الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَمَهْرِ الْبَغِيِّ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ»
وبه إلى مسلم:
نا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «
لا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلا مِثْلا بِمِثْلٍ، وَلا تَشُفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ وَلا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ»
ولهذا الإمام يسير نظم أودع بعضه شرح المرشدة، وهو ما قرئ عليه وَأَنَا أَسْمَعُ، وقد أنشد في هذا التصنيف للشهرستاني، من نهاية الإقدام، قَالَ ينبه فيه على قصور الإفهام.
لقد طفت في تلك المعاهد كلها
…
وصيرت طرفي بينها غير نائم
فلم أر إلا واضعا كف حائرا
…
على ذقنه أو قارعا سن نادم
فقال الشيخ شرف الدين الكركي المذكور وقد أجبته بشيء أنشدته:
مررت على ربع الحياري فلم تجد
…
سوى حائر والشكل بالشكل أعرف
على أن حكم الحس والوهم يزدري
…
ورب قوي في النهاية يضعف
وله رثاء رثى به الإمام الصوفي الفقيه العدل الفاضل أبا عَبْد اللَّهِ بن النعمان أوله:
هوى من سماء الدين في الشرق والغرب
…
ولي من الأوتاد ينمي إلى القطب
يقول فيها:
لقد ذيل النعمان في الروض إذ جرى
…
له في اسمه ذكر لدى النعي في العشب
ورثاه الكاتب الأديب سراج الدين أبو حفص عمر بن مُحَمَّدٍ الوراق.
فقال من قصيد أوله:
عليك فتى النعمان دمعي شقائق
…
وعندك أنهار جرت وحدائق
وعندك ما قدمت من كل صالح
…
فيا سابقا للخير خيرك سابق
أفادنا هذه الأبيات صاحبنا المحدث أَبُو عَبْد اللَّهِ محمد بن عاصم الرندي، وكتب لي البيتين الأخيرين بخطه.
وأنشدنا صاحبنا الكاتب البارع الوزير أَبُو عَبْد اللَّهِ بن الفقيه الوزير الجليل أبي القاسم بن الحكيم، حرس الله معاليه وشكر مساعية، قَالَ: أنشدني شرف الدين الكركي لنفسه:
إليك أشكو الذي أخشاه من ضرر
…
ومنك وحدك ما أرجوه من وطر
عقدا وثيقا به ألقاك معتمدا
…
عليك في أمره أو ينقضي عمري
وإن صرفت إلى خلق أمورهما
…
ففعلة جرها ضرب من الخور
أو أنها نفثة المصدور تغلبة
…
أو سعلة عن أذى في الحلق والسحر
هذا على أنني قد خلته سببا
…
مصرفا لي بما تجريه من قدر
تعلقا بأمور أنت شارعها
…
هاد إلى فعلها كسبا على قدر
- زين الدين ابن الجميزي السكان ومن لقيته بمصر الشيخ الصالح زين الدين أبو محمد عبد الرزاق بن عماد الدين إبراهيم بن أبي الفضائل هبة الله بن سلامة بن المسلم اللخمي الشافعي السكان المصري المعروف بابن الجميزي.
لقيته بحانوته مع صاحبنا المحدث أبي عَبْد اللَّهِ بن عاصم، وأجاز لي لفظا، وأشك في السماع منه، وكان قبل ذلك قد كتب لي عنه ملتفظا بالإجازة لي، ولبني وأخواتي، صاحبنا المحدث نجم الدين أَبُو عَبْد اللَّهِ محمد بن عبد الحميد، وأنا في الوجهة الحجازية يوم الاثنين السابع والعشرين من محرم من سنة خمس وثمانين.
سمع من عمه بهاء الدين وابن الصابوني، الأربعين البلدانية للسلفي الحافظ رحمه الله وغير ذلك، وأجاز له عمه بهاء الدين أَبُو الْحَسَنِ بن أبي الفضائل ابن الجميزي رحمه الله.
- الجمال المغربي ومن لقيناه بمصر الأديب الفاضل الكاتب البارع الحافل جمال الدين أَبُو عَبْد اللَّهِ محمد بن إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَحْيَى الأَنْصَارِيّ المروي أبوه من أهل المرية من الأندلس، المصري الدار، ويعرف بالجمال المغربي.
كتبت عنه بعض رسائله، ومن ذلك استفتاء، كان أنشأه لسبب عرض له، وأمل أعرض عنه، فما بلغ منه ما أمله، وذلك أنه خاطب بعض الفضلاء شاكيا له بحاله، وشارحا له ما ألح عليه من فقره وإقلاله، فلم يواسه بشيء من جاهه ولا ماله، فكتب هذا الاستفتاء مستعديا عليه في القضية، وشاكيا به إلى فضلاء الديار المصرية، ونصه، وهو مما سمعته عليه بقراءة، فيقنا المعظم الوزير الجليل الماجد الكامل الأصيل أبي عَبْد اللَّهِ بن الحكيم، حرس الله معاليه، وكتب في الصالحات مساعيه:
ما يَقُولُ السادة الأمجاد، والقادة الإنجاد، كنوز المفاخر، ومعادن المآثر، أهل المجد السامي، والرفد إلهامي، والحسب التليد، والأدب العتيد، في متعفف متكفف، في خمل الخمول مختف، والى كسر الانكسار منكف، لا تمتد إليه راحة براحة، ولا يجد من المواساة ما يأسو به جراحه، ولشدة ما مني به من خصاصة الإفلاس، لا يرى مادة الحياة إلا في الأحلام أو في أيدي الناس، يمسي وأساود الهموم تساور سويداء قلبه، ويصبح وغمام الغموم يكف بما يزيد في كربه، ولا ينفك يعالج بالمنى، قلبا بجمرات الحسرات اكتوى، ويصون عن التبذل، وجها بماء الحياء قد ارتوى، أوى إلى عزيز مصره، وفريد عصره، ومن زكت منه الأواصر، وعقدت عليه الخناصر، وازدانت به صدور المحافل، ودانت له صدور الجحافل، وألقت إليه الرياسة عصا تسيارها، وابتسمت له ثغور السعود وضمته عواصم أسوارها، ليفتح له من الإسعاف بابا مرتجا، وليسبغ عليه من الإسعاد ظلا سجسجا، وليبوئه من الإكرام جنة دانية القطاف، وليورده من الإنعام موارد عذبة النطاف، وليقوم مناد حاله يتثيقف نظره، وليدني منه غنى طال عليه مطال منتظره، ثقة أنه يمير بجوده النمير، وأن السؤال يثير إحسانه الكثير وأن دفع العسير عليه يسير، أفيجوز، لهذا المكمل المؤمل، أن يلفت وجهه عن هذا المذلل المعلل، وأنه إذا شكا إليه ضنك عيشته لا يشكيه، وإذا رآه لقى بين أيدي الجوائح لا يندبه ولا يبكيه، ويتركه والأيام تغاديه وتراوحه بنحوسها، وتضفي عليه من الضرورة لبوس بوسها، وتقطع طرق المناجح على رواد قصوده، وتحكم اليأس على رجائه فتديل مقصوره على ممدوده، ولم يرقب فيه إل ولاء، ولا ذمة انتماء، أفتوا بمقتضى الفتوة، ومروا بمرتضى المروة، مفضلين محسنين، على ممر الإعصار والسنين.
انتهى الاستفتاء، وكتب في الجواب عليه عدد كثير، وجمع كبير من فضلاء المصرين وأدبائهم وعلمائهم أراني من ذلك جملة في بطائقها، وقال لي أريد جمعها في كتاب يضم نشرها، ويبقي أثرها ويخلد خبرها.
وكتب منها صاحبنا الفاضل الوزير الكامل أَبُو عَبْد اللَّهِ وصل الله إسعاده
وسنى في جميع محاولاته مراده، جوابا واحدا ولم ينسبه، وكتبته من خطه، وهو هذا: حقيق بمن اختاره الله لمصره عزيزا، واصطفاه من أهل عصره، فأوفى عليهم تبريزا، وخليق بمن كان لصدور المحافل زينا، ولأعيان الصدور عينا، وبمن أحكمت الأواصر في مودته عقدا، ولويت الخناصر، على فتوته كرما ومجدا، أن يفتح لعافيه من إسعافه مرتج الأبواب ويمنح موافيه من إسعاده أبهج الأسباب، ولا يجوز له وقد ارتدى بحلة الكمال، واغتدى في حلية الجلال، أن يصرف وجه إنصافه، عن طالب إسعافه، ولا يلفت ليت إشفاقه عن خاطب إرفاقه، لاسيما إذا وثق بأنه يمير بنمير موجوده، وعلق بأن سؤاله يثير كثير إحسانه وجوده، وهذا الفاضل وإن كان منكفيا في كسر الانكسار، لعدم اليسار، مختفيا، في خمل الخمول، للخطب المهمول، فقد أحرز من الفضائل منزلة مشيدة الأركان، وبرز بإجماع الأفاضل في حلة معلمة الأردان، وحسبك بما نجم من فتواه من نجوم البديع، حالية بالمقابلة والترصيع، خالية من المقابلة والتربيع، فالإنشاء كلمة مجموعة وهذه نتيجتها ومعناها، ودوحة خضرة، وهذه ينعها وجناها، وإذا تقرر ذلك فالمذهب المهذب في شرع الكرام، الحكم بنهاية المطلب ونيل المرام.
ومن جملة من كتب جوابا عن هذا الاستفتاء ناصر الدين نصير المنياوي، وذكر لي الجمال المغربي المستفتي المذكور أنه وقع لنصير في هذه المجاوبة بيت شعر أثناء الجواب، استحسنه كل من سمعه لجودة نظمه وخفاء التعريض فيه وهو:
عين المروءة في إنسانها أبدا
…
نور يرى سر أرباب الضرورات
ومن ترسيل الجمال المغربي المذكور ما سمعته عليه بقراءة رفيقي الوزير الجليل الماجد الكامل الأصيل أبي عَبْد اللَّهِ بن الحكيم، أحكم الله معاقد مجده، وثبت
قواعد سعده، وهي رسالة صدرت له جوابا عن مجموع رسالتين، وردتا عليه، إحداهما أرجأ جوابها حتى وردت عليه أخرى، فجاوب عنهما معا، بدأتها: «لم يزل المملوك متشوقا لمشاهدة محياه الذي تهدي المسار إلى القلوب أساريره ويود الصحب لو استمدت من تألق بشره تباشيره، ويبهر عين الشمس إشراقه، فينقلب إليها بصرها خاسئا وهو حسير، وتظل متحيرة في درج مطالعها فلا تدري إلى أي جهة تسير، والى تقبيل يده التي جارى جود السحاب جودها فكبا، ورام البحر أن يكون أخا لنوالها فانف وأبي، وانتظمت قلائد مننها فزانت أجياد الأجواد، ومد نيل نيلها فكان لرفع الإعدام عن العفاة بالمرصاد، ومتشوقا لمراسمه التي تتجدد بورودها عليه رسوم سعوده، ويورق بوفادات إفاداتها إليه يابس عوده، وتجعل فرق الفرقد لقدم تقدمه نعلا، وتثبت له في العبيد اسما لما كان امتثاله لأوامرها فعلا، وتنفث في روع حاله بتعهدها روح الانتعاش، وتبرز حظه من الإقبال في أبهر حلي وأبهي رياش، وتأخذ بيده لترفعه في حضيض الخمول إلى أوج النباهة، وتحله من قلوب الصدور بما تحله له من نفاسه الوجاهة، إلى أن ألقي إليه كتاب كريم انطوت طوية ضميرة على سر بر يلحق المأمور في الإحسان بأميره عتب به الزمان، وكان من قبل لا يصغى للعتاب، وجنح مما جنى من تجنبه على بغية إلى المتاب، ففضه عن سطور كأنها سموط در أضحى الدرج لها درجا، وإذا أنعم النظر فيه كان المهرق سماء وكل معنى كوكبا وكل لفظة برجا، فاستحشد خواطر أفكاره واستنجدها، وسألها الإعانة على سلوك طريق استصعبها في جوابه واستبعدها، فجاس بها خلال ديار الألفاظ مهملها ومستعملها وأثار بها دفائن المعاني مفصلها ومجملها، فما وجد فنا من بعيد البديع البارع، ولا نوعا من ترصيع التصريع الرائع، إلا وقد ذل لمولانا صعب قياده وأطاعه، وبذل لمراده من مواتاته جهد الاستطاعة، فبينما المملوك متردد الفكر في تلفيق ما يؤدي به واجب الجواب، وجمع ما عساه يصيب به غرض الصواب، إذ تلاه كتاب تليت فيه سورة الإحسان، وجليت منه صورة الحسن، ورويت به عطاش الأذهان حتى ظن أنه صيب المزن، فلله منشيه لقد أنشأ القلوب، بما أنشأ وأطربها بها، وأودع
أصداف الأسماع من درر البلاغات أحسنها وأغربها.
فالأول طلع قمرا جعل الطرف والقلب له نزلا، فثوى فيهما ولم يبغ عنهما حولا وغدا لهذا ذرورا يزيد سواده نورا، ولهذا سميرا يفيد سويداه نورا، والثاني بزغ شمسا أشعتها آداب وفضائل، وبروجها بصائر شرفها فيها غير متناقص ولا متضائل، فلولا أن التوفيق عرف نفس المملوك مظنة الهداية، وصرف طمعها عن طلب النهاية، في حال البداية، لسولت له أن يضاهي النيرين بنجوم كلها في الخفاء سها، وأن يعارض الجواهر بأعراض لا تصدر إلا عمن شرد الرشد عنه فغفل وسها، ويأبي الله إلا أن يهدي إلى سبيل الرشاد من ائتم بأقوال مولانا وأفعاله، وألزم التمسك بعرى ولائه كبير قومه، وصغير آله، على أنه لما ورد الثاني منهما عليه، أعجله في الجواب موصله إليه ولم يمهله غير ساعة من نهار، فأملى لسان المملوك عن بال كاسف، وخاطر في أدهم الهم راسف، ما وقف عليه مولانا من الخطأ والخطل، وشاهده من الزلل والخلل، فإنه وقعت منه غلطات وضحت له بعد قفوله، وصدرت عنه فرطات لم يترو في إصلاحها لتعجيله، فمولانا يضفي عليها ستر تغافله، ويدفع بالصفح عنها في صدر تجامله، أنهى المملوك ذلك بعد تقبيل يد مولانا المالك الوالد، ألقى الله بين يديه لسان الواشي وقلب العدو وعين الحاسد» .
أنشدنا صاحبنا جمال الدين المغربي، بمصر، قَالَ: أنشدنا المعين عثمان بن سعيد بن تولوا الفهري، لنفسه من قصيد، وقد سأله الصاحب زين الدين يعقوب بن عبد الرفيع الزبيري، معارضة قصيدة حبيب التي أولها.
ما في وقوفك ساعة من باس
…
تقضي ذمام الأربع الأدراس
فنظم له قصيدة خيرا منها فقال فيها:
يا سعد ساعدني بوقفه ساعة
…
ما في وقوفك ساعة من بأس
تقضي ذمام الأربع الأدراس
يَقُولُ فيها:
وأخذت بالسيف المظفر بالعدى
…
ثأر الخلائف من بني العباس
وأنشدنا جمال الدين المذكور بمصر، وكتبه لنا بخطه، قَالَ أنشدنا ابن تولوا لنفسه:
يا ذا الذي استام سكينا ومقلته
…
تفعل في القلب أفعال السكاكين
ملكت في الحسن أضعاف النصاب ولم
…
تخرج زكاة لعشاق مساكين
وأنشدنا جمال الدين المذكور وكتبه لنا بخطه، قَالَ أنشدنا ابن تولوا لنفسه في صفة كاتب:
ندب له البحر فكر، والغمام يد
…
لذاك في الطرس يبدي الدر والزهرا
ما بين لفظ وخط سر حسنهما
…
في كل حين يسر السمع والبصرا
وأنشدنا جمال الدين المذكور، قَالَ، أنشدنا المعين ابن تولوا لنفسه من قصيد:
أبني الزبير دعاء داع طالما
…
لباه جاه منكم، ونوال
أيديكم أضحت مفاتيح الغنى
…
وسواكم أيديهم أقفال
ما في علاكم ما يقال وكيف لا
…
وبكم عثار ذوي العلاء يقال
وابن تولوا هذا أحد الأدباء النحاة الصدور من أهل إفريقية تيملي من طائفة الموحدين، استوطن مصر والقاهرة، وكان حيا في هذه المدة، ولكنه كان متعذر اللقاء لشدة مرض لزمه، منع الدخول عليه، واسمه عثمان بن سعيد بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن أَحْمَدَ بْنِ تولوا يكنى أبا عمرو.
- نصير الحمامي المنياوي وممن لقيناه أيضا بمصر الأديب البارع العذب المنازع الغريب الأمر في ما يأتي به على عاميته من عجيب النظم والنثر ناصر الدين نصير بن أَحْمَدَ بْنِ علي المصري، الحمامي المنياوي، نسبة إلى بعض منى مصر.
وهذا الرجل من مشاهير أدباء المصريين، على أنه فيما وصف لي في عداد العامة أو الأميين، ولكن له طبع معين، ومخالطة لفضلاء والأدباء، هي له على الاستعارات الأدبية والإشارات النحوية، في نظمه أكبر معين، حتى صار كلامه ونثره ونظامه، كأنه صادر عن المبرزين في الطلب، الحائزين فيه أعلى الرتب، وهو
يشتغل باكتراء الحمامات والعمل فيها، فيقصده نبلاء الشعراء ورؤساء الكتاب، ويبايته أهل العلم، والفضل والآداب.
قصدته في حمامه ليلا مع رفيقي الكاتب الجليل الماجد الكامل الوزير الفاضل أبي عَبْد اللَّهِ بن الحكيم، حملنا إليه صاحبنا المحدث المسند المقيد أَبُو عَبْد اللَّهِ بن عاصم الرندي، نزيل مصر، فأملى علينا جملة من كلامه وقد استحضر جماعة من خدامه، بمصابيح في أيديهم وكل منهم قائم على أقدامه، برا بقاصديهم في ناديهم، وهو يتمايل في إنشاده طربا، ويبدي من بدائعه عجبا، فمما ابتدأ به أولا في الإنشاد لنفسه وذلك يدل على حسن تهديه وجودة حسه:
لا تفه ما حييت إلا بخير
…
ليكون الجواب خيرا لديكا
قد سمعت الصدى وذاك جماد
…
كل شيء تقول رد عليكا
وأنشدنا نفسه:
ما زال يسقيني زلال رضابه
…
لما خفيت ضنى وذبت توقدا
ويظنني حيا رويت بريقه
…
فاذا دعا قلبي يجاوبه الصدى
وأنشدنا لنفسه:
وليل رضا حتى الغزالة مر لي
…
بقرب غزال حسنه ليس يبخس
سقاني سلاف الريق والكأس ثغره
…
على ورد خد لاح أعلاه نرجس
وقد كان محمر الشفاه فلم أزل
…
أقلبه حتى غدا وهو ألعس
وأنشدنا لنفسه:
أقول لقلبي وقد ذاب
…
في هوى شادن حاز حسنا غريبا
تصبر إذا كنت في شدة
…
عسى فرج الله يأتي قريبا
وله نظم رائق يفتخر فيه بالجمام وقدمته، ويشير ألطف إشارة بأظرف
عبارة إلى آلاته وشرف صنعته، ويبدي فيه بدائع روائع من توريته، فمما أنشدنا لنفسه من قصيد، يعد في هذا المعنى من النوع الفريد النظم:
قد طاب إيثاري وآثاري
…
وقد سمت داري ومقداري
أصبحت ذا ناد ندي غدا
…
يعرى به المرء من العار
أبوابه للناس قد فتحت
…
من سائر يأتيه أو سار
مرخم ما في حروف اسمه
…
نقص فقل من غير إنكار
ولي قدور لم ينم ساعة
…
طباخها من كثر خطار
كم من نزيل فيه خولته
…
إذ جاء في البارد والحار
كم عصرت عندي مشمولة
…
مليحة النشر لزوار
وثم صب وخليع غدا
…
يشرب في طاس وقوار
ذو خلوات يحصل الكشف لي
…
فيها إذا واصلت أسحاري
ومجلسي في حسنه جنة
…
سدر وماء نهره جار
والحوض مع رضوان في خدمة
…
الخارج والداخل في داري
مبارك الأعتاب ميمونها
…
يحمدها البائع والشاري
أسلب من شئت انتصافا إذا
…
لاقيته لا سلب غدار
ألقى به ذا العذر بالبسط
…
والتخويل في معروفي الجاري
تأتي ذوو الأعذار سعيا له
…
فتنثني من غير أعذار
وله ألغاز مستعذبة استعمل فيها طرقا من التورية مستغربة، من ذلك ما أنشدنا لنفسه في وصف قنطرة الخليج وكسره.
وما اسم خماسي الحروف مؤنث
…
يمر عليه من يسير ومن يسري
له حسن شكل زين الرفع نصبه
…
على أنه لم يبن إلا على الكسر
له الدهر كم من جعفر وخليفة
…
أتى راكبا هذا وهذا أتى يجري
وكم قامت الحرب الضروس لأجل ما
…
جرى عنده والنصر تم لذي الصبر
وتلك على التحقيق حرب مسرة
…
كما قد بكى المسرور من كثرة البشر
وأنشدنا لنفسه في حق:
يا إماما في كل علم وفن
…
وله في القريض باع وكف
أي شيء من أرض صنعا ظريف الشكل
…
لم يحك ذاك للظرف طرف
وله حافر برجل ويمشي
…
وله منطق وسمع وطرف
يكتم السر لا يبوح بسر
…
ومن كرام الأصول ما فيه خلف
حق ما قتله تجده مغطى
…
ولو له لو فهمت في الحال كشف
وأنشدنا لنفسه في مخفية على لفظ ما تنطق به العامة
يا شاعرا في عصره واحدا
…
ألفاظه في الشعر قسية
ما اسم تراني أبدا شيقا له
…
ولو كنت على نية
حروفه تكتبها ظاهرا
…
وليس تقرأ غير مخفية
وقد ردد هذا المعنى في وصف آنية يسمونها خماسية، في بيت أنشده لنا من أبيات لم يستحضر غيره:
حروفه عدا سداسية
…
وأنت تقرأها خماسية
نحو من هذا ما أنشدنا صاحبنا الأديب الكاتب أبو الحجاج يوسف بن عَلِيٍّ الطرطوشي لنفسه ملغزا في رباعي:
ما اسم لدى العد سداسي
…
وهو إذا شئت خماسي
وهو رباعي على حاله
…
فاعجب له، وهو ثلاثي
وأنشدنا لنفسه ملغزا في وصف نار، وكتب به لشخص من أصحابه يعرف بالسراج عمر:
وما اسم ثلاثي به النفع والضرر
…
له طلعة تغني عن الشمس والقمر
وليس له وجه وليس له قفا
…
وليس له سمع وليس له بصر
يمد لسانه تختشي الريح بأسه
…
ويهزأ يوم الضرب بالصارم الذكر
يموت إذا ما قمت تسقيه قاصدا
…
وأعجب من ذا أن ذاك من الشجر
أيا سامع الأبيات دونك شرحها
…
وإلا فنم عنها ونبه لها عمر
وقد أملى علينا غير ذلك من نظمه جده وهزله، فيما لم نر إيراده هنا، وأظن السراج عمر هذا المخاطب هو السراج عمر المعروف بالوراق أحد أدباء الديار المصرية، ومما بلغنا من نظمه أعني من نظم السراج الوراق قوله:
يا نازح الطيف مر نومي يعاودني
…
فقد بكيت لفقد النازحين دما
أوجبت غسلا على عيني بأدمعها
…
وكيف وهي التي لم تبلغ الحلما
وقوله:
سألتهم وقد زموا المطايا
…
ففوا نفسا فساروا حيث شاءوا
ولا عطفوا على وهم غصون
…
ولا التفتوا إلى وهم ظباء
وهذا من النظم البديع والنسج الرفيع ولنصير هذا مراجعات ومداعبات ومطايبات مع فضلاء أدباء المصريين، فمما كتب به إليه الأديب أبو الحسين المعروف بالجزار:
حسن التأتي مما يدل على
…
عقل الفتي والعقول تختلف
والعبد من كان في جزارته
…
يعرف من أين تؤكل الكتف
فجاوبه نصير بقوله:
ومذ عرفت الحمام ظلت فتى
…
لطف يداري من لا يداريه
أقبل عذرا من كل معتذر
…
وأطلب الرزق عند باريه
أعرف حر الأشيا وباردها
…
وآخذ الماء من مجاريه
وعلى ذكر الحمامي والحمام، ما أنشدنا بعض أصحابنا لبعض المشرقيين في وصف طياب:
وقيم كلمت جسمي أظافره
…
بغير ألسنة تكليم خرصان
إن أمسك اليد منى كاد يخلعها
…
أو سرح الشعر عند الغسل أبكاني
فليس يمسك بالمعروف منه يدا
…
ولا يسرح تسريحا بإحسان
ومما وجدته للأديب البارع أبي عثمان سعد بن عَبْدِ اللَّهِ الأقوبي، رحمه الله ملغزا في مضاوي الحمام وهو من النثر الجيد في معناه.
ما نجوم اشرقت في سماء، تنير مع الضياء وتخفي عند الظلماء، يهتدى بأنوارها الساطعة، إذا كانت الشمس طالعة، وإن من أعجب الأمور، أن انكدارها يقضي بزيادة النور، فيا ذا الذهن الثاقب، أنبئني ما هذه الكواكب؟ لو قَالَ: يهتدي بأنواها الباهرة، ما دامت الشمس ظاهرة لكان عندي أحسن.
ووقفت بإفريقية على جزء صنفه المحدث الرواية العدل أمين الدين أَبُو الْقَاسِمِ عبد الرحيم بن أَحْمَدَ بن عَلِيِّ بْنِ طلحة الأَنْصَارِيّ، الخزرجي، ذكر فيه الأحاديث الواردة في ذكر الحمام، وختمه بأبيات مما يليق بذكر الحمام، رأيت أن أوردها هنا، ليتضمن اسم هذا الحمامي، ما يصلح أن يحاضر به في الحمام، قَالَ في آخره: شاهدت في صفة حمام بإشبيلية مكتوبا:
أتصعب الحمام من فرط حره
…
وتنسى لهيبا في فؤادي وأضلعي
وما اشتق إلا من لهيبي لهيبه
…
وما ماؤه إلا بقية أدمعي
وشاهدت في الصفة التي تقابلها منه:
ولم أدخل الحمام ساعة بينهم
…
طلاب نعيم، قد رضيت ببوسي
ولكن لتجري دمعتي مطمئنة
…
فأبكي ولا يدري بذاك جليسي
قال: وبت ليلة في حمام الخشابين في إشبيلية مع الآجل أبي عبد الرحمن بن السيد المرحوم أبي إِسْحَاق بن أمير المؤمنين رحمهم الله، ووزيره أبي زيد عبد الرحمن بن العباس بن تيفوت، وكاتبه أبي عمرو بن حفصون الشلبي، وكان شاعرا مجيدا، وكان عبد الرحمن أجلح الرأس ثم حلق ما في مؤخر رأسه، فكأن رأسه لم يخلق الله فيه شعرا قط، فناوله الأجل أبو عبد الرحمن المشط والطفل، وقال له اغسل رأسك يا عبد الرحمن، فأنشأ أبو عمرو في ذلك الوقت يَقُولُ:
منحتم المشط لمن عهده
…
بالشعر يا مولاي عهد قديم
فلو خطاياه كما شعره
…
أتي إلى الله بقلب سليم
قال أمين الدين: سَمِعْتُ أبا الميمون عبد الوهاب بن عتيق بن وردان يَقُولُ: كان ابن الدوري من أهل الأدب والفضل بمصر، فدخل الحمام ومعه ابن رزين فقال ابن رزين.
لله يوم بحمام نعمت بها
…
والماء من حوضها ما بيننا جار
كأنه فوق شقات الرخام ضحى
…
ماء يسيل على أثواب قصار
فقال ابن الدوري مجيبا في ذلك:
وشاعر أوقد الطبع الذكاء له
…
فكاد يحرقه من فرط إذكاء
أقام يعمل أياما رويته
…
وشبه الماء بعد الجهد بالماء
قال أمين الدين قَالَ أبو الميمون رحمه الله، وله في الحمام أيضا، ثم أنشدني قوله:
إن عيش الحمام أطيب عيش
…
غير أن المقام فيه قليل
هي مثل الملوك يضفي لك الود
…
قليلا لكنه يستحيل
جنة تكره الإقامة فيها
…
وجحيم يطيب فيه الدخول
فكأن الغريق فيها كليم
…
وكأن الحريق فيها خليل
انتهى ما ختم به الجزء فلنجعله ختام ذكر الحمامي، ولنتبع ذلك بفائدة علمية فنقول: إن هذا الاعتراض الذي اعترض به ابن الدوري تشبيه ابن رزين، حتى أتى من الزري عليه بما يزري به ويشين، ليس بصحيح، فإن التشبيه على ضربين: ضرب تمثل فيه ذات شيء بذات شيء آخر لوجود شبه جامع بينهما وضرب يشبه فيه حال من شيء بحال من شيء آخر.
ومن هذا النوع الثاني، هو قول ابن رزين، فكأنه إنما شبه المجموع بالمجموع لا المفردين بالمفردين فلما تخيله ابن الدوري من تشبيه المفرد بالمفرد بادر بالاعتراض.
والنوع الأول كثير بحيث يعني عن المثال:
مديحي عصا موسى وذلك أنني
…
ضربت به بحر الندر فتضحضحا
فيا ليت شعري إن ضربت به الصفا
…
أيبعث لي منه جداول سيحا
كتلك التي أبدت ثرى البحر يابسا
…
وأجرت عيونا في الحجارة سفحا
سأمدح بعض الباخلين لعله
…
إذا اطرد المقياس أن يتسمحا
فإن ارتاب مرتاب في حسن قول ابن الرومي، وقال ليس في المديح شيء يشبه العصا، فجوابه، أن يقال: إن التشبيه إنما وقع حال المديح وحال العصا، وذلك من أبدع التشبيه وأبرعه.
ومما يشبه قول ابن رزين هذا قول الشيخ الصوفي أبي يعقوب بن السماط نفع الله، به:
والخيل مع قرع الشكيم كأنها
…
ترمي بقطن بالدماء يليل
- صاحبنا أبو حيان الجياني وممن لقيناه أيضا بالقاهرة المعزية، مجددين للقائه، شاكرين لعهده وصفائه، صاحبنا الأديب النحوي المتفنن المحدث أثير الدين أبو حيان محمد بن حيان الجياني، فمما أنشدني لنفسه، وهومن جيد قوله، وذكر أن بعض أصحابه الذين كانوا يقرؤون عليه ويتعلمون بين يديه، سايره ليلة في بعض أسواق القاهرة، وكان يلقب بدر الدين، فقال له: يا سيدي هل طلع البدر فأنشده ارتجالا:
سأل البدر هل تبدي أخوه
…
قلت يا بدر لن يطيق طلوعا
كيف يبدو وأنت بالليل باد!
…
أو بدران يطلعان جميعا
قلت: وهذا مما ينظر إلى ما أنشدنا الأديب الحسيب أبو العباس بن أبي طالب العزفي لنفسه:
وعدتني أن تزور يا أملي
…
فلم أزل للطريق مرتقبا
حتى إذا الشمس للمغيب دنت
…
وصيرت من لجينها ذهبا
أيأسني البدر منك حين بدا
…
لأنه لو ظهرت لاحتجبا
وأنشدني لنفسه:
إذا غاب عن عيني أقول سلوته
…
وإن لاح حال اللون واضطرب القلب
تهيجني عيناه والمبسم الذي
…
به المسك، منظوم به اللؤلؤ الرطب
وأنشدني لنفسه:
أيا باخلا حتى بلمس بنانه
…
تعطف على من جاد فيك بنفسه
غريب الحب لم ينو سلوة
…
طوال الليالي أو يحل برمسه
وأنشدني لنفسه:
ما كنت أدري الكيميا موجودة
…
حتى شهدتكم لدى الهيجاء
فرأيت فضة تبركم ورماحكم
…
عادت نضارا من دم الأعداء
وأنشدني لنفسه:
من نصير المشوق من لحظ خضر
…
كلم القلب كلمة ليس تبرا
تبع القلب شخصه إذ تولى
…
وكذاك الكليم يتبع خضرا
وأنشدني بالقاهرة، قَالَ: أنشدنا شيخنا أمين الدين أبو اليمن ابن عساكر،
لنفسه، وقد بعث إليه أحد أصحابه فتى اسمه محمد يستدعي منه الختمة فوجهها إليه وكتب معه:
ملاوي إن محمدا وافى إلى
…
علياك بالذكر الحكيم رسولا
علقت به روح الأمين صبابة
…
فعليه نزل حبه تنزيلا
ومما أخبرني به صاحبنا أبو حيان، وكتبه بخطه ما نصه: قال أبو حيان الأندلسي، وسطره بخطه، حدثنا التاجر أَبُو عَبْد اللَّهِ البرجوني بمدينة عيذاب من بلاد السودان وبرجونه قرية من قرى دار السلام، قَالَ: كنت بجامع كولم من بلاد الهند، ومعنا رجل مغربي اسمه يونس، فقال لي: اذكر لنا شيئا؟ فقلت له قَالَ علي صلوات الله عليه «إذا وضع الإحسان في الكريم أثمر خيرا، وإذا وضع في اللئيم أثمر شرا، كالغيث يقع في الأصداق فيثمر الدر، ويقع في فم الأفاعي فيثمر السم» ، فما راعنا إلا ويونس المغربي قد أنشد لنفسه:
صنائع المعروف إن أودعت
…
عند كريم زكت النعما
وإن تكن عند لئيم غدت
…
مكفورة موجبة إثما
كالغيث في الأصداف در وفي
…
فم الأفاعي مثمر سما
قال: أبو حيان: فلما سَمِعْتُ هذه الأبيات نظمت معناها في بيتين وهما:
إذا وضع الإحسان في الحب لم يفد
…
سوى كفره، والحر يجزي به شكرا
كغيث سقى الأفعى فجادت بسمها
…
وصادف أصدافا فأثمرت الدرا
وأنشدنا صاحبنا أبو حيان محمد بن حيان الجياني بالقاهرة، وكتبه لنا بخطه، قَالَ أنشدني صفي الدين التاجر الموثر الفاضل أبو محمد عبد الوهاب بن الرشيد التكريتي بعيذاب من بلاد السودان، قَالَ: أنشدنا ظهير الدين أَبُو عَبْد اللَّهِ محمد القبيصي لناظر الجيوش عون الدين بن العجمي بدمشق.
لهيب الخد حين بدا لعيني
…
هوى قلبي عليه كالفراش
فأحرقه فصار عليه خالا
…
وها أثر الدخان على الحواشي
وأنشدنا أبو حيان بالقاهرة وكتبه لنا بخطه، قَالَ: أنشدنا الأمير بدر الدين أبو المحاسن يوسف بن سيف الدولة أبي المعالي بن زماخ الحمداني المهمندار لنفسه بالقاهرة:
فلا تعجب لحسن المدح مني
…
صفاتك أظهرت حكم البوادي
وقد تبدي لك المرآة شخصا
…
ويسمعك الصدى ما قد تنادي
وأنشدنا صاحبنا أبو حيان بالقاهرة وكتبه لنا بخطه، قَالَ، أنشدنا أبو عمرو عثمان بن سعيد بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن أَحْمَدَ بْنِ تولوا النحوي اللغوي الأديب الإمام لنفسه، بجامع عمرو بن العاص من مصر:
أما السماح فقد أقوت معالمه
…
فما على الأرض من ترجى مكارمه
ولا يغرنك من يلقاك مبتسما
…
فطال ما غر برق أنت شائمه
لا تتعب النفس في استخلاص راحتها
…
من باخل لؤمه في الجود لائمه
آخي المذلة إعزازا لدرهمه
…
ويصحب الذل من عزت دراهمه
ماذا أقول لدهر عاش جاهله
…
غنى، ومات بسيف الفقر عالمه
قد سالم النقص حتى ما يحاربه
…
وحارب الفضل حتى ما يسالمه
وأنشدنا صاحبنا أبو حيان بالقاهرة، وكتبه بخطه، قَالَ: أنشدنا الإمام محب الدين أبو محمد أحمد بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أبي بكر الطبري، بمكة المشرفة، لجدته فاطمة بنت محمد بن عبيد الله الخطيبي الأصبهاني، من قصيد طويل ترثى به:
فلا تنكرن صبري إذن وتجلدي
…
ففي الصخرة الصماء للماء منبع
وفيها لمن رام الزناد وقيده
…
فيا عجبا ضدان في الصخر مودع
وأنشدنا أبو حيان بالقاهرة وكتبه لنا بخطه، قَالَ: أنشدنا الإمام الأديب الْقَاضِي أَبُو عَبْد اللَّهِ محمد بن أبي بكر يَحْيَى بن عَبْدِ اللَّهِ الهذلي التطيلي لنفسه، من قصيد بمدينة غرناطة.
كيف اعتقدت ظباء الإنس غزلانا
…
وقد تثنت على الكثبان أغصانا
سلت صوارم ألحاظ لها فتن
…
على القدود التي تهتز خرصانا
فما استباحت حمى قلب تعشقها
…
حتى أعدت من الألحاظ أعوانا
ومن رأى وجنات الورد يانعة
…
لم يعدم الحسن أن يلقاه بستانا
أهدت شذا عرفها الأراج عاطرة
…
فضمخت منه أعطافا وأردانا
ألقي هواها بمرآة النهى فأبى
…
منها الكمال الذي لم يحو نقصانا
كأنما كحلت بالسحر أعينها
…
فأذهلت حين راشت منه أجفانا
وأثبتت حدق منها إذا نظرت
…
في وسطها من سواد القلب إنسانا
وقد تناثر لما طار من شغف
…
فصار في أوجه الغزلان خيلانا
وأنشدني أبو حيان بالقاهرة وكتبه لنا بخطه، قَالَ: أنشدنا الفقيه الأصولي وجيه الدين رحله الوقت أَبُو عَبْد اللَّهِ محمد بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن أبي طالب أحمد بن عمران الأَنْصَارِيّ، الأزدي السعدي، بقراءتي عليه بإسكندرية، بإسناده لظاهر بن الْحَسَنِ المخزومي.
ليس التصوف أن يلاقيك الفتى
…
وعليه من نسج النحوس مرقع
بطرائق بيض وسود لفقت
…
فكأنه فيها غراب أبقع
إن التصوف ملبس متعارف
…
يخشى الفتى فيه الآله ويخشع
وأنشدني أبو حيان، قَالَ: أنشدني أَبُو الْحَسَنِ حازم لنفسه:
بلغت في الأعداء كل مراد
…
وغدا لك التأييد ذا إسعاد
الأبيات الثمانية، وقد تقدم سماعي لها، من قائلها، شيخنا أبي الحسن حازم في رسمه، وتوجهت يوما لزيارة قبر الإمام الشافعي رضي الله عنه وتطوفت بالقرافة لزيارة فضلاء من بها، فقرأت في حائط مكتوبا بفحم:
أيتها النفس إليه اذهبي
…
فحبه المشهور من مذهبي
مفضض الثغر له نقطه
…
من عنبر في خده المذهب
أيأسي التوبة من حبه
…
طلوعه شمسا من المغرب
وكتب بإزائه أيضا:
لا تحسبن شامة في خده طبعت
…
على صقالة خد راق منظره
وإنما خده الصافي تخال به
…
سواد عينيك خالا حين تنظره
وقال: كتبه حسين بن مُحَمَّدٍ الدميني، وكتبت في الحائط بالفحم بإزاء الأبيات الثلاثة الأولى.
قال شاعر المغرب أبو الحكم مالك بن المرحل
مذهبي تقبيل خد مذهب
…
سيدي ماذا ترى في مذهبي
لا تخالف مالكا في رأيه
…
فبه يأخذ أهل المغرب
ثم كان انصرافنا عن معد حرسها الله، داعين إلى الله تعالى عز وجل في تيسير المسير وتسهيل العسير، ليلة الجمعة الثانية والعشرين لشهر صفر من عام خمسة المذكور، وأنا شاك من الرمد الذي كان عراني، والله أسأل الشفاء والعافية.
ووافينا ثغر الإسكندرية عشية يوم الأربعاء، السابع والعشرين من صفر، وحالتي من الرمد مشتدة، منعتني من استيفاء أغراض عدة، وأهل علينا بها هلال شهر ربيع الأول عرف الله بركته ليلة السبت.
وفي تلك الليلة توفي الشيخ المحدث سراج الدين أبو بكر بن فارس شيخنا رحمه الله، ودفن عصر يوم السبت غرة الشهر، مر بجنازته علي وأنا بشارع الروحي، باحد الفنادق هناك، والمذكورن بين يديه، والثناء كثير عليه، رحمه لله ونفعه، وكان منهم من يَقُولُ: هذا المحدث عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، لم أستطع حضور جنازته للرمد الذي وصفته.
ذكر من لقيناه بثغر الإسكندرية في الصدور ممن لم نكن لقيناه في الورود 1 7 وجيه الدين أبو محمد بن خير 1 - لقينا به الشيخ الجليل الأصيل وجيه الدين أبا محمد عَبْد اللَّهِ بن خير بن حميد بن خلف القرشي.
سَمِعْتُ عليه وأجاز لي ولبني عائشة وأمة الله ومحمد، ولأخواتي، ولمن ذكر معي في الاستدعاء، وكتب خطه في ذلك وكتب اسمه بما نصه: وكتب عَبْد اللَّهِ بن خير بن أبي محمد بن خلف القرشي، فلعل حميدا هو المكني بأبي محمد، وعلى ما ذكرته أولا كتبه في طبقة السماع صاحبنا الصفي محمود بن أبي بكر التنوخي الشافعي.
سمعت عليه بقراءة الصفي المذكور الجزء الخامس والسادس من أحاديث الخلعي، وذلك في يوم الأحد ثاني شهر ربيع الأول بشارع الروحي، بأحد المساجد هناك، بسماعه لهما من أبي عَبْد اللَّهِ محمد بن عماد بن مُحَمَّدٍ الحراني، في سنة خمس عشرة وست مائة، بسماعه من أبي محمد بن غدير، قال، أنا أَبُو الْحَسَنِ الخلعي رحمه الله، وكانت نسختي من الكتاب التي بخط حماد بن هِبَةِ اللَّهِ الحراني خال محمد بن
عماد، يمسكها صاحبنا شهاب الدين أبو العباس أحمد بن أبي بكر بن طي بن حاتم الزبيري المصري، حفظه الله.
أنا الشيخ الجليل أبو محمد عَبْد اللَّهِ بن خير القرشي سماعا عليه، بثغر الإسكندرية في التاريخ المذكور، قَالَ: أنا أَبُو عَبْد اللَّهِ محمد بن عماد بن مُحَمَّدٍ الحراني سماعا عليه في سنة خمس عشرة وست مائة، قَالَ: أنا الشيخ أبو محمد بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رفاعة بن غدير السعدي، سماعا عليه.
قلت: وكان ذلك في الثامن عشر من محرم سنة ست وخمسين وخمس مائة بالجامع من مصر، قيل له:
أَخْبَرَكُمُ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْخِلَعِيُّ، وَذَلِكَ فِي شَهْرِ شَعْبَانَ سَنَةَ تِسْعِينَ وَأَرْبَعِ مِائَةٍ، قَالَ، أنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ وَذَلِكَ فِي سَنَةِ ثَلاثَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مِائَةٍ، أنا أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو الْمَدِينِيُّ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاثِينَ وَثَلاثِ مِائَةٍ، نا أَبُو مُوسَى يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّدَفِيُّ، نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، سَمِعَهُ يَقُولُ: اطَّلَعْتُ مِنْ جُحْرٍ فِي حُجْرَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِدْرًى يَحُكُّ بِهِ رَأْسَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «
لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكَ تَنْظُرُنِي لَطَعَنْتُ بِهِ فِي عَيْنِكَ، إِنَّمَا جُعِلَ الاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ النَّظَرِ»