالأماني
…
ورسول مظلل بالسحاب
ذاكم المصطفى المحب ومن ذا
…
لسواه في فضله بالمحاب
أو حبا له سلام محب
…
شفه شوقه إلى الأحباب
غض صوتا لدى السلام وكن منه
…
لرد عليك في الارتقاب
لا تطأ أرضه بنعل وطأها
…
بجفون العيون والأهداب
انتشق تربه وقبله واخضع
…
وتوسد شريف تلك القباب
وتضرع والصق به القلب كيما
…
ينثني عن ولوعه ذا انقلاب
لا تضمخ منك الترائب طيبا
…
بل تضمخ بطيب ذاك التراب
وتشفع به إلى الله تسلم
…
من عذاب خزي وخزي عذاب
عذ به في النجاة فهو معاذ
…
وتوسل ولذ بذاك الجناب
وتأدب فلا يكن منك إخلال
…
وزم الخلال بالآداب
إن حبي له لزام ولما
…
يزل الحب لازم الأحباب
واشتياقي إليه شوق معنى
…
مفرط في صبابة واكتئاب
رب أنعم عيني برؤياه لا عن
…
جنب منه بل بغير اجتناب
واشف بالقرب منه غلة شوقي
…
فلبعدي عنه لقد جل ما بي
يا شفيع العصاة كن لي إلى الله
…
شفيعا من الأليم العذاب
فبحسبي بأن تكون شفيعي
…
عند رب العباد يوم الحساب
جئت أشكو بثي لعلك تشكي
…
لمرزا في دينه ومصاب
قد توالت إلى الخطايا خطاه
…
وأقل الأعباء من كل عاب
مسرفا في ارتكابها ومصرا
…
والجا في الذنوب من كل باب
فأعنه بعطفه لتقوي منه
…
عزما على التقى باحتساب
عله أن ينيب منها إلى الله
…
بصدق مستعصما بمتاب
وحنان برأفة منك تهديه
…
وتنجيه من شديد العقاب
أرتجي وصلة لديك وما لي
…
سبب موصل من الأسباب
غير حبي له وأرجو بحبي
…
ولآل النبي والأصحاب
فاسأل الله لي صلاح فسادي
…
وادع لي بالهدى دعاء مجاب
صلوات الإله تترى عليه
…
باقيات على مدى الأحقاب
وعلى آله الذي تزكوا
…
ليس فيهم لعائب من معاب
حبهم مذهبي بغير غلو
…
وإليهم إما دعيت انتدابي
ورضاه ورحمة من لدنه
…
تتوالى على جميع الصحاب
يا آلهي وأنت ربي وحسبي
…
بك ربا أحسن إليك مآبي
وأجزني على الصراط برحمي
…
منك أنجو بها ويسر حسابي
لا كتابي تنشره إي رب واصفح
…
عن طوايا صحائف الكتاب
فذنوبي كثيرة ليس تحصى
…
وعيوبي شتى ملأن عيابي
فأقل عثرتي وثبت فؤادي
…
لا يزغ في مواطن الإرهاب
واعف عني وارحم وسامح وأعتقني
…
من النار يوم فك الرقاب
وله رحمه الله وهو مما أجازه لنا وأفاده لنا صاحبنا الوزير الكاتب أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بن أبي القاسم بن الحكيم، رفيقنا قَالَ الشيخ رحمه الله ما نصه: قَالَ أبو اليمن عبيد الله عرف بابن عساكر، عفا الله عنه، ورحمه ووالديه ومشائخه وكافة المسلمين، يمدح النبي صلى الله عليه وسلم:
أرحها على ريم فقد جاوزت كشدا
…
وأنجد بلاغا قد بلغت بها نجدا
على تعهن أرسلتها في عواهن
…
تجد فلا تألو ولا تأتلي جدا
أجازت فلفت ما لها لفت ناظر
…
سوى ما إليه وجهها وجه القصدا
ومرت على ودان عجلى مشيحة
…
وأنزلها من وقع أخفاقها ودا
لما شفها برح الجوى مسها الوجى
…
ومذ عاينت نجدا بها عانت الوجدا
فألق العصا بين العقيق إلى قبا
…
إلى أحد واجعل لها أحد حدا
أنخ بالعوالي تعل بالقرب رتبة
…
فقد جد ثاو حل من رسمها جدا
ورد بقناة أو فحل أذاخرا
…
وشأ خطة نعمان والأنعم الفردا
على إضم قد كان مورد ظمئها
…
فعنه لقد صدت إلى مقمر صدا
وخيم على بطحانها إن تربه
…
شفاء لذي الود الذي داؤه أودى
وعن عدوتي سلع فلا تعد واتبع
…
مرابع ما للقلب عن حبها مغدا
وعرض بذكري بالعريض وخيفة
…
عسى سائل عني وسل لي بها عودا
فثم لبانات لقلبي قديمة
…
بلاباتها ما تنقضي قد صفت ودا
وفيها لأبناء الهوى إن عرفتهم
…
معاهد عرفان بها كرمت عهدا
هي الدار نعم الدار أشرب طيبها
…
قلوب محبيها فهاموا بها وجدا
ومن حرتيها برد نيران شوقها
…
فواعجبا من حرة أسأرت بردا
فلا تحسبنها سبخة هي إثمد
…
فكم قد شفت مما بها أعينا رمدا
وما هن لابات ولكن لحسنها
…
فرشن من الديباج إستبرقا بجدا
كأن سناها في سواد حرارها
…
صباح من الليل البهيم ارتدى بردا
فحل حماها واستخل من جنابها
…
منى طائرا يمنا هدى طالعا سعدا
وسف تربها تشف الجوى فبجوها
…
شفاء جو قد شفه شوقها جهدا
وألصق بها قلبا وداو بها شجا
…
وعفر بها وجها وصعر لها خدا
فأرواحها طيب يضوع لناشق
…
يضمخ منه العطف والردن والبردا
وتربتها من طيبها إن شممتها
…
عبيرا وندا خالطا عنبرا وردا
فمن طيبها للطيب طيب بطيب
…
كريم ثوى فيها بأنفسنا يفدى
عليها جمال أو لديها لناظري
…
جلال سناء والظلال به يهدي
قديم مقيم حبها واشتياقها
…
قدمت بها عهدا فجدد بها عهدا
ألكني إليها قد تمادت بي النوى
…
فلست على بعدي ووجدي بها جلدا
ففي الحب ما لاقيت من شحط دارها
…
ولله شوقي ما أعاد وما أبدى
وذرني وإياها ووجدي فللهوى
…
ولي ولها شأن وما سره يبدى
معاهد لا عهدي بمصر وجلق
…
فحسبي جنات وحسبي بها عدا
تعوضت من مقرا برسمها
…
فقرت به عيني وما سخنت سهدا
وطاب لها عيش على عوز به
…
فلم نذكر عيشا بغوطتها رغدا
ونالت بها ما لم تمن لأجله
…
منى في حفافي نيلها ظلها امتدا
فلا تلحني في حبها إن حبها
…
لزام لقلبي ليس منها له بدا
وإن شميما من نشام وإذخر
…
لأشهى لها من شمها البان والوردا
وأصبو إلى حوذائها وجليلها
…
ولا أبتغي شيح الشآم ولا الرندا
فدعني وحصباء العقيق فلي به
…
هوى بجواه للمحبين قد أعدى
أهيم عسى جد إليه مبلغ
…
أحوم على ورد لعل به وردا
ويا حبذا لثمي ثراه أسوفه
…
أبرد من شوق حمى طرفي البردا
فكم سح في ساحاتها سيح عبرتي
…
ونظم جزع الدمع في جزعه عقدا
حنيني إليها غارب في كلفي بها
…
لك الله عن ذكر الرباب ودع دعا
وكم زرتها شوقا على بعد شقة
…
على رحل من سرت نصا ولا وخدا
ومن دونها تلقى حماة حقائق
…
مسومة حردا مطهمة جردا
أعاود من شوقي فلا القلب يشتفي
…
ولا حبها يسلى ولا قلقي يهدا
وما نزعتني حاجة غير حبها
…
وشوقي إليها لا سعاد ولا سعدى
يطيب بها وردي وأصبر صاديا
…
بفلسة ظام عله وقدا
فيا مصدرا ما طاب عن طيب مورد
…
أمر مذاقا حين أعذبه وردا
فكم لي بها من وقفة وسط روضة
…
تبوأت من أرجائها جنة خلدا
وكم من مقام قمته في مقامها
…
به ظل مني ظل أمني ممتدا
فيا سعد جدي إن ثويت بربعها
…
ويا جد سعدي إن سعيت بها جدا
ويا فوز سعيي إن ترسمت رسمها
…
ونعمى لعيني حين أسعى بها حفدا
فطوبى لمن يقضي بطيبة عمره
…
وإما قضى نحبا يبوأ بها لحدا
فسرح سوام الطرف في جنباتها
…
تجد طرفا تهدي عماك بها يهدى
ويمم بها خير الأنام مسلما
…
فكرر على بدء تحيته عودا
فطأ يجفون العين منك ولا تطأ
…
بنعلين أرضا حل من لحدها مهدا
وردد تحيا الشوق واسمع لأمره
…
وألق لديه السمع تستمع الردا
وقم نادما أو باكيا شاكيا له
…
تحول حال مد فيها الهوى مدا
وتب من ذنوب قد جنيت عديدة
…
ذنوب لعمري لست تحصي لها عدا
تشفع به فيها عساها بجاهه
…
تكفر واسأل من مواهبه الرفدا
ولا تعتذر بل واعترف متنصلًا
…
وأوف بعهد الله لا تنقض العهدا
بمثواه طابت طيبة وتشرفت
…
بتشريفه حتى أغتدت للورى قصدا
فكان تمام الحج أن يقفوا بها
…
مطاياهم يأتون من حبها وفدا
هو المصطفى بالحب والقرب مرتضى
…
لمنحة ما أولاه مولاه أو أسدى
وخاتم رسل الله وهو إمامهم
…
وأولهم في الفضل قد فاقهم مجدا
ومسراه يرقى في السماوات معجز
…
به قد تحداهم فجاوزهم حدا
فأيهم في فعله كان مثله
…
تردد في التخفيف عنا فما ردا
ومن ظل منهم والغمام تظله
…
وفاء إليه الفيء يعمده عمدا
من ذا الأشجار منهم فأقبلت
…
إليه تخد الأرض طوعا له خدا
ومن خص بالحوض الروي يورد الورى
…
ويصدرهم ريا وقد وردوا وردا
ونال من الله الوسيلة فاعتلى
…
على كل عال منهم سيدا جعدا
ومن ذا الذي أعطى الشفاعة فاغتدى
…
بزلفتها ما منهم أوحدا فردا
فقام مقام الحمد يحمده الورى
…
شفيعا لهم من بعد ما أجهدوا جهدا
أحيلوا عليه بعد لأي فأقبلوا
…
إليه عجالا يصمدون له صمدا
وكان لها أهلا وقال أنا لها
…
ووفى عريض الجاه قد أمن الردا
فحن لذاك القدس لما بدا له
…
تقدس وصفا ساجدا خاضعا عبدا
وألهمه الله المحامد فانثنى
…
بتمجيد تقديس يوالي له الحمدا
وقال له ارفع وقل يسمع، وفيهم تشفع
…
وسل تعطه، وأعطي وما أكدى
فحد له حدا لقوم وكلما
…
أتى شافعا فيهم يحد له حدا
فأخرج من في النار من كان مؤمنا
…
ولم يبق إلا من قد استوجب الخلدا
فمن ذا له جاه لديه كجاهه
…
ومن ذا الذي أجدى علينا كما أجدى
وآيته في الغار إذ أجلب العدى
…
عليه ليروده وكادوا له كيدا
فأعشيت يا نور الهدى أعين العدى
…
فردوا وهم حقا بذاك الردى أردى
فيا ويلهم ساموه سوءا وسماهم
…
بحسنى ودادا فيهم وهم الأعدا
أتاهم بقرآن ليرشدهم به
…
فردوا عليه القول كفرا به ردا
يبشر ذا تقوى وينذر من طغا
…
وعيدا لمن يخشى، ومن يرتجي وعدا
فصدوا عن الحق الذي جاءهم به
…
وضلوا غلوا منهم وطغوا جحدا
وقالوا ولو شئنا لجئنا بمثله
…
فصدوا عن الإفصاح عن زعمهم صدا
أقروا على عجز بإعجاز نظمه
…
فحادوا عدولا عن معارضة حيدا
وهم مالكو فصل الخطاب وفاصلوا
…
عرى كل خطب في جدالهم لدا
فما منهم باد أبان بيانه
…
ولا حاضر عن مثل إبداعه أبدى
فيا ضلة الأحلام ضلوا بجهلهم
…
عكوفا على الأصنام قد عبدوا ودا
وهم كفروا بالله مالك أمرهم
…
وخالقهم يدعون من دونه ندا
وكم آية دلت وكم من دلائل
…
بصدق رسول الله أوضحت الرشدا
وكم من براهين تواتر نقلها
…
لتخصيصه نصا قد انتقدت نقدا
أعد ذكره بالله يا ذاكر اسمه
…
على كبد المشتاق إن له بردا
وعن بذاكره القلوب فإنه
…
قلوب محبيه بتذكاره تحدى
فقد صديت منا قلوب لبعده
…
تقاعدها في الحب عن قربه صدا
وجل به أحوالنا واجل منعما
…
بأنواره قلبا من الرين مسودا
فمن لي بأن أمسي وأصبح جاره
…
فأحبب إليه بالمراح وبالمغدى
أيا رب أوردنا حنانيك حوضه
…
لنسقى شرابا مازح المسك والشهدا
ولا تختلج من دونه فتكن كمن
…
لما راق من دنياه عن دينه ارتدا
وأنعم برؤياه عيونا مشوقة
…
لرؤيته واجعل لنا عنده ودا
وشفعه فينا فاعف عنا ونجنا
…
من النار منا منك من قبل أن نردى
وبلغه عنا كل لحظة ناظر
…
صلاة وتسليما إذا انتهيا ردا
وهبنا يقينا من عذاب جهنم
…
يقينا وتسديدا يكن دونها سدا
ولا تخزنا عند الحساب وهننا
…
بإكرام مثوانا وهي لنا رشدا
فأشهد أن الله أهداه رحمة
…
لنا فهدانا من لدنه بما أهدى
فبلغ ما أوحى إليه وحضنا
…
عليه وأدى بالأمانة ما أدى
فصلى عليه الله ما وقب الدجى
…
وما متعت شمس ضحى اليوم فامتدا
صلاة دراكا ديمة وعميمة
…
فلا فرعها يذوي كما عرفها يندى
وأهدى التحايا الطيبات لفضله
…
ومثل التحايا الطيبات له يهدى
وصلى على الآل الكرام الألى زكوا
…
أبا وصفوا أمّا لهم وسموا جدا
أولو الفضل والإفضال لا ظلم عندهم
…
ولا بغي فاسرد آي سؤددهم سردا
وعدد له ما شئت من رتب العلى
…
فإنك لا تحصي مآثرهم عدا
فحيهلا بعد الرسول بذكرهم
…
ومن قبل حب الصحب حبهم يبدى
حقيق علينا حبهم واتباعهم
…
إذا ما هدوا قصدوا وهم بالهدى أهدى
لحب رسول الله حقا نحبهم
…
بذلك أوصانا به نحكم العقدا
وألحق بهم أهل السوابق والنهى
…
صحابته فامحض لكلهم الودا
بصحبته خصوا وفي الله هاجروا
…
إليه وفيه فارقوا الأهل والولدا
أشداء في دين الإله أئمة
…
وشادوه بالتأييد والنصر فاشتدا
عدولا رضا فازوا من الله بالرضى
…
جهادا وفي إرضائه بلغوا الجهدا
وهم شهداء الله والوا وعزروا
…
وآووا وواسوا واعتزوا في الشرى أسدا
وقل ربنا أرحمنا وإخواننا الألى
…
بالايمان حازوا الخصل في سبقهم شدا
وبينهم فاجمع لديك وبيننا
…
بدارك قد أعطيتنا الملك والخلدا
ألا يا أخا الإحسان لا تنس وامقا
…
بصدق وداد منك ما زال معتدا
فقف لمشوق بين قبر ومنبر
…
وقوف شج يبكي أحبته فقدا
وقل مبعدا أقضاه في الحب أنه
…
بذلك أهل فاقتضى حظه البعدا
ولو أنه للقرب أهل لناله
…
وبل صدا من شوقه ولما صدا
عساه على علاته ولعله
…
إذا جاءه مستغفرا أنجز الوعدا
فكم توبة قد تابها فأضاعها
…
فمن سيء أخفى بما حسن أبدى
عسى رحمة لله يرحمه بها
…
تكفر من زلاته الخطء والعمدا
تمحضه عفوا يكون بفضله
…
لما قد جنى عمدا مجلله غمدا
مدحتك يا خير البرية أرتجي
…
به منك قربا لا أرى بعده بعدا
في الأخرى وفي الدنيا وأدنى لشيق
…
بلقياك أن يلقى الأماني والسعدا
وما يحتوي نظمي ولا نظم مادح
…
محامدك اللائي جمعن لك الحمدا
ولكن من حبي له إذا ذكر اسمه
…
فأشدو به شفعا وأشدوا به فردا
أحلى به نظمي وأطرب مسمعي
…
وأجلو صدا قلب بأشواقه التدا
إذا صح ودي فيك أو صح منك لي
…
وداد فوجد الفقد قد فقد الوجدا
عليك سلام الله بدءا وعودة
…
يروح ويغدو طيبة الختم والمبدا
وقال رحمه الله ورضي عنه، وهو مما أجازه لي، وقال لنا صاحبنا الوزير أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بن أبي القاسم بن الحكيم حرس الله معاليه وكتب في الصالحات مساعيه: سمعتها على ناظمها رضي الله عنه:
أنخ مطاياك بلغت المقصدا
…
بين ثنيات كداء وكدى
أرود بها سوقكها فطالما
…
نهنهها زجر الحداة والحدا
أربع عليها ترتبع سائبة
…
فحل أنساعا وأرخ مقودا
وخلها بالأخشبين ترتوي
…
علا وذرها منه تشفي العمدا
تروع مرعاه وترتاد لها
…
بين رباه مرتعا وموردا
ما وردت صداء من كاظمه
…
لكنها صدت على كظ الصدا
كم شاقها محصب وأبطح
…
فظل ذكراها له مرددا
إن لها بين الحجون والصفا
…
معاهدا تصبوا إليها أبدا
منازل قد شفها ادكارها
…
وكاد يبليها هواها كمدا
لها وللأحباب فيها موعد
…
للوصل وافته توفي الموعدا
هوى قديم ووداد أول
…
إذا انتهى عاد لها كما بدا
وفي حماها أنست عن جانب
…
فأنسيت عن جانب نار هدى
وكم لها في حبها علاقة
…
أقامها الوصل لها وأقعدا
ما فارقت مربعها مشيحة
…
تفري الفلا شوقا لمغناها سدى
ونكبت عن مائة وظله
…
إلا ليهديها الطريق الأقصدا
إن أنت لم تشف بذاك شوقها
…
لم تدر كيف الشوق فت الأكبدا
عاذت بذياك الحمى وفسحت
…
لا تأتلي في رسمه ترددا
والتزمت ضربة حب لازم
…
جد بها نحو حماها وحدا
وجددت ميثاقها ولم يزل
…
ميثاقها مؤكدا مجددا
وحصبت بالشعب ثم أصعدت
…
لا تنقضي أنفاسها تصعدا
حازت مناها إذ أجازت بمنى
…
تؤم جمعا وتريد النجدا
وما شكت حيفا ملما إذ غدت
…
ملمة بالخيف تسمو صعدا
تعرفت في عرفات موطنا
…
ما أنكرته الروح في طول المدى
فاض عليها إذ أفاضت فائض
…
من منعم جم النوال والجدا
وقت نذور أو قضت عن تفث
…
أوطارها وقد تلقت أسعدا
ثم ثنت عنانها لطيبة
…
تؤم خير العالمين أحمدا
المصطفى على الورى والمحتبى
…
بالحب والقرب الرضى محمدا
حنت إلى لثم الثرى من يثرب
…
لم تغتمض بالنوم ليلًا أرمدا
فأوبت في سيرها وما وفت
…
تفري الفيافي وتجوب الفدفدا
فأصبحت كالسطر في طرس الفلا
…
من كل نون تحت راء قد بدا
مذ سلكت وادي العقيق ناثرت
…
سلوك جمع كالعقيق بددا
حتى أتت بطحان لا تشكو وجا
…
ولا تخاف دركا من الردى
ويممت خير الورى فسلمت
…
تسليم صب شوقه توقدا
وقبلت ذاك الثرى وصافحت
…
بالترب منه طرفها المسهدا
عاذت به وإن من عاذ به
…
مسترشدا فقد تحرى رشدا
تشفعت بجاهه ومن غدا
…
له شفيعا ينج من النار غدا
واستغفرت لذنبها وجددت
…
توبة خطاء عدا أو اعتدى
وأصبحت في روضة من جنة
…
من حلها حل جنانا خلدا
وشاهدت آثاره فعاينت
…
منبره وقبره والمسجدا
صفوة خلق الله خير رسله
…
أتزر الحمد وبالمجد ارتدى
له مقام الحمد عند ربه
…
يقام بالتخصيص فيه أوحدا
يقوم فينا شافعا مشفعا
…
مراجعا لربه مرددا
يشفع فينا عودة لبدأة
…
وكان أولى وعلينا أعودا
يسمو إلى وسيلة خص بها
…
ينال فيها سؤله ممجدا
ويغتدي والرسل أتباع له
…
بالحب والقرب مخصا مفردا
يصدر إذ يصدر أمر مالك
…
من في الجحيم مالك قد أوردا
يا صفوة الله ومن أصفيته
…
صفو الوداد في الهوى مؤكدا
كن لي إلى الله شفيعا إن لي
…
جرائما أخافها من الردى
ظلمت نفسي واعتديت ظالما
…
وجئت من الذنب كثيرا عددا
قد أثقلت ظهري ذنوب فانثنى
…
بونيها عن كل حد مقعدا
وقد أتيت تائبا مستغفرا
…
فاقبل معاذيري، وكن لي مسعدا
واشفع فأنت شافع مشفع
…
فيمن غدا بذنبه مصفدا
أقبل علي قد أتيت مقبلا
…
بوجهك المسعود حتى أسعدا
فلا تخيبني فإني مرتج
…
جداك يا رب النوال والندى
ها أنذا معترف بما جنت
…
يدي فحسبي منك حسبي مقصدا
لا عمل يزلفني ولا يد
…
تسعفني أرجو بها منك يدا
إلا حنان من لدنك أرتجي
…
به جنانا ونعيما سرمدا
فاشفع إلى الله بأن يجيرني
…
لا يسلكن بي عذابا صعدا
فلا تخيب أملي يا أملي
…
فقد أتيت وافدا مسترفدا
إني محب والمحب دائما
…
يذكر من يهوى ولوعا قد غدا
مقصر عن اللحاق بالذي
…
أحبه فما بلغت أمدا
لكنني أرجو بحبي لهم
…
بأن أكون منهم حيا غدا
والمرء مع من في الدنا أحبه
…
كذا روينا عنك ذاك مسندا
وأرتجي منك بأن تسقيني
…
من حوضك العذب الروي وتوردا
صلى عليك الله ما هبت صبا
…
وما تغني طائر وغردا
وما دجا ليل وذر شارق
…
وما لوخد عيسه حاد حدا
وخصك الله بما أنت له
…
أهل كما هديتنا سبل الهدى
وزادك الله علا ورفعة
…
وشرفا على الورى وسؤددا
ومما وجدته متصلا بهذه القصيدة، عند صاحبنا الوزير أبي عبد الله منسوبه بغير خطه للناظم رحمه الله:
قضى شجونا وما قضى له شجنا
…
وكم تمنى وهل يعطى المحب منى
صب ترسم رسم الدار يندبها
…
بعد الأحبة لما فارق السكنا
ويسأل الربع عنهم أيه سلكوا
…
وليس نافعه أن يسأل الدمنا
يا دار ما فعل الأحباب أين ثووا
…
أأشأموا أم بيمنى قد نووا يمنا
يا طول وجدي بهم واوحشتي لهم
…
وفرط شوقي إلى من عنك قد ظعنا
سقيا لعهدك يا دار الهوى فلقد
…
بوصلهم فيك بلغنا المنى زمنا
يا منتدى الحي هل من عودة لهم
…
تدني بها وطرا من نازح وطنا
هم الأحبة كم أبقوا لدي لهم
…
آثار حسنى وكم قد آثروا حسنا
تالله ما نقضوا عهدي ولا رفضوا
…
ودي ولا أتبعوا في منهم مننا
لا تبعدوا وبلى والله قد بعدوا
…
وشطت الدار والمثوى بهم وبنا
دع عنك ندب المغاني وانتدب عجلا
…
فليس يغنيك ندب غادر البدنا
وسر إلى المصطفى الهادي الورى فله
…
تزجى المطي فنهنهها بغير ونى
الهاشمي رسول الله سيدنا
…
فهو الرءوف بنا وهو الشفيع لنا
صلى عليه إلاه العرش ما وخدت
…
عيس وما أشعرت حجاجة بدنا
ومن نظمه رضي الله عنه وهو من جملة المجاز:
يا من تبوأ من مشاعر مكة
…
متبوأ بين الصفا والمروة
ألقى العصا فيها وأوضع كي بها
…
تضع الخطا والحوب عنه بتوبة
فأوى إلى حرم ولاذ بمأمن
…
مستوثقا منها بأوثق عروة
وغدا يجدد في معاهد رسمها
…
عهد الأحبة بعد طول المدة
عهد وميثاق لهم ما قطعت
…
أسبابه وحباله ما رثت
فمقبل طورا وطورا ماسح
…
أركانها ومردد لتحية
حتى إذا ما قيل صفى سره
…
وتقدست أوصافه وترقت
بمواهب جادت له بعوارف
…
قد أشرقت أنوارها بأشعة
أضحى بعيدا عن حماه محجبا
…
عن باب مولاه بكل تعلة
يا ويحه قد أوثقته حظوظه
…
في حيث يطلق من وثاق الزلة
غلقت لديه رهونه بعلائق
…
علقت به وجرائر قد جرت
بمقر أمن عينه سخنت به
…
ولديه قرة كل عين قرت
فمسود بين الورى ومسود
…
وجه النهى بصحائف مسودة
أيان يونس من صلاحك بعدما
…
أشفيت لا تشفى هوى من علة
متقسم العزمات لست بمزمع
…
ما فيه عائدة عليك بوصلة
ومتى ترجى منك يا متلون
…
عتبى منيب أو إنابة مخبت
قد شبت غدرا بعد شيب غدائر
…
لمم الخطا من بعد وخط اللمة
فدراك معترك المنون فقد أتت
…
ودع المنى واهبب لأخذ الأهبة
وانظر لأمرك حيث أمرك منظر
…
لابد من بعد الكرى من يقظة
وارفع إلى مولاك شكواك التي
…
طالت بها نجواك أبعد شقة
واخضع له واضرع إليه وناده
…
متنصلا مما جنيت بذلة
وأبسط له كف السؤال فإنه
…
جم النوال ببسط ظل النعمة
واغسل ذنوبك بالدموع لعله
…
أن يجتبيك من لدنه برحمة
نوحوا على من هذه أنحاؤه
…
وابكوا ورثوه بأوجع ندبة
ومن نظمه رضي الله عنه وهو من جملة المجاز
بأستار بيت الله قم متمسكا
…
وبالله عذ من ناره أن تمسكا
ولا تعتصم إلا بحبل اعتصامه
…
فلا بسوى توفيقه لا تمسكا
ولذ بحماه فاستلم ثم فالتزم
…
وعظم على التقوى شعائر ربكا
وجدد عهودا في معاهدها التي
…
إلى من بها برح اشتياقك شفكا
معاهد للأرواح فيها معارف
…
غذاك هواها إذ سقاك فعلكا
فمن حبها وافيت أشعث أغبرا
…
تلبي لرب باللطائف ربكا
عليك شعار الحب تزهى ببذلة
…
تبذلتها لله من زهو ملككا
فجددت رسم الوصل بعد دروسه
…
وطفت كما طاف المحبون قبلكا
فقرة عين منك كم سخنت شجى
…
بمنية قرب نلته بعد بعدكا
ويا برد حر الشوق منك بوقفة
…
بملتزم تنهي وتشرح ما بكا
فصافح يمين الله ذكرى لعبده
…
وقل آبق وافى وفاء بعهدكا
وقض بما بين الحجون إلى الصفا
…
شجون هوى من أجلها طال شجوكا
نعمت بنعمان فظل أراكها
…
مقيلك طوبى ثم طوبى ليهنكا
فبشراك منها موقف عز موقفا
…
تنال به الزلفى ويغفر ذنبكا
يباهي بك الله الملائكة العلى
…
ظفرت لعمري ثم قد جد جدكا
وعرفت تعريف الألى عرفوا الهوى
…
وما أنكروا من بعد ذاك فمن لكا
بشطي إلال ثم في سفح نابت
…
تراوح كي يرتاح في الحب قلبكا
ومن عجب أن الأعاجيب جمة
…
طلوع لسعد في أفول لشمسكا
فلما قضى منها هواك شجونه
…
دفعت إلى جمع بطائر يمنكا
أفضت وقد فاضت عليك إلى منى
…
مواهب أسرار بها بر حجكا
فوفيت نذرا ثم قضيت للمنى
…
بها تفثا من رمي جمر وحلقكا
فإن لم تكن أهلا لذ حق أهله
…
فقل رب أهلني لذاك بفضلكا
وقفت لتوديع وقوف شجٍ جوٍ
…
تودعها حزنا وتسأل عودكا
وهل يرحم البين المجد أخا أسى
…
شكا فرقة الأحباب أو موجعا بكى
ولكن سفح الدمع يشفي صبابة
…
لذي لوعة فاسفح لنأيك دمعكا
تزود فقد أعجلت منها بنظرة
…
عسى عودة من قبل ترحل عيسكا
فما في الدنا وقت كوقتك في منى
…
ولا مثل نعمان الأراك بأرضكا
وله رضي الله عنه مما ضمنه صدر رساله كتب بها من المنصورة في أثناء كتاب لبعض إخوانه من أولي النهي والآداب أنشدها لنا صاحبنا ورفيقنا الوزير الأجل الكاتب الأحفل أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بن أبي القاسم بن الحكيم، قَالَ، أنشدها لي وأنشدتها عليه غير مرة.
أما شاقكم روض القتال وقد سرى
…
إليكم نسيم النصر وهو معطر
وعارض نقع صابهم وبل نبله
…
فشاموا به برق الصوارم تشهر
دجا ليله بأسا وقد طلعت به
…
نجوم نصال وهو بالبيض مقمر
ففاضت سرابيل المفاضات أبحرا
…
ببحر سيول العسكر المجر تزخر
ومالت غصون السمر وابتسمت به
…
أقاحي ثغور البيض بالنصر تثمر
وحدق نوار الشيات وقد بدا
…
له ورق تحت الجواشن أخضر
فمن دمهم فوق الأباطح والربى
…
شقيق ومن زرق الأسنة نوفر
سقيناهم خمر الردى فانتشوا بها
…
فكل بأقطار البلاد مقطر
وطلت على تلك الطلول دماؤهم
…
ولم يبق من يحمى ذمارا ويثأر
فلا ظل إلا تحت خفاق راية
…
ولا ماء إلا جوهر السيف يقطر
أقام سناد المجد ضرب مصرع
…
يقطع أجزاء القوافي ويبتر
ولا مهد إلا صهوة البيد أجردا
…
يمر مرور الريح بالهام يعثر
لتهنكم هذي الفتوح التي غدا
…
وراح بها الإسلام وهو مظفر
ومن نظم شيخنا أبي اليمن رضي الله عنه مما قاله عند موافاته المنصورة، تحريضا للمجاهدين، وتحضيضا للمتثاقلين إلى الأرض، أن ينفروا في سبيل الله، والقاعدين، من قصيد في قضية دمياط عام 647، أفادها لنا صاحبنا الوزير أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بن أبي القاسم عنه:
جلل أصابك والخطوب جسام
…
فالقلب دام والدموع سجام
ومصيبة عظمت وخطب فادح
…
ذهلت له الألباب والأفهام
أضحى به الإسلام منفصم العرى
…
يجنى عليه برغمها ويضام
وشكت شريعة أحمد لمديلها
…
جور الألى إذلالها قد ساموا
كسفت له الشمس المنيرة واغتدى
…
وجه الصباح وقد علاه ظلام
لبست له الأيام ثوب كآبة
…
فلحزنها حتى الممات دوام
ذهبت بشاشة كل عيش ناضر
…
فعلى التهاني والسرور سلام
فالروض لا نضر ولا خضل الربى
…
ما ماس فيه للغصون قوام
لم يسر فيه لنا النسيم معطرا
…
والدوح ما غنى عليه حمام
وتعطلت سبل اللسان فلا هوى
…
مستعذب فيه جوى وغرام
هجر الحبيب فلا وصال يرتجى
…
منه ونقض وداده إبرام
وتقطعت ذمم المودة وانقضى
…
زمن السرور كأنه أحلام
وغدا الزمان كما تراه وثغره
…
لا ضاحك فرحا ولا بسام
يا ناصري الدين الحنيف أهكذا
…
عنكم يجازى ديننا الإسلام
أسلمتموه إلى الصغار وأبتم
…
والعار مقترن بكم والذام
خارت عزائمكم وشتت جمعكم
…
وتقطعت ما بينكم أرحام
أين الحروب المتقى سطواتها
…
منكم؟ وأين الكر والإقدام؟
أين الصواهل ضمرا؟
…
أين البواسل زؤرا والفارس المقدام؟
أين الصوارم شرعا؟ أين
…
الذوابل رعفا؟ أين الفتى الهمام؟
أين الذي قد باع مهجة نفسه
…
لله؟ فهو على الردى حوام؟
أين الكريم الخيم؟ أين أخو الوغى؟
…
أين الذين عن العدى ما حاموا؟
لا تضعفوا جبنا ولا تتهيبوا
…
من شأنه الإذلال والإرغام
لكم الكرامة والمهابة والحجا
…
والأيد والآراء والأحلام
لكم المثوبة والجزاء المرتضى
…
وعليهم الآصار والآثام
أنتم برضوان الإله وقربه
…
منهم أحق وفيكم الأعلام
كم فيكم من باسل فتكاته
…
يحنو لديها الصارم الضمضام
ومدجج يوم الكريهه ما اجتلى
…
إلا وقد نثرت عليه الهام
خواض غمرة كل موت كافل
…
دين الإله بنصره قوام
يردي الفوارس معلما لا ناكصا
…
يوم الهياج إذا الحروب تقام
ويشن في الأعداء غارة بأسه
…
فلنار عزمته يشب ضرام
ومدرعين إذا الردى يوم الوغى
…
شيمت بوارقه وحم حمام
لبسوا القلوب على الدروع وجردوا
…
العزمات فهي لهم لعمرك لام
بذلوا نفوسهم لنصرة دينهم
…
فلهم عليه حرمة وذمام
راموا النعيم السرمدي فأبعدوا
…
في نيله مرمى وعز مرام
جنحوا إلى العلياء فاهتجروا المنى
…
فعلى جفونهم المنام حرام
قد أعربوا لغة الردى في لحنهم
…
فلهم بألسنة الرماح كلام
أفعالهم تبنى على حركاتها
…
كسر العدى والحذف والإدغام
إخوان صدق منهم من قد قضى
…
نحبا ومنهم من له يستام
باعوا النفوس فحبذا من مشتر
…
رب لديه البر والإنعام
فعلى نفوسهم الزكية رحمة
…
من ربهم وتحية وسلام
وعلى وجوههم البهية نضرة
…
الإجلال موصول بها الإكرام
جنات عدن فتحت أبوابها
…
لهم ومثوى حظوة ومقام
أرواحهم تحيا وتحبر بالمنى
…
وكأنما لم تألم الأجسام
وسقوا شرابا من رحيق سلسل
…
عذب له المسك السحيق ختام
يستبشرون بنعمة وكرامة
…
من ربهم هذا النعيم التام
حضروا حظيرة قدسه فتنعموا
…
بجواره فهم لديه كرام
هذي المعالي هل لها من طالب؟
…
ها أنتم عنها الغداة نيام
هذي السعادة قد أضل سحابها
…
بدت الطلول ولاحت الأعلام
هذي جنان الخلد تحت سيوفكم
…
وبها إليكم لوعة وهيام
تجلى عليكم حورها وقصورها
…
ويشوقها شعث بكم وكلام
وتنفست أنفاسها مسكية
…
النفحات لا ضال الحمى وخزام
ربحت تجارتكم ألا فاستبشروا
…
هاتيك سوق المكرمات تقام
يا أخوة الإسلام كيف قعدتم
…
عن نصرة وأرى العدى قد قاموا
ورقدتم عنه، وعين عدوه
…
بالبغي والظفران ليس تنام
عدمت نفوسكم الأبية نخوة
…
الإيمان فهي لذاك ليس تلام
أم هل ترى رضيت بذلة دينها
…
فلها المذلة منه والإجرام
أمست مساجدكم كنائس لا يرى
…
فيها لكم عند الصلاة زحام
لا يسمع التأذين في عرصاتها
…
خوف العداة، ولا الصلاة تقام
رفع الصليب على المنابر وانبرى
…
الناقوس فيه بشركهم إعلام
وغدا منار الحق منهدم البنا
…
فالحرم حل والحلال حرام
درست رسوم العلم فهي محيلة
…
وتبدلت من بعده الأحكام
وتحكمت فرق الضلالة في الهدى
…
فتصيدت آساده الآرام
فالبيت والأركان يندب ركنه
…
الواهي القوى والحج والإحرام
والحجر والمسعى ومروة والصفا
…
والأبطحان وزمزم ومقام
ما طل نعمان الأراك ولا سقى
…
من بعده وادي العقيق غمام
وتغيرت صفة الزمان لأجله
…
وتنكرت من بعده الأيام
فالشمس تبدو اليوم غير منيرة
…
حزنا، وما زان الهلال تمام
ونبيها الهادي بطيبة قد شكا
…
بث الجوى، فجواه ليس يرام
نسخت شرائعه، وبدل دينه
…
وانحل من سلك الزمان نظام
يا عصبة التوحيد كيف تحكم
…
الثالوث فيكم والعلى أقسام
وعلا على الحق اليقين لديننا
…
من دينه البهتان والإيهام
ميلوا عليه واستعينوا واصبروا
…
لا تدبروا ولتثبت الأقدام
وترقبوا النصر العزيز وأوبة
…
الفرج القريب فربنا علام
لابد من يوم يشيب لهوله
…
فود الوليد ويفشل الضرغام
لا تمتروا في هلك قوم كذبوا
…
فلسوف يا قومي يكون لزام
يا مدعي دين المسيح وإنه
…
ليطول منه لما ادعوه خصام
غيرتم دين المسيح وما انتحى
…
موسى وما قد سن أبراهام
وحسدتم خير البرية أحمدا
…
فلنعته في كتبكم إبهام
هيهات نور الشمس ليس بمختف
…
والمسك كيف كتمته نمام
منا عليه صلاة صادٍ صادق
…
ولنا به برق السعود يشام
يا باعث المختار من خير الورى
…
فهو الذي للمتقين إمام
يا خير مسئول وأكرم منعم
…
ومريد ما تجرى به الأقلام
يا كاشف الغماء يظلم خطبها
…
فلها على سعة الفضاء ركام
انصر شريعتنا، وسدد أمرنا
…
فلنا الحراسة منك والإعظام
عجل دمار الكافرين وأردهم
…
حتى يكون لهم بنا استعصام
وأتح لهم محنا تأجج نارها
…
يبدو عليها زفرة وقتام
واحلل عزائمهم، وشتت جمعهم
…
حتى يرى لوجودهم إعدام
وأذل عزتهم، وخيب سعيهم
…
ليكون منهم للردى استسلام
وارأب ثأى الإسلام واجبر كسره
…
حتى يعود وشمله ملتام
نجزت ومنه بالإسناد فيما أنا به أبو اليمن قَالَ: إنه لما كان في وقيعه دمياط
عام هياط ومياط، واشتد الحال في بعض الأيام، وعاين الناس وقع الحمام، تقدم رضي الله عنه للقتال مع رفيق كان له، وهبا أنفسهما له، فاستشهد رفيقه وخلص هو جريحا، بالعوم فقال: شيء وهبته لله فلا أرجع فيه فغادر الأهل والوطن، واقتعد غارب الغربة إلى محل الأنس، حرم الله الشريف، فتبوأه دارا ووالي مدة عمره حجا واعتمارا، وزيارة إلى المصطفى، إلى أن توفي على ذلك، وقد قضى من ذلك لبانات وأوطارا رحمه الله عليه.
ومما قرأته بخط شيخنا أبي اليمن ابن عساكر رضي الله عنه، مما نسبه لنفسه، وقد أورده أيضا في الجزء الذي خرجه في صفة النعل الكريمة معرفا بأنه من نظمه، وبينه وبين هذه التي نقلت من خطه بعض اختلاف، وكانت تلك النسخة مسموعة عليه، وأنا أورد بحول الله هذه الأبيات على ما نقلته من خطه، ثم أتبع ذلك بما وقع من الاختلاف بينه وبين المسموع عليه، وقال فيما خطه بيده أنه قاله حين شاهد مثال نعل سيدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم:
يا منشدا في رسم ربع خال
…
ومناشدا لدوارس الأطلال
دع ندب آثار وذكر مآثر
…
لأحبة بانوا وعصر خال
والثم ثرى الأثر الأثير فحبذا
…
إن فزت منه بلثم ذا التمثال
قبل، لك الإقبال، نعل أخمص
…
حل الهلال به محل قبال
أثر له بقلوبنا أثر بها
…
شغل الخلي بحب ذات الخال
ألصق بها قلبا يقلبه الهوى
…
وجدا على الأوصاب والأوجال
ستبل حر جوى ثوى بجوانح
…
في الحب ما جنحت إلى الإبلال
صافح بها خدا وعفر وجنة
…
في تربها وجدا وفرط تغال
يا شبه نعل المصطفى نفسي الفدا
…
لمحلك الأسمى الشريف العالي
هملت لمرآك العيون وقد نأى
…
مرمى العيان بغير ما إهمال
وتذكرت عهد العقيق فناثرت
…
شوقا عقيق المدمع الهطال
وصبت فواصلت الحنين إلى الذي
…
في الحب بالي منه في بلبال
أذكرتني قدما لها قدم العلا
…
والجود والمعروف والإفضال
ولها المفاخر والمآثر في الدنا
…
والدين في الأقوال والأفعال
لو أن خدي يحتذى نعلا لها
…
لبلغت من نيل المنى آمالي
أو أن أجفاني لموطئ نعلها
…
أرض سمت عزا بذا الإذلال
انتهت القطعة التي وجدت بخطه رضي الله عنه، وأما التي في النسخة المنقولة من المسموعة على من سمعها عليه فتوالت فيها الأبيات الثلاثة الأولى، والبيت الرابع فيها:
أثر له فقلوبنا أثر بها
…
شغل الخلي بحب ذات الخال
وبعده:
قبل، لك الإقبال، نعلي أخمص
…
حل الهلال به محل قبال
كذا بغير زحف، وبعده:
ألصق بها قلبا يقلبه الهوى
…
وجدا على الأوصاب والأوجال
وبعده:
صافح بها خدا وعفر وجنة
…
في تربها وجدا وفرط تغال
وبعده:
ستبل حر جوى ثرى بجوانح
…
في الحب ما جنحت إلى الإبلال
ثم توافقت موالاة الأبيات وقال:
يا شبه نعل المصطفى روحي الفدا
…
لمحلك الأسمى الشريف العالي
وقال في الثاني بعده:
عملت لمرآك العيون وقد نأى
…
مرقى العيان بغير ما إهمال
وزاد فيها بيتا بعد قوله:
وصبت فواصلت الحنين
وقال فيه:
وصبت فواصلت الحنين إلى الذي
…
ما زال بالي منه في بلبال
أذكرتني من لم يزل ذكري له
…
يعتاد في الأبكار والآصال
وقال في الذي بعده:
أذكرتني قدما لها قدم العلا
بفتح القاف
والجود والمعروف والأفضال
وقال في البيت الآخر لو أن ولو قَالَ: ولو أن بنقل الحركة لكان أفصح ومما قرأته بخط صاحبنا الوزير الجليل أبي عبد الله محمد بن الفقيه الوزير الفاضل أبي القاسم بن أبي إسحاق اللخمي بن الحكيم، رفيقنا: أنشدنا صاحبنا أثير الدين أبو حيان الأثري، قَالَ: أنشدنا أمين الدين جار الله أبو اليمن لنفسه في وصف كتاب:
وجاءت إلينا من لدنك رسالة
…
على فترة في آيها الذكر محكم
تحديت فيها بالبلاغة معجزا
…
لمن رامها فاللفظ در منظم
كتيبة فصل أم كتابة فاضل
…
أولو الفضل فيها للفواضل ألهموا
أخط يراع أم قنا الخط أشرعت
…
يراع لها قلب الكمي المصمم
أسحر حلال، أم هي الخمر حللت
…
لشاربها لا لغو فيها يؤثم
أروضة حزن ثم مذ نمنم الندا
…
خمائلها عنها النسيم المهينم
وهي من أبي اليمن إجازة رحمه الله ورضي عنه وآتاه رحمه واسعة من لدنه.
ومن خطب شيخنا أبي اليمن رحمه الله وهو ما أجازه لي وأخبرني بها رفيقي الوزير الجليل الفاضل السري الكامل أبو عبد الله بن الفقيه الوزير أبي القاسم بن الحكيم، حفظه الله وتولاه، سماعا من لفظه قَالَ: قرأت على شيخنا أبي اليمن بن عساكر رضي الله عنه بباب الصفا تجاه الكعبة المعظمة زادها الله شرفا، هذه الخطبة من إنشائه.
الحمد لله المنزه عن سمات النقص بصفات الكمال، المتعالي، في أحدية ذاته وتقدس، وحدانية صفاته عن الأشباه والأمثال، الذي نصب أدلة ما في الوجود من آيات قدرته وبدائع صنعته وأسرار حكمته دليلا على وجوده فضرب للناس الأمثال، له الأسماء الحسنى والصفات العلى والمثال الأعلى وهو الكبير المتعال، لا نلحد في آياته ولا نعدل بصفاته بل نؤمن بما وردت النصوص الصريحة والأخبار الصحيحة من نفي ذلك وإثباته ولله سبحانه من ذلك ما يليق بصفات العصمة ونعوت الجلال.
أحمده بجميع محامده ولا أحصى ثناء عليه، وأحمده بما حمد به على ما استحمد عليه، وأحمده على حمده حمدا يبلغ حق حمده وأحمده حمد من قدر قدر نعمه فشكر لربه، وأشهد أنا لا إله إلا الله شهادة من شرح الله صدره للإسلام.
فهو على نور من ربه، وكتب في قلبه الإيمان فلن يمحوه برحمته بعد كتبه، وأوقن به إيقان من وفقه فاعتصم بحبل عصمته فأمن به إذ أمن به من سلبه، وألجأ إليه لجأ من عاذ من مكره بقوته وحوله، ولاذ من الحور بعد الكور بمواهب إتمام إحسانه القديم وفضله، واشهد أن محمد عبده ورسوله المخصوص برفع الذكر، ووضع الوزر، وشق القلب، وشرح الصدر، المقدم في تأخر وقته على النبيين، المصلي بجميعهم في عليين، المنتهي في مسراه إلى سدرة المنتهى، المستوي بزلفته في مستوى، يسمع فيه ويرى حق اليقين وعين اليقين الشفيع في زحمة العصاة من أمته المذنبين المشفع في إلحاق المسيئين منهم بالمحسنين، رحمة لهم ومنة من رب العالمين، وجاها له ومكنة عند ذي العرش فهو عند ذي العرش مكين، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين ورضوان الله عن الصحابة والتابعين، ورحمة الله على سلف الأمة أجمعين، وعلى علمائنا ومشائخنا ووالدينا وإخواننا والمسلمين، والسلام عليهم وعلينا معهم وعلى عباد الله الصالحين آمين.
ومما أفاده صاحبنا عنه: قَالَ شيخنا أمين الدين أبو اليمن رضي الله عنه، وكان السلطان قد قبض على جماعة من عمد الأمراء الذين كانوا مرابطين بدمياط فصلب منهم جماعة وافرة نيف وخمسون رجلًا، في ليلة واحدة، ونالت الشفاعة واحدا منهم يعرف بابن النقيب فسلم، قَالَ فأنشدني لنفسه في ذلك:
أنا الذي حقق مسموعه
…
عند جميع الناس مرآه
فقال إن شئت هذا الذي
…
أماته الله وأحياه
وأخبرني صاحبي ورفيقي الوزير أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عن شيخنا أبي اليمن رضي الله عنه ومن تصانيف شيخنا أبي اليمن: كتاب إتحاف الزائر وإطراب المقيم والسائر، ولم أقف عليه: وقد وقع إلينا أجزاء حديث من سماعات شيخنا أبي اليمن رضي الله عنه، رأينا أن نثبتها هنا ونختم بها اسمه المبارك.
فمن ذلك الجزء الذي تروية أم الفضل بيبي ابنة عبد الصمد الهرثمية عن أبي محمد عبد الرحمن بن