المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

{حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ}: بإِذنه في القتال. {تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ}: تجدوا - التفسير الوسيط - مجمع البحوث - جـ ١

[مجموعة من المؤلفين]

الفصل: {حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ}: بإِذنه في القتال. {تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ}: تجدوا

{حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ} : بإِذنه في القتال.

{تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ} : تجدوا ثوابه عنده.

{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} أي: أَدُّوها -بأركارنها وشروطها وهيئاتها- في أوقاتها. وأصله: أفعل من قام الحقُّ: ظهر وثبت أي أظهِروها على النحو الذي يرتضيه الشرع

(بَصِيرٌ): عليم.

التفسير

109 -

{وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ

} الآية

‌سبب النزول:

روى الواحدي عن ابن عباس: أن طائفة من كبار اليهود قالوا للمسلمين - بعد وقعة أحد - ألم تروا إلى ما أصابكم؟ ولو كنتم على الحق لما هزمتم، فارجعوا إلي ديننا فهو خير لكم فنزلت: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ

}

المعنى: تمنى كثير من اليهود - أَهل الكتاب - أن يُرجعوكم - أيها المسلمون من بعد إيمانكم- كفارا: حسدًا لكم. نابعا من أَصل نفوسهم وأَعماق قلوبهم.

{مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} : من بعد ما اتضح لهم الحق الذي أنتم عليه ، بما جاء عنه -أي عن الحق- من النعوت في كتابهم، وبما ظهر لهم من الآيات التي أَيد الله بها رسوله، فلذلك ينتهزون الفرص لتنفيركم من دينكم - حتى ترتدوا عنه فلا تبالوا بهم.

{فَاعْفُوا} : عنهم ولا تعاقبوهم. (وَاصْفَحُوا): ولا تلوموهم. (حَتَّى يَأْتِىَ اللهُ بِامْرِه). أي: بإذنه في قتالهم.

{إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} فينتقم منهم حين يجيء أو ان الانتقام. وحسبهم -الآن- أن يأْكل الحسد قلوبهم.

ص: 170

وقد أَنزل الله بعد ذلك الإذن بقتالهم، في قوله:{قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} (1)، كما أَذن بإجلائهم.

وفي التعبير بقوله: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ

} الخ، للذان بأن منهم من لم يتمن ارتداد المؤمنين عن الإيمان، وهم الذين آمنوا من اليهود، كزيد بن سعنة وعبد الله ابن سلام.

110 -

{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ

} الآية.

بعد أن أَمر الله المؤمنين بمداراة أهل الكتاب- بالصبر على حسدهم وعلى ثمنيهم ارتدادهم عن الإيمان، وبالعفو والصفح عنهم؛ حتى يأْذن الله بأن ينتقموا منهم- أمرهم باللجوءِ إليه تعالى بالعبادة، تكميلا لأنفسهم واشتغالا بها عنهم، وتوسلا بها لنصره لهم فقال:

{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} أي: أدوها كاملة الأركان والشروط، مستوفية لهيئات. {وَآتُوا الزَّكَاةَ}

أي: أعطوها لمستحقيها من الأصناف الثمانية المجتمعة في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (2).

{وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ} مهما كان نوعه {تَجِدُوهُ} أي: تجدوا ثوابه يوم القيامة {عِندَ اللهِ} تعالى: فيما أعده في جنته للمحسنين. وقد أعد لهم ما لا عين رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

وفي قوله تعالى: {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ} ، إِيذان بأن الخير الذي تعطيه لأخيك المسلم كأنما تقدمه لنفسك؛ لأن المجتمع الإسلاى كالجسد الواحد.

{إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} : فلا يضيع عنده عمل العاملين.

(1) التوبة: 29.

(2)

التوبة: 60.

ص: 171

{وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (111) بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}

المفردات:

{هُودًا} : جمع هائد، كعُوذ جمع عائذ. ومعنى الهائد في الأصل: التائب. والمقصود هنا بالهود: اليهود.

{أَوْ نَصَارَى} : يعنون المسيحيين، جمع نصران ونصوانة، سموا بذلك نسبة إلى بلدة الناصرة التي كان ينزل بها عيسى، أو لأَنهم أجابوا عيسى إِلى نصره لما قال لهم: من أنصارى إلى الله؟.

{أَمَانِيُّهُمْ} الأمانيَّ: جمع أمنية- بتشديد الياء- وهي: تقدير شى، في النفس وتصويره. فيها. ولما كان أكثر. عن تخمين، صار الكذب فيه أكثر. فأ كثر التمني: تصور ما لا حقيقة له.

{بُرْهَانَكُمْ} : حجتكم.

{بَلَى} : حرف جواب ، وهي هنا نفي لقولهم.

{أَسْلَمَ وَجْهَهُ} : أخلص توجهه وقصده، أو أخلص نفسه، وعبر عنها بالوجه، لأنه أَشرف الأعضاء ومجمع المشاعر، ومظهر آثار الإخلاص.

التفسير

111 -

{وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى

} الآية.

بعد أن حكى الله عن أهل الكتاب: أن كثيرا منهم يتمنون أن يردوا المسلمين إلى الكفر، أتبعه بأكذوبة أخرى من أكاذببهم وهي قول اليهود: لن يدخل الجنة إلا من كمان يهوديا وفول النصارى: لن بدخلها إلا من كان نصرانيا. بعنون بذلك: أن المسلمين لن يدخلوها، تنفيرًا المسلمين من دينهم. وإثارة للفتنة بينهم؛ لأنهم كما تقدم. يودون ردتهم.

ص: 172

وجمع بي كلام الفريقين فى التظم الكريم: للإيجاز، وثقة بأن السامع يرد إلى كل فريق قوله؛ لأن العداوة بين القريقين معلومة.

ولقد رد الله فريتهم هذه مشيرا إليها بكل بقولة: {تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ} أي تلك أوهامهم الكاذبة التي لا أَساس لها. والأماني تطلق على ما يتمنى دون أَن يكون له سبب. فلذا أُريد منها -هنا- الأكاذيب مجازا. وجمعت مع أُنها أُمنية واحدة، لتعدد أَصحابها، أو لأَنها مشتملة على أَماني ثلاث: أُمنية اليهود دخول الجنة وحدهم، وأُمنية النصارى كذلك، وأُمنيتهم جميعا أَلا يدخلها المسلمون. ثم أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم مبكتا:{هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ} أَي: أَحضروا حجتكم على اختصاصكم بدخول الجنة {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} فيما زعمتموه، فإن كل دعوى لا دليل عليها باطلة. و"إن" تستعمل لفرض ما لا يتوقع حصوله أحيانا، كما هنا.

ثم نفى سبحانه ما زعموه صريحا بعد أَن عرَّض بكذبه، وأثبت عكس ما يقولون فقال:

112 -

{بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ

} الآية.

أي: بل يدخل الجنة: من أَخلص نفسه وذاته لله، فآمن به ونزهه - تعالى- عن الولد {وَهُوَ مُحْسِنٌ}: في جميع أعماله التي منها الإسلام. {فَلَهُ أَجْرُه} اللائق به {عِنْدَ رَبِّهِ} : المنعم المتفضل المربي في دار كرامته، كما وعده سبحانه. {وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} في الدارين من لحوق مكروه. (وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) على فوت مطلوب. فأمرهم كله أَمان واستبشار. أَما أَنتم -يأهل الكتاب- فلم تسلموا وجوهكم لله ولم تحسنوا، إذ كفرتم برسوله وكتابه، فلا حق لكم في جنته. وسوف تكونون في خوف داثم وحزن مقيم، وجعل الوجه كناية عن النفس؛ لأنه ترجمان عما تنطوى عليه من عقائد وأخلاق وصفات. فهو مظهر مشاعرها.

قال القرطبي: والعرب تخبر بالوجه عن جملة الشيء. ويصح أن يكون الوجه في الآية: المقصد. اهـ.

ص: 173