الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمعنى: فإذا تطهرت النساءُ - بعد انقطاع الحيض، والاستحمام منه - فلكم أن تباشروهن من المكان الذي أمركم الله باجتنابه - أثناء الحيض - تجنبًا للأَذى.
قاله ابن عباس وغيره.
وقال الزجَّاج: معناه: من الجهات التي يحل فيها أن تقربوا المرأة، ولا تقربوهن من حيث لا يحل، كما إذا كن صائمات أو محرمات. وأُيَّد بأنه لو أراد الفرج لقال: في حيث أمركم الله - لأنه أظهر.
{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} :
ختم الله الآية الكريمة بتأكيد حُبِّه للتائبين المبالغين في التوبة، فيما عسى أن يصدر منهم من الذنوب، كإتيان الزوجة في الحيض، وحبه للمتطهرين من الأقذار، الحريصين على تنفيذ أوامره ونواهيه.
أخرج أحمد، والترمذي، والنسائي، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"مَنْ أتى حَائِضًا فَقَد كَفَرَ بمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ".
والحديث للترهيب، والمقصود: أنه فعل ما يفعله الكافرون.
223 -
{نِسَاؤُكُمْ حَرْ ثٌ لَّكُمْ فَاتُوا حَرْ ثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ
…
} الآية.
سبب النزول:
أخرج البخاري وجماعة عن جابر، قال:"كانت اليهود تقول: إذا أتى الرجل امرأته من خلفها في قبلها - أي في فرجها - ثم حملت، جاء الولد أحوْل فنزلت".
وقد أباحت الآية، ما حرمه اليهود من إتيان المرأة - في موضع الحمل - من جهة الخلف، إذ جوزت إتيانها من أية جهة شاءَها الأزواج، عند مجامعتهن في القبل.
والحرْث: الزرع كما نقلناه عن الجوهري، أي مواضع زرع لكم. والمقصود من الزرع: إنجاب الأولاد. والكلام عن التمثيل والتشبيه.
والمعنى: نساؤُكم موضع إنجاب الذرية لكم، فاتوهن من مكان الإنجاب، كيف شئتم: من الأمام أو من الخلف، أو نائمات على جنوبهن. ولا تعبأُوا بمقالة اليهود، مادمتم تأتونهن في مواضع الحمل، حيث أمركم الله تعالى.
وفسر ابن عباس: {أَنَّى شِئْتُمْ} بأي وقت شئتم من الليل أو النهار.
وسيأتي بيان ذلك.
وليس في الآية دليل على حل وطء الزوجة في دبرها، فإن إباحة إتيانها - كيف شاء الزوج - مقيدة بموضع الحرث، أي موضع إنجاب الذرية وهو القبل. كما أن سبب النزول الذي ذكرناه يدل على ذلك.
ولهذا حرم جمهور الفقهاء إتيان النساء في أدبارهن.
ومما يدل على ذلك: أن الله تعالى حرم إتيانهن في المحيض، لاستقذاره، فكيف يُباح إتيانهن في الأدبار وهي أشد قذارة من مكان المحيض وقت الحيض؟
أَخرج ابن جرير، وابن حاتم، عن سعيد بن جبير: قال: "بينا أنا ومجاهد جالسان عند ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - إذ أتاه رجل فقال: ألا تشفيني من آية الحيض؟ قال: بلى، فقرأ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} إلى {فَاتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ}: فقال ابن عباس: من حيث جاء الدم، مِن ثَمَّ أُمِرْتَ أن تَأتِيَ، فقال: كيف بالآية، {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} فقال: ويحك، وفي الدبر من حرث؟ لو كان ما تقول حقًا، لكان المحيض منسوخًا، إذا شغل من هنا جئت من ههنا، ولكن أنى شئتم: من الليل والنهار".
وقد جاء التحريم نصًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
روى أبو داود والنسائي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا".
وروى الإمام أحمد، وابن ماجة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا" إلى غير ذلك من الأحاديث.
{وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُم مُّلَاقُوهُ} :
ثلاثة أوامر متتالية، تدعو إلى العمل الصالح، واجتناب المعاصي.
أولها: قدّموا لأنفسكم، وحذف المفعول هنا للتعميم، أي قدموا لأنفسكم. كل عمل صالح يقربكم إلى الله.
فإنجاب الأبناء، وحسن تربيتهم، عمل صالح يستمر أثره حتى بعد وفاة الوالدين.
والعلم النافع، يبقى أثره بعد وفاة صاحبه.
وكذلك الصدقة الجارية، وكل أنواع البر. والخير: عاجلها وآجلها.
ومنها ما تقدم في الآية التي قبلها، من: اعتزال النساء في المحيض، على ما تقدم بيانه.
الأمر الثاني: الأمر بالتقوى. وهو يتكرر عقب آيات الأحكام، كما لاحظنا سابقًا.
ومعنى التقوى: خشية الله، واتقاء غضبه، بفعل الطاعات، وترك المنهيات، فإنها خير زاد. قال تعالى:{وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} (1).
والأمر الثالث: في تذكير المؤْمنين بانتهاء هذه الحياة الدنيا، وبأَن كلاًّ منهم سيلقى الله، وسيجني جزاء ما قدمت يداه.
والعلم اليقيني بهذا المصير: يلازم صاحبه في كل زمان ومكان، فيجعله حريصًا على أداء الطعات، واجتناب المنهيات.
{وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} :
ذيَّل الله الآية الكريمة بأَمر رسوله صلى الله عليه وسلم: أن يبشر المؤمنين بالثواب الجزيل، على ما قدمت أيديهم من أعمال صالحات.
(1) البقرة: 197
{عُرْضَةً} : أي معترضًا وحاجزًا.
{لِأَيْمَانِكُمْ} : الإيمان جميع يمين. وهي هنا: اسم للخلف. وهي في الأصل مصدر لا فعل له، تقول: حلفت يمينًا، كما تقول حلفت حلفًا، ثم أُطلقت على المحلوف عليه. ومنه قوله صلى الله عليه وسلم:"مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَليُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ وَلْيَفْعَلِ الِّذِي هُوَ خَيْرٌ" أخرجه مسلم وغيره وسيأتي.
{أَن تَبرُّوا} : أن تفعلوا البر.
{اللَّغْوِ} : ما لا يعتد به من الكلام. واللغو في اليمين: ما يجري على اللسان دون قصد، مثل قول القائل: والله، وبلى والله.
التفسير
224 -
{وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْ ضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّ وا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ
…
} الآية.
لما أمر الله - تعالى - في الآية السابقة بتقواه، وحذَّر من لقائه على معصية، وبشَّر المؤمنين - أتبع ذلك لونًا من ألوان التقوى، وهو أَلا يجعلوا لله عرضةً لأَيمانهم، حتى تنالهم بشارته سبحانه وتعالى.